الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ اسْتِئْذَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ عز وجل فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ
[976]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ- وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى- قَالَا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَزِيدَ- يَعْنِي: ابْنَ كَيْسَانَ- عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأَذِنَ لِي)).
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ((زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا، فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ)).
في هذا الحديث: أن الله سبحانه وتعالى أذن للنبي صلى الله عليه وسلم في زيارة قبر أمه، ولم يأذن له بالاستغفار لها؛ لأنها ماتت في الجاهلية على دين قومها.
وظاهر الحديث: أن دعوة إبراهيم بلغت أبوي النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت في الصحيح عَنْ أَنَسٍ:((أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: فِي النَّارِ، فَلَمَّا قَفَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: ((إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ))
(1)
.
وأما أم النبي صلى الله عليه وسلم فإنها ماتت على دين قومها، والله أعلم هل بلغتها الدعوة، أو لم تبلغها.
ومن مات على دين الجاهلية لا يدعى له، وأمره إلى الله؛ لهذا لم يأذن الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لأمه، لكنه أذن له في زيارتها، فزارها وبكى وأبكى من حوله، رحمةً لها.
(1)
أخرجه مسلم (206).
وفيه: أن الكافر يزار قبره للعظة، ولا يدعى له، وكذلك زيارة المريض الكافر؛ للدعوة للإسلام، كما ثبت عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:((كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ))
(1)
.
وزار النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب في مرض موته، ودعاه إلى الإسلام، وأمره أن يقول: لا إله إلا الله، لكن كان عنده جلساء السوء، ولم يقدِّر الله له الإسلام؛ لحكمة بالغة، فمات على الشرك
(2)
.
وزيارة القبر فيها فائدة للحي، وفائدة للميت:
أما فائدتها للحي: فأنه يتعظ، ويتذكر الآخرة، ويرق قلبه.
وفائدتها للميت: أنه يُدعى له، ويُستغفر له.
[977]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى- وَاللَّفْظُ لِأَبِي بَكْرٍ، وَابْنِ نُمَيْرٍ- قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي سِنَانٍ- وَهُوَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ- عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا)).
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ.
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، أُرَاهُ عَنْ أَبِيهِ- الشَّكُّ مِنْ أَبِي خَيْثَمَةَ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ
(1)
أخرجه البخاري (1356).
(2)
أخرجه مسلم (26).
عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهُمْ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سِنَانٍ.
في هذا الحديث: أن زيارة القبور كانت محرمة، ثم نُسخت، وأذن النبي صلى الله عليه وسلم في زيارتها، وكذلك النهي عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ثم نُسخ النهي، وكذلك النهي عن النبيذ- إلا في السقاء- نُسخ بجواز الشرب في الأسقية كلها، وذلك أنهم كانوا ينتبذون في الأشياء الصُّلبة، مثل: جذع النخلة، ينقرونه، ومثل القرع، والمقير، فكانت الأسقية تتخمر فيها، ولا يعلمون ذلك لصلابتها، فيشربونها، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتبذوا إلا في الأسقية من الجلد؛ لأنها إذا تخمرت فيها الأسقية تشققت، ثم لما ثبت الإسلام واستقر، وعرف الناس الحكم الشرعي نُسخ ذلك، وأباح لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتبذوا في جميع الأسقية، سواء أكانت صلبة أو غير صلبة، مع ملاحظة البعد عن المسكر.
وفيه: أن النهي عن زيارة القبور كان أولًا للرجال والنساء، ثم رخص فيه لهم جميعًا، ثم جاء نهي النساء في حديث أم عطية:((كُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ))
(1)
، وفي حديث آخر:((لَعَنَ اللَّهُ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ))
(2)
.
ويحتمل أن الرخصة إنما كانت للرجال خاصة؛ لقوله: ((فَزُورُوهَا))، وهذا خطاب للرجال، أما النساء فبقين على النهي.
(1)
أخرجه البخاري (313).
(2)
أخرجه ابن حبان (3178).