الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْجِنَايَاتِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]
ِ أَيْ عَلَى الْأَبْدَانِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْأَمْوَالِ فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ بَابُ الْغَصْبِ وَمَا سَيَأْتِي وَهُوَ بَابُ السَّرِقَةِ.
وَالْقِصَاصُ الَّذِي هُوَ مُوجَبُ الْجِنَايَةِ أَحَدُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي شُرِعَتْ لِحِفْظِ النَّفْسِ، وَالنَّسَبِ، وَالْعَقْلِ، وَالْمَالِ، وَالدِّينِ، وَلِهَذِهِ شُرِعَتْ الْحُدُودُ حِفْظًا لِهَذِهِ الْأُمُورِ، فَشُرِعَ الْقِصَاصُ حِفْظًا لِلنَّفْسِ فَإِذَا عَلِمَ الْقَاتِلُ: أَنَّهُ إذَا قَتَلَ قُتِلَ انْكَفَّ عَنْ الْقَتْلِ، وَشُرِعَ حَدُّ الزِّنَا حِفْظًا لِلْأَنْسَابِ فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ إذَا زَنَى، رُجِمَ، أَوْ جُلِدَ انْكَفَّ عَنْ الزِّنَا، وَشُرِعَ حَدُّ الشُّرْبِ حِفْظًا لِلْعَقْلِ فَإِذَا عَلِمَ الشَّخْصُ أَنَّهُ إذَا شَرِبَ الْمُسْكِرَ حُدَّ انْكَفَّ عَنْ الشُّرْبِ، وَشُرِعَ حَدُّ السَّرِقَةِ حِفْظًا لِلْمَالِ فَإِذَا عَلِمَ السَّارِقُ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ قُطِعَتْ يَدُهُ انْكَفَّ عَنْ السَّرِقَةِ، وَشُرِعَ قَتْلُ الرِّدَّةِ حِفْظًا لِلدِّينِ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ قُتِلَ انْكَفَّ عَنْ الرِّدَّةِ، اهـ مَرْحُومِي.
وَالْقَتْلُ ظُلْمًا عُدْوَانًا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ، وَمُوجِبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْثُ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ حَيْثُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْقُطُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ، لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مِنْهُ عَلَى الرَّاجِحِ، أَوْ بِالْحَجِّ الْمَبْرُورِ عَلَى الصَّحِيحِ لَا بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلْقَتْلِ وَيَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ بِالْعَفْوِ وَلَوْ مَجَّانًا أَوْ بِالْقَوَدِ، أَوْ بِأَخْذِ الدِّيَةِ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ.
وَمَذْهَبُ السُّنَّةِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ، وَإِنَّمَا مَوْتُهُ بِأَجَلِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا خَبَرُ «إنَّ الْمَقْتُولَ يَتَعَلَّقُ بِقَاتِلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَقُولُ: يَا رَبِّ ظَلَمَنِي وَقَتَلَنِي فَقَطَعَ أَجَلِي» فَمُتَكَلَّمٌ فِي إسْنَادِهِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَقْتُولٍ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَكَانَ يُعْطَى أَجَلًا زَائِدًا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
وَقَوْلُهُ: وَالْقَتْلُ ظُلْمًا إلَخْ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقَتْلُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُعَاهَدًا وَمُؤَمَّنًا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ أَفْرَادَهُ مُتَفَاوِتَةٌ فَقَتْلُ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ وَقَتْلُ الذِّمِّيِّ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ وَالْمُؤَمَّنِ، وَقَدْ يَشْهَدُ لِأَصْلِ التَّفَاوُتِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ، أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» أَمَّا الظُّلْمُ مِنْ حَيْثُ الِافْتِيَاتُ عَلَى الْإِمَامِ كَقَتْلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ لَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كَبِيرَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ وَقَوْلُهُ، أَوْ بِأَخْذِ الدِّيَةِ أَيْ فِي قَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَعَلَيْهِ فَلَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ مَجَّانًا، أَوْ عَلَى الدِّيَةِ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْقَاتِلِ فِي الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ: فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ظَاهِرُهُ لَا لِلْوَارِثِ وَلَا لِلْمَقْتُولِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَاتِلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: حَقٌّ لِلَّهِ، وَحَقٌّ لِلْمَقْتُولِ، وَحَقٌّ لِلْوَلِيِّ، فَإِذَا سَلَّمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا لِلْوَلِيِّ نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْبَةً نَصُوحًا سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ، أَوْ الصُّلْحِ وَالْعَفْوِ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، اهـ.
وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: فَلَا مُطَالَبَةَ أُخْرَوِيَّةً لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ لِتَعْوِيضِ اللَّهِ إيَّاهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْقَسِمُ الْقَتْلُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ: وَاجِبٍ كَقَتْلِ الْمُرْتَدِّ، وَحَرَامٍ كَقَتْلِ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَكْرُوهٍ كَقَتْلِ الْغَازِي قَرِيبَهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى مَثَلًا، وَمَنْدُوبٍ كَقَتْلِ الْغَازِي الْمَذْكُورَ إذَا سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولَهُ، وَمُبَاحٍ كَقَتْلِ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْخِصَالِ فِي الْأَحَظِّيَّةِ فَرَاجِعْهُ، وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَلَا يُوصَفُ بِحَرَامٍ وَلَا حَلَالٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ كَفِعْلِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَجْنُونِ بِرْمَاوِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَالَ ع ش عَلَى م ر: قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَتْلِ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ بِالْمَصْلَحَةِ وَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ قَتْلَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا إنْ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ مَفْسَدَةٌ، وَمَنْدُوبًا إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَتَرَجَّحُ عَلَى التَّرْكِ بَلْ
عَبَّرَ بِهَا دُونَ الْجِرَاحِ لِتَشْمَلَهُ وَالْقَطْعَ وَالْقَتْلَ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ تَعْزِيرًا وَهُوَ حَسَنٌ وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ وَجُمِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرًا لِتَنَوُّعِهَا كَمَا سَيَأْتِي إلَى عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ» وَقَتْلُ الْآدَمِيِّ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الْكُفْرِ.
فَقَدْ «سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ. قِيلَ: ثُمَّ أَيٌّ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ عَمْدًا، لِأَنَّ الْكَافِرَ تَصِحُّ تَوْبَتُهُ فَهَذَا أَوْلَى، وَلَا يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ بَلْ هُوَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ حَيْثُ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي قَتْلِهِ.
قَوْلُهُ: (لِتَشْمَلَهُ) أَيْ الْجِرَاحَ وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: لِتَشْمَلَهَا أَيْ الْجِرَاحَ، لِأَنَّ هَيْئَةَ الْجَمْعِ مُؤَنَّثَةٌ، لِأَنَّ جِرَاحَ جَمْعُ جَرْحٍ كَسَهْمٍ وَسِهَامٍ وَكَلْبٍ وَكِلَابٍ.
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ ذَكَّرَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: وَالْقَطْعَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْجِرَاحِ، وَالْجِرَاحُ جَمْعُ جَرْحٍ بِالْفَتْحِ أَوْ الضَّمِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ، الْخُلَاصَةَ:
فِعْلٌ وَفِعْلَةٌ فِعَالٌ لَهُمَا
إلَى قَوْلِهِ
وَفَعْلٌ مَعَ فُعْلٍ فَاقْبَلْ
قَوْلُهُ: (مِمَّا يَجِبُ حَدًّا) لَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجِنَايَةِ مَا يَعُمُّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْأَعْرَاضِ كَالْقَذْفِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلَوْ فَسَّرَ نَحْوَهُمَا بِنَحْوِ الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ م د.
وَقَوْلُهُ: كَالْقَذْفِ أَيْ وَالتَّعْزِيرِ كَوَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا وَلَوْ قَالَ الْمُحَشِّي وَلَوْ فَسَّرَ نَحْوَهُمَا بِإِذْهَابِ الْمَعَانِي لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ وَالْهَاشِمَةَ دَاخِلَانِ فِي الْجِرَاحِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَعْزِيرًا) كَمَا إذَا قَذَفَ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرًا) أَيْ وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ تَوْكِيدٍ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَمَا لِتَوْكِيدٍ فَوَحِّدْ أَبَدَا
…
وَثَنِّ وَاجْمَعْ غَيْرَهُ وَأَفْرِدَا
قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ فَقَطْ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْجِنَايَاتِ الشَّامِلَةِ لِلْقَتْلِ وَالْجَرْحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى شَيْخُنَا، وَعِبَارَةُ ق ل: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْجِنَايَاتِ أَيْ فِي مَجْمُوعِهَا؛ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ إلَّا مَا فِيهِ قِصَاصٌ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الْأَوَّلُ اهـ.
قَوْلُهُ: (اجْتَنِبُوا) أَيْ اُتْرُكُوا، وَالْمُوبِقَاتُ الْمُهْلِكَاتُ بِالْعَذَابِ وَالْعِقَابِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَوْبَقَتْهُ الذُّنُوبُ أَهْلَكَتْهُ اهـ مِصْبَاحٌ.
قَوْلُهُ: (وَالسِّحْرُ) سُمِّيَ السِّحْرُ سِحْرًا لِخَفَاءِ سَبَبِهِ وَلِأَنَّهُ يُفْعَلُ فِي خُفْيَةٍ وَهُوَ لُغَةً صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ تَقُولُ الْعَرَبُ مَا سَحَرَك عَنْ كَذَا أَيْ مَا صَرَفَك عَنْهُ فَكَأَنَّ السَّاحِرَ لَمَّا رَأَى الْبَاطِلَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ فَقَدْ سَحَرَ الشَّيْءَ عَنْ وَجْهِهِ أَيْ صَرَفَهُ هَذَا أَصْلُهُ أَيْ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْوِيهِ وَالتَّخَيُّلِ وَمَذْهَبُ السُّنَّةِ أَنَّ لَهُ وُجُودًا وَحَقِيقَةً وَقِيلَ إنَّ السِّحْرَ يُؤَثِّرُ فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَةِ الْحِمَارِ وَالْحِمَارَ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ وَقَدْ يَطِيرُ السَّاحِرُ فِي الْهَوَاءِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ عِنْدَ السُّنَّةِ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ السِّحْرُ يَخْبِلُ وَيُمْرِضُ وَقَدْ يَقْتُلُ حَتَّى أَوْجَبَ الْقِصَاصَ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِهِ
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى الْمُصَنِّفِ شَارِحِ السَّنُوسِيَّةِ السِّحْرُ لُغَةً صَرْفُ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ وَاصْطِلَاحًا مُزَاوَلَةُ النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ أَفْعَالًا وَأَقْوَالًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ بِتَأْثِيرِ اللَّهِ عَادَةً وَلَهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَنَا وَاعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ كُفْرٌ وَلَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى يَدِ فَاسِقٍ وَيَلْزَمُ بِهِ الْقِصَاصُ اهـ بِحُرُوفِهِ
قَوْلُهُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ أَيْ حَرَّمَ اللَّهُ قَتْلَهَا بِكُلِّ شَيْءٍ إلَّا بِالْحَقِّ فَلَمْ يُحَرِّمْهُ بَلْ جَوَّزَهُ وَالْحَقُّ يَشْمَلُ الْقِصَاصَ وَالْحَدَّ
قَوْلُهُ وَالتَّوَلِّي أَيْ الْفِرَارُ وَيَوْمَ الزَّحْفِ أَيْ يَوْمَ زَحْفِ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرَادُ التَّوَلِّي مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ لَهُ كَزِيَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى ضِعْفِنَا
قَوْلُهُ
فِي خَطَرِ الْمَشِيئَةِ وَلَا يَخْلُدُ عَذَابُهُ إنْ عُذِّبَ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِ التَّوْبَةِ، كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ غَيْرَ الْكُفْرِ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] فَالْمُرَادُ بِالْخُلُودِ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ.
فَإِنَّ الدَّلَائِلَ تَظَاهَرَتْ عَلَى أَنَّ عُصَاةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَدُومُ عَذَابُهُمْ، أَوْ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْتَحِلِّ كَمَا ذَكَرَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ.
وَإِنْ اقْتَصَّ مِنْهُ الْوَارِثُ، أَوْ عَفَا عَنْهُ عَلَى مَالٍ أَوْ مَجَّانًا فَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ.
وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَقْتُولَ لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجَلِهِ، وَالْقَتْلُ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْقَتْلُ يَقْطَعُهُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي تَقْسِيمِ الْقَتْلِ بِقَوْلِهِ: (الْقَتْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ عَمْدٍ مَحْضٍ، وَخَطَأٍ مَحْضٍ، وَعَمْدِ خَطَأٍ) وَجْهُ الْحَصْرِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْجَانِيَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ الْخَطَأُ.
وَإِنْ قَصَدَهَا فَإِنْ كَانَ بِمَا يَقْتُلُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمُحْصَنَاتِ أَيْ الْحَرَائِرُ وَقَوْلُهُ الْغَافِلَاتِ أَيْ الْبَرِيئَاتِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ مِنْهُنَّ مَا يَقْتَضِي الْقَذْفَ وَالذُّكُورُ كَالْإِنَاثِ وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ الْخَفِيفِ فَقَالَ
أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالشِّرْكُ وَالسِّحْرُ
…
وَأَكْلُ الرِّبَا وَقَذْفُ الْمُبَرَّا
وَالتَّوَلِّي بِيَوْمِ زَحْفٍ وَقَتْلُ
…
النَّفْسِ سَبْعٌ قَدْ أَوْبَقَتْ مَنْ تَجَرَّا
وَنِصْفُ الْبَيْتِ النُّونُ الْأُولَى مِنْ النَّفْسِ وَقَوْلُهُ تَجَرَّا أَيْ تَجَارَى عَلَى غَيْرِهِ بِالْمَذْكُورَاتِ
قَوْلُهُ وَقَتْلُ الْآدَمِيِّ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَفِيهِ بَيَانُ النَّفْسِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ فِي الْآيَةِ وَقَالَ ق ل صَوَابُهُ إسْقَاطُ لَفْظِ مِنْ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ
وَالْمُرَادُ بِالْآدَمِيِّ مَا يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ الْمَعْصُومَ وَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الذِّمِّيِّ وَقَتْلَ الذِّمِّيِّ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ الْمُعَاهَدِ وَأَمَّا الظُّلْمُ مِنْ حَيْثُ الِافْتِيَاتُ عَلَى الْإِمَامِ كَقَتْلِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ لَهُ بِهَا فَلَا يَكُونُ كَبِيرَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ع ش
قَوْلُهُ نِدًّا بِكَسْرِ النُّونِ ثُمَّ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَشْدُودَةِ أَيْ شَرِيكًا أَوْ مُمَاثِلًا أَوْ نَظِيرًا
قَوْلُهُ وَلَدَكَ لَيْسَ قَيْدًا وَقَوْلُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يَأْكُلَ وَلَيْسَ قَيْدًا وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِمُشَاكَلَةِ قَوْلِهِ {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151] قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْوَلَدِ تَنْفِيرًا عَمَّا كَانَ يَقَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ خَشْيَةَ الْفَقْرِ
قَوْلُهُ فِي خَطَرِ الْمَشِيئَةِ أَيْ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ سَامَحَهُ أَيْ فِي خَوْفِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَذَابَهُ قَالَ اللَّقَانِيِّ
وَمَنْ يَمُتْ وَلَمْ يَتُبْ مِنْ ذَنْبِهِ
…
فَأَمْرُهُ مُفَوَّضٌ لِرَبِّهِ
قَوْلُهُ وَلَا يَخْلُدُ عَذَابُهُ أَيْ قَاتِلِ النَّفْسِ أَيْ سَوَاءٌ تَابَ أَمْ لَا
قَوْلُهُ تَظَاهَرَتْ أَيْ اجْتَمَعَتْ وَتَقَوَّتْ
قَوْلُهُ لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجَلِهِ أَيْ فَرَاغِهِ
قَوْلُهُ وَالْقَتْلُ لَا يَقْطَعُ الْأَجَلَ قَالَ اللَّقَانِيِّ
وَمَيِّتٌ بِعُمُرِهِ مَنْ يُقْتَلُ
…
وَغَيْرُ هَذَا بَاطِلٌ لَا يُقْبَلُ
قَوْلُهُ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَزَعَمَ الْكَثِيرُ أَنَّ الْقَاتِلَ قَدْ قَطَعَ عَلَيْهِ الْأَجَلَ وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَعَاشَ إلَى أَمَدٍ هُوَ أَجَلُهُ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ مَوْتَهُ فِيهِ لَوْلَا الْقَتْلُ
قَوْلُهُ: (الْقَتْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ) خَصَّ الْقَتْلَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَالْأَقْسَامُ تَجْرِي فِي الْقَطْعِ وَالْجَرْحِ وَإِزَالَةِ الْمَعْنَى، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ هِيَ أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْبَدَنِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُزْهِقَةً لِلرُّوحِ، أَمْ غَيْرَ مُزْهِقَةٍ مِنْ قَطْعٍ وَنَحْوِهِ ثَلَاثَةٌ عَمْدٌ إلَخْ أَيْ لَا رَابِعَ لَهَا بِحُكْمِ الْوُجُودِ وَالْعَقْلِ.
قَوْلُهُ: (وَعَمْدِ خَطَأٍ) بِالْإِضَافَةِ وَيُقَالُ لَهُ شِبْهُ عَمْدٍ، وَخَطَأُ عَمْدٍ وَخَطَأُ شِبْهِ عَمْدٍ وَأَخَّرَهُ عَنْ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لِأَخْذِهِ شَبَهًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَرْحَ م ر.
وَمِنْ الْخَطَأِ مَا لَوْ
غَالِبًا فَهُوَ الْعَمْدُ، وَإِلَّا فَشِبْهُ عَمْدٍ كَمَا تُؤْخَذُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ قَوْلِهِ:(فَالْعَمْدُ الْمَحْضُ) أَيْ الْخَالِصُ هُوَ أَنْ يَعْمِدَ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَقْصِدَ إلَى ضَرْبِهِ أَيْ الشَّخْصِ الْمَقْصُودِ بِالْجِنَايَةِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَجَارِحٍ وَمُثَقَّلٍ وَسِحْرٍ
وَيَقْصِدُ بِفِعْلِهِ قَتْلَهُ بِذَلِكَ عُدْوَانًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ
فَخَرَجَ بِقَيْدِ قَصْدِ الْفِعْلِ مَا لَوْ زَلِقَتْ رِجْلُهُ فَوَقَعَ عَلَى غَيْرِهِ فَمَاتَ فَهُوَ خَطَأٌ وَبِقَيْدِ الشَّخْصِ الْمَقْصُودِ مَا لَوْ رَمَى زَيْدًا فَأَصَابَ عَمْرًا فَهُوَ خَطَأٌ
وَبِقَيْدِ الْغَالِبِ النَّادِرِ كَمَا لَوْ غَرَزَ إبْرَةً فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ وَلَمْ يَعْقُبْهَا وَرَمٌ وَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ
وَإِنْ كَانَ عُدْوَانًا وَبِقَيْدِ الْعُدْوَانِ الْقَتْلُ الْجَائِزُ وَبِقَيْدِ حَيْثِيَّةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
رَمَى مُهْدَرًا فَعُصِمَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ تَنْزِيلًا لِطُرُوِّ الْعِصْمَةِ مَنْزِلَةَ طُرُوُّ إصَابَةِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْخَطَأِ حُكْمَ الْآلَةِ مِنْ كَوْنِهَا تَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ لَا ح ل.
قَوْلُهُ: (وَجْهُ الْحَصْرِ) أَيْ عَقْلًا.
قَوْلُهُ: (عَيْنُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) أَيْ ذَاتُهُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا تُؤْخَذُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ) أَيْ ضَابِطُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ.
قَوْلُهُ: (هُوَ أَنْ يَعْمِدَ) أَيْ أَنْ يَعْمِدَ بِكَسْرِ الْمِيمِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ نَفْسُ الْعَمْدِ فَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَفِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ اللُّغَوِيِّ عَمِدَ مِنْ بَابِ عَلِمَ اهـ.
إلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (الْمَقْصُودِ بِالْجِنَايَةِ) أَيْ وَلَوْ مِنْ النَّوْعِ لِيَدْخُلَ فِيهِ رَمْيُهُ لِجَمْعٍ قَصَدَ إصَابَةَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِخِلَافِهِ لِقَصْدِ إصَابَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرْقًا بَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ إذْ الْحُكْمُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مُطَابَقَةٌ فَكُلٌّ مِنْهُمْ مَقْصُودٌ جُمْلَةً، أَوْ تَفْصِيلًا، وَفِي الثَّانِي عَلَى الْمَاهِيَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ " الْمَقْصُودِ بِالْجِنَايَةِ " بَعْدَ قَوْلِهِ: " أَنْ يَعْمِدَ " أَيْ يَعْمِدَ أَيْ يَقْصِدَ، لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ قَالَ الَأُجْهُورِيُّ: بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ عَيْنَهُ بِالْجِنَايَةِ فَلَوْ أَشَارَ لِإِنْسَانٍ بِسِكِّينٍ تَخْوِيفًا فَسَقَطَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ اُتُّجِهَ كَوْنُهُ غَيْرَ عَمْدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ بِالْآلَةِ قَطْعًا، وَإِنْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إنَّهُ عَمْدٌ يُوجِبُ الْقَوَدَ.
قَوْلُهُ: (كَجَارِحٍ وَمُثَقَّلٍ وَسِحْرٍ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْصِدُ بِفِعْلِهِ قَتْلَهُ بِذَلِكَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، أَوْ هُوَ مُضِرٌّ، لِأَنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَقَتَلَهُ عَمْدًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا لَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا جَهِلَ مَرَضَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ الْمَرِيضَ دُونَ الصَّحِيحِ، أَوْ قَصَدَ تَعْزِيرَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَانَ عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقَوَدِ مَعَ ظُهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِمَا ذَكَرَ سم.
فَرْعٌ: أَوْقَدَتْ امْرَأَةٌ نَارًا وَتَرَكَتْ وَلَدَهَا الصَّغِيرَ عِنْدَهَا وَذَهَبَتْ فَقَرُبَ مِنْ النَّارِ وَاحْتَرَقَ بِهَا فَإِنْ تَرَكَتْهُ بِمَوْضِعٍ تُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرَةً بِتَرْكِهِ فِيهِ ضَمِنَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَهُوَ حَسَنٌ سم.
قَوْلُهُ: (عُدْوَانًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا لِلرُّوحِ) هَذَانِ الْقَيْدَانِ لَيْسَا مِنْ حَقِيقَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِقَرِينَةِ كَلَامِ الشَّارِحِ، فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (زَلِقَتْ) بِكَسْرِ اللَّامِ.
قَوْلُهُ: (النَّادِرُ) أَيْ وَمَا يَسْتَوِي فِيهِ الْأَمْرَانِ أَيْ كَوْنُهُ يَقْتُلُ وَكَوْنُهُ لَا يَقْتُلُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ غَرَزَ إبْرَةً) أَيْ إبْرَةَ الْخَيَّاطِ لَا نَحْوَ مِسَلَّةٍ فَإِنَّهَا تَقْتُلُ غَالِبًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر كَغَرْزِ إبْرَةٍ بِمَقْتَلٍ كَحَلْقٍ أَيْ أَوْ فِي بَدَنِ نَحْوِ هَرِمٍ، أَوْ نَحِيفٍ، أَوْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ وَهِيَ مَسْمُومَةٌ، شَرْحَ م ر.
قَوْلُهُ: وَهِيَ مَسْمُومَةٌ قَيْدٌ فِي الْكَبِيرِ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ ع ش وَالرَّشِيدِيُّ.
قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ) أَيْ كَوَرِكٍ وَأَلْيَةٍ أَمَّا بِمَقْتَلٍ كَدِمَاغٍ وَعَيْنٍ وَحَلْقٍ وَخَاصِرَةٍ، وَإِحْلِيلٍ وَمَثَانَةٍ وَعِجَانٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْخُصْيَةِ وَالدُّبُرِ فَعَمْدٌ، وَإِنْ انْتَفَى أَلَمٌ وَوَرَمٌ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ نَظَرًا لِخَطَرِ الْمَحَلِّ وَشِدَّةِ تَأَثُّرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْقُبْهَا وَرَمٌ) أَيْ وَلَا تَأَلُّمٌ فَإِنْ عَقَبَهَا ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ فَعَمْدٌ فِي صُورَتَيْنِ: غَرْزِهَا بِمَقْتَلٍ مُطْلَقًا، وَغَرْزِهَا بِغَيْرِهِ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ وَمَاتَ حَالًا فَشِبْهُ عَمْدٍ وَلَا أَثَرَ لِغَرْزِهَا فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجِلْدَةِ عَقِبٍ لِعِلْمِنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ بِهِ وَالْمَوْتُ عَقِبَهُ مُوَافَقَةُ قَدْرٍ فَهُوَ كَمَنْ ضُرِبَ بِقَلَمٍ أَوْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ فَمَاتَ.
شَرْحَ الْمَنْهَجِ، وَقَوْلُهُ: وَرَمٌ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّأَلُّمِ وَقَوْلُهُ: كَجِلْدَةِ عَقِبٍ مَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الْغَرْزِ بِهَا فَإِنْ بَالَغَ حَتَّى أَدْخَلَهَا إلَى اللَّحْمِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَقَوْلُهُ كَمَنْ ضُرِبَ بِقَلَمٍ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَخَرَجَ بِمَا يُتْلِفُ غَالِبًا، أَوْ غَيْرَ غَالِبٍ مَا لَوْ ضَرَبَهُ بِقَلَمٍ إلَخْ وَلَوْ مَنَعَهُ الْبَوْلَ فَمَاتَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ رَبَطَ ذَكَرَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْبَوْلُ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ مَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَإِنْ لَمْ يَرْبِطْهُ، بَلْ مَنَعَهُ بِتَهْدِيدٍ مَثَلًا كَإِنْ بُلْت قَتَلْتُكَ فَلَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِعْلًا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَخَذَ طَعَامَهُ فِي مَفَازَةٍ فَمَاتَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْعَمْدِ مَا لَوْ أَخَذَ مِنْ الْعَوَّامِ جِرَابَهُ مَثَلًا مِمَّا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي الْعَوْمِ وَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ
الْإِزْهَاقِ لِلرُّوحِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ حَزَّ رَقَبَتِهِ قِصَاصًا فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ عُدْوَانًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عُدْوَانًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُزْهِقًا وَإِنَّمَا هُوَ عُدْوَانٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ
فَائِدَةٌ يُمْكِنُ انْقِسَامُ الْقَتْلِ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَاجِبٍ وَحَرَامٍ وَمَكْرُوهٍ وَمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٍ
فَالْأَوَّلُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ إذَا لَمْ يَتُبْ وَالْحَرْبِيِّ إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَوْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ
وَالثَّانِي قَتْلُ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَالثَّالِثُ قَتْلُ الْغَازِي قَرِيبَهُ الْكَافِرَ إذَا لَمْ يَسُبَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ وَالرَّابِعُ قَتْلُهُ إذَا سَبَّ أَحَدَهُمَا وَالْخَامِسُ قَتْلُ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ إذَا اسْتَوَتْ الْخِصَالُ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَلَا يُوصَفُ بِحَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ كَفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ فَيَجِبَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْقَوَدُ أَيْ الْقِصَاصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] الْآيَةَ سَوَاءٌ أَمَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَعْدَهُ بِسِرَايَةِ جِرَاحَةٍ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِهِ فِي غَيْرِهِ فَسَيَأْتِي وَسُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا لِأَنَّهُمْ يَقُودُونَ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفٍ فَتَعَيَّنَ جِنْسُهُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ
(فَإِنْ عَفَا) الْمُسْتَحِقُّ (عَنْهُ) أَيْ الْقَوَدِ مَجَّانًا سَقَطَ وَلَا دِيَةَ.
وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ لَا دِيَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يُوجِبْ الدِّيَةَ، وَالْعَفْوَ إسْقَاطُ ثَابِتٍ لَا إثْبَاتُ مَعْدُومٍ، أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ (وَجَبَ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِيمَا سَيَأْتِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَعْرِفُ الْعَوْمَ أَمْ لَا ع ش عَلَى م ر، وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَلَوْ أَخَذَ نَحْوَ جِرَابٍ مِنْ عَائِمٍ عَلَيْهِ فَغَرِقَ، ضَمِنَهُ وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا ز ي قَالَ: لِأَنَّهُ كَمَنْ أَخَذَ طَعَامَهُ فِي مَفَازَةٍ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَقَدْ يُفَرَّقُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ فِي الْمَفَازَةِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَحَلٍّ يَجِدُ فِيهِ مَا يَقِيهِ مِنْ الْجُوعِ وَلَيْسَ قَادِرًا فِي الْمَاءِ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَحَلٍّ يَقِيهِ مِنْ الْغَرَقِ وَلِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمَاءِ الْإِغْرَاقَ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمَفَازَةِ الْإِهْلَاكُ فَتَأَمَّلْ وَلَوْ حَبَسَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ شَيْئًا فَتَرَكَ الْأَكْلَ خَوْفًا أَوْ حُزْنًا وَالطَّعَامُ عِنْدُهُ فَمَاتَ جُوعًا، أَوْ عَطَشًا أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ، وَخَرَجَ بِمَنْعِهِ الطَّعَامَ مَا لَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَأَخَذَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَمَاتَ جُوعًا، أَوْ عَطَشًا فَلَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ صُنْعًا كَذَا فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِيمَا إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ لِطُولِهَا، أَوْ لِزَمَانَتِهِ وَلَا طَارِقَ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ الْآخِذُ حَالَ الْمَفَازَةِ فَيَجِبَ الْقَوَدُ وَبَيْنَ أَنْ يَجْهَلَ فَيَجِبَ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ لَكَانَ مُتَّجَهًا اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا قِصَاصَ فِيهِ) وَفِيهِ الدِّيَةُ إنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ مُؤْلِمٍ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مُؤْلِمٍ كَجِلْدَةِ عَقِبٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ انْقِسَامُ الْقَتْلِ) أَيْ الْعَمْدِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بَعْدُ، وَأَمَّا الْخَطَأُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (قَتْلُ الْمُرْتَدِّ) وَوُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (إذَا اسْتَوَتْ الْخِصَالُ) أَيْ الْفِدَاءُ وَضَرْبُ الرِّقِّ وَالْقَتْلُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُخْطِئَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
قَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] سُمِّيَ الْقَتْلُ قِصَاصًا، لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ يَقُصُّونَ أَيْ يَتَتَبَّعُونَ أَثَرَ الْقَاتِلِ.
قَوْلُهُ: (بَدَلَ مُتْلَفٍ) أَيْ بَدَلَ إتْلَافِ مُتْلَفٍ وَقَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ جِنْسُهُ أَيْ جِنْسُ إتْلَافِ الْمُتْلَفِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ) كَلَامُ الْمَتْنِ شَامِلٌ لِمَا لَوْ عَفَا مَجَّانًا، أَوْ أَطْلَقَ مَعَ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ لَا شَيْءَ فَلِذَلِكَ أَصْلَحَ الشَّارِحُ الْمَتْنَ بِمَا فَعَلَهُ، وَقَوْلُهُ: عَلَى مَالٍ الْمُرَادُ بِهِ الدِّيَةُ بِأَنْ يَقُولَ: عَفَوْت عَنْ الْقَوَدِ عَلَى الدِّيَةِ أَمَّا لَوْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الدِّيَةِ فَلَغْوٌ فَإِنْ عَفَا عَلَيْهَا بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْهَا وَلَوْ مُتَرَاخِيًا وَجَبَتْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَافِي مَحْجُورَ سَفَهٍ، أَوْ فَلَسٍ، أَوْ مَرِيضًا أَوْ وَارِثَ مَدْيُونٍ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا وَلَيْسَ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ تَضْيِيعُ مَالٍ سم.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ) نَعَمْ إنْ اخْتَارَ الدِّيَةَ عَقِبَ عَفْوِهِ مُطْلَقًا وَجَبَتْ سم.
قَوْلُهُ: (وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ ثَابِتٍ) وَهُوَ الْقِصَاصُ لَا إثْبَاتُ مَعْدُومٍ وَهُوَ الدِّيَةُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ) وَهُوَ الدِّيَةُ وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا لَكَانَ أَوْلَى، وَفِي الْمَنْهَجِ وَلَوْ عَفَا عَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا أَيْ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ثَبَتَ إنْ قَبِلَ جَازَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ وَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ.
قَوْلُهُ: (مُغَلَّظَةٌ) ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ
(حَالَّةٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ)، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ:" كَانَ فِي شَرْعِ مُوسَى عليه السلام تَحَتُّمُ الْقِصَاصِ جَزْمًا، وَفِي شَرْعِ عِيسَى عليه السلام الدِّيَةُ فَقَطْ. فَخَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ " لِمَا فِي الْإِلْزَامِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ الْمَشَقَّةِ؛ وَلِأَنَّ الْجَانِيَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ كَالْمُحَالِ عَلَيْهِ.
وَلَوْ عَفَا عَنْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَانِي سَقَطَ كُلُّهُ كَمَا أَنَّ تَطْلِيقَ بَعْضِ الْمَرْأَةِ تَطْلِيقٌ لِكُلِّهَا.
وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ سَقَطَ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَعْضُ الْآخَرُ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ وَيُغَلَّبُ فِيهِ جَانِبُ السُّقُوطِ.
(وَالْخَطَأُ الْمَحْضُ هُوَ أَنْ) يَقْصِدَ الْفِعْلَ دُونَ الشَّخْصِ كَأَنْ يَرْمِيَ إلَى شَيْءٍ كَشَجَرَةٍ أَوْ صَيْدٍ فَيُصِيبَ إنْسَانًا رَجُلًا أَيْ ذَكَرًا أَوْ غَيْرَهُ (فَيَقْتُلَهُ) ، أَوْ يَرْمِيَ بِهِ زَيْدًا فَيُصِيبَ عَمْرًا كَمَا مَرَّ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَصْلَ الْفِعْلِ كَأَنْ زَلِقَ فَسَقَطَ عَلَى غَيْرِهِ فَمَاتَ كَمَا مَرَّ أَيْضًا.
(فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْقِصَاصِ (بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ) لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ (مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ فِي فَصْلِهَا.
(مُؤَجَّلَةٌ) عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَمِنْ الْمُوَاسَاةِ تَأْجِيلُهَا عَلَيْهِمْ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ.
(وَعَمْدُ الْخَطَأِ) الْمُسَمَّى بِشِبْهِ الْعَمْدِ
هُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ أَيْ الشَّخْصِ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَسَوْطٍ أَوْ عَصًا خَفِيفَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَمُوتَ بِسَبَبِهِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِفَقْدِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ غَالِبًا فَمَوْتُهُ بِغَيْرِهَا مُصَادَفَةُ قَدَرٍ
بَلْ تَجِبُ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَلَا إنَّ فِي قَتِيلِ عَمْدِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
خَلِفَةً.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي) غَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَيُنَافِي وُجُوبَ الْقَوَدِ أَوَّلًا.
قَوْلُهُ: (وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُوجِبْ أَوَّلًا إلَّا الْقَوَدَ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّخْيِيرَ بِالنَّظَرِ لِخِيرَةِ الْوَارِثِ لَا بِالنَّظَرِ لِلِابْتِدَاءِ فَلَا يَجِبُ إلَّا الْقَوَدُ.
قَوْلُهُ: (لِمَا فِي الْإِلْزَامِ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ.
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْجَانِيَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِخَبَرِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عُضْوٍ) أَيْ كَيَدِهِ وَأُصْبُعِهِ وَظُفُرِهِ وَشَعْرِهِ وَقَوْلُهُ سَقَطَ كُلُّهُ أَيْ كُلُّ الْقَوَدِ وَيُشْتَرَطُ فِي تِلْكَ الْأَعْضَاءِ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً فَيَكُونَ مِنْ بَابِ السِّرَايَةِ لَا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ الِاتِّصَالُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ سَقَطَ أَيْضًا) حَتَّى لَوْ اقْتَصَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَعْدَ عَفْوِ الْبَعْضِ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِهِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْجُمْلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيُغَلَّبُ) بِالتَّشْدِيدِ.
قَوْلُهُ: (هُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْفِعْلَ) فَلَهُ صُورَتَانِ قَصْدُ الْفِعْلِ وَعَدَمُهُ، كِلَاهُمَا مَعَ عَدَمِ قَصْدِ الشَّخْصِ.
قَوْلُهُ: (رَجُلًا) الرَّجُلُ حَقِيقَةً الذَّكَرُ الْبَالِغُ وَلَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِقَوْلِهِ: أَيْ ذَكَرًا، لِأَنَّهُ مِثَالٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى " رَجُلًا ".
قَوْلُهُ: (زَلِقَ) بِكَسْرِ اللَّامِ.
قَوْلُهُ: (فَسَقَطَ عَلَى غَيْرِهِ) وَعَدَمُ قَصْدِهِ لَهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] الْمُرَادُ بِالْخَطَأِ مُقَابِلُ الْعَمْدِ الصَّادِقُ بِشِبْهِ الْعَمْدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَصْدَرَ إذَا وَقَعَ جَوَابًا لِلشَّرْطِ وَاقْتَرَنَ بِالْفَاءِ جَرَى مَجْرَى الْأَمْرِ وَالتَّقْدِيرُ هُنَا: فَلْيُحَرِّرْ رَقَبَةً.
قَوْلُهُ: (مُخَفَّفَةٌ) أَيْ مُخَمَّسَةٌ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْعَاقِلَةِ) أَيْ فَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ إلَّا الْخَطَأَ وَشِبْهَ الْعَمْدِ وَلَا تَحْمِلُ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا عَنْ الْقَوَدِ وَلَا اعْتِرَافًا بِالْجِنَايَةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَعَمْ إنْ صَدَّقَتْ الْعَاقِلَةُ الْمُعْتَرِفَ بِالْجِنَايَةِ حَمَلَتْ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ الْعَاقِلَةُ مِنْ الْوَلَاءِ، أَوْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ الْإِمَامُ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ) .
أَيْ الْإِحْسَانِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً، لِأَنَّ الْآتِيَ بِالْوَاجِبِ مُحْسِنٌ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمُوَاسَاةِ)" مِنْ " تَعْلِيلِيَّةٌ لِمَا بَعْدَهَا أَيْ تَأْجِيلُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مُوَاسَاتِهِمْ فَفِيهِ الْإِظْهَارُ مَوْضِعَ الْإِضْمَارِ وَحَقُّهُ أَنْ يُقَالَ: وَمِنْ أَجْلِهَا تَأْجِيلُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّارِعِ.
قَوْلُهُ: (الْمُسَمَّى بِشِبْهِ الْعَمْدِ) وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَشْبَهَ الْعَمْدَ فِي اعْتِبَارِ الْقَصْدِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَصًا خَفِيفَةٍ) أَيْ بِحَيْثُ يُنْسَبُ الْقَتْلُ إلَيْهَا لَا نَحْوِ قَلَمٍ لِأَنَّهُ مُوَافَقَةُ قَدْرٍ م د.
قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الْآلَةِ الْقَاتِلَةِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي قَوِيِّ الْبَدَنِ أَمَّا لَوْ كَانَ طِفْلًا، أَوْ هَرِمًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْعَمْدِ، لِأَنَّ الْآلَةَ الْمَذْكُورَةَ تَقْتُلُ مَنْ ذُكِرَ غَالِبًا نَظِيرُ مَا قِيلَ:
الْخَطَأِ قَتِيلِ السَّوْطِ أَوْ الْعَصَا مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَأُعْطِيَ حُكْمَ الْعَمْدِ مِنْ وَجْهِ تَغْلِيظِهَا وَحُكْمَ الْخَطَأِ مِنْ وَجْهِ كَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ
لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِذَلِكَ مُؤَجَّلَةً عَلَيْهِمْ كَمَا فِي دِيَةِ الْخَطَأِ
تَنْبِيهٌ: جِهَاتُ تَحَمُّلِ الدِّيَةِ ثَلَاثَةٌ: قَرَابَةٌ، وَوَلَاءٌ، وَبَيْتُ مَالٍ لَا غَيْرُهَا.
كَزَوْجِيَّةٍ وَقَرَابَةٍ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ وَلَا الْفَرِيدِ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ فَيُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَبِيلَةٍ لِيُعَدَّ مِنْهَا.
الْجِهَةُ الْأُولَى عَصَبَةُ الْجَانِي الَّذِينَ يَرِثُونَهُ بِالنَّسَبِ، أَوْ الْوَلَاءِ إذَا كَانُوا ذُكُورًا مُكَلَّفِينَ.
قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ إنْ أَيْسَرَا لَا يَحْمِلَانِ شَيْئًا، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ عِنْدِي انْتَهَى.
وَاسْتُثْنِيَ مِنْ الْعَصَبَةِ أَصْلُ الْجَانِي، وَإِنْ عَلَا وَفَرْعُهُ، وَإِنْ سَفَلَ، لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ فَكَمَا لَا يَتَحَمَّلُ الْجَانِي لَا يَتَحَمَّلُ أَبْعَاضُهُ.
وَيُقَدَّمُ فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ مِنْ الْعَصَبَةِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ.
فَإِنْ لَمْ يَفِ الْأَقْرَبُ بِالْوَاجِبِ بِأَنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وُزِّعَ الْبَاقِي عَلَى مَنْ يَلِيهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَيُقَدَّمُ مِمَّنْ ذُكِرَ مُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ عَلَى مُدْلٍ بِأَبٍ فَإِنْ لَمْ يَفِ مَا عَلَيْهِمْ بِالْوَاجِبِ فَمُعْتَقٌ ذَكَرٌ لِخَبَرِ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» ، ثُمَّ إنْ فُقِدَ الْمُعْتَقُ، أَوْ لَمْ يَفِ مَا عَلَيْهِ بِالْوَاجِبِ فَعَصَبَتُهُ مِنْ نَسَبِ غَيْرِ أَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا، وَفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ، كَمَا مَرَّ فِي أَصْلِ الْجَانِي وَفَرْعِهِ، ثُمَّ مُعْتَقُ الْمُعْتَقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذَلِكَ وَهَكَذَا مَا عَدَا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ ثُمَّ مُعْتَقُ أَبِي الْجَانِي، ثُمَّ عَصَبَتُهُ، ثُمَّ مُعْتَقُ مُعْتَقِ الْأَبِ وَعَصَبَتُهُ غَيْرُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِي الْإِبْرَةِ أج وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ، أَوْ عَصًا خَفِيفَتَيْنِ بِلَا تَوَالٍ وَلَمْ يَكُنْ بِمَقْتَلٍ وَلَمْ يَكُنْ بَدَنُ الْمَضْرُوبِ نَحِيفًا وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِنَحْوِ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ صِغَرٍ، وَإِلَّا فَعَمْدٌ، كَمَا لَوْ خَنَقَهُ فَضَعُفَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ اهـ.
قَالَ الشَّيْخَانِ: وَلَوْ ضَرَبَهُ الْيَوْمَ ضَرْبَةً وَغَدًا ضَرْبَةً وَهَكَذَا حَتَّى مَاتَ فَوَجْهَانِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ عِنْدَ التَّفْرِيقِ.
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَلَوْ ضَرَبَهُ وَقَصَدَ أَنْ لَا يَزِيدَ فَشَتَمَهُ فَضَرَبَهُ ثَانِيَةً، ثُمَّ شَتَمَهُ فَضَرَبَهُ ثَالِثَةً حَتَّى قَتَلَهُ فَلَا قِصَاصَ، وَلَوْ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ بِالسَّوْطِ عَشَرًا وِلَاءً فَمَاتَتْ فَإِنْ قَصَدَ فِي الِابْتِدَاءِ الْعَدَدَ الْمُهْلِكَ وَجَبَ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَصَدَ تَأْدِيبَهَا بِسَوْطَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَجَاوَزَ فَلَا، لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ الْعَمْدُ بِشِبْهِهِ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (فَمَوْتُهُ بِغَيْرِهَا إلَخْ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ، لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْقَدْرِ هَدَرٌ ق ل.
قَوْلُهُ: (فِي قَتِيلٍ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَقَوْلُهُ: " قَتِيلِ السَّوْطِ " بَدَلٌ مِنْ " عَمْدِ الْخَطَأِ " وَقَوْلُهُ " مِائَةً " اسْمُ " إنَّ " مُؤَخَّرٌ وَقَوْلُهُ " فِي بُطُونِهَا " خَبَرٌ مُقَدَّمٌ " وَأَوْلَادُهَا " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِيهِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذَا عَنْ قَوْلِهِ: عَلَى الْعَاقِلَةِ، لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ يَكُونُ بَعْدَ الْمَدْلُولِ.
قَوْلُهُ: (مُتَرَدِّدٌ) أَيْ يُشْبِهُ الْعَمْدَ مِنْ حَيْثُ قَصْدُ الْفِعْلِ، وَالْخَطَأَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْآلَةَ لَا تَقْتُلُ.
قَوْلُهُ: (مُؤَجَّلَةً) هُوَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَنْصُوبٌ خَبَرٌ لِكَوْنِ فِي قَوْلِهِ مِنْ وَجْهِ كَوْنِهَا.
فَفِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (جِهَاتُ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَنَوْنَ بِذِكْرِ الْجِهَةِ الْأُولَى، وَلَمْ يُعَنْوِنْ عَنْ الْأَخِيرَتَيْنِ بَلْ أَدْخَلَهَا فِي الْأُولَى وَهَذَا غَيْرُ لَائِقٍ، تَأَمَّلْ ق ل، وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: تَجِبُ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَيُقَدَّمُ أَوَّلًا الْأَقَارِبُ، ثُمَّ الْوَلَاءُ، ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ، إنْ انْتَظَمَ.
قَوْلُهُ: (قَرَابَةٌ) أَيْ عَصَبَةٌ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الْفَرِيدِ) فِي نُسْخَةٍ وَلَا الْعَدِيدِ.
قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَالْأُولَى هِيَ الظَّاهِرَةُ اهـ.
قُلْت: بَلْ الظَّاهِرُ هِيَ الثَّانِيَةُ فَقَدْ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْعَدِيدُ الرَّجُلُ يُدْخِلُ نَفْسَهُ فِي قَبِيلَةٍ لِيُعَدَّ مِنْهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا عَشِيرَةٌ وَهُوَ عَدِيدُ بَنِي فُلَانٍ وَمِنْ عِدَادِهِمْ بِالْكَسْرِ أَيْ يُعَدُّ فِيهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْفَرِيدِ مَعْنًى مِثْلَ هَذَا أَصْلًا.
قَوْلُهُ: (الْجِهَةُ الْأُولَى) لَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ الْجِهَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ إلَّا فِي خِلَالِ كَلَامِهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ الْوَلَاءُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ، لِأَنَّ مَرْتَبَتَهُ مُتَأَخِّرَةٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدُ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ الْعَاقِلَةَ) أَيْ فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (الْمَعْتُوهُ) أَيْ الْعَبِيطُ وَهُوَ نَاقِصُ الْعَقْلِ.
قَوْلُهُ: (الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ) بَدَلٌ مِنْ مَنْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وُزِّعَ الْبَاقِي عَلَى مَنْ يَلِيهِ اهـ.
وَهُمْ الْإِخْوَةُ، ثُمَّ بَنُوهُمْ، ثُمَّ الْأَعْمَامُ ثُمَّ بَنُوهُمْ كَالْإِرْثِ اهـ.
وَمَدَابِغِيٌّ فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ أَخٍ مُوسِرٍ نِصْفُ دِينَارٍ وَمُتَوَسِّطٍ رُبُعُ دِينَارٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْفَقِيرِ فَإِذَا لَمْ يُوفِ ثُلُثَ الدِّيَةِ أُخِذَ مِنْ بَنِيهِمْ وَهَكَذَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ، أَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ
وَكَذَا أَبَدًا، وَعَتِيقُ الْمَرْأَةِ يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا، وَمُعْتِقُونَ فِي تَحَمُّلِهِمْ كَمُعْتِقٍ وَاحِدٍ، وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ فِي حَيَاتِهِ، وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ عَنْ مُعْتِقِهِ كَمَا لَا يَرِثُهُ فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ مِمَّنْ ذُكِرَ عَقَلَ ذَوُو الْأَرْحَامِ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ فُقِدَ بَيْتُ الْمَالِ فَكُلُّهُ عَلَى الْجَانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُهُ ابْتِدَاءً ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَصِفَاتُ مَنْ يَعْقِلُ خَمْسٌ: الذُّكُورَةُ وَعَدَمُ الْفَقْرِ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَاتِّفَاقُ الدِّينِ فَلَا تَعْقِلُ امْرَأَةٌ وَلَا خُنْثَى نَعَمْ إنْ بَانَ ذَكَرًا غَرِمَ حِصَّتَهُ الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ وَلَا فَقِيرٌ وَلَوْ كَسُوبًا وَلَا رَقِيقٌ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَلَا صَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسُهُ.
وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ كَالْإِرْثِ، وَعَلَى الْغَنِيِّ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ عِشْرِينَ دِينَارًا، أَوْ قَدْرَهَا اعْتِبَارًا، بِالزَّكَاةِ نِصْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، أَوْ قَدْرُهُ دَرَاهِمَ عَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مِنْهُمْ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ دُونَ الْعِشْرِينَ دِينَارًا، أَوْ قَدْرِهَا وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ لِئَلَّا
ــ
[حاشية البجيرمي]
رَجَعَ إلَى الْقَاتِلِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا أَبَدًا) أَيْ وَكَذَا الْمَذْكُورُونَ يَكُونُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مِمَّنْ بَعْدَهُنَّ أَبَدًا شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَمُعْتِقُونَ فِي تَحَمُّلِهِمْ كَمُعْتِقٍ) فَعَلَيْهِمْ نِصْفُ دِينَارٍ إنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، وَإِلَّا فَرُبُعُهُ وَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ الْمِلْكِ، لَا الرُّءُوسِ لَوْ كَانَ لِامْرَأَةٍ ثُلُثَا عَبْدٍ وَلِرَجُلٍ ثُلُثٌ فَأَعْتَقَاهُ، ثُمَّ قَتَلَ وَهُمَا غَنِيَّانِ فَعَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ كَأَخِيهَا، ثُلُثَا نِصْفِ الدِّينَارِ وَعَلَى الرَّجُلِ ثُلُثُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ غَنِيًّا دُونَ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ نِصْفِ الدِّينَارِ وَعَلَى وَلِيِّهَا ثُلُثَا رُبُعِهِ، أَوْ عَكْسُهُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ رُبُعِ الدِّينَارِ وَعَلَى وَلِيِّهَا ثُلُثَا نِصْفِهِ وَهَكَذَا ق ل.
وَانْظُرْ لِمَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى وَلِيِّهَا دُونَهَا مَعَ أَنَّهَا الْمُعْتِقَةُ؟ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَحَمَّلُ أَصْلًا فَلْيُحَرَّرْ.
قَوْلُهُ: (كَمُعْتِقٍ) ، لِأَنَّ الْوَلَاءَ فِي الْأُولَى لِجَمِيعِ الْمُعْتِقِينَ لَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ.
، وَفِي الثَّانِيَةِ لِكُلٍّ مِنْ الْعَصَبَةِ فَلَا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمْ تَوَزُّعَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ، لِأَنَّهُ لَا يُورَثُ بَلْ يُورَثُ بِهِ شَرْحَ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ) .
فَيَحْمِلُ كُلُّ شَخْصٍ نِصْفًا، أَوْ رُبُعًا كَالْمُعْتِقِ إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ وَاحِدًا وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانُوا بِصِفَتِهِ فِي الْغِنَى وَالتَّوَسُّطِ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْمُعْتِقُ غَنِيًّا وَهُمْ مُتَوَسِّطُونَ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ رُبُعُ دِينَارٍ فَقَوْلُهُ: مَا كَانَ يَحْمِلُهُ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَصِفَاتُ مَنْ يَعْقِلُ خَمْسٌ) هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبْعَةٌ: الذُّكُورَةُ، وَعَدَمُ الْفَقْرِ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْعَقْلُ، وَاتِّفَاقُ الدِّينِ وَأَنْ لَا يَكُونَ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا.
قَوْلُهُ: (الَّتِي أَدَّاهَا غَيْرُهُ) بِأَنْ كَانَ الْخُنْثَى عَمًّا فَأَخَذْنَا مِنْ ابْنِ الْعَمِّ مَا كَانَ يَدْفَعُهُ الْعَمُّ فَإِنْ تَبَيَّنَ كَوْنُ الْعَمِّ ذَكَرًا دَفَعَ لِابْنِ الْعَمِّ مَا دَفَعَهُ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْغَنِيِّ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَ " نِصْفُ دِينَارٍ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ وَقَوْلُهُ:" عِشْرِينَ " مَفْعُولٌ لِيَمْلِكَ وَقَوْلُهُ " فَاضِلًا " حَالٌ مِنْهَا وَذَكَرَ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ أَوْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا عَدَدًا، وَقَوْلُهُ عَمَّا يَبْقَى فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ كِفَايَةُ الْعُمُرِ الْغَالِبِ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى شَخْصٍ إلَّا إذَا كَانَ يَمْلِكُ كِفَايَةَ الْعُمُرِ الْغَالِبِ.
قَوْلُهُ: (اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ) أَيْ: وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْعِشْرُونَ دُونَ أَنْقَصَ مِنْهَا اعْتِبَارًا بِالزَّكَاةِ، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (مَنْ يَمْلِكُ) أَيْ آخِرَ السَّنَةِ وَبِمَا ذَكَرَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ أَعْسَرَ آخِرَهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قَبْلُ، أَوْ أَيْسَرَ بَعْدُ إلَخْ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: فَاضِلًا عَمَّا يَبْقَى لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ أَيْ عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرِهَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْعِشْرِينَ أَيْ، أَوْ دُونَ قَدْرِهَا مِنْ الْفِضَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ) ، ثُمَّ يَجْمَعُ الْحَاصِلَ وَيَشْتَرِي بِهِ الْوَاجِبَ مِنْ الْإِبِلِ، وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ، فَإِنْ زَادَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ عَلَى الْوَاجِبِ نَقَصَ مِنْهُ بِالْقِسْطِ. اهـ. سم.
وَإِنْ نَقَصَ الْمَأْخُوذُ عَنْ الْوَاجِبِ كَمَّلَ مِمَّنْ يَلِي مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَانْظُرْ هَلَّا اكْتَفَوْا بِرُبُعِ دِينَارٍ فَقَطْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَا نَصُّهُ، وَإِنَّمَا شُرِطَ كَوْنُ الدُّونِ الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ فَوْقَ الرُّبُعِ لِئَلَّا يَصِيرَ بِدَفْعِهِ فَقِيرًا اهـ.
قَالَ سم: حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا أَنْ يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مَا زَائِدٌ عَلَى حَاجَتِهِ بَعْدَ دَفْعِ الرُّبُعِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَعْدَ الدَّفْعِ فَقِيرًا وَلَك أَنْ تَقُولَ: كَأَنْ يَجُوزَ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ ذَلِكَ وَيَكُونَ الْفَقِيرُ مَنْ لَا يَمْلِكُ رُبُعًا زَائِدًا عَنْ حَاجَتِهِ، وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَا مَحْذُورَ فِي عَوْدِهِ بَعْدَ الدَّفْعِ فَقِيرًا إنَّمَا الْمَحْذُورُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ فَقِيرٍ وَلَمْ يُوجَدْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: وَقَعُوا فِيمَا فَرُّوا مِنْهُ، لِأَنَّ الْمُتَوَسِّطَ عَلَى كَلَامِهِمْ صَادِقٌ بِمَنْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى حَاجَتِهِ ثُلُثَ دِينَارٍ مَثَلًا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ
يَبْقَى فَقِيرًا رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، لِأَنَّهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الْفَقِيرِ الَّذِي لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْغَنِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ، وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْجِنَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ، لِأَنَّهُ بَدَلُ آدَمِيٍّ فَفِي آخِرِ كُلِّ سَنَةٍ يُؤْخَذُ مِنْ قِيمَتِهِ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ رَجُلَيْنِ مَثَلًا فَفِي ثَلَاثِ سِنِينَ.
وَالْأَطْرَافُ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ، وَالْحُكُومَاتُ، وَأُرُوشُ الْجِنَايَاتِ تُؤَجَّلُ، فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ، وَأَجَلُ دِيَةِ النَّفْسِ مِنْ الزُّهُوقِ، وَأَجَلُ دِيَةِ غَيْرِ النَّفْسِ كَقَطْعِ يَدٍ مِنْ ابْتِدَاءِ الْجِنَايَةِ.
وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ فِي أَثْنَاءِ سَنَةٍ سَقَطَ مِنْ وَاجِبِ تِلْكَ السَّنَةِ.
(وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ) فِي الْعَمْدِ.
(أَرْبَعَةٌ) بَلْ خَمْسَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَلِكَ إذَا دَفَعَ رُبُعًا عَادَ فَقِيرًا، لِأَنَّهُ بَعْدَ دَفْعِهِ صَارَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَلَكَ زَائِدًا عَنْ حَاجَتِهِ فَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ فَيَكُونَ فَقِيرًا، لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ كَوْنُهُ مُتَوَسِّطًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ غَنِيًّا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا إذْ الْمُرَادُ بِالْفَقِيرِ وَغَيْرِهِ مَا هُوَ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ هُنَا فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الْجِنَايَةَ) أَيْ بَدَلَ الْجِنَايَةِ وَقَوْلُهُ، لِأَنَّهُ أَيْ الْبَدَلَ الْمُقَدَّرَ.
قَوْلُهُ: (قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ) لَعَلَّ هَذَا إذَا لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ عَلَى دِيَةٍ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ قَدْرَ دِيَتَيْنِ أُخِذَ قَدْرُ ثُلُثِ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَالتَّأْجِيلُ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ كَمَا لَوْ قَتَلَ شَخْصٌ رَجُلَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْرَ ثُلُثِ الدِّيَةِ فَمَا دُونَهَا أُخِذَ فِي سَنَةٍ م ر.
قَوْلُهُ: (وَالْأَطْرَافُ) أَيْ وَدِيَةُ الْأَطْرَافِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: تُؤَجَّلُ وَلَا حَاجَةَ لِلتَّقْدِيرِ فِيمَا بَعْدَهَا، لِأَنَّهُ مَالٌ فَيُؤَجَّلُ، وَقَوْلُهُ:" وَالْأَطْرَافُ " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ تُؤَجَّلُ يَعْنِي أَنَّهَا تُؤَجَّلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَخْ فَإِنَّ نِصْفَ دِيَتِهِ فِي الْأُولَى ثُلُثٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ سُدُسٌ اهـ شَرْحَ م ر.
قَوْلُهُ: (وَالْحُكُومَاتُ) هِيَ وَاجِبَةٌ فِيمَا لَا مُقَدَّرَ وَلَا تُعْرَفُ نِسْبَتُهُ إلَى مُقَدَّرٍ لَهُ، وَأُرُوشُ الْجِنَايَةِ وَاجِبَةٌ فِيمَا لَهُ مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ، أَوْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهُ مِنْ مُقَدَّرٍ كَجُرْحٍ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ كَالسِّمْحَاقِ.
قَوْلُهُ: (فِي كُلٍّ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَ " قَدْرُ " مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ.
قَوْلُهُ: (سَقَطَ مِنْ وَاجِبِ تِلْكَ السَّنَةِ) أَيْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ، بَعْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ) مِنْ الْقَصِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَمِنْهُ الْمِقَصُّ، وَقِيلَ: مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ إذَا تَبِعَهُ، لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ يَتْبَعُ الْجَانِيَ وَالتَّعْبِيرُ هُنَا بِالْقِصَاصِ بَعْدَ التَّعْبِيرِ عَنْهُ فِيمَا سَبَقَ بِالْقَوَدِ، لِإِفَادَةِ اتِّحَادِهِمَا اهـ، شَرْحَ سم وَهَذِهِ شُرُوطٌ فِي الْقَاتِلِ إلَّا الرَّابِعَ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي الْمَقْتُولِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَيْ الْقَاتِلِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ، وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: وَالْخَامِسُ عِصْمَةُ الْقَتِيلِ فَهَذِهِ شُرُوطٌ فِي الْقَتِيلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ أَرْكَانُ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ ثَلَاثَةٌ قَتِيلٌ وَقَاتِلٌ وَقَتْلٌ، وَشَرَطَ فِيهِ مَا مَرَّ أَيْ مِنْ كَوْنِهِ عَمْدًا ظُلْمًا، وَفِي الْقَتِيلِ عِصْمَةً أَيْ عَلَى قَاتِلِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَشُرِطَ فِي الْقَاتِلِ أَمْرَانِ: الْتِزَامٌ لِلْأَحْكَامِ وَمُكَافَأَةٌ حَالَ جِنَايَةٍ بِأَنْ لَمْ يَفْضُلْ قَتِيلَهُ بِإِسْلَامٍ أَوْ أَمَانٍ، أَوْ حُرِّيَّةٍ كَامِلَةٍ، أَوْ أَصْلِيَّةٍ أَوْ سِيَادَةٍ وَقَوْلُهُ: عِصْمَةٌ دَخَلَ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ صَائِلًا وَلَا قَاطِعَ طَرِيقٍ لَا يَنْدَفِعُ شَرُّهُ إلَّا بِالْقَتْلِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصُومٌ، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَمَانٍ أَيْ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ شَخْصٌ: أَنْتَ تَحْتَ أَمَانِي وَزَادَ بَعْضُهُمْ ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَى الْأَسِيرِ الْوَثَنِيِّ وَنَحْوِهِ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ضَرْبَ الرِّقِّ عَلَيْهِ صَيَّرَهُ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُمْ فِي أَمَانٍ فَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ أَمَانٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فِي الْعَمْدِ) لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (بَالِغًا عَاقِلًا) لَوْ قَالَ: مُكَلَّفًا لَأَغْنَى عَنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ.
وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ تَطَوَّرَ وَلِيٌّ فِي غَيْرِ صُورَةِ آدَمِيٍّ وَقَتَلَهُ شَخْصٌ وَعَمَّا لَوْ قَتَلَ آدَمِيٌّ جِنِّيًّا هَلْ يُقْتَلُ بِهِ أَوْ لَا؟ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: إنْ عَلِمَ الْقَاتِلُ حِينَ الْقَتْلِ أَنَّ الْمَقْتُولَ وَلِيٌّ تَطَوَّرَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ قُتِلَ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا قَوَدَ وَلَكِنْ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا يَظُنُّهُ صَيْدًا هَذَا فِي الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي الثَّانِي لَكِنْ نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الشَّوْبَرِيِّ أَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يُقْتَلُ بِالْجِنِّيِّ مُطْلَقًا.
أَقُولُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِنَا أَحْكَامَ الْجِنِّ وَعَدَمِ خِطَابِنَا بِتَفَاصِيلِ أَحْكَامِهِمْ ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ خَرَجَ الْجِنِّيُّ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ إذَا قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ تَفَاصِيلَ تَكَالِيفِهِمْ وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا عَنْ الشَّارِعِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَتَلَ جِنِّيًّا قُتِلَ بِهِ وَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِهِ مِنْ لُزُومِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ اهـ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَحَقَّقَ إسْلَامُهُ وَتَحَقَّقَتْ الْمُكَافَأَةُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا
بَالِغًا) .
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ (عَاقِلًا) فَلَا قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَتَضْمِينُهُمَا مُتْلَفَاتِهِمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَجْنُونِ إذَا كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا فَإِنْ تَقَطَّعَ فَلَهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ حَالَ جُنُونِهِ وَحُكْمُ الْعَاقِلِ حَالَ إفَاقَتِهِ، وَمَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ، ثُمَّ جُنَّ اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ حَالَ جُنُونِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ.
وَلَوْ قَالَ: كُنْت يَوْمَ الْقَتْلِ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا وَكَذَّبَهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ صُدِّقَ الْقَاتِلُ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَقْتَ الْقَتْلِ، وَعُهِدَ الْجُنُونُ قَبْلَهُ.
لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ صِبَاهُ وَلَمْ يُعْهَدْ جُنُونُهُ.
وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عِنْدَ غَيْرِ النَّوَوِيِّ. وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَرْكِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّ مَنْ رَامَ الْقَتْلَ لَا يَعْجِزُ أَنْ يَسْكَرَ حَتَّى لَا يُقْتَصَّ مِنْهُ.
وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْعَقْلِ.
وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ تَعَدَّى بِشُرْبِ دَوَاءٍ يُزِيلُ الْعَقْلَ أَمَّا غَيْرُ الْمُتَعَدِّي فَهُوَ كَالْمَعْتُوهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى حَرْبِيٍّ قُتِلَ حَالَ حِرَابَتِهِ، وَإِنْ عُصِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِسْلَامٍ، أَوْ عَقْدِ ذِمَّةٍ لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ مِنْ عَدَمِ الْقِصَاصِ مِمَّنْ أَسْلَمَ، كَوَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ وَلِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ.
(وَ) الثَّالِثُ (أَنْ لَا يَكُونَ) الْقَاتِلُ (وَالِدًا لِلْمَقْتُولِ) فَلَا قِصَاصَ بِقَتْلِ وَلَدٍ لِلْقَاتِلِ، وَإِنْ سَفَلَ، لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ وَصَحَّحَاهُ:«لَا يُقَادُ لِلِابْنِ مِنْ أَبِيهِ» وَلِرِعَايَةِ حُرْمَتِهِ، وَلِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي وُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ.
تَنْبِيهٌ: هَلْ يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ؟ وَجْهَانِ: وَيَجْرِيَانِ فِي الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ لَهُ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ:
ــ
[حاشية البجيرمي]
قِصَاصَ عَلَى صَبِيٍّ) وَمِثْلُهُ النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالسَّكْرَانُ سم.
قَوْلُهُ: (مَحَلُّ عَدَمِ الْجِنَايَةِ) أَيْ مُوجَبِهَا، وَهُوَ الْقِصَاصُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِصَاصَ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ أَيْ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فِيهِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ أَيْ وَإِذَا كَانَ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَيَسْتَوِي فِي اسْتِيفَائِهِ حَالَةُ الصِّحَّةِ وَالْجُنُونِ بِخِلَافِ مَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فِيهِ، كَالزِّنَا الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَسْتَوْفِي حَدَّهُ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَاحِيًا رُبَّمَا رَجَعَ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
فَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ هَلَّا انْتَظَرْنَا إفَاقَتَهُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ فَيَسْقُطَ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ أَيْ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا إذَا جُنَّ بَعْدَ الزِّنَا فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ لَعَلَّهُ يَرْجِعُ فَيَسْقُطَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ.
قَوْلُهُ: (وَعُهِدَ الْجُنُونُ) أَيْ سَبَقَ لَهُ جُنُونٌ وَقَوْلُهُ: بَقَاؤُهُمَا أَيْ الصِّبَا وَالْجُنُونِ.
قَوْلُهُ: (وَلِئَلَّا يُؤَدِّيَ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى السَّكْرَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ اهـ عَشْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنْ رَامَ) أَيْ أَرَادَ الْقَتْلَ، وَقَوْلُهُ: لَا يَعْجِزُ أَيْ لَوْ قُلْنَا السَّكْرَانُ لَا يُقْتَلُ إذَا قَتَلَ لَاُتُّخِذَ السُّكْرُ ذَرِيعَةً.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا كَالْمُسْتَثْنَى) لَمْ يَجْعَلْهُ مُسْتَثْنًى حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَقْلَ مَوْجُودٌ فِيهِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُغَطَّى بِسَبَبِ السُّكْرِ.
قَوْلُهُ: (وَأُلْحِقَ بِهِ إلَخْ) هَذَا مِنْ بَابِ إلْحَاقِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى إذْ هَذَا فِيهِ إزَالَةٌ لِلْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ السُّكْرِ شَيْخُنَا.
وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ، وَالْقِيَاسُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا وَوُجُوبُ دِيَةِ عَمْدٍ فِي مَالِهِمَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَبِرْمَاوِيٍّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ عُصِمَ) غَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (لِمَا تَوَاتَرَ مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ صَنِيعِهِ وَعَادَتِهِ وَحَالَتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالِدًا) أَيْ مِنْ النَّسَبِ بِخِلَافِ الْأَبِ مِنْ الرَّضَاعِ وَهَذَا مِمَّا فَارَقَ فِيهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ النَّسَبَ، وَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ كَافِرًا وَالْوَلَدُ مُسْلِمًا كَمَا قَالَهُ سم فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَتْلِ وَالِدٍ بِوَلَدِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ إلَّا إنْ أَضْجَعَهُ وَذَبَحَهُ كَالْبَهِيمَةِ، وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا نَقْضَ لَنَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ حُكْمِهِ، بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ أَوْ الْحُرِّ بِالرَّقِيقِ فَلَا يُنْقَضُ بِالْمُرَادِ بِالْوَالِدِ كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ، وَإِنْ عَلَا وَلَوْ أُنْثَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ اهـ.
ز ي وَقَوْلُهُ: أَوَّلًا فَلَا نَقْضَ لَنَا حِينَئِذٍ، أَيْ رِعَايَةً لِمَالِكٍ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ فِيهِ حِينَئِذٍ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَكُونُ هُوَ سَبَبًا فِي عَدَمِهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْوَالِدَ لَوْ اُقْتُصَّ مِنْهُ كَانَ هُوَ الَّذِي تَسَبَّبَ فِي عَدَمِ نَفْسِهِ بِقَتْلِهِ وَلَدَهُ فَالْوَلَدُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَالِدَ سَبَبٌ بَعِيدٌ؛ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ يَحْصُلْ
وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ مَا دَامَ مُصِرًّا عَلَى النَّفْيِ انْتَهَى.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا لِلشُّبْهَةِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ.
وَلَا قِصَاصَ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ.
كَأَنْ قَتَلَ زَوْجَةَ نَفْسِهِ، وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، أَوْ قَتَلَ زَوْجَةَ ابْنِهِ، أَوْ لَزِمَهُ قَوَدٌ فَوَرِثَ بَعْضَهُ وَلَدُهُ، كَأَنْ قَتَلَ أَبَا زَوْجَتِهِ، ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْتَلْ بِجِنَايَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ فَلَأَنْ لَا يُقْتَلَ بِجِنَايَتِهِ عَلَى مَنْ لَهُ فِي قَتْلِهِ حَقٌّ أَوْلَى.
وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الْوَلَدَ يُقْتَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَالِدَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِشَرْطِ التَّسَاوِي فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ.
إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُكَاتَبُ إذَا قَتَلَ أَبَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَيُقْتَلُ الْمَحَارِمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِعَبْدٍ لِوَالِدِهِ.
(وَ) الرَّابِعُ: (أَنْ لَا يَكُونَ الْمَقْتُولُ أَنْقَصَ مِنْ الْقَاتِلِ بِكُفْرٍ، أَوْ رِقٍّ) ، أَوْ هَدْرِ دَمٍ تَحْقِيقًا لِلْمُكَافَأَةِ الْمَشْرُوطَةِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لِلْأَدِلَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ بِأَنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا، أَوْ حُرٌّ مَنْ فِيهِ رِقٌّ، أَوْ مَعْصُومٌ بِالْإِسْلَامِ زَانِيًا مُحْصَنًا فَلَا قِصَاصَ حِينَئِذٍ وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ الْعِصْمَةِ بِالْإِسْلَامِ الْمَعْصُومُ بِجِزْيَةٍ كَالذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَبِذِمِّيٍّ أَيْضًا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا فَيُقْتَلُ يَهُودِيٌّ بِنَصْرَانِيٍّ وَمُعَاهَدٌ وَمُسْتَأْمَنٌ وَمَجُوسِيٌّ وَعَكْسُهُ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ شَمِلَ الْجَمِيعَ.
فَلَوْ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ الْقَاتِلُ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ لِتَكَافُئِهِمَا حَالَ الْجِنَايَةِ.
لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُوبَاتِ بِحَالِ الْجِنَايَةِ وَلَا نَظَرَ لِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا وَيُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَخُنْثَى كَعَكْسِهِ وَعَالِمٌ بِجَاهِلٍ كَعَكْسِهِ وَشَرِيفٌ بِخَسِيسٍ وَشَيْخٌ بِشَابٍّ كَعَكْسِهِمَا.
وَالْخَامِسُ: عِصْمَةُ الْقَتِيلِ بِإِيمَانٍ، أَوْ أَمَانٍ كَعَقْدِ ذِمَّةٍ، أَوْ عَهْدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] الْآيَةَ فَيُهْدَرُ الْحَرْبِيُّ وَلَوْ صَبِيًّا وَامْرَأَةً وَعَبْدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَمُرْتَدٌّ فِي حَقِّ مَعْصُومٍ لِخَبَرِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَتْلُ الْأَبِ أَبَاهُ فَقَدْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ سَبَبًا فِي عَدَمِ أَبِيهِ سم.
قَوْلُهُ: (بِسَرِقَةِ مَالِهِ) أَيْ مَالِ الْوَلَدِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ) ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ مُطْلَقًا مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا قِصَاصَ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ) الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي الْمَتْنِ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَتْنِ الْجِنَايَةُ عَلَى الِابْنِ مُبَاشَرَةً وَهُنَا الْجِنَايَةُ عَلَى مَا لِلْوَلَدِ فِيهِ حَقٌّ كَزَوْجَةِ الْأَبِ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَزَوْجَةِ الِابْنِ فِي الثَّانِي وَأَبِي زَوْجَةِ الْأَبِ فِي الثَّالِثِ.
قَوْلُهُ: (فَوَرِثَ بَعْضَهُ وَلَدُهُ)" بَعْضَهُ " مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ وَ " وَلَدُهُ " فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ.
قَوْلُهُ: (أَبَا زَوْجَتِهِ) أَيْ زَوْجَةِ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ) فِيهِ أَنَّ زَوْجَهَا وَهُوَ قَاتِلُ أَبِيهَا يَرِثُهَا أَيْضًا مَعَ وَلَدِهَا فَسُقُوطُ الْقِصَاصِ عَنْهُ لِكَوْنِهِ وَرِثَ بَعْضَهُ لَا لِكَوْنِ وَلَدِهِ وَرِثَ بَعْضَهُ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ بِمَا إذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ وَلَوْ رَجَعَ الضَّمِيرُ فِي زَوْجَتِهِ لِلِابْنِ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ فَهُوَ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (فَلَأَنْ لَا يُقْتَلَ) مُبْتَدَأٌ مُنْسَبِكٌ مِنْ أَنْ وَالْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ أَوْلَى خَبَرٌ أَيْ فَلِعَدَمِ قَتْلِهِ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُكَاتَبُ) إذَا مَلَكَ أَبَاهُ الرَّقِيقَ ثُمَّ قَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ فِيهِ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صُورِيٌّ، لِأَنَّ عَدَمَ قَتْلِهِ لِكَوْنِهِ سَيِّدًا، وَالسَّيِّدُ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ.
وَلِهَذَا لَوْ كَانَ أَبُوهُ الرَّقِيقُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ وَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الرِّقِّيَّةِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَمْلِكُهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ) أَيْ الْوَلَدُ إذَا كَانَ عَبْدًا وَقَتَلَ عَبْدَ وَالِدِهِ يُقْتَلُ بِهِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْمَقْتُولُ أَنْقَصَ مِنْ الْقَاتِلِ.
قَوْلُهُ: (وَمُعَاهَدٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَبِذِمِّيٍّ وَلَا يَظْهَرُ عَطْفُهُ عَلَى نَصْرَانِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ اخْتِلَافَ الْمِلَّةِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَجُوسِيٍّ) إنْ كَانَ مَعْقُودًا لَهُ جِزْيَةٌ، أَوْ كَانَ مُعَاهَدًا أَوْ مُسْتَأْمَنًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ هَؤُلَاءِ فَهُوَ حَرْبِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ عَطْفُهُ، تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّسْخَ) أَيْ نَسْخَ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ) لَكِنْ لَمْ يَقْتَصَّ حِينَئِذٍ إلَّا الْإِمَامُ بِطَلَبِ الْوَارِثِ وَلَا يُفَوِّضُهُ لِلْكَافِرِ حَذَرًا مِنْ تَسْلِيطِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ سم.
قُلْت: وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يُسْلِمْ فَإِنْ أَسْلَمَ فَوَّضَ إلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ زي.
قَوْلُهُ: (وَيُقْتَلُ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَنْطُوقِ الشَّرْطِ، وَمَا تَقَدَّمَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْخَامِسُ عِصْمَةُ الْقَتِيلِ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ: فِيمَا تَقَدَّمَ، أَوْ " هَدْرِ دَمٍ " فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَمُرْتَدٌّ فِي حَقِّ مَعْصُومٍ) أَمَّا فِي حَقِّ مِثْلِهِ فَيُقْتَلُ بِهِ وَلَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ مِثْلَهُ خَطَأً
فَاقْتُلُوهُ» كَزَانٍ مُحْصَنٍ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ كَمَا مَرَّ لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ أَثَبَتَ زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ أَمْ بِبَيِّنَةٍ: وَمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ لِقَاتِلِهِ لِاسْتِيفَائِهِ حَقَّهُ، وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ الْكَافِرَ، وَالْقَاتِلُ الْمُسْلِمَ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا، ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ فَكَحُدُوثِ الْإِسْلَامِ لِذِمِّيٍّ قَتَلَ وَحُكْمُهُ كَمَا سَبَقَ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ أَزَادَتْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ عَلَى حُرِّيَّةِ الْمَقْتُولِ أَمْ لَا، لَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ بِالْبَعْضِ الْحُرِّ الْبَعْضَ الْحُرَّ، وَبِالرَّقِيقِ الرَّقِيقَ، بَلْ قَتْلُهُ جَمِيعَهُ بِجَمِيعِهِ حُرِّيَّةً وَرِقًّا شَائِعًا فَيَلْزَمُ قَتْلُ جُزْءِ حُرِّيَّةٍ بِجُزْءِ رِقٍّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَالْفَضِيلَةُ فِي شَخْصٍ لَا بِخَبَرِ النَّقْصِ فِيهِ وَلِهَذَا لَا قِصَاصَ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَلَا تَجْبُرُ فَضِيلَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا نَقِيضَتَهُ.
(وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ) وَإِنْ كَثُرُوا (بِالْوَاحِدِ) وَإِنْ تَفَاضَلَتْ جِرَاحَاتُهُمْ فِي الْعَدَدِ وَالْفُحْشِ وَالْأَرْشِ سَوَاءٌ أَقَتَلُوهُ بِمُحَدَّدٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَأَنْ أَلْقَوْهُ مِنْ شَاهِقٍ، وَفِي بَحْرٍ لِمَا رَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً، أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ، قَتَلُوهُ غِيلَةً أَيْ حِيلَةً بِأَنْ يُخْدَعَ وَيُقْتَلَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ أَيْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ جَمِيعًا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَصَارَ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ، فَتَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ فَلَوْ لَمْ تَجِبْ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ لَكَانَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ شَخْصًا اسْتَعَانَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ عَمْدًا وَعُفِيَ عَلَى مَالٍ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ. اهـ. سم.
قُلْت: لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْقَتْلَ بِكُلِّ حَالٍ لِإِهْدَارِهِ اهـ أج وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: قَوْلُهُ: وَمُرْتَدٌّ فِي حَقِّ مَعْصُومٍ، وَزَانٍ مُحْصَنٌ، أَمَّا لَوْ قَتَلَ مُرْتَدٌّ تَارِكَ صَلَاةٍ، بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ، أَوْ قَاطِعَ طَرِيقٍ، أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُقَدَّمُ قَتْلُهُ حَدًّا عَلَى حَدِّ قَتْلِهِ قِصَاصًا.
قَوْلُهُ: (مُسْلِمٌ مَعْصُومٌ) فَإِنْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ قُتِلَ، أَوْ قَتَلَهُ زَانٍ مُحْصَنٌ مِثْلُهُ قُتِلَ بِهِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِهِ إذَا قَصَدَ بِقَتْلِهِ اسْتِيفَاءَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ صَرَفَ فِعْلَهُ عَنْ الْوَاجِبِ وَيَحْتَمِلُ الْأَخْذَ بِإِطْلَاقِهِمْ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ دَمَهُ لَمَّا كَانَ مُهْدَرًا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الصَّارِفُ. اهـ. ز ي وَعِبَارَةُ ق ل: قَوْلُهُ: لِاسْتِيفَائِهِ حَدَّ اللَّهِ أَيْ فِي الْوَاقِعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، أَوْ يَقْصِدْهُ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ لِقَاتِلِهِ) أَيْ وَيُهْدَرُ مَنْ عَلَيْهِ إلَخْ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَرْبِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ الْكَافِرَ) غَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ خَبَرٌ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ) تَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
قَوْلُهُ: (بَلْ قَتْلُهُ جَمِيعَهُ) يُقْرَأُ مَصْدَرًا مَرْفُوعًا وَلَفْظُ " جَمِيعَهُ " مَنْصُوبٌ مَفْعُولٌ لِلْمَصْدَرِ وَيَكُونُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْفَاعِلِ وَيَصِحُّ جَرُّ جَمِيعٍ بَدَلًا مِنْ الضَّمِيرِ وَيَكُونُ الْمَصْدَرُ عَلَى هَذَا مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَفِي نُسْخَةٍ بَلْ قَتْلُ جَمِيعِهِ بِلَا هَاءٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجْبُرُ فَضِيلَةُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَالْفَضِيلَةُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ حَاصِلُهُ عَرَفْنَا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوَدَ يَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِدِ وَهَلْ يَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، أَوْ لَا؟
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ تُقْتَلُ إلَخْ، وَالْقَتْلُ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ قَطْعُ الطَّرَفِ وَالْجَرْحُ الْمُقَدَّرُ وَإِزَالَةُ الْمَعَانِي.
قَوْلُهُ: (وَالْأَرْشِ) أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّنَا نَأْخُذُ مِنْهُمْ أُرُوشًا مِنْ غَيْرِ قَتْلِهِمْ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَقَتَلُوهُ بِمُحَدَّدٍ إلَخْ) حَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا أَلْقَوْهُ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ، أَوْ فِي مَاءٍ، أَوْ نَارٍ قُتِلُوا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءً تَوَاطَئُوا، أَوْ لَا، وَأَمَّا إذَا قَتَلُوهُ بِجِرَاحَاتٍ، أَوْ ضَرَبَاتٍ فَيُفَصَّلُ فَإِنْ كَانَ فِعْلُ كُلٍّ يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ قُتِلُوا مُطْلَقًا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ فِعْلُ كُلٍّ لَا يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ لَكِنْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْقَتْلِ فَيُفَصَّلُ فَإِنْ تَوَاطَئُوا قُتِلُوا، وَإِلَّا فَلَا يُقْتَلُونَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَكُلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِعْلُ كُلٍّ لَهُ دَخْلٌ فِي الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لَا يُؤَثِّرُ أَصْلًا فَصَاحِبُ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَا دَخْلَ لَهُ لَا فِي قِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِعْلُ بَعْضٍ يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ وَفِعْلُ بَعْضٍ لَا يَقْتُلُ لَوْ انْفَرَدَ لَكِنْ لَهُ دَخْلٌ فِي الْقَتْلِ فِي الْجُمْلَةِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ فَصَاحِبُ الْأَوَّلِ يُقْتَلُ مُطْلَقًا وَصَاحِبُ الثَّانِي يُقْتَلُ إنْ تَوَاطَئُوا، وَإِلَّا فَلَا يُقْتَلُ وَتَجِبُ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي.
قَوْلُهُ: (بِرَجُلٍ) وَاسْمُهُ أَصِيلٌ، وَسَبَبُ قَتْلِهِ زَوْجَةُ أَبِيهِ. اهـ. عَنَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (غِيلَةً) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، وَالِاغْتِيَالُ الْأَخْذُ عَلَى غَفْلَةٍ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُخْدَعَ) الْأَوْلَى أَنْ يَخْدَعُوهُ وَيَقْتُلُوهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَاهُمْ غَيْرُهُمْ. اهـ. ق ل.
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْقَتْلِ غِيلَةً مِنْ حَيْثُ هُوَ
قَوْلُهُ: (لَوْ تَمَالَأَ) مَهْمُوزٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ تَمَالَئُوا عَلَى الْأَمْرِ اجْتَمَعُوا
بِآخَرَ عَلَى قَتْلِهِ وَاِتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِسَفْكِ الدِّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ آمِنًا مِنْ الْقِصَاصِ وَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى الدِّيَةِ وَعَنْ جَمِيعِهِمْ عَلَيْهَا.
ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَتْلُ بِجِرَاحَاتٍ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الرُّءُوسِ، لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْجِرَاحَاتِ لَا يَنْضَبِطُ وَقَدْ تَزِيدُ نِكَايَةُ الْجُرْحِ الْوَاحِدِ عَلَى جِرَاحَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَإِنْ كَانَ بِالضَّرْبِ فَعَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ، لِأَنَّهَا تُلَاقِي الظَّاهِرَ، وَلَا يَعْظُمُ فِيهَا التَّفَاوُتُ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ.
وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا مُرَتَّبًا قُتِلَ بِأَوَّلِهِمْ، أَوْ دَفْعَةً فَبِالْقُرْعَةِ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ فَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْأُولَى، أَوْ غَيْرِ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ عَصَى، وَوَقَعَ قَتْلُهُ قِصَاصًا وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ.
وَلَوْ قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ أَسَاءُوا، وَوَقَعَ الْقَتْلُ مُوَزَّعًا عَلَيْهِمْ، وَرَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْبَاقِي لَهُ مِنْ الدِّيَةِ.
(وَكُلُّ شَخْصَيْنِ جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْسِ) بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ (يَجْرِي بَيْنَهُمَا) الْقِصَاصُ أَيْضًا (فِي) قَطْعِ (الْأَطْرَافِ) ، وَفِي الْجُرْحِ الْمُقَدَّرِ كَالْمُوضِحَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي إزَالَةِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمَضْبُوطَةِ كَضَوْءِ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ وَالشَّمِّ وَالْبَطْشِ وَالذَّوْقِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّ لَهَا مَحَالَّ مَضْبُوطَةً، وَلِأَهْلِ الْخِبْرَةِ طَرَفٌ فِي إبْطَالِهَا.
وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ بَعْدَ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ (الْمَذْكُورَةِ) فِي قِصَاصِ النَّفْسِ (اثْنَانِ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَتَعَاوَنُوا عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (صَنْعَاءَ) خَصَّهَا بِالذِّكْرِ، لِأَنَّ الْقَاتِلِينَ كَانُوا مِنْهَا ع ش.
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: صَنْعَاءُ بَلَدٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْيَمَنِ وَالْأَكْثَرُ فِيهَا الْمَدُّ.
قَوْلُهُ: (وَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى الدِّيَةِ) أَيْ بَاقِيهَا أَيْ وَقَتْلُ الْبَعْضِ الْآخَرِ، لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ الْبَعْضَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ إلَّا بِالْقِسْطِ.
وَعِبَارَةُ سم وَلِلْوَلِيِّ قَتْلُ بَعْضِهِمْ وَأَخْذُ بَاقِي الدِّيَةِ مِنْ الْبَاقِينَ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ مِنْ الْجَمِيعِ، وَتُوَزَّعُ الدِّيَةُ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لَا عَلَى عَدَدِ الْجِرَاحَاتِ فِي صُورَتِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الدِّيَةِ) الْأَوْلَى بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بِحِصَّتِهِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَتْلُ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ.
وَقَوْلُهُ: وُزِّعَتْ الدِّيَةُ أَيْ كُلًّا، أَوْ بَعْضًا فَفِي الثَّانِيَةِ تُوَزَّعُ كُلُّ الدِّيَةِ، وَفِي الْأُولَى تُوَزَّعُ حِصَّةُ مَنْ عُفِيَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَوْ ضَرَبُوهُ بِسِيَاطٍ فَقَتَلُوهُ، وَضَرْبُ كُلٍّ مِنْهُمْ لَا يَقْتُلُ قُتِلُوا إنْ تَوَاطَئُوا، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ عَدَدِ الضَّرَبَاتِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: وَضَرْبُ كُلٍّ مِنْهُمْ لَا يَقْتُلُ أَيْ لَوْ انْفَرَدَ أَيْ وَمَجْمُوعُهَا يَقْتُلُ غَالِبًا.
وَقَوْلُهُ: فَالدِّيَةُ أَيْ دِيَةُ عَمْدٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَعَلَى عَدَدِ الضَّرَبَاتِ) أَيْ حَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَدِهَا فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى أَصْلِ الضَّرْبِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا أُخِذَ مِنْ كُلِّ الْمُتَيَقَّنِ وَوُقِفَ الْأَمْرُ فِيمَا بَقِيَ إلَى الصُّلْحِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا) هَذَا عَكْسُ مَا فِي الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (فَبِالْقُرْعَةِ) ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْقُرْعَةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَإِنْ رَضُوا بِتَقْدِيمِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ وَلَهُمْ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْعَةِ وَلَوْ أَقَرَّ بِسَبْقِ بَعْضِهِمْ اقْتَصَّ مِنْهُ وَلِيُّهُ وَلِغَيْرِهِ تَحْلِيفُهُ إنْ كَذَّبَهُ. .
اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ قَتَلَهُ إلَخْ) جَوَابُ لُغْزٍ هُوَ: لَنَا قَاتِلٌ، وَهُوَ لِي الْمَقْتُولُ، لَا يَسْتَحِقُّ دَمَ الْمَقْتُولِ، لَا يُقْتَلُ بِهِ مَعَ الْمُكَافَأَةِ وَلَمْ يَأْثَمْ الْقَاتِلُ بِذَلِكَ إثْمَ الْقَتْلِ وَلَمْ يَتَحَتَّمْ قَتْلُ ذَلِكَ الْمَقْتُولِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ) أَيْ قَتَلَهُ أَوْلِيَاؤُهُمْ.
قَوْلُهُ: (بِالْبَاقِي لَهُ مِنْ الدِّيَةِ) ، فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً حَصَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ حَقِّهِ وَلَهُ ثُلُثَا الدِّيَةِ شَرْحَ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَخْصَيْنِ جَرَى الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْسِ) بِأَنْ وُجِدَتْ الشُّرُوطُ السَّابِقَةُ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَالشَّرَائِطُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي النَّفْسِ مُعْتَبَرَةٌ، فِي قِصَاصِ الْأَطْرَافِ مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْجَرْحِ الْمُقَدَّرِ) أَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْأَطْرَافَ لَيْسَتْ قَيْدًا وَالْمُرَادُ بِالْقَدْرِ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي يُؤْمَنُ مَعَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ لَا مَا لَهُ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ دَخَلَتْ الْهَاشِمَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ وَالدَّامِغَةُ، فَإِنَّ لَهَا أَرْشًا مُقَدَّرًا إذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ، أَوْ الْوَجْهِ، وَتَخْرُجُ الْمُوضِحَةُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَا أَرْشَ لَهَا مُقَدَّرٌ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدَّرِ الْمُنْضَبِطُ وَذَلِكَ الْمُوضِحَةُ لَا غَيْرُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ، أَوْ الرَّأْسِ، أَوْ غَيْرِهِمَا.
فَالْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِيهَا الْقِصَاصُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ كَانَ، وَأَمَّا كَوْنُهَا فِيهَا نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ صَاحِبِهَا فَخَاصٌّ بِمَا إذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ، أَوْ الْوَجْهِ فَفِيهَا الْأَرْشُ الْمُقَدَّرُ فِيهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَحَلِّهِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَفِيهَا حُكُومَةٌ وَهَذَا فِي الْجُرُوحِ بَعْدَ الْمُوضِحَةِ، وَأَمَّا الَّتِي قَبْلَ الْمُوضِحَةِ مِنْ الدَّامِيَةِ وَالدَّامِغَةِ وَالْبَاضِعَةِ.
فَإِنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا إلَى الْمُوضِحَةِ فَفِيهَا الْأَكْثَرُ مِنْ حُكُومَةٍ وَنِسْبَةِ الْأَرْشِ لِلْمُوضِحَةِ، وَإِلَّا
الْأَوَّلُ: (الِاشْتِرَاكُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ) رِعَايَةً لِلْمُمَاثَلَةِ (الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى بِالْيُسْرَى) فَلَا تُقْطَعُ يَسَارٌ بِيَمِينٍ وَلَا شَفَةٌ سُفْلَى بِعُلْيَا وَعَكْسُهُمَا وَلَا حَادِثٌ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِمَوْجُودٍ فَلَوْ قَلَعَ سِنًّا لَيْسَ لَهَا مِثْلُهَا فَلَا قَوَدَ وَإِنْ نَبَتَ لَهُ مِثْلُهَا بَعْدُ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الِاسْمِ الْخَاصِّ الِاشْتِرَاكُ فِي الْبَدَنِ فَلَا يُشْتَرَطُ فَيُقْطَعَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ وَالذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَلَا عَكْسَ فِيهِمَا.
قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
(وَ) الثَّانِي: (أَنْ لَا يَكُونَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ) أَيْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (شَلَلٌ) وَهُوَ يُبْسٌ فِي الْعُضْوِ يُبْطِلُ عَمَلَهُ فَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِشَلَّاءَ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْجَانِي، أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ، أَوْ رِجْلُهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ فَلَوْ خَالَفَ صَاحِبُ الشَّلَّاءِ، وَفَعَلَ الْقَطْعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْجَانِي لَمْ يُقْطَعْ قِصَاصًا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ بَلْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا، وَلَهُ حُكُومَةُ يَدِهِ الشَّلَّاءِ، فَلَوْ سَرَى الْقَطْعُ فَعَلَيْهِ قِصَاصُ النَّقْصِ لِتَفْوِيتِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ بِالشَّلَّاءِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الشَّلَلِ، أَوْ كَانَ شَلَلُ الْجَانِي أَكْثَرَ، لَمْ يَخَفْ نَزْفَ الدَّمِ وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ.
وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ أَيْضًا بِالصَّحِيحَةِ، لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: لَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ بَلْ تَنْفَتِحُ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ، وَلَا تَنْسَدُّ بِحَسْمِ النَّارِ وَلَا غَيْرِهِ، فَلَا تُقْطَعُ بِهَا، وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ حَذَرًا مِنْ اسْتِيفَاءِ النَّفْسِ بِالطَّرَفِ فَإِنْ قَالُوا: يَنْقَطِعُ الدَّمُ وَقَنِعَ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا بِأَنْ لَا يَطْلُبَ أَرْشًا لِشَلَلٍ قُطِعَتْ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْجِرْمِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ، لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُجَرَّدَةَ لَا تُقَابَلُ بِمَالٍ، وَكَذَا لَوْ قُتِلَ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ لَمْ يَجِبْ لِفَضِيلَةِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ شَيْءٌ وَيُقْطَعُ عُضْوٌ سَلِيمٌ بِأَعْسَمَ وَأَعْرَجَ؛ إذْ لَا خَلَلَ فِي الْعُضْوِ، وَالْعَسَمُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ تَشَنُّجٌ فِي الْمَرْفِقِ أَوْ قِصَرٌ فِي السَّاعِدِ أَوْ الْعَضُدِ، وَلَا أَثَرَ فِي الْقِصَاصِ فِي يَدٍ، أَوْ رِجْلٍ لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ وَسَوَادِهَا، لِأَنَّهُ عِلَّةٌ أَوْ مَرَضٌ فِي الظُّفُرِ، وَذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَتُقْطَعُ ذَاهِبَةُ الْأَظْفَارِ بِسَلِيمَتِهَا لِأَنَّهَا دُونَهَا دُونَ عَكْسِهِ.
لِأَنَّ الْكَامِلَ لَا يُؤْخَذُ بِالنَّاقِصِ وَالذَّكَرُ صِحَّةً وَشَلَلًا كَالْيَدِ صِحَّةً وَشَلَلًا، أَوْ لِذَكَرِ الْأَشَلِّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَحُكُومَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَتْ فِي الرَّأْسِ، أَوْ الْوَجْهِ أَمَّا فِي غَيْرِهِمَا فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَلَوْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ.
قَوْله: (كَضَوْءِ الْعَيْنِ) بِأَنْ أَعْمَاهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَةِ.
قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ) الْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسُ، أَوْ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ الْأَخْبَارِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الشُّرُوطِ) أَيْ غَيْرِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ أَيْ بِالنَّظَرِ لِمَا زَادَهُ الشَّارِحُ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ شُرُوطَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ شُرُوطٌ لَهُ فِي الطَّرَفِ وَزَادَ عَلَيْهَا اثْنَيْنِ وَصَحَّ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْ شَرَائِطَ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْجِنْسُ، أَوْ أَطْلَقَ الْجَمْعَ عَلَى اثْنَيْنِ مَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً عَلَى قَوْلِ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى) نَائِبُ فَاعِلٍ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَتُقْطَعُ الْيُمْنَى إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْطَعُ يَسَارٌ بِيَمِينٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ يَقَعُ قِصَاصٌ، وَفِي الْمَقْطُوعَةِ بَدَلًا مِنْ الدِّيَةِ دُونَ الْقِصَاصِ، نَعَمْ التَّرَاضِي الْمَذْكُورُ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِرْمَاوِيٌّ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ " بِيَمِينٍ " دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (فِي الْبَدَنِ) أَيْ فِي اسْمِهِ أَوْ وَصْفِهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْثِلَتِهِ ق ل، وَنُسْخَةُ الْبَدَلِ أَيْ الدِّيَةُ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْجَانِي) لَعَلَّ النُّسْخَةَ " لِلْجَانِي " بِلَامَيْنِ، أَوْ كَلَامُهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ طَرَفِ الْجَانِي إلَخْ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ شَلَّتْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ شَلَّتْ يَدُهُ شَلَلًا مِنْ بَابِ تَعِبَ اهـ وَأَصْلُهُ شَلِلَتْ بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى ثُمَّ أُدْغِمَتْ إحْدَى اللَّامَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ يَدُهُ أَيْ الْجَانِي
قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ أَيْ حَالَ الْجِنَايَةِ
قَوْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْجَانِي لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهَا قِصَاصًا وَأَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الْقَطْعِ وَأَطْلَقَ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ الْجَانِي بِالسِّرَايَةِ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْقَطْعِ. اهـ. م د
قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَيْ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ شَكَّ فِي انْقِطَاعِهِ لِتَرَدُّدِهِمْ أَوْ فَقْدِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ فَلَا يُقْطَعُ بِهَا وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي اهـ شَرْحَ التُّحْفَةِ
قَوْلُهُ بِحَسْمِ أَيْ كَيِّ النَّارِ قَوْلُهُ قَالُوا أَيْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ
قَوْلُهُ وَقَنِعَ بِكَسْرِ النُّونِ يُقَالُ قَنَعَ يَقْنَعُ بِفَتْحِ عَيْنِهِمَا إذَا سَأَلَ وَكَعَلِمَ يَعْلَمُ إذَا رَضِيَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ. اهـ. شَوْبَرِيُّ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَنَعَ كَسَأَلَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَنِعَ كَرَضِيَ وَزْنًا وَمَعْنًى
قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةِ أَيْ السَّلَامَةِ وَهَذَا غَايَةٌ
قَوْلُهُ تَشَنُّجٌ أَيْ يُبْسٌ
قَوْلُهُ لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ أَيْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ
مُنْقَبِضًا يَنْبَسِطُ وَعَكْسِهِ، وَلَا أَثَرَ لِلِانْتِشَارِ وَعَدَمِهِ فَيُقْطَعَ ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ وَعِنِّينٍ، وَأَنْفُ صَحِيحِ الشَّمِّ بِأَخْشَمَ.
وَتُقْطَعُ أُذُنُ سَمِيعٍ بِأَصَمَّ، وَلَا تُؤْخَذُ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ وَلَا لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ وَفِي قَلْعِ السِّنِّ قِصَاصٌ قَالَ تَعَالَى:{وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] فَلَا قِصَاصَ فِي كَسْرِهَا كَمَا لَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ فِيهَا الْقِصَاصُ فَعَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يَجِبُ، لِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ مُشَاهَدٌ مِنْ أَكْثَرِ الْجَوَانِبِ، وَلِأَهْلِ الصَّنْعَةِ آلَاتٌ قَطَّاعَةٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا فِي الضَّبْطِ فَلَمْ تَكُنْ كَسَائِرِ الْعِظَامِ، وَلَوْ قَلَعَ شَخْصٌ مَثْغُورٌ وَهُوَ الَّذِي سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ سِنَّ كَبِيرٍ، أَوْ صَغِيرٍ، لَمْ تَسْقُطْ أَسْنَانُهُ الرَّوَاضِعُ، وَمِنْهَا الْمَقْلُوعَةُ، فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ نَبَاتِهَا بِأَنْ سَقَطَ الْبَوَاقِي وَنَبَتَتْ دُونَ الْمَقْلُوعَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: فَسَدَ الْمَنْبَتُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهَا حِينَئِذٍ وَلَا يُسْتَوْفَى لِلصَّغِيرِ فِي صِغَرِهِ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِلتَّشَفِّي وَلَوْ قَلَعَ شَخْصٌ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ عَوْدَهَا نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى
(وَكُلُّ عُضْوٍ أُخِذَ) أَيْ قُطِعَ جِنَايَةً (مِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
حَيْثُ كَانَ لِغَيْرِ آفَةٍ وَلَمْ يَجِفَّ الظُّفُرُ. اهـ. حَجّ
قَوْلُهُ وَتُقْطَعُ ذَاهِبَةُ الْأَظْفَارِ أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ أَظْفَارٍ خِلْقَةً وَقَوْلُهُ بِسَلِيمَتِهَا بِأَنْ قَطَعَ السَّلِيمَةَ وَقَوْلُهُ دُونَ عَكْسِهِ بِأَنْ قَطَعَ الذَّاهِبَةَ الْأَظْفَارِ
قَوْلُهُ وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ لَوْ حَذَفَ الذَّكَرُ لَكَانَ أَوْلَى وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَيُؤْخَذُ عُضْوٌ أَشَلُّ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ يَدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِأَشَلَّ مِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ شَلَلًا. اهـ.
وَقَوْلُهُ مِثْلِهِ أَوْ دُونَهُ أَيْ أَنَّ الْعُضْوَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مِثْلُ عُضْوِ الْجَانِي فِي الشَّلَلِ أَوْ دُونَهُ فِي الشَّلَلِ
وَإِذَا كَانَ دُونَهُ فِي الشَّلَلِ كَانَ أَسْلَمَ مِنْهُ فَيَكُونُ عُضْوُ الْجَانِي دُونَهُ وَقَاعِدَةُ الْبَابِ أَنْ يُؤْخَذَ النَّاقِصُ بِالزَّائِدِ لَا عَكْسُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا يُؤْخَذُ أَشَلُّ بِأَشَلَّ فَوْقَهُ أَيْ فَوْقَهُ شَلَلًا بِأَنْ كَانَ عُضْوُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ شَلَلًا مِنْ عُضْوِ الْجَانِي فَيَكُونُ عُضْوُ الْجَانِي أَسْلَمَ فَلَا يُؤْخَذُ بِالنَّاقِصِ
قَوْلُهُ وَأَنْفُ صَحِيحِ الشَّمِّ أَيْ لِأَنَّ الشَّمَّ لَيْسَ فِي الْأَنْفِ وَكَذَا السَّمْعُ لَيْسَ فِي الْأُذُنِ وَهَاتَانِ مُسْتَثْنَيَتَانِ مِنْ قَوْلِهِمْ الْكَامِلُ لَا يُؤْخَذُ بِالنَّاقِصِ أَيْ إلَّا هَاتَيْنِ
قَوْلُهُ: (وَلَا تُؤْخَذُ عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ) لِأَنَّ الصَّحِيحَةَ فِيهَا الدِّيَةُ بِخِلَافِ الْحَدَقَةِ الْعَمْيَاءِ فِيهَا حُكُومَةٌ وَهَكَذَا إلَخْ.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَصْلُ الْجِنَايَةِ بِمِنْشَارٍ فَتُنْشَرُ سِنُّ الْجَانِي بِمِنْشَارٍ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا قِصَاصَ وَيَجِبُ الْأَرْشُ ع ش.
قَوْلُهُ: (مَثْغُورٌ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرَ مَثْغُورٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْجَانِي مَثْغُورًا، أَوْ لَا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَلَوْ غَيْرَ مَثْغُورٍ.
قَوْلُهُ: (سِنَّ كَبِيرٍ) لَوْ قَالَ: سِنَّ غَيْرِ مَثْغُورٍ، لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَوْلَى ق ل.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْقَالِعَ وَالْمَقْلُوعَ إمَّا مَثْغُورَانِ، أَوْ غَيْرُ مَثْغُورَيْنِ، أَوْ الْقَالِعُ غَيْرُ مَثْغُورٍ فَقَطْ أَوْ عَكْسُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ، أَوْ كَبِيرَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا دُونَ الْآخَرِ فَهِيَ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً وَحُكْمُهَا أَنَّ غَيْرَ الْمَثْغُورِ يُنْتَظَرُ فِيهِ الْعَوْدُ، وَأَنَّ الْمَثْغُورَ لَا يُنْتَظَرُ فِيهِ ذَلِكَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَق ل.
قَوْلُهُ: (أَسْنَانُهُ) أَيْ الْأَحَدُّ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الرَّوَاضِعِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَقْلُوعَةَ مِنْ الرَّوَاضِعِ، وَالرَّوَاضِعُ هِيَ الْأَرْبَعُ الثَّنَايَا اثْنَانِ مِنْ فَوْقُ وَاثْنَانِ مِنْ تَحْتُ فَتَسْمِيَةُ غَيْرِهَا رَوَاضِعَ مَجَازٌ لِلْمُجَاوَرَةِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الشَّافِيَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسْنَانَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: ثَنَايَا: وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَتَانِ فَوْقُ وَاثْنَتَانِ تَحْتُ، وَرَبَاعِيَاتٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهِيَ الْأَرْبَعُ خَلْفَهَا وَهِيَ مَعَ الثَّنَايَا لِلْقَطْعِ، وَأَنْيَابٌ وَهِيَ أَرْبَعٌ أُخْرَى خَلْفَ الرَّبَاعِيَاتِ وَالْبَقِيَّةُ وَهِيَ عِشْرُونَ فِي الْغَالِبِ أَضْرَاسٌ فَمِنْهَا الضَّوَاحِكُ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ الطَّوَاحِينُ اثْنَا عَشَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، ثُمَّ النَّوَاجِذُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ثِنْتَانِ وَاحِدَةٌ مِنْ فَوْقُ وَأُخْرَى مِنْ تَحْتُ وَيُقَالُ لَهَا ضِرْسُ الْحُلُمِ وَضِرْسُ الْعَقْلِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: اثْنَتَانِ فَوْقُ: أَيْ مُتَلَاصِقَتَانِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: وَثِنْتَانِ تَحْتُ وَقَوْلُهُ وَالْأَرْبَعُ خَلْفَهَا أَيْ ثِنْتَانِ فَوْقُ، وَاحِدَةٌ جِهَةَ الْيُمْنَى وَأُخْرَى جِهَةَ الْيُسْرَى وَثِنْتَانِ أَسْفَلَ كَذَلِكَ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ) فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بَيَانِ الْحَالِ فَلَا أَرْشَ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُهَا لَوْ عَاشَ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ نَعَمْ تَجِبُ لَهُ حُكُومَةٌ، شَرْحَ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تَعُودُ غَالِبًا) لَمْ يَنْظُرُوا فِي الْمُوضِحَةِ إلَى ذَلِكَ
مَفْصِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، كَالْمَرْفِقِ وَالْأَنَامِلِ وَالْكُوعِ وَمَفْصِلِ الْقَدَمِ وَالرُّكْبَةِ (فَفِيهِ الْقِصَاصُ) لِانْضِبَاطِ ذَلِكَ مَعَ الْأَمْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ وَلَا يَضُرُّ فِي الْقِصَاصِ عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْمَحَلِّ كِبَرٌ وَصِغَرٌ وَطُولٌ وَقُوَّةُ بَطْشٍ وَضَعْفُهُ فِي عُضْوٍ أَصْلِيٍّ، أَوْ زَائِدٍ.
وَمِنْ الْمَفَاصِلِ أَصْلُ الْفَخِذِ وَالْمَنْكِبِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْقِصَاصُ فِيهِمَا بِلَا جَائِفَةٍ اُقْتُصَّ، وَإِلَّا فَلَا سَوَاءٌ أَجَافَ الْجَانِي أَمْ لَا.
نَعَمْ إنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قُطِعَ الْجَانِي وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِلَا إجَافَةٍ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي فَقْءِ عَيْنٍ، وَفِي قَطْعِ أُذُنٍ وَجَفْنٍ وَشَفَةٍ سُفْلَى وَعُلْيَا، وَلِسَانٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ وَشُفْرَانِ وَهُمَا بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ تَثْنِيَةُ شُفْرٍ وَهُوَ حَرْفُ الْفَرْجِ، وَفِي أَلْيَيْنِ وَهُمَا اللَّحْمَانِ النَّاتِئَانِ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْفَخِذِ
(وَلَا قِصَاصَ فِي الْجُرُوحِ) فِي سَائِرِ الْبَدَنِ لِعَدَمِ ضَبْطِهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَأَوْجَبُوا الْقِصَاصَ، وَإِنْ غَلَبَ الِالْتِحَامُ ح ل فَإِنْ عَادَتْ خَضْرَاءَ، أَوْ سَوْدَاءَ فَلَا قَوَدَ لَكِنْ تَجِبُ حُكُومَةٌ.
قَوْلُهُ: (الْمَنْبَتُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْمُوَحَّدَةِ سَمَاعًا كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.
قَوْلُهُ: (وَجَبَ الْقِصَاصُ) فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقِصَاصِ اقْتَصَّ الْوَارِثُ، أَوْ عَفَا عَلَى الْأَرْشِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُسْتَوْفَى لِلصَّغِيرِ فِي صِغَرِهِ) بَلْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ بُلُوغِهِ اقْتَصَّ وَارِثُهُ فِي الْحَالِ، أَوْ أَخَذَ الْأَرْشَ. اهـ. شَرْحَ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ أَيْ لِاحْتِمَالِ عَفْوِهِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَيْ وَبَعْدَ الْحُكْمِ بِالْيَأْسِ مِنْ عَوْدِهَا كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَّا فَلَا قِصَاصَ قَطْعًا وَلَا دِيَةَ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ تَجِبُ حُكُومَةٌ فَقَطْ بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَلَعَ شَخْصٌ سِنَّ مَثْغُورٍ) أَيْ كَانَ الْجَانِي مَثْغُورًا، أَوْ لَا فَتَمَّتْ الصُّوَرُ الْأَرْبَعُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَفْصِلٍ) الْمَفْصِلُ مَوْضِعُ اتِّصَالِ الْعُضْوَيْنِ كَمَرْفِقٍ وَكُوعٍ وَمَا لَا مَفْصِلَ لَهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْمِيمِ إلَخْ) أَمَّا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ فَهُوَ اللِّسَانُ.
قَوْلُهُ: (كَالْمَرْفِقِ) وَهُوَ رَأْسُ عَظْمِ الذِّرَاعِ الْمُسَمَّى بِالْإِبْرَةِ الدَّاخِلِ فِي الْعَظَمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا رَأْسُ الْعَضُدِ وَالْعَضُدُ يَنْتَهِي إلَى الْمَنْكِبِ الْمُتَّصِلِ بِالْكَتِفِ وَمَا بَيْنَ الْمَرْفِقِ وَالْعَضُدِ وَمَا بَيْنَ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ يُسَمَّى مَفْصِلًا وَالْمَنْكِبُ مَجْمَعُ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ كَالْمَرْفِقِ إلَخْ مِثَالٌ لِلْعُضْوِ فِي قَوْلِهِ: وَكُلُّ عُضْوٍ لَا لِلْمَفْصِلِ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَمَفْصِلُ الْقَدَمِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: كَالْمَرْفِقِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَمَفْصِلِ الْمَرْفِقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَمَفْصِلُ الْقَدَمِ، تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فَفِيهِ الْقِصَاصُ) ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ مَفْصِلٌ تَعَيَّنَ مَوْضِعُ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ مَفْصِلٌ فَلَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَلَهُ أَخْذُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ وَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الرُّجُوعُ وَقَطْعُ الزَّائِدِ الَّذِي تَرَكَهُ وَلَهُ أَخْذُ حُكُومَةٍ وَتَرْكُ قَطْعِهِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ الْأَمْنِ) خَرَجَ بِذَلِكَ الْجَائِفَةُ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا، لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْضَبِطَةً لَكِنْ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا اسْتِيفَاءُ الزِّيَادَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: لِانْضِبَاطِ ذَلِكَ إلَخْ أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الِانْضِبَاطِ مَعَ الْأَمْنِ الْمَذْكُورِ فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْجَائِفَةُ فَلَا قِصَاصَ فِيهَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا، وَإِنْ أَمِنَ اسْتِيفَاءَ الزِّيَادَةِ، وَبِالثَّانِي الْعِظَامُ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ فِي الْقِصَاصِ إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ أَوَّلًا الِاشْتِرَاكُ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ عَقِبَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِقَوْلِهِ: وَكُلُّ عُضْوٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ مُسَاوَاةِ الْمَحَلِّ أَيْ فِي الِاسْمِ) الْخَاصِّ.
قَوْلُهُ: (كِبَرٌ) أَيْ التَّفَاوُتُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (بِلَا جَائِفَةٍ) الْجَائِفَةُ جُرْحٌ يَنْفُذُ لِلْبَاطِنِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي فَقْءِ عَيْنٍ) غَرَضُهُ تَكْمِيلُ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ الْمَتْنَ لَمْ يَسْتَوْفِهِ، وَالْمُرَادُ بِفَقْءِ الْعَيْنِ إزَالَةُ حَدَقَتِهَا لِيَكُونَ مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَطْرَافِ، وَالْحَدَقَةُ هِيَ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ الَّذِي فِي الْعَيْنِ أَيْ السَّوَادُ كُلُّهُ، وَالْأَصْغَرُ النَّاظِرُ وَالْمُقْلَةُ شَحْمُ الْعَيْنِ الَّذِي يَجْمَعُ السَّوَادَ وَالْبَيَاضَ اهـ.
ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَقَوْلُهُ الْأَصْغَرُ هُوَ بِالْغَيْنِ، وَفِي الْقَامُوسِ النَّاظِرُ الْعَيْنُ، أَوْ النُّقْطَةُ السَّوْدَاءُ فِي الْعَيْنِ، أَوْ الْبَصَرُ نَفْسُهُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَجَفْنٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا.
قَوْلُهُ: (وَشُفْرَانِ) الْأَوْلَى " وَشُفْرَيْنِ " إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الْأَلْفَ وَهُوَ بِضَمِّ الشِّينِ وَالْجَمْعُ أَشْفَارٌ، مِثْلُ قُفْلٍ وَأَقْفَالٍ وَحُكِيَ فَتْحُ الشِّينِ، وَشُفْرُ كُلِّ شَيْءٍ حَرْفُهُ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الشِّينِ) وَحُكِيَ فَتْحُهَا أَيْضًا، وَأَمَّا الشَّفْرُ بِفَتْحِ الشِّينِ لَا غَيْرُ فَهُوَ اسْمٌ لِهُدْبِ الْعَيْنِ بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فِي الْجُرُوحِ) أَيْ الْأَحَدَ عَشَرَ
وَعَدَمِ أَمْنِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ طُولًا وَعَرْضًا (إلَّا فِي) الْجِرَاحَةِ (الْمُوضِحَةِ) لِلْعَظْمِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ فَفِيهَا الْقِصَاصُ لِتَيَسُّرِ ضَبْطِهَا.
تَتِمَّةٌ: يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُوضِحَةِ بِالْمِسَاحَةِ طُولًا وَعَرْضًا فِي قِصَاصِهَا لَا بِالْجُزْئِيَّةِ، لِأَنَّ الرَّأْسَيْنِ مَثَلًا قَدْ يَخْتَلِفَانِ صِغَرًا وَكِبَرًا وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ غِلَظِ لَحْمٍ وَجِلْدٍ فِي قِصَاصِهَا، وَلَوْ أَوْضَحَ كُلَّ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ، وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ مِنْ رَأْسِهِ اسْتَوْعَبْنَاهُ إيضَاحًا وَلَا نَكْتَفِي بِهِ وَلَا نُتِمُّهُ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ نَأْخُذُ قِسْطَ الْبَاقِي مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا.
، وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ، أُخِذَ مِنْهُ قَدْرُ مُوضِحَةِ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَقَطْ، وَالْخِيرَةُ فِي تَعْيِينِ مَوْضِعِهِ لِلْجَانِي، وَلَوْ أَوْضَحَ نَاصِيَةً مِنْ شَخْصٍ، وَنَاصِيَتُهُ أَصْغَرُ مِنْ نَاصِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تُمِّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ، لِأَنَّ الرَّأْسَ كُلَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ عَمْدًا فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ لِتَعَمُّدِهِ.
فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَا عَدَا الْمُوضِحَةَ.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ ضَبْطِهَا) أَيْ لِعَدَمِ تَيَسُّرِ ضَبْطِهَا، وَإِنْ أَمْكَنَ.
قَوْلُهُ: (الْمُوضِحَةِ لِلْعَظْمِ) أَيْ تَصِلُ إلَيْهِ بَعْدَ خَرْقِ الْجِلْدَةِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُرَ الْعَظْمُ لِصِغَرِ الْجُرْحِ كَغَرْزِ إبْرَةٍ وَصَلَتْ إلَيْهِ سم.
قَوْلُهُ: (طُولًا وَعَرْضًا) أَيْ وَيُعَلَّمُ عَلَيْهِ بِنَحْوِ سَوَادٍ، أَوْ حُمْرَةٍ وَتُوضَحُ بِنَحْوِ الْمُوسَى، نَعَمْ لَوْ كَانَ بِرَأْسِ الْجَانِي شَعْرٌ دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَا قِصَاصَ اهـ، ق ل.
وَقَوْلُهُ: وَيُعَلَّمُ أَيْ وُجُوبًا إنْ خِيفَ اللَّبْسُ، وَإِلَّا كَانَ مَنْدُوبًا وَقَوْلُهُ: بِنَحْوِ الْمُوسَى لَا بِضَرْبَةِ سَيْفِ، أَوْ حَجَرٍ، وَإِنْ أَوْضَحَ بِهِ وَيُرَاعَى الْأَسْهَلُ عَلَى الْجَانِي مِنْ شُقَّةٍ دُفْعَةً، أَوْ تَدْرِيجًا. اهـ. ز ي وَقَوْلُهُ: دُفْعَةً بِالضَّمِّ، وَفِي الْقَامُوسِ هِيَ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالضَّمِّ الدُّفْعَةُ مِنْ الْمَطَرِ وَمَا انْصَبَّ مِنْ سِقَاءٍ، أَوْ إنَاءٍ مَرَّةً وَبِهِ عُلِمَ صِحَّةُ كُلٍّ مِنْ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ هُنَا قَالَهُ م ر فِي شَرْحِهِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ الْفَتْحِ وَالضَّمِّ قَالَ: ع ش عَلَيْهِ: يُتَأَمَّلُ وَجْهُ الضَّمِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ مَصْبُوبٌ يُسَمَّى بِالدُّفْعَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: شَبَّهَ السَّيْفَ الْوَاقِعَ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ بِالشَّيْءِ الْمَصْبُوبِ مِنْ سِقَاءٍ، أَوْ نَحْوِهِ اهـ، وَبِمِثْلِهِ يُقَالُ مَا يُنَاسِبُ هُنَا اهـ.
قَوْلُهُ: (لَا بِالْجُزْئِيَّةِ) كَرُبُعٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَوْضَحَ) أَيْ الْجَانِي كُلَّ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ هَذَا شُرُوعٌ فِي مَسَائِلَ ثَلَاثَةٍ: الْأُولَى أَنْ تَكُونَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرَ.
الثَّانِيَةُ الْعَكْسُ.
الثَّالِثَةُ إذَا أَوْضَحَ نَاصِيَةً وَنَاصِيَةُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ، وَتَرَكَ الشَّارِحُ أَرْبَعَةً وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ نَاصِيَةُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ، قَوْلُهُ:(وَلَا تَتِمَّةَ مِنْ غَيْرِهِ) كَالْوَجْهِ وَالْقَفَا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ اهـ.
مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا) فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ الثُّلُثِ فَالْمُتَمَّمُ بِهِ ثُلُثُ أَرْشِهَا شَرْحَ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَالْخِيرَةُ فِي تَعْيِينِ مَوْضِعِهِ لِلْجَانِي) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا اسْتَوْعَبَ رَأْسَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا مَثَلًا وَعِبَارَةُ م ر وَالْخِيرَةُ فِي مَحَلِّهِ لِلْجَانِي أَيْ فَهُوَ حَقٌّ عَلَيْهِ فَلَهُ أَدَاؤُهُ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ كَالدَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (تَمَّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْجَانِي أَنْ يَدْفَعَ عَنْ النَّاصِيَةِ قَدْرَهَا مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّاصِيَةِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ. قُلْتُ: كَوْنُهَا عُضْوًا مَخْصُوصًا مُمْتَازًا بِاسْمٍ خَاصٍّ،. اهـ. سم: وَالْخِيرَةُ فِي مَحَلِّهَا لِلْجَانِي أَيْضًا. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ) اسْتَشْكَلَ تَصْوِيرُ زِيَادَةِ الْمُقْتَصِّ عَلَى حَقِّهِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمُقْتَصَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ الطَّرَفِ.
وَأُجِيبَ بِمَحَلِّ ذَلِكَ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ الْجَانِي بِالِاسْتِيفَاءِ، أَوْ وَكَّلَ الْمُسْتَحِقُّ شَخْصًا فَاسْتَوْفَى زَائِدًا عَمْدًا فَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْت فِي الزَّائِدِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ز ي وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَكَتَبَ عَلَيْهِ الرَّشِيدِيُّ: قَوْلَهُ " فَزَادَ وَكِيلُهُ "، اُنْظُرْ قِصَاصَ الزِّيَادَةِ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَلَى مَنْ اهـ.
وَاَلَّذِي يُفْهِمُهُ كَلَامُ ع ش.
أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْوَكِيلِ.
قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ) لَكِنْ إنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بَعْدَ انْدِمَالِ مُوضِحَتِهِ شَرْحَ الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ خَطَأً) كَأَنْ سَقَطَتْ آلَةُ الِاسْتِيفَاءِ فِي آخِرِ الْإِيضَاحِ قَهْرًا عَلَيْهِ فَأَخَذَتْ زِيَادَةً عَلَى الْمُسْتَحَقِّ