الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضْلِ النَّفَقَةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْأَقْرَبِينَ، وَالزَّوْجِ، وَالْأَوْلَادِ، وَالْوَالِدَيْنِ، وَلَوْ كَانُوا مُشْرِكِينَ
[998]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَى، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَى، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ))، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.
[خ: 1461]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَرَى رَبَّنَا يَسْأَلُنَا مِنْ أَمْوَالِنَا، فَأُشْهِدُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ أَرْضِي بَرِيحَى لِلَّهِ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اجْعَلْهَا فِي قَرَابَتِكَ)) قَالَ: فَجَعَلَهَا فِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَأُبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ.
قوله: ((بَيْرَحَى)) - بفتح الراء وضمها مع كسر الباء، وبفتح الباء والراء-: هذا الموضع يعرف بقصر بني جديلة قبلي المسجد، وهو حائط يسمى بهذا الاسم.
وقوله: ((بَخْ)): فيه لغات
(1)
، وهي كلمة لتفخيم الأمر وتعظيمه، قال ابن الأثير:((بَخْ بَخْ)): كلمة تقال عند المدح والرضى بالشيء، وتكرَّر للمبالغة، وهي مبنية على السكون، فإن وُصلت جُرَّت ونُوِّنت، فيقال: بَخٍ بَخٍ، وربما شُدِّدت، وبخبختَ الرجل، إذا قلتَ له ذلك.
وقوله: ((ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ)) من الربح، وروي ((ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ))
(2)
، يعني: رايح أجره عند الله عز وجل.
وفي هذا الحديث: أن النفقة على الأقارب مقدَّمة على النفقة على الأباعد؛ لأن النفقة على القريب صدقة، وصلة، بخلاف البعيد فإنها صدقة فحسب.
وفيه: فضل أبي طلحة رضي الله عنه وقوة إيمانه، حيث تصدق بهذه الحديقة التي هي أَنْفَس أمواله وبذلها لله عز وجل.
وفيه: جواز قول: يقول الله، أو قال الله كذا.
وفيه: أن بني العم يدخلون في الأقارب، ولو كانوا بعيدين؛ لهذا قسمها أبو طلحة لأبي بن كعب، وحسان بن ثابت، وهو يجتمع معهم في الجد السابع، وكلما قربت الصدقة على الأقارب كانت أفضل.
[999]
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ: أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ)).
[خ: 2594]
في هذا الحديث: أن صلة الرحم تكون بالمال، أو بالعبد يدفعه إليهم لخدمتهم، ويكون هذا أفضل من عتق العبد؛ لأن ميمونة رضي الله عنها أعتقت هذه الوليدة، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم:((لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ))،
(1)
النهاية، لابن الأثير (1/ 101).
(2)
أخرجه البخاري (4554).
يعني: لو تصدقتي بها على أخوالك كان أفضل من العتق.
وفيه: جواز تصرف المرأة الرشيدة في مالها بغير إذن زوجها؛ لأن ميمونة رضي الله عنها أعتقت هذه الوليدة، ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا استأذنت المرأة زوجها تطييبًا لخاطره من باب حسن المعاشرة فهذا حسن.
وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: ((لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا))
(1)
فيجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: أنه شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، والشاذ ضعيف لا يحتج به، وإن لم يكن شاذًّا فما في صحيح مسلم مقدَّم على غيره عند التعارض.
الجواب الثاني: أنه محمول على عطية المرأة من مال زوجها، لا من مالها.
(1)
أخرجه أحمد (7058)، وأبو داود (3546)، والنسائي (3756)، وابن ماجه (2388).
[1000]
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ)) قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي، وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ، قَالَتْ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ: بَلِ ائْتِيهِ أَنْتِ، قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتِي حَاجَتُهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ، قَالَتْ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ، فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ بِالْبَابِ تَسْأَلَانِكَ: أَتُجْزِئُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أَزْوَاجِهِمَا، وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا؟ وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِلَالٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ هُمَا؟ ))، فَقَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَزَيْنَبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ )) قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((لَهُمَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ)).
[خ: 1461]
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فَذَكَرْتُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ، بِمِثْلِهِ سَوَاءً قَالَ: قَالَتْ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَىنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ))، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ.
[1001]
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِي أَجْرٌ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ؟ أُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا،
إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ، فَقَالَ:((نَعَمْ، لَكِ فِيهِمْ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ)).
[خ: 1467]
وَحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح، وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ.
قوله: ((وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ)): هل يدل على أنه لا زكاة في الحلي؟
الجواب: أنه لا يدل على ذلك؛ لأن صدقة التطوع غير الزكاة.
وفي هذا الحديث: فضل الصدقة على الأيتام في الحجر، وفضل صدقة المرأة على زوجها، وأن فيها أجرين: أجر القرابة، وأجر الصدقة.
وهذه الصدقة قال فيها بعضهم: هي الزكاة، وقيل: هي صدقة التطوع، والأقرب: أنها صدقة التطوع، كما قال ذلك النووي رحمه الله تعالى:((ونفقة أم سلمة على بنيها المراد به كله: صدقة تطوع، وسياق الأحاديث يدل عليه))
(1)
.
فإن قيل: إنَّ صَدَقَتَها كانت زكاةً، وعليه فيجوز دفع الزكاة من المرأة إلى زوجها، دون أولادها.
أجيب: بأنها تصدقت على زوجها، وعلى أولادها؛ والقول بأنها على الزوج زكاةٌ، وعلى الأيتام صدقةُ تطوعٍ- بعيدٌ، والأقرب: أنها صدقة تطوع للزوج وللأولاد.
وفي قول زينب رضي الله عنها: ((وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ))، ثم إخبار بلال رضي الله عنه بهما إشكال، وهو: أنه قد يقال: إن بلالًا أخلف الوعد، وأفشى السر؟ !
والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله، وجواب النبي صلى الله عليه وسلم واجب، وهو مقدَّم على غيره.
وفيه: فضل النفقة من المرأة على أولادها، وأنها مأجورة كالرجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((نَعَمْ، لَكِ فِيهِمْ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ)).
(1)
شرح مسلم، للنووي (7/ 88).
[1002]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ- وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً- وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا- كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً)).
[خ: 5351]
وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ. ح، وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ.
قوله: ((يَحْتَسِبُهَا)): الاحتساب معناه: أن يحتسب الأجر عند الله، ويتذكر أن الله أوجب عليه النفقة عليهم، وأنه ينفق عليهم قيامًا بالواجب، وابتغاءً لمرضاة الله.
وهو ليس قيدًا في الأجر، فالمعنى: أنه إذا احتسب فله أجر زائد على أجر النفقة.
وخالف النووي رحمه الله واختار أنه قيد؛ لأنه يرى أن المحتسب هو الذي يؤجر، وأنه إذا أنفق مع الغفلة فلا يؤجر، وهذا مرجوح
(1)
.
(1)
شرح مسلم، للنووي (7/ 88 - 89).
[1003]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ، وَهِيَ رَاغِبَةٌ- أَوْ رَاهِبَةٌ- أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ:((نَعَمْ)).
[خ: 2620]
وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي- وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ- فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ:((نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ)).
في هذا الحديث: أن أم أسماء رضي الله عنها قَدِمَت عليها في الهدنة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش بصلح الحديبية.
وقولها: ((وَهِيَ رَاغِبَةٌ))، يعني: طالبة صلتي.
وفي الرواية الأولى: ((وَهِيَ رَاغِبَةٌ- أَوْ رَاهِبَةٌ)): وهذا شك من الراوي.
فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت:((أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ ))، فقال:((نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ)).
وفيه: جواز صلة القريب الكافر والصدقة عليه إذا لم يكن حربيًّا، قال الله تعالى:{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم} ، وثبت: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ))، ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ ابْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا، وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا))، فَكَسَاهَا
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا
(1)
.
وفيه: أن الكافر- إذا كان والدًا- يُحْسَن إليه، ويُنفَق عليه، كما قال الله تعالى- في الوالدَين الكافرَين-:{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا} .
فإن قيل: كيف نجمع بينه وبين قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} ؟
الجواب: أنه لا يلزم من الإنفاق عليهم مودتهم، فيستقيم أن يُنفِق عليهم وهو لا يحبهم.
(1)
أخرجه البخاري (886)، ومسلم (2068).