الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ
أَيْ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216] وقَوْله تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وقَوْله تَعَالَى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [النساء: 89] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ: «لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» .
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ]
ِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ وَأَحْكَامِ تَارِكِي الصَّلَاةِ جَحْدًا شَرَعَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْكُفَّارُ الْأَصْلِيُّونَ، وَجَوَازُ قِتَالِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَوَاتِهِ وَهِيَ مَا خَرَجَ فِيهَا بِنَفْسِهِ وَبُعُوثِهِ وَهِيَ مَا أَرْسَلَهَا وَأَمَّرَ عَلَيْهَا أَمِيرًا. وَاعْلَمْ أَنَّ جُمْلَةَ غَزَوَاتِهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهَا بِنَفْسِهِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْمُرَيْسِيعِ وَالْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ وَخَيْبَرَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفَةِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَتْحَ مَكَّةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَضَمَّ قُرَيْظَةَ إلَى الْخَنْدَقِ فَأَهْمَلَ ذِكْرَ قُرَيْظَةَ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَاتَلَ فِي غَزَوَاتٍ إلَّا فِي أُحُدٍ وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا إلَّا أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَاتَلَ فِي كَذَا أَنَّهُ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ كَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الطَّلَبَةِ مِمَّنْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى أَحْوَالِهِ.
وَقَدْ أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ قِتَالُ أَصْحَابِهِ بِحُضُورِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا فِي قِتَالِهِمْ. وَأَمَّا سَرَايَاهُ صلى الله عليه وسلم: فَهِيَ سَبْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَرِيَّةً وَهِيَ مِنْ مِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَمَا زَادَ مَنْسِرٌ بِنُونٍ فَمُهْمَلَةٍ إلَى ثَمَانِ مِائَةٍ فَمَا زَادَ جَيْشٌ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَمَا زَادَ جَحْفَلٌ، وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ وَسُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّ لَهُ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَأَمَامًا وَخَلْفًا وَقَلْبًا وَهُوَ وَسَطُهُ. وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ السِّيَرِ أَنْ يُسَمُّوا كُلَّ عَسْكَرٍ حَضَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ غَزْوَةً وَمَا لَمْ يَحْضُرْهُ بَلْ أَرْسَلَ بَعْضًا مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى الْغَزْوِ سَرِيَّةً وَبَعْثًا. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمَوَاهِبِ وَشَرْحِ التُّحْفَةِ لحج وَمُرَادٌ بِالْأَحْكَامِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي وَمَنْ أُسِرَ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى ضَرْبَيْنِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ إلَخْ وَبِالْأَحْكَامِ أَيْضًا كَوْنُهُ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ فَرْضَ عَيْنٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ كَقَوْلِهِ: وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أَحْكَامِهِ) . مُرَادُهُ بِهِ قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ إلَخْ. لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَسْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْجِهَادِ. قَوْلُهُ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وَهَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ وَقِيلَ قَوْلُهُ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] وَقَوْلُهُ كَافَّةً حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ أَوْ مِنْهُمَا مَعًا وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا. اهـ م د وَقَوْلُهُ: مِنْ الْفَاعِلِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ حَالًا مِنْهُ لَكَانَ مُتَعَيِّنًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: «حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ يَقُولُونَهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ عَلَمًا عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ: م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (لَغَدْوَةٌ) اللَّامُ لِلْقَسَمِ وَالْغَدْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْغَدْوِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى انْتِصَافِهِ، وَالرَّوْحَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الرَّوَاحِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا فَتْحُ الْبَارِي اهـ وَقَوْلُهُ: لَغَدْوَةٌ إلَخْ هَذَا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالْغَيْنِ وَالدَّالِ
وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْأَصْحَابِ تَبَعًا لِإِمَامِهِمْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَذْكُرُوا مُقَدِّمَةً فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ. فَلْنَذْكُرْ نُبْذَةً مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ فَنَقُولُ: بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَآمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ ثُمَّ بَعْدَهَا قِيلَ: عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ. وَقِيلَ: عَشْرٌ، وَقِيلَ: أَبُو بَكْرٍ.
وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ. ثُمَّ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَوَّلُ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْحِيدِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا فِي آخِرِهَا. ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ وَقِيلَ: بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسٍ أَوْ سِتٍّ. وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ فُرِضَ الصَّوْمُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ تَقْرِيبًا وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ بَعْدَ الصَّوْمِ وَقِيلَ: قَبْلَهُ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. قِيلَ: فِي نِصْفِ شَعْبَانَ. وَقِيلَ: فِي رَجَبٍ مِنْ الْهِجْرَةِ حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ وَفِيهَا فُرِضَتْ صَدَقَةُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمُهْمَلَةِ وَفِي نُسْخَةٍ لَغَزْوَةٌ بِالزَّايِ وَالْأُولَى مُنَاسِبَةٌ لَرَوْحَةٌ وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ.
قَوْلُهُ: (نُبْذَةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا أَيْ قِطْعَةٌ أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا وَبَابُهُ أَيْ بَابُ فِعْله ضَرَبَ.
قَوْلُهُ: (بُعِثَ) أَيْ نُبِّئَ لَمَّا جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِغَارِ حِرَاءٍ وَقَالَ لَهُ اقْرَأْ إلَى آخِرِ مَا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فَرَاجِعْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ الْإِرْسَالَ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ قَوْمِهِ أَيْ بِالرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]{قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 2] إلَخْ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: أَنَّ قَوْلَهُ: بُعِثَ أَيْ أُرْسِلَ إذْ الْبَعْثُ الْإِرْسَالُ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ: ثُمَّ أُمِرَ إلَخْ لِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ عَنْ الْإِرْسَالِ وَالْحَقُّ أَنَّ النُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ مُتَقَارِنَانِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُ: (وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ) أَيْ عِنْدَ تَمَامِهَا لَا فِي ابْتِدَائِهَا.
قَوْلُهُ: (قِيلَ عَلِيٌّ) وَكَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَصَحَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ كَانَتْ مَنُوطَةً بِالتَّمْيِيزِ وَقِيلَ إنَّهُ كَانَ بَالِغًا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ) وَجُمِعَ بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَدِيجَةُ وَمِنْ الصِّبْيَانِ عَلِيٌّ وَمِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ وَمِنْ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَمِنْ الْعَبِيدِ بِلَالٌ.
قَوْلُهُ: (وَأَوَّلُ) مُبْتَدَأٌ وَمَا فُرِضَ أَيُّ شَيْءٍ فُرِضَ هُوَ فَالْعَائِدُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ يَعُودُ عَلَى مَا وَمَا ذُكِرَ خَبَرٌ وَمِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ بَيَانٌ لِمَا مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ نُسِخَ بِمَا فِي آخِرِهَا) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل: 20] إلَخْ أَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنْ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ أَنَّهُ لَنْ تُحْصُوهُ أَيْ اللَّيْلَ لِتَقُومُوا فِيمَا يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقِيَامِ جَمِيعِهِ وَذَلِكَ يَشُقُّ عَلَيْكُمْ {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: 20] رَجَعَ بِكُمْ إلَى التَّخْفِيفِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] بِأَنْ تُصَلُّوا مَا تَيَسَّرَ {عَلِمَ أَنْ} [المزمل: 20] أَيْ أَنَّهُ {سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] يُسَافِرُونَ {يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] يَطْلُبُونَ مِنْ رِزْقِهِ لِلتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وَكُلٌّ مِنْ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ مَا ذُكِرَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] كَمَا تَقَدَّمَ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [المزمل: 20] الْمَفْرُوضَةَ اهـ جَلَالَيْنِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ نُسِخَ أَيْ مَا فِي آخِرِهَا وَقَوْلُهُ: بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَيْ بِإِيجَابِهَا. قَوْلُهُ: (إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَوَاتِ أَوْ حَالٌ مِنْهَا وَفِيهِ مَعَ قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ تَنَافٍ لِأَنَّ الْمُقَرَّرَ أَنَّ الصَّلَاةَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ كَانَتْ إلَى الْكَعْبَةِ فَكَانَ الْأَوْلَى عَكْسَ مَا قَالَ الشَّارِحُ بِأَنْ يَقُولَ: ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَأُجِيبَ عَنْ التَّنَافِي بِأَنَّهُ اسْتَقْبَلَ أَوَّلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ أَيْ النَّبِيِّ وَبَيْنَهُ أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَلُّقِ قَوْلِهِ: إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ عَلَّقَ بِالْإِسْرَاءِ فَلَا إشْكَالَ وَيَكُونُ الشَّارِحُ أَسْقَطَ مَرْتَبَةً وَهِيَ قَوْلُهُ: ثُمَّ نُسِخَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى الْكَعْبَةِ فَهُوَ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْرِيرَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ) وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ.
قَوْلُهُ: (تَقْرِيبًا) لِأَنَّهُ فُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ) مُتَعَلِّقٌ ب حَوَّلَتْ الَّذِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (حُوِّلَتْ الْقِبْلَةُ) أَيْ إلَى الْكَعْبَةِ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أُمِرَ أَوَّلًا بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نُسِخَ بِاسْتِقْبَالِ
الْفِطْرِ وَفِيهَا ابْتَدَأَ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ ثُمَّ عِيدَ الْأَضْحَى، ثُمَّ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ «وَلَمْ يَحُجَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا»
وَكَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم فَلِلْكُفَّارِ حَالَانِ: الْحَالُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونُوا بِبِلَادِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الْجِهَادِ) حِينَئِذٍ (سَبْعُ خِصَالٍ) : الْأُولَى (الْإِسْلَامُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا} [التوبة: 123] الْآيَةَ فَخُوطِبَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ يَبْذُلُ الْجِزْيَةَ لِنَذُبَّ عَنْهُ لَا لِيَذُبَّ عَنَّا. (وَ) الثَّانِيَةُ (الْبُلُوغُ وَ) الثَّالِثَةُ (الْعَقْلُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ} [التوبة: 91] الْآيَةَ قِيلَ: هُمْ الصِّبْيَانُ لِضَعْفِ أَبْدَانِهِمْ وَقِيلَ: الْمَجَانِينُ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ، وَلِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ ابْنَ عُمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَجَازَهُ فِي الْخَنْدَقِ» . (وَ) الرَّابِعَةُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى رَقِيقٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا أَوْ مُكَاتَبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: 11] وَلَا مَالَ لِلْعَبْدِ وَلَا نَفْسَ يَمْلِكُهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ الْخِطَابُ حَتَّى لَوْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ وَلَيْسَ الْقِتَالُ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الْمُسْتَحَقِّ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَقْتَضِي التَّعَرُّضَ لِلْهَلَاكِ. (وَ) الْخَامِسَةُ (الذُّكُورَةُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى امْرَأَةٍ لِضَعْفِهَا. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] وَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُؤْمِنِينَ يَنْصَرِفُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ «وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ وَقَدْ سَأَلَتْهُ فِي الْجِهَادِ: لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» . (وَ) السَّادِسَةُ (الصِّحَّةُ) فَلَا جِهَادَ عَلَى مَرِيضٍ يَتَعَذَّرُ قِتَالُهُ أَوْ تَعْظُمُ مَشَقَّتُهُ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْكَعْبَةِ ثُمَّ نُسِخَ اسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَلَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْعَلَ الْكَعْبَةَ فِي حَالِ صَلَاتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ تَمَنَّى أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] الْآيَةَ فَأُمِرَ بِتَوَجُّهِهِ لِلْكَعْبَةِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ.
قَوْلُهُ: (وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا) وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ أَيْ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّقَاضِي وَالصُّلْحُ لَا الْقَضَاءُ الْعُرْفِيُّ وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ وَعُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْعُمْرَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِ حَجِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَقِيلَ: كَانَ مُفْرِدًا بِأَنْ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ خُصُوصِيَّةً لَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْهِجْرَةِ) أَمَّا قَبْلَهَا فَكَانَ مُمْتَنِعًا لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَوَّلًا هُوَ التَّبْلِيغُ وَالْإِنْذَارُ وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ تَأَلُّفًا لَهُمْ ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ بَعْدَهَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْهُ فِي نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ آيَةً إذَا ابْتَدَأَهُمْ الْكُفَّارُ بِهِ ثُمَّ أَبَاحَ الِابْتِدَاءَ بِهِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ أُمِرَ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِقَوْلِهِ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41]{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36] وَهَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ وَقِيلَ الَّتِي قَبْلَهَا م ر فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ: فِي نَيِّفٍ مِنْ وَاحِدٍ إلَى تِسْعٍ وَالْبِضْعُ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى تِسْعٍ. اهـ. مُخْتَارٌ قَوْلُهُ: (مَنْ فِيهِمْ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ز ي لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النِّكَايَةُ بِخِلَافِ رَدِّ السَّلَامِ وَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ فَلَا.
قَوْلُهُ: (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ يَكُونُونَ بِبِلَادِهِمْ. قَوْلُهُ: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 20] التِّلَاوَةُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ " بَرَاءَةٌ {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [التوبة: 20] وَالثَّانِيَةِ {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41] وَاَلَّتِي فِي الصَّفِّ {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: 11] وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاحِدَةً مِمَّا ذَكَرَ وَفِي نُسْخَةٍ وَتُجَاهِدُونَ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ. قَوْلُهُ: «لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ» بِفَتْحِ لَامِ لَكُنَّ وَضَمِّ الْكَافِ وَبِنُونِ النِّسْوَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَأَفْضَلُ الْجِهَادِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَحَجٌّ أَيْ هُوَ حَجٌّ. . . إلَخْ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا إذَا قُرِئَ لَكُنَّ بِالتَّشْدِيدِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَتَسْمِيَةُ الْحَجِّ جِهَادًا مِنْ حَيْثُ إتْعَابُ النَّفْسِ وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لِيُطَابِقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ.
قَوْلُهُ: (وَالسَّادِسَةُ الصِّحَّةُ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مُعْظَمُ أَصَابِعهَا بِخِلَافِ فَاقِدِ
(وَ) السَّابِعَةُ (الطَّاقَةُ عَلَى الْقِتَالِ) بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ فَلَا جِهَادَ عَلَى أَعْمَى وَلَا عَلَى ذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ، وَلَوْ فِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] فَلَا عِبْرَةَ بِصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَضَعْفِ بَصَرٍ، إنْ كَانَ يُدْرِكُ الشَّخْصَ وَيُمْكِنُهُ اتِّقَاءَ السِّلَاحِ. وَلَا عَرَجٍ يَسِيرٍ لَا يَمْنَعُ الْمَشْيَ وَالْعَدْوَ وَالْهَرَبَ وَلَا عَلَى أَقْطَعِ يَدٍ بِكَمَالِهَا، أَوْ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا بِخِلَافِ: فَاقِدِ الْأَقَلِّ أَوْ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ إنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ بِغَيْرِ عَرَجٍ بَيِّنٍ وَلَا عَلَى أَشَلِّ يَدٍ أَوْ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجِهَادِ الْبَطْشُ وَالنِّكَايَةُ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهِمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ، وَلَا عَادِمٍ أُهْبَةَ قِتَالٍ: مِنْ نَفَقَةٍ وَلَا سِلَاحٍ، وَكَذَا مَرْكُوبٌ إنْ كَانَ سَفَرَ قَصْرٍ فَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَزِمَهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْمَشْيِ
فَاضِلٌ ذَلِكَ عَنْ مُؤْنَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ كَمَا فِي الْحَجِّ وَلَوْ مَرِضَ بَعْدَ مَا خَرَجَ أَوْ فَنِيَ زَادُهُ أَوْ هَلَكَتْ دَابَّتُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْصَرِفَ أَوْ يَمْضِيَ فَإِنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ جَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الصَّحِيحِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِتَالُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ فَالْأَصَحُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ الرَّمْيُ بِهَا عَلَى تَنَاقُضٍ وَقَعَ لَهُ فِيهِ. وَلَوْ كَانَ الْقِتَالُ عَلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ حَوْلَهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمُؤَنِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ.
وَالضَّابِطُ الَّذِي يَعُمُّ مَا سَبَقَ وَغَيْرَهُ كُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ حَجٍّ كَفَقْدِ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ مَنَعَ وُجُوبَ الْجِهَادِ إلَّا خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ أَوْ مِنْ لُصُوصٍ مُسْلِمِينَ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُحْتَمَلُ فِي هَذَا السَّفَرِ لِبِنَاءِ الْجِهَادِ عَلَى مُصَادَمَةِ الْمَخَاوِفِ وَالدَّيْنُ الْحَالُّ عَلَى مُوسِرٍ يُحَرِّمُ سَفَرَ جِهَادٍ وَسَفَرَ غَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ، وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ لَا يُحَرِّمُ السَّفَرَ وَإِنْ قَرُبَ الْأَجَلُ وَيَحْرُمُ عَلَى رَجُلٍ جِهَادٌ بِسَفَرٍ وَغَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَقَلِّ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى فَاقِدِ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ وَعَلَى فَاقِدِ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا كَمَا لَا يُجْزِئَانِ فِي الْكَفَّارَةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا شَرْحُ الرَّوْضِ شَوْبَرِيٌّ وَلَا يَجِبُ عَلَى فَاقِدِ أَكْثَرِ أَنَامِلِ يَدِهِ كَمَا فِي الْعُبَابِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهِمَا) أَيْ الْأَشَلُّ وَالْأَقْطَعُ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ سَفَرَ قَصْرٍ) قَيْدٌ فِي الْمَرْكُوبِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَكَذَا.
قَوْلُهُ: (فَاضِلٌ ذَلِكَ) أَيْ الْمَرْكُوبُ وَمَا قَبْلَهُ بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَصْلًا أَوْ قَدَرَ عَلَيْهَا غَيْرَ فَاضِلَةٍ عَمَّا ذَكَرَ وَانْظُرْ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ تُقَدَّرُ بِكَمْ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ لِغَيْبَتِهِ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ بِخِلَافِ الْحَجِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَرِضَ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ لَا جِهَادَ عَلَيْهِمْ أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الدَّوَامِ فَيَفْصِلُ كَمَا فِي الشَّرْحِ.
قَوْلُهُ: (الرَّمْيُ بِهَا) أَيْ وُجُوبُ الرَّمْيِ بِهَا أَيْ الْحِجَارَةِ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (وَالضَّابِطُ) أَيْ ضَابِطُ مَانِعِ الْوُجُوبِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مُصَادَمَةِ الْمَخَاوِفِ) أَيْ مُلَاقَاتِهَا.
قَوْلُهُ: (وَالدَّيْنُ الْحَالُّ) أَيْ أَصَالَةً أَوْ عَرَضًا سَوَاءٌ كَانَ لِمُسْلِمٍ أَوْ لِذِمِّيٍّ وَإِنْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ وَثِيقٌ أَوْ ضَامِنٌ مُوسِرٌ كَمَا قَالَهُ م ر. وَمُرَادُ الشَّارِحِ بِذَلِكَ الْكَلَامِ زِيَادَةُ شَرْطَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَهُوَ مُوسِرٌ وَأَذِنَ أُصُولُهُ وَمَحِلُّ تَوَقُّفِهِ عَلَى إذْنِ رَبِّ الدَّيْنِ مَا لَمْ يُنِبْ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ أَيْ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَزْيَدُ مِمَّا يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ فِيمَا يَظْفَرُ بِخِلَافِهِ عَلَى مُعْسِرٍ فَلَا يَحْرُمُ السَّفَرُ وَيُتَّجَهُ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ مُصَاحِبًا لَهُ فِي سَفَرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْآذِنُ رَشِيدًا، وَمِثْلُ الْإِذْنِ ظَنُّ رِضَاهُ فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لِمَدِينِهِ السَّفَرُ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْذَنَ وَلِيُّهُ، وَإِذْنُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَاغٍ وَحَيْثُ حَرُمَ السَّفَرُ فَلَا يَتَرَخَّصُ بِقَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ لِعِصْيَانِهِ بِسَفَرِهِ اهـ وَعِبَارَةُ م ر إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ أَوْ ظَنِّ رِضَاهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ وَالرِّضَا لِرِضَاهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلشَّهَادَةِ بَلْ يَقِفَ وَسَطَ الصَّفِّ أَوْ حَاشِيَتِهِ حِفْظًا لِلدَّيْنِ وَحَلَّ مَا تَقَرَّرَ مَا لَمْ يُنِبْ مَنْ يَقْضِيهِ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ وَمِثْلُهُ كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ دَيْنٌ ثَابِتٌ عَلَى مَلِيءٍ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِإِذْنِ وَلِيِّ الدَّائِنِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (سَفَرَ جِهَادٍ) وَحَيْثُ حَرُمَ السَّفَرُ فَلَا يَتَرَخَّصُ بِقَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ لِعِصْيَانِهِ بِسَفَرِهِ. قَوْلُهُ: (وَسَفَرَ غَيْرِهِ) وَلَوْ
وَلَوْ كَانَ الْحَيُّ أَحَدَهُمَا فَقَطْ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَجَمِيعُ أُصُولِهِ الْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ وَلَوْ وَجَدَ الْأَقْرَبَ مِنْهُمْ وَأَذِنَ بِخِلَافِ الْكَافِرِ مِنْهُمْ لَا يَجِبُ اسْتِئْذَانُهُ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ سَفَرٌ لِتَعَلُّمِ فَرْضٍ وَلَوْ كِفَايَةً كَطَلَبِ دَرَجَةِ الْإِفْتَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ أَصْلِهِ وَلَوْ أَذِنَ أَصْلُهُ أَوْ رَبُّ الدَّيْنِ فِي الْجِهَادِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَعَلِمَ بِالرُّجُوعِ وَجَبَ رُجُوعُهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّفَّ، وَإِلَّا حَرُمَ انْصِرَافُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الرُّجُوعِ أَيْضًا أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ. وَلَمْ تَنْكَسِرْ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ. وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ بَلْ لَا يَجُوزُ.
وَالْحَالُ الثَّانِي مِنْ حَالَيْ الْكُفَّارِ أَنْ يَدْخُلُوا بَلْدَةً لَنَا مَثَلًا فَيَلْزَمُ أَهْلَهَا الدَّفْعُ بِالْمُمْكِنِ مِنْهُمْ. وَيَكُونُ الْجِهَادُ حِينَئِذٍ فَرْضَ عَيْنٍ سَوَاءٌ أَمْكَنَ تَأَهُّبُهُمْ لِقِتَالٍ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ عَلِمَ كُلُّ مَنْ قَصَدَ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ قُتِلَ أَوْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً إنْ أُخِذَتْ. وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْبَلْدَةِ الَّتِي دَخَلَهَا الْكُفَّارُ حُكْمُهُ كَأَهْلِهَا وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهَا كِفَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَاضِرِ مَعَهُمْ فَيَجِبُ ذَلِكَ عَلَى كُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ وَرَقِيقٍ بِلَا إذْنٍ مِنْ الْأَصْلِ وَرَبِّ الدَّيْنِ وَالسَّيِّدِ، وَيَلْزَمُ الَّذِي عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَصِيرًا كَنَحْوِ مِيلٍ م ر وَقِيلَ: لَا يَتَقَيَّدُ بِمِيلٍ بَلْ مَتَى خَرَجَ مِنْ السُّوَرِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى رَجُلٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْوُجُوبِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى ق ل.
قَوْلُهُ: (بِسَفَرٍ وَغَيْرِهِ) اعْتَرَضَ بِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْكُفَّارُ بَلْدَةً لَنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنٍ إلَّا أَنْ يُصَوِّرَ بِمَا إذَا سَافَرَ لِتِجَارَةٍ لَا خَطَرَ فِيهَا فَاتَّفَقَ لَهُ الْجِهَادُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ مِنْ الْأُصُولِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ لِلْجِهَادِ فَصَدَقَ أَنَّهُ جِهَادٌ بِلَا سَفَرٍ، وَتَوَقَّفَ عَلَى إذْنٍ فَالْمُرَادُ بِلَا سَفَرٍ لِلْجِهَادِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ هُنَاكَ سَفَرٌ لَكِنْ لَا لِلْجِهَادِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِهِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى سَفَرٍ وَيَصِحُّ قِرَاءَةُ غَيْرُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جِهَادٍ فَقَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ أَيْ غَيْرُ الْجِهَادِ بِسَفَرٍ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ فَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ رِضَا جَمِيعِ الْأُصُولِ لَا الْأَبَوَيْنِ فَقَطْ فَلَيْسَ اشْتِرَاطُ الرِّضَا لِأَجْلِ احْتِيَاجِ الْأَصْلِ إلَيْهِ فِي الْمُؤْنَةِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ لِعَدَمِ فَرْقِهِمْ بَيْنَ الْفَرْعِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَبَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ الْعُمْرَ الْغَالِبَ أَوْ لَا كَذَا قَرَّرَهُ ز ي وَهُوَ وَاضِحٌ.
قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ يَحْرُمُ السَّفَرُ بِدُونِ إذْنِهِمْ وَعِبَارَةُ م ر وَيَحْرُمُ عَلَى حُرٍّ وَمُبَعَّضِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى جِهَادٌ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ سَفَرٍ إلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَيَا مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ وَلَوْ كَانَ غَنِيَّيْنِ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ هَذَا إذَا كَانَ مُسْلِمَيْنِ وَلَمْ يَجِبْ اسْتِئْذَانُ الْكَافِرِ لِاتِّهَامِهِ بِمَنْعِهِ لَهُ حَمِيَّةً لِدِينِهِ وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا لِلْمُقَاتِلِينَ أَيْ الَّذِينَ يُرِيدُ قِتَالَهُمْ وَيَلْزَمُ الْمُبَعَّضَ اسْتِئْذَانُ سَيِّدِهِ أَيْضًا وَيَحْتَاجُ الْقِنُّ لِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَا أَبَوَيْهِ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَجَدَ الْأَقْرَبَ إلَخْ) غَايَةٌ أَيْ إذَا أَذِنَ الْأَقْرَبُ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ حَيْثُ مَنَعَ الْأَبْعَدَ.
فَرْعٌ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُ الْأَصْلِ فِي السَّفَرِ لِطَلَبِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَلَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ أَمْكَنَ فِي الْبَلَدِ وَرَجَا بِخُرُوجِهِ زِيَادَةَ فَرَاغٍ أَوْ إرْشَادَ شَيْخٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَهُ تَرْكُ طَلَبِ الْعِلْمِ غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِيهِ وَإِنْ ظَهَرَ انْتِفَاعُهُ لَا فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ أَيْ إذَا شَرَعَ فِيهَا لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ فِي السَّفَرِ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا حَيْثُ لَا خَطَرَ فِيهِ كَرُكُوبِ بَحْرٍ أَوْ بَادِيَةٍ مُخْطِرَةٍ وَإِنْ غَلَبَ الْأَمْنُ. اهـ عُبَابٌ. اهـ. م د وَقَوْلُهُ: كَرُكُوبِ بَحْرٍ مِثَالٌ لِلْمَنْفِيِّ وَقَوْلُهُ: مُخْطِرَةٍ أَيْ فِيهَا خَطَرٌ أَيْ خَوْفٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كِفَايَةً) أَيْ وَلَوْ نَحْوَ صَنْعَةٍ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ مَعَ حُرْمَةِ السَّفَرِ لَهُ إلَّا بِالْإِذْنِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ فِيهِ مِنْ الْأَخْطَارِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ إذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَخَاوِفِ.
قَوْلُهُ: (أَيْضًا) أَيْ كَمَا اشْتَرَطَ عَدَمَ حُضُورِهِ الصَّفَّ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَنْكَسِرْ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْإِمَامِ بِجُعْلٍ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْحُ الرَّوْضِ فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَنْ لَا يَحْضُرَ الصَّفَّ وَأَنْ يَأْمَنَ وَأَنْ لَا تَنْكَسِرَ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ بِجُعْلٍ فَإِنْ حَضَرَ أَوْ لَمْ يَأْمَنْ أَوْ انْكَسَرَ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ بِرُجُوعِهِ أَوْ خَرَجَ بِجُعْلٍ فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ الرُّجُوعُ) ظَاهِرُهُ جَوَازُ الرُّجُوعِ مَعَ عَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا ق ل فَقَوْلُهُ: لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ بَلْ وَلَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَدْخُلُوا بَلْدَةً لَنَا) أَوْ
الْمُضِيُّ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ دَفْعًا لَهُمْ وَإِنْقَاذًا مِنْ الْهَلَكَةِ. فَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي حَقِّ مَنْ قَرُبَ وَفَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَ. وَإِذَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ قَصْدِ تَأَهُّبٍ لِقِتَالٍ وَجَوَّزَ أَسْرًا وَقَتْلًا فَلَهُ اسْتِسْلَامٌ وَقِتَالٌ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ مِنْهُ قُتِلَ وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً.
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ أُسِرَ مِنْ الْكُفَّارِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٍ يَكُونُ رَقِيقًا بِنَفْسِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ (السَّبْيِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْأَسْرُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْرِيرِهِ، (وَهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ) وَالْمَجَانِينُ وَالْعَبِيدُ وَلَوْ مُسْلِمِينَ. كَمَا يُرَقُّ حَرْبِيٌّ مَقْهُورٌ لِحَرْبِيٍّ بِالْقَهْرِ، أَيْ يَصِيرُونَ بِالْأَسْرِ أَرِقَّاءَ لَنَا وَيَكُونُونَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْغَنِيمَةِ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ السَّبْيَ كَمَا يَقْسِمُ الْمَالَ. وَالْمُرَادُ بِرِقِّ الْعَبِيدِ اسْتِمْرَارُهُ لَا تَجَدُّدُهُ وَمِثْلُهُمْ فِيمَا ذُكِرَ الْمُبَعَّضُونَ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ. تَنْبِيهٌ لَا يُقْتَلُ مَنْ ذُكِرَ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا، فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَلَوْ لِشَرِّهِمْ وَقُوَّتِهِمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَصِيرَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (مَثَلًا) مُتَعَلِّقٌ بِيَدْخُلُوا وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِبَلْدَةٍ لِإِدْخَالِ الْقَرْيَةِ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ: لَنَا لِإِدْخَالِهِ بِلَادَ الذِّمِّيِّينَ وَكُلٌّ مُرَادٌ.
قَوْلُهُ: (فَرْضُ عَيْنٍ) يَرْجِعُ لِلثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (عَلِمَ كُلٌّ إلَخْ) وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ لَكِنْ عَلِمَ إلَخْ فَجَعَلَهُ شَرْطًا فِي قَوْلِهِ: أَوْ لَمْ يُمْكِنْ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ) فَيَتَعَيَّنُ الْقِتَالُ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِسْلَامِ لِكَافِرٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ذُلٌّ دِينِيٌّ.
قَوْلُهُ: (قُتِلَ) أَيْ فَيَجِبُ الدَّفْعُ أَيْضًا لِأَنَّ عَدَمَ الدَّفْعِ حِينَئِذٍ ذُلٌّ دِينِيٌّ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ عَلَى النَّفْسِ وَالْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الظَّنِّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً إنْ أُخِذَتْ) أَيْ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الِاسْتِسْلَامُ بَلْ يَلْزَمُهَا الدَّفْعُ وَلَوْ قُتِلَتْ لِأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يَحِلُّ لَهُ الْمُطَاوَعَةُ لِدَفْعِ الْقَتْلِ شَرْحُ الرَّوْضِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْجَمِيلَ وَغَيْرَهُ حُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفَاحِشَةِ فِي الْحَالِ أَوْ الْمَآلِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ وَأَوْلَى. اهـ. مَرْحُومِيٌّ فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَوْ اسْتَسْلَمَ لَا يُقْتَلُ وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ فَاحِشَةً جَازَ الِاسْتِسْلَامُ، فَإِنْ حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُ ظَنِّهِمْ وَجَبَ الدَّفْعُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ قِ ل.
قَوْلُهُ: (وَجَوَّزَ أَسْرًا إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: عَلِمَ كُلُّ مَنْ قَصَدَ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ وَقَوْلُهُ: إنْ عَلِمَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ وَقَوْلُهُ: وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ مَفْهُومٌ قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (إنْ عَلِمَ) أَيْ ظَنَّ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الِاسْتِسْلَامِ قُتِلَ لِأَنَّ تَرْكَهُ الِاسْتِسْلَامَ حِينَئِذٍ يُعَجِّلُ الْقَتْلَ ز ي وَهَذَا مُحْتَرَزُ.
قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
قَوْلُهُ: (وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ الْفَاحِشَةَ) أَيْ إنْ أُخِذَتْ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: أَوْ لَمْ تَأْمَنْ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِصُورَةِ اسْتِثْنَاءٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: عَلِمَ كُلُّ مَنْ قَصَدَ إلَخْ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ الْآتِي وَجَوَّزَ أَسْرًا وَقَتْلًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إنْ عَلِمَ وَقَوْلُهُ: أَوْ لَمْ تَأْمَنْ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: وَأَمِنَتْ وَيَكُونُ قَدَّمَ الْمَفْهُومَ عَلَى الْمَنْطُوقِ وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْأَوَّلَ مَفْهُومًا لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ عِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ وَالْأَوَّلَ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَدَّمَهَا عَلَى الْمَتْنِ تَقْدِيمًا لِلْمَفْهُومِ وَيَصِحُّ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِيَ مَفْهُومَ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الْجِهَادِ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ أَحْكَامٌ لَهُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُسْلِمِينَ) رَاجِعٌ لِلْعَبِيدِ بِأَنْ أَسْلَمُوا وَهُمْ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ يَصِيرُونَ بِالْأَسْرِ أَرِقَّاءَ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: يَكُونُ رَقِيقًا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ لَا إيهَامَ فِي الْمَتْنِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ: تُرَقُّ ذَرَارِيُّ كُفَّارٍ كَمَا وَقَعَ فِي الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُمْ فِيمَا ذُكِرَ الْمُبَعَّضُونَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ الْقِنِّ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَعْضِ الْحُرِّ فَيُخَيَّرُ فِيهِ بِمَا عَدَا الْقَتْلَ لِاسْتِحَالَتِهِ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالرِّقِّ وَيَمْتَنِعُ الْقَتْلُ فَإِنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ الرِّقَّ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ أَوْ فَدَاهُ كَذَلِكَ وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ فَقَدْ فَوَّتَ الْبَعْضَ الرَّقِيقَ عَلَى الْغَانِمِينَ فَيَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ) أَيْ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ. وَحَاصِلُهُ: كَمَا قَالَهُ حَجّ أَنَّهُ إنْ قَتَلَ أَسِيرًا غَيْرَ كَامِلٍ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ أَوْ كَامِلًا قَبْلَ التَّخْيِيرِ فِيهِ عُزِّرَ فَقَطْ أج وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَمِثْلُ الْإِمَامِ غَيْرُهُ وَهَذَا فِي قَتْلِ النَّاقِصِينَ أَمَّا قَتْلُ الْكَامِلِينَ مِنْ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ أَمَّا مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ الْقَتْلَ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا ضَمَانَ إلَّا التَّعْزِيرُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ لِلْفِدَاءِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبْضِهِ الْفِدَاءَ وَقَبْلَ وُصُولِ الْكَافِرِ لِمَأْمَنِهِ ضَمِنَهُ بِالدِّيَةِ
ضَمِنَ قِيمَتَهُمْ لِلْغَانِمِينَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. (وَضَرْبٍ لَا يُرَقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ) وَإِنَّمَا يُرَقُّ بِالِاخْتِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَهُمْ الرِّجَالُ) الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ (وَالْإِمَامُ) أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ (مُخَيَّرٌ فِيهِمْ) بِفِعْلِ الْأَحَظِّ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. (بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ) وَهِيَ (الْقَتْلُ) بِضَرْبِ رَقَبَةٍ لَا بِتَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ. (وَالِاسْتِرْقَاقُ) وَلَوْ لِأُنْثَى أَوْ عَرَبِيٍّ أَوْ بَعْضِ شَخْصٍ عَلَى الْمُصَحَّحِ فِي الرَّوْضَةِ إذَا رَآهَا مَصْلَحَةً. (وَالْمَنُّ) عَلَيْهِمْ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ (وَالْفِدْيَةُ بِالْمَالِ) أَيْ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ مَالِهِمْ أَوْ مِنْ مَالِنَا الَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ (أَوْ بِالرِّجَالِ) أَيْ بِرَدِّ أَسْرَى مُسْلِمِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ الرِّجَالِ غَيْرُهُمْ أَوْ أَهْلُ ذِمَّةٍ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَيُرَدُّ مُشْرِكٌ بِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُشْرِكَيْنِ بِمُسْلِمٍ أَوْ بِذِمِّيٍّ وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَهُمْ بِأَسْلِحَتِنَا الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ أَسْلِحَتَهُمْ الَّتِي فِي أَيْدِينَا بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ. كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ نَبِيعَهُمْ السِّلَاحَ (يَفْعَلُ الْإِمَامُ) أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ مِنْ ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالتَّشَهِّي (مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ) وَالْإِسْلَامِ، فَإِنْ خَفِيَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ الْأَحَظُّ حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الِاجْتِهَادِ لَا إلَى التَّشَهِّي كَمَا مَرَّ. فَيُؤَخِّرُ لِظُهُورِ الصَّوَابِ وَلَوْ أَسْلَمَ أَسِيرٌ مُكَلَّفٌ لَمْ يَخْتَرْ الْإِمَامُ فِيهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ مَنًّا وَلَا فِدَاءً عَصَمَ الْإِسْلَامُ دَمَهُ فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» إلَى أَنْ قَالَ: «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ» وَقَوْلُهُ:
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ فَهَدَرٌ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْفِدَاءِ وَقَبْلَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ ضَمِنَ بِالدِّيَةِ وَيَأْخُذُ الْإِمَامُ مِنْهَا قَدْرَ الْفِدَاءِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْقَتْلُ بَعْدَ الْمَنِّ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ ضَمِنَ بِالدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُصُولِهِ لِمَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ. قَوْلُهُ:(أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ غَازِيًا بِأَنْ أَرْسَلَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا.
قَوْلُهُ: (مُخَيَّرٌ فِيهِمْ) وَلَيْسَ هُوَ تَخْيِيرًا عَلَى بَابِهِ بَلْ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ فَمَا رَآهُ حَظًّا لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ فَعَلَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَهَلْ إذَا اخْتَارَ أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ أَمْ لَا بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ حَقْنُ الدَّمِ لِلْقَتْلِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ الِاسْتِرْقَاقَ صَارَ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ فَيَكُونُ الْحَقُّ لَهُمْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ. وَكَذَلِكَ الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ وَرُجُوعُهُ إلَى غَيْرِهِ اجْتِهَادٌ ثَانٍ وَالِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ مَا لَمْ يَكُنْ لِرُجُوعِهِ سَبَبٌ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُ الرُّجُوعُ حِينَئِذٍ وَيَكُونُ كَالْحَاكِمِ إذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ وَظَهَرَ لَهُ النَّصُّ بِخِلَافِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ كَذَلِكَ هَكَذَا قِيلَ. قَوْلُهُ:(بِفِعْلِ الْأَحَظِّ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالتَّخْيِيرِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْخِصَالِ.
قَوْلُهُ: (لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ حَظَّ الْمُسْلِمِينَ مَا يَعُودُ إلَيْهِمْ مِنْ الْغَنَائِمِ وَحِفْظُ مُهَجِهِمْ فَفِي الِاسْتِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ حَظُّ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمَنِّ حَظُّ الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَرَبِيٍّ) كَمَا فِي سَبْيِ هَوَازِنَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ كَبَنِي الْمُصْطَلِقِ ز ي أج.
قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْضِ شَخْصٍ) وَهُوَ الرَّاجِحُ وَالثَّانِي وَلَا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الرَّاجِحِ لَوْ ضُرِبَ الرِّقُّ عَلَى الْبَعْضِ رُقَّ الْكُلُّ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا يُرَقُّ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَلَى قَوْلِ الْبَغَوِيِّ يُقَالُ: لَنَا صُورَةٌ يَسْرِي فِيهَا الرِّقُّ كَمَا يَسْرِي الْعِتْقُ دَمِيرِيٌّ ز ي وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَلَا سِرَايَةَ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مُسْلِمَيْنِ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَوْ أَكْثَرَ وَهِيَ أَوْلَى فَكَلَامُ الشَّارِحِ يَحْتَمِلُ التَّثْنِيَةَ وَالْجَمْعَ.
قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَفْدِيَهُمْ) هَذَا مُكَرَّرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ إلَخْ) وَهَلْ يَجُوزُ رَدُّهَا بِأَسْرَانَا وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْجَوَازُ سم. قَوْلُهُ: (يَفْعَلُ الْإِمَامُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْخِصَالِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْأَحَظُّ رَاجِحٌ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَسْلَمَ إلَخْ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْآتِي قَبْلَ الْأَسْرِ فَقَدَّمَ الْمَفْهُومَ عَلَى الْمَنْطُوقِ تَعْجِيلًا لِلْفَائِدَةِ وَأَمَّا أَوْلَادُهُ فَإِنْ أُسِرُوا قَبْلَهُ رُقُّوا وَإِنْ لَمْ يُؤْسَرُوا عَصَمَهُمْ وَأَمَّا مَالُهُ وَزَوْجَتُهُ فَلَا يَعْصِمُهُمَا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَخْتَرْ الْإِمَامُ) صِفَةٌ لِأَسِيرٍ فَإِنْ كَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ خَصْلَةً غَيْرَ الْقَتْلِ تَعَيَّنَتْ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (مَنًّا) أَيْ وَلَا رِقًّا.
قَوْلُهُ: (عَصَمَ الْإِسْلَامُ دَمَهُ) أَيْ لَا مَالَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: ذِكْرُ الْمَالِ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالُوهَا: قَبْلَ الْأَسْرِ أَيْ بِخِلَافِ مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: «حَتَّى يَقُولُوا
«وَأَمْوَالَهُمْ» مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلِ الْأَسْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: «إلَّا بِحَقِّهَا» وَمِنْ حَقِّهَا أَنَّ مَالَهُ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَسْرِ غَنِيمَةٌ.
وَبَقِيَ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي مِنْ خِصَالِ التَّخْيِيرِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ إذَا سَقَطَ بَعْضُهَا لِتَعَذُّرِهِ، لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي كَالْعَجْزِ عَنْ الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ.
(وَمَنْ أَسْلَمَ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فِي دَارِ حَرْبٍ أَوْ إسْلَامٍ. (قَبْلَ الْأَسْرِ) أَيْ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ (أَحْرَزَ) أَيْ عَصَمَ بِإِسْلَامِهِ (مَالَهُ) مِنْ غَنِيمَةٍ (وَدَمَهُ) مِنْ سَفْكِهِ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، (وَصِغَارَ أَوْلَادِهِ) الْأَحْرَارِ عَنْ السَّبْيِ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْجَدُّ كَذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا لِمَا مَرَّ وَوَلَدُهُ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ الْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ وَلَوْ طَرَأَ الْجُنُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِمَا مَرَّ أَيْضًا وَيُعْصَمُ الْحَمْلُ تَبَعًا لَهُ لَا إنْ اُسْتُرِقَّتْ أُمُّهُ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَبِ فَلَا يُبْطِلُ إسْلَامُهُ رِقَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ سَبْيِ الزَّوْجَةِ وَالْمَذْهَبُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّ إسْلَامَ الزَّوْجِ لَا يَعْصِمُهَا عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ لِاسْتِقْلَالِهَا وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ بَذَلَ مِنْهُ فِي الْجِزْيَةِ مَنَعَ إرْقَاقَ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ فَكَانَ الْإِسْلَامُ أَوْلَى. أُجِيبَ بِأَنَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُ الشَّخْصِ بِهِ لَا يُجْعَلُ فِيهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ. وَالْبَالِغَةُ تَسْتَقِلُّ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تَسْتَقِلُّ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ.
فَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي حَالِ السَّبْيِ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَمْ لَا لِامْتِنَاعِ إمْسَاكِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ لِلنِّكَاحِ كَمَا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا. وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ: «أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ»
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ «حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ ز ي: أَيْ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ صَارَتْ عَلَمًا عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَسْرِ) أَيْ مَحْمُولٌ عَلَى قَوْلِهَا قَبْلَ الْأَسْرِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ) أَيْ الْمُخَيَّرَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْكَفَّارَةِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَسْلَمَ) أَيْ أَوْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَنِيمَةٍ) الْأَوْلَى مِنْ غَنَمِهِ بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ.
قَوْلُهُ: (وَصِغَارِ أَوْلَادِهِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْأَحْرَارِ أَيْ وَمَجَانِينِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَخَرَجَ الْأَرِقَّاءُ فَأَمْرُهُمْ تَابِعٌ لِأَمْرِ سَيِّدِهِمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِ، وَكِبَارُ أَوْلَادِهِ الْأَحْرَارِ لِاسْتِقْلَالِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِمْ كَغَيْرِهِمْ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (عَنْ السَّبْيِ) أَيْ الرِّقِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَالْجَدُّ كَذَلِكَ) أَيْ كَالْأَبِ فِي أَنَّهُ يَعْصِمُ أَوْلَادَ وَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ كَافِرًا حَيًّا؛ نَظَرًا لِتَبَعِيَّتِهِمْ لِلْجَدِّ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ الْأَعْلَى، وَقَوْلُهُ: كَذَلِكَ أَيْ كَالْأَبِ فِيمَا ذُكِرَ الْمَعْلُومُ مِنْ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: أَوْلَادِهِ وَلَوْ ذَكَرَ الْأَبَ بَدَلَ قَوْلِهِ: كَذَلِكَ لَكَانَ أَظْهَرَ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الْأَبُ) أَيْ غَيْرُ الْمُسْلِمِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِأَنَّهُمْ يَتْبَعُونَهُ فِي الْإِسْلَامِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَيُعْصَمُ الْحَمْلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. قَوْلُهُ: (لَا إنْ اُسْتُرِقَّتْ أُمُّهُ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَبِ) أَمَّا إذَا اُسْتُرِقَّتْ بَعْدَ إسْلَامِ الْأَبِ فَلَا يَتْبَعُهَا حَمْلُهَا لِعِصْمَتِهِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُبْطِلُ إسْلَامُهُ) أَيْ الْأَبِ رِقَّهُ أَيْ الْحَمْلِ كَالْمُنْفَصِلِ إذَا سُبِيَ وَحْدَهُ، وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ أَيْ الْحَمْلِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَبْيِ الزَّوْجَةِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: عَنْ إحْرَازِ الزَّوْجَةِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَأَحْرَزَ زَوْجَتَهُ، وَحَاصِلُ حُكْمِ الزَّوْجَةِ أَنَّ زَوْجَةَ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ وَزَوْجَةَ الذِّمِّيِّ الْمَوْجُودَةِ حَالَ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يُرَقَّانِ بِالسَّبْيِ وَزَوْجَةَ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِهَا وَزَوْجَةَ الذِّمِّيِّ الطَّارِئَةَ بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ يُرَقَّانِ بِنَفْسِ السَّبْيِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(لِاسْتِقْلَالِهَا) أَيْ بِالْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا) . وَبِذَلِكَ يُلْغَزُ فَيُقَالُ: لَنَا زَوْجَةٌ بِدَارِ الْحَرْبِ يَجُوزُ سَبْيُهَا وَلَا يَجُوزُ سَبْيُ وَلَدِهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْبَالِغَةُ) أَيْ وَالزَّوْجَةُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ لَا تَتْبَعُهُ زَوْجَتُهُ وَفِي التَّعْبِيرِ بِ اُسْتُرِقَّتْ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّهَا تُرَقُّ بِنَفْسِ الصَّبِيِّ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ رُقَّتْ. قَوْلُهُ (لِامْتِنَاعٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَ مِلْكُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَعَنْ النِّكَاحِ أَوْلَى. اهـ. س ل.
قَوْلُهُ: (وَلِقَوْلِهِ: إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ فَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْطَاسٍ) الَّذِي فِي الْمُخْتَارِ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَفِي ق ل. مَا نَصُّهُ أَوْطَاسٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا اسْمُ وَادٍ مِنْ هَوَازِنَ عِنْدَ حُنَيْنٍ اهـ بِحُرُوفِهِ. قُلْت: وَهُوَ مِنْ أَجْلِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُقَلِّدُونَ، غَايَتُهُ أَنَّ
وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهَا زَوْجٌ، وَتُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ وَيُقْطَعُ بِهِ نِكَاحُهُ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ عَصَمَ نَفْسَهُ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَاكَ الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ حِينَ الْعَقْدِ. فَيَتَنَاوَلُهَا الْعَقْدُ عَلَى جِهَةِ التَّبَعِيَّةِ وَالْمُرَادُ هُنَا الزَّوْجَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا وَيَجُوزُ إرْقَاقُ عَتِيقِ الذِّمِّيِّ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ اُسْتُرِقَّ فَعَتِيقُهُ أَوْلَى، لَا عَتِيقُ مُسْلِمٍ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُسْتَرَقُّ لِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يُرْفَعُ، وَلَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيَّةُ إذَا سُبِيَتْ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ الْجَوَازُ فَإِنَّهُمَا سَوَّيَا فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ زَوْجَةِ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الْأَصْلِيَّ أَقْوَى مِنْ الْإِسْلَامِ الطَّارِئِ وَلَوْ سُبِيَتْ زَوْجَةٌ حُرَّةٌ أَوْ زَوْجٌ حُرٌّ وَرُقَّ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِحُدُوثِ الرِّقِّ، فَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ إذْ لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ كَالْبَيْعِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
الشَّيْخَ رحمه الله كَانَ قَلِيلَ عَزْوِ الْكَلَامِ لِأَهْلِهِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرَهَا) . أَيْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى انْقِطَاعِ النِّكَاحِ بِاسْتِرْقَاقِهَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الِاسْتِبْرَاءِ شَامِلٌ لِوَطْءِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَقَوْلُهُ: لَا تُوطَأُ حَامِلٌ إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ زَوْجًا لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ عَنْ الرِّقِّ لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: حَتَّى تَضَعَ لِأَنَّ انْقِطَاعَ نِكَاحِهَا يُحَرِّمُهَا حَتَّى يَعْقِدَ عَلَيْهَا عَقْدًا جَدِيدًا، وَشُمُولُ الْحَدِيثِ لِوَطْءِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ (كَانَ فِيهِمْ) الْمُنَاسِبُ فِيهِنَّ.
قَوْلُهُ: (وَتُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ) وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ زَوْجَةَ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ لَا تُرَقُّ وَعَتِيقُ الْمُسْلِمِ لَا يُرَقُّ وَزَوْجَةُ الذِّمِّيِّ الْمَوْجُودَةُ وَقْتَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَا تُرَقُّ أَمَّا زَوْجَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ إذَا حَدَّثَتْ بَعْدَ الْجِزْيَةِ وَعَتِيقُ الذِّمِّيِّ فَيُرَقُّونَ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْطَعُ بِهِ نِكَاحَهُ) أَيْ لِأَنَّ طُرُوُّ الرِّقِّ كَالْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ إلَخْ) وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ إذَا عَصَمَ زَوْجَتَهُ عَنْ الِاسْتِرْقَاقِ كَيْفَ يُلَائِمُ قَوْلَهُ: تُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ لَهَا. وَجَوَابُهُ أَنَّ الَّتِي يَعْصِمُهَا هِيَ الْمَوْجُودَةُ عِنْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ وَاَلَّتِي لَا يَعْصِمُهَا هِيَ الَّتِي يَطْرَأُ تَزْوِيجُهَا عَلَى عَقْدِ الْجِزْيَةِ.
قَوْلُهُ: (عَصَمَ نَفْسَهُ) مَعَ أَنَّهُ صَارَ ذِمِّيًّا بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ هُنَا) أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَتُرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ إلَخْ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا أَوْ يَحْمِلْ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقُدْرَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ) أَيْ الْأَصْلِيِّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) جَرَى عَلَيْهِ ز ي فِي حَاشِيَتِهِ وَنَصُّهُ الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ أَسْرِهَا بِخِلَافِ زَوْجَةِ مَنْ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إرْقَاقُهَا اهـ اج.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْإِسْلَامَ) تَعْلِيلٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ لَا تُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الْأَصْلِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ سُبِيَتْ) لَمْ يَقُلْ: وَرُقَّتْ كَمَا قَالَهُ: فِي الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا تُرَقُّ بِنَفْسِ السَّبْيِ بِخِلَافِهِ. اهـ. م ر. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ حَدَثَ الرِّقُّ فِي الزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ وَلَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الزَّوْجَةَ الَّتِي يَطْرَأُ عَلَيْهَا الرِّقُّ هِيَ زَوْجَةُ الْحَرْبِيِّ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ وَزَوْجَةُ الذِّمِّيِّ إذَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْجِزْيَةِ، وَإِيضَاحُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الزَّوْجَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ أَوْ الزَّوْجُ حُرٌّ أَوْ الزَّوْجَةُ رَقِيقَةٌ أَوْ عَكْسُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يُسْبَيَا أَوْ تُسْبَى الزَّوْجَةُ أَوْ يُسْبَى الزَّوْجُ أَوْ يُسْتَرَقَّ أَوَّلًا فَالْجُمْلَةُ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِيمَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ وَسُبِيَا أَوْ سُبِيَتْ هِيَ أَوْ سُبِيَ هُوَ أَوْ اُسْتُرِقَّ فَإِنْ لَمْ يُسْتَرَقَّ فَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ فَلَا فَسْخَ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا وَالزَّوْجَةُ رَقِيقَةً فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِيمَا إذَا سُبِيَا أَوْ سُبِيَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ وَاسْتُرِقَّ فِيهَا وَلَا يَنْفَسِخُ فِيمَا إذَا سُبِيَتْ الزَّوْجَةُ وَحْدَهَا إذْ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهَا رِقٌّ أَوْ سُبِيَ الزَّوْجُ وَحْدَهُ وَلَمْ يُسْتَرَقَّ، فَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً وَالزَّوْجُ رَقِيقًا فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ فِيمَا إذَا سُبِيَا أَوْ سُبِيَتْ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ سُبِيَ وَرُقَّ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ زَوْجٍ حُرٍّ) قَيْدٌ وَقَوْلُهُ: وَرُقَّ قَيْدٌ سَوَاءٌ كَانَ الرِّقُّ بِمُجَرَّدِ الْأَسْرِ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا مَثَلًا أَوْ بِالضَّرْبِ بِأَنْ كَانَ كَامِلًا وَاخْتَارَ الْإِمَامُ فِيهِ الرِّقَّ أَيْ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ النِّكَاحُ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ ذَلِكَ فَإِنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنَّهُ
وَإِذَا رُقَّ الْحَرْبِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ كَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ لَمْ يَسْقُطْ فَيَقْضِي مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ رِقِّهِ. فَإِنْ كَانَ لِحَرْبِيٍّ عَلَى حَرْبِيٍّ وَرُقَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَلْ أَوْ رَبُّ الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ. وَلَوْ رُقَّ رَبُّ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَسْقُطْ، وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِلَا رِضَا مِنْ عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِسَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ إلَّا السَّلْبَ خُمُسُهَا لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْآخِذِ، وَكَذَا مَا وُجِدَ، كَلُقَطَةٍ مِمَّا يَظُنُّ أَنَّهُ لَهُمْ فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ وَجَبَ تَعْرِيفُهُ. وَيُعَرَّفُ سَنَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيرًا كَسَائِرِ اللُّقَطَاتِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
رَقِيقٌ وَالرَّقِيقُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: لِحُدُوثِ الرِّقِّ لَا يَنْتُجُ عَنْ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: لِحُدُوثِ الرِّقِّ أَيْ وَحُدُوثُهُ كَالْمَوْتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَبِذَلِكَ فَارَقَ جَوَازَ رَقِيقٍ لِرَقِيقَةٍ أَوْ لِحُرَّةٍ ابْتِدَاءً اهـ.
قَوْلُهُ: (إذَا رُقَّ الْحَرْبِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) صُوَرُ الْمَقَامِ سِتَّةٌ لِأَنَّهُ إذَا رُقَّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنُهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ وَإِذَا رُقَّ مَنْ لَهُ دَيْنٌ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَإِذَا رُقَّ الْحَرْبِيُّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَسْقُطْ إذْ لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي إسْقَاطَهُ فَيَقْضِي مِنْ مَالِهِ إنْ غَنِمَ بَعْدَ رِقِّهِ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالرِّقِّ قِيَاسًا لِلرِّقِّ عَلَى الْمَوْتِ فَإِنْ غَنِمَ قَبْلَ رِقِّهِ أَوْ مَعَهُ لَمْ يَقْضِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَوْ لَمْ يَقْضِ مِنْهُ بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يُعْتِقَ فَيُطَالِبَ بِهِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ الْحَرْبِيُّ كَدَيْنِ حَرْبِيٍّ عَلَى مِثْلِهِ وَرِقِّ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَلْ أَوْ رَبُّ الدَّيْن فَيَسْقُطُ وَلَوْ رُقَّ رَبُّ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَسْقُطْ اهـ. فَذَكَرَ الْمَتْنُ صُورَتَيْنِ بِالْمَنْطُوقِ وَأَرْبَعَةً بِالْمَفْهُومِ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى ثِنْتَيْنِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي إلَى قَوْلِهِ: فَسَقَطَ وَإِلَى ثِنْتَيْنِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ رُقَّ رَبُّ الدَّيْن اهـ قَالَ ق ل: فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا دَيْنُ الْحَرْبِيِّ عَلَى مِثْلِهِ بِإِرْقَاقِ أَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ رُقَّ رَبُّ الدَّيْنِ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ لَمْ يَسْقُطْ) : بَلْ يَصِيرُ فِي ذِمَّةِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْتِقَ فَيُعْطَى لَهُ أَوْ يَمُوتَ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا اهـ سم نَقْلًا عَنْ شَرْحِ م ر. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرْبِيِّ دَائِنًا وَمَدِينًا وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ اهـ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَسْقُطْ) وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْإِمَامَ يُطَالِبُ بِهِ كَوَدَائِعِهِ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ كَذَا فِي شَرْحِ م ر. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ فِيهِ نَظَرٌ لِعَدَمِ انْطِبَاقِ حَدِّ الْغَنِيمَةِ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي أَعْيَانِ مَالِهِ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُهَا وَلَا يُطَالِبُ بِهَا لِأَنَّ مِلْكَهُ لِرَقَبَتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَهُ لِمَالِهِ بَلْ الْقِيَاسُ أَنَّهَا مِلْكٌ لِبَيْتِ الْمَالِ كَالْمَالِ الضَّائِعِ. اهـ. رَشِيدِيٌّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ حَرْبِيٍّ) أَمَّا الْحَرْبِيُّ فَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ رَبُّ الدَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ بِأَخْذِهِمْ لَهُ فَعَلَى مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ وَلَوْ بِشِرَاءٍ رَدَّهُ إلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ أَيْ أَخَذَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ الذِّمِّيُّ فَإِنَّهُ مِلْكٌ لَهُ بِجُمْلَتِهِ لَا يَدْخُلُهُ تَخْمِيسٌ كَمَا فِي م ر سَوَاءٌ كَانَ مَعَنَا أَوْ وَجَدَهُ دَاخِلَ بِلَادِهِمْ بِأَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ. ع ش وَهَذَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْغَنِيمَةِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ هُنَاكَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ أَوْلَى مِنْ التَّقْيِيدِ بِأَخْذِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِهِمْ فِي دَارِنَا وَلَا أَمَانَ لَهُمْ كَذَلِكَ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهَا) كَاخْتِلَاسٍ سم.
قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِي لِلْآخِذِ) تَنْزِيلًا لِدُخُولِهِ دَارَهُمْ وَتَغْرِيرِهِ بِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْقَتْلِ وَالْمُرَادُ بِالْعَقَارِ الْمَمْلُوكُ إذْ الْمَوَاتُ لَا يَمْلِكُونَهُ فَكَيْفَ يَتَمَلَّكُ عَلَيْهِمْ صَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيِّ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَتَمَلَّكُ عَلَيْهِمْ أَيْ عَنْهُمْ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ عَنْهُمْ فَرْعُ مِلْكِهِمْ لَهُ وَالِاسْتِفْهَامُ إنْكَارِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَا وُجِدَ كَلُقَطَةٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مَالِكُهُ فَفَارَقَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ مَالِكَهُ مَعْلُومٌ. وَقَوْلُهُ: وَكَذَا مَا وُجِدَ إلَخْ أَيْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ أَيْ مُخَمَّسَةٌ إلَّا السَّلْبَ خُمُسُهَا لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْآخِذِ تَنْزِيلًا لِدُخُولِهِ دَارَهُمْ وَتَغْرِيرِهِ بِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْقِتَالِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ) وَيَظْهَرُ أَنَّ إمْكَانَ كَوْنِهِ لِذِمِّيٍّ كَذَلِكَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَجَبَ تَعْرِيفُهُ سَنَةً) وَنَقْلَا فِي صِفَةِ التَّعْرِيفِ لِمَا أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ يُعَرِّفُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَا وَيَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُ الْإِمَامِ: يَكْفِي بُلُوغُ التَّعْرِيفِ لِلْأَجْنَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسْلِمٌ سِوَاهُمْ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ مُرُورِ التُّجَّارِ وَعَنْ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ أَنَّهُ يُعَرِّفُهُ سَنَةً قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَيُشْبِهُ حَمْلَ الْأَوَّلِ عَلَى الْخَسِيسِ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ وَحَاوَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالظَّاهِرُ وَهُوَ قَضِيَّةُ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ لُقَطَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ اهـ. ز ي وَانْظُرْ مُؤْنَةَ التَّعْرِيفِ عَلَى مَنْ؟ إذْ الْمُلْتَقِطُ لَا يَتَمَلَّكُ لِأَنَّهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ غَنِيمَةٌ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ
(وَيُحْكَمُ لِلصَّبِيِّ) أَيْ لِلصَّغِيرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى (بِالْإِسْلَامِ عِنْدَ وُجُودِ) أَحَدِ (ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ) : أَوَّلِهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ) .
وَالْمَجْنُونُ وَإِنْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ، كَالصَّغِيرِ بِأَنْ يَعْلَقَ بَيْنَ كَافِرَيْنِ ثُمَّ يُسْلِمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَالًّا سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ وَضْعِهِ أَمْ بَعْدَهُ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ وَقَبْلَ بُلُوغِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] . تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ يُوهِمُ قَصْرَهُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ. وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِي مَعْنَى الْأَبَوَيْنِ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ إنْ لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ وَكَانَ الْأَقْرَبُ حَيًّا. فَإِنْ قِيلَ: إطْلَاقُ ذَلِكَ يَقْتَضِي إسْلَامَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ آدَمَ عليه الصلاة والسلام. أُجِيبُ: بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي جَدٍّ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ، وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ حُكْمٌ جَدِيدٌ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، وَالْمَجْنُونُ الْمَحْكُومُ بِكُفْرِهِ كَالصَّغِيرِ فِي تَبَعِيَّةِ أَحَدِ أُصُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ إنْ بَلَغَ مَجْنُونًا. وَكَذَا إنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فِي الْأَصَحِّ وَإِذَا حَدَثَ لِلْأَبِ وَلَدٌ بَعْدَ مَوْتِ الْجَدِّ مُسْلِمًا
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِأَنَّهَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لِبَيْتِ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (وَيُحْكَمُ لِلصَّبِيِّ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا فِي جَوَابِ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ حَاصِلُهُ هَلْ لِإِسْلَامِ الصَّبِيِّ سَبَبٌ آخَرُ غَيْرُ إسْلَامِ أَبِيهِ الْمُتَقَدِّمِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَسْبَابٍ وَمِثْلُ الصَّبِيِّ الْحَمْلُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ جُنَّ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ اهـ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَعْلَقْ بَيْنَ كَافِرَيْنِ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ أَيْ تَحْمِلَ بِهِ أُمُّهُ حَالَةَ كُفْرِهَا، وَكُفْرِ أَبِيهِ وَسَائِرُ أُصُولِهِ ثُمَّ يُسْلِمُ أَحَدٌ مِنْ أُصُولِهِ قَبْلَ تَمْيِيزِهِ أَوْ بَعْدَهُ إلَخْ م د وَهَذَا التَّصْوِيرُ أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ لِأَنَّ كَلَامَ الْمَتْنِ ظَاهِرٌ فِي الْمُنْفَصِلِ وَالتَّصْوِيرُ شَامِلٌ لِلْحَمْلِ فَهُوَ مِنْ تَصْوِيرِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ. قَوْلُهُ:(وَأَتْبَعْنَاهُمْ) هُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ.
قَوْلُهُ: (بِإِسْلَامِ أَبِيهِمْ آدَمَ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ جَدُّهُمْ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُؤَلِّفِ التَّعْبِيرَ بِالْجَدِّ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً وَمَا ذَكَرَهُ مَجَازٌ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قُلْت: إنَّ هَذَا الشَّيْءَ عَجِيبٌ كَيْفَ تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةُ مَعَ إطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَهَلْ الشَّارِحُ مُتَعَبِّدٌ بِعِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ مُوَافَقَتُهَا كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ إطْلَاقُ الْأَبِ عَلَى آدَمَ كَثِيرًا فَلَا وَجْهَ لِلْأَوْلَوِيَّةِ اهـ. قَوْلُهُ: (أُجِيبَ إلَخْ) حَاصِلُهُ جَوَابَانِ: الْأَوَّلُ بِالْمَنْعِ وَالثَّانِي بِالتَّسْلِيمِ. فَحَاصِلُ الْأَوَّلِ مَنْعُ قَوْلِهِ: إنَّ الْأَجْدَادَ تَشْمَلُ آدَمَ لِأَنَّ الْمُرَادَ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ يُعْرَفُ النَّسَبُ إلَيْهِ لَا مُطْلَقُ جَدٍّ وَلَا جَدَّةٍ، وَحَاصِلُ الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَجْدَادَ تَشْمَلُ آدَمَ وَحَوَّاءَ لَكِنْ مَنَعَ مِنْ تَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ لَهُمَا مَانِعٌ وَهُوَ أَنَّ أَبَاهُ وَأُمَّهُ هَوَّدَاهُ أَوْ نَصَّرَاهُ.
قَوْلُهُ: (فِي جَدٍّ يُعْرَفُ) أَوْ جَدَّةٍ وَالْمُرَادُ النَّسَبُ اللُّغَوِيُّ.
قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا التَّوَارُثُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى الِانْتِسَابِ وَلَوْ لُغَوِيًّا كَمَا فِي الْأُمِّ ق ل وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ التَّوَارُثُ وَلَوْ بِالرَّحِمِ.
قَوْلُهُ: (وَبِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الْيَهُودِيَّةِ) جَوَابٌ آخَرُ قَاطِعٌ لِحُكْمِ تَبَعِيَّةِ آدَمَ فِي الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَحَلُّ التَّبَعِيَّةِ إنْ لَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَانِعُ وَهُوَ تَهَوُّدُ آبَائِهِمْ لَهُمْ وَتَنَصُّرُهُمْ لَهُمْ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ وَهَذَا الْجَوَابُ يَقْتَضِي أَنَّ الْجَدَّ الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَأَبُوهُ كَافِرًا أَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْجَدَّ لِكَوْنِ الْأَبِ هَوَّدَهُ أَوْ نَصَّرَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (حُكْمٌ جَدِيدٌ) أَيْ طَارِئٌ بِالْوِلَادَةِ وَالْإِسْلَامُ حُكْمٌ أَصْلِيٌّ شَرْحُ الرَّوْضِ اهـ أَيْ فَهَذَا الْحُكْمُ قَدْ تَوَسَّطَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَأَوْلَادِهِ فَقَطَعَ التَّبَعِيَّةَ هَذَا وَجْهُ الْجَوَابِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ إلَخْ) هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا جَدِيدًا أَيْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ» إلَخْ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ حُكْمٌ جَدِيدٌ لِخَبَرِ وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَالْمَجْنُونُ) هَذَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ فَتَكُونُ الْغَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ لِلرَّدِّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا حَدَثَ لِلْأَبِ) أَيْ الْكَافِرِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ مَوْتِ الْجَدِّ مُسْلِمًا) الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ فَإِنَّ ابْنَ الِابْنِ يَتْبَعُهُ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْجَدِّ
تَبِعَهُ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ رَجَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ. فَإِنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَوَصَفَ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَوَصَفَ كُفْرًا بَعْدَ إفَاقَتِهِ فَمُرْتَدٌّ عَلَى الْأَظْهَرِ لِسَبْقِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ. فَأَشْبَهَ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ الصَّغِيرِ مُسْلِمًا وَقْتَ عُلُوقِهِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِجْمَاعٍ وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَلَا يَضُرُّ مَا يَطْرَأُ بَعْدَ الْعُلُوقِ مِنْهُمَا مِنْ رِدَّةٍ. فَإِنْ بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا بِأَنْ أَعْرَبَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ فَمُرْتَدٌّ قَطْعًا لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَثَانِيهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ:(أَوْ يَسْبِيهِ) أَيْ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ (مُسْلِمٌ)
وَقَوْلُهُ (مُنْفَرِدًا) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ أَيْ حَالَ انْفِرَادِهِ. (عَنْ أَبَوَيْهِ) فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَبَعًا لِسَابِيهِ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ فَيَبِيعُهُ كَالْأَبِ قَالَ الْإِمَامُ: وَكَأَنَّ السَّابِيَ لَمَّا أَبْطَلَ حُرِّيَّتَهُ قَلَبَهُ قَلْبًا كُلِّيًّا. فَعُدِمَ عَمَّا كَانَ وَافْتُتِحَ لَهُ وُجُودٌ تَحْتَ يَدِ السَّابِي وَوِلَايَةٌ فَأَشْبَهَ تَوَلُّدَهُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ.
وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّابِي بَالِغًا عَاقِلًا أَمْ لَا، أَمَّا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُ السَّابِيَ جَزْمًا وَمَعْنَى كَوْنِ أَحَدِ أَبَوَيْ الصَّغِيرِ مَعَهُ أَنْ يَكُونَا فِي جَيْشٍ وَاحِدٍ وَغَنِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَابِيهُمَا؛ لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ تَبَعِيَّةِ السَّابِي فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِتْبَاعِ، وَلَا يُؤَثِّرُ مَوْتُ الْأَصْلِ بَعْدُ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي ابْتِدَاءِ السَّبْيِ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فَلَوْ سَبَاهُ ذِمِّيٌّ وَحَمَلَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ مُسْتَأْمَنٌ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَلَا فِي أَوْلَادِهِ، فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ فِي مُسْبِيهِ وَلِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الدَّارِ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا نَسَبُهُ. نَعَمْ هُوَ عَلَى دِينِ سَابِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَثَالِثُهَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ يُوجَدُ لَقِيطًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ كَافِرٌ بِلَا بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ هَذَا إنْ وُجِدَ بِمَحَلٍّ وَلَوْ بِدَارِ كُفْرٍ بِهِ مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَلَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَاتَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَكَلَامُ الشَّارِحِ لِلْغَالِبِ.
قَوْلُهُ: (تَبِعَهُ) أَيْ الْجَدُّ. قَوْلُهُ: (كُفْرًا) تَنَازَعَهُ قَوْلُهُ: وَصْفٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَذَا قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ وَصْفَ الْأَوَّلِ ذَكَرَ مَفْعُولَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: الْكُفْرَ وَلَعَلَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ إسْقَاطُ لَفْظِ الْكُفْرِ مِنْ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ الصَّغِيرِ مُسْلِمًا وَقْتَ عُلُوقِهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الطَّارِئَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ بِقَيْدٍ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ أَعْرَبَ) أَيْ أَظْهَرَ وَبَيَّنَ. قَوْلُهُ: (أَوْ الْمَجْنُونِ) لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ التَّفْسِيرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّغِيرِ فَلَوْ قَالَ: وَمِثْلُهُ الْمَجْنُونُ لَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبَوَيْهِ) أَيْ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي أَمَّا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَقَوْلُهُ: عَنْ أَبَوَيْهِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ مُنْفَرِدًا عَنْ أَحَدِ أُصُولِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْآتِي.
قَوْلُهُ: (فَعُدِمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَافْتُتِحَ.
قَوْلُهُ: (عَمَّا كَانَ) أَيْ عَنْ الْوُجُودِ الَّذِي كَانَ. وَقَوْلُهُ وَافْتُتِحَ لَهُ وُجُودٌ وَهُوَ وُجُودُهُ مُسْلِمًا رَقِيقًا.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُنْفَرِدًا. قَوْلُهُ: (وَغَنِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ وَسُبِيَا مَعًا أَوْ تَقَدَّمَ سَبْيُ الْأَصْلِ سم فَإِنْ تَقَدَّمَ سَبْيُ الْوَلَدِ فَهُوَ عَلَى دِينِ السَّابِي الْمُسْلِمِ وَسَبْيُ أَصْلِهِ بَعْدُ لَا يُغَيِّرُهُ عَمَّا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَبَعِيَّةَ الْأَصْلِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: لَا يُتْبَعُ السَّابِي فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ) أَيْ تَبَعًا لِلدَّارِ. قَوْلُهُ: (فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلذِّمِّيِّ فَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الذِّمِّيِّ إذَا كَانَ قَاطِنًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ قَاطِنًا بِبِلَادِنَا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كَوْنَهُ) أَيْ الذِّمِّيِّ السَّابِي إلَخْ.
قَوْلُهُ: (مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَلَا نَسَبُهُ) كَاللَّقْطِ أَيْ وَهَذَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَنَسَبُهُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ لِكَافِرٍ. قَوْلُهُ: (كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) وَلَوْ سَبَاهُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) أَيْ بِأَنْ يَسْكُنَهَا الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ أَوْ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ الْكُفَّارِ أَوْ كَانُوا يَسْكُنُونَهَا ثُمَّ جَلَاهُمْ الْكُفَّارُ عَنْهَا شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا أُلْحِقَ بِهَا) وَهِيَ دَارُ الْكُفَّارِ الَّتِي بِهَا مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ بِدَارِ كُفْرٍ بِهِ مُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ) غَايَةٌ أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءِ مُسْلِمَةٍ بِشُبْهَةٍ.
قَوْلُهُ: (بِلَا بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ) فَيَلْحَقُهُ وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ لَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ اللَّقِيطُ مُسْلِمٌ إنْ وُجِدَ إلَخْ. فَسَرَى لِلشَّارِحِ مَا ذُكِرَ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (بِدَارِ كُفْرٍ) أَيْ
أَسِيرًا مُنْتَشِرًا أَوْ تَاجِرًا أَوْ مُجْتَازًا تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ. وَلِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَا يُغَيَّرُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الِاسْتِلْحَاقِ وَلَكِنْ لَا يَكْفِي اجْتِيَازُهُ بِدَارِ كُفْرٍ. بِخِلَافِهِ بِدَارِنَا لِحُرْمَتِهَا وَلَوْ نَفَاهُ مُسْلِمٌ. قُبِلَ فِي نَفْيِ نَسَبه لَا نَفْيِ إسْلَامِهِ أَمَّا إذَا اسْتَلْحَقَهُ الْكَافِرُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ بِمَحَلٍّ مَنْسُوبٍ لِلْكُفَّارِ لَيْسَ بِهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ كَافِرٌ. تَنْبِيهٌ اقْتِصَارُهُ كَغَيْرِهِ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونَ وَهُمَا لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُمَا اتِّفَاقًا وَلِأَنَّ نُطْقَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إمَّا خَبَرٌ وَإِمَّا إنْشَاءٌ، فَإِنْ كَانَ خَبَرًا فَخَبَرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُوَ كَعُقُودِهِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَأَمَّا إسْلَامُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِهِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَانَ بَالِغًا حِينَ أَسْلَمَ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقِيلَ: إنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
وَأَجَابَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ: بِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا صَارَتْ مُعَلَّقَةً بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا نِيطَتْ بِخَمْسَةَ عَشَرَ عَامَ الْخَنْدَقِ، فَقَدْ تَكُونُ مَنُوطَةً قَبْلَ ذَلِكَ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهِ وَعَلَى هَذَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ لِئَلَّا يَفْتِنَانِهِ. وَهَذِهِ الْحَيْلُولَةُ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، فَيَتَلَطَّفُ بِوَالِدَيْهِ لِيُؤْخَذَ مِنْهُمَا فَإِنْ أَبَيَا فَلَا حَيْلُولَةَ.
تَتِمَّةٌ فِي أَطْفَالِ الْكُفَّارِ: إذَا مَاتُوا وَلَمْ يَتَلَفَّظُوا بِالْإِسْلَامِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ لِأَنَّ كُلَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِالْأَصَالَةِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ دَارَ إسْلَامٍ وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ الْآنَ. فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حُرْمَةً لَهَا ع ش.
قَوْلُهُ: (بِهِ مُسْلِمٌ) أَيْ بِالْمَحَلِّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ دَارَ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارَ الْكُفْرِ. كَمَا فِي الْمَحَلِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُهُ: (مُنْتَشِرًا) أَيْ غَيْرَ مَحْبُوسٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مُجْتَازًا) لَمَّا كَانَ شَامِلًا لِاجْتِيَازِهِ بِدَارِ الْكُفْرِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ. مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي اجْتِيَازُهُ بِدَارِ الْكُفْرِ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَلَكِنْ لَا يَكْفِي إلَخْ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ مُجْتَازًا أَيْ بِدَارِنَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ مَعَ إيهَامِهِ خِلَافَ الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَوْ بِدَارِ كُفْرٍ.
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ كَافِرٌ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ لَا يَكْفِي اجْتِيَازُهُ) أَيْ مُرُورُ الْمُسْلِمِ بِدَارِ كُفْرٍ أَيْ بِالْأَصَالَةِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ دَارَ إسْلَامٍ اسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا الْكُفَّارُ الْآنَ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حُرْمَةً لَهَا ع ش. وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: فِيمَا سَبَقَ آنِفًا وَلَوْ مُجْتَازًا لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِهِ بِدَارِنَا) فِيهِ أَنَّ اجْتِيَازَهُ بِدَارِنَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا خَرِبَتْ بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ إنَّهُ مَرَّ بِهَا مُسْلِمٌ وَوُجِدَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَقِيطٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَفَاهُ مُسْلِمٌ) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ نَفَاهُ الْمُسْلِمُ أَيْ الْمُتَقَدِّمُ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَوَهَّمُ.
قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ: وَيُحْكَمُ لِلصَّبِيِّ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَ وُجُودِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ الصَّغِيرِ) أَيْ إذَا أَسْلَمَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَيْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَأَجَابَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ) أَيْ عَنْ إسْلَامِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا نِيطَتْ) أَيْ عَلِقَتْ.
قَوْلُهُ: (فَقَدْ تَكُونُ) الْمُنَاسِبُ فَقَدْ كَانَتْ عِبَارَةُ م ر. فَقَدْ كَانَتْ مَنُوطَةً إلَخْ وَهِيَ أَوْلَى. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُضَارِعِ الْمَاضِيَ اهـ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَالْقِيَاسِ) أَيْ قِيَاسِ صِحَّةِ إسْلَامِ الْمُمَيِّزِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ مَثَلًا لَا يَصِحُّ.
قَوْلُهُ: (لَا يَتَنَفَّلُ) بِالْفَاءِ أَيْ لَا يَقَعُ نَفْلًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ يَصِحُّ إسْلَامُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ. قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَفْتِنَانِهِ) صَوَابُهُ لِئَلَّا يَفْتِنَاهُ بِحَذْفِ نُونِ الرَّفْعِ لِلنَّصْبِ.
قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) تَقَدَّمَ مَا فِي هَذِهِ التَّتِمَّةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَفِي فَصْلِ الرِّدَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَلَفَّظُوا