الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَقْلِيدِ الْهَدْيِ، وَإِشْعَارِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ
[1243]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمَعْنَى حَدِيثِ شُعْبَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلَمْ يَقُلْ: صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ.
قوله: ((فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ)) هذا محمول على أنه كرر الإهلال بالحج في البيداء؛ ليسمعه الناس فيقتدوا به، وإلا فقد سبق أنه أهلَّ بالحج على راحلته في ذي الحليفة بعد الظهر.
هذا الحديث فيه: مشروعية إشعار الهدي وتقليده.
وفيه: سُنَّتَان لمن ساق الهدي من بلده، وهما:
السُّنة الأولى: الإشعار، وهو أن يجرحها في صفحة سنامها اليمنى بحربة، أو بسكين، أو بحديدة، أو نحوها، ثُمَّ يسلت الدم عنها؛ حتى يعلم كل من رآها أنها هدي مهداة، ولو حصل لها هلاك، أو عطب فيذبحها، ويتركها لمن يأكلها، ولا يأكل منها شيئًا، ولا أحد من أصحابه.
السُّنة الثانية: التقليد، وهو أن يجعل لها قلادة، فيأتي بحبل ويجعل فيه حذاء، أو قطعًا من الجلود ويعلقها عليها.
والتقليد مشروع في الإبل، والبقر، والغنم، أما الإشعار فإنما يكون في الإبل، والبقر، دون الغنم فلا إشعار فيها؛ لأنها ضعيفة لا تتحمل.
[1244]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانَ الْأَعْرَجَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْهُجَيْمِ- لِابْنِ عَبَّاسٍ-: مَا هَذَا الْفُتْيَا الَّتِي قَدْ تَشَغَّفَتْ، أَوْ تَشَغَّبَتْ بِالنَّاسِ أَنَّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ؟ فَقَالَ: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ رَغِمْتُمْ.
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ قَالَ: قِيلَ- لِابْنِ عَبَّاسٍ-: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ تَفَشَّغَ بِالنَّاسِ: مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ الطَّوَافُ عُمْرَةٌ، فَقَالَ: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ رَغَمْتُمْ.
[1245]
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ، وَلَا غَيْرُ حَاجٍّ، إِلَّا حَلَّ، قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ يَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ، فَقَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ، وَكَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
[خ: 4396]
قوله: ((مَا هَذَا الْفُتْيَا الَّتِي قَدْ تَشَغَّفَتْ، أَوْ تَشَغَّبَتْ بِالنَّاسِ أَنَّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ؟ ))، يعني: أنه انتشر في الناس أن ابن عباس رضي الله عنهما يقول: من طاف فقد حل، شاء أم أبى.
وقوله: ((سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ رَغِمْتُمْ))، أي: وإن كرهتم ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك، وأوجبه عليهم.
قوله: ((هو بعج المعرف وقبه)) أي بعد الوقوف بعرفة وقبله، والمعنى:
أن ابن عباس رضي الله عنهما كات يرى المتعة واجبة على كل من أحرم بالحج، مفردا أو قارنا، سواء وقف بعرفة أم لم يقف بعرفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم الناس، وان تخييره الناس في ذي الحليفة منسوخ.
ففي هذه الأحاديث: بيان مذهب ابن عباس رضي الله عنهما، وهو أفضلية التمتع على كل أحد، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله
(1)
، واختارها ابن القيم رحمه الله
(2)
، ومن المتأخرين الألباني رحمه الله
(3)
.
وذهب أبو ذر رضي الله عنه إلى أن فسخ الحج إلى العمرة خاص بالصحابة
(4)
.
وذهب معاوية رضي الله عنه إلى أن التمتع لا يجوز
(5)
.
والذي عليه الجمهور: أنه جائز، وليس بواجب، بل الإنسان مخير بين الأنساك الثلاثة: التمتع، والقران، والإفراد.
وذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى أن فسخ الحج إلى العمرة واجب على الصحابة؛ لإبطال اعتقاد أهل الجاهلية أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ومن بعد الصحابة فالتمتع مستحب في حقهم، وليس بواجب
(6)
.
والأقرب عندي: قول شيخ الإسلام رحمه الله.
(1)
مسائل الإمام أحمد، رواية أبي داود السجستاني (ص 172)، الإنصاف، للمرداوي (3/ 434).
(2)
زاد المعاد، لابن القيم (2/ 109).
(3)
حجة النبي، للألباني (ص 10).
(4)
أخرجه أبو داود (1807).
(5)
أخرجه مسلم (1225).
(6)
مجموع الفتاوى، لابن تيمية (26/ 49، 54).