الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عِيسَى، أَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا حَلَّفَهُ بِاَلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَتَى بَلَغَ الْإِمَامَ أَنَّ قَاضِيًا يَسْتَحْلِفُ النَّاسَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ عَزَلَهُ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الِاسْتِحْلَافَ بِذَلِكَ.
وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ ظُلْمًا فِي حُكْمِهِ وَلَا شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ فِي شَهَادَتِهِ وَلَا مُدَّعٍ صِبًا وَلَوْ احْتِمَالًا بَلْ يُمْهِلُهُ حَتَّى يَبْلُغَ إلَّا كَافِرًا مَسْبِيًّا أَنْبَتَ وَقَالَ: تَعَجَّلْت إنْبَاتَ الْعَانَةِ فَيَحْلِفُ لِسُقُوطِ الْقَتْلِ، وَالْيَمِينُ مِنْ الْخَصْمِ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ حَالًا لَا الْحَقَّ فَتُسْمَعُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بَعْدَ حَلِفِ الْخَصْمِ، وَلَوْ ادَّعَى رِقَّ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَجْهُولِ نَسَبٍ فَقَالَ أَنَا حُرٌّ أَصَالَةً صُدِّقَ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ ادَّعَى رِقَّ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ وَلَيْسَا بِيَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ، أَوْ بِيَدِهِ وَجَهِلَ لَقْطَهُمَا حَلَفَ وَحَكَمَ لَهُ بِرِقِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمَا وَإِنْكَارُهُمَا بَعْدَ كَمَالِهِمَا لَغْوٌ فَلَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ حُجَّةٍ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، وَإِنْ كَانَ بِهِ بَيِّنَةٌ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إلْزَامٌ فِي الْحَالِ فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُ حَالًا وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلًا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِهِ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُطَالَبَةِ بِبَعْضِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ
جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ بِلَفْظٍ خَاصٍّ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} [البقرة: 283] وقَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] . وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَيْسَ لَك إلَّا شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وَخَبَرِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الشَّهَادَةِ فَقَالَ لِلسَّائِلِ تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ»
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِقَاضٍ) خَرَجَ الْخَصْمُ فَلَهُ تَحْلِيفٌ بِذَلِكَ وَمِثْلُ الْقَاضِي غَيْرُهُ مِنْ الْمُحَكَّمِ وَنَحْوُهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّحْلِيفُ بِذَلِكَ ع ش عَلَى مَنْهَجِ قَوْلِهِ: (أَنْ يُحَلِّفَ أَحَدًا بِطَلَاقٍ) فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ حَيْثُ لَا إكْرَاهَ مِنْهُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (عَزَلَهُ) أَيْ وُجُوبًا إنْ كَانَ شَافِعِيًّا وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ حَنَفِيًّا فَلَا يَعْزِلُهُ. لِأَنَّ مَذْهَبَهُ يَرَى ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِ مُقَلِّدِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى مَنْهَجٍ وَمِثْلُ الْحَنَفِيِّ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ فَإِنَّهُ يَرَى التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ.
قَوْلُهُ: (لِسُقُوطِ الْقَتْلِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ عَلَامَةُ الْبُلُوغِ، شَرْحُ التَّحْرِيرِ. وَعِبَارَةُ الْعَنَانِيِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بِنَاءً إلَخْ. هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ: إنَّهُ بُلُوغٌ حَقِيقَةً فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ:
[فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ]
ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ الدَّعْوَى لِأَنَّهَا تَكُونُ بَعْدَهَا وَمَنْ قَدَّمَ الشَّهَادَةَ نَظَرَ لِلتَّحَمُّلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ الدَّعْوَى.
قَوْلُهُ: (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) وَهُوَ أَشْهَدُ فَلَا يَكْفِي إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ أَبْلَغَ لِأَنَّ فِيهَا نَوْعَ تَعَبُّدٍ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ لِشُمُولِهِ لِنَحْوِ: هِلَالِ رَمَضَانَ أَوْلَى مِنْ التَّعْرِيفِ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ هُوَ مَعْنَاهَا لُغَةً وَشَرْعًا عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ مِنْ كَوْنِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ أَخَصَّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّهَادَةُ لُغَةً الرُّؤْيَةُ أَوْ الْحُضُورُ وَفِي الْمِصْبَاحِ إنَّهَا الِاطِّلَاعُ وَالْمُعَايَنَةُ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَك) أَيْ لَيْسَ لَك فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَى خَصْمِك إلَّا شَاهِدَاك، وَلَيْسَ عَلَى خَصْمِك عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ إلَّا يَمِينُهُ، فَالْحَدِيثُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَإِلَّا فَالْيَمِينُ فِي جَانِبِ الْخَصْمِ لَيْسَتْ لِلْمُدَّعِي وَإِنَّمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَفْصِلُ الْخُصُومَةَ أَيْ لَا تَفْصِلُ الْخُصُومَةَ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَأُورِدَ عَلَى الْحَصْرِ حُكْمُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ الْأَوْلَوِيِّ لِأَنَّ الْعِلْمَ أَقْوَى مِنْ الْحُجَّةِ اهـ.
قَوْلُهُ: (تَرَى) عَلَى تَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَتَرَى أَيْ تُبْصِرُ الشَّمْسَ. وَقَوْلُهُ: عَلَى مِثْلِهَا أَيْ عَلَى شَيْءٍ مُحَقَّقٍ مِثْلِهَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ دَعْ) أَيْ إنْ كَانَ هُنَاكَ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَا إسْنَادَهُ. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ شَاهِدٌ وَمَشْهُودٌ لَهُ وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَمَشْهُودٌ بِهِ وَصِيغَةٌ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ) عِنْدَ الْأَدَاءِ (إلَّا مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ خَمْسَةُ) بَلْ عَشَرَةُ (خِصَالٍ) كَمَا سَتَعْرِفُهَا الْأُولَى (الْإِسْلَامُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَلَا عَلَى الْكَافِرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَبُولِهِ شَهَادَةَ الْكَافِرِ عَلَى الْكَافِرِ وَلِأَحْمَدَ فِي الْوَصِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَيْسَ مِنَّا وَلِأَنَّهُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى خَلْقِهِ. (وَ) الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ (الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ صَبِيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلَا مَجْنُونٍ بِالْإِجْمَاعِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْحُرِّيَّةُ) وَلَوْ بِالدَّارِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَقِيقٍ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فِيهِ مَعْنَى الْوِلَايَةِ وَهُوَ مَسْلُوبٌ مِنْهَا. (وَ) الْخَامِسَةُ (الْعَدَالَةُ) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] .
ــ
[حاشية البجيرمي]
غَيْرُهُ، وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْ دَعْ أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِثْلِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ. قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ) أَيْ فِي غَيْرِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ مِمَّا الْغَرَضُ مِنْهُ تَحْقِيقُ الْفَرْضِ إذْ لَا مَشْهُودَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ فِيهِ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ فَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ الشَّاهِدُ وَمِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: وَالْحُقُوقُ ضَرْبَانِ: الْمَشْهُودُ بِهِ. وَمِنْ قَوْلِهِ: حَقُّ اللَّهِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ. الْمَشْهُودُ لَهُ وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، وَالصِّيغَةَ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْأَدَاءِ) : أَيْ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ مَفْقُودَةً عِنْدَ التَّحَمُّلِ، إلَّا فِي النِّكَاحِ كَمَا يَأْتِي، وَفِيمَا لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا فِي بَيْعِ شَيْءٍ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ وَهَذَا مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَحَقُّهُ أَنْ يُذْكَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ: إلَّا مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (بَلْ عَشْرَةُ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ. وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
بُلُوغٌ وَعَقْلٌ ثُمَّ الْإِسْلَامُ نُطْقُهُ
…
وَعَدْلٌ كَذَا حُرِّيَّةٌ وَمُرُوءَهْ
وَذُو يَقَظَةٍ لَا حَجْرَ لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ
…
فَهَذِي لِشِهَادٍ شَرَائِطُ عَشْرَهْ
قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ) : وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ كَانَتْ جَائِزَةً ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] أَيْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَرِثُ مِلَّةٌ مِلَّةً» . وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إلَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمْ تَجُوزُ عَلَى سِوَاهُمْ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (فِي الْوَصِيَّةِ) أَيْ فِيمَا إذَا شَهِدَ كَافِرٌ. قَالَ ز ي: وَلَوْ جَهِلَ الْحَاكِمُ إسْلَامَ الشَّاهِدِ بَحَثَ عَنْهُ وَيَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ جَهْلِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَبْحَثُ عَنْهَا وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: إنَّ فُلَانًا أَوْصَى لِفُلَانٍ بِكَذَا حَرِّرْ وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ فِي الْوَصِيَّةِ: أَيْ فِي السَّفَرِ لَا فِي غَيْرِهِ لِلْآيَةِ أَيْ قَوْلُهُ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 106] فَلِمَنْ أَرَادَ السَّفَرَ أَنْ يُوصِيَ وَيُشْهِدَ وَلَوْ كَافِرَيْنِ فَلْيُحَرَّرْ مَذْهَبُهُ أَيْ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ السَّفَرَ فَأَوْصَى بِعَيْنٍ عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ أَوْصَى بِرَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا وَأَشْهَدَ لِذَلِكَ كَافِرَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِالدَّارِ) بِأَنْ كَانَ لَقِيطًا بِدَارِ الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَسْلُوبٌ مِنْهَا) الْأَوْلَى. وَهِيَ مَسْلُوبَةٌ مِنْهُ.
فَرْعٌ: مَنْ تَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرَ أُسْبُوعًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تَرَكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مُدَّةً طَوِيلَةً رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَصَلَّى مَكَانَهَا الْفَوَائِتَ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ: عَلَى غَوَامِضِ الْأَحْكَامِ. وَاعْتُرِضَ: بِأَنَّ تَرْكَ مَا ذُكِرَ لَيْسَ مُفَسِّقًا فَكَيْفَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الْفَاسِقُ يَعْلَمُ الْفِسْقَ مِنْ نَفْسِهِ وَصُدِّقَ فِي شَهَادَتِهِ
وَالسَّادِسَةُ أَنْ تَكُونَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ لِأَنَّ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ لَا حَيَاءَ لَهُ وَمَنْ لَا حَيَاءَ لَهُ قَالَ مَا شَاءَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» . وَالسَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي شَهَادَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] أَوْ لِرِيبَةٍ حَاصِلَةٍ بِالْمُتَّهَمِ. وَالثَّامِنَةُ أَنْ يَكُونَ نَاطِقًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، وَالتَّاسِعَةُ أَنْ يَكُونَ يَقِظًا كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ. وَالْعَاشِرَةُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا نُقِلَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ فَصْلِ التَّوْبَةِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ. وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْأَدَاءِ التَّحَمُّلُ فَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَوْ لَا فِيهِ خِلَافٌ. وَاعْتَمَدَ م ر: أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَعِبَارَةُ سم نَقْلًا عَنْ م ر. وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ يَعْلَمُ فِسْقَ نَفْسِهِ وَالنَّاسُ يَعْتَقِدُونَ عَدَالَتَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ اهـ وَفِي ق ل مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي تَحْرِيمِ الْأَدَاءِ مَعَ الْفِسْقِ الْخَفِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاضِي إذَا لَمْ يُقَصِّرْ، بَلْ يَتَّجِهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي الْأَدَاءِ إنْقَاذُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ بُضْعٍ قَالَ: وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ) لَوْ رَتَّبَ إمَامٌ ذُو شَوْكَةٍ شُهُودًا فَسَقَةً مَثَلًا فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِلضَّرُورَةِ كَالْقُضَاةِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: الْمُخْتَارُ لَا سم.
قَوْلُهُ: (وَالسَّادِسُ أَنْ تَكُونَ لَهُ مُرُوءَةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَزِيَادَتُهَا عَلَى الْعَدَالَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدَالَةِ عَدَمُ الْفِسْقِ فَإِنْ أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْمُرُوءَةَ وَغَيْرَهَا. فَلَا حَاجَةَ لِلزِّيَادَةِ؛ وَالْمُرُوءَةُ لُغَةً: الِاسْتِقَامَةُ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا يَأْتِي قَالَ الشَّاعِرُ
مَرَرْت عَلَى الْمُرُوءَةِ وَهْيَ تَبْكِي
…
فَقُلْت عَلَامَ تَنْتَحِبُ الْفَتَاةُ
فَقَالَتْ كَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَهْلِي
…
جَمِيعًا دُونَ خَلْقِ اللَّهِ مَاتُوا
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ إلَخْ) إشَارَةٌ لِقِيَاسٍ.
قَوْلُهُ: «إذَا لَمْ تَسْتَحِي» أَصْلُهُ تَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ حُذِفَتْ الثَّانِيَةُ لِلْجَزْمِ فَهُوَ بِيَاءٍ مَكْسُورَةٍ فَرَسْمُهُ هَكَذَا تَسْتَحِي. وَهَذَا هُوَ الرِّوَايَةُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ، وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِحَاءٍ مَكْسُورَةٍ فَحُذِفَتْ مِنْهَا الْيَاءُ الْأُولَى تَخْفِيفًا بَعْدَ نَقْلِ حَرَكَتِهَا لِلْحَاءِ.
قَوْلُهُ: (ذَلِكُمْ) إشَارَةٌ إلَى " أَنْ تَكْتُبُوهُ " وَقَوْلُهُ: {أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 282] . أَيْ أَكْثَرُ قِسْطًا أَيْ عَدْلًا {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} [البقرة: 282] وَأَثْبَتُ لَهَا وَأَعْوَنُ عَلَى إقَامَتِهَا {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] ، وَأَقْرَبُ فِي أَنْ لَا تَشُكُّوا فِي جِنْسِ الدَّيْنِ وَقَدْرِهِ وَأَجَلِهِ وَالشُّهُودِ بَيْضَاوِيٌّ، أَيْ أَقْرَبُ مِنْ عَدَمِ الرِّيبَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ مَتَى، كَانَتْ هُنَاكَ رِيبَةٌ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ. قَوْلُهُ:(وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ) : أَيْ وَإِنْ فَهِمَ إشَارَتَهُ كُلُّ أَحَدٍ إذْ لَا تَخْلُو عَنْ احْتِمَالٍ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (مُغَفَّلٍ) أَيْ لَا يَضْبِطُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مُتَيَقِّظًا وَمِنْ التَّيَقُّظِ ضَبْطُ أَلْفَاظِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِحُرُوفِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَوْلًا كَإِقْرَارٍ وَطَلَاقٍ وَقَذْفٍ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُتَّجَهُ عَدَمَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ بِالْمَعْنَى وَلَا تُقَاسُ بِالرِّوَايَةِ لِضِيقِهَا. نَعَمْ يَقْرُبُ الْقَوْلُ: بِجَوَازِ التَّعْبِيرِ بِأَحَدِ الْمُتَرَادِفَيْنِ عَنْ الْآخَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِبْهَامِ اهـ خ ض. وَلَا يَقْدَحُ الْغَلَطُ الْيَسِيرُ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ عَنَانِيٌّ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَاشِرَةُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ ذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ السَّفَهِ مَعْصِيَةٌ فَالْعَدَالَةُ تُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَدْ يَكُونُ سَبَبُهُ غَيْرَ مَعْصِيَةٍ كَأَنْ يَضِيعَ الْمَالُ: بِاحْتِمَالِ غَبْنٍ فَاحِشٍ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَزَادَ هَذَا لِأَجْلِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(إنَّهُ لَوْ شَهِدَ) : أَيْ تَحَمَّلَ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ أَعَادَهَا أَيْ أَدَّاهَا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ شَهِدَ أَيْ أَدَّى بِصِفَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، فَإِذَا تَحَمَّلَ وَأَعَادَ شَهَادَتَهُ قُبِلَتْ.
ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ قُبِلَتْ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ قَالَ: وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ شُهُودِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَيْضًا.
(وَلِلْعَدَالَةِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (خَمْسُ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهَا. (وَ) الثَّانِي أَنْ يَكُونَ (غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ الصَّغَائِرِ) مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ؛ وَفَسَّرَ جَمَاعَةٌ الْكَبِيرَةَ بِأَنَّهَا مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَقِيلَ هِيَ الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ وَذُكِرَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُمْ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا أَمْيَلُ وَأَنَّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ انْتَهَى لِأَنَّهُمْ عَدُّوا الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَنَحْوَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا حَدَّ فِيهَا وَقَالَ الْإِمَامُ هِيَ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ انْتَهَى، وَالْمُرَادُ بِقَرِينَةِ التَّعَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ الْكَبَائِرِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبِدَعُ، فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هَذَا ضَبْطُهَا بِالْحَدِّ، وَأَمَّا بِالْعَدِّ فَأَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إنَّهَا إلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ أَيْ بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي فَمِنْ الصَّغَائِرِ وَلَا بَأْسَ بِعَدِّ شَيْءٍ مِنْ النَّوْعَيْنِ. فَمِنْ الْأَوَّلِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ أَوْ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِلَا عُذْرٍ، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ وَالْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَأَمْنُ مَكْرِهِ تَعَالَى، وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالنَّمِيمَةُ. وَأَمَّا الْغِيبَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (أَوْ صَبِيٌّ) أَيْ أَوْ رَقِيقٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ وَهُوَ سَيِّدٌ أَوْ عَدُوٌّ أَوْ خَارِمُ الْمُرُوءَةِ أَوْ فَاسِقٌ فَرُدَّتْ، ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ الْمُعَادَةُ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ غَيْرُهَا مِنْهُ بَعْدَ اسْتِبْرَاءِ سَنَةٍ، بِأَنْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ يُظَنُّ فِيهَا صِدْقُ تَوْبَةِ الْفَاسِقِ، وَانْصِلَاحُ حَالِ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ، وَأَمَّا السَّيِّدُ أَوْ الْعَدُوُّ مَتَى زَالَ الْمَانِعُ وَشَهِدَ قُبِلَتْ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُصِرٍّ) : أَيْ أَوْ مُصِرًّا أَوْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ، كَمَا يَأْتِي وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِأَنْ يَرْتَكِبَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ مِنْهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةٌ: الْإِصْرَارُ قِيلَ هُوَ الدَّوَامُ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ الْإِكْثَارُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ: لَكِنَّهُ فِي بَابِ الْعَضَلِ. قَالَ: إنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى النَّوْعِ الْوَاحِدِ كَبِيرَةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَعِيدٌ شَدِيدٌ) : حَذَفَ بَعْضُهُمْ تَقْيِيدَ الْوَعِيدِ بِكَوْنِهِ شَدِيدًا وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ كُلَّ وَعِيدٍ مِنْ اللَّهِ لَا يَكُونُ إلَّا شَدِيدًا فَهُوَ مِنْ الْوَصْفِ اللَّازِمِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ.
قَوْلُهُ: (تُؤْذِنُ) أَيْ تُعْلِمُ. وَالِاكْتِرَاثُ الْمُبَالَاةُ وَالِاعْتِنَاءُ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ يُقَالُ مَا أَكْتَرِثُ بِهِ أَيْ مَا أُبَالِي بِهِ اهـ. وَهَذَا التَّعْرِيفُ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ صَغَائِرَ الْخِسَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا) لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ) . ظَاهِرُهُ: وَإِنْ فَسَّقْنَاهُمْ وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُ الْآتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: سَلِيمَ السَّرِيرَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ إذَا فُسِّقَ بِبِدْعَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا يَأْتِي عَلَى مَا إذَا كَانَ لَيْسَ لَهُ شُبْهَةٌ، وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ شُبْهَةٌ أَيْ تَأْوِيلٌ قَوْلُهُ:(أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا) : لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَفْرَادُ أَيْ كَالرِّبَا فَإِنَّهُ نَوْعٌ تَحْتَهُ أَصْنَافٌ رِبَا الْفَضْلِ وَالْيَدِ وَالنَّسَاءِ وَالْقَرْضِ، وَالزِّنَا نَوْعٌ وَتَحْتَهُ أَصْنَافٌ زِنَا مُحْصَنٍ وَغَيْرِهِ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ.
قَوْلُهُ: (وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ) : أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ يَكُونَ مُنْكَرًا عِنْدَ الْفَاعِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَ النَّاهِي وَلَا بُدَّ أَنْ يَأْمَنَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَأَنْ لَا يَخَافَ الْوُقُوعَ فِي مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاهِي مُمْتَثِلًا لِلنَّهْيِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ) : أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا إذَا كَانَ حَافِظًا لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ قَوْلُهُ: (وَأَمْنُ مَكْرِهِ) : أَيْ خَوْفِهِ مِنْ مُجَازَاةِ اللَّهِ لَهُ. قَالَ الْمَحَلِّيُّ: فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَمْنُ مَكْرِ اللَّهِ يَحْصُلُ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي، وَالِاتِّكَالِ عَلَى الْعَفْوِ اهـ. وَقَوْلُهُ: بِالِاسْتِرْسَالِ إلَخْ هَذَا تَقْيِيدٌ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ وَجَدَ الْأَمْنَ مَعَ الطَّاعَةِ كَانَ كَبِيرَةً أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) : وَلَوْ كَافِرَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ بِأَنْ يُؤْذِيَهُمَا أَذًى لَيْسَ بِالْهَيِّنِ وَمِنْهُ التَّأْفِيفُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» . وَأَنَّهُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ضَمَّهُ الْقَبْرُ ضَمَّةً حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ وَأَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا فِي جَهَنَّمَ عَاقٌّ لِوَالِدَيْهِ وَالزَّانِي
أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَإِلَّا فَصَغِيرَةٌ وَمِنْ الصَّغَائِرِ النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ وَهَجْرُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالنِّيَاحَةُ وَشَقُّ الْجَيْبِ، وَالتَّبَخْتُرُ فِي الْمَشْيِ وَإِدْخَالُ صِبْيَانٍ أَوْ مَجَانِينَ يَغْلِبُ تَنْجِيسُهُمْ الْمَسْجِدَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْمُشْرِكُ بِاَللَّهِ سبحانه وتعالى وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَاهُ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ فَدَعَاهُ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ إنَّهُ كَانَ ضَعِيفًا وَأَنَا قَوِيٌّ وَفَقِيرًا وَأَنَا غَنِيٌّ فَكُنْت لَا أَمْنَعُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِي وَالْيَوْمَ أَنَا ضَعِيفٌ وَهُوَ قَوِيٌّ وَأَنَا فَقِيرٌ وَهُوَ غَنِيٌّ وَيَبْخَلُ عَلَيَّ بِمَالِهِ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: مَا مِنْ حَجَرٍ وَلَا مَدَرٍ يَسْمَعُ بِهَذَا إلَّا بَكَى ثُمَّ قَالَ لِلْوَلَدِ: أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» . «وَشَكَا إلَيْهِ آخَرُ سُوءَ خُلُقِ أُمِّهِ. فَقَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ حِينَ حَمَلَتْك تِسْعَةَ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: إنَّهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ قَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حِينَ أَرْضَعَتْك حَوْلَيْنِ؟ قَالَ: إنَّهَا سَيِّئَةُ الْخُلُقِ. قَالَ: لِمَ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حِينَ سَهِرَتْ لَك لَيْلَهَا وَأَظْمَأَتْ لَك نَهَارَهَا؟ قَالَ: لَقَدْ جَازَيْتهَا قَالَ: مَا فَعَلْت. قَالَ: حَجَجْت بِهَا عَلَى عُنُقِي قَالَ: مَا جَازَيْتهَا» ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكُمْ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ يُوجَدُ رِيحُهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَلَا يَجِدُ رِيحُهَا عَاقٌّ وَلَا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلَا شَيْخٌ زَانٍ وَلَا جَارُّ إزَارِهِ خُيَلَاءَ إنَّ الْكِبْرِيَاءَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» قَوْلُهُ: (وَشَهَادَةُ الزُّورِ) : وَلَا تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ نَعَمْ يُسْتَفَادُ بِهَا جَرْحُ الشَّاهِدِ فَتَنْدَفِعُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ جُرْحٌ مِنْهُمْ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ لِأَجْلِهِ وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي وَبِظُهُورِ كَذِبِهِ كَأَنْ شَهِدَ أَنَّهُ رَآهُ يَزْنِي يَوْمَ كَذَا وَثَبَتَ أَنَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ بِمِصْرَ مَثَلًا. اهـ. س ل.
قَوْلُهُ: (وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ) : قَالَ صلى الله عليه وسلم: «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ» شَرَحَ الْمَحَلِّيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَقَوْلُهُ: كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ أَيْ تَسْتُرُ كُلٌّ مِنْهُنَّ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتُبْدِي بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ وَقِيلَ تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَفِي الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: خَصَّ الْمُسْلِمَ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِهِ وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ كَذَلِكَ اهـ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: إنْ أَرَادَ فِي التَّحْرِيمِ فَمُسَلَّمٌ أَوْ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً فَمَمْنُوعٌ اهـ. قَالَ سم: فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَعِنْدِي أَنَّ الْأَوْجَهَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَشَمِلَ الضَّرْبَ الْيَسِيرَ وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الضَّرْبَةَ وَالْخَدْشَةَ إذَا عَظُمَ أَلَمُهُمَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا الْوَالِدَ أَوْ وَلِيًّا يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَا بِالْكَبَائِرِ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالنَّمِيمَةُ) هِيَ نَقْلُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ سَوَاءٌ قَصَدَ الْإِفْسَادَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ نَقَلَهُ لِمَنْ تُكُلِّمَ بِهِ فِيهِ أَوْ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ كَأَبِيهِ وَابْنِهِ مَثَلًا وَحَصَلَ الْإِفْسَادُ وَالْمُرَادُ بِالْإِفْسَادِ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ وَنَقْلُ الْكَلَامِ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ نَقْلُ الْإِشَارَةِ وَالْفِعْلَ كَذَلِكَ وَسَوَاءٌ نَقَلَهُ بِكَلَامٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ.
قَوْلُهُ: (الْغِيبَةُ) وَهِيَ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَفَا مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَبَسَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَدْغَةٌ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ اهـ. يُقَالُ قَفَوْت أَثَرَ فُلَانٍ أَقْفُوهُ إذَا اتَّبَعْت أَثَرَهُ وَسُمِّيَ الْقَفَا قَفًا لِأَنَّهُ مُؤَخَّرُ بَدَنِ الْإِنْسَانِ فَإِنْ مَشَى يَتْبَعُهُ وَيَقْفُوهُ اهـ.
فَرْعٌ: لَوْ اغْتَابَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ كَفَاهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَإِنْ اسْتَغْفَرَ ثُمَّ بَلَغَتْهُ فَهَلْ يَكْفِيهِ الِاسْتِغْفَارُ أَوْ لَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي سم.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الصَّغَائِرِ النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ) : (وَمِنْ الصَّغَائِرِ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ بِالطَّاوِلَةِ. وَفِي مُسْلِمٍ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» . وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَهُ الْفُرْسُ فِي زَمَنِ الْمَلِكِ نُصَيْرِ بْنِ الْبُرْهَانِيِّ الْأَكْبَرِ وَلَعِبَ بِهِ وَجَعَلَهُ مِثْلَ الْمَكَاسِبِ وَأَنَّهَا لَا تُنَالُ إلَّا بِالْكَسْبِ وَالْحِيَلِ وَإِنَّمَا تُنَالُ بِالْمَقَادِيرِ ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ وَفَارَقَ الشِّطْرَنْجَ حَيْثُ يُكْرَهُ إنْ خَلَا عَنْ الْمَالِ بِأَنَّ مُعْتَمَدَهُ الْحِسَابُ الدَّقِيقُ وَالْفِكْرُ الصَّحِيحُ فَفِيهِ تَصْحِيحُ الْفِكْرِ وَنَوْعٌ مِنْ التَّدْبِيرِ وَمُعْتَمَدُ النَّرْدِ الْحَزْرُ وَالتَّخْمِينُ الْمُؤَدِّي إلَى غَايَةٍ مِنْ السَّفَاهَةِ وَالْحُمْقِ فَكُلُّ مَا مُعْتَمَدُهُ الْحِسَابُ وَالْفِكْرُ كَالْمِنْقَلَةِ وَهِيَ خُطُوطٌ يُنْقَلُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا لَا يَحْرُمُ، وَمَحَلُّهُ فِي الْمِنْقَلَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ حِسَابُهَا تَابِعًا لِمَا يُخْرِجُهُ الطَّابُ وَإِلَّا حَرُمَتْ، وَكُلُّ مَا
وَاسْتِعْمَالُ نَجَاسَةٍ فِي بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَبِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ إلَّا أَنْ تَغْلِبَ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيهِ. كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: فَلَا تَنْتَفِي عَدَالَتُهُ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ الِانْتِفَاءَ مُطْلَقًا.
فَائِدَةٌ: فِي الْبَحْرِ لَوْ نَوَى الْعَدْلُ فِعْلَ كَبِيرَةٍ غَدًا كَزِنًا لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ فَاسِقًا بِخِلَافِ نِيَّةِ الْكُفْرِ (وَ) الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ (سَلِيمَ السَّرِيرَةِ) أَيْ الْعَقِيدَةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُبْتَدِعٍ يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ؛ فَالْأَوَّلُ: كَمُنْكِرِي الْبَعْثِ، وَالثَّانِي كَسَابِّ الصَّحَابَةِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْخَطَّابِيَّةُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ فِرْقَةٌ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُعْتَمَدُهُ: التَّخْمِينُ يَحْرُمُ. وَمِنْهُ الطَّابُ عِصِيٌّ صِغَارٌ تُرْمَى وَيُنْظَرُ لِلَوْنِهَا لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ س ل. وَقَوْلُهُ: وَفَارَقَ الشِّطْرَنْجَ أَيْ لَعِبَهُ مَعَ مَنْ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ وَإِلَّا حَرُمَ لِإِعَانَتِهِ عَلَى مُحَرَّمٍ لَا يُمْكِنُ الِانْفِرَادُ بِهِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ عَدَمَ حُرْمَةِ الْكَلَامِ مَعَ الْمَالِكِيِّ فِي وَقْتِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ قَالَهُ ق ل: قَوْلُهُ: (وَالنِّيَاحَةُ وَشَقُّ الْجَيْبِ) : عَدَّهُمَا ابْنُ حَجَرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ تَغْلِبَ) : وَيَتَّجِهُ ضَبْطُ الْغَلَبَةِ بِالْعَدَدِ مِنْ جَانِبَيْ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِكَثْرَةِ ثَوَابٍ فِي الْأُولَى وَعِقَابٍ فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ أُخْرَوِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْ فَتُقَابَلُ حَسَنَةٌ بِسَيِّئَةٍ لَا بِعَشْرِ سَيِّئَاتٍ.
وَالْمُرَادُ الْغَلَبَةُ بِاعْتِبَارِ الْعُمْرِ بِأَنْ تُحْسَبَ الْحَسَنَاتُ الَّتِي فَعَلَهَا فِي عُمْرِهِ وَالسَّيِّئَاتُ أَيْضًا وَيُنْظَرُ الْغَالِبُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْغَلَبَةَ بِاعْتِبَارِ يَوْمٍ بِيَوْمٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ فُسْحَةٌ، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَمَعْنَى غَلَبَتِهَا مُقَابَلَةُ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ. مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْمُضَاعَفَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا: وَفِيهِ بَحْثٌ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا أَيْضًا «وَيْلٌ لِمَنْ غَلَبَتْ وَحَدَاتُهُ. أَيْ سَيِّئَاتُهُ لِأَنَّ السَّيِّئَةَ وَاحِدَةٌ لَا تُضَاعَفُ عَلَى عَشَرَاتِهِ» . أَيْ حَسَنَاتِهِ فَتَأَمَّلْ، وَفِي ع ش عَلَى م ر. إنَّهُ يُقَابِلُ كُلَّ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ حَتَّى لَوْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ عَلَى الْمَعَاصِي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَغَلَبَتْ الْمَعَاصِي فِي بَاقِيهَا بِحَيْثُ لَوْ قُوبِلَتْ جُمْلَةُ الْمَعَاصِي بِجُمْلَةِ الطَّاعَاتِ كَانَتْ الْمَعَاصِي أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا اهـ. وَقَالَ م ر: وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ صَغِيرَةٍ تَابَ مِنْهَا مُرْتَكِبُهَا لَا تَدْخُلُ فِي الْعَدِّ لِإِذْهَابِ التَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ أَثَرَهَا رَأْسًا اهـ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ فَاسِقًا) يَقْتَضِي أَنَّهُ صَغِيرَةٌ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَمَحَلُّهُ إذَا عَزَمَ عَلَى الْفِعْلِ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَرَاتِبُ الْقَصْدِ خَمْسٌ هَاجِسٌ ذَكَرُوا
…
فَخَاطِرٌ فَحَدِيثُ النَّفْسِ فَاسْتَمِعَا
يَلِيهِ هَمٌّ فَعَزْمٌ كُلُّهَا رُفِعَتْ
…
سِوَى الْأَخِيرِ فَفِيهِ الْأَخْذُ قَدْ وَقَعَا
قَوْلُهُ: (سَلِيمَ السَّرِيرَةِ) لَا حَاجَةَ لِهَذَا وَلَا لِمَا بَعْدَهُ لِإِغْنَاءِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ رحمه الله وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي فَهْمِ الْحُكْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ صُعُوبَةً فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ، بِأَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا أَصْلًا أَوْ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ الْعَدْلِ الَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَعِبَارَتُهُ تَصْدُقُ بِغَيْرِهِ. كَذَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ وَعِبَارَةُ م د.
قَوْلُهُ: لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ بِبِدْعَتِهِ لَيْسَ وَاقِعًا صِفَةً لِمُبْتَدِعًا وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ. بَلْ هُوَ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ أَيْ بِأَنْ لَا يُكَفَّرَ وَلَا يُفَسَّقَ فَاسْتَقَامَ جَعْلُهُ بَيَانًا لِلَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ جُعِلَ وَصْفًا لِمُبْتَدِعٍ بِأَنْ يَنْحَلَّ إلَى قَوْلِنَا: شَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا يُكَفَّرُ، أَوْ يُفَسَّقُ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ فِي الَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: لَا يُكَفَّرُ أَيْ أَوْ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ فَفِيهِ حَذْفٌ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرُ صَحِيحَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ نَفْيَ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ لَا الثَّانِيَةِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ غَيْرُ مُبْتَدِعٍ أَصْلًا أَوْ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ، وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ أَوْ كَانَ يَحْذِفُ لَا الْأُولَى وَيَقُولُ: بِأَنْ يَكُونَ مُبْتَدِعًا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ وَيَكُونُ سَكَتَ عَنْ غَيْرِ الْمُبْتَدِعِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ.
قَوْلُهُ:
يُجَوِّزُونَ الشَّهَادَةَ لِصَاحِبِهِمْ إذَا سَمِعُوهُ يَقُولُ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنُوا السَّبَبَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَإِنْ بَيَّنُوا السَّبَبَ كَأَنْ قَالُوا: رَأَيْنَاهُ يُقْرِضُهُ كَذَا فَتُقْبَلُ حِينَئِذٍ شَهَادَتُهُمْ. (وَ) الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ (مَأْمُونًا) مِمَّا تُوقِعُ فِيهِ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ صَاحِبَهَا (عِنْدَ الْغَضَبِ) مِنْ ارْتِكَابِ قَوْلِ الزُّورِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ لِقِيَامِ غَضَبِهِ فَلَا عَدَالَةَ لِمَنْ يَحْمِلُهُ غَضَبُهُ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ. (وَ) الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ (مُحَافِظًا عَلَى مُرُوءَةِ مِثْلِهِ) بِأَنْ يَتَخَلَّقَ الشَّخْصُ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ، مِنْ أَبْنَاءِ عَصْرِهِ مِمَّنْ يُرَاعِي مَنَاهِجَ الشَّرْعِ وَآدَابَهُ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعُرْفِيَّةَ قَلَّمَا تَنْضَبِطُ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبُلْدَانِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ. فَإِنَّ الْفِسْقَ يَسْتَوِي فِيهِ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ بِخِلَافِ الْمُرُوءَةِ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَا مُرُوءَةَ لَهُ كَمَنْ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي سُوقٍ وَهُوَ غَيْرُ سُوقِيٍّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرُ مَنْ لَمْ يَغْلِبْهُ جُوعٌ أَوْ عَطَشٌ أَوْ يَمْشِي فِي سُوقٍ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ أَوْ الْبَدَنِ غَيْرِ الْعَوْرَةِ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ مِثْلُهُ وَلِغَيْرِ مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ
أَمَّا الْعَوْرَةُ فَكَشْفُهَا حَرَامٌ، أَوْ يُقَبِّلُ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَتَهُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: كَانَ تَقْبِيلَ اسْتِحْسَانٍ لَا تَمَتُّعٍ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُهُ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَضُرُّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَمَدُّ الرِّجْلِ عِنْدَ النَّاسِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَقُبْلَةِ أَمَتِهِ بِحَضْرَتِهِمْ وَمِنْ ذَلِكَ إكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ بَيْنَ النَّاسِ بِحَيْثُ يَصِيرُ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ. وَخَرَجَ بِالْإِكْثَارِ مَا لَمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَسَابِّ الصَّحَابَةِ) : لَعَلَّ الْمُرَادَ بِغَيْرِ قَذْفٍ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا كَانَ كَبِيرَةً أَوْ كُفْرًا كَقَذْفِ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى) الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ حَيْثُ جَرَيَانُ التَّفْصِيلِ فِيهِمْ أَيْ الْخَطَّابِيَّةُ وَذَكَرَ م ر هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ: سَابِقًا فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ خِلَافًا وَالْخَطَّابِيَّةُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ إذَا شَهِدُوا لِمُوَافِقِيهِمْ وَلَمْ يُبَيِّنُوا السَّبَبَ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ ظَاهِرًا.
قَوْلُهُ: (كَأَنْ قَالُوا إلَخْ) مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ.
قَوْلُهُ: (مُرُوءَةِ) مِثْلِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَبِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ مَعَ إبْدَالِهَا وَاوًا مُشَدَّدَةً تِلِمْسَانِيٌّ وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرُوءَةُ آدَابٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَحْمِلُ مُرَاعَاتُهَا الْإِنْسَانَ عَلَى الْوُقُوفِ عِنْدَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَجَمِيلِ الْعَادَاتِ اهـ.
قَوْلُهُ: (يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ) : وَلَا بُدَّ مِنْ الْكَثْرَةِ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالْمَشْيِ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرُ مَنْ لَمْ) : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَهُوَ غَيْرُ سُوقِيٍّ وَقَوْلُهُ: أَوْ يَمْشِي مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَمَنْ يَأْكُلُ إلَخْ. نَعَمْ لَوْ أَكَلَ دَاخِلَ حَانُوتٍ، بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ مِمَّنْ يَلِيقُ بِهِ. أَوْ كَانَ صَائِمًا وَقَصَدَ الْمُبَادَرَةَ لِسُنَّةِ الْفِطْرِ اتَّجَهَ عُذْرُهُ حِينَئِذٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُهُ غَيْرُهُ أَيْ مِنْ الْمَارِّينَ أَمَّا لَوْ نَظَرَهُ مَنْ دَخَلَ لِيَأْكُلَ أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخِلَّ بِالْمُرُوءَةِ ع ش عَلَى م ر. وَمِمَّا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ بَيْعُهُ لِصَدِيقِهِ كَمَا يَبِيعُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ عَدَمَ مُحَابَاةِ الصِّدِّيقِ مُخِلٌّ بِالْمُرُوءَةِ عَبْدُ الْبَرِّ.
قَوْلُهُ: (مِمَّنْ لَا يَلِيقُ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: مَكْشُوفَ الرَّأْسِ وَقَوْلُهُ: وَلِغَيْرِ مُحْرِمٍ إلَخْ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِمِثْلِهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ يُقَبِّلُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ كَمَنْ يَأْكُلُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يُقَبِّلُ زَوْجَتَهُ) : أَيْ وَلَوْ مَرَّةً وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي النَّاسِ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُرَادُ مَنْ يُسْتَحَى مِنْهُمْ لَا نَحْوِ صِغَارٍ وَمَجَانِينَ وَلَا جَوَارِيهِ وَزَوْجَاتِهِ. وَكَذَا وَطْءُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى إذَا خَلَا عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَقَصْدِ الْإِيذَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ تَقْبِيلُ زَوْجَتِهِ أَيْ فِي نَحْوِ فَمِهَا لَا رَأْسِهَا وَلَا وَضْعُ يَدِهِ عَلَى نَحْوِ صَدْرِهَا. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّشْرِيعِ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ صَارَ جَائِزًا أَوْ يُقَالُ غَرَضُهُ إغَاظَةُ الْكُفَّارِ وَإِظْهَارُ ذُلِّهِمْ.
قَوْلُهُ: (بِحَضْرَةِ النَّاسِ) : وَلَوْ مَحَارِمَ لَهُ أَوْ لَهَا ع ش قَالَ س ل: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ تَقْبِيلَهَا لَيْلَةَ جَلَائِهَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَالْأَجْنَبِيَّاتِ يُسْقِطُهَا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الدَّنَاءَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ. اهـ. م ر. وَعَدَّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ذَلِكَ حِكَايَةَ مَا يَتَّفِقُ لَهُ مَعَ زَوْجَتِهِ فِي الْخَلْوَةِ وَجَزَمَ فِي النِّكَاحِ بِكَرَاهَةِ هَذَا وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِتَحْرِيمِهِ ز ي وح ل.
قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانٍ) بِمَعْنَى أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ إغَاظَةً لِلْكُفَّارِ.
قَوْلُهُ: (وَمَدُّ الرِّجْلِ عِنْدَ النَّاسِ) أَيْ الَّذِينَ يَحْتَشِمُهُمْ لَا نَحْوُ إخْوَانِهِ وَتَلَامِذَتِهِ سم.
قَوْلُهُ: (إكْثَارُ حِكَايَاتٍ) أَيْ وَكَانَتْ صِدْقًا وَقَصَدَ إضْحَاكَهُمْ لِخَبَرِ «مَنْ تَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ يُضْحِكُ بِهَا جُلَسَاءَهُ يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» أَيْ عَامًا مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ كَبِيرَةٌ لَكِنْ
يَكْثُرْ أَوْ كَانَ ذَلِكَ طَبْعًا لَا تَصَنُّعًا كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَلُبْسُ فَقِيهٍ قَبَاءً أَوْ قَلَنْسُوَةً فِي مَحَلٍّ لَا يَعْتَادُ الْفَقِيهُ لُبْسَ ذَلِكَ فِيهِ، وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ عَنْ مُهِمَّاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يُحَرِّمْهُ أَوْ عَلَى غِنَاءٍ أَوْ اسْتِمَاعِهِ، وَإِكْثَارُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى كَلِمَةٍ فِي الْغَيْرِ بِبَاطِلٍ يُضْحِكُ بِهَا أَعْدَاءَهُ لِأَنَّ فِي الْإِيذَاءِ مَا يُعَادِلُ مَا فِي كَبَائِرَ كَثِيرَةٍ مِنْهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَقَوْلُهُ: يُضْحِكُ أَيْ يَقْصِدُ ذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ لِجَلْبِ دُنْيَا تَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَوْ مُجَرَّدِ الْمُبَاسَطَةِ ع ش عَلَى م ر وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ:
قَدْ رُمِينَا مِنْ الزَّمَانِ بِسَهْمٍ
…
قَدَّمَ النَّذْلَ وَالْكَرِيمُ تَأَخَّرْ
مَاتَ مَنْ عَاشَ بِالْفَضِيلَةِ جُوعًا
…
وَحَظَا مَنْ يَقُودُ أَوْ يَتَمَسْخَرْ
وَتَقْيِيدُ الْإِكْثَارِ بِهَذَا يُفْهِمُ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ فِيمَا قَبْلَهُ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ: اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي نَحْوِ قُبْلَةِ حَلِيلَتِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فِي طَرِيقٍ فَلَا يُعْتَبَرُ تَكَرُّرُهُ اهـ. وَانْظُرْهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَقْبِيلَ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ: (طَبْعًا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: عَادَةً.
قَوْلُهُ: (وَلُبْسُ فَقِيهٍ إلَخْ) الْأَوْضَحُ وَلُبْسُ الْإِنْسَانِ مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ أَمْثَالِهِ بِهِ كَلُبْسِ الْعَالِمِ لُبْسَ حَمَّارٍ وَبِالْعَكْسِ وَلُبْسِ خَوَاجَةٍ لُبْسَ حَمَّارٍ.
قَوْلُهُ: (قَبَاءً) هُوَ الْمَفْتُوحُ مِنْ أَمَامِهِ وَخَلْفِهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ طَرَفَيْهِ وَأَمَّا الْقَبَاءُ الْمَشْهُورُ الْآنَ الْمَفْتُوحُ مِنْ أَمَامِهِ فَقَطْ فَقَدْ صَارَ شِعَارًا لِلْفُقَهَاءِ وَنَحْوِهِمْ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَلَنْسُوَةً) وَهِيَ غِطَاءٌ مُبَطَّنٌ يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ وَحْدَهُ ز ي كَالْكُوفِيَّةِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَجَمْعُهَا قَلَانِسُ عَبْدُ الْبَرِّ قَالَ م ر: وَهَلْ تَعَاطِي خَارِمِ الْمُرُوءَةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا أَوْ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا أَوْ يُفَصَّلُ أَقْوَالٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ شَهَادَةٌ حَرُمَ كَأَنْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِشَهَادَةٍ وَإِلَّا فَلَا اهـ. بَابِلِيٌّ وَيَنْبَغِي الْكَرَاهِيَةُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَعَاطِي خَارِمِ الْمُرُوءَةِ عَلَى أَوْجُهٍ أَوْجَهُهَا حُرْمَتُهُ إنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا رَدُّ شَهَادَةٍ تَعَلَّقَتْ بِهِ وَقَصَدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السَّبَبُ فِي إسْقَاطِ مَا تَحَمَّلَهُ وَصَارَ أَمَانَةً عِنْدَهُ لِغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا اهـ بِحُرُوفِهِ.
1 -
ضَابِطٌ: لَيْسَ لَنَا فَاسِقٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا شَارِبَ النَّبِيذِ الْحَنَفِيَّ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ) الْإِكْبَابُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَالْكَلَامُ إذَا خَلَا عَنْ الْمَالِ. وَإِلَّا فَحَرَامٌ ز ي وَالْإِكْبَابُ الْمُلَازَمَةُ وَقَوْلُ ز ي وَإِلَّا فَحَرَامٌ لِأَنَّ الْمَالَ إنْ كَانَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ قِمَارًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ مُسَابَقَةً عَلَى غَيْرِ آلَةِ الْقِتَالِ فَلَعِبُ الشِّطْرَنْجِ لَهُ ثَلَاثَةُ حَالَاتٍ عِنْدَ الشَّارِحِ: يَكُونُ مَكْرُوهًا إنْ خَلَا عَنْ الْمَالِ وَكَانَ قَلِيلًا، وَيَكُونُ حَرَامًا إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَالٍ، وَيَكُونُ خَارِمَ الْمُرُوءَةِ إنْ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِكْبَابٌ إلَخْ. وَإِنْ قُلْنَا: الْإِكْبَابُ لَيْسَ بِقَيْدٍ يَكُونُ لَهُ حَالَتَانِ: الْكَرَاهَةُ، وَالْحُرْمَةُ، مَعَ خَرْمِ الْمُرُوءَةِ فِيهِمَا وَمِثْلُ الشِّطْرَنْجِ الْمِنْقَلَةُ وَالسِّيجَةُ السَّبْعَاوِيَّةُ وَالْخَمْسَاوِيَّة إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ طَابٍ أَوْ مَالٍ. أَمَّا مَعَ ذَلِكَ فَحَرَامٌ وَكَذَا الطَّابُ وَحْدَهُ حَرَامٌ. قَوْلُهُ:(أَوْ عَلَى غِنَاءٍ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالشِّعْرِ.
وَيَحْرُمُ اسْتِمَاعُ غِنَاءِ أَجْنَبِيَّةٍ وَأَمْرَدَ إنْ خِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ، أَوْ نَحْوُ نَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَإِلَّا كُرِهَ ز ي أَيْ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " إنَّهُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ " اهـ. أَيْ يَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ النِّفَاقِ فِي قَلْبِ مَنْ يَفْعَلُهُ بَلْ أَوْ يَسْتَمِعُهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَاسْتِمَاعَهُ يُورِثُ مُنْكَرًا وَاشْتِغَالًا بِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ كَمَحَاسِنِ النِّسَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا قَدْ يُورِثُ فِي فَاعِلِهِ ارْتِكَابَ أُمُورٍ تَحْمِلُ فَاعِلَهُ عَلَى أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الْغِنَاءُ إنْ قَصَدَ بِهِ تَرْوِيحَ الْقَلْبِ لِيَقْوَى عَلَى طَاعَةٍ فَهُوَ طَاعَةٌ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَهُوَ لَهْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَالْغِنَى بِالْقَصْرِ ضِدُّ الْفَقْرِ وَبِالْفَتْحِ مَعَ الْمَدِّ النَّفْعُ قَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ: وَلَيْسَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. فَإِنْ لَحَّنَ فِيهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُشَدَّدَةِ حَتَّى أَخْرَجَهُ إلَى حَدٍّ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْقُرَّاءِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَفْسُقُ الْقَارِئُ بِذَلِكَ وَيَأْثَمُ الْمُسْتَمِعُ لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ الْقَوِيمِ. وَيَحْرُمُ سَمَاعُ الْآلَةِ كَالْعُودِ وَالرَّبَابِ وَالسِّنْطِيرِ، فَقَوْلُهُ: عَلَى غِنَاءٍ أَيْ إنْ خَلَا. عَنْ الْآلَةِ وَإِلَّا فَحَرَامٌ، وَالْحَرَامُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اسْتِمَاعُ الْآلَةِ قَالَ م ر: وَمَتَى اقْتَرَنَ بِالْغِنَاءِ آلَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَالْقِيَاسُ كَمَا
رَقْصٍ. وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ مُبَاحَةٌ كَحِجَامَةٍ، وَكَنْسُ زِبْلٍ وَنَحْوِهِ، وَدَبْغٌ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِهِ. وَاعْتُرِضَ جَعْلُهُمْ الْحِرْفَةَ الدَّنِيئَةَ مِمَّا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَأُجِيبَ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ مَعَ حُصُولِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِهِ أَمَّا الْحِرْفَةُ غَيْرُ الْمُبَاحَةِ كَالْمُنَجِّمِ وَالْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ وَالْمُصَوِّرِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ لِأَنَّ شِعَارَهُمْ التَّلْبِيسُ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا الشَّرْطُ الْخَامِسُ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ لَا فِي الْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَدْلًا لَكِنَّ شَهَادَتَهُ لَمْ تُقْبَلْ لِفَقْدِ مُرُوءَتِهِ، وَمِنْ شُرُوطِ الْقَبُولِ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَّهَمًا وَالتُّهْمَةُ أَنْ يَجُرَّ إلَيْهِ بِشَهَادَتِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ: تَحْرِيمُ الْآلَةِ فَقَطْ وَبَقَاءُ الْغِنَاءِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ سُلْطَانٌ: لَوْ أَخْبَرَ طَبِيبَانِ عَدْلَانِ بِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَنْفَعُهُ لِمَرَضِهِ إلَّا الْعُودُ، عُمِلَ بِخَبَرِهِمَا وَحَلَّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ كَالتَّدَاوِي بِنَجِسٍ فِيهِ الْخَمْرُ اهـ.
وَمَا قِيلَ عَنْ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ جَوَازِ اسْتِمَاعِ الْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ النَّشَاطِ عَلَى الذِّكْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَهَوُّرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ. فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ الْغِنَاءِ الْمُحَرَّمِ مَا اُعْتِيدَ عِنْدَ مُحَاوَلَةِ عَمَلٍ وَحَمْلٍ ثَقِيلٍ كَحِدَاءِ الْأَعْرَابِ لِإِبِلِهِمْ وَغِنَاءِ النِّسَاءِ لِتَسْكِينِ صِغَارِهِمْ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ.
قَاعِدَةٌ: كُلُّ طَبْلٍ حَلَالٌ إلَّا الدَّرَبُكَّةُ، وَكُلُّ زَمَّارَةٍ حَرَامٌ إلَّا زَمَّارَةُ النَّفِيرِ لِلْحَاجِّ. قَالَ سم: اُنْظُرْ وَلَوْ مِنْ بِرْسِيمٍ، كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا قَالَ الطَّبَلَاوِيُّ: وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّعْمِيمِ وَصَرَّحَ بِهِ ح ل. فَقَالَ: وَمِزْمَارٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ بُوصٍ أَوْ بِرْسِيمٍ وَمِثْلُهَا الْقِرْبَةُ. وَدَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا يَضْرِبُ فِيهِ الْفُقَرَاءُ وَيُسَمُّونَهُ طَبْلَ الْبَازِ، وَمِثْلُهُ طَبْلَةُ الْمُسَحِّرِ فَهُمَا جَائِزَانِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَكُلُّ حَرَامٍ حَرُمَ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَيَحْرُمُ عُودٌ وَصَنْجٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَيُسَمَّى الصَّفَاقَتَيْنِ، وَهُمَا مِنْ صُفْرٍ أَيْ نُحَاسٍ تُضْرَبُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى كَالنُّحَاسَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُضْرَبُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، يَوْمَ خُرُوجِ الْمَحْمَلِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الَّذِي تَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَرَاءُ الْمُسَمَّى بِالْكَاسَاتِ وَمِثْلُهَا قِطْعَتَانِ مِنْ صِينِيٍّ تُضْرَبُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَمِثْلُهُمَا خَشَبَتَانِ يُضْرَبُ بِإِحْدَاهُمَا، وَالتَّصْفِيقُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيَةٍ كَمَا فِي ح ل.
قَوْلُهُ: (وَإِكْثَارُ رَقْصٍ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَكَسُّرٌ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّقْصُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ امْرَأَةٍ، وَيَحْرُمُ تَرْقِيصُ الْقُرُودِ وَالتَّفَرُّجُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ مُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ ز ي وأ ج قَالَ ح ل: وَهَلْ مِنْ الْحَرَامِ لَعِبُ الْبَهْلَوَانِ: وَاللَّعِبُ بِالْحَيَّاتِ، الرَّاجِحُ الْحِلُّ حَيْثُ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ وَيَجُوزُ التَّفَرُّجُ عَلَى ذَلِكَ.
وَكَذَا يَحِلُّ اللَّعِبُ بِالْخَاتَمِ وَبِالْحَمَامِ حَيْثُ لَا مَالَ اهـ. قَوْلُهُ: (وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ) قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْإِرْشَادِ بِإِدَامَتِهَا قَالَ فِي شَرْحِهِ وَخَرَجَ بِإِدَامَتِهَا مَا لَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا وَلَا يَفْعَلُهَا أَوْ يَفْعَلُهَا أَحْيَانًا فِي بَيْتِهِ وَهِيَ لَا تَزْرِي فَلَا تَنْخَرِمُ بِهَا مُرُوءَتُهُ اهـ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِانْحِرَافِ الشَّخْصِ إلَيْهَا لِلتَّكَسُّبِ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الصِّنَاعَةِ لِاعْتِبَارِ الْآلَةِ فِي الصِّنَاعَةِ دُونَهَا ق ل. قَالَ ز ي: وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُمْ: الْحِرْفَةُ الدَّنِيئَةُ مِمَّا تَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ. مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. وَأُجِيبَ: بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ مَعَ حُصُولِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْحِرْفَةُ إلَخْ) : عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ أَهْلِهَا لِيَصِحَّ التَّمْثِيلُ وَالْإِخْبَارُ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ حُكْمُ الْحِرْفَةِ غَيْرِ الْمُبَاحَةِ مِثْلَ حُكْمِ الْمُبَاحَةِ فَلَا يَفْصِلُهَا عَنْهَا. فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَمِثْلُ الْحِرْفَةِ الْمُبَاحَةِ غَيْرُهَا بِالْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (كَالْمُنَجِّمِ) أَيْ الَّذِي يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ النُّجُومِ بِأَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ النَّجْمُ الْفُلَانِيُّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ حَصَلَ كَذَا، وَالْكَاهِنُ الَّذِي يُخْبِرُ بِالْغَيْبِ بِأَنْ يَقُولَ غَدًا يَحْصُلُ مَوْتٌ أَوْ قَتْلٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَرَّافِ) كَشُيُوخِ الْبِلَادِ وَآخِذِي الْمُكُوسِ أج وَكَوْنُ مَشْيَخَةِ الْبُلْدَانِ حِرْفَةً فِيهِ نَظَرٌ. وَإِنْ كَانَ مَشَايِخُ الْبُلْدَانِ يُعَرِّفُونَ الْحَاكِمَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الْأَمْوَالِ.
وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْعَرَّافُ بِالتَّشْدِيدِ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ الْمَاضِي وَالْكَاهِنُ مَنْ يُخْبِرُ عَنْ الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ. وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ: الْعَرَّافُ وَالْعَرِيفُ الْقَيِّمُ بِأَمْرِ قَبِيلَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ يَلِي أَمْرَهُمْ وَيَتَعَرَّفُ مِنْهُ الْحَاكِمُ حَالَهُمْ اهـ.
قَوْلُهُ: (التَّلْبِيسُ) أَيْ التَّدْلِيسُ.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ) : كَمَا صَنَعَهُ سَابِقًا فِي الشَّرْطِ السَّادِسِ مِنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ شُرُوطِ الْقَبُولِ إلَخْ) : هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي شَهَادَتِهِ.
عَنْهُ بِهِ ضَرَرًا كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ لِاثْنَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تَرِكَةٍ فَشَهِدَ الِاثْنَانِ لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ التَّرِكَةِ قُبِلَتْ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَصَحِّ لِانْفِصَالِ كُلِّ شَهَادَةٍ عَنْ الْأُخْرَى، وَلَا تَجُرُّ شَهَادَتُهُ نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَمَحِّضَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَفِيمَا لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ وَهُوَ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْآدَمِيِّ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ وَبَقَاءِ عِدَّةٍ وَانْقِضَائِهَا وَحَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَمَتَى حَكَمَ قَاضٍ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا غَيْرَ مَقْبُولَيْ الشَّهَادَةِ كَكَافِرَيْنِ نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ. وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ أَوْ فَاسِقٌ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ التُّهْمَةُ وَتُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ بِشَرْطِ اخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ فِيهَا صِدْقُ تَوْبَتِهِ، وَقَدَّرَهَا الْأَكْثَرُونَ بِسَنَةٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلُ فَيَقُولُ: قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ وَيَقُولُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
غَايَتُهُ: أَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ لَهُ فَلَوْ قَالَ: وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّهَمٍ أَنْ لَا تَجُرَّ إلَيْهِ شَهَادَتُهُ نَفْعًا إلَخْ كَانَ أَوْلَى. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (قُبِلَتْ الشَّهَادَتَانِ) : وَإِنْ اُحْتُمِلَتْ الْمُوَاطَأَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا، وَأُخِذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ بِيَدِ اثْنَيْنِ عَيْنٌ وَادَّعَاهَا ثَالِثٌ فَشَهِدَ كُلٌّ لِلْآخَرِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلُ إذْ لَا يَدَ لِكُلٍّ عَلَى مَا ادَّعَى بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، حَتَّى تَدْفَعَ شَهَادَتُهُ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَشَهِدَ بِهِ لِآخَرَ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ) مِنْ الِاحْتِسَابِ وَهُوَ طَلَبُ الْأَجْرِ سَوَاءٌ سَبَقَهَا دَعْوَى أَمْ لَا كَانَتْ فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ. أَمْ لَا بِرْمَاوِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَحُكْمُ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ الْوُجُوبُ لِأَنَّ فِيهَا إزَالَةَ مُحَرَّمٍ وَخَبَرُ «شَرُّ الشُّهُودِ الَّذِي يَشْهَدُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَوَرَدَ فِيهَا «خَيْرُ الشُّهُودِ الَّذِي يَشْهَدُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ» قَوْلُهُ: (كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ) أَيْ بِأَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّ فُلَانًا تَرَكَ ذَلِكَ وَصَوَّرَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ بِقَوْلِهِ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ ابْتِدَاءً لِلْقَاضِي: نَشْهَدُ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَأَحْضِرْهُ نَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِنْ ابْتَدَءُوا وَقَالُوا: فُلَانٌ زَنَى فَهُمْ قَذَفَةٌ وَإِنَّمَا تُسْمَعُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَنَّهُ أَخُو فُلَانَةَ مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَا إنَّهُ يَسْتَرِقُّهُ. أَوْ إنَّهُ يُرِيدُ نِكَاحَهَا
أَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ كَقَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ اهـ. وَقَوْلُهُ: فَهُمْ قَذَفَةٌ مَا لَمْ يُتْبِعُوهُ بِقَوْلِهِمْ وَنَشْهَدُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْحِسْبَةِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُسْمَعُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، اُنْظُرْ أَيَّ حَاجَةٍ تَتَوَقَّفُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا فِي النَّسَبِ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ بِمَا إذَا وَقَفَ شَيْئًا عَلَى أَوْلَادِهِ فَشَهِدَ بِأَنَّ فُلَانًا وَلَدَهُ حَتَّى يَسْتَحِقَّ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ كَانَ بِيَدِهِ وَلَدٌ صَغِيرٌ وَيُرِيدُ بَيْعَهُ، فَشَهِدَ اثْنَانِ بِأَنَّ فُلَانًا وَلَدَ فُلَانٍ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَيُرِيدُ بَيْعَهُ الْآنَ فَأَحْضِرْهُ لِنَشْهَدَ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ حَاجَةٌ وَأَيُّ حَاجَةٍ لِتَخْلِيصِهِ لَهُ مِنْ الرِّقِّ وَتَدَاوُلِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ وَإِجْرَاءِ حُكْمِ الْأَرِقَّاءِ عَلَيْهِ اهـ خ ض.
قَوْلُهُ: (حَقٌّ مُؤَكَّدٌ) هُوَ صِيَانَةُ الْأَبْضَاعِ عَنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَا يَتَأَثَّرُ أَيْ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّلَاقِ أَيْ بِأَنْ يُقَالَ: لَا يَقَعُ بِرِضَى الزَّوْجِ بَلْ يَقَعُ بِمُقْتَضَى الشَّهَادَةِ.
قَوْلُهُ: (كَطَلَاقٍ) : بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَهُوَ يُعَاشِرُهَا وَقَوْلُهُ: وَعِتْقٍ بِأَنْ شَهِدُوا بِأَنَّ فُلَانًا عَتَقَ عَبْدُهُ، وَهُوَ يَسْتَخْدِمُهُ أَوْ يُرِيدُ بَيْعَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَعِتْقٍ أَيْ غَيْرِ ضِمْنِيٍّ أَمَّا الضِّمْنِيُّ كَمَنْ شَهِدَ لِشَخْصٍ بِشِرَاءِ قَرِيبِهِ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ فَلَا تَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِشِرَاءِ بَعْضِهِ تَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ وَمِثْلُ الْعِتْقِ الِاسْتِيلَادُ دُونَ التَّدْبِيرِ وَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَشِرَاءِ بَعْضِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْعِتْقَ لِكَوْنِهَا عَلَى الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ تَبَعٌ اهـ ز ي.
وَقَوْلُهُ: وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا عَفَا عَنْ قَاتِلِ أَبِيهِ وَيُرِيدُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: وَبَقَاءِ عِدَّةٍ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانَةَ فِي الْعِدَّةِ وَتُرِيدُ أَنْ تَتَزَوَّجَ. وَقَوْلُهُ: وَانْقِضَائِهَا أَيْ الْعِدَّةِ بِأَنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلَانًا مُرَادُهُ يُرَاجِعُ زَوْجَتَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ فَاسِقٌ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي أَعَادَهَا، وَالْمَعْنَى شَهِدَ فَاسِقٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ تَابَ وَأَعَادَهَا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَأَمَّا إذَا شَهِدَ فِي دَعْوَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ تَوْبَتِهِ قُبِلَتْ وَكَذَا يُقَالُ: فِي خَارِمِ الْمُرُوءَةِ.
قَوْلُهُ: (بِسَنَةٍ) : وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَقْرِيبِيَّةٌ لَا تَحْدِيدِيَّةٌ فَيُغْتَفَرُ مِثْلُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا مَا زَادَ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي خَارِمِ الْمُرُوءَةِ إذَا أَقْلَعَ عَنْهُ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ، وَكَذَا مِنْ الْعَدَاوَةِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ