الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ وُجُوبِ الْمَبِيتِ بِمِنًى لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَالتَّرْخِيصِ فِي تَرْكِهِ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ
[1315]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ.
وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح، وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
قوله: ((مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ))، أي: من أجل سقاية الحجاج، فينزل لزمزم ويملأ الدِّلاء، ويصب في الحياض، فإذا جاء الحجاج وجدوا الماء مهيَّأً.
في هذا الحديث: الرخصة لأهل السقاية في عدم المبيت بمنى ليالي أيام التشريق.
وفيه: دليل على أن المبيت بمنى واجب؛ لأن الاستئذان لا يكون إلا من شيء واجب، والرخصة لا تكون إلا من شيء واجب؛ ولأنه لو لم يكن واجبًا لم تكن هناك حاجة للاستئذان، ويقاس عليه رعاة الإبل، والمريض ينقل إلى المستشفى، والمرافق له- أيضًا-، وكذلك الجندي الذي يرابط لحفظ الأمن، والطبيب الذي يداوم في المستشفى لعلاج المرضى، ومن كان مثلهم من أصحاب الأعذار، أما من عداهم فإنه يجب عليهم المبيت
بمنى على الصواب الذي عليه الجماهير، ومن لم يبت فعليه دم
(1)
؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: ((مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا، أَوْ تَرَكَهُ، فَلْيُهْرِقْ دَمًا))
(2)
.
وعند الحنفية
(3)
، وفي قول للشافعية
(4)
، ورواية عن الإمام أحمد
(5)
: المبيت بِمِنًى سنة، وليس على من تركه دم، لكن هذا القول ضعيف؛ لأن الاستئذان لا يكون إلا من شيء واجب، ولو كان سنة لم يكن هناك حاجة للاستئذان.
[1316]
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْدَ الْكَعْبَةِ، فَأَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَى بَنِي عَمِّكُمْ يَسْقُونَ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ، وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ؟ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ، أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ فقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ، وَلَا بُخْلٍ، قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ، فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ، فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ، وَقَالَ:((أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا))، فَلَا نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قوله: ((مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ)) الضرير: أي: كفيف البصر، وقال ذلك تمييزًا له عن غيره، ولا يعد من الغيبة.
وقوله: ((فَاسْتَسْقَى))، أي: طلب الماء.
(1)
الشرح الكبير، للدسوقي (2/ 48)، المجموع، للنووي (8/ 247)، المغني، لابن قدامة (3/ 365).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (926)، والدارقطني (2512)، والبيهقي في الكبرى (8969).
(3)
تبيين الحقائق، للزيلعي (2/ 35).
(4)
المجموع، للنووي (8/ 247).
(5)
المغني، لابن قدامة (3/ 397).
هذا الحديث فيه: جرأة الأعرابي على ابن عباس رضي الله عنهما ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال له:((مَا لِي أَرَى بَنِي عَمِّكُمْ يَسْقُونَ الْعَسَلَ وَاللَّبَنَ، وَأَنْتُمْ تَسْقُونَ النَّبِيذَ؟ أَمِنْ حَاجَةٍ بِكُمْ، أَمْ مِنْ بُخْلٍ؟ ))، والنبيذ هو: التمر يصب عليه ماء، فيكون حلوًا، يعني: أن الأعرابي لما رأى ابن عباس رضي الله عنهما يسقي الناس نبيذ التمر قال له: ما لكم يا ابن عباس، هل أنتم بخلاء أم فقراء؟ فالناس يسقون العسل واللبن، وأنتم لا تسقون إلا نبيذ التمر، فقال ابن عباس رضي الله عنهما:((الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا بِنَا مِنْ حَاجَةٍ، وَلَا بُخْلٍ)) نحن آل النبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس، ولا نريد أن نغير شيئًا أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جاء إلينا ونحن نسقي الناس النبيذ، فشرب، وأعطى الفضلة أسامة، ثُمَّ قال:((أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا)) فنحن لا نحب أن نغير شيئًا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نثبت عليه.