الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قَضَاءِ الصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ
[1147]
وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ)).
[خ: 1952]
في هذا الحديث: أن من مات وعليه صيام لم يصمه شرع أن يصومه عنه وليه.
وقوله: ((وَعَلَيْهِ صِيَامٌ))، يعني: عليه صوم واجب، وكلمة ((عَلَيْهِ)): تفيد الوجوب، وهذا عام، سواء أكان عليه صيام من رمضان، أو صيام نذر، أو كفارة، فإنه يصوم عنه وليه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:((مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ))؛ لأن ((صِيَام)): نكرة، والنكرة في سياق النفي، أو النهي، أو الشرط تعمُّ، كما هو مقرر في الأصول.
قال النووي رحمه الله: ((اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هل يقضى عنه، وللشافعي في المسألة قولان مشهوران؛ أشهرهما: لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلًا، والثاني: يستحب لوليه أن يصوم عنه، ويصح صومه عنه، ويبرأ به الميت، ولا يحتاج إلى إطعام عنه، وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده، وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة
…
وذهب الجمهور إلى أنه لا يصام عن ميت لا نذر ولا غيره
…
قال القاضي عياض وغيره: هو قول جمهور العلماء، وتأولوا الحديث على أنه يطعم عنه وليه، وهذا تأويل ضعيف بل باطل وأي ضرورة
إليه، وأي مانع يمنع من العمل بظاهره مع تظاهر الأحاديث مع عدم المعارض لها، قال القاضي وأصحابنا: وأجمعوا على أنه لا يصلى عنه صلاة فائتة، وعلى أنه لا يصام عن أحد في حياته، وإنما الخلاف في الميت، والله أعلم)).
(1)
والصواب: هو الصيام عن الميت مطلقًا.
ومحل الصيام عن الميت: إذا تمكن من الصيام ولم يصمه، كأن شفي من مرضه قدر الأيام التي عليه، ثم لم يصم، أما إذا لم يتمكن الميت من الصيام حتى مات، أو مات وهو في سفره وقد أفطر، فهذا لا يُصام عنه ولا يُطعَم عنه؛ لأنه لم يجب عليه الصوم أصلًا؛ لقوله تعالى:{فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر} وهذا لم يتمكن من العدة.
(1)
شرح مسلم، للنووي (8/ 26).
[1148]
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، فَقَالَ:((أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ ! ))، قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: ((فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ)).
[خ: 1953]
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ فَقَالَ:((لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ عَنْهَا؟ )) قَالَ: نَعَمْ قَالَ: ((فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى! )).
قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الْحَكَمُ، وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ جَمِيعًا: وَنَحْنُ جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَا: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَلَمَةَ ابْنِ كُهَيْلٍ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ.
في هذا الحديث حجة لمن قال: إنه لا يُقضى إلا صوم النذر، والحديث الأول عام.
وفيه: تشبيه دَين الله بدَين الآدمي.
وفيه: إثبات القياس، والرد على من أنكره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قاس دَين الله على دَين الآدمي، فقال:((أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ؟ قالت: نعم، قال: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى)).
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، جميعًا عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ عَبْدٌ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ:((أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ، أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا؟ ))، قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: ((فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ)).
[1149]
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ قَالَ: فَقَالَ: ((وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ))، قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَالَ:((صُومِي عَنْهَا))، قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ:((حُجِّي عَنْهَا)).
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرٍ.
وَحَدَّثَنِيهِ إِسْحَاق بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ: بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرَيْنِ.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ الْمَكِّيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: بِمِثْلِ حَدِيثِهِمْ، وَقَالَ: صَوْمُ شَهْرٍ.
في هذه الأحاديث ثلاثة أحكام:
الأول: مشروعية الرد في الميراث خلافًا لمن أنكره، وهو رد الباقي بعد ميراث ذوي الفروض على أهل الفروض، فإذا مات شخص عن بنت ولم يوجد غيرها من الورثة فلها النصف فرضًا، والنصف الثاني يُرَدُّ عليها؛ لأن هذه المرأة قالت:((إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ))، يعني: بوليدة، ((وَإِنَّهَا مَاتَتْ))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ)).
الثاني: قضاء الصوم عن الميت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لما سألته بقولها: ((إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ ))، فقال:((صُومِي عَنْهَا)).
الثالث: قضاء الحج عن الميت.