المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في الجزية - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٤

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ فَصْلٌ: فِي الْإِيلَاءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الظِّهَارِ

- ‌أَرْكَانُ الظِّهَارِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللِّعَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْعِدَدِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا يَجِبُ لِلْمُعْتَدَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّضَاعِ

- ‌ فَصْلٌ: فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي النَّفَقَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الدِّيَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسَامَةِ

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌فَصْلٌ: فِي حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ

- ‌فَصْلٌ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ

- ‌فَصْلٌ: فِي حُكْمِ الصِّيَالِ وَمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ

- ‌فَصْلٌ: فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّدَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْفَيْءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجِزْيَةِ

- ‌[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَطْعِمَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأُضْحِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْعَقِيقَةِ

- ‌كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

- ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ

- ‌فَصْلٌ: فِي النُّذُورِ

- ‌خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ:

- ‌[فَرْعٌ النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ]

- ‌كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعَدُّدُ الشُّهُودِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعَدُّدُ]

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَلَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّدْبِيرِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌فصل: في الجزية

الْجِهَادِ اهـ. وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِعْطَاءَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ وَهِيَ أَمْوَالُ الْمَصَالِحِ أَقْوَى مِنْ الْخَاصَّةِ كَالْأَوْقَافِ: فَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي تِلْكَ التَّوَسُّعِ فِي هَذِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَيَّنٌ أَخْرَجَهُ شَخْصٌ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ لِيَقْرَأَ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ فَكَيْفَ يُصْرَفُ مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ الصَّرْفُ لِأَوْلَادِ الْعَالِمِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ كِفَايَتَهُمْ كَمَا كَانَ يُصْرَفُ لِأَبِيهِمْ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

‌فَصْلٌ: فِي الْجِزْيَةِ

تُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَقِيلَ مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: 48] أَيْ لَا تَقْضِي. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] وَقَدْ «أَخَذَهَا صلى الله عليه وسلم مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. وَقَالَ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» كَمَا رَوَاهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْعُلَمَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ أَخْذِ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقِ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ. وَعَدَمِ جَوَازِ أَخْذِ أَوْلَادِ الْعَالِمِ مِنْ وَقْفٍ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ أَبُوهُمْ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ) أَيْ مِنْ الْفَيْءِ وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ الْفَرْقُ هُوَ الظَّاهِرُ مُعْتَمَدٌ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَوْلَادِ الْعَالِمِ وَالْمُجَاهِدِ بِأَنَّ الْعِلْمَ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْلِيفٍ عَلَيْهِ وَالْجِهَادُ مَرْغُوبٌ عَنْهُ فَيَحْتَاجُ إلَى تَأْلِيفٍ بِأَنْ يُعْطَى أَوْلَادُ الْمُجَاهِدِ مِنْ الْفَيْءِ.

[فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ]

ِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْجِهَادِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَيَّا قِتَالَهُمْ بِإِعْطَائِهَا فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] وَلَيْسَتْ فِي مُقَابَلَةِ تَقْرِيرِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ جَزْمًا بَلْ فِيهَا نَوْعُ إذْلَالٍ لَهُمْ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا يُقَابِلُهَا، فَقِيلَ هُوَ سُكْنَى الدَّارِ وَقِيلَ: تَرْكُ قِتَالِهِمْ فِي دَارِنَا. وَقَالَ الْإِمَامُ الْوَجْهُ أَنْ يَجْمَعَ مَقَاصِدَ الْكُفَّارِ مِنْ تَقْرِيرٍ وَحَقْنِ دَمٍ وَمَالٍ وَنِسَاءٍ وَذُرِّيَّةٍ وَذَبٍّ وَتُجْعَلُ الْجِزْيَةُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَهِيَ مُغَيَّاةٌ بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام لِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ وَلَا يَقْبَلُ الْجِزْيَةَ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْمَعْنَى أَنَّ الدِّينَ يَصِيرُ وَاحِدًا فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَقِيلَ: " مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَالَ يَكْثُرُ حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُمْكِنُ صَرْفَ مَالِ الْجِزْيَةِ لَهُ فَتُتْرَكُ الْجِزْيَةُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَإِنَّمَا شُرِعَتْ قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى لِلْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ بِخِلَافِ زَمَنِ عِيسَى فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مَالٍ فَإِنَّ الْمَالَ فِي زَمَنِهِ يَكْثُرُ حَتَّى لَا يُقَابِلَهُ أَحَدٌ. وَسَبَبُ كَثْرَتِهِ نُزُولُ الْبَرَكَاتِ وَتَوَالِي الْخَيْرَاتِ بِسَبَبِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ الظُّلْمِ وَحِينَئِذٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ كُنُوزَهَا وَتَقِلُّ الرَّغَبَاتُ فِي اقْتِنَاءِ الْمَالِ لِعِلْمِهِمْ بِقُرْبِ السَّاعَةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحِكْمَةُ فِي نُزُولِ عِيسَى دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ لِلرَّدِّ عَلَى الْيَهُودِ فِي زَعْمِهِمْ: أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ فَبَيَّنَ اللَّهُ كَذِبَهُمْ وَأَنَّهُ الَّذِي يَقْتُلُهُمْ، أَوْ نُزُولُهُ: لِدُنُوِّ أَجَلِهِ لِيُدْفَنَ فِي الْأَرْضِ إذْ لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ مِنْ التُّرَابِ أَنْ يَمُوتَ فِي غَيْرِهَا، وَقِيلَ: إنَّهُ دَعَا اللَّهَ لَمَّا رَأَى صِفَةَ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْهُمْ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَأَبْقَاهُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُجَدِّدَ أَمْرَ الْإِسْلَامِ. فَيُوَافِقَ خُرُوجَ الدَّجَّالِ فَيَقْتُلَهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَفِي عِيسَى عليه السلام أَلْغَزَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي قَوْلِهِ:

مَنْ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْخَلْقِ أَفْضَلُ مِنْ

شَيْخِ الْأَنَامِ أَبِي بَكْرٍ وَمِنْ عُمَرْ

وَمِنْ عَلِيٍّ وَمِنْ عُثْمَانَ وَهُوَ فَتًى

مِنْ أُمَّةِ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرْ

وَقَالَ حَجّ: وَتَنْقَطِعُ مَشْرُوعِيَّتُهَا بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى لَهُمْ حِينَئِذٍ شُبْهَةٌ بِوَجْهٍ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ وَهَذَا: مِنْ شَرْعِنَا أَيْ كَوْنِهَا بِنُزُولِ عِيسَى لِأَنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهِ أَيْ بِشَرْعِنَا مُتَلَقِّيًا لَهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَوْ عَنْ اجْتِهَادٍ مُسْتَمَدٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذَاهِبَ فِي زَمَنِهِ لَا يُعْمَلُ مِنْهَا إلَّا بِمَا يُوَافِقُ مَا يَرَاهُ لِأَنَّهُ لَا يُخْطِئُ اهـ حَجّ

ص: 274

الْبُخَارِيُّ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي أَخْذِهَا مَعُونَةً لَنَا وَإِهَانَةً لَهُمْ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَفَسَّرَ إعْطَاءَ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ بِالْتِزَامِهَا وَالصَّغَارَ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا. وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ: عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ لَهُ، وَمَكَانٌ وَمَالٌ وَصِيغَةٌ. وَشَرَطَ فِي الصِّيغَةِ وَهِيَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مَا مَرَّ فِي شَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ وَالصِّيغَةُ إيجَابًا كَأَقْرَرْتُكُمْ أَوْ أَذِنْت فِي إقَامَتِكُمْ بِدَارِنَا مَثَلًا عَلَى أَنْ تَلْتَزِمُوا كَذَا جِزْيَةً وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِنَا. وَقَبُولًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (تُطْلَقُ عَلَى الْعَقْدِ) أَيْ شَرْعًا وَقَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ أَيْ لُغَةً وَشَرْعًا. قَوْلُهُ: (لِكَفِّنَا عَنْهُمْ) أَيْ وَالْتِزَامِهِمْ أَحْكَامَنَا لِأَنَّ الْمُجَازَاةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْ جَانِبِنَا وَجَانِبِهِمْ.

قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى الْقَضَاءِ) أَيْ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُمْ يُؤَدُّونَهَا أَوْ الْقَضَاءِ بِمَعْنَى الْحُكْمِ لِأَنَّ قَضَى عَلَيْهِمْ بِهَا أَوْ الْقَضَاءَ بِمَعْنَى إغْنَائِنَا لِأَنَّ فِيهَا إغْنَاءَنَا عَنْ الْمُحَارَبَةِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ) أَيْ هَجَرَ الْبَحْرَيْنِ، وَالْبَحْرَيْنِ اسْمٌ لِإِقْلِيمٍ.

قَوْلُهُ: (سُنُّوا بِهِمْ) أَيْ اُسْلُكُوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْ طَرِيقَتَهُمْ وَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ الْكِتَابِ لَكِنْ رَوَى الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ " كَانَ الْمَجُوسُ أَهْلَ كِتَابٍ يَقْرَءُونَهُ وَعِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَشَرِبَ أَمِيرُهُمْ الْخَمْرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى بِنْتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا أَهْلَ الطَّمَعِ مِنْ الرُّهْبَانِ فَأَعْطَاهُمْ مَالًا وَقَالَ: إنَّ آدَمَ كَانَ يُنْكِحُ أَوْلَادَهُ بَنَاتِهِ أَيْ غَيْرَ التَّوْأَمَيْنِ فَالذَّكَرُ مِنْ بَطْنٍ يَتَزَوَّجُ بِالْأُنْثَى مِنْ بَطْنٍ أُخْرَى فَأَطَاعُوهُ وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَوَضَعَ الْأُخْدُودَ لِمَنْ خَالَفَهُ فَرَمَاهُ فِيهِ فَأَسْرَى عَلَى كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ لَمَّا بَدَّلُوهُ وَعَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ " فَهَذِهِ حُجَّةُ مَنْ قَالَ: كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ. وَقَوْلُهُ: سُنُّوا بِهِمْ إلَخْ أَيْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَقَطْ دُونَ مُنَاكَحَتِهِمْ وَأَكْلِ ذَبِيحَتِهِمْ فَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا أَكْلُ ذَبِيحَتِهِمْ. وَاخْتُلِفَ فِي سَنَةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَقِيلَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَقِيلَ: وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَجَمْعُهَا جُزْءٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَقُرْبَةٍ وَقِرَبٍ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تُفِيدُهُمْ الْأَمَانَ ثَلَاثَةٌ أَمَانٌ وَجِزْيَةٌ وَهُدْنَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَالْأَمَانُ أَوْ بِغَيْرٍ مَحْصُورٍ فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَالْهُدْنَةُ وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ) وَهُمْ نَصَارَى وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ بِسَبَبِ مَا فِيهَا مِنْ مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ وَرُؤْيَةِ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ.

قَوْلُهُ: (بِالْتِزَامِهَا) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الْإِعْطَاءِ فَنَكُفُّ عَنْهُمْ إذَا الْتَزَمُوهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ إعْطَاؤُهُمْ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَالصَّغَارُ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِنَا) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّخْصَ إذَا كُلِّفَ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ يُسَمِّي ذَلِكَ صَغَارًا عُرْفًا سم.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ قَالُوا: وَأَشَدُّ الصَّغَارِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَيُضْطَرَّ إلَى احْتِمَالِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُهَا) أَيْ الْجِزْيَةِ بِمَعْنَى الْعَقْدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (عَاقِدٌ) وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ.

قَوْلُهُ: (فِي الصِّيغَةِ) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْخَامِسُ فِي كَلَامِهِ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَوَّلًا إذَا بُدِئَ بِهَا.

قَوْلُهُ: (فِي شَرْطِهَا) فِيهِ أَنَّ مَا شُرِطَ هُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي شَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي بِمَعْنَى مِنْ وَقَوْلُهُ: مَا مَرَّ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ نَظِيرَ مَا مَرَّ. أَيْ وَشَرَطَ فِي الصِّيغَةِ نَظِيرَ مَا مَرَّ مِنْ شَرْطِهَا فِي الْبَيْعِ.

قَوْلُهُ: (إيجَابًا) مَنْصُوبٌ خَبَرًا لِتَكُونَ مَحْذُوفًا أَيْ تَكُونُ إيجَابًا وَقَبُولًا، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ قَوْلُهُ: أَقْرَرْتُكُمْ إلَخْ خَبَرًا وَإِيجَابًا حَالٌ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ وَهَذَا جَلِيٌّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصِّيغَةَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ.

قَوْلُهُ: (بِدَارِنَا) أَيْ غَيْرِ الْحِجَازِ كَمَا يَأْتِي لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ التَّنْصِيصُ عَلَى إخْرَاجِهِ حَالَ الْعَقْدِ اكْتِفَاءً بِاسْتِثْنَائِهِ شَرْعًا وَإِنْ جَهِلَهُ الْعَاقِدَانِ، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ مَعَ شَرْحِ م ر. صُورَةُ عَقْدِهَا مَعَ الذُّكُورِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ أَوْ نَائِبُهُ: أُقِرُّكُمْ أَوْ أَقْرَرْتُكُمْ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ يَكُونُ لِلْحَالِ وَبِأَنَّهُ يَأْتِي لِلْإِنْشَاءِ كَ أُشْهِدُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ، أَنْ أُؤَدِّيَ الْمَالَ أَوْ أُحْضِرَ الشَّخْصَ لَا يَكُونُ ضَمَانًا وَلَا كَفَالَةً وَمَا فِي الْإِقْرَارِ إنْ أَقَرَّ بِكَذَا لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ لِأَنَّ شِدَّةَ نَظَرِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ اقْتَضَى

ص: 275

نَحْوُ قَبِلْنَا وَرَضِينَا وَشَرَطَ فِي الْعَاقِدِ كَوْنَهُ إمَامًا يَعْقِدُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ.

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي شُرُوطِ الْمَعْقُودِ لَهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي بِقَوْلِهِ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ) ضَرْبِ (الْجِزْيَةِ) عَلَى الْكُفَّارِ الْمَعْقُودِ لَهُمْ (خَمْسُ خِصَالٍ) الْأُولَى (الْبُلُوغُ وَ) الثَّانِيَةُ (الْعَقْلُ) فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مَعَ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مِنْ وَلِيِّهِمَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ بَالِغًا وَلَوْ بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ إنْ أَطْبَقَ جُنُونُهُ. فَإِنْ تَقَطَّعَ وَكَانَ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ وَلَا عِبْرَةَ بِهَذَا الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَكَذَا لَا أَثَرَ لِيَسِيرِ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ فَالْأَصَحُّ تَلْفِيقُ زَمَنِ الْإِفَاقَةِ فَإِذَا بَلَغَ سَنَةً وَجَبَتْ جِزْيَتُهَا (وَ) الثَّالِثَةُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مَعَ الرَّقِيقِ وَلَوْ مُبَعَّضًا وَلَا جِزْيَةَ عَلَى مُتَمَحِّضِ الرِّقِّ إجْمَاعًا وَلَا عَلَى الْمُبَعَّضِ عَلَى الْمَذْهَبِ.

(وَ) الرَّابِعَةُ (الذُّكُورِيَّةُ) فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مَعَ امْرَأَةٍ وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وَهُوَ خِطَابٌ لِلذُّكُورِ، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِر فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ: أَنْ لَا يَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلَا مِنْ خُنْثَى وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَى، فَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ وَقَدْ عُقِدَتْ لَهُ الْجِزْيَةُ طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَدَمَ النَّظَرِ لِاحْتِمَالِهِ الْوَعْدَ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ أَنَّهُ لِلْحَالِ أَوْ لَهُمَا أَيْ لِلْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (مَثَلًا) أَيْ أَوْ بِدَارِكُمْ كَمَا فِي م ر. فَيُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْإِقَامَةُ بِدَارِنَا بَلْ لَوْ رَضُوا بِالْجِزْيَةِ وَهُمْ مُقِيمُونَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَحَّتْ كَمَا قَالَهُ سم: قَوْلُهُ: (لِحُكْمِنَا) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ الْمُرَادُ لِحُكْمِنَا الَّذِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ هَذِهِ الْهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَلْيُؤَوَّلْ الْحُكْمُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ أَيْ تَحْرِيمِ مُتَعَلِّقِهِ. وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الرَّافِعِيِّ: وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِضَاهُمْ وَذَلِكَ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَأَمَّا مَا يَسْتَحِلُّونَهُ كَحَدِّ الشُّرْبِ فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ رَضُوا بِحُكْمِنَا اهـ. قَوْلُهُ: (وَقَبُولًا) أَيْ مِنْ كُلِّ الْمُخَاطَبِينَ كَمَا فِي م ر قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الْقَبُولِ أَيْ مِنْ النَّاطِقِ قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لَزِمَ الْكَافِرَ أَقَلُّهَا لِمُدَّةِ إقَامَتِهِ بِدَارِنَا وَخَرَجَ بِفَسَادِ الْعَقْدِ مَا إذَا بَطَلَ بِأَنْ عَقَدَهُ الْآحَادُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ وُجُوبِ) الْأَوْلَى حَذْفُ وُجُوبٍ وَيَقُولُ وَشَرَائِطُ صِحَّةِ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا إلَخْ وَقَوْلُهُ: ضَرْبُ أَيْ عَقْدُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ وَلِيِّهِمَا) مِنْ بِمَعْنَى مَعَ لِيُنَاسِبَ مَا قَبْلَهُ أَيْ وَلَا مَعَ وَلِيِّهِمَا أَيْ لَهُمَا لَا لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا) أَيْ وَلَوْ عُقِدَتْ لَهُمَا وَهَذَا فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ إذْ لَا جِزْيَةَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْجُنُونُ بَعْدَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ) هَذَا مَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَفِي نُسْخَةٍ وَيَوْمَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فَالْأَصَحُّ تَلْفِيقُ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر فَالْأَصَحُّ تَلْفِيقُ الْإِفَاقَةِ إنْ أَمْكَنَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَيَّامُ الْإِفَاقَةِ سَنَةً وَجَبَتْ الْجِزْيَةُ لِسُكْنَاهُ سَنَةً بِدَارِنَا وَهُوَ كَامِلٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْجُنُونِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ الْمُتَّجَهُ. وَكَذَا لَوْ قُلْت: بِحَيْثُ لَا يُقَابَلُ مَجْمُوعُهَا بِأُجْرَةٍ، وَطُرُوُّ الْجُنُونِ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ كَطُرُوِّ الْمَوْتِ اهـ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَوْ قَلَّتْ مُدَّةُ الْإِفَاقَةِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَلْفِيقُهَا أَوْ لَا تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَلَا تَلْزَمُهُ الْجِزْيَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ أَيْ فَإِنْ قُوبِلَتْ بِأُجْرَةٍ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطِهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا جِزْيَةَ) أَيْ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا فَالْوَاوُ لِلتَّعْلِيلِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ خِطَابٌ لِلذُّكُورِ) اللَّامُ بِمَعْنَى أَيْ فِي أَيِّ خِطَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ مِنْ الْكُفَّارِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] وَقَوْلُهُ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] خَاصَّانِ بِالذُّكُورِ.

قَوْلُهُ: (الْأَجْنَادِ) أَيْ الْجُيُوشِ جَمْعُ جُنْدٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ عُقِدَتْ لَهُ الْجِزْيَةُ) أَيْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَوْصَافِ كَأَنْ يَقُولَ: عَلَى الْغَنِيِّ كَذَا وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ كَذَا فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: كَيْفَ تُعْقَدُ لَهُ الْجِزْيَةُ مَعَ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ حَالَ خُنُوثَتِهِ وَصَوَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا عُقِدَتْ لَهُ حَالَ خُنُوثَتِهِ فَإِذَا اتَّضَحَ تَبَيَّنَ صِحَّةُ الْعَقْدِ عَمَلًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ سم. بِالْمَعْنَى فَأَفَادَ الشَّارِحُ بِهَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا لَهُ فَلَوْ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ

ص: 276

بِخِلَافِ مَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى لِعَدَمِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ، وَالْخُنْثَى كَذَلِكَ إذَا بَانَتْ ذُكُورَتُهُ وَلَمْ تُعْقَدْ الْجِزْيَةُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ صَحَّحَ الْأَخْذَ مِنْهُ وَمَنْ صَحَّحَ عَدَمَهُ.

(وَ) الْخَامِسَةُ (أَنْ يَكُونَ) الْمَعْقُودُ مَعَهُ (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الَّذِينَ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولُهُمْ فِي ذَلِكَ الدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ لِأَصْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: 29] إلَى أَنْ قَالَ: {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] . (أَوْ مِمَّنْ لَهُ شُبْهَةُ كِتَابٍ) كَالْمَجُوسِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا مِنْهُمْ وَقَالَ: «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» وَلِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ وَكَذَا تُعْقَدُ لِأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ لِدِينِهِ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ. وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبْدَلَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا مُنَاكَحَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمِيتَاتِ وَالْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ وَتُعْقَدُ أَيْضًا لِمَنْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِ تَهَوُّدِهِ أَوْ تَنَصُّرِهِ فَلَمْ نَعْرِفْ أَدَخَلُوا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ كَالْمَجُوسِ وَبِذَلِكَ حَكَمَتْ الصَّحَابَةُ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ، وَأَمَّا الصَّابِئَةُ وَالسَّامِرَةُ فَتُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ إنْ لَمْ تُكَفِّرْهُمْ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَلَمْ يُخَالِفُوهُمْ فِي أُصُولِ دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَدُ لَهُمْ وَكَذَا تُعْقَدُ لَهُمْ لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ وَتُعْقَدُ لِزَاعِمِ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ، وَصُحُفِ شِيثٍ وَهُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ. وَزَبُورِ دَاوُد لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ صُحُفًا فَقَالَ:

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْجِزْيَةُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَحَرْبِيٍّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (طَالَبْنَاهُ بِجِزْيَةِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ) : أَيْ وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا فِي زَمَنِ الْخُنُوثَةِ لَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا دَفَعَهَا عَلَى صُورَةِ الْهِبَةِ ح ل فَلَوْ طَلَبَ الْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ أَعْلَمَهُمَا الْإِمَامُ بِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ رَغِبَا فِي بَذْلِهَا فَهِيَ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: إنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا هِبَةٌ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ الشَّامِلِ لِلْهَدِيَّةِ فَلَا تَحْتَاجُ لِقَبُولٍ فَحَرِّرْ ذَلِكَ. وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَّضِحِ وَإِنْ عُقِدَتْ لَهُ كَمَا قَالَهُ ق ل. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْلَمْ دُخُولَهُمْ) أَيْ دُخُولَ أَوَّلِ آبَائِهِمْ أَيْ أَوَّلِ جَدٍّ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ بِأَنْ عَلِمَ دُخُولَهُمْ فِيهِ قَبْلَ نَسْخِهِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ هَذَا إنْ كَانَ إسْرَائِيلِيًّا وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُشْتَرَطُ دُخُولُهُ فِيهِ قَبْلَ النَّسْخِ فَيَضُرُّ الشَّكُّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِسْرَائِيلِيَّ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَصْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ) أَيْ لِوُجُودِ أَصْلٍ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ الْأَصْلُ: هُوَ الْكِتَابُ فَإِنَّهُ قَالَ: لِوُجُودِ الْكِتَابِ. فَإِضَافَةُ أَصْلٍ لِأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِضَرْبِ الْجِزْيَةِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ اهـ.

قَوْلُهُ: (كَالْمَجُوسِ) فَإِنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ نَبِيٌّ يُقَالُ لَهُ زَرَادُشْتُ وَكَانَ لَهُ كِتَابٌ فَلَمَّا بَدَّلُوهُ رُفِعَ. وَمَعْنَى كَوْنِهِمْ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا بَاقِيًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. زَرَادُشْتُ بِفَتْحِ الزَّايِ فَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ فَدَالٌ مَضْمُومَةٌ مُهْمَلَةٌ فَشِينٌ سَاكِنَةٌ مُعْجَمَةٌ فَتَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا تُعْقَدُ إلَخْ) هَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنْ أُتِيَ بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ) رَاجِعٌ لِلْمَجُوسِ أَيْ إنَّ الْمَجُوسَ تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ وَيُصْبِحُ رُجُوعُهُ لِقَوْلِهِ: وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبَدَّلَ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمِيتَاتِ) جَمْعُ مَيِّتٍ.

قَوْلُهُ: (لِمَنْ شَكَكْنَا) أَيْ لِأَوْلَادِ مَنْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِ تَهَوُّدِهِ أَوْ تَنَصُّرِهِ أَيْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا عَلِمْنَا تَمَسُّكَ الْجَدِّ بِالدِّينِ بَعْدَ نَسْخِهِ. كَمَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بِعْثَةِ عِيسَى عليه السلام فَلَا تُعْقَدُ الْجِزْيَةُ لِفَرْعِهِ لِتَمَسُّكِهِ بِدِينٍ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ نَعَمْ يَجُوزُ عَقْدُ الْأَمَان لَهُمْ لِأَنَّ بَابَ الْأَمَانِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (وَبِذَلِكَ) أَيْ بِصِحَّةِ عَقْدِهَا.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الصَّابِئَةُ) الصَّابِئَةُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّصَارَى نِسْبَةً إلَى صَابِئٍ عَمِّ نُوحٍ وَالسَّامِرَةُ فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ نِسْبَةً لِلسَّامِرِيِّ عَابِدِ الْعِجْلِ وَهُوَ الَّذِي صَنَعَهُ.

قَوْلُهُ: (فِي أُصُولِ دِينِهِمْ) وَهِيَ مُوسَى وَالتَّوْرَاةُ وَعِيسَى وَالْإِنْجِيلُ وَإِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْفُرُوعِ فَأَصْلُ دِينِ كُلِّ أُمَّةٍ نَبِيُّهَا وَكِتَابُهَا.

قَوْلُهُ: (لَوْ أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ) أَيْ لَمْ نَعْلَمْ هَلْ كَفَّرَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَوْ لَا.

قَوْلُهُ: (بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ) وَهِيَ عَشَرَةٌ: وَصُحُفِ شِيثٍ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ خَمْسُونَ، وَكَذَا تُعْقَدُ لِمُتَمَسِّكٍ بِصُحُفِ إدْرِيسَ وَهِيَ عَشَرَةٌ. وَسَكَتَ عَنْ صُحُفِ مُوسَى وَهِيَ

ص: 277

{صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 19] وَقَالَ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] .

وَتُسَمَّى كُتُبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البقرة: 101] وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ وَتُحَرَّمُ ذَبِيحَتُهُ وَمُنَاكَحَتُهُ احْتِيَاطًا وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شُبْهَةُ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالشَّمْسِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ كَمَنْ يَقُولُ: إنَّ الْفُلْكَ حَيٌّ نَاطِقٌ وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ آلِهَةٌ فَلَا يُقِرُّونَ بِالْجِزْيَةِ وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ. وَإِنْ بَذَلَهَا عُقِدَتْ لَهُ، وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَى زَمِنٍ وَشَيْخٍ وَهَرَمٍ وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ لِأَنَّهَا كَأُجْرَةِ الدَّارِ وَعَلَى فَقِيرٍ عَجَزَ عَنْ كَسْبٍ فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ وَكَذَا حُكْمُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَالُ بِقَوْلِهِ: (وَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ فِي كُلِّ حَوْلٍ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» وَهُوَ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَشَرَةٌ قَبْلَ التَّوْرَاةِ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ) أَيْ سَوَاءٌ اخْتَارَ دِينَ الْكِتَابِ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا أَمَّا إذَا اخْتَارَ دِينَ الْوَثَنِيِّ فَلَا تُعْقَدُ لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ) أَيْ مَنْ ذَكَرَ مِمَّنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ وَمِثْلُهُ زَاعِمٌ التَّمَسُّكَ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ أَوْ صُحُفِ شِيثٍ أَوْ الزَّبُورِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ) أَيْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى الْأَوْصَافِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ طَلَبٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْعَقْدَ وَلَمْ يَتْبَعْ عَقْدَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا تَبَعًا لِأَبِيهِ. وَمِثْلُ الْبُلُوغِ الْإِفَاقَةُ مِنْ الْجُنُونِ فَهُوَ كَذَلِكَ فِي التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَذَلَهَا) أَيْ امْتَثَلَ بَذْلَهَا بِأَنْ الْتَزَمَهَا.

قَوْلُهُ: (وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا) مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ أَمَّا إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَوَاجِبَةٌ جَزْمًا.

قَوْلُهُ: (وَرَاهِبٌ) أَيْ عَابِدٌ.

قَوْلُهُ: (فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ الرَّابِعُ. قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى دِينَارٍ وَلَوْ لِغَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْمُمَاكَسَةُ سُنَّةً بِأَنْ احْتَمَلَ أَنْ يُجِيبُوهُ فِي دَعْوَى التَّوَسُّطِ أَوْ الْغِنَى وَأَنْ لَا يُجِيبُوهُ فَيَجُوزُ تَرْكُ الْمُمَاكَسَةِ وَيَعْقِدُ بِدِينَارٍ وَيُصَدِّقُهُمْ فِي دَعْوَى الْفَقْرِ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُمَاكَسَةُ وَاجِبَةً بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يُجِيبُونَهُ فِي دَعْوَى الْغِنَى أَوْ التَّوَسُّطِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْمُمَاكَسَةِ وَيَعْقِدُ بِدِينَارٍ وَيُصَدِّقُهُمْ فِي دَعْوَى الْفَقْرِ لِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْعَقْدُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِدُونِهِ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ إجَابَتِهِمْ لِمَا ذُكِرَ كَانَتْ الْمُمَاكَسَةُ مُبَاحَةً، وَالدِّينَارُ هُوَ الْمَضْرُوبُ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ فَلَا يَجُوزُ لَنَا الْعَقْدُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ سَاوَاهُ وَيَجُوزُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَخْذُ غَيْرِهِ عَنْهُ عِوَضًا بِقِيمَتِهِ وَلَوْ مَغْشُوشًا غَيْرَ رَابِحٍ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ زِيَادَةٍ مِنْهُمْ عَلَى مَا عَقَدَ عَلَيْهِ إلَّا بِنَحْوِ عَقْدٍ كَهِبَةٍ كَمَا فِي ق ل. عَلَى الْجَلَالِ وَفِي ع ش عَلَى م ر. وَالْمُرَادُ بِالدِّينَارِ الْمِثْقَالُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ يُسَاوِي الْآنَ نَحْوَ تِسْعِينَ نِصْفٍ فِضَّةً وَأَكْثَرَ وَهَذَا بِالنَّظَرِ لِمَا كَانَ وَالدِّينَارُ الْمُتَعَامَلُ بِهِ الْآنَ يَنْقُصُ زِنَتُهُ عَنْ الْمِثْقَالِ الشَّرْعِيِّ رُبُعًا وَالْعِبْرَةُ بِالْمِثْقَالِ الشَّرْعِيِّ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ) أَيْ مُحْتَلِمٍ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَرَادَ بِالْحَالِمِ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّجَالِ احْتَلَمَ أَوْ لَا اهـ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَأَوَّلَ بِذَلِكَ لِيَشْمَلَ مَنْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَإِنْ لَمْ يَرَ مَنِيًّا وَأَمَّا الْبُلُوغُ بِالِاحْتِلَامِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ إمْكَانُهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ بِالْفِعْلِ كَمَا أَشَارَ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ: وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرَّجُلِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ عَدْلَهُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا م ر أَيْ بَدَلَهُ وَاقْتَصَرَ ق ل. عَلَى الْفَتْحِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَعَافِرِ) قِيلَ هُوَ مُفْرَدٌ عَلَى صُورَةِ الْجَمْعِ. كَحَضَاجِرَ وَبَلَادِرَ وَقِيلَ: جَمْعُ مَعْفَرٍ كَمَقَاعِدَ جَمْعُ مَقْعَدٍ، وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ مَعَافِرُ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنْ الْيَمَنِ ثُمَّ سُمِّيَتْ الْقَبِيلَةُ بِهِ ثُمَّ سُمِّيَتْ الثِّيَابُ بِاسْمِ مَنْ يَنْسِجُهَا، مِنْ هَؤُلَاءِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِيَّةِ نِسْبَةً لِمَعَافِرَ وَعِبَارَةُ أج: مِنْ الْمَغَافِرِ بِالْغِينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ حَيُّ مِنْ هَمْدَانَ لَا يَنْصَرِفُ فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ لِأَنَّهُ جَاءَ عَلَى مِثَالِ مَا لَا يَنْصَرِفُ مِنْ الْجَمْعِ. وَإِلَيْهِمْ تُنْسَبُ الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ.

تَقُولُ: ثَوْبٌ مَعَافِرِيٌّ فَتَصْرِفُهُ لِأَنَّك أَدْخَلْت عَلَيْهِ يَاءَ النِّسْبَةِ وَلَمْ تَكُنْ فِي الْوَاحِدِ. اهـ. ابْنُ شَرَفٍ عَلَى

ص: 278

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، أَوْ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَبِهِ أَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ، وَعَلَيْهِ إذَا عَقَدَهَا بِهِ جَازَ أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَقْدُهَا بِمَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ لِأَنَّ قِيمَتَهُ قَدْ تَنْقُصُ عَنْهُ آخِرَ الْمُدَّةِ وَمَحَلُّ كَوْنِ أَقَلِّهَا دِينَارًا عِنْدَ قُوَّتِنَا. وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْدُهَا بِأَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ. نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَعَلُّقُ الْوُجُوبِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ.

وَقَالَ الْقَفَّالُ: اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ أَوْ تَجِبُ بِانْقِضَائِهِ وَبَنَى عَلَيْهِمَا إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ هَلْ تَسْقُطُ، فَإِنْ قُلْنَا: بِالْعَقْدِ لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا سَقَطَتْ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْإِسْرَارِ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الْجِزْيَةِ، وَيَنْدُبُ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةُ الْكَافِرِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ حَتَّى تَزِيدَ عَلَى دِينَارٍ (وَ) عَلَى هَذَا (يُؤْخَذُ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَانِ وَمِنْ الْمُوسِرِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ) وَمِنْ الْفَقِيرِ دِينَارًا (اسْتِحْبَابًا) اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

وَلِأَنَّ الْإِمَامَ مُتَصَرِّفٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَاطَ لَهُمْ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْقِدَ بِدُونِهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ. تَنْبِيهٌ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَأَمَّا إذَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ. كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

التَّحْرِيرِ اهـ.

قَوْلُهُ: (إنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ) أَيْ فَلَا تُعْقَدُ إلَّا بِهِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ الْمَذْهَبِ) كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ اسْمُ كِتَابٍ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) أَيْ قَوْلُهُ: فِي كُلِّ حَوْلٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ حَوْلٌ إلَّا بِتَمَامِهِ.

قَوْلُهُ: (تَجِبُ بِالْعَقْدِ) مُعْتَمَدٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ تَسْقُطْ) بَلْ يُؤْخَذُ الْقِسْطُ مِنْ التَّرِكَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.

قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةُ الْكَافِرِ) أَيْ غَيْرِ الْفَقِيرِ، وَالْمُمَاكَسَةُ طَلَبُ زِيَادَةٍ عَلَى الدِّينَارِ. وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ إجَابَتَهُمْ بِالْأَكْثَرِ مِنْ دِينَارٍ وَلَا عَدَمَهَا فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ لِلْعَقْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ وَجَبَتْ الْمُمَاكَسَةُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدُ اهـ.

وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عِنْدَ قُوَّتِنَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مُمَاكَسَةٌ أَيْ طَلَبُ زِيَادَةٍ عَلَى دِينَارٍ مِنْ رَشِيدٍ وَلَوْ وَكِيلًا حِينَ الْعَقْدِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ أَقَلَّهَا دِينَارٌ حَتَّى يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ كَدِينَارَيْنِ مُتَوَسِّطٍ لِمُتَوَسِّطٍ وَأَرْبَعَةٍ لِغَنِيٍّ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهَا إلَّا كَذَلِكَ أَيْ بِأَرْبَعَةٍ فِي الْغَنِيِّ وَدِينَارَيْنِ فِي الْمُتَوَسِّطِ. بَلْ حَيْثُ أَمْكَنَتْهُ الزِّيَادَةُ بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ عَلَيْهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَالْمُمَاكَسَةُ تَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَحَيْثُ عَقَدَ عَلَى شَيْءٍ امْتَنَعَ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْأَخْذِ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ كَصِفَةِ الْغَنِيِّ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ وَحِينَئِذٍ فَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مُمَاكَسَتُهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ مُتَوَسِّطٍ آخِرَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ: مَا لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ دِينَارَيْنِ فَأَكْثَرَ وَمِنْ كُلِّ غَنِيٍّ كَذَلِكَ أَرْبَعَةً مِنْ الدَّنَانِيرِ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا يُؤْخَذُ إلَخْ) : الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ الْآتِي هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْعَقْد أَنْ يَقُولَ: وَعَلَى هَذَا يَعْقِدُ لِلْمُتَوَسِّطِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُتَوَسِّطِ) الْمُرَادُ بِالْمُتَوَسِّطِ وَبِالْمُوسِرِ مَا فِي الْعَاقِلَةِ ز ي وَهُوَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ كِفَايَتِهِ آخِرَ السَّنَةِ عِشْرُونَ دِينَارًا وَكَذَا الْمُتَوَسِّطُ وَهُوَ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ كِفَايَتِهِ الْعُمْرَ الْغَالِبَ دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا وَفَوْقَ رُبُعِ دِينَارٍ. اهـ. وَهَذَا أَعْنِي مَا قَالَهُ زي: هُوَ الْمُقَرَّرُ عَنْ الْمَشَايِخِ وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِ م ر خِلَافُهُ. وَهُوَ أَنَّهُ عَنَى النَّفَقَةَ وَنَقَلَ الْأَوَّلَ: عَنْ م ر فِي غَيْرِ شَرْحِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَالْأَوْجَهُ: ضَبْطُ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ بِأَنَّهُ هُنَا وَفِي الضِّيَافَةِ كَالنَّفَقَةِ بِأَنْ يَزِيدَ دَخْلُهُ عَلَى خَرْجِهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا بِالْعَاقِلَةِ إذْ لَا مُوَاسَاةَ هُنَا وَلَا بِالْعُرْفِ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ س ل وَالْقَوْلُ: قَوْلُ مُدَّعِي التَّوَسُّطِ وَالْفَقْرِ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ أَوْ عَهِدَ لَهُ مَالٌ وَكَذَا مَنْ غَابَ وَأَسْلَمَ ثُمَّ حَضَرَ وَقَالَ: أَسْلَمْت مِنْ وَقْتِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ.

قَوْلُهُ: (اسْتِحْبَابًا) رَاجِعٌ لِلْمُتَوَسِّطِ وَالْغَنِيِّ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْقِدَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ لِلْأَكْثَرِ مِنْ دِينَارٍ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ نَدْبُ الْمُمَاكَسَةِ وَهَذَا إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ أَمَّا إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ فَالْمُمَاكَسَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْأَخْذِ مَعًا. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْإِمَامَ تَارَةً

ص: 279

فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَلَوْ عُقِدَتْ الْجِزْيَةُ لِلْكُفَّارِ، بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ ثُمَّ عَلِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ عَلِمَ الْغَبْنَ. فَإِنْ أَبَوْا بَذْلَ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَانُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ. كَمَا لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ أَصْلِ الْجِزْيَةِ. وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ أَوْ نَبَذَ الْعَهْدَ أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ وَلَهُ وَارِثٌ مُسْتَغْرِقٌ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ مِنْهُ فِي الْأُولَتَيْنِ وَمِنْهُ: تَرِكَتُهُ فِي الثَّالِثَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ كَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ. أَمَّا إذَا لَمْ يَخْلُفْ وَارِثًا فَتَرِكَتُهُ فَيْءٌ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ نَبَذَ الْعَهْدَ أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِ سَنَةٍ. فَقِسْطٌ لِمَا مَضَى كَالْأُجْرَةِ.

(وَيَجُوزُ) كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَالرَّاجِحُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ (أَنْ يَشْتَرِطَ) بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى غَيْرِ فَقِيرٍ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ مُتَوَسِّطٍ فِي الْعَقْدِ بِرِضَاهُمْ (الضِّيَافَةَ) أَيْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَّا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ، فَإِنَّهَا تَتَكَرَّرُ فَلَا تَتَيَسَّرُ لَهُ (فَضْلًا) أَيْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَعْقِدُ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَلَهُ الْمُمَاكَسَةُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَطْ بِأَنْ يَقُولَ الْكَافِرُ: أَنَا فَقِيرٌ اعْقِدْ لِي بِدِينَارٍ فَيَقُولُ الْإِمَامُ لَهُ: أَنْتَ غَنِيٌّ أَوْ مُتَوَسِّطٌ مَثَلًا فَيُمَاكِسُهُ حَتَّى يَعْقِدَ لَهُ بِدِينَارَيْنِ إنْ اتَّفَقَا عَلَى التَّوَسُّطِ أَوْ بِأَرْبَعَةٍ إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْغِنَى وَمَتَى عَقَدَ بِشَيْءٍ لَزِمَ وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ الْكَافِرُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي عَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا أَوْ لَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمُمَاكَسَةُ إنْ كَانَتْ سُنَّةً جَازَ تَرْكُهَا وَتَصْدِيقُ الْكَافِرِ فِي دَعْوَى الْفَقْرِ وَيَعْقِدُ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا فَلَوْ تَرَكَهَا وَعَقَدَ بِدُونِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ الدِّينَارَيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَأَمَّا: إذَا عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَاكِسَ عِنْدَ الْعَقْدِ بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: جَعَلْت عَلَى الْغَنِيِّ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْجِهَةِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَالْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ فَيَقُولُونَ لَهُ: الْجِهَةُ الْمَذْكُورَةُ كُلُّهَا فُقَرَاءُ اجْعَلْ عَلَيْهَا دِينَارًا وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يُمَاكِسَ عِنْدَ الْأَخْذِ بِأَنْ يَدْفَعَ لَهُ الْكَافِرُ دِينَارًا وَيَقُولَ: أَنَا مِنْ الْفُقَرَاءِ فَيَقُولُ لَهُ: أَنْتَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ مَثَلًا وَفِي الْحَالَتَيْنِ أَيْ الْمُمَاكَسَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الْأَخْذِ إنْ كَانَتْ سُنَّةً جَازَ تَرْكُهَا وَيَعْقِدُ فِي الْأَوَّلِ بِدِينَارٍ وَعِنْدَ الْأَخْذِ يَتْرُكُهَا وَيَأْخُذُ دِينَارًا أَيْضًا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهَا وَالْعَقْدُ بِدِينَارٍ وَلَا تَرْكُهَا عِنْدَ الْأَخْذِ وَأَخْذُ دِينَارٍ.

قَوْلُهُ: (كَانُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ) : فَإِذَا عَادُوا وَطَلَبُوا عَقْدَهَا بِدِينَارٍ أَجَابَهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ أَيْضًا لَكِنَّ الْإِمَامَ، أَوْ نَائِبَهُ، يُضَارِبُ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ الْجِزْيَةِ اهـ قَالَ الشَّيْخُ م ر فِي شَرْحِهِ: وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ أَوْ سَفَهٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ اهـ وَكَذَا قَوْلُهُ: بِفَلَسٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ يَصِحُّ عَقْدُ الْجِزْيَةِ لَهُ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ شُرُوطِ الْمَعْقُودِ لَهُ عَدَمَ الْحَجْرِ فَطُرُّوهُ لَا يُبْطِلُهَا، وَحِينَئِذٍ يُوجِبُ الْقِسْطَ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْقُطُ الْبَاقِي مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ كَمَا فِي دل شَرْحِ م ر وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، أَوْ أَسْلَمَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِ سَنَةٍ فَقِسْطٌ لِمَا مَضَى وَاجِبٌ فِي مَالِهِ أَوْ تَرِكَتِهِ كَالْأُجْرَةِ: وَالْقَوْلُ فِي وَقْتِ إسْلَامِهِ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إذَا حَضَرَ وَادَّعَاهُ فَلَمْ يَذْكُرْ الْحَجْرَ بِقِسْمَيْهِ.

فَإِنْ عَقَدَ رَشِيدٌ بِأَكْثَرَ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ اُتُّجِهَ لُزُومُ مَا عَقَدَ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ سُفِّهَ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْأَكْثَرُ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَاتَ) أَوْ جُنَّ وَلَا تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. اهـ. عَزِيزِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بَعْدَ سِنِينَ) رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ وَارِثٌ مُسْتَغْرِقٌ) يَرْجِعُ لِمَاتَ فَقَطْ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ أَخَذَ مِنْ نَصِيبِهِ قِسْطَهُ كَأَنْ خَلَفَ بِنْتًا فَتَدْفَعُ نِصْفَ الْجِزْيَةِ م ر فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ: (أُخِذَتْ جِزْيَتَهُنَّ) أَيْ السِّنِينَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَاتَ فِي خِلَالِ) أَيْ أَثْنَاءِ.

قَوْلُهُ: (فَقِسْطٌ) بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا بِالْعَقْدِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ إلَخْ) كَلَامٌ مُجْمَلٌ. حَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ احْتَمَلَ أَنْ يُوَافِقُوهُ عَلَى شَرْطِ الضِّيَافَةِ وَأَنْ لَا يُوَافِقُوهُ كَأَنْ شَرَطَهَا سَنَةً وَإِنْ عَلِمَ أَنْ يُوَافِقُوهُ أَوْ ظَنَّ وَجَبَ شَرْطُهَا. فَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ إجَابَتِهِمْ كَانَ الشَّرْطُ مُبَاحًا وَكُلُّ هَذَا عِنْدَ رِضَاهُمْ وَطِيبِ نَفْسِهِمْ وَإِلَّا حَرُمَ شَرْطُ الضِّيَافَةِ.

وَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ قَبُولِهِمْ كَقَبُولِ الْجِزْيَةِ اهـ. م ر سم عَلَى حَجّ. قَوْلُهُ: (الضِّيَافَةُ) وَلَوْ صُولِحُوا عَلَى تَرْكِ الضِّيَافَةِ بِمَالٍ فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ لَا لِلطَّارِقِينَ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ) بِحَيْثُ يُسَمَّى مُسَافِرًا وَلَيْسَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَإِنْ كَانَ الْمَارُّ غَنِيًّا مُجَاهِدًا وَيُتَّجَهُ عَدَمُ دُخُولِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الرُّخَصِ. اهـ قَالَ ع ش عَلَيْهِ فَمَا أَخَذَهُ الْمُسَافِرُ الْمَذْكُورُ، لَا يُحْسَبُ مِمَّا شُرِطَ عَلَيْهِمْ بَلْ الْحَقُّ بَاقٍ فِي جَنْبِهِمْ يُطَالِبُونَ بِهِ وَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ فَلَوْ

ص: 280

فَاضِلًا (عَنْ مِقْدَارِ الْجِزْيَةِ) لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْجِزْيَةُ عَلَى التَّمْلِيكِ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ.

وَيَذْكُرُ عَدَدَ ضِيفَانِ رَجْلًا وَخَيْلًا لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ وَأَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، بِأَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَوْ عَلَى الْمَجْمُوعِ كَأَنْ يَقُولَ: وَتُضِيفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ مُسْلِمٍ. وَهُمْ يَتَوَزَّعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَوْ يَتَحَمَّلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَيَذْكُرُ مَنْزِلَهُمْ كَكَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ وَجِنْسِ طَعَامٍ. وَأُدْمٍ وَقَدْرَهُمْ لِكُلٍّ مِنَّا وَيَذْكُرُ الْعَلَفَ لِلدَّوَابِّ وَلَا يَشْتَرِطُ ذِكْرَ جِنْسِهِ وَلَا قَدْرَهُ وَيُحْمَلُ عَلَى تِبْنٍ وَنَحْوِهِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ إلَّا الشَّعِيرَ وَنَحْوَهُ كَالْفُولِ، إنْ ذَكَرَهُ فَيُقَدِّرُهُ وَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ دَوَابُّ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا مِنْهَا لَمْ يَعْلِفْ لَهُ إلَّا وَاحِدَةً عَلَى النَّصِّ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ وَعَلَى ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» وَرَوَى الشَّيْخَانِ: «خَيْرُ الضِّيَافَةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ» وَلْيَكُنْ الْمَنْزِلُ بِحَيْثُ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ.

وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ الْعَاقِدُ وَشَرَطَ فِيهِ كَوْنَهُ إمَامًا فَيَعْقِدُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ. فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ. لَكِنْ لَا يُغْتَالُ الْمَعْقُودُ لَهُ بَلْ يَبْلُغُ مَأْمَنَهُ وَعَلَيْهِ إجَابَتُهُمْ إذَا طَلَبُوا وَأَمِنَ إذَا لَمْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ أَحَدٌ لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ عُبَابٌ وَقَالَ م ر: وَلَا يُطَالِبُهُمْ بِعِوَضٍ إنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ ضَيْفٌ اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل. عَلَى الْجَلَالِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِهِمْ ضِيفَانٌ لَمْ يَلْزَمْهُمْ بَذْلُ الضِّيَافَةِ إلَّا إنْ شُرِطَ عَدَدٌ مَثَلًا فِي يَوْمٍ وَفَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمُ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْعَدَدِ اهـ.

قَوْلُهُ: (مِنَّا) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ قَيْدٌ لِلنَّدْبِ لَا لِلْجَوَازِ وَيَجُوزُ شَرْطُ ضِيَافَةِ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ مِنْ الذِّمِّيِّينَ. وَيَحْمِلُ إطْلَاقَ الْمَارِّ عَلَى الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا بِدِيَارِهِمْ أَوْ عَكْسَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ بِدَارِنَا أَوْ دَارِهِمْ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (أَيْ فَاضِلًا) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: فَاضِلَةً أَيْ زَائِدَةً لِأَنَّهُ حَالٌ مِنْ الضِّيَافَةِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَالْحَالُ وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا.

قَوْلُهُ: (وَيَجْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ كَمَا فِي ح ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر فَإِنْ شَرَطَ فَوْقَهَا مَعَ رِضَاهُمْ جَازَ. وَيَشْتَرِطُ تَزْوِيدَ الضَّيْفِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَوْ امْتَنَعَ قَلِيلٌ مِنْهُمْ مِنْ الضِّيَافَةِ أُجْبِرُوا أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فَنَاقِضُونَ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَيَذْكُرُ عَدَدَ ضِيفَانٍ) أَيْ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ ح ل وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَيَذْكُرُ أَيْ وُجُوبًا اهـ وَعَلَيْهِ فَيُقْرَأُ لَفْظُ يَذْكُرُ بِالرَّفْعِ.

قَوْلُهُ: (رَجْلًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ كَمَا ضَبَطَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الرَّاجِلُ ضِدُّ الْفَارِسِ وَالْجَمْعُ رَجْلٌ كَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَرَجَّالَةٌ وَرُجَّالٌ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ فِيهِمَا. اهـ فَقَوْلُهُ: رَجْلًا أَيْ مُشَاةً وَقَوْلُهُ وَخَيْلًا أَيْ فُرْسَانًا.

قَوْلُهُ: (وَتُضِيفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ) هَذَا الْمِثَالُ لِقَوْلِهِ: أَوْ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَمِثَالُ قَوْلِهِ: عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ كَأَنْ يَقُولَ: أَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى الْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَعَلَيْهِ ضِيَافَةُ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ مَثَلًا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْمُشَاةِ كَذَا وَالرُّكْبَانِ كَذَا. اهـ. ز ي.

قَوْلُهُ: (وَيَذْكُرُ مَنْزِلَهُمْ) وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِمْ رَفْعَ بَابِهِ لِيَدْخُلَ الْفَارِسُ رَاكِبًا مَثَلًا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَجِنْسُ طَعَامٍ) وَمِنْهُ الْفَاكِهَةُ وَالْحَلْوَى وَنَحْوُهُمَا فِي كُلِّ زَمَانٍ عَلَى الْعَادَةِ وَيُلْزِمُهُمْ أُجْرَةَ طَبِيبٍ وَثَمَنَ دَوَاءٍ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ الضِّيَافَةِ.

قَوْلُهُ: (أَيْلَةَ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ فَلَامٌ مَفْتُوحَةٌ الْعَقَبَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ مَنَازِلِ الْحَجِّ الْمِصْرِيِّ وَهِيَ الْمُرَادُ مِنْ الْقَرْيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] الْآيَةَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ بَلْدَةٌ بِالشَّامِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ مَكَّةَ وَمِصْرَ وَأَمَّا إيلِيَاءُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَاللَّامِ وَبَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ يَاءٌ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ فَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ (عَلَى ثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ) يَقْتَضِي أَنَّهُمْ فُقَرَاءُ وَشَرْطُ الضِّيَافَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَقْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ غَيْرُ فُقَرَاءَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْعَقْدُ مَعَهُمْ إلَّا بِدِينَارٍ. قَوْلُهُ: (وَلْيَكُنْ الْمَنْزِلُ) هَذَا لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عَقْدُهَا مِنْ غَيْرِهِ) وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَعْقُودِ لَهُ وَإِنْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَغْوٌ سم وَشَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (لَا يُغْتَالُ) أَيْ لَا يُخْدَعُ وَيُقْتَلُ وَيَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ الْإِمَامُ لَا يَغْتَالُ الْمَعْقُودَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْآحَادِ.

قَوْلُهُ: (بَلْ يَبْلُغُ مَأْمَنَهُ) أَيْ مَحَلًّا يَأْمَنُ فِيهِ مِنَّا وَهُوَ دَارُ الْحَرْبِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ أَيْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِعَقْدِ الْجِزْيَةِ.

قَوْلُهُ: (وَأَمِنَ) أَيْ مَكْرَهُمْ وَقَوْلُهُ: إذْ لَمْ يَخَفْ عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بِأَنْ لَمْ يَخَفْ غَائِلَتَهُمْ إلَخْ. فَهُوَ بَيَانٌ لِأَمْنِ الْمَكْرِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ

ص: 281

يَخَفْ غَائِلَتَهُمْ وَمَكِيدَتَهُمْ، فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ جَاسُوسًا يَخَافُ شَرَّهُمْ لَمْ يُجِبْهُمْ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْأَلْهُمْ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ» وَيُسْتَثْنَى الْأَسِيرُ إذَا طَلَبَ عَقْدَهَا فَلَا يَجِبُ تَقْرِيرُهُ بِهَا.

وَالرُّكْنُ الْخَامِسُ: الْمَكَانُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ قَبُولُهُ لِلتَّقْرِيرِ فِيهِ فَيُمْنَعُ كَافِرٌ وَلَوْ ذِمِّيًّا إقَامَةً بِالْحِجَازِ وَهُوَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ، وَطُرُقُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الشَّارِحُ: بِأَنْ لَمْ يَخَفْ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَمَكِيدَتَهُمْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّ الْمَكِيدَةَ هِيَ الْأَمْرُ الْخَفِيُّ الَّذِي لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَيْهِ. اهـ. ز ي وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْعَائِلَةَ الْأَذَى الظَّاهِرُ. وَالْمَكِيدَةَ الْأَذَى الْخَفِيُّ وَعَلَيْهِ فَالْعَطْفُ مُغَايِرٌ.

قَوْلُهُ: (شَرَّهُمْ) الْمُنَاسِبُ شَرَّهُ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ يَخَافُ شَرَّهُ وَهِيَ أَظْهَرُ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَالنَّامُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ، وَالْجَاسُوسُ هُوَ الَّذِي يَتَجَسَّسُ الْأَمَاكِنَ الْمَخُوفَةَ. قَوْلُهُ:(لَمْ يُجِبْهُمْ) هَلْ الْمُرَادُ لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُمْ أَوْ لَمْ تَجُزْ يَنْبَغِي الثَّانِي عِنْدَ ظَنِّ الضَّرَرِ لِلْمُسْلِمِينَ سم.

قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَنَّ السُّلْطَانَ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ هُمْ) هُمْ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَإِنْ أَبَوْا فَلَمَّا حُذِفَ الْفِعْلُ انْفَصَلَ الضَّمِيرُ وَهُوَ الْوَاوُ وَإِنَّمَا كَانَتْ فَاعِلًا لِأَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَا يَلِيهَا إلَّا الْأَفْعَالُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] فَإِنَّ السَّمَاءَ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ إذَا انْشَقَّتْ السَّمَاءُ انْشَقَّتْ، وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بَدَلًا مِنْ الْأُولَى أَوْ تَأْكِيدًا لَهَا تَأْكِيدًا لَفْظِيًّا.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبُ تَقْرِيرُهُ بِهَا) بَلْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ وَعَقْدُ الْجِزْيَةِ يُبْطِلُ التَّخْيِيرَ. لَكِنْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ غَيْرَ الْقَتْلِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (الْمَكَانُ إلَخْ) الْمَكَانُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا الْحَرَمُ فَلَا يَدْخُلُهُ كَافِرٌ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ مُؤَمَّنًا. ثَانِيهَا بِلَادُ الْحِجَازِ فَيَجُوزُ دُخُولُهُمْ بِالْإِذْنِ وَلَا يُقِيمُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. ثَالِثُهَا سَائِرُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْهَا لَكِنْ لَا يَدْخُلُونَ مَسْجِدًا إلَّا لِحَاجَةٍ وَإِذْنِ مُسْلِمٍ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ لِلْمُعَاهَدِ دُخُولَ الْحَرَمِ اهـ مِنْ التَّفْسِيرِ لِلشَّارِحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

قَوْلُهُ: (فَيُمْنَعُ كَافِرٌ) الْمُنَاسِبُ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَبُولِ لِلتَّقْرِيرِ أَنْ يَقُولَ: فَلَوْ أَقَرَّهُمْ فِي الْحِجَازِ لَمْ يَصِحَّ.

قَوْلُهُ: (الْحِجَازُ) مِنْ الْحَجْزِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ أَوْ بَيْنَ الشَّامِ وَالْيَمَنِ أَوْ لِحَجْزِهِ بِالْجِبَالِ وَالْحِجَارَةِ.

وَهَذِهِ أَوْلَى ق ل وَهُوَ مُقَابِلٌ لِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ شَرْقِيِّهَا وَطُولُهُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ مِنْ الْعَقَبَةِ مِنْ مَنَازِلِ الْحَجِّ الْمِصْرِيِّ إلَى سَدُومَ أَقْصَى مَدِينَةِ عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ وَعَرْضُهُ مِنْ جَدَّةَ إلَى الشَّامِ وَيُحِيطُ بِهِ بَحْرُ الدِّجْلَةِ وَالْفُرَاتِ وَبَحْرُ الْحَبَشَةِ وَبَحْرُ فَارِسٍ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ كَمَا يُسَمَّى حِجَازًا لِمَا مَرَّ رَحْمَانِيٌّ وَقَوْلُهُ: فَيُمْنَعُ كَافِرٌ إقَامَةَ الْحِجَازِ أَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ شِرَاءِ أَرْضٍ فِيهِ لَمْ يَقُمْ فِيهَا قِيلَ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ. لَكِنَّ الصَّوَابَ مَنْعُهُ لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ ذَاكَ أَيْ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِ إلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا يُمْنَعُونَ رُكُوبَ بَحْرٍ خَارِجَ الْحَرَمِ بِخِلَافِ جَزَائِرِهِ الْمُكَوَّنَةِ قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُقَامِ فِي الْمَرَاكِبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْبَرِّ.

وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ وَأَقَامَ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَالْيَمَامَةُ) وَهِيَ بَلَدُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَهِيَ مَدِينَةٌ بِقُرْبِ الْيَمَنِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَمَرْحَلَتَيْنِ مِنْ الطَّائِفِ وَسُمِّيَتْ بِاسْمِ جَارِيَةٍ زَرْقَاءَ كَانَتْ تَسْكُنُهَا وَكَانَتْ تُبْصِرُ الرَّاكِبَ مِنْ مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسَارَ إلَيْهَا أَعْدَاؤُهَا وَجَعَلُوا الْأَشْجَارَ عَلَى ظُهُورِ الْإِبِلِ فَرَأَتْهُمْ مِنْ مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَالَتْ لِقَوْمِهَا أَرَى بَسَاتِينَ سَيَّارَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَهَزَءُوا بِهَا وَقَالُوا فَسَدَ نَظَرُهَا الْبَسَاتِينُ تَسِيرُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَمَا شَعَرُوا حَتَّى هَجَمُوا عَلَيْهِمْ الْيَمَامَةَ فَقَتَلُوهُمْ وَأَخَذُوا الزَّرْقَاءَ فَقَتَلُوهَا وَقَلَعُوا عَيْنَهَا فَرَأَوْا عُرُوقَهَا مِنْ دَاخِلٍ قَدْ امْتَلَأَتْ بِالْكُحْلِ. اهـ. عَبْدُ الْبَرِّ قَالَ الْمَعَرِّيُّ:

سُبْحَانَ مَنْ قَسَمَ الْحُظُوّ

ظَ فَلَا عِتَابَ وَلَا مَلَامَهْ

أَعْمَى وَأَعْشَى ثُمَّ ذُو

بَصَرٍ وَزَرْقَاءُ الْيَمَامَهْ

ص: 282

الثَّلَاثَةِ وَقُرَاهَا. كَالطَّائِفِ لِمَكَّةَ وَخَيْبَرَ لِلْمَدِينَةِ فَلَوْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَعَزَّرَهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ وَلَا يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِهَا الْحِجَازَ غَيْرَ حَرَمِ مَكَّةَ إلَّا

لِمَصْلَحَةٍ

لَنَا: كَرِسَالَةٍ وَتِجَارَةٍ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ مَتَاعِهَا كَالْعُشْرِ وَلَا يُقِيمُ فِيهِ بَعْدَ الْإِذْنِ لَهُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَوْ أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى آخَرَ أَيْ وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَهَكَذَا فَلَا مَنْعَ فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ وَشَقَّ نَقْلُهُ، أَوْ خِيفَ مِنْهُ مَوْتُهُ تُرِكَ مُرَاعَاةً لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ، فَإِنْ مَاتَ فِيهِ وَشَقَّ نَقْلُهُ مِنْهُ دُفِنَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ نَعَمْ الْحَرْبِيُّ لَا يَجِبُ دَفْنُهُ وَلَا يَدْخُلُ حَرَمَ مَكَّةَ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] أَيْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَطُرُقُ الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْمُمْتَدَّةِ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ لَا مُطْلَقُ الطُّرُقِ أج. قَوْلُهُ: (وَقُرَاهَا) أَيْ الثَّلَاثِ: كَالطَّائِفِ، وَجَدَّةَ، وَخَيْبَرَ، وَالْيَنْبُعَ، م ر. وَقَوْلُهُ: كَالطَّائِفِ هُوَ تَمْثِيلٌ لِقُرَى الثَّلَاثِ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمَامَةَ لَيْسَ لَهَا قُرًى. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ قُرَى الْمَجْمُوعِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ قُرًى ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (لِمَكَّةَ) أَيْ قَرْيَةٌ لِمَكَّةَ.

قَوْلُهُ: (إلَّا لِمَصْلَحَةٍ) أَوْ ضَرُورَةٍ م ر. قَوْلُهُ: (مِنْ مَتَاعِهَا) أَيْ التِّجَارَةِ أَيْ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ شَوْبَرِيٌّ، وَفِي الرَّوْضِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تِجَارَةِ ذِمِّيٍّ، وَلَا ذِمِّيَّةٍ اتَّجَرَتْ إلَّا إنْ شَرَطَ مَعَ الْجِزْيَةِ قَالَ فِي شَرْحِهِ سَوَاءٌ أَكَانَا بِالْحِجَازِ أَمْ بِغَيْرِهِ. اهـ. سم. عَلَى حَجّ.

قَوْلُهُ: (كَالْعُشْرِ) هَذَا أَصْلُ مَنْشَأِ الْمَكْسِ الْمُحَرَّمِ. وَقَدْ عَمَّ هَذَا الْبَلَاءُ حَتَّى عَلَى الْفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْمَكْسُ سَنَةً. اهـ. ق ل بِزِيَادَةٍ.

وَقَوْلُهُ: كَالْعُشْرِ أَيْ أَوْ نِصْفِهِ بِحَسَبِ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلَا يُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً أَيْ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دَخَلَ بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ حَتَّى لَوْ دَخَلَ بِنَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ أُخِذَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ الْأَنْوَاعِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَوْ بَاعَ مَا دَخَلَ بِهِ وَرَجَعَ بِثَمَنِهِ فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا آخَرَ وَلَوْ مِنْ نَوْعِ الْأَوَّلِ وَدَخَلَ بِذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى أَخَذَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَبِعْ مَا دَخَلَ بِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ ثُمَّ رَجَعَ بِهِ ثُمَّ عَادَ، وَدَخَلَ مَرَّةً أُخْرَى بِعَيْنِهِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ، وَصَمَّمَ عَلَيْهِ سم وع ش وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ الدُّخُولُ وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَعَدَّدَ الْأَصْنَافُ الَّتِي يَدْخُلُونَ بِهَا وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ عَدَدِ مَرَّاتِ الدُّخُولِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى دُونَ مَا عَدَاهَا أَوْ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَخْتَارُهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ فَلْيُرَاجَعْ وَلَوْ قِيلَ بِالْأَخْذِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ جَاءُوا بِهِ وَإِنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُمْ بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بَيْعِهِمْ عَلَيْنَا وَدُخُولِهِمْ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اهـ.

وَفِي سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَافَقُوهُ عَلَيْهِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ غَيْرَ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْهَا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحِجَازِ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ. قَوْلُهُ: (دُفِنَ فِيهِ) أَيْ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ كَمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ حَرَمَ مَكَّةَ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَلَيْسَ مُرْتَبِطًا بِمَسْأَلَةِ الْحَرْبِيِّ قَبْلَهُ بَلْ عَامٌّ فِي الْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَزَ قَوْلِهِ: غَيْرَ حَرَمِ مَكَّةَ قَالَ ز ي: وَحَرَمُ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ جَدَّةَ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ:

وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ

ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ

وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ

وَجَدَّةُ عَشَرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ

قَوْلُهُ: (وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ) أَمَّا لَوْ دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ كَأَنْ انْهَدَمَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ بِنَاؤُهَا إلَّا كَافِرٌ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ. وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا

ص: 283

فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ، وَانْقِطَاعَ مَا كَانَ لَكُمْ بِقُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ:{فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلْبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَعُوقِبُوا بِالْمَنْعِ مِنْ دُخُولِهِ بِكُلِّ حَالٍ. فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ يَسْمَعُهُ، فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ أُخْرِجَ مِنْهُ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ، فَإِنْ مَاتَ فِيهِ لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ فَإِنْ دُفِنَ فِيهِ نُبِشَ وَأُخْرِجَ مِنْهُ إلَى الْحِلِّ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا. وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِاخْتِصَاصِ حَرَمِ مَكَّةَ بِالنُّسُكِ. وَثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ " بَرَاءَةٌ ".

(وَيَتَضَمَّنُ عَقْدُ الذِّمَّةِ) أَيْ الْجِزْيَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْخَمْسَةِ. وَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: نَفْسُ الْعَقْدِ يَشْمَلُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ وَالْقَدْرَ الْمَأْخُوذَ وَالْمُوجِبَ وَالْقَابِلَ فَجَعَلَهُ مُتَضَمِّنًا لِغَالِبِ الْأَرْكَانِ. ثُمَّ بَيَّنَ مَا تَضَمَّنَهُ بِقَوْلِهِ: (أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ) الْأَوَّلُ (أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) أَيْ ذِلَّةٍ (وَصَغَارٍ) أَيْ احْتِقَارٍ وَأَشَدُّهُ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ، وَيُضْطَرَّ إلَى احْتِمَالِهِ قَالَهُ فِي الزَّوَائِدِ. فَتُؤْخَذُ بِرِفْقٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ وَيَكْفِي فِي الصَّغَارِ الْمَذْكُورِ فِي آيَاتِهَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ كَمَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ بِذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ بِأَنْ يَجْلِسَ الْآخِذُ وَيَقُومَ الْكَافِرُ وَيُطَأْطِئَ رَأْسَهُ وَيَحْنِيَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَأْتِي عَلَى حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ يُمْكِنُ قِيَامُ غَيْرِ الْكَافِرِ بِهَا أَوْ لَا يَحْصُلُ مِنْ عَدَمِ فِعْلِهَا خَلَلٌ قَوِيٌّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَمُرَادُهُ بِمَا يَأْتِي أَيْ فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: (وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلَبَ) أَيْ جَلَبُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُبَاعُ إنَّمَا تُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ الْمُنَاسِبِ. أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْحَرَمِ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ بَيَانٌ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ جَمِيعَ الْحَرَمِ لَكِنَّ الْبَلَدَ بَعْضُ الْحَرَمِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْجَلَبُ لِلْبَلَدِ يَصْدُقُ بِالْجَلَبِ لِلْحَرَمِ بِتَمَامِهِ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ. وَالْجَلَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِهَا فَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهُ أَيْ فِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَطَلَبَ.

قَوْلُهُ: (بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ وَإِنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ كَمَا فِي الْأُمِّ وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ: ابْنِ كَجٍّ. يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَطَبِيبٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَحَمْلُ بَعْضِهِمْ لَهُ عَلَى مَا إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ:(فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ) عِبَارَةُ ق ر. عَلَى الْجَلَالِ فَإِنْ امْتَنَعَ إلَّا مِنْ أَدَائِهَا مُشَافَهَةً تَعَيَّنَ خُرُوجُ الْإِمَامِ لَهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّ بِهَا أَوْ أَسْمَعَهَا مَنْ يُخْبِرُ الْإِمَامَ وَلَوْ كَانَ طَبِيبًا وَجَبَ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ إلَيْهِ مَحْمُولًا فَإِنْ تَعَذَّرَ رُدَّ أَيْ الطَّبِيبُ أَوْ وَصَفَ لَهُ مَرَضَهُ وَهُوَ خَارِجٌ، وَلَوْ بَذَلَ الْكَافِرُ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ مَالًا لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ فَإِنْ أُجِيبَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ ثُمَّ إنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ أَخْرَجَ وَثَبَتَ الْمُسَمَّى أَوْ دُونَ الْمَقْصِدِ فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْمُسَمَّى وَكُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ يَسْقُطُ فِيهِ الْمُسَمَّى إلَّا هَذِهِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْغَرَضَ، وَلَيْسَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ فَرَجَعَ إلَى الْمُسَمَّى. اهـ. عَنَانِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحِجَازِ غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ لِمَصْلَحَةٍ بِلَا إقَامَةٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ مُطْلَقًا. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَرَمِ أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ تَعَدَّى وَدَخَلَ.

قَوْلُهُ: (نُبِشَ) مَا لَمْ يَتَفَتَّتْ شَرْحُ التَّحْرِيرِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ نَعَمْ إنْ تَهَرَّى بَعْدَ دَفْنِهِ تُرِكَ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ) لَكِنْ يُسَنُّ جَعْلُهُ كَحَرَمِ مَكَّةَ كَمَا فِي م ر وق ل.

قَوْلُهُ: (وَيَتَضَمَّنُ) أَيْ يَقْتَضِي وَيَسْتَلْزِمُ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ الْأَرْكَانَ الَّذِي تَوَرَّكَ بِهِ الشَّارِحُ بِكَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى الْمَتْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْأَرْكَانَ يَسْتَلْزِمُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْجِزْيَةِ) تَفْسِيرٌ لِلذِّمَّةِ وَالْمُشْتَمِلُ صِفَةٌ لِلْعَقْدِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ. وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِذِكْرِ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمَتْنِ لِأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ عَبَّرَ بِالِاشْتِمَالِ لَا بِالتَّضَمُّنِ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ الْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (مُتَضَمِّنًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مُشْتَمِلًا عَلَى غَالِبِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ، عَبَّرَ بِالِاشْتِمَالِ لَا بِالتَّضَمُّنِ.

قَوْلُهُ: (الْغَالِبُ الْأَرْكَانُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَكَانَ. قَوْلُهُ: (بِمَا) أَيْ بِحُكْمٍ لَا يَعْتَقِدُهُ أَيْ لَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ وَالضِّيَافَةِ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَيُضْطَرُّ) عَطْفٌ عَلَى لَا يَعْتَقِدُ أَيْ وَيُضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقِيلَ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ أَيْ وَلَا يُضْطَرُّ إلَى احْتِمَالِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَتَحَمَّلَهُ

ص: 284

ظَهْرَهُ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ فِي الْمِيزَانِ وَيَقْبِضَ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبَ لِهْزِمَتَيْهِ وَهُمَا مُجْتَمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ وَالْأُذُنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَوْ وُجُوبِهَا أَشَدُّ بُطْلَانًا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا. (وَ) الثَّانِي (أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ) فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ. وَكَذَا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ دُونَ مَا لَا يَعْتَقِدُونَهُ، كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنِكَاحِ الْمَجُوسِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ فِي الْإِيجَابِ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَعَ الِانْقِيَادِ وَالِاسْتِسْلَامِ كَالْعِوَضِ عَنْ التَّقْرِيرِ فَيَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ فِي الْإِجَارَةِ. وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَكْفِي فِيهَا الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ.

(وَ) الثَّالِثَ (أَنْ لَا يَذْكُرُوا دِينَ الْإِسْلَامِ إلَّا بِخَيْرٍ) لِإِعْزَازِهِ. فَلَوْ خَالَفُوا وَطَعَنُوا فِيهِ أَوْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَوْ ذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا لَا يَلِيقُ بِقَدْرِهِ الْعَظِيمِ عُزِّرُوا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِذَلِكَ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا. (وَ) الرَّابِعَ (أَنْ لَا يَفْعَلُوا مَا فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ) كَأَنْ قَاتَلُوهُمْ وَلَا شُبْهَةَ لَهُمْ، أَوْ امْتَنَعُوا مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ مِنْ إجْرَاءِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِالْعَقْدِ.

قَوْلُهُ: (فَتُؤْخَذُ) مُفَرَّعٌ عَلَى تَفْسِيرِ الصَّغَارِ بِمَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ: (وَتَفْسِيرُهُ) أَيْ الصَّغَارِ.

قَوْلُهُ: (وَبِضَرْبِ لِهْزِمَتَيْهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَالزَّايِ تَثْنِيَةٌ لِهْزِمَةٍ وَالْجَمْعُ لَهَازِمُ وَهَلْ يَحْرُمُ ضَرْبُهُ أَوْ لَا؟ حَرِّرْهُ ثُمَّ رَأَيْت ق ل قَالَ: وَهِيَ حَرَامٌ إنْ حَصَلَ بِهَا إيذَاءٌ وَإِلَّا كُرِهَتْ وَقَوْلُهُ: يَضْرِبُ إلَخْ أَيْ ضَرْبَةً وَاحِدَةً أَوْ ضَرْبَتَيْنِ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (مَرْدُودٌ) خَبَرٌ تَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ: (أَشَدُّ بُطْلَانًا) أَيْ مِنْ دَعْوَى أَصْلِ جَوَازِهَا.

قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ) أَمَّا فِيهَا فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فَلَا يُقْتَلُونَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَلَا يُقَاتَلُونَ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ وَقَوْلُهُ: فِي الْمُعَامَلَاتِ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ وَقَوْلُهُ: غَرَامَةُ الْمُتْلَفَاتِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ اهـ.

قَوْلُهُ: (كَشُرْبِ الْخَمْرِ) يُتَأَمَّلُ فِيهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ عِنْدَهُمْ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَأَقُولُ: كَلَامُ الشَّارِحِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَفَى اعْتِقَادَ التَّحْرِيمِ لَا التَّحْرِيمَ.

قَوْلُهُ: (وَنِكَاحُ الْمَجُوسِ) أَيْ الْمَحَارِمِ كَمَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ فِيهِ حَذْفُ الْمَفْعُولِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَنِكَاحُ مَجُوسٍ مَحَارِمَ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لِذَلِكَ) أَيْ لِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَعْلُومٌ مِنْ خَارِجٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الصِّيغَةِ.

قَوْلُهُ (وَالِاسْتِسْلَامِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ مُرَادِفٍ. قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ لِلْمَذْكُورِ مِنْ الْجِزْيَةِ وَالِانْقِيَادِ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ عَقْدِ الذِّمَّةِ يَسْتَلْزِمُ أَرْبَعَةً فِي حَقِّ الرَّجُلِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَيْ أَمَّا زَوْجَتُهُ وَبِنْتُهُ فَلَا يَتَضَمَّنُ عَقْدُ الذِّمَّةِ لَهُ فِي حَقِّهِمْ الْأَرْبَعَةَ بَلْ يَتَضَمَّنُ الثَّانِيَ مِنْهَا وَهَذَا مِنْ الشَّارِحِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تَذْكُرُ دِينَ الْإِسْلَامِ بِشَرٍّ وَتَفْعَلُ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَتُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا تُمْنَعُ مِنْهُ.

قَوْلُهُ: (فَيَكْفِي فِيهَا) أَيْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ لَهَا. وَقَوْلُهُ الِانْقِيَادُ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ أَيْ التَّعَرُّضُ لِلِانْقِيَادِ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقَطْ أَيْ دُونَ التَّعَرُّضِ لِلْجِزْيَةِ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا وَيُصَوِّرُ ذَلِكَ أَيْ التَّعَرُّضَ لِلِانْقِيَادِ لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِزَوْجِهَا أَوْ أَبِيهَا فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَذْكُرُوا إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ هَذَا الثَّالِثُ دَاخِلٌ فِي الثَّانِي الظَّاهِرُ نَعَمْ وَعِبَارَةُ سم وَأَنْ لَا يَذْكُرُوا اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ نَبِيًّا أَوْ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوَهَا إلَّا بِالْخَيْرِ، فَإِنْ سَبُّوا اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ نَحْوَهَا جَهْرًا بِمَا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ كَالطَّعْنِ فِي نَسَبِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ نِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا فَإِنْ شَرَطَ انْتِقَاضَ عَهْدِهِمْ بِذَلِكَ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا أَمَّا مَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ كَقَوْلِهِمْ: الْقُرْآنُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ مُطْلَقًا اهـ. بِحُرُوفِهِ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ انْتِقَاضَ إلَخْ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الِانْتِقَاضَ بِذَلِكَ ثُمَّ قُتِلَ بِمُسْلِمٍ أَوْ بِزِنَاهُ حَالَةَ كَوْنِهِ مُحْصَنًا بِمُسْلِمَةٍ صَارَ مَالُهُ فَيْئًا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ مَقْتُولٌ تَحْتَ يَدِنَا لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِأَقَارِبِهِ الذِّمِّيِّينَ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ وَلَا لِلْحَرْبِيِّينَ لِأَنَّا إذَا قَدَرْنَا عَلَى مَالِهِمْ أَخَذْنَاهُ فَيْئًا أَوْ غَنِيمَةً وَشَرْطُ الْغَنِيمَةِ هُنَا لَيْسَ مَوْجُودًا. اهـ. س ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا شُبْهَةَ لَهُمْ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُمْ شُبْهَةٌ كَأَنْ اسْتَعَانَ بِهِمْ الْبُغَاةُ

ص: 285

عَلَيْهِمْ فَإِنْ فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ الِانْتِقَاضَ بِهِ وَيُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ سَقْيِهِمْ خَمْرًا وَإِطْعَامِهِمْ خِنْزِيرًا أَوْ سَمَاعِهِمْ قَوْلًا شِرْكًا كَقَوْلِهِمْ: اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَمِنْ إظْهَارِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَاقُوسٍ وَعِيدٍ وَمَتَى أَظْهَرُوا خُمُورَهُمْ أُرِيقَتْ وَقِيَاسُهُ إتْلَافُ النَّاقُوسِ وَهُوَ مَا يَضْرِبُ بِهِ النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ إذَا أَظْهَرُوهُ وَمِنْ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبِيَعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِلرُّهْبَانِ، وَبَيْتِ نَارٍ لِلْمَجُوسِ فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ كَبَغْدَادَ وَالْقَاهِرَةِ، أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كَالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ. وَالْيَمَنِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُبْنَ كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ» وَلِأَنَّ إحْدَاثَ ذَلِكَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَالُوا: أَيْ الْكُفَّارُ ظَنَنَّا أَنَّهُمْ أَيْ الْبُغَاةَ مُحِقُّونَ وَأَنَّ لَنَا إعَانَةَ الْمُحِقِّ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ) : وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لِلْإِمَامِ قِتَالَهُمْ بَلْ يَجِبُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ الْمَأْمَنَ وَلَا يَخْتَارَ فِيهِمْ رِقًّا وَلَا مَنًّا وَلَا فِدَاءً وَهَذَا إذَا انْتَقَضَ بِقِتَالٍ فَإِنْ انْتَقَضَ بِغَيْرِهِ فَكَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ تَبْلِيغِهِمْ الْمَأْمَنَ وَلَكِنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخْتَارَ فِيهِمْ الرِّقَّ أَوْ الْمَنَّ وَالْفِدَاءَ أَوْ الْقَتْلَ وَهَذَا فِيمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَمَّا ذَرَارِيُّهُ وَزَوْجَتُهُ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ فَيُقَرُّونَ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فَإِنْ طَلَبُوا دَارَ الْحَرْبِ، أُجِيبَ النِّسَاءُ وَالْخَنَاثَى دُونَ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَيُقَرُّونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ بَعْدَهَا إنْ طَلَبُوا دَارَ الْحَرْبِ أُجِيبُوا.

قَوْلُهُ: (مِنْ سَقْيِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (وَإِطْعَامِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ إحْدَاثِ كَنِيسَةٍ وَبِيعَةٍ) وَكَذَا مِنْ تَرْمِيمِهَا نَعَمْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَصْلَ الْمَوْجُودِ مِنْهَا جَازَ إبْقَاؤُهُ لِاحْتِمَالِ وَضْعِهِ بِحَقٍّ وَلَعَلَّ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي مِصْرَ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ بِحَقٍّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ بِهِ مُتَغَلِّبٌ فَصُولِحَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ أَوَّلًا. اهـ. ق ل مَعَ زِيَادَةٍ.

وَبِيعَةٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ لِلنَّصَارَى وَجَمْعُهَا بِيَعٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ، وَقَوْلُهُ: لِلرُّهْبَانِ رَاجِعٌ لِلصَّوْمَعَةِ جَمْعُ رَاهِبٍ وَهُوَ عَابِدُ النَّصَارَى.

قَوْلُهُ: (فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ) أَيْ وُجِدَتْ عِمَارَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى مَحَلِّهِ كَمَا فِي ق ل.

قَوْلُهُ: (كَبَغْدَادَ وَالْقَاهِرَةِ) وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ لِأَنَّ بَغْدَادَ بَنَاهَا أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَالْقَاهِرَةَ بَنَاهَا الْمُعِزُّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَالْبَصْرَةَ بَنَاهَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه وَالْكُوفَةَ بَنَاهَا عُتْبَةُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهَا بِسَنَتَيْنِ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه وَالصُّلْحُ عَلَى إحْدَاثِ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَالْكَنِيسَةُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالْبِيعَةُ مَعْبَدُ النَّصَارَى وَقَدْ انْعَكَسَ الْعُرْفُ فِيهِمَا وَالْكَلَامُ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِيمَا لَيْسَ لِنَحْوِ نُزُولِ الْمَارَّةِ بِأَنْ كَانَتْ لِلتَّعَبُّدِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَمَّا الَّتِي لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَلَوْ مِنْهُمْ فَيَجُوزُ كَمَا قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَالْقَاهِرَةِ) وَهِيَ مِصْرُنَا الْآنَ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَالَ الْفَتْحِ فَأَرْضُهَا الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا لِلْغَانِمِينَ فَتَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ مَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْفَتْحِ وَبِهِ يُعْلَمُ وُجُوبُ هَدْمِ مَا فِي مِصْرِنَا وَمِصْرَ الْقَدِيمَةِ مِنْ الْكَنَائِسِ الْمَوْجُودَةِ. اهـ. شَيْخُنَا، وَفِي سم عَلَى الْمَنْهَجِ لَا يَجُوزُ لَنَا دُخُولُهَا إلَّا بِإِذْنِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَصَاوِيرُ حَرُمَ قَطْعًا وَكَذَا كُلُّ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ اهـ مِنْ ع ش عَلَى م ر. وَمُقْتَضَى وُجُوبِ هَدْمِهَا جَوَازُ دُخُولِهَا بِلَا إذْنٍ مِنْهُمْ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا جَازَ لَهُمْ إحْدَاثُهَا وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ ع ش مِنْ وُجُوبِ الْهَدْمِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ ق ل مِنْ جَوَازِ الْإِبْقَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَأَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُسْتَعْلِينَ وَمُتَغَلِّبِينَ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَلَا صُلْحٍ. اهـ. حَجّ وَيَجُوزُ جَعْلُ عَلَى لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ مَعَهُ أَيْ مُصَاحِبِينَ لَهُ وَكَائِنِينَ فِيهِ أَوْ بِمَعْنَى فِي أَيْ الْكَائِنِينَ فِيهِ سم عَلَى حَجّ.

قَوْلُهُ: (كَالْمَدِينَةِ) قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ كَالْمَدِينَةِ مَحَلُّ وَقْفَةٍ لِأَنَّهَا مِنْ الْحِجَازِ، وَهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ سُكْنَاهُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ أَيْ فَضْلًا عَنْ الْإِحْدَاثِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ: كَالْمَدِينَةِ مِثَالٌ لِمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَقَطْ أَيْ فَهُوَ مُجَرَّدُ مِثَالٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمَحَلِّ اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ سُلْطَانَ عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي آخِرِ كِتَابِ السِّيَرِ وَفُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً وَقِيلَ صُلْحًا وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْأُمِّ فِي الْوَصِيَّةِ. وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُونَ عَلَى أَنَّ الْمَفْتُوحَ صُلْحًا هِيَ نَفْسُهَا لَا غَيْرُ وَإِنَّمَا بَقِيَتْ الْكَنَائِسُ بِهَا لِقُوَّةِ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا وَجَمِيعُ إقْلِيمِهَا فُتِحَ صُلْحًا وَلِاحْتِمَالِ أَنَّهَا كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهَا ثُمَّ اتَّصَلَتْ بِهَا. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَنَائِسَ مَوْجُودَةٌ بِهَا وَبِإِقْلِيمِهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ إلَّا الْقَوْلُ: بِأَنَّ الْكُلَّ صُلْحٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُمْ رَاعَوْا فِي إبْقَائِهَا قُوَّةَ الْخِلَافِ كَمَا تَقَرَّرَ انْتَهَتْ بِحُرُوفِهَا وَمُقْتَضَى كَوْنِهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَنَّ الْأَرْضَ لِلْغَانِمِينَ فَتَمْنَعُ الْكُفَّارَ مِنْ إحْدَاثِ الْكَنَائِسِ فِيهَا وَمِنْ إعَادَتِهَا إذَا هُدِمَتْ وَقِيلَ: إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَفُتِحَتْ قُرَاهَا صُلْحًا وَالْكَنَائِسُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ

ص: 286

مَعْصِيَةٌ، فَلَا يَجُوزُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ بَنَوْا ذَلِكَ هُدِمَ، سَوَاءٌ أَشُرِطَ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا. وَلَا يُحْدِثُونَ ذَلِكَ فِي بَلْدَةٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، كَمِصْرِ وَأَصْبَهَانَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوهَا بِالِاسْتِيلَاءِ فَيَمْتَنِعُ جَعْلُهَا كَنِيسَةً وَكَمَا لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهَا، لَا يَجُوزُ إعَادَتُهَا إذَا انْهَدَمَتْ. وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَتْ فِيهِ لِمَا مَرَّ. وَلَوْ فَتَحْنَا الْبَلَدَ صُلْحًا كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْأَرْضِ لَنَا وَشَرْطِ إسْكَانِهِمْ فِيهَا بِخَرَاجٍ وَإِبْقَاءِ الْكَنَائِسِ أَوْ إحْدَاثِهَا جَازَ. لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الصُّلْحُ عَلَى أَنَّ كُلَّ الْبَلَدِ لَهُمْ فَعَلَى بَعْضِهِ أَوْلَى فَلَوْ أُطْلِقَ الصُّلْحُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ إبْقَاءُ الْكَنَائِسِ وَلَا عَدَمُهُ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ إبْقَائِهَا فَيُهْدَمُ مَا فِيهَا مِنْ الْكَنَائِسِ. لِأَنَّ إطْلَاقَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي صَيْرُورَةَ جَمِيعِ الْبَلَدِ لَنَا. أَوْ بِشَرْطِ الْأَرْضِ لَهُمْ وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا قُرِّرَتْ كَنَائِسُهُمْ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ وَلَهُمْ الْإِحْدَاثُ فِي الْأَصَحِّ. وَيُمْنَعُونَ وُجُوبًا مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ لَهُمْ عَلَى بِنَاءِ جَارٍ لَهُمْ مُسْلِمٍ لِخَبَرِ:«الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ»

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَوْجُودَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا فَلَمَّا بُنِيَتْ اتَّصَلَتْ بِهَا الْأَبْنِيَةُ. قَوْلُهُ: (فِي الْإِسْلَامِ) أَيْ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ.

قَوْلُهُ: (عَنْوَةً) أَيْ قَهْرًا.

قَوْلُهُ: (كَمِصْرِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِهَدْمِ مَا بِقَرَافَتِهَا مِنْ الْأَبْنِيَةِ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَقَفَهَا بِأَمْرِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَلَى مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ لَمَّا طَلَبُوا شِرَاءَهَا إذْ لَوْ فُتِحَتْ صُلْحًا لَكَانَتْ لَهُمْ وَاحْتِمَالُ شَرْطِ الْأَرْضِ لَنَا خِلَافُ الْأَصْلِ. اهـ. حَجّ زي وَالْمُرَادُ مِصْرُ الْقَدِيمَةُ وَمِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مِصْرُنَا الْآنَ اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (كَانَتْ فِيهِ) أَيْ فِي الْبَلَدِ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ أَيْ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوهَا إلَخْ. قَوْلُهُ: (جَازَ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ الْإِحْدَاثُ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ إذَا فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ مُطْلَقًا أَوْ لَنَا وَشَرَطُوا عَلَيْنَا الْإِحْدَاثَ بِخِلَافِ مَا فُتِحَ عَنْوَةً، أَوْ صُلْحًا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهَا لَنَا وَلَمْ يَشْرِطُوا الْإِحْدَاثَ اهـ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ مَعَ شَرْطِ الْإِحْدَاثِ بُنْيَانَ مَا يُحْدِثُونَهُ مِنْ كَنِيسَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَمِقْدَارُ الْكَنِيسَةِ أَوْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّةُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِهِمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيَخْتَلِفُ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ اهـ ع ش عَلَى م ر. فَإِذَا شَرَطَ الْإِبْقَاءَ فَلَهُمْ وَلَوْ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ وَلَهُمْ تَطْيِينُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ حَتَّى بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ وَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً حَتَّى فِي حَقِّهِمْ. أَفْتَى السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَاكِمٍ الْإِذْنُ لَهُمْ فِيهِ وَلَا لِمُسْلِمٍ إعَانَتُهُمْ عَلَيْهِ وَلَا إيجَارُ نَفْسِهِ لِلْعَمَلِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ س ل وَقَوْلُهُ: وَلَوْ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ قَالَ سم عَلَى حَجّ: أَيْ مَعَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ بِالْقَدِيمَةِ وَحْدَهَا ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلَهُمْ عِمَارَةُ أَيْ تَرْمِيمُ كَنَائِسَ جَوَّزْنَا إبْقَاءَهَا إذَا اسْتُهْدِمَتْ فَتُرَمَّمُ بِمَا تَهَدَّمَ لَا بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ كَذَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ. أَنَّهَا تُرَمَّمُ بِآلَاتٍ جَدِيدَةٍ قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلَا يَجِبُ إخْفَاؤُهَا فَيَجُوزُ تَطْيِينُهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ لَا إحْدَاثُهَا فَلَوْ انْهَدَمَتْ الْكَنَائِسُ الْمُبْقَاةُ وَلَوْ بِهَدْمِهِمْ لَهَا تَعَدِّيًا خِلَافًا لِلْفَارِقِيِّ أَعَادُوهَا وَلَيْسَ لَهُمْ تَوْسِيعُهَا. اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ لَهُمْ) أَيْ إحْدَاثُ ذَلِكَ فَإِنْ مَلَكَ ذِمِّيٌّ دَارًا عَالِيَةً فَلَا يُكَلَّفُ هَدْمَهَا بَلْ يُمْنَعُ هُوَ وَأَوْلَادُهُ مِنْ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ صُعُودِ سَطْحِهَا بِلَا تَحْجِيرٍ.

وَلَوْ انْهَدَمَتْ هَذِهِ الدَّارُ فَلَهُمْ إعَادَتُهَا بِلَا رَفْعٍ وَمُسَاوَاةٍ وَلَوْ بَنَى دَارًا عَالِيَةً أَوْ مُسَاوِيَةً ثُمَّ بَاعَهَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَسْقُطْ الْهَدْمُ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْهَدْمُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ يَبْقَى تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ اهـ. زي وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَبْقَى ضَعِيفٌ وَعِبَارَةُ م ر. وَالْأَوْجَهُ بَقَاؤُهُ لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ هَدْمِهِ تَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَأَفْتَى الْوَالِدُ رحمه الله بِخِلَافِهِ. اهـ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: فَإِنْ سَاوَاهُ فِيهِ هَدَمَ الْقَدْرَ الْمَمْنُوعَ اهـ وَيُمْنَعُونَ مِنْ الرَّفْعِ وَإِنْ خَافُوا نَحْوَ سُرَّاقٍ يَقْصِدُونَهُمْ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَمِثْلُهُ شَرْحُ حَجّ قَالَ سم: عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِخَوْفِ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ نَعَمْ إنْ تَعَيَّنَ الرَّفْعُ طَرِيقًا فِي دَفْعِ الْقَتْلِ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَبْعُدْ الْجَوَازُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى فَهَلْ يُكَلَّفُ الِانْتِقَالُ وَإِنْ شَقَّ حِسًّا وَمَعْنًى لِمُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (عَلَى بِنَاءِ جَارٍ لَهُمْ مُسْلِمٍ) مَحَلُّ الْمَنْعِ إنْ كَانَ بِنَاءُ الْمُسْلِمِ مِمَّا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى فَلَوْ كَانَ قَصِيرًا لَا يُعْتَادُ فِيهَا إمَّا لِأَنَّهُ لَا يُتَمَّمُ بِنَاؤُهُ أَوْ لِأَنَّهُ هَدَمَهُ إلَى أَنْ صَارَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْنَعْ الذِّمِّيُّ مِنْ بِنَاءِ جِدَارِهِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُعْتَادُ فِي السُّكْنَى الَّذِي عَطَّلَهُ الْمُسْلِمُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ تَعَطَّلَ عَلَيْهِ بِإِعْسَارِهِ اهـ خ ط وَلَوْ لَاصَقَتْ دَارُ الذِّمِّيِّ دَارَ الْمُسْلِمِ مِنْ أَحَدِ جَوَانِبِهَا اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ

ص: 287

وَلِئَلَّا يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَاتِنَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْضَى الْجَارُ بِذَلِكَ أَمْ لَا. لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ لِحَقِّ الدِّينِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الدَّارِ.

وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ أَيْضًا فَإِنْ كَانُوا بِمَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ كَطَرَفٍ مِنْ الْبَلَدِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ رَفْعِ الْبِنَاءِ

(وَيُعَرَّفُونَ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ نُعَرِّفُهُمْ وَنَأْمُرُهُمْ أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُكَلَّفُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وُجُوبًا أَنَّهُمْ يَتَمَيَّزُونَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ (بِلُبْسِ الْغِيَارِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَنْ يَخِيطَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْتَادُ الْخِيَاطَةُ عَلَيْهِ كَالْكَتِفِ عَلَى ثَوْبِهِ الظَّاهِرِ مَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ ثَوْبِهِ وَيَلْبَسَهُ وَذَلِكَ لِلتَّمْيِيزِ وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَى تَغْيِيرِ زِيِّهِمْ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَفْعَلْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلِينَ مَعْرُوفِينَ فَلَمَّا كَثُرُوا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَخَافُوا مِنْ الْتِبَاسِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ احْتَاجُوا إلَى تَمْيِيزِهِمْ وَإِلْقَاءِ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ وَبِالنَّصَارَى الْأَزْرَقُ أَوْ الْأَكْهَبُ.

وَيُقَالُ لَهُ: الرَّمَادِيُّ وَبِالْمَجُوسِيِّ الْأَحْمَرُ أَوْ الْأَسْوَدُ (وَشَدُّ الزُّنَّارِ) أَيْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْجَانِبِ عَدَمُ الِارْتِفَاعِ وَالْمُسَاوَاةُ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْجَوَانِبِ لِأَنَّهُ لَا جَارَ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (لِحَقِّ الدِّينِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ لِحَقِّ اللَّهِ، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ اهـ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ هَدْمُهُ بِوَقْفِهِ وَلَا بِبَيْعِهِ لِكَافِرٍ مُطْلَقًا وَلَا لِمُسْلِمٍ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمَنْعِ هَدْمِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَنَى فِيهَا ثُمَّ بَاعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ لِهَدْمٍ. قَوْلُهُ:(لَا لِمَحْضِ حَقِّ الدَّارِ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لَا لِمَحْضِ حَقِّ الْجَارِ وَهُوَ وَاضِحٌ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (بِمَحَلَّةٍ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ وَالْمَحَلُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْكَسْرُ لُغَةٌ حَكَاهَا ابْنُ الْقُطَّاعِ مَوْضِعُ الْحُلُولِ وَالْمَحِلُّ بِالْكَسْرِ الْإِحْلَالُ وَالْمَحَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْمَكَانُ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ الْقَوْمُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَفِي شَرْحِ م ر: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْجَارَ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ كَمَا قَالَهُ الْجُرْجَانِيِّ: وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِمَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلُو عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَيَعْلُو عَلَى مُلَاصِقِهِ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى نَعَمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مُلَاصِقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلَّتِهِ اهـ قَالَ ع ش: عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ أَيْ فَمَا زَادَ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاةِ بِنَائِهِ لَهُ أَوْ رَفْعِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ لِلْأَرْبَعِينَ دَارًا اهـ كَلَامُهُ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ كَانَ جَارُهُ مَسْجِدًا أَوْ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ أَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالْمِلْكِ اهـ. وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ فِي بِنَاءٍ وَجَارٍ لَهُمَا مُسْلِمٌ هَلْ يُهْدَمُ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُتَّجَهَ أَنَّهُ يُهْدَمُ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إعْلَاءُ بِنَاءِ ذِمِّيٍّ عَلَى جَارِهِ الْمُسْلِمِ وَأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الذِّمِّيِّ بِنَقْضِهِ آلَةَ الْمُسْلِمِ أَوْ تَلَفِهَا بِالْهَدْمِ وَإِنْ كَانَ الْهَدْمُ بِسَبَبِهِ كَذَا فِي سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَيُعَرَّفُونَ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَأَمْرُهُمْ بِغِيَارٍ إلَخْ أَيْ وَلَزِمَنَا أَمْرُهُمْ أَيْ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِمَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ بِشَرْطِ التَّكْلِيفِ وَأَنْ يَكُونُوا بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، وَقَوْلُهُ: لَزِمَنَا أَمْرُهُمْ أَيْ مَنْ دَخَلَ دَارَنَا مِنْهُمْ وَلَوْ بِرِسَالَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ وَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّةُ اخْتِلَاطِهِ م ر فِي شَرْحِهِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ أَهْلٌ) تَفْسِيرٌ لِلْوَاوِ فِي يُعَرَّفُونَ لَكِنْ قَوْلُهُ: إنَّهُمْ يَتَمَيَّزُونَ رُبَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِضَمِيرِ يَأْمُرُهُمْ فَيَكُونُ مَنْصُوبًا وَالْمُكَلَّفُونَ نَعْتٌ مَقْطُوعٌ.

قَوْلُهُ: (بِيَهُودِ الْمَدِينَةِ) أَيْ بِيَهُودِ مَا حَوَالَيْ الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ الْحِجَازِ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بِهَا يَهُودٌ زَمَنَ الصَّحَابَةِ، فَاحْتِيجَ لِذَلِكَ التَّأْوِيلِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ دُخُولِهِمْ الْحِجَازَ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ) : هَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلٍّ بَعْدَ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. فَلَا يَرِدُ كَوْنُ الْأَصْفَرِ كَانَ زِيَّ النَّصَارَى وَزِيَّ الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا آثَرُوهُمْ بِهِ لِغَلَبَةِ الصُّفْرَةِ فِي أَلْوَانِهِمْ النَّاشِئَةِ عَنْ زِيَادَةِ فَسَادِ قُلُوبِهِمْ وَلَوْ أَرَادُوا التَّمْيِيزَ بِغَيْرِ الْمُعْتَادِ مُنِعُوا خَشْيَةَ الِالْتِبَاسِ وَتُؤْمَرُ ذِمِّيَّةٌ خَرَجَتْ بِتَخَالُفِ لَوْنِ خُفَّيْهَا " وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى شَرْحُ م ر قَالَ الرَّشِيدِيُّ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَا بِلَوْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَوْنٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (الزُّنَّارُ) بِوَزْنِ تُفَّاحٍ وَيُجْمَعُ عَلَى زَنَانِيرَ، وَالْوَاوُ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا وَيَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْحَاصِلُ بِأَحَدِهِمَا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحُهُ أَوْ زُنَّارٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ فِيهِ أَلْوَانٌ تُشَدُّ فِي الْوَسَطِ

ص: 288

وَيُؤْمَرُونَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ خَيْطٌ غَلِيظٌ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ فَوْقَ الثِّيَابِ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا فِي الرَّجُلِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ، فَتَشُدُّهُ تَحْتَ الْإِزَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ. لَكِنْ مَعَ ظُهُورِ بَعْضِهِ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَسْتَوِي فِيهِ سَائِرُ الْأَلْوَانِ، قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَلَيْسَ لَهُمْ إبْدَالُهُ بِمِنْطَقَةٍ وَمِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِمَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْغُبَارِ وَالزُّنَّارِ أَوْلَى وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَمَنْ لَبِسَ مِنْهُمْ قَلَنْسُوَةً يُمَيِّزُهَا عَنْ قَلَانِسِنَا بِعَلَامَةٍ فِيهَا وَإِذَا دَخَلَ الذِّمِّيُّ مُجَرَّدًا حَمَّامًا فِيهِ مُسْلِمُونَ، أَوْ تَجَرَّدَ عَنْ ثِيَابِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَيْرِ حَمَّامٍ جَعَلَ وُجُوبًا فِي عُنُقِهِ خَاتَمَ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَجْعَلُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ.

قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْخَاتَمُ طَوْقٌ يَكُونُ فِي الْعُنُقِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ التَّشَبُّهِ بِلِبَاسِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعَاظُمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُمْنَعُونَ مِنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّطَاوُلِ وَالْمُبَاهَاةِ وَتَجْعَلُ الْمَرْأَةُ خُفَّهَا لَوْنَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّمْيِيزُ بِكُلِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ بَلْ يَكْفِي بَعْضُهَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَلَا يَنْبَغِي لِفَعَلَةِ الْمُسْلِمِينَ وَصُيَّاغِهِمْ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُشْرِكِينَ كَنِيسَةً أَوْ صَلِيبًا وَأَمَّا نَسْجُ الزَّنَانِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ فِيهَا صَغَارًا لَهُمْ. (وَيُمْنَعُونَ) أَيْ الذُّكُورُ الْمُكَلَّفُونَ فِي بِلَادِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَوْقَ الثِّيَابِ فَجَمْعُ الْخِيَارِ مَعَ الزُّنَّارِ تَأْكِيدٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي الشُّهْرَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَتَعْبِيرِي بِأَوْ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْوَاوِ اهـ وَقَوْلُهُ: فَجَمْعُ الْغِيَارِ مَعَ الزُّنَّارِ أَيْ فِي عِبَارَةِ أَصْلِهِ أَوْ فِيمَا يَفْعَلُ بِهِمْ.

قَوْلُهُ: (خَيْطٌ غَلِيظٌ) فِيهِ أَلْوَانٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (فَوْقَ الثِّيَابِ) أَيْ لِلذُّكُورِ وَيَمْتَنِعُ إبْدَالُهُ بِنَحْوِ مِنْدِيلٍ أَوْ مِنْطَقَةٍ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ لُبْسِ نَحْوِ دِيبَاجٍ وَطَيْلَسَانٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ أَيْضًا مِنْ إظْهَارِ عِيدٍ لَهُمْ، وَكَذَا مِنْ نَحْوِ: لَطْمٍ وَنَوْحٍ وَقِرَاءَةِ نَحْوِ تَوْرَاةٍ، وَإِنْجِيلٍ وَلَوْ بِكَنَائِسِهِمْ وَلَا يُمْنَعُونَ مِمَّا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ، كَفِطْرِ رَمَضَانَ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ تَكْلِيفُهُمْ بِالْفُرُوعِ وَلِذَلِكَ حَرُمَ بَيْعُ الْمُفْطِرَاتِ لَهُمْ فِيهِ لِمَنْ عَلِمَ وَلَوْ بِالظَّنِّ أَنَّهُمْ يَتَعَاطُونَهَا نَهَارًا لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ قَوِيَّةٍ عَلَى الدَّلَالَةِ بِالتَّهَاوُنِ بِالدِّينِ. وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ دُخُولَهُمْ الْمَسَاجِدَ. اهـ. ق ل. عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَشُدُّهُ تَحْتَ الْإِزَارِ إلَخْ) رَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا بِمَا يَخْتَصُّ عَادَةً بِالرَّجُلِ وَقَدْ يُقَالُ: جَعْلُهُ تَحْتَ الْإِزَارِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُخْتَصِّ بِالرِّجَالِ كَمَا فِي سم عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ فِي الزُّنَّارِ. قَوْلُهُ: (بِمِنْطَقَةٍ) أَيْ تُجْعَلُ فِي الْوَسَطِ وَكَذَا مِنْدِيلٌ يُجْعَلُ عَلَى الْوَسَطِ بَدَلَهُ.

قَوْلُهُ: (فِيهِ مُسْلِمُونَ) وَتُمْنَعُ ذِمِّيَّةٌ مِنْ حَمَّامٍ بِهِ مُسْلِمَةٌ تَرَى مِنْهَا مَا لَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ فَلَوْ لَمْ تُمْنَعْ الذِّمِّيَّةُ حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ الدُّخُولُ مَعَهَا حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ وَحَرُمَ عَلَى زَوْجِهَا أَيْضًا تَمْكِينُهَا مِنْ الدُّخُولِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (خَاتَمُ حَدِيدٍ) بِفَتْحِ التَّاءِ لَا غَيْرُ وَيُقَالُ: فِيهِ خَتْمٌ وَخَاتَامٌ وَأَمَّا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَيَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ رَصَاصٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا مِنْ لَحْنِ الْعَامَّةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَالْخَاتَمُ طَوْقٌ) لَيْسَ هَذَا مُتَعَيِّنًا بَلْ يَصِحُّ إبْقَاءُ الْخَاتَمِ عَلَى حَقِيقَتِهِ.

قَوْلُهُ: (بَلْ يَكْفِي بَعْضُهَا) وَمِنْ الْبَعْضِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْعِمَامَةُ الْمُعْتَادَةُ لَهُمْ الْآنَ وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لُبْسُ الْعِمَامَةِ الْمُعْتَادَةِ لَهُمْ وَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهِ عَلَامَةً تُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ كَوَرَقَةٍ بَيْضَاءَ مَثَلًا أَمْ لَا لِأَنَّ فِعْلَ مَا ذُكِرَ يَخْرُجُ بِهِ الْفَاعِلُ عَنْ زِيِّ الْكُفَّارِ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَةَ لَا يَهْتَدِي فِيهَا لِتَمْيِيزٍ عَنْ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْعِمَامَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ زِيِّ الْكُفَّارِ خَاصَّةً وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحُرْمَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ لُبْسِ طُرْطُورِ الْيَهُودِيِّ مَثَلًا عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ فَيُعَزَّرُ فَاعِلُ ذَلِكَ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (لِفَعَلَةِ الْمُسْلِمِينَ) جَمْعُ فَاعِلٍ كَفَاسِقٍ وَفَسَقَةٍ وَكَافِرٍ وَكَفَرَةٍ وَفَاجِرٍ وَفَجَرَةٍ.

قَوْلُهُ: (كَنِيسَةً) رَاجِعٌ لِلْفَعَلَةِ وَالصَّلِيبُ لِلصُّيَّاغِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا نَسْجُ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ الزُّنَّارَ خَيْطٌ غَلِيظٌ يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ وَحِينَئِذٍ فَمَا مَعْنَى نَسْجِهِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. فَرْعٌ قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَلَا يُمْنَعُ ذِمِّيٌّ لُبْسَ حَرِيرٍ وَتَعَمُّمًا وَتَطَيْلُسًا وَإِفْطَارًا فِي رَمَضَانَ اهـ وَعَدَمُ مَنْعِهِ مِنْ الْإِفْطَارِ لَا يُنَافِي حُرْمَتَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى شَيْخُنَا م ر رحمه الله بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْقِيَ الذِّمِّيَّ فِي

ص: 289

الْمُسْلِمِينَ وُجُوبًا. (مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] فَأَمَرَ أَوْلِيَاءَهُ بِإِعْدَادِهَا لِأَعْدَائِهِ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَنْعِ رُكُوبِ الْخَيْلِ بَيْنَ النَّفِيسِ مِنْهَا، وَالْخَسِيسِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. بِخِلَافِ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ وَلَوْ نَفِيسَةً لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا خَسِيسَةٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْيَانِ النَّاسِ يَرْكَبُونَهَا، وَيَرْكَبُ بِإِكَافٍ وَرِكَابِ خَشَبٍ لَا حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ وَلَا سَرْجٍ اتِّبَاعًا لِكِتَابِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَتَمَيَّزُوا عَنْ الْمُسْلِمِينَ. وَيَرْكَبُ عَرْضًا بِأَنْ يَجْعَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَظَهْرَهُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَتَوَسَّطَ فَيُفَرِّقَ بَيْنَ أَنْ يَرْكَبَ إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ الْبَلَدِ أَوْ بَعِيدَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُمْنَعُ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ، وَمِنْ اللُّجُمِ الْمُزَيَّنَةِ بِالنَّقْدَيْنِ: أَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَنَحْوُهُمَا فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ مِنْ خِدْمَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ كَمَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ. (وَيُلْجَئُونَ) عِنْدَ زَحْمَةِ الْمُسْلِمِينَ (إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ) بِحَيْثُ لَا يَقَعُونَ فِي وَهْدَةٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

رَمَضَانَ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ لَكِنْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْإِذْنُ فِي دُخُولِ مَسْجِدٍ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ جِهَةَ الْفِطْرِ أَشَدُّ. وَبِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى التَّهَاوُنِ بِالدِّينِ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ: (وَيُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيّ تَرْجِيحَ الْجَوَازِ كَالْبِنَاءِ كَذَا فِي ح ل وَعَمَّمَ ق ل فِي حَاشِيَةِ الْجَلَالِ. فَقَالَ: وَلَوْ فِي مَحَلَّةٍ انْفَرَدُوا بِهَا وَقَيَّدَ الْبِرْمَاوِيُّ الْمَنْعَ بِكَوْنِهِمْ بِبِلَادِنَا وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ وَنَقَلَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُمَا وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ فِي مَنْعِهِمْ رُكُوبَ الْخَيْلِ إذَا انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ فِي غَيْرِ دَارِنَا أَحَدُهُمَا لَا كَإِظْهَارِ الْخَمْرِ. وَالثَّانِي نَعَمْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَيُشْبِهُ تَرْجِيحَ الْجَوَازِ كَمَا فِي نَظَرِهِ مِنْ الْبِنَاءِ. اهـ بِحُرُوفِهِ.

وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ جَوَازَ رُكُوبِهِمْ الْخَيْلَ النَّفِيسَةَ زَمَنَ قِتَالٍ اسْتَعَنَّا بِهِمْ فِيهِ اهـ. س ل وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] أَيْ حَبْسِهَا. قَوْلُهُ (بِإِعْدَادِهَا لِأَعْدَائِهِ) أَيْ فَلَا يَعُدُّهَا أَعْدَاؤُهَا بِأَنْ يُمْنَعُوا مِنْهَا. قَوْلُهُ: «فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ» أَيْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِرُكُوبِهَا مَنْ فِيهِ خَيْرٌ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَلَا تُنَاسِبُ أَهْلَ الْكُفْرِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ) وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ: يُمْنَعُونَ مِنْ الشَّرِيفَةِ دُونَ الْبَرَاذِينِ الْخَسِيسَةِ اهـ دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَالْبِغَالِ وَلَوْ نَفِيسَةً) قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ الْحَوَاشِي: مَا لَمْ تَصِرْ مَرْكَبًا لِلْعُلَمَاءِ كَمَا فِي زَمَنِنَا وَإِلَّا مُنِعُوا مِنْهَا اهـ لَكِنْ فِي شَرْحِ م ر مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ لَا حَمِيرَ وَبِغَالَ نَفِيسَةٌ لِخِسَّتِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِطُرُوِّ عِزَّةِ الْبِغَالِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ عَلَى أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَ مَنْ اعْتَادَ رُكُوبَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ بِهَيْئَةِ رُكُوبِهِمْ الَّتِي فِيهَا غَايَةُ تَحْقِيرِهِمْ وَإِذْلَالِهِمْ. كَمَا قَالَ: وَيَرْكَبُهَا عَرْضًا إلَخْ.

وَقَالَ ع ش: يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ الْبِغَالِ النَّفِيسَةِ لِأَنَّهَا صَارَتْ الْآنَ مَرْكُوبَ الْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ اهـ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْبِرْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (بِإِكَافٍ) هُوَ الْبَرْذَعَةُ أَوْ مَا تَحْتَهَا.

قَوْلُهُ: (وَرِكَابٍ خَشَبٍ) كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ عَرْضًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (لَا حَدِيدَ وَنَحْوِهِ) فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا سُرُجٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ السُّرُجَ تَكُونُ لِلْخَيْلِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ: وَلَا سُرُجَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْعُهُمْ مِنْ السُّرُجِ فِيمَا يُمَكَّنُونَ مِنْ رُكُوبِهِ مِنْ الْخَيْلِ وَهُوَ الْبَرَاذِينُ فَإِنَّهَا نَوْعٌ مِنْهَا اهـ.

قَوْلُهُ: (إلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ) أَيْ فَيَرْكَبُونَ عَرْضًا وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعِيدَةٍ فَيَرْكَبُونَ عَلَى الْعَادَةِ وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ فَيَرْكَبُ عَرْضًا حَتَّى فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَمِنْ اللُّجُمِ) جَمْعُ لِجَامٍ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا النِّسَاءُ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: الْمُكَلَّفُونَ قَوْلُهُ: (مِنْ خِدْمَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ) أَيْ خِدْمَةٍ تُؤَدِّي إلَى تَعْظِيمِهِمْ كَاسْتِخْدَامِهِمْ فِي الْمَنَاصِبِ الْمُحْوِجَةِ إلَى تَرَدُّدِ النَّاسِ إلَيْهِمْ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمَرَاءِ كُلُّ مَنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي أَمْرٍ عَامٍّ يَقْتَضِي

ص: 290

وَلَا يَصْدِمُهُمْ جِدَارٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهِ» .

أَمَّا إذَا خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ. قَالَ فِي الْحَاوِي وَلَا يَمْشُونَ إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ وَلَا يُوَقَّرُونَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ مُسْلِمٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذَلَّهُمْ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَحْرِيمُ ذَلِكَ.

خَاتِمَةٌ تَحْرُمُ مَوَدَّةُ الْكَافِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22]

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَرَدُّدَ النَّاسِ عَلَيْهِ كَنُظَّارِ الْأَوْقَافِ الْكَبِيرَةِ وَكَمَشَايِخِ الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّ مَحَلَّ الِامْتِنَاعِ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى اسْتِخْدَامِهِ بِأَنْ لَا يَقُومَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَقَامَهُ فِي حِفْظِ الْمَالِ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (إلَى أَضْيَقِ) أَيْ أَعْسَرِ أَيْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَعْسُرُ الْمَشْيُ فِيهِ أَيْ فَيَحْرُمُ إيثَارُهُمْ لِمَنْ قَصَدَ تَعْظِيمَهُمْ وَلَا يَمْشُونَ إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ أَيْ يُمْنَعُونَ وُجُوبًا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَيُلْجَأُ وُجُوبًا عِنْدَ ازْدِحَامِ الْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقٍ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم إلَخْ. ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِمْ بِالْوُجُوبِ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الطَّرِيقِ إيثَارُهُ بِوَاسِعِهِ لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ قَصَدَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَهُ أَوْ عَدَّهُ الْعُرْفُ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْمُسْلِمِ كَالتَّعْلِيَةِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ لِدَوَامِ ضَرَرِ ذَلِكَ دُونَ هَذَا فَلَا ضَرَرَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَهُوَ يَنْقَضِي عَجِلًا اهـ. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ) تَقْيِيدٌ.

قَوْلُهُ: (لَا يَقَعُونَ) أَيْ الْكُفَّارُ.

قَوْلُهُ: (لَا تَبْدَءُوا) وَكَذَا رَدُّ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِمْ فَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَ هُوَ بِحَرَامٍ بَلْ مَكْرُوهٌ. فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ فِي الرَّدِّ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يَزِيدُ عَلَى هَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ ظَنَّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ فَيَقُولَ لَهُ: رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوحِشَهُ وَيُظْهِرَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ وَلَوْ أَرَادَ تَحِيَّةَ ذِمِّيٍّ فَعَلَهَا بِغَيْرِ السَّلَامِ بِأَنْ يَقُولَ: هَدَاك اللَّهُ أَوْ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَك وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَإِذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيَقُولُ: صُبِّحْت بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ بِالْعَافِيَةِ أَوْ صَبَّحَك اللَّهُ بِالسُّرُورِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ وَالنِّعْمَةِ أَوْ بِالْمَسَرَّةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يَقُولَ شَيْئًا فَإِنَّ ذَلِكَ تَبَسُّطٌ لَهُ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ صُورَةِ وُدٍّ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ وَمَنْهِيُّونَ عَنْ وُدِّهِمْ فَلَا نُظْهِرُهُ وَإِذَا مَرَّ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ أَوْ مُسْلِمٌ وَكُفَّارٌ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَيَقْصِدَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْمُسْلِمَ وَإِذَا كَتَبَ كِتَابًا إلَى مُشْرِكٍ وَكَتَبَ فِيهِ سَلَامًا أَوْ نَحْوَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ مَا رُوِيَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ؛ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى» . وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي عِيَادَةِ الذِّمِّيِّ فَاسْتَحَبَّهَا جَمَاعَةٌ وَمَنَعَهَا جَمَاعَةٌ. وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ الِاخْتِلَافَ ثُمَّ قَالَ: الصَّوَابُ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: عِيَادَةُ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْقُرْبَةِ فِيهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَوْعِ حُرْمَةٍ يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ جَوَازٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ حَسَنٌ.

وَيَنْبَغِي لِعَائِدِ الذِّمِّيِّ أَنْ يُرَغِّبَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَيُبَيِّنَ لَهُ مَحَاسِنَهُ وَيَحُثَّهُ عَلَيْهِ وَيُحَرِّضَهُ عَلَى مُعَاجَلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ لَا تَنْفَعُهُ فِيهَا تَوْبَتُهُ وَإِنْ دَعَا لَهُ دَعَا لَهُ بِالْهِدَايَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ وَمَنْ اقْتَرَفَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَرُدَّ عليهم السلام. وَكَذَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ. فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى السَّلَامِ عَلَى الظَّلَمَةِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَخَافَ تَرَتُّبَ مَفْسَدَةٍ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ غَيْرِهِمَا إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسَلِّمُ وَيَنْوِي أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْمَعْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ رَقِيبٌ اهـ وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (فَاضْطَرُّوهُمْ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَاضْطَرُّوهُ بِالْإِفْرَادِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلتَّعْبِيرِ بِأَحَدِهِمْ مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (تَحْرُمُ مَوَدَّةُ الْكَافِرِ) أَيْ الْمَحَبَّةُ وَالْمَيْلُ بِالْقَلْبِ وَأَمَّا الْمُخَالَطَةُ الظَّاهِرِيَّةُ فَمَكْرُوهَةٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَتَحْرُمُ مُوَادَّتُهُمْ

ص: 291

، فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ أَنَّ مُخَالَطَةَ الْكُفَّارِ مَكْرُوهَةٌ أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ تَرْجِعُ إلَى الظَّاهِرِ وَالْمَوَدَّةَ إلَى الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ لَا اخْتِيَارَ لِلشَّخْصِ فِيهِ. أُجِيبَ: بِإِمْكَانِ دَفْعِهِ بِقَطْعِ أَسْبَابِ الْمَوَدَّةِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنْهَا مَيْلُ الْقَلْبِ كَمَا قِيلَ: إنَّ الْإِسَاءَةَ تَقْطَعُ عُرُوقَ الْمَحَبَّةِ. وَالْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَكْتُبَ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ اسْمَ مَنْ عَقَدَ لَهُ وَدِينَهُ وَحِلْيَتَهُ. وَيَتَعَرَّضُ لِسِنِّهِ أَهُوَ شَيْخٌ أَمْ شَابٌّ وَيَصِفَ أَعْضَاءَهُ الظَّاهِرَةَ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَحَاجِبَيْهِ وَعَيْنَيْهِ وَشَفَتَيْهِ وَأَنْفِهِ وَأَسْنَانِهِ وَآثَارِ وَجْهِهِ، إنْ كَانَ فِيهِ آثَارٌ وَلَوْنَهُ مِنْ سُمْرَةٍ أَوْ شُقْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا. وَيَجْعَلَ لِكُلٍّ مِنْ طَوَائِفِهِمْ عَرِيفًا مُسْلِمًا يَضْبِطُهُمْ لِيُعَرِّفَهُ بِمَنْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ مِنْهُمْ أَوْ دَخَلَ فِيهِمْ. وَأَمَّا مَنْ يُحْضِرُهُمْ لِيُؤَدِّيَ كُلٌّ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ أَوْ يَشْتَكِيَ إلَى الْإِمَامِ مَنْ يَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ، فَيَجُوزُ جَعْلُهُ عَرِيفًا لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ كَافِرًا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ إسْلَامُهُ فِي الْغَرَضِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَهُوَ الْمَيْلُ الْقَلْبِيُّ لَا مِنْ حَيْثُ الْكُفْرُ وَإِلَّا كَانَتْ كُفْرًا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكَانَتْ لِأَصْلٍ أَوْ فَرْعٍ أَمْ غَيْرِهِمَا وَتُكْرَهُ مُخَالَطَتُهُ ظَاهِرًا وَلَوْ بِمُهَادَاةٍ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ رَحِمٍ أَوْ جِوَارٍ اهـ وَقَوْلُهُ: مَا لَمْ يَرْجُ إسْلَامَهُ أَوْ يَرْجُ مِنْهُ نَفْعًا أَوْ دَفْعَ شَرٍّ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ فِيهِ مَقَامَهُ كَأَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ عَمَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْصَحُهُ فِيهِ وَيَخْلُصُ أَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ ضَرَرٍ عَنْهُ.

وَأَلْحَقَ بِالْكَافِرِ فِيمَا مَرَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ الْفَاسِقَ وَيُتَّجَهُ حَمْلُ الْحُرْمَةِ عَلَى مَيْلٍ مَعَ إينَاسٍ لَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: يَحْرُمُ الْجُلُوسُ مَعَ الْفُسَّاقِ إينَاسًا لَهُمْ أَمَّا مُعَاشَرَتُهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَحْصُلُ مِنْهُمْ أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ اهـ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (الْمَيْلِ الْقَلْبِيِّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَيْلَ إلَيْهِ بِالْقَلْبِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ دَفْعَ مَضَرَّةٍ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا طَلَبَ حُصُولَ الْمَيْلِ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ إلَى حُصُولِهَا بِقَلْبِهِ وَإِلَّا فَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ التَّكْلِيفِ وَبِتَقْدِيرِ حُصُولِهَا. يَنْبَغِي السَّعْيُ فِي دَفْعِهَا مَا أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (الْإِسَاءَةَ إلَخْ) أَيْ وَالْإِحْسَانُ الَّذِي مِنْهُ الْمَوَدَّةُ يَجْلُبُ الْمَحَبَّةَ.

قَوْلُهُ: (وَحِلْيَتَهُ) أَيْ صِفَتَهُ.

قَوْلُهُ: (وَيَتَعَرَّضُ لِسِنِّهِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: وَحِلْيَتَهُ.

قَوْلُهُ: (لِيُعَرِّفَهُ) أَيْ لِيُخْبِرَهُ وَقَوْلُهُ: بِمَنْ أَيْ الَّذِي مَاتَ. قَوْلُهُ: (فَيَجُوزُ جَعْلُهُ عَرِيفًا) الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: فَيَجُوزُ كَوْنُهُ كَافِرًا. {خَاتِمَةٌ} نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ حَنَابِلَةِ عَصْرِهِ أَنَّهُ أَفْتَى بِمَنْعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ التَّسْمِيَةِ بِمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ تَبِعَهُ ثُمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ النُّفُوسُ تَمِيلُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْأَوَّلِينَ خَوْفَ السَّبِّ وَالسُّخْرِيَةِ. وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَلَا أَدْرِي لَهُ وَجْهًا نَعَمْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ نَهَى نَصَارَى الشَّامِ أَنْ يَكْتَنُوا بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ وَيَقْوَى ذَلِكَ فِيمَا تَضَمَّنَ مَدْحًا كَأَبِي الْفَضْلِ وَالْمَحَاسِنِ وَالْمَكَارِمِ فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى نَحْوِ اسْتِهْزَاءٍ وَاسْتِخْفَافٍ بِنَا مُنِعُوا فَإِنْ سَمَّوْا أَوْلَادَهُمْ فَلَا لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَمِّي وَلَدَهُ إلَّا بِمَا يُحِبُّ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْجَامِعِ وَذَكَرَهُ الشبراملسي. اهـ.

ص: 292