الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ إِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَتَصَبُّرِ مَنْ قَوِيَ إِيمَانُهُ
[1059]
حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الْأنْصَارِ قَالُوا- يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ- فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ، يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَحُدِّثَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ )) فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ قَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ يُعْطِي قُرَيْشًا، وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ؟ ! فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ))، فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ رَضِينَا قَالَ: ((فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ)) قَالُوا: سَنَصْبِرُ.
[خ: 3147]
حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ- وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ، وَقَالَ: فَأَمَّا أُنَاسٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ.
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بمثله، إلا أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: قَالُوا: نَصْبِرُ، كَرِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
قوله: ((أَثَرَةً))، يعني: من يستأثر عليكم، ويفضِّل عليكم غيركم بغير حق.
في هذا الحديث: أن الذين تكلموا عن إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرَ الأنصار، وتركهم ليسوا أصحابَ العقول، وإنما قاله بعض صغار السن، الذين لم يجربوا الأمور ولا عرفوها، بخلاف الكبار فإن عندهم ثباتًا وتروِّيًا وبُعدَ نظرٍ، ففيه: أنه ينبغي على الشباب الرجوع إلى العلماء، وإلى الكبار؛ حتى يبينوا لهم الأمور.
وقوله: ((حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ)) يعني: الذين أسلموا قريبًا، فيعطيهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليتألفهم على الإسلام حتى يتقوى إيمانهم، أما الذين تقدم إسلامهم، ورسخ الإيمان في قلوبهم فليسوا بحاجة إلى العطاء؛ لأن إيمانهم قوي؛ ولهذا أعطى صلى الله عليه وسلم رؤساء القبائل كل واحد مائة من الإبل، فأعطى عليه الصلاة والسلام رجالًا من قريش من بني تميم مائة من الإبل، وأعطى صفوان بن أمية مائة، وعيينة بن حصن مائة، والأقرع بن حابس مائة، كما سيأتي في الروايات التالية؛ كي يتألفهم على الإسلام، وأكثر الذين أعطاهم كانوا حديثي عهد بكفر، وبعضهم لم يكن قد أسلم بعدُ كصفوان بن أمية، وترك النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار ولم يعطهم شيئًا.
وفيه: إثبات الحوض للنبي صلى الله عليه وسلم تَرِدُه أمته يوم القيامة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَنْصَارَ، فَقَالَ:((أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ )) فَقَالُوا: لَا إِلَّا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ))، فَقَالَ:((إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ)).
[خ: 3528]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ قَسَمَ الْغَنَائِمَ فِي قُرَيْشٍ، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ! إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَإِنَّ غَنَائِمَنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَمَعَهُمْ، فَقَالَ:((مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ )) قَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ- وَكَانُوا لَا يَكْذِبُونَ- قَالَ: ((أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ ! لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا- أَوْ شِعْبًا- وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ وَادِيًا- أَوْ شِعْبًا- لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ- أَوْ شِعْبَ الْأَنْصَارِ)).
[خ: 3778]
قوله: ((إِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ)): استدل به بعض أهل العلم على توريث ذوي الأرحام، كما ذهب إلى ذلك الإمام أحمد رحمه الله
(1)
، وأبو حنيفة رحمه الله
(2)
.
(1)
مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني (ص 295)، شرح منتهى الإرادات، للبهوتي (2/ 535).
(2)
المبسوط، للسرخسي (30/ 2)، الاختيار لتعليل المختار، لأبي الفضل الحنفي (5/ 105)، البحر الرائق، لابن نجيم (8/ 577).
وذهب مالك والشافعي: إلى أن أهل الأرحام لا يرثون، وإنما يرث ذوو الفروض والعصبات، فإذا لم يوجد للميت ذوو فروض وعصبات فما تركه الميت فلبيت مال المسلمين، وقالوا: إن هذا الحديث ليس فيه تصريح بأنهم يرثون، وإنما فيه: أن بينه وبينهم ارتباطًا وقرابةً، ولا علاقة للإرث في ذلك
(1)
.
وقوله: ((شِعْبًا)): الشِّعب: الوادي الصغير، والمعنى: أن الأنصار لو سلكوا شعبًا صغيرًا، وسلك الناس واديًا كبيرًا لسلك النبي صلى الله عليه وسلم شعب الأنصار، وهذا فيه: فضل الأنصار، وأنهم أفضل الناس بعد المهاجرين، وأنهم على الحق رضوان الله عليهم.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ- يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ الْحَرْفُ بَعْدَ الْحَرْفِ- قَالَا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِذَرَارِيِّهِمْ وَنَعَمِهِمْ، وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ- عَشَرَةُ آلَافٍ وَمَعَهُ الطُّلَقَاءُ، فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ قَالَ: فَنَادَى- يَوْمَئِذٍ- نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا قَالَ: فَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ:((يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ))، فَقَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ:((يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ)) قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ قَالَ: وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، فَنَزَلَ، فَقَالَ:((أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ))، فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا، فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتِ الشِّدَّةُ فَنَحْنُ نُدْعَى، وَتُعْطَى الْغَنَائِمُ غَيْرَنَا؟ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي
(1)
مختصر خليل، لخليل (ص 261)، شرح مختصر خليل، للخرشي (8/ 207 - 208)، أسنى المطالب، لزكريا الأنصاري (3/ 6).
عَنْكُمْ؟ ))، فَسَكَتُوا، فَقَالَ:((يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ )) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَضِينَا قَالَ: فَقَالَ: ((لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَأَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ)).
قَالَ هِشَامٌ: فَقُلْتُ يَا أَبَا حَمْزَةَ أَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟ !
[خ: 4333]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ ابْنُ مُعَاذٍ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي السُّمَيْطُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: افْتَتَحْنَا مَكَّةَ، ثُمَّ إِنَّا غَزَوْنَا حُنَيْنًا، فَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ بِأَحْسَنِ صُفُوفٍ رَأَيْتُ قَالَ: فَصُفَّتِ الْخَيْلُ، ثُمَّ صُفَّتِ الْمُقَاتِلَةُ، ثُمَّ صُفَّتِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، ثُمَّ صُفَّتِ الْغَنَمُ، ثُمَّ صُفَّتِ النَّعَمُ قَالَ: وَنَحْنُ بَشَرٌ كَثِيرٌ قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ، وَعَلَى مُجَنِّبَةِ خَيْلِنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: فَجَعَلَتْ خَيْلُنَا تَلْوِي خَلْفَ ظُهُورِنَا، فَلَمْ نَلْبَثْ أَنِ انْكَشَفَتْ خَيْلُنَا، وَفَرَّتِ الْأَعْرَابُ وَمَنْ نَعْلَمُ مِنَ النَّاسِ قَالَ: فَنَادَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، يَا لَلْمُهَاجِرِينَ))، ثُمَّ قَالَ:((يَا لَلْأَنْصَارِ، يَا لَلْأَنْصَارِ)) قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: هَذَا حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ قَالَ: قُلْنَا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَايْمُ اللَّهِ مَا أَتَيْنَاهُمْ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ قَالَ: فَقَبَضْنَا ذَلِكَ الْمَالَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الطَّائِفِ، فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلْنَا قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي الرَّجُلَ الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ، كَنَحْوِ حَدِيثِ قَتَادَةَ، وَأَبِي التَّيَّاحِ، وَهِشَامِ بْنِ زَيْدٍ.
قوله: ((وَالطُّلَقَاءِ)): هم الذين أسلموا من أهل مكة، وسُمُّوا بالطلقاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم منَّ عليهم، ولم يعاقبهم.
وفي هذا الحديث: أن الله تعالى قدَّر لهؤلاء المشركين أن يسوقوا هذه الغنائم، ويصفُّونها أحسن صفٍّ، ((فَصُفَّتِ الْخَيْلُ، ثُمَّ صُفَّتِ الْمُقَاتِلَةُ، ثُمَّ صُفَّتِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ، ثُمَّ صُفَّتِ الْغَنَمُ، ثُمَّ صُفَّتِ النَّعَمُ))، أي: أنهم جاؤوا بذراريهم، ونسائهم وأموالهم، يزعمون أنهم سيقاتلون قتالًا شديدًا، وأنهم لن يفروا.
وقوله: ((قَدْ بَلَغْنَا سِتَّةَ آلَافٍ)): هذا وهمٌ من بعض الرواة، والصواب: أنهم كانوا اثني عشر ألفًا، كما في الرواية الأخرى، أنهم عشرة آلاف من المهاجرين، وألفان من الأنصار.
وقول أنس رضي الله عنه: ((هَذَا حَدِيثُ عِمِّيَّةٍ)): قال فيه النووي رحمه الله: ((عِمِّيَّة بكسر العين والميم وتشديد الميم والياء، قال القاضي: كذا رُوِّينا هذا الحرف عن عامة شيوخنا، قال: وفُسِّر بالشدة، والثاني: عُمِّيَّة كذلك، إلا أنه بضم العين، والثالث: عَمِّيَه بفتح العين وكسر الميم المشددة وتخفيف الياء وبعدها هاء السكت، أي: حدثني به عَمِّي، وقال القاضي: على هذا الوجه معناه عندي: جماعتي))
(1)
.
(1)
شرح مسلم، للنووي (7/ 155).
[1060]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ، وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ دُونَ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعُبَيْدِ
…
بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ
فَمَا كَانَ بَدْرٌ وَلَا حَابِسٌ
…
يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي الْمَجْمَعِ
وَمَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا
…
وَمَنْ تَخْفِضِ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعِ
قَالَ: فَأَتَمَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً.
[خ: 4330]
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ مَسْرُوقٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ، وَزَادَ: وَأَعْطَى عَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ مِائَةً.
وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ الشَّعِيرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنَ عُلَاثَةَ، وَلَا صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ فِي حَدِيثِهِ.
قوله: ((الْعُبَيْدِ)): هذا اسم فرسه.
وقوله: ((نَهْبِي وَنَهْبَ)): النهب: ما يعطى من الغنيمة.
وقوله: ((وَمَنْ تَخْفِضِ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعِ))، أي: يا رسول الله، إذا خفضت أحدًا فلن يرتفع، وأنت جعلتني أقلَّ منهم! فكمَّل له النبي صلى الله عليه وسلم المائة.
وفي هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رؤساء القبائل الذين أسلموا حديثًا، يتألفهم على الإسلام، فأعطى أبا سفيان بن حرب رضي الله عنه مائة من الإبل،
وأعطى صفوان بن أمية رضي الله عنه مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن رضي الله عنه مائة من الإبل، وأعطى الأقرع بن حابس رضي الله عنه مائة، وأعطى عباس بن مرداس رضي الله عنه أقل من مائة، فتأثر عباس بن مرداس رضي الله عنه بذلك، فقال هذه الأبيات يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله مثلهم.
[1061]
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ حُنَيْنًا قَسَمَ الْغَنَائِمَ، فَأَعْطَى الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ، فَبَلَغَهُ أَنَّ الْأَنْصَارَ يُحِبُّونَ أَنْ يُصِيبُوا مَا أَصَابَ النَّاسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:((يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ ! وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ ! وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمُ اللَّهُ بِي؟ ! )) وَيَقُولُونَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، فَقَالَ:((أَلَا تُجِيبُونِي؟ ! ))، فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، فَقَالَ:((أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ شِئْتُمْ أَنْ تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مِنَ الْأَمْرِ كَذَا وَكَذَا))، لِأَشْيَاءَ عَدَّدَهَا، زَعَمَ عَمْرٌو أَنْ لَا يَحْفَظُهَا، فَقَالَ:((أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالْإِبِلِ، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ إِلَى رِحَالِكُمْ؟ ! الْأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ)).
قوله: ((الْأَنْصَارُ شِعَارٌ)): الشعار: هو الثوب الذي يلي الجسم.
وقوله: ((وَالنَّاسُ دِثَارٌ)): الدثار: هو الثوب الذي فوق الشعار، والمعنى: أنهم أخص الناس به صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ((وَلَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ))، يعني: لولا فضل الهجرة لانتسبت إليكم، لكني من المهاجرين.
وفي هذا الحديث: فضل الأنصار رضوان الله عليهم، ولكن المهاجرين أفضل من الأنصار؛ لأن المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم لله، وكان الأنصار في بلادهم، وإن كانوا آثروا المهاجرين رضي الله عنهم على أنفسهم.
[1062]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ، فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، وَآثَرَهُمْ- يَوْمَئِذٍ- فِي الْقِسْمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللَّهِ! قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ قَالَ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ، ثُمَّ قَالَ:((فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ )) قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ((يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى! قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)) قَالَ: قُلْتُ: لَا جَرَمَ، لَا أَرْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَهَا حَدِيثًا.
[خ: 3150]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَارَرْتُهُ، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا شَدِيدًا، وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْهُ لَهُ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ((قَدْ أَوُذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، فَصَبَرَ)).
قوله: ((وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللَّهِ)): فيه: أنه قالها في غيبته صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث الآخر أنه واجهه بها، وقال:((وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجْهُ اللَّهِ))، فجاء عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان كالصِّرْف، يعني:
احمرَّ وجهه، والصِّرف: صبغ أحمر، تُصبغ به الجلود.
وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((لَا جَرَمَ، لَا أَرْفَعُ إِلَيْهِ بَعْدَهَا حَدِيثًا))، أي: ما دام أنه سيتأثر هذا التأثر، فلن أخبره مرة أخرى بحديث.
وسيأتي في أحاديث أُخَر: أن عمر وخالدًا رضي الله عنهما طلبا قتل هذا الرجل الذي أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن هذا الرجل منافق، وأنه هو أصل الخوارج.
وفي هذا الحديث: التسلية عن الدعاة إلى الله تعالى فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُتَّهم ويواجَه بمثل هذا، فكيف يرجو أحدٌ السلامةَ من الناس؟ !