الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضْلِ الْمَدِينَةِ، وَدُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، وَبَيَانِ تَحْرِيمِهَا، وَتَحْرِيمِ صَيْدِهَا، وَشَجَرِهَا، وَبَيَانِ حُدُودِ حَرَمِهَا
[1360]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيَّ- عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ)).
[خ: 2129]
وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي: ابْنَ الْمُخْتَارِ-.ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ. ح، وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، كُلُّهُمْ عَنْ عَمْرِو ابْنِ يَحْيَى هُوَ الْمَازِنِيُّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، أَمَّا حَدِيثُ وُهَيْبٍ، فَكَرِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ: بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ، وَأَمَّا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، فَفِي رِوَايَتِهِمَا: مِثْلَ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ.
[1361]
وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ- يَعْنِي: ابْنَ مُضَرَ- عَنِ ابْنِ الْهَادِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا)) - يُرِيدُ: الْمَدِينَةَ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعَنْبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ خَطَبَ النَّاسَ، فَذَكَرَ مَكَّةَ، وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَدِينَةَ، وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، فَنَادَاهُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، فَقَالَ: مَا لِي أَسْمَعُكَ ذَكَرْتَ مَكَّةَ، وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَلَمْ تَذْكُرِ الْمَدِينَةَ، وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، وَذَلِكَ
عَنْدَنَا فِي أَدِيمٍ خَوْلَانِيٍّ إِنْ شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ مَرْوَانُ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ ذَلِكَ.
ورد في هذا الحديث: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَدَعَا لِأَهْلِهَا))، وفي الحديث الآخر:((إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ))، والجمع بينهما: أن الله سبحانه وتعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، وأما إبراهيم فإنه أظهر تحريمها بعد أن نسي الناس ذلك بأمر الله له، وإلا فإن تحريمها سابق.
وقوله: ((وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ))، يعني: بأمر الله عز وجل، فالله هو المحرِّم، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مبلغ عن الله سبحانه وتعالى.
وقوله: ((وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا، وَمُدِّهَا))، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالبركة للمدينة في صاعها، ومدها وثمرها، ((بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّة))، أي: دعا الله أن يجعل في المدينة من البركة ضعفي ما جعله لأهل مكة، ويرجى أن الله تعالى أجاب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كان في المدينة يجد البركة في ثمارها وصاعها ومدها.
[1362]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأَسْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا، لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا، وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا)).
قوله: ((عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ)) إذا أطلق جابر فالمراد به جابر بن عبد الله، وفي الصحابة جوابر كثر.
وقوله: ((مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا)) هُما الحرتان الشرقية والغربية، على حدود حرم المدينة، وهذا من جهة الشرق، والغرب، وأما من جهة الشمال، والجنوب
فـ ((الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ))
(1)
كما جاء في الحديث الآخر.
[1363]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ: أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا، وَقَالَ: الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا، إِلَّا أَبْدَلَ اللهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا، أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ، وَزَادَ في الحديث:((وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ، إِلَّا أَذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ- أَوْ: ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ)).
في هذا الحديث: دليل على أن المدينة لها حرمة، وأنه يحرم صيدها وقطع شجرها، إلا أن حرمتها أخف من حرمة مكة، كما سيأتي.
والحرم النبوي فيه خلاف في وجوب الجزاء؛ هل يجب الجزاء بأن يكون له سَلَب، كما سيأتي في الحديث:((مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَصِيدُ فِي حُدُودِ الْمَدِينَةِ أَوْ يَقْطَعُ مِنْ شَجَرِهَا فَخُذُوا سَلَبَهُ))
(2)
، أي: يؤخذ ما معه من السلاح والثياب والمركوب.
وفيه: دليل على تحريم قطع الشجر، وتحريم قتل الصيد في المدينة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا، أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا))، وأن ينفر صيدها.
وليس في الدنيا إلا حَرَمَانِ على الصحيح:
(1)
أخرجه مسلم (1372).
(2)
التمهيد لما في الموطأ من الأسانيد، لابن عبد البر (6/ 310).
الحرم المدني، والحرم المكي.
واختُلف في حرم ثالث، وهو وادي (وج) موضع بناحية الطائف قريب من مكة، فقيل: إنه حرم، والصواب: أنه ليس بحرم.
وأما ما يقوله بعض الناس بأن المسجد الأقصى حرم، وأنه ثالث الحرمين الشرفين فهذا غلط، ومن الأخطاء الشائعة.
وقوله: ((وَلَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا، إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا- أَوْ: شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) هذه بشارة لمن صبر من أهل المدينة على الشدة والمشقة فيها، بشرط أن يكون معه الإيمان والاحتساب وأن لا يكون مشركًا.
وفيه: أن من خرج من المدينة رغبةً عنها فإن الله يبدلها خيرًا منه، لكن من خرج لا رغبة عنها فلا حرج؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم خرجوا إلى الأمصار ينشرون دين الله عز وجل، ويبلغون العلم، ويجاهدون في سبيل الله.
وفيه: وعيد شديد لمن أراد المدينة بسوء، وكذلك من أراد مكة فهو أشد؛ لأن تحريم حرمها أغلظ، ومضاعفة الصلاة فيها أكثر، وكل من أراد المسلمين بسوء فهو متوعَّد بهذا الوعيد الشديد.
وقوله: ((إِلَّا أَذَابَهُ اللهُ فِي النَّارِ)) ليس خاصًّا بالآخرة، قال القاضي عياض:((هذه الزيادة (فى النار) ترفع إشكال الأحاديث التى لم تذكر فيها، وأن هذا حكمه فى الآخرة، وقد يكون المراد به: من أرادها فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم فى الدنيا، فيكفى أمره، ويضمحل كيده، كما يضمحل الرصاص، ويكون (في النَّارِ) مقدَّمًا فى اللفظ، كما قال في الحديث الآخر:(كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ)، أو يكون ذلك لمن أرادها فى الدنيا فلا يمهله الله، ولا يُمكن سلطانه، ويذهبه عن قرب، كما انقضى مِن شأن مَن حاربها أيام بني أمية، مثل: مسلم بن عقبة، وهلاكه منصرفه عنها، ثُمَّ هلاك يزيد بن معاوية
مرسلة على إثر ذلك، وغيرهم ممن صنع مثل صنيعهم)).
[1364]
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، جَمِيعًا عَنِ الْعَقَدِيِّ، قَالَ عبدَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ: أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ، فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا، أَوْ يَخْبِطُهُ فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ، فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ، أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ.
في هذا الحديث: أن سعدًا رضي الله عنه لما رأى عبدًا يقطع شجرة بالسيف في المدينة ((فَسَلَبَهُ))، يعني: أخذ ما معه من السلاح، والثياب، والمركوب.
وما صاده إن كان حيًّا أُطلق، وإن كان قتله فهو ميتة لا يؤكل.
وقوله: ((جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ، فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ، أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ))، أي: فجاء أهل العبد إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقالوا له: أعطنا ما أخذت منه، فقَالَ:((مَعَاذَ اللهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، يعني: كسَلَب القتيل من الكفار، فيدخل فيه فرسه وسلاحه ونفقته، وغير ذلك مما يدخل في سَلَب القتيل، ((وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ))، وجاء في حديث آخر:((إِنْ شِئْتُمْ أنْ أعْطِيَكُمْ ثَمَنَهُ أَعْطَيْتُكُمْ))
(1)
، لكن هذا لا أعطيكم إياه؛ لأن هذا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا إذا لم يترتب على سلبه مفسدة، يعني: إذا رأيت من يصيد وخشيت إن أخذت ثيابه، أو سلاحه، أو مركوبه، من حصول مضرة فتدرأ المفسدة، ويرفع الدعوة للمحكمة، ويثبت أنه رآه يصيد فَيُعطى سلبه؛ لأن درء
(1)
أخرجه أحمد (1460)، وأبو داود (2037).
المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وهذا الحديث استدل به بعض أهل العلم على أن من قطع شجرة، أو صاد صيدًا في المدينة فإن عقوبته بأن يسلب، ويؤخذ ما معه من السلاح، وليس فيه جزاء.
وقال آخرون من أهل العلم: فيه جزاء مثل حرم مكة، فالصيد فيه جزاء، والشجر فيه جزاء.
والراجح: ما دل عليه الحديث أن له سلبه.
[1365]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو- مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْطَبٍ- أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي طَلْحَةَ-: ((الْتَمِسْ لِي غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي))، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا نَزَلَ، وقَالَ في الحديث: ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: ((هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ))، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ:((اللهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ)).
[خ: 5425]
وَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ- عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:((إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا)).
قوله: ((إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا))، وهما جبلا عير وثور جهتي الشمال والجنوب، أما جهة الشرق والغرب فما بين اللابتين، كما سبق.
في هذا الحديث: أن جبل أُحُد جعل الله فيه من الإحساس، وأنه يحب
المسلمين، وهم يحبونه، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:((هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ))، والصواب أن هذا الحديث على ظاهره؛ فالله تبارك وتعالى جعل في بعض الجمادات إحساسًا، كما قال الله تعالى:{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ، وقال تعالى:{وَإِنْ مِنْ شيء إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حَنَّ له الجذع
(1)
، وسبَّح الطعام في يده
(2)
، وقال:((إنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ))
(3)
، وهذا خلافًا لما تأوله المازري إذ قال:((يُحبنا أهله فحذف المضاف وَأقام المضاف إليه مقامه))
(4)
، فهذا من التأويل المردود.
[1366]
وَحَدَّثَنَاهُ حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا؛ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا- قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: هَذِهِ شَدِيدَةٌ- مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا، قَالَ: فقَالَ ابْنُ أَنَسٍ: أَوْ آوَى مُحْدِثًا.
[خ: 7306]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، هِيَ حَرَامٌ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
قوله: ((لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا))، أي: لا يُحش حشيشها.
(1)
أخرجه البخاري (3583).
(2)
أخرجه البخاري (3579).
(3)
أخرجه مسلم (2279).
(4)
المعلم، للمازري (3/ 117).
وقوله: ((فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) هذا وعيد يدل على أنه من الكبائر.
[1368]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((اللهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ)).
[خ: 2130]
[1369]
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّامِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ، يُحَدِّثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ)).
[خ: 1885]
[1370]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ عَنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ- قَالَ: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ- فَقَدْ كَذَبَ؛ فِيهَا أَسْنَانُ الْإِبِلِ، وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا))، وَانْتَهَى حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ، وَزُهَيْرٍ، عَنْدَ قَوْلِهِ:((يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ))، وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا: مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيْفِهِ.
[خ: 7300]
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، أَخْبَرَنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو
سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، إِلَى آخِرِهِ.
وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ، وَوَكِيعٍ، إِلَّا قَوْلَهُ:((مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ))، وَذِكْرَ اللَّعْنَةِ لَهُ.
[1371]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ، وَلَا صَرْفٌ)).
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَقُلْ:((يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وَزَادَ:((وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدْلٌ، وَلَا صَرْفٌ)).
[1372]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ تَرْتَعُ بِالْمَدِينَةِ مَا ذَعَرْتُهَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ)).
[خ: 1872]
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَيْنَ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَلَوْ وَجَدْتُ الظِّبَاءَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا مَا ذَعَرْتُهَا، وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى.
قوله: ((أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا)) المراد بالحدث: المعاصي والبدع.
وقوله: ((أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ)) كأن يكون العبد عتيقًا لقريش، وينتمي إلى تميم؛ ليأخذ بذلك رفدهم، أو يكون مولى لتميم فينتمي إلى قريش، فهذا من الكبائر.
في هذه الأحاديث: الرد على الرافضة والشيعة الذين يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم خصَّ أهل البيت بخصائصَ، وخصَّ عليًّا رضي الله عنه بخصائصَ ووصايا، وأنه سيكون الخليفةَ بعده.
وقوله: ((مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللهِ، وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ))، يعني: ليس عندنا إلا كتاب الله، أو فهمًا يعطيه الله من شاء من عباده.
وقوله: ((فَمَنْ أَخْفَرَ)) أخفرت الرجلَ إذا نقضتَ عهده، وخفرته إذا أمَّنته، فيختلف المعنى بالتعدية بدخول همزة السلب على الفعل؛ وهي الهمزة التي تدخل على الفعل فتنقل معناه إلى ضده، فخفره، يعني: حماه، وأجاره، وصانه، وأخفره، يعني: نقض عهده وذمته، فخفر ضد أخفر.
وقوله: ((لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ)) الظباء جمع ظبي، وهي من الصيد، ((تَرْتَعُ بِالْمَدِينَةِ))، أي: ترعى.
وقوله: ((مَا ذَعَرْتُهَا))، يعني: ما نفرتها، وتركتها ترعى مرتاحة آمنة؛ لأنها في حرم آمن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن المدينة:((الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ))
(1)
.
وفيها: أن من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
(1)
أخرجه مسلم (1372).
[1373]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعَنْا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ، وَخَلِيلُكَ، وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ، وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ، بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ))، قَالَ: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ، فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ.
في هذا الحديث: أنه كان يؤتى بأول الثمر، كالتمر أو العنب، أو ما أشبه ذلك، يؤتى بشيء منه للنبي صلى الله عليه وسلم، فيدعو فيقول:((اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعَنْا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا)).
وقوله: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ، وَخَلِيلُكَ، وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ، وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ، بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ مَعَهُ))، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم خليل الله عز وجل، ولم يقل: أنا خليلك، إما تواضعًا مع جده إبراهيم؛ أو لأن الله لم يكن أعْلَمَهُ بأنه خليله، ثُمَّ أعلمه بعد ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم:((فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا))
(1)
، وفي لفظ آخر:((لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلًا، وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ اللهِ)
(2)
، يعني: نفسه عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا يقال: الخليلان: إبراهيم، ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
والخُلَّة أعلى درجة في المحبة، فهي نهايتها وكمالها، ويسمى الخليل خليلًا؛ لأن محبته تصل إلى سويداء القلب، هذا بالنسبة للمخلوق، أما خُلَّة
(1)
أخرجه مسلم (534).
(2)
أخرجه مسلم (2385).
الله تعالى فهي صفة من صفاته سبحانه وتعالى، لا تُكَيَّف، ولا تُمَثَّل، فلا يشارك المخلوق في صفاته سبحانه وتعالى، وقلب المخلوق لا يتسع لأكثر من خليل، أما المحبة فتتسع لآخرين.
ومن هنا يظهر الغلط عند بعض الخطباء الذين يقولون: صلوا على حبيب الله، أو صلوا على الحبيب، والأولى أن يقولوا: صلوا على خليل الله، فيوصف بالخُلَّة؛ لأن الخُلَّة أكمل.
تنبيه: قال القاضي عياض رحمه الله: ((وفيه: تخصيص الرئيس في العلم والسلطان بالهدية والطرفة تفضيلًا له، وتقديمًا، ورجاء بركة دعائه))
(1)
، هذه الفائدة ليست ظاهرة، لا في تخصيص الرئيس في العلم والسطان، ولا في بركة دعائه، فلا يدل الحديث على ذلك، بل الثمرة يعطاها كل أحد، والبركة يدعو بها كل أحد في أول الثمر وأوسطه وآخره.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِأَوَّلِ الثَّمَرِ، فَيَقُولُ: اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَفِي ثِمَارِنَا، وَفِي مُدِّنَا، وَفِي صَاعَنْا بَرَكَةً مَعَ بَرَكَةٍ، ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنَ الْوِلْدَانِ)).
في هذا الحديث: أنه كان إذا أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الرطب أو العنب أول ما يظهر يدعو بالبركة، ثُمَّ يدعو الصبيان ويعطيهم هذا التمر؛ لأن الصبيان تتشوف نفوسهم إلى الثمار، ولا يصبرون بخلاف الكبار.
(1)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (4/ 492).