الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْحُدُودِ
جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ زَجْرًا عَنْ ارْتِكَابِ مَا يُوجِبُهُ وَعَبَّرَ عَنْهَا جَمْعًا لِتَنَوُّعِهَا، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْبَابِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ بِالْجِنَايَاتِ شَامِلَةٌ لِلْحُدُودِ وَبَدَأَ مِنْهَا بِالزِّنَا وَهُوَ بِالْقَصْرِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَبِالْمَدِّ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يَحِلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ، وَلِهَذَا كَانَ حَدُّهُ أَشَدَّ الْحُدُودِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَالْأَنْسَابِ فَقَالَ:
(وَالزَّانِي) أَيْ الَّذِي يَجِبُ حَدُّهُ وَهُوَ مُكَلَّفٌ وَاضِحُ الذُّكُورَةِ أَوْلَجَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الْحُدُودِ]
ِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَهَا نِهَايَاتٌ مَضْبُوطَةٌ وَكَانَتْ الْحُدُودُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِالْغَرَامَاتِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِهَذِهِ الْعُقُوبَاتِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَشُرِعَتْ زَجْرًا لِأَرْبَابِ الْمَعَاصِي عَنْهَا فَإِذَا عَلِمَ الزَّانِي مَثَلًا أَنَّهُ إذَا زَنَى حُدَّ امْتَنَعَ مِنْهُ وَهَكَذَا أَقُولُ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ زَوَاجِرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فِي الْمُسْلِمِ جَوَابِرُ لِسُقُوطِ عُقُوبَتِهَا فِي الْآخِرَةِ إذَا اُسْتُوْفِيَتْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْكَافِرِ زَوَاجِرُ بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ وَهُوَ لُغَةً الْمَنْعُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَنْعِهَا مِنْ ارْتِكَابِ الذَّنْبِ وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ حَدَّدَهَا وَقَدَّرَهَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقَصُ وَأَخَّرَ حَدَّ الزِّنَا عَنْ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ دُونَهُ أَيْ بِالنَّظَرِ لِزِنَا غَيْرِ الْمُحْصَنِ فَهُوَ دُونَهُ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُهُ مُقَدَّرَةٌ أَخْرَجَ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ وَجَبَتْ زَجْرًا أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ زَوَاجِرُ وَقَدْ يُقَالُ كَلَامُ الشَّارِحِ لَا يُنَافِي أَنَّهَا جَوَابِرُ إذْ مَعْنَى كَوْنِهَا زَوَاجِرَ أَنَّهَا مَانِعَةٌ لِلشَّخْصِ مِنْ الْعَوْدِ لِمِثْلِهَا فَلَا يُنَافِي كَوْنَهَا جَوَابِرَ
قَوْلُهُ مَا يُوجِبُهُ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْعُقُوبَةِ أَوْ أَنَّهُ ذَكَرَ بِتَأْوِيلِهَا بِالْحَدِّ أَوْ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلْحَدِّ لِأَنَّهُ الْمُعَرَّفُ قَوْلُهُ لَكَانَ أَوْلَى الْأَوْلَى مَا صَنَعَهُ الْمَتْنُ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَبَدَانِ فَلَمْ يَشْمَلْ مَا هُنَا فَكَانَ مَا هُنَا جِنْسًا آخَرَ فَيُنَاسِبُهُ التَّعْبِيرُ بِالْكِتَابِ قَوْلُهُ لِلْحُدُودِ أَيْ لِأَسْبَابِ الْحُدُودِ لِأَنَّ الْحُدُودَ لَيْسَتْ جِنَايَةً قَوْلُهُ وَبَدَأَ مِنْهَا بِالزِّنَا أَيْ بِحَدِّ الزِّنَا.
قَوْلُهُ: (حِجَازِيَّةٌ) وَهِيَ أَفْصَحُ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهَا وَهَذَا بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ، فَهُوَ لُغَةً مُطْلَقُ الْإِيلَاجِ وَشَرْعًا إيلَاجُ الذَّكَرِ فِي قُبُلِ الْآدَمِيِّ، أَوْ فِي فَرْجِ الْآدَمِيِّ، أَوْ فِي الْفَرْجِ مُطْلَقًا اهـ ق ل
قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ أَيْ بَعْدَ الْقَتْلِ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَمِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ عُقُوبَةُ الزِّنَا بِمَا ذُكِرَ وَلَمْ تُجْعَلْ بِقَطْعِ آلَةِ الزِّنَا كَالسَّارِقِ تُقْطَعُ يَدُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ النَّسْلِ وَلِأَنَّ قَطْعَ آلَةِ السَّرِقَةِ تَعُمُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَقَطْعَ الذَّكَرِ يَخُصُّ الرَّجُلَ وَلِأَنَّ الذَّكَرَ لَا ثَانِيَ لَهُ بِخِلَافِ الْيَدِ وَاعْلَمْ أَنَّ ارْتِكَابَ الْكَبَائِرِ لَا يَسْلُبُ الْإِيمَانَ وَلَا يُحْبِطُ الطَّاعَاتِ إذْ لَوْ كَانَتْ مُحْبِطَةً لِذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَبْقَى لِبَعْضِ الْعُصَاةِ طَاعَةٌ وَالْقَائِلُ بِالْإِحْبَاطِ يُحِيلُ دُخُولَهُ الْجَنَّةَ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى دُخُولِ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ الْجَنَّةَ بَلَغَتْ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ وَهِيَ قَاصِمَةٌ لِظُهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِخُلُودِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ
فَرْعٌ سُئِلَ الشَّمْسُ الرَّمْلِيُّ فِيمَنْ زَنَى مِائَةَ مَرَّةٍ مَثَلًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَرَّةٌ حَدٌّ وَإِذَا تَابَ عِنْدَ الْمَوْتِ هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ وَهَلْ لِلزَّوْجِ عَلَى مَنْ زَنَى بِزَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ حَقٌّ وَإِذَا تَابَ الزَّانِي هَلْ يَسْقُطُ حَقُّ زَوْجِهَا عَنْهُ فَأَجَابَ يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَا حَدَّ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلِلزَّوْجِ حَقٌّ عَلَى الزَّانِي بِزَوْجَتِهِ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ بِالتَّوْبَةِ الَّتِي تَوَفَّرَتْ شُرُوطُهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر
قَوْلُهُ وَلَمْ يَحِلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ أَعَادَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَلِهَذَا
قَوْلُهُ عَلَى الْأَعْرَاضِ الْعِرْضُ يُقَالُ عَلَى الْجَسَدِ وَعَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الْحَسَبِ. اهـ. مُخْتَارٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الثَّانِي وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ مَحَلُّ الْمَدْحِ
حَشَفَةَ ذَكَرِهِ الْأَصْلِيِّ الْمُتَّصِلِ أَوْ قَدْرَهَا مِنْهُ عِنْدَ فَقْدِهَا فِي قُبُلِ وَاضِحِ الْأُنُوثَةِ وَلَوْ غَوْرَاءَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ فَارِقًا بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي بَابِ التَّحْلِيلِ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى تَكْمِيلُ اللَّذَّةِ مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالذَّمِّ مِنْ الْإِنْسَانِ فَالزِّنَا جِنَايَةٌ عَلَى الْعِرْضِ لِأَنَّ الزَّانِيَ تُذَمُّ نَفْسُهُ وَكَذَا الْمَزْنِيُّ بِهَا شَيْخُنَا قَوْلُهُ وَالْأَنْسَابِ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ
. وَقَوْلُهُ: الَّذِي إلَخْ يَخْرُجُ بِهِ الْخُنْثَى وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُكَلَّفٌ) . أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُولَجُ فِيهِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَيُحَدُّ الْمُكَلَّفُ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُولَجُ فِيهِ مُكَلَّفًا، وَالْمُولِجُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَيُحَدُّ الْمُولَجُ فِيهِ. وَحَاصِلُ الشُّرُوطِ اثْنَا عَشَرَ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، ثَانِيهَا: وَاضِحُ الذُّكُورَةِ، ثَالِثُهَا: أَوْلَجَ جَمِيعَ حَشَفَتِهِ، رَابِعُهَا: أَصَالَةُ الذَّكَرِ، خَامِسُهَا: اتِّصَالُهُ، سَادِسُهَا: فِي قُبُلٍ، سَابِعُهَا: أَنْ يَكُونَ الْقُبُلُ وَاضِحَ الْأُنُوثَةِ، ثَامِنُهَا: أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا، تَاسِعُهَا: فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، عَاشِرُهَا: لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ، حَادِيَ عَشَرَهَا: الْخُلُوُّ عَنْ الشُّبْهَةِ ثَانِيَ عَشَرَهَا: أَنْ يَكُونَ مُشْتَهًى طَبْعًا وَالشَّارِحُ جَعَلَهَا تِسْعَةً. وَق ل أَحَدَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (أَوْلَجَ حَشَفَةَ ذَكَرِهِ) وَلَوْ مِنْ ذَكَرٍ أَشَلَّ وَلَوْ بِحَائِلٍ غَلِيظٍ وَلَوْ غَيْرَ مُنْتَشِرٍ وَلَوْ مِنْ طِفْلٍ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الزِّنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ وَفِي حَاشِيَةِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: إيلَاجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ لَك أَنْ تَقُولَ: إنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الزِّنَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ؛ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى زِنَاهَا الْإِيلَاجُ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيلَاجِ مَفْهُومٌ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَصْدَرَ أَوْلَجَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَمَصْدَرَ أُولِجَ فِيهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَيَتَنَاوَلُ زِنَا الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرَهَا إلَخْ) وَلَوْ مِنْ طِفْلٍ أَيْ، أَوْ كَانَ هُوَ مُكَلَّفًا وَطِئَ طِفْلَةً صَغِيرَةً وَلَوْ بِنْتَ يَوْمٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَالْمَرْأَةُ أَدْخَلَتْ فَرْجَ صَبِيٍّ وَلَوْ ابْنَ يَوْمٍ فِي فَرْجِهَا فَإِنَّهَا تُحَدُّ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ فَقْدِهَا) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَلَا عِبْرَةَ بِقَدْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الذَّكَرِ. فَلَوْ ثَنَى ذَكَرَهُ وَأَدْخَلَ مِنْهُ قَدْرَهَا لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَقِطْعَةِ لَحْمٍ مِنْ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ الِالْتِذَاذِ اهـ زي. وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِإِيلَاجِ ذَكَرٍ زَائِدٍ وَلَوْ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيِّ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا إذَا عَلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْخَلَتْ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِهَا وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّ تَمْكِينَهَا مِنْ ذَلِكَ كَفِعْلِهِ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فِي قُبُلٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَجْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي مِنْ حُكْمِ اللِّوَاطِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَأْخُذْ مُحْتَرَزَهُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بِفَرْجٍ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ مِنْ ذَكَرٍ، أَوْ أُنْثَى اهـ. قَوْلُهُ:" بِفَرْجِ " أَيْ، وَلَوْ فَرْجَ نَفْسِهِ كَأَنْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي دُبُرِهِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ خِلَافُهُ فَاحْذَرْهُ. وَهَلْ مِنْ الْفَرْجِ مَا لَوْ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِي ذَكَرِ غَيْرِهِ، أَوْ لَا؟
فِيهِ نَظَرٌ، وَإِطْلَاقُ الْفَرْجِ، يَشْمَلُهُ فَلْيُرَاجَعْ ع ش عَلَى م ر. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَرْجٌ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ آدَمِيٍّ قُبُلٌ، أَوْ دُبُرٌ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْإِيلَاجَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ، وَمِنْ غَيْرِهِ فِيهِ، وَمِنْهُ فِيهِ كَأَنْ أَوْلَجَ ذَكَرَ نَفْسِهِ فِي دُبُرِ نَفْسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ: وَزَادَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ تَتَعَلَّقُ بِهِ كَفِطْرِ صَائِمٍ، وَفَسَادِ نُسُكٍ، وَوُجُوبِ كَفَّارَةٍ فِيهِمَا مَعَ الْحَدِّ وَوُجُوبِ غُسْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَوَافَقَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ صَرِيحُ مَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا. م ر ذَكَرَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ غَوْرَاءَ) : يَعْنِي إذَا أَوْلَجَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلِ الْغَوْرَاءِ فَهُوَ زِنًا وَإِنْ لَمْ تَزُلْ الْبَكَارَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَأَوْلَجَ الْمُحَلِّلُ حَشَفَتَهُ وَلَمْ تَزُلْ الْبَكَارَةُ فَلَا يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَدَارَ التَّحْلِيلِ عَلَى اللَّذَّةِ الْكَامِلَةِ، وَلَا تُوجَدُ إلَّا بِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ، وَمَدَارُ الزِّنَا عَلَى مُجَرَّدِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ كَمَالُ اللَّذَّةِ وَتُرْجَمُ: الْغَوْرَاءُ إذَا زَنَتْ حَيْثُ وُطِئَتْ فِي الْقُبُلِ مِنْ زَوْجٍ وَلَمْ تَزُلْ بَكَارَتُهَا وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْبِكْرِ فِي إجْبَارِهَا وَتَخْصِيصِهَا بِسَبْعِ لَيَالٍ فِي الزِّفَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا رُجِمَتْ فِي الْحَدِّ زَجْرًا لَهَا وَتَغْلِيظًا عَلَيْهَا. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ) أَيْ اعْتِبَارُ تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ فِي بَابِ التَّحْلِيلِ وَلَا تَكْمُلُ اللَّذَّةُ لِلْمُحَلِّلِ إلَّا بِزَوَالِ الْبَكَارَةِ وَمَدَارُ الزِّنَا عَلَى مُجَرَّدِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ كَمَالُ اللَّذَّةِ.
قَوْلُهُ: (مُحَرَّمٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ) جَعَلَهُ الشَّارِحُ كُلَّهُ قَيْدًا وَاحِدًا بِدَلِيلِ أَخْذِ الْمُحْتَرَزِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهَا ثَلَاثَةً، وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِأَنَّ الشَّارِحَ أَخَذَ مَفْهُومَ نَفْسِ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: إذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ بِالظَّنِّ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَخَذَ أَيْضًا مَفْهُومَ عَيْنِ الْإِيلَاجِ بِمَا إذَا وَطِئَ حَائِضًا قَالَ الزَّرْكَشِيّ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً اهـ. سم عَلَى الْمَنْهَجِ أَيْ فَإِنَّهُ يُحَدُّ بِوَطْئِهَا مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لِعَيْنِهَا بَلْ لِزِيَادَتِهَا عَلَى الْعَدَدِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا لَمَّا زَادَتْ عَلَى الْعَدَدِ
خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحَدِّ مُشْتَهًى طَبْعًا بِأَنْ كَانَ فَرْجَ آدَمِيٍّ حَيٍّ، فَهَذِهِ قُيُودٌ لِإِيجَابِ الْحَدِّ.
خَرَجَ بِالْأَوَّلِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا. وَبِالثَّانِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا أَوْلَجَ آلَةَ الذُّكُورَةِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، وَكَوْنِ هَذَا عِرْقًا زَائِدًا. وَبِالثَّالِثِ مَا لَوْ أَوْلَجَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ فَلَا حَدَّ. وَبِالرَّابِعِ مَا لَوْ خُلِقَ لَهُ ذَكَرَانِ مُشْتَبِهَانِ فَأَوْلَجَ أَحَدَهُمَا فَلَا حَدَّ لِلشَّكِّ فِي كَوْنِهِ أَصْلِيًّا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَبِالْخَامِسِ الذَّكَرُ الْمُبَانُ فَلَا حَدَّ فِيهِ. وَبِالسَّادِسِ مَا لَوْ أَوْلَجَ فِي فَرْجِ خُنْثَى مُشْكِلٍ فَلَا حَدَّ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ وَكَوْنِ هَذَا الْمَحَلِّ زَائِدًا. وَبِالسَّابِعِ الْمُحَرَّمُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ كَوَطْءِ حَائِضٍ وَصَائِمَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ وَنَحْوِهِ وَبِنَفْسِ الْأَمْرِ؛ كَمَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَبِالثَّامِنِ وَطْءُ الْمَيِّتَةِ وَالْبَهِيمَةِ فَلَا حَدَّ فِيهِ. وَبِالتَّاسِعِ وَطْءُ شُبْهَةِ الطَّرِيقِ، وَالْفَاعِلِ وَالْمَحَلِّ إلَّا فِي جَارِيَةِ بَيْتِ الْمَالِ فَيُحَدُّ بِوَطْئِهَا، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِعْفَافَ فِيهِ، وَإِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الشَّرْعِيِّ كَانَتْ كَأَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهَا عَقْدٌ مِنْ الْوَاطِئِ فَجُعِلَتْ مُحَرَّمَةً لِعَيْنِهَا لِعَدَمِ مَا يُزِيلُ التَّحْرِيمَ الْقَائِمَ بِهَا ابْتِدَاءً اهـ عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ) أَيْ لِذَاتِهِ.
قَوْلُهُ: (مُشْتَهًى) أَيْ جِنْسُهُ لِتَدْخُلَ الصَّغِيرَةُ فَيُحَدَّ بِوَطْئِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْقُضْ الْوُضُوءَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى كَوْنِ الْمَلْمُوسِ نَفْسِهِ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ وَلَوْ فِي حَالٍ سَابِقٍ كَالْمَيِّتَةِ لَا مُتَرَقَّبٍ كَالصَّغِيرَةِ، وَالْفَرْقُ قُوَّةُ السَّابِقِ وَضَعْفُ الْمُتَرَقَّبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُوجَدَ فَخَرَجَ الْمُحَرَّمُ؛ وَهُنَا عَلَى كَوْنِ الْمَوْطُوءِ لَا يَنْفِرُ مِنْهُ الطَّبْعُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَدَخَلَتْ الصَّغِيرَةُ وَالْمُحَرَّمُ، وَخَرَجَتْ الْمَيِّتَةُ. اهـ. س ل. قَوْلُهُ:(فَرْجَ آدَمِيٍّ) أَوْ جِنِّيَّةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إذَا تَحَقَّقَتْ أُنُوثَتُهَا، لِأَنَّ الطَّبْعَ لَا يَنْفِرُ مِنْهَا حِينَئِذٍ وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَوْ جِنِّيَّةً حَيْثُ تَحَقَّقَتْ أُنُوثَتُهَا وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَفِي ع ش عَلَى م ر خِلَافُهُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا) وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ لِكَوْنِهِ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ التَّحْرِيمَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا وَطِئَ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ وَأَحْبَلَهَا مُدَّعِيًا جَهْلَهُ، وَأَنَّ مِلْكَ زَوْجَتِهِ مِلْكٌ لَهُ، وَهُوَ: عَدَمُ قَبُولِ ذَلِكَ مِنْهُ وَحَدُّهُ، وَكَوْنُ الْوَلَدِ رَقِيقًا لِعَدَمِ خَفَاءِ ذَلِكَ عَلَى مُخَالِطِنَا ع ش عَلَى م ر اهـ.
وَلَوْ زَنَى ظَانًّا أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ فَبَانَ أَنَّهُ بَالِغٌ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْحَدِّ سم.
قَوْلُهُ: (وَكَوْنِ هَذَا) أَيْ وَلِاحْتِمَالِ كَوْنِ هَذَا إلَخْ وَمَحَلُّهُ فِي خُنْثَى لَهُ آلَتَانِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا آلَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَوْلَجَ فِيهَا فَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْفَاعِلِ، لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ آلَةَ النِّسَاءِ، فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ آلَةَ ذُكُورٍ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ آلَةَ الذُّكُورِ يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا الْحَدُّ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ.
قَوْلُهُ: (الْمُحَرَّمُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ) هَذَا خَارِجٌ بِهِ بِاعْتِبَارِ تَقْيِيدِهِ بِعَيْنِ الْإِيلَاجِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ نَفْسِ الْأَمْرِ. وَكَانَ الْأَوْلَى فِيهِمَا التَّرْتِيبَ وَلِكَوْنِهِمَا قَيْدَيْنِ فِي الْقَيْدِ لَمْ يَعْتَبِرْهُمَا فِي الْعَدَدِ.
قَوْلُهُ: (وَبِنَفْسِ الْأَمْرِ إلَخْ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَيْدٌ مُسْتَقِلٌّ وَاعْتِبَارُهُ مُسْتَقِلًّا يَقْتَضِي جَعْلَهُ ثَامِنًا مَعَ أَنَّ الشَّارِحَ أَدْرَجَهُ فِي السَّابِعِ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ الثَّامِنَ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَلِذَا قَالَ ق ل: أَيْ وَخَرَجَ بِقَيْدِ نَفْسِ الْأَمْرِ، فَهُوَ قَيْدٌ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدَهُ وَذَكَرَ مُحْتَرَزَهُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ وَطِئَ إلَخْ) الَّذِي فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ " مَا لَوْ وَطِئَ " بِدُونِ الْكَافِ، وَهِيَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَبِالثَّامِنِ وَطْءُ الْمَيِّتَةِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِالتَّاسِعِ لَا بِالثَّامِنِ، وَالثَّامِنُ هُوَ قَوْلُهُ لِعَيْنِ الْإِيلَاجِ وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ: مُشْتَهًى طَبْعًا لَكَانَ مُسْتَقِيمًا.
قَوْلُهُ: (وَبِالتَّاسِعِ وَطْءُ شُبْهَةِ الطَّرِيقِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا خَارِجٌ بِالثَّامِنِ لَا بِالتَّاسِعِ فَقَدْ أَخَلَّ فِي التَّعْبِيرِ فَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (شُبْهَةِ الطَّرِيقِ) وَهِيَ مَا قَالَ بِهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَشُهُودٍ بِأَنْ رَاعَى مَذْهَبَ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ كَأَنْ زَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا فَهِيَ شُبْهَةُ طَرِيقٍ فَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ الْمَذْهَبُ فَلَا حَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَقْلِيدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَاعِلُ) كَأَنْ يَظُنَّ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً زَوْجَتَهُ، فَيَطَؤُهَا فَلَا حَدَّ. وَكَوَطْءِ الْمُكْرَهِ، وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الزِّنَا وَالْقَتْلَ لَا يُبَاحَانِ بِالْإِكْرَاهِ وَكَذَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ مُمَثِّلًا لَهَا بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَإِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لَكِنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَحَلِّ) بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَوَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَلَا حَدَّ وَكَوَطْءِ جَارِيَةِ وَلَدِهِ، لِأَنَّ مَالَ الْوَلَدِ كُلَّهُ مَحَلٌّ لِإِعْفَافِ أَصْلِهِ، وَمِنْهُ الْجَارِيَةُ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ لِمَحْرَمِيَّةِ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَأُخْتِهِ مِنْهُمَا وَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَوَطْءِ أَمَةٍ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ اهـ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ الثَّلَاثَةَ فِي قَوْلِهِ:
اسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ.
ثُمَّ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَقْسِيمِ الْحَدِّ فِي حَقِّهِ (عَلَى ضَرْبَيْنِ مُحْصَنٍ) وَهُوَ مَنْ اسْتَكْمَلَ الشُّرُوطَ الْآتِيَةَ: (وَغَيْرِ مُحْصَنٍ) وَهُوَ مَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا. (فَالْمُحْصَنُ) وَالْمُحْصَنَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَدُّهُ الرَّجْمُ) حَتَّى يَمُوتَ بِالْإِجْمَاعِ وَتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ فِيهِ كَرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ. وَقُرِئَ شَاذًّا " وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ " وَهَذِهِ نُسِخَ لَفْظُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا. وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَحْزَابِ كَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَلَوْ زَنَى قَبْلَ إحْصَانِهِ وَلَمْ يُحَدَّ ثُمَّ زَنَى بَعْدَهُ ثَمَّ رُجِمَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي اللِّعَانِ، وَأَرْسَلَ فِيهَا فِي بَابِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَجْهَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِتَرْجِيحٍ.
وَصَحَّحَ فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الرَّاجِحَ مَا صَحَّحَاهُ فِي اللِّعَانِ، وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِي التَّنْبِيهِ أَيْضًا، وَمَشَيْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ. (وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إذَا كَانَ حُرًّا (حَدُّهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ) لِآيَةِ:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] أَيْ وِلَاءً فَلَوْ فَرَّقَهَا نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَزَلْ الْأَلَمُ لَمْ يَضُرَّ. وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ خَمْسِينَ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ ضَرَّ، وَعُلِّلَ بِأَنَّ الْخَمْسِينَ حَدُّ الرَّقِيقِ وَسُمِّيَ جَلْدًا لِوُصُولِهِ إلَى الْجِلْدِ. (وَتَغْرِيبُ عَامٍ) لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِذَلِكَ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
الَّذِي أَبَاحَ الْبَعْضُ حِلَّهُ فَلَا
…
حَدَّ بِهِ وَلِلطَّرِيقِ اشْتَمَلَا
وَشُبْهَةٌ لِفَاعِلٍ كَأَنْ أَتَى
…
لِحُرْمَةٍ يَظُنُّ حِلًّا مُثْبَتَا
ذَاتَ اشْتِرَاكٍ أَلْحِقَنْ وَسَمِّيَنْ
…
هَذَا الْأَخْيَرَ بِالْمَحَلِّ فَاعْلَمَنْ
وَمِثَالُ الْأَوَّلِ كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ عِنْدَ الْعَقْدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عِنْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبِلَا وَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا حَدَّ عَلَى الْفَاعِلِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ دَمِيرِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: نَعَمْ إنْ حَكَمَ حَاكِمٌ فِي إبْطَالِ النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَفُرِّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَزِمَهُمَا الْحَدُّ أَيْ بِالْوَطْءِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي جَارِيَةِ بَيْتِ الْمَالِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شُبْهَةُ النَّفَقَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي تِلْكَ الْأَمَةِ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا بَاعَ الْجَارِيَةَ وَصَرَفَ ثَمَنَهَا لِحَاجَتِهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِعْفَافَ) أَيْ التَّزْوِيجَ
قَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الزَّانِي عَلَى ضَرْبَيْنِ جَعَلَ الشَّارِحُ " عَلَى ضَرْبَيْنِ " خَبَرًا لِلَّذِي قَدَّرَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ الزَّانِي الَّذِي فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يُقَدِّرْ لَهُ خَبَرًا وَلَا يُقَالُ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنْهُ لِأَنَّ " ثُمَّ " تَمْنَعُ مِنْ الْإِخْبَارِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ وَالِاسْتِئْنَافَ، وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي التَّعَلُّقَ. قَوْلُهُ:(مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَاعِزًا زَنَى بِالْغَامِدِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَهِيَ زَنَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ، رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ:«كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي هَزَّالٍ فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ تُسَمَّى فَاطِمَةَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَانَتْ أَمَةً لِأَبِي هَزَّالٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو هَزَّالٍ: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْت لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَك، فَجَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ وَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَاعِزٍ قَبْلَ رَجْمِهِ لَوْ سَتَرْتَهُ بِتَوْبَتِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ» اهـ. س ل وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ لَيْسَتْ قِصَّتُهُمَا وَاحِدَةً بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قِصَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؛ مَاعِزٌ زَنَى بِالْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْغَامِدِيَّةُ زَنَتْ بِرَجُلٍ آخَرَ وَجَمَعَهُمَا فِي قَوْلِهِ: قِصَّةُ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ أَيْ قِصَّةُ رَجْمِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ قِصَّةٌ وَأَنَّ مَاعِزًا لَمْ يَزْنِ بِالْغَامِدِيَّةِ، وَالْغَامِدِيَّةُ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ حَيٍّ مِنْ الْأَزْدِ وَفِي حَدِيثِهَا «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» يَعْنِي الْمَكَّاسَ وَهُوَ الْعَشَّارُ الَّذِي يَأْخُذُ الْعُشْرَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رُجِمَ) أَيْ وَيُقَسَّطُ التَّعْزِيرُ، شَرْحَ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمَا عُقُوبَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَقُولُ بِانْدِرَاجِ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ.
قَوْلُهُ: (وَأَرْسَلَ) أَيْ أَطْلَقَ فِيهَا وَجْهَيْنِ أَيْ دُخُولَ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ وَعَدَمَ دُخُولِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ إنْ زَالَ الْأَلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَتَغْرِيبُ عَامٍ) وَشُرُوطُ التَّغْرِيبِ سِتَّةٌ: أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عَامًا، وَأَنْ يَكُونَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقُ، وَأَنْ يَكُونَ إلَى
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ عَطْفُهُ التَّغْرِيبَ بِالْوَاوِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ قُدِّمَ التَّغْرِيبُ عَلَى الْجَلْدِ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَأَفْهَمَ لَفْظُ التَّغْرِيبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْرِيبِ الْإِمَامِ، أَوْ نَائِبِهِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَغْرِيبَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَغَابَ سَنَةً، ثُمَّ عَادَ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْكِيلُ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَابْتِدَاءُ الْعَامِ مِنْ حُصُولِهِ فِي بَلَدِ التَّغْرِيبِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا وَلَوْ ادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ الْعَامِ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ، لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُحَلَّفُ نَدْبًا.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُثْبِتَ فِي دِيوَانِهِ أَوَّلَ زَمَانِ التَّغْرِيبِ، وَيُغَرِّبَ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا (إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَضَرِ لِتَوَاصُلِ الْأَخْبَارِ فِيهَا إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ فَمَا فَوْقَهَا. إنْ رَآهُ الْإِمَامُ، لِأَنَّ عُمَرَ غَرَّبَ إلَى الشَّامِ وَعُثْمَانَ إلَى مِصْرَ وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ وَلْيَكُنْ تَغْرِيبُهُ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ إرْسَالًا. وَإِذَا عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لِلْمُغَرَّبِ أَنْ يَخْتَارَ غَيْرَهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِالزَّجْرِ، وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ غُرِّبَ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّهُ امْتَثَلَ، وَالْمَنْعُ مِنْ الِانْتِقَالِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا مَعَ نَفَقَةٍ يَحْتَاجُهَا وَكَذَا مَالٌ يَتَّجِرُ فِيهِ. كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ أَهْلَهُ وَعَشِيرَتَهُ، فَإِنْ خَرَجُوا مَعَهُ لَمْ يُمْنَعُوا، وَلَا يُعْقَلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ لَكِنْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ بِهِ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى بَلَدِهِ، أَوْ إلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهَا لَا لِئَلَّا يَنْتَقِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ، وَلَوْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهَا، أَوْ إلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهُ رُدَّ وَاسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ إذْ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ سَنَةِ التَّغْرِيبِ فِي الْحُرِّ وَلَا نِصْفِهَا فِي غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْإِيحَاشَ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ. وَقَضِيَّةُ هَذَا: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُغَرَّبُ زَانٍ غَرِيبٌ لَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنْ يَكُونَ الطَّرِيقُ وَالْمَقْصِدُ آمِنًا، وَأَنْ لَا يَكُونَ بِالْبَلَدِ طَاعُونٌ لِحُرْمَةِ دُخُولِهِ، وَيُزَادُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ أَنْ يَخْرُجَا مَعَ نَحْوِ مَحْرَمٍ كَمَا يَأْتِي وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي مُضِيِّ عَامٍ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ وَيُحَلَّفُ نَدْبًا إنْ اُتُّهِمَ لِبِنَاءِ حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ، وَتُغَرَّبُ الْمُعْتَدَّةُ وَأُخِذَ مِنْهُ تَغْرِيبُ الْمَدِينِ أَمَّا مُسْتَأْجِرُ الْعَيْنِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ تَغْرِيبِهِ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ كَمَا لَا يُحْبَسُ إنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فِي الْحَبْسِ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ قُدِّمَ التَّغْرِيبُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ لِلْفَاعِلِ أَيْ قَدَّمَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ.
قَوْلُهُ: (جَازَ) لَكِنَّ الْأَوْلَى عَكْسُهُ.
قَوْلُهُ: (لَفْظُ التَّغْرِيبِ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى فِعْلِ فَاعِلٍ وَهُوَ الْحَاكِمُ بِخِلَافِ التَّغَرُّبِ.
قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ) كَمَا إذَا حَدَّ نَفْسَهُ فَلَا يَكْفِي.
قَوْلُهُ: (مِنْ حُصُولِهِ) أَيْ حُلُولِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ خُرُوجِهِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ فَيَكْفِي الْعَامُ وَلَوْ ذَهَابًا، وَإِيَابًا فَلَوْ قَطَعَ الْمَسَافَةَ ذَهَابًا كَفَى ق ل. قَوْلُهُ:(أَنْ يُثْبِتَ) أَيْ لِأَجْلِ ضَبْطِ الْمُدَّةِ لِئَلَّا يَدَّعِيَ الْمُغَرَّبُ مُضِيَّهَا قَبْلَ أَنْ تَمْضِيَ. قَوْلُهُ: (فِيهَا) الْمُنَاسِبُ فِيهِ، لِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِمَا دُونَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَنَّثَ بِتَأْوِيلِ مَا دُونَهَا بِالْمَسَافَةِ الَّتِي دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ.
قَوْلُهُ: (فَمَا فَوْقَهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ.
قَوْلُهُ: (لَا يُمْنَعُ) ضَعِيفٌ وَعَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهَا وَبَيْنَ بَلَدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، أَوْ أَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (أَهْلَهُ) أَيْ زَوْجَتَهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعْقَلُ فِي الْمَوْضِعِ) أَيْ يُقَيَّدُ.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ إلَخْ) فَلَوْ لَمْ تَفِدْ مَعَهُ الْمُرَاقَبَةُ، أَوْ خُشِيَ مِنْهُ فَسَادُ النِّسَاءِ وَالْغِلْمَانِ فَإِنَّهُ يُقَيَّدُ وَأَخَذَ مِنْهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ كُلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِإِفْسَادِ النِّسَاءِ، أَوْ الْغِلْمَانِ أَيْ وَلَمْ يَنْزَجِرْ إلَّا بِحَبْسِهِ حُبِسَ قَالَ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ م ر فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ هَذَا) أَيْ قَوْلِهِ: اُسْتُؤْنِفَتْ فَجَعَلَ ذَلِكَ اسْتِئْنَافًا لِلتَّغْرِيبِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَلَدُ الَّذِي كَانَ فِيهَا أَوَّلًا.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ إلَخْ) إنْ كَانَ مُرَادُهُ التَّغْرِيبَ الثَّانِيَ كَانَ كَلَامُهُ مُعْتَمَدًا وَكَانَ قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ هَذَا أَيْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِيحَاشُ وَقَوْلُهُ: وَيُغَرَّبُ زَانٍ غَرِيبٌ أَيْ وَتَدْخُلُ مُدَّةُ التَّغْرِيبِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي. وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الزَّانِيَ إنْ زَنَى فِي وَطَنِهِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ كَمَا فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا وَزَنَى فَإِنْ تَوَطَّنَ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْ اُنْتُظِرَ تَوَطُّنُهُ، ثُمَّ
بَلَدٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا تَنْكِيلًا وَإِبْعَادًا عَنْ مَوْضِعِ الْفَاحِشَةِ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ إيحَاشُهُ وَعُقُوبَتُهُ وَعَوْدُهُ إلَى وَطَنِهِ يَأْبَاهُ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا لِيَحْصُلَ مَا ذُكِرَ فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ الْأَصْلِيِّ مُنِعَ مِنْهُ مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي شُرُوطِ الْإِحْصَانِ فِي الزِّنَا فَقَالَ: (وَشَرَائِطُ الْإِحْصَانِ أَرْبَعَةٌ) الْأَوَّلُ (الْبُلُوغُ وَ) الثَّانِي (الْعَقْلُ) فَلَا حَصَانَةَ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ يُؤَدَّبَانِ بِمَا يَزْجُرُهُمَا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
تَنْبِيهٌ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ فِي الْإِحْصَانِ صَحِيحٌ. إلَّا أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِحْصَانِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَالْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ كَالْمُكَلَّفِ. (وَ) الثَّالِثُ (الْحُرِّيَّةُ) . فَالرَّقِيقُ: لَيْسَ بِمُحْصَنٍ، وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا وَمُسْتَوْلَدَةً، لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ، وَالرَّجْمُ لَا نِصْفَ لَهُ وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا، أَوْ مُرْتَدًّا:«لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ» كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، زَادَ أَبُو دَاوُد:«وَكَانَا قَدْ أُحْصِنَا» .
تَنْبِيهٌ: عَقْدُ الذِّمَّةِ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ لَا لِكَوْنِهِ مُحْصَنًا، فَلَوْ غَيَّبَ حَرْبِيٌّ حَشَفَتَهُ فِي نِكَاحٍ وَصَحَّحْنَا أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَهُوَ مُحْصَنٌ حَتَّى لَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَزَنَى رُجِمَ وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ وَخَرَجَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ فَإِنَّا
ــ
[حاشية البجيرمي]
يُغَرَّبُ وَإِنْ زَنَى وَهُوَ مُسَافِرٌ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ مَقْصِدِهِ، وَإِنْ زَنَى فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهَا انْتَقَلَ مِنْهَا إلَى مَحَلٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ الزِّنَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ الْأَصْلِيِّ. وَعِبَارَةُ م ر وَلَوْ زَنَى فِيمَا غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ لِغَيْرِهِ بَعِيدًا عَنْ وَطَنِهِ وَمَحَلِّ زِنَاهُ. قَوْلُهُ:(الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ) أَيْ أَوَّلًا.
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ) وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ الَّذِي زَنَى بِهَا أَخْذًا مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَيُغَرَّبُ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (مُنِعَ مِنْهُ) وَيُسْتَأْنَفُ تَغْرِيبُهُ إنْ وَصَلَ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَشَرَائِطُ الْإِحْصَانِ) أَيْ إحْصَانِ حَدِّ الزِّنَا، وَأَمَّا إحْصَانُ حَدِّ الْقَذْفِ فَسَيَأْتِي أَنَّ شُرُوطَهُ خَمْسَةٌ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَعِفَّتُهُ عَنْ وَطْءٍ مُحَرَّمٍ مَمْلُوكَةً لَهُ وَعَنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ فِي دُبُرِهَا، وَإِلَّا بَطَلَتْ حَصَانَتُهُ. اهـ. م د. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِحْصَانَ لَهُ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ مِنْهَا الْمَنْعُ نَحْوُ قَوْلِهِ {لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] وَمِنْهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} [النساء: 25] وَبِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَبِمَعْنَى الْعِفَّةِ وَمِنْهُ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وَبِمَعْنَى التَّزْوِيجِ وَمِنْهُ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ وَعَلَى الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ مَعَ الشُّرُوطِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.
قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ) أَيْ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا شُرُوطٌ عَامَّةٌ لِلْجَلْدِ وَالرَّجْمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ اعْتِبَارِ التَّكْلِيفِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ.
قَوْلُهُ: (فِي الْإِحْصَانِ) مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِبَارِ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ حَدَّ مُحْصَنٍ، أَوْ غَيْرِ مُحْصَنٍ.
قَوْلُهُ: (الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) الْمُرَادُ بِهَا مُطْلَقُ الذِّكْرِ.
قَوْلُهُ: (الْحُرِّيَّةُ) أَيْ الْكَامِلَةُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ ذِمِّيًّا) غَايَةٌ فِي الْحُرِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الذِّمِّيِّ) الْأَوْلَى عَلَى الْكَافِرِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ: عَقْدُ الذِّمَّةِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا يَكُونُ عَقْدُ الذِّمَّةِ مَوْجُودًا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: عَقْدُ الذِّمَّةِ إلَخْ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَفْظَ الذِّمِّيِّ فِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ أَيْ الْكَافِرُ الَّذِي يُؤَوَّلُ إلَى كَوْنِهِ ذِمِّيًّا.
قَوْلُهُ: (لَا لِكَوْنِهِ مُحْصَنًا) بَلْ يَكُونُ مُحْصَنًا وَإِنْ وَطِئَ حَالَ الْحِرَابَةِ فِي نِكَاحٍ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَزَنَى) أَيْ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى حَالَ حِرَابَتِهِ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ الَّذِي زَنَى حَالَ ذِمِّيَّتِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ) أَيْ فَإِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ وَزَنَى فَيُحَدُّ بِالرَّجْمِ فِي حَالِ الرِّدَّةِ اعْتِبَارًا بِحُصُولِ الْإِحْصَانِ فِي
لَا نُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا عَلَى الْمَشْهُورِ. (وَ) الرَّابِعُ (وُجُودُ الْوَطْءِ) بِغَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا عِنْدَ فَقْدِهَا مِنْ مُكَلَّفٍ بِقُبُلٍ وَلَوْ لَمْ تَزُلْ الْبَكَارَةُ كَمَا مَرَّ.
(فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مُرَكَّبَةٌ فِي النُّفُوسِ فَإِذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ فِي عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ وَطِئَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ فَقَدْ اسْتَوْفَاهَا. فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْحَرَامِ وَلِأَنَّهُ يُكْمِلُ طَرِيقَ الْحِلِّ بِدَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ، أَوْ رِدَّةٍ، فَخَرَجَ بِقَيْدِ الْوَطْءِ الْمُفَاخَذَةُ وَنَحْوُهَا. وَبِقَيْدِ الْحَشَفَةِ غَيْبُوبَةُ بَعْضِهَا وَبِقَيْدِ الْقُبُلِ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ وَبِقَيْدِ النِّكَاحِ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ. وَبِقَيْدِ الصَّحِيحِ الْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ صِفَةُ كَمَالٍ، فَلَا حَصَانَةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْمُحْتَرَزِ عَنْهَا بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ. وَالْأَصَحُّ: الْمَنْصُوصُ اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ لِحَشَفَةِ الرَّجُلِ أَوْ قَدْرِهَا حَالَ حُرِّيَّتِهِ الْكَامِلَةِ وَتَكْلِيفِهِ. فَلَا يَجِبُ الرَّجْمُ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ رَقِيقٌ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ، لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَكْمَلِ الْجِهَاتِ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ، فَاعْتُبِرَ حُصُولُهُ مِنْ كَامِلٍ حَتَّى لَا يُرْجَمَ مَنْ وَطِئَ وَهُوَ نَاقِصٌ ثُمَّ زَنَى وَهُوَ كَامِلٌ، وَيُرْجَمَ مَنْ كَانَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ كَجُنُونٍ وَرِقٍّ وَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ فِي الْحَالَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: يَرُدُّ عَلَى هَذَا إدْخَالُ الْمَرْأَةِ حَشَفَةَ الرَّجُلِ وَهُوَ نَائِمٌ وَإِدْخَالُهُ فِيهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ لِلنَّائِمِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْفِعْلِ.
أُجِيبَ: بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِ قَبْلَ النَّوْمِ.
تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ شَرْطِ الِاخْتِيَارِ هُنَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْإِصَابَةُ وَالزَّوْجُ مُكْرَهٌ عَلَيْهَا.
وَقُلْنَا: بِتَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ حَصَلَ التَّحْصِينُ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الْوَاطِئِ تُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الْمَوْطُوءَةِ وَالْأَظْهَرُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ: أَنَّ الْكَامِلَ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ بِنَاقِصٍ؛ مُحْصَنٌ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ. فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَا كَامِلَيْنِ.
وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ زَانِيَةٌ وَحْدَهَا بَلْ مَعَ زَوْجٍ، أَوْ مَحْرَمٍ لِخَبَرِ:«لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ»
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْإِسْلَامِ فَلَا تَمْنَعُ مِنْهُ الرِّدَّةُ.
قَوْلُهُ: (الْمُسْتَأْمَنُ) وَمِثْلُهُ الْمُعَاهَدُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْمَشْهُورِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِعَقْدٍ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ. قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا زَنَى وَلَوْ لَمْ يُزِلْ الْبَكَارَةَ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ، أَوْ يُرْجَمُ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا وَطِئَ) فِعْلُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ: فَقَدْ اسْتَوْفَاهَا أَيْ الشَّهْوَةَ جَوَابُ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ إلَخْ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ) أَيْ الْوَطْءَ فِي النِّكَاحِ يُكْمِلُ أَيْ يُقَوِّي طَرِيقَ الْحِلِّ أَيْ حِلِّ النِّكَاحِ بِدَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ، أَوْ رِدَّةٍ فَإِنَّ مَنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ ارْتَدَّ أَوْ ارْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ تَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ أَوْ الرِّدَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَا تَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ بِمُجَرَّدِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْوَطْءِ مَزِيَّةً تَقْتَضِي التَّوَقُّفَ عَلَيْهِ هُنَا فَلَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ.
قَوْلُهُ: (طَرِيقُ الْحِلِّ) أَيْ حِلِّ الزَّوْجَةِ، وَطَرِيقُ الْحِلِّ هِيَ الْعَقْدُ وَقَوْلُهُ: بِدَفْعِ مُتَعَلِّقٍ بِ يَكْمُلُ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ بِسَبَبِ دَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ، أَوْ رِدَّةٍ حَاصِلَةٍ بِدُونِ وَطْءٍ، لِأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ تَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ مَعَهُ بِطَلْقَةٍ، أَوْ رِدَّةٍ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْوَطْءُ يَدْفَعُ ذَلِكَ أَيْ يَدْفَعُ الْبَيْنُونَةَ بِمَا ذُكِرَ بَلْ لَا تَحْصُلُ الْبَيْنُونَةُ إلَّا بِثَلَاثِ طَلْقَاتٍ وَلَا تَحْصُلُ بِالرِّدَّةِ إلَّا إذَا لَمْ يَجْمَعْهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ لِلْوَطْءِ مَزِيَّةً تَقْتَضِي تَوَقُّفَ الْإِحْصَانِ عَلَيْهِ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْعَقْدِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ فِي الْحَالَيْنِ) مُسْتَدْرَكٌ.
قَوْلُهُ: (بِنَاقِصٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: تَزَوَّجَ بِنَاقِصٍ، أَوْ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِكَامِلٍ أَيْ الَّذِي يَكْمُلُ بِالنَّاقِصِ وَالْمُرَادُ كَامِلٌ مَعَ نَاقِصٍ وَخَبَرُ أَنَّ قَوْلُهُ:" مُحْصَنٌ " لَا مَحْذُوفٌ كَمَا تُوُهِّمَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَمْ أَمَةً وَمِثْلُهَا الْأَمْرَدُ الْجَمِيلُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ هَذَا عَلَى شُرُوطِ الْإِحْصَانِ. قَوْلُهُ: (بَلْ مَعَ زَوْجٍ) بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً، أَوْ حُرَّةً وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ طَرَأَ التَّزْوِيجُ بَعْدَ الزِّنَا فَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ لَهَا زَوْجٌ مُحْصَنَةٌ اهـ. رَشِيدِيٌّ وَعِبَارَةُ خ ض فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ تَكُونُ زَوْجَةً وَتَزْنِي وَيَكُونُ الْوَاجِبُ التَّغْرِيبَ دُونَ الرَّجْمِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ لِلزَّوْجَةِ إنَّمَا هُوَ الرَّجْمُ لَا الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ. قُلْت: يُصَوَّرُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَزَنَتْ فَيُقَالُ لَهَا زَوْجَةٌ الْآنَ وَهُوَ زَوْجٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَحْرَمٍ) وَمِثْلُهُ نِسْوَةٌ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ يَوْمًا إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَلِأَنَّ الْقَصْدَ تَأْدِيبُهَا.
وَالزَّانِيَةُ إذَا خَرَجَتْ وَحْدَهَا هَتَكَتْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ لَمْ يُجْبَرْ. كَمَا فِي الْحَجِّ، لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ وَلَا يَأْثَمُ بِامْتِنَاعِهِ. كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ فَيُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهَا إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ مَنْ يَخْرُجُ مَعَهَا، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي حَدِّ غَيْرِ الْحُرِّ قَالَ (وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ) الْمُكَلَّفَيْنِ وَلَوْ مُبَعَّضَيْنِ (حَدُّهُمَا نِصْفُ حَدِّ الْحُرِّ) وَهُوَ خَمْسُونَ جَلْدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْمُرَادُ الْجَلْدُ، لِأَنَّ الرَّجْمَ قَتْلٌ، وَالْقَتْلُ لَا يَتَنَصَّفُ.
وَرَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أُتِيَ بِعَبْدٍ وَأَمَةٍ زَنَيَا فَجَلَدَهُمَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْأُنْثَى بِجَامِعِ الرِّقِّ. وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ لَعَمَّ الْمُكَاتَبَ، وَأَمَّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضَ. وَيُغَرَّبُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ نِصْفَ سَنَةٍ. كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ نِصْفُ الْحُرِّ وَلِعُمُومِ الْآيَةِ فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ.
تَنْبِيهٌ: مُؤْنَةُ الْمُغَرَّبِ فِي مُدَّةِ تَغْرِيبِهِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ حُرًّا وَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا. وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مُؤْنَةِ الْحُرِّ وَلَوْ زَنَى الْعَبْدُ الْمُؤَجَّرُ حُدَّ. وَهَلْ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ، أَوْ يُؤَخَّرُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ؟ وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَقْرُبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ طُولِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقِصَرِهَا قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ ذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْحُرِّ أَيْضًا انْتَهَى. وَالْأَوْجَهُ: أَنَّهُ لَا يُغَرَّبَ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ كَمَا لَا يُحْبَسُ لِغَرِيمِهِ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ بَلْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
ثِقَاتٌ وَثِقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَمْسُوحٌ ثِقَةٌ، وَعَبْدُهَا الثِّقَةُ إذَا كَانَتْ ثِقَةً وَكَذَا سَفَرُهَا وَحْدَهَا إذَا أَمِنَتْ الطَّرِيقَ وَالْمَقْصِدَ كَمَا فِي الْحَجِّ بَلْ أَوْلَى وَالْمُرَادُ بِصُحْبَةِ مَنْ ذُكِرَ مَعَهَا صُحْبَتُهُ ذَهَابًا، وَإِيَابًا لَا إقَامَةً.
قَوْلُهُ: (مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) اُنْظُرْ أَيَّ فَائِدَةٍ فِي " ذِي " مَعَ أَنَّ مَحْرَمًا اسْمٌ لِلشَّخْصِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْرَمِ الْمَحْرَمِيَّةُ.
قَوْلُهُ: (جِلْبَابَ) أَيْ سُتْرَةَ فَإِضَافَتُهُ إلَى الْحَيَاءِ مِنْ إضَافَةِ الْمُشَبَّهِ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ أَيْ: الْحَيَاءَ الَّذِي كَالْجِلْبَابِ بِجَامِعِ الْمَنْعِ فِي كُلٍّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِأُجْرَةٍ) فَتَجِبُ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَتْ، وَإِلَّا فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ شَيْءٌ أُخِّرَ التَّغْرِيبُ إلَى أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الْأُجْرَةِ، وَقِيلَ تَكُونُ عَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَعِبَارَةُ م ر: فَإِنْ كَانَتْ مُعْسِرَةً فَفِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أُخِّرَ التَّغْرِيبُ إلَى أَنْ تُوسِرَ كَأَمْنِ طَرِيقٍ اهـ. قَالَ الزِّيَادِيُّ وَيُتَّجَهُ فِي الْقِنَّةِ أَنَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ سَوَاءٌ غَرَّبَ السَّيِّدُ، أَوْ الْإِمَامُ كَالْحُرَّةِ الْمُعْسِرَةِ.
قَوْلُهُ: (الْمُكَلَّفَيْنِ) نَعْتٌ مَقْطُوعٌ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَعْنِي الْمُكَلَّفَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ النَّعْتَ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ إلَّا إذَا تَعَيَّنَ الْمَنْعُوتُ بِدُونِهِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] بِالتَّزْوِيجِ وَالْمُرَادُ بِإِحْصَانِهِنَّ صَيْرُورَتُهُنَّ عَفِيفَاتٍ بِسَبَبِ التَّزْوِيجِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْبَيْضَاوِيِّ، لِأَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ لَا يُوصَفُ بِهِ الرَّقِيقُ فَالْإِحْصَانُ لَيْسَ قَيْدًا، لِأَنَّ الْبِكْرَ تُحَدُّ أَيْضًا وَتُغَرَّبُ.
قَوْلُهُ: {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْعَذَابِ شَامِلٌ لِلتَّغْرِيبِ، لِأَنَّهُ عَذَابٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ " وَلِعُمُومِ الْآيَةِ " اهـ.
قَوْلُهُ: (خَمْسِينَ خَمْسِينَ) كَرَّرَهُ مَرَّتَيْنِ، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الْخَمْسِينَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ:(كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْحَدَّ شَامِلٌ لِلتَّغْرِيبِ. قَوْلُهُ: (وَلِعُمُومِ الْآيَةِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ حَمَلَهَا أَوَّلًا عَلَى الْجَلْدِ وَقَوْلُهُ: فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ إلَخْ. فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ عَلَى فَرْضِ عُمُومِ الْآيَةِ يَكُونُ بِالنَّصِّ لَا بِالشَّبَهِ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ إحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ وَهُمَا عُمُومٌ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلِهِ: فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى نَفْسِهِ) وَهَذَا شَامِلٌ لِلزَّوْجَةِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فَإِنْ صَحِبَهَا وَتَمَتَّعَ بِهَا فَيَنْبَغِي وُجُوبُ نَفَقَتِهَا سم. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُغَرَّبِ مَالٌ فَيَقْتَرِضُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يُوسِرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا لَا تَبَرُّعًا.
قَوْلُهُ: (عَلَى مُؤْنَةِ الْحُرِّ) صَوَابُهُ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ فَإِنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ نَفَقَتَهُ الزَّائِدَةَ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُؤَجَّرَ حُرًّا كَانَ، أَوْ رَقِيقًا لَا يُغَرَّبُ إلَخْ مُعْتَمَدٌ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ
أَوْلَى، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهَا حَبْسٌ فَإِنَّهَا تُحْبَسُ، وَلَوْ فَاتَ التَّمَتُّعُ عَلَى الزَّوْجِ، لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لَهُ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
وَيَثْبُتُ الزِّنَا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ لِآيَةِ: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15] ، أَوْ إقْرَارٍ حَقِيقِيٍّ وَلَوْ مَرَّةً، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْبَيِّنَةِ التَّفْصِيلُ فَتَذْكُرُ بِمَنْ زَنَى لِجَوَازِ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا وَالْكَيْفِيَّةَ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَتَتَعَرَّضُ لِلْحَشَفَةِ، أَوْ قَدْرِهَا وَقْتَ الزِّنَا، فَتَقُولُ رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ، أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ كَالْخِيَاطَةِ وَالْكِتَابَةِ.
قَوْلُهُ: (إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ) كَالْبِنَاءِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْحَبْسَ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ التَّغْرِيبُ حَقُّ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا تُحْبَسُ) مَعَ أَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُسْتَأْجَرَةَ لِلزَّوْجِ، لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ صَارَتْ كَأَنَّهَا مُسْتَأْجَرَةً لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ فَاتَ التَّمَتُّعُ) غَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ) أَيْ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ الْعَبْدَ حَدُّهُ نِصْفُ الْحُرِّ. وَغَرَضُهُ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ الرَّقِيقَ الْكَافِرَ لَا يُحَدُّ، لِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ حُكْمًا تَبَعًا لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ تُحَدُّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهَا جِزْيَةٌ، لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِزَوْجِهَا، أَوْ لِأَهْلِهَا.
قَوْلُهُ: (بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) وَيُزَادُ اللِّعَانُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَلَا بِحَبَلِ الْمَرْأَةِ وَهِيَ خَلِيَّةٌ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ: وَإِذَا ظَهَرَ بِالْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ حَمْلٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا زَوْجٌ وَتَقُولُ أُكْرِهْتُ، أَوْ وُطِئْتُ بِشُبْهَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَدٌّ كَمَا قَالَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ رِوَايَتَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهَا تُحَدُّ إذَا كَانَتْ مُقِيمَةً لَيْسَتْ بِغُرْبَةٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الشُّبْهَةِ وَالْغَصْبِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ كَمَجِيئِهَا مُسْتَغِيثَةً وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ بِهِ صِدْقُهَا، وَوَجْهُ الْأَوَّلِ عَدَمُ تَحَقُّقِنَا مِنْهَا مَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُطِئَتْ وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَطْءِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّ امْرَأَةً لَا زَوْجَ لَهَا أُتِيَ بِهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ وَجَدُوهَا حَامِلًا فَقَالَ عُمَرُ لِلْحَاضِرِينَ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ مَا هِيَ مِنْ أَهْلِ التُّهْمَةِ، ثُمَّ اسْتَفْهَمَهَا عَنْ شَأْنِهَا، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي امْرَأَةٌ أَرْعَى الْغَنَمَ، وَإِذَا دَخَلْتُ فِي صَلَاتِي فَرُبَّمَا غَلَبَ عَلَيَّ الْخُشُوعُ فَأَغِيبُ عَنْ إحْسَاسِي فَرُبَّمَا أَتَى أَحَدٌ مِنْ الْعُتَاةِ فَغَشِيَنِي مِنْ غَيْرِ عِلْمِي أَيْ وَطِئَنِي قَالَ تَعَالَى:{فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا} [الأعراف: 189] إلَخْ فَقَالَ لَهَا عُمَرُ رضي الله عنه: وَذَلِكَ ظَنِّي بِكِ وَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ، وَقَدْ حَكَيْت ذَلِكَ لِزَوْجَتِي أُمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَتْ: إنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَخَلَّقُ إلَّا مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا، وَإِذَا كَانَتْ غَائِبَةَ الْعَقْلِ فَلَا شُعُورَ لَهَا بِلَذَّةِ جِمَاعِ ذَلِكَ الرَّجُلِ حَتَّى يَخْرُجَ مَاؤُهَا وَتَخَلُّقُ الْوَلَدِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ خَصَائِصِ عِيسَى عليه الصلاة والسلام قَالَتْ: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا شَعَرَتْ بِوَطْءِ الرَّجُلِ لَهَا فَخَرَجَ مَاؤُهَا وَلَكِنْ اسْتَحْيَتْ مِنْ النَّاسِ فَأَوْرَثَ ذَلِكَ شُبْهَةً عِنْدَ عُمَرَ فَدَرَأَ الْحَدَّ عَنْهَا. إلَّا إنَّهُ سَلَّمَ لَهَا قَوْلَهَا مُطْلَقًا فَقُلْت لَهَا: وَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ احْتَلَمَتْ بَعْدَ نَزْعِ الرَّجُلِ مِنْهَا فَاخْتَلَطَ مَنِيُّهَا بِمَنِيِّهِ الْبَاقِي فِي رَحِمِهَا فَتَخَلَّقَ مِنْ ذَلِكَ الْوَلَدُ، أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ وَرَثَةِ أُمِّ عِيسَى فِي الْمَقَامِ فَكَمَا قَامَ نَفْخُ الْمَلَكِ فِي ذَيْلِ قَمِيصِ مَرْيَمَ مَقَامَ مَاءِ الزَّوْجِ كَذَلِكَ قَامَ نَفْخُ مَلَكٍ، أَوْ شَيْطَانٍ فِي ذَيْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مَقَامَ مَاءِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ عَادَةً فَقَالَتْ: هَذَا بَعِيدٌ اهـ. وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ مَالِك الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إنَّهَا تُحَدُّ فَهُوَ لِعَدَمِ إبْدَائِهَا شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ عَنْهَا عِنْدَهُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَرَّةً) . غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ إلَّا بِتَعَدُّدِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ شَاهِدٍ، وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ لِلْمُقِرِّ بِالزِّنَا:«لَعَلَّكَ لَمَسْتَ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ لَعَلَّكَ فَاخَذْتَ فَصَارَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ زَنَيْتُ» . قَوْلُهُ: (فَتَذْكُرُ بِمَنْ زَنَى) أَيْ فَتُصَرِّحُ بِاَلَّتِي زَنَى بِهَا كَأَنْ تَقُولَ: أَدْخَلَ حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ فُلَانَةَ عَلَى سَبِيلِ الزِّنَا. وَلَا بُدَّ أَنْ تَذْكُرَ الْإِحْصَانَ، أَوْ عَدَمَهُ كَمَا فِي الْعُبَابِ. اهـ. ح ل. قَوْلُهُ:(وَالْكَيْفِيَّةَ) أَيْ كَيْفِيَّةَ مَا وُجِدَ مِنْهُ هَلْ هُوَ إيلَاجٌ أَوْ غَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (وَتَتَعَرَّضُ لِلْحَشَفَةِ) تَفْصِيلٌ لِلْكَيْفِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَقْتَ الزِّنَا) وَكَذَا مَكَانُهُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَحِلُّ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَفِي مَكَان دُونَ مَكَان.
قَوْلُهُ:
حَشَفَتَهُ فِي فَرْجِ فُلَانَةَ، عَلَى وَجْهِ الزِّنَا وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْإِقْرَارِ مُفَصَّلًا كَالشَّهَادَةِ. وَخَرَجَ بِالْإِقْرَارِ الْحَقِيقِيِّ التَّقْدِيرِيُّ وَهُوَ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا، وَلَكِنْ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ.
وَيُسَنُّ لِلزَّانِي وَكُلِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً: السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ لِخَبَرِ: «مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
(وَحُكْمُ اللِّوَاطِ) وَهُوَ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا فِي دُبُرِ ذَكَرٍ وَلَوْ عَبْدَهُ أَوْ أُنْثَى غَيْرَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ. (وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ) مُطْلَقًا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ (حُكْمُ الزِّنَا) فِي الْقُبُلِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي اللِّوَاطِ فَقَطْ فَيُرْجَمُ الْفَاعِلُ الْمُحْصَنُ، وَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ غَيْرُهُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَأَمَّا الْمَفْعُولُ بِهِ فَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ مُطْلَقًا أُحْصِنَ أَمْ لَا.
عَلَى الْأَصَحِّ وَخَرَجَ بِقَيْدِ " غَيْرَ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ " اللِّوَاطُ بِهِمَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بَلْ وَاجِبُهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الرَّوْضَةِ.
أَيْ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلَا تَعْزِيرَ. كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فِي التَّعْزِيرِ مِثْلُهُ.
، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ إتْيَانَ الْبَهَائِمِ فِي الْحَدِّ كَالزِّنَا فَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ حَدٌّ يَجِبُ بِالْوَطْءِ كَذَا عَلَّلَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ.
وَالثَّانِي أَنَّ وَاجِبَهُ الْقَتْلُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهُوَ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ) كَمَا إذَا قَذَفَ شَخْصًا بِالزِّنَا وَطَلَبَ مِنْهُ الْمَقْذُوفُ حَدَّ الْقَذْفِ فَطَلَبَ مِنْهُ يَمِينَهُ، عَلَى أَنَّهُ مَا زَنَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينَ فَحَلَفَ أَنَّهُ زَانٍ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلزَّانِي إلَخْ) وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ سَقَطَ الْحَدُّ لَا إنْ هَرَبَ، أَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي. أَمَّا الْحَدُّ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يَسْقُطُ هُوَ وَلَا الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ. اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: ثُمَّ رَجَعَ أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ، أَوْ بَعْدَهُ كَأَنْ قَالَ: كَذَبْتُ، أَوْ مَا زَنَيْتُ، أَوْ رَجَعْتُ أَوْ فَاخَذْتُ فَظَنَنْتُهُ زِنًا وَإِنْ شَهِدَ حَالُهُ بِكَذِبِهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَعَلَى قَاتِلِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ الدِّيَةُ لَا الْقَوَدُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ لِإِسْقَاطِ مَهْرِ مَنْ قَالَ: زَنَيْتُ بِهَا مُكْرَهَةً، لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. اهـ. زي، مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ م ر. وَقَوْلُهُ: لَا تَحُدُّونِي خَرَجَ مَا لَوْ قَالَ: قَدْ حَدَّنِي الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يُرَ لَهُ أَثَرٌ بِبَدَنِهِ. وَقَوْلُهُ: فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ أَيْ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَقْوَى مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْإِقْرَارَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّ أَقْوَى مِنْ الْبَيِّنَةِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (الْقَاذُورَاتِ) أَيْ الْمَعَاصِي. قَوْلُهُ (صَفْحَتَهُ) أَيْ ذَنْبَهُ وَنُسْخَةٌ " فُضْحَتَهُ " أَيْ زَلَّتَهُ وَجَرِيمَتَهُ، وَمَحَلُّ نَدْبِ السَّتْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ شَيْخٍ يُرْشِدُهُ لِدَوَاءِ ذَنْبِهِ وَهُوَ التَّوْبَةُ مِنْهُ، أَوْ كَسْرٍ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِأَجْلِ النَّدَمِ.
قَوْلُهُ: (وَحُكْمُ اللِّوَاطِ إلَخْ) وَلِبَعْضِهِمْ فِي ذَمِّهِ نَظْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّعْرَانِيُّ:
ظَلَامٌ لِقَلْبٍ ضِيقُ رِزْقٍ لِفَاعِلٍ
…
لِإِحْدَى خِصَالٍ ثُمَّ مَقْتٌ بِحِرْمَانِ
هِيَ الْكِيمْيَا ثُمَّ اللِّوَاطُ وَشُغْلُهُ
…
بِعِلْمٍ لِرُوحَانِيٍّ كَذَا نَصُّ شَعْرَانِيّ
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ أَمْ لَا.
قَوْلُهُ: (حُكْمُ الزِّنَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى زِنًا وَهَذَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ، وَإِلَّا فَهُوَ زِنًا شَرْعًا وَلِذَلِكَ يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَزْنِي ق ل. قَوْلُهُ:(فِي الْقُبُلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالزِّنَا. قَوْلُهُ (عَلَى الْمَذْهَبِ فِي اللِّوَاطِ) وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ مُطْلَقًا وَفِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ. قِيلَ: بِالسَّيْفِ وَقِيلَ: بِالرَّجْمِ، وَقِيلَ: بِهَدْمِ جِدَارٍ عَلَيْهِ. وَقِيلَ بِإِلْقَائِهِ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) بَيَّنَ الْإِطْلَاقَ بِقَوْلِهِ: أَحْصَنَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْمَفْعُولِ فِي دُبُرِهِ؛ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إدْخَالُ الذَّكَرِ فِي الدُّبُرِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ حَتَّى يُؤَثِّرَ الْإِحْصَانُ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ فِيهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَنْ خَشِيَ الزِّنَا وَزَوْجَتُهُ حَائِضٌ يُبَاحُ لَهُ دُبُرُهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ يُبَاحُ لَهُ حِينَئِذٍ وَطْؤُهَا فِي الْقُبُلِ مَعَ الْحَيْضِ لِلضَّرُورَةِ قَوْلُهُ:(بَلْ وَاجِبُهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ) وَلَيْسَ كَبِيرَةً فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ق ل.
قَوْلُهُ: (وَالزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فِي التَّعْزِيرِ مِثْلُهُ) أَيْ الزَّوْجِ، هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْ فَإِنَّهَا إذَا مَكَّنَتْ زَوْجَهَا، أَوْ سَيِّدَهَا مِنْ دُبُرِهَا بِاخْتِيَارِهَا فَإِنَّهَا تُعَزَّرُ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ التَّعْزِيرُ عَلَى التَّكْرِيرِ لِخَوْفِ الْمُقَاطَعَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ تَسْقُطُ بِهَا. قَوْلُهُ:(بَيْنَ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ) لِلْحَدِيثِ الْآتِي أَيْ فَيُقْتَلُ الْأَوَّلُ وَيُجْلَدُ
مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ. وَأَظْهَرُهَا لَا حَدَّ فِيهِ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَأْبَاهُ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَى زَاجِرٍ بِحَدٍّ. بَلْ يُعَزَّرُ وَفِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:" لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ " وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ.
. (وَمَنْ وَطِئَ) الْأَوْلَى " وَمَنْ بَاشَرَ "(فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) بِمُفَاخَذَةٍ، أَوْ مُعَانَقَةٍ، أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (عُزِّرَ) بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ ضَرْبٍ، أَوْ صَفْعٍ، أَوْ حَبْسٍ أَوْ نَفْيٍ، وَيَعْمَلُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ الِاقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِهَا. وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّوْبِيخِ بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَلَا يَبْلُغُ الْإِمَامُ وُجُوبًا (بِالتَّعْزِيرِ أَدْنَى الْحُدُودِ) لِأَنَّ الضَّابِطَ فِي التَّعْزِيرِ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَا فِيهِ حَدٌّ كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ، وَالسَّبِّ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ أَمْ لَا، كَالتَّزْوِيرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنُشُوزِ الْمَرْأَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الثَّانِي وَيُغَرَّبُ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي أَنَّ وَاجِبَهُ الْقَتْلُ) وَفِي كَيْفِيَّتِهِ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي اللِّوَاطِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْبَهِيمَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ مِنْهُ أَنَّ قَتْلَهَا بِذَبْحِهَا إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً وَيَغْرَمُ الْفَاعِلُ بِهَا مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً، لِأَنَّ ذَبْحَهَا مَصْلَحَةٌ وَهُوَ السَّتْرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فِي بَقَائِهَا تَذَكُّرًا لِلْفَاحِشَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَالْأَصَحُّ: حِلُّ أَكْلِهَا إذَا ذُبِحَتْ، وَفِي وَجْهٍ لَا شَيْءَ لِصَاحِبِهَا، لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ قَتْلَهَا لِلْمَصْلَحَةِ دَمِيرِيٌّ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهَا بِغَيْرِ الذَّبْحِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَأْكُولَةِ فَيَضْمَنُهَا كُلَّهَا إذَا ذُبِحَتْ.
قَوْلُهُ: (فَاقْتُلُوهُ) مَنْسُوخٌ عِنْدَنَا بِالْحَدِيثِ الْآتِي أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ. قَوْلُهُ: (وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ) أَيْ سَتْرًا عَلَى الْفَاعِلِ، لِأَنَّهَا إذَا رُئِيَتْ تُذُكِّرَ الْفَاعِلُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (الْأَوْلَى وَمَنْ بَاشَرَ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْوَطْءِ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ فِي فَرْجٍ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِهِ لِلْمُشَاكَلَةِ.
قَوْلُهُ: (بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ) أَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ اسْتِيفَاءِ غَيْرِ الْأُمِّ مَالَهُ نَعَمْ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَأْدِيبُ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَمِثْلُهُمَا الْأُمُّ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَلِلسَّيِّدِ تَأْدِيبُ قِنِّهِ وَلَوْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِلْمُعَلِّمِ تَأْدِيبُ الْمُتَعَلِّمِ مِنْهُ لَكِنْ بِإِذْنِ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ، وَلِلزَّوْجِ تَعْزِيرُ زَوْجَتِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَنُشُوزٍ م ر: وَقَوْلُهُ: وَلِلْمُعَلِّمِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرًا وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ تَعَيَّنَ لِلتَّعْلِيمِ، أَوْ كَانَ أَصْلَحَ مِنْ غَيْرِهِ فِي التَّعْلِيمِ، وَعِبَارَةُ ق ل وَمُعَلِّمٌ لِمُتَعَلِّمٍ مِنْهُ وَلَوْ غَيْرَ صَبِيٍّ وَسَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ، أَوْ لَا إذْ لَهُ التَّأْدِيبُ وَلَوْ بِالضَّرْبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَالَ ع ش وَمِنْ ذَلِكَ الشَّيْخُ مَعَ الطَّلَبَةِ فَلَهُ تَأْدِيبُ مَنْ حَصَلَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي تَأْدِيبَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّعَلُّمِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ يَأْتِي صَاحِبُ الْحَقِّ لِلشَّيْخِ وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْ الْمُتَعَلِّمِ مِنْهُ فَإِذَا طَلَبَهُ الشَّيْخُ مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ فَلَيْسَ لَهُ ضَرْبُهُ وَلَا تَأْدِيبُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ تَوْفِيَةِ الْحَقِّ فَلَوْ عَزَّرَهُ الشَّيْخُ بِالضَّرْبِ وَغَيْرِهِ حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ:(مِنْ ضَرْبٍ) أَيْ غَيْرِ مُبَرِّحٍ قَوْلُهُ: (أَوْ صَفْعٍ) هُوَ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ، أَوْ بَسْطِهَا م ر.
قَوْلُهُ: (أَوْ حَبْسٍ) أَيْ أَوْ قِيَامٍ مِنْ مَجْلِسٍ، أَوْ كَشْفِ رَأْسٍ، أَوْ تَسْوِيدِ وَجْهٍ، أَوْ حَلْقِ رَأْسٍ لِمَنْ يَكْرَهُهُ فِي زَمَنِنَا لَا لِلِحْيَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا: بِكَرَاهَتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَيْ لَا يَجُوزُ بِذَلِكَ فَإِنْ فُعِلَ بِهِ حُرِّمَ وَحَصَلَ التَّعْزِيرُ، كَمَا قَالَهُ ح ل خِلَافًا لِلشَّوْبَرِيِّ فِي عَدَمِ حُصُولِ التَّعْزِيرِ بِذَلِكَ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ حَيْثُ يَرَاهُ الْإِمَامُ فَلْيُحَرَّرْ، وَإِرْكَابُهُ الْحِمَارَ مَنْكُوسًا وَالدَّوْرَانُ بِهِ كَذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ وَتَهْدِيدُهُ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ.
وَجَوَّزَ الْمَاوَرْدِيُّ صَلْبَهُ حَيًّا مِنْ غَيْرِ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُمْنَعُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي لَا مُومِيًا أَيْ بَلْ يُطْلَقُ حَتَّى يُصَلِّيَ، ثُمَّ يُصْلَبُ خِلَافًا لَهُ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِكُلِّ مُعَزَّرٍ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ وَبِجِنَايَتِهِ أَيْ مَا يَلِيقُ بِهِ وَبِجِنَايَتِهِ وَأَنْ يُرَاعِيَ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّدْرِيجِ مَا مَرَّ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ فَلَا يَرْتَقِي لِمَرْتَبَةٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ إذْ لِلْإِمَامِ الْجَمْعُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ فَأَكْثَرَ إنْ رَآهُ م ر فِي شَرْحِهِ قَالَ ق ل: وَمَنَعَ شَيْخُنَا م ر كَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ الضَّرْبَ بِالدِّرَّةِ الْمَعْرُوفَةِ الْآنَ لِذَوِي الْهَيْئَاتِ، لِأَنَّهُ صَارَ عَارًا فِي ذُرِّيَّتِهِمْ اهـ.
قَوْلُهُ: (عَلَى التَّوْبِيخِ) أَيْ إنْ أَفَادَ. قَوْلُهُ: (أَدْنَى الْحُدُودِ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُرِّ وَعِشْرُونَ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّقِيقِ سم هَذَا إذَا كَانَ التَّعْزِيرُ بِالضَّرْبِ أَمَّا غَيْرُهُ كَالْحَبْسِ فَيَتَعَلَّقُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.
قَوْلُهُ: (كَالتَّزْوِيرِ) التَّزْوِيرُ هُوَ مُحَاكَاةُ الْخَطِّ.
وَمَنْعِ الزَّوْجِ حَقَّهُ مَعَ الْقُدْرَةِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: 34] الْآيَةَ فَأَبَاحَ الضَّرْبَ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَكَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى التَّعْزِيرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُئِلَ: " عَمَّنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا: فَاسِقُ يَا خَبِيثُ فَقَالَ: يُعَزَّرُ ".
تَنْبِيهٌ: اقْتَضَى الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: تَعْزِيرُ ذِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا الْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ. وَمِنْهَا مَا إذَا ارْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَمِنْهَا مَا إذَا كَلَّفَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ مَا لَا يُطِيقُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: لَا تَعُدْ فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ. وَمِنْهَا مَا إذَا قَطَعَ الشَّخْصُ أَطْرَافَ نَفْسِهِ. الْأَمْرُ الثَّانِي: مَتَى كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ حَدٌّ كَالزِّنَا أَوْ كَفَّارَةٌ كَالتَّمَتُّعِ بِطِيبٍ فِي الْإِحْرَامِ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ لِإِيجَابِ الْأَوَّلِ الْحَدَّ وَالثَّانِي الْكَفَّارَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا إفْسَادُ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ، أَوْ أَمَتِهِ. فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهَا الْمُظَاهِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ يَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ مَعَ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ الصُّغْرَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأُمِّهِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ مُعْتَكِفٌ مُحْرِمٌ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَالْبَدَنَةُ وَيُحَدُّ لِلزِّنَا وَيُعَزَّرُ لِقَطْعِ رَحِمِهِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ: مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُعَزَّرَانِ إذَا فَعَلَا مَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا مَعْصِيَةً. وَمِنْهَا أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَمْنَعُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ وَيُؤَدِّبُ عَلَيْهِ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ. وَظَاهِرُهُ تَنَاوُلُ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ. وَمِنْهَا نَفْيُ الْمُخَنَّثِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ لِلْمَصْلَحَةِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (فَقَالَ يُعَزَّرُ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقَائِلُ الْقَذْفَ، وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الْحَدُّ لِمَا يَأْتِي أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (اقْتَضَى الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ) وَهُوَ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَجْرِي فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: اقْتَضَى الضَّابِطُ أَيْ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَالْأَوَّلُ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَالْأَخِيرَانِ مِنْ الْمَفْهُومِ. قَوْلُهُ: (الْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ) أَيْ إذَا ضَرَبَهُ مِنْ غَيْرِ حَقٍّ بِأَنْ كَانَ لَا لِقَصْدِ التَّأْدِيبِ، أَوْ سَبَّهُ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ كَيَا ظَالِمُ وَيَا أَحْمَقُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَيَا سَارِقُ.
قَوْلُهُ: (مَا إذَا ارْتَدَّ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ فِيهَا حَدٌّ وَهُوَ الْقَتْلُ فَكَيْفَ اسْتَثْنَاهَا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ سَقَطَ الْحَدُّ فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا مَا إذَا كَلَّفَ إلَخْ) وَمِنْهَا مَا لَوْ وَطِئَ الرَّجُلُ حَلِيلَتَهُ فِي دُبُرِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا يُعَزَّرُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَعْزِيرُهُ عَلَى وَطْءِ الْحَائِضِ، لِأَنَّهُ أَفْحَشُ، لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَكُفْرِ مُسْتَحِلِّهِ مَعَ أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ رَذِيلَةٌ يَنْبَغِي عَدَمُ إذَاعَتِهَا أَيْ إشَاعَتِهَا م ر فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ) لَكِنَّ الثَّلَاثَ الْأُوَلَ مِنْ الَّذِي فِيهِ كَفَّارَةٌ. وَالرَّابِعَ مِنْ الَّذِي فِيهِ كَفَّارَةٌ وَحَدٌّ مَعًا.
قَوْلُهُ: (الْغَمُوسُ) أَيْ الْبَاطِلُ بِأَنْ اعْتَرَفَ أَنَّهُ حَلَفَ بَاطِلًا عَامِدًا عَالِمًا، وَأَمَّا لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَا يُعَزَّرُ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهَا كَمَا قَالَهُ: ح ل.
قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْعِتْقُ) : أَيْ كَفَّارَةٌ لِلصَّوْمِ وَقَوْلُهُ: وَالْبَدَنَةُ أَيْ لِإِفْسَادِ النُّسُكِ.
قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ) أَيْ وَلَوْ مُبَاحًا كَمَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الشِّطْرَنْجَ لِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَيُعَزِّرُ الْمُحْتَسِبُ الْآخِذَ وَالْمُعْطِيَ. قَوْلُهُ: (تَنَاوُلُ اللَّهْوِ الْمُبَاحِ) الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ مَعَهُ كَاللَّعِبِ بِالطَّارِ كَالْمَدَّاحِينَ وَالْغِنَاءِ فِي الْقَهَاوِي مَثَلًا وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْمُسَمَّى بِالْمُزَاحِ ع ش. وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر: وَأَمَّا مَنْ يَكْتَسِبُ بِالْحَرَامِ فَالتَّعْزِيرُ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فِي الْحَرَامِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي مِصْرِنَا مِنْ اتِّخَاذِ مَنْ يَذْكُرُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةً وَأَكْثَرُهَا أَكَاذِيبُ فَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ رَدُّهُ إلَى دَافِعِهِ. وَإِنْ وَقَعَتْ صُورَةُ اسْتِئْجَارٍ، لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَاسِدٌ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (نَفْيُ الْمُخَنَّثِ) أَيْ الْمُتَشَبِّهِ بِالنِّسَاءِ أَيْ نَفْيُهُ فِي مَحَلٍّ لَا نِسَاءَ فِيهِ فَنَفْيُ الْقَاضِي لَهُ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ تَعْزِيرٌ لَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: التَّخَنُّثُ
وَاسْتَثْنَيْتُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ عَدِيدَةً مُهِمَّةً لَا يَحْتَمِلُهَا هَذَا الْمُخْتَصَرُ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ تَذْكِرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.
تَتِمَّةٌ: لِلْإِمَامِ تَرْكُ تَعْزِيرٍ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِإِعْرَاضِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ كَالْغَالِّ فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَاوِي شِدْقِهِ فِي حُكْمِهِ لِلزُّبَيْرِ.
وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إنْ كَانَ لِآدَمِيٍّ عِنْدَ طَلَبِهِ كَالْقِصَاصِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْمُقْرِي وَيُعَزَّرُ مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ، وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ: يَا حَاجُّ، وَمَنْ يُسَمِّي زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا.
وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ الْعَفْوُ عَنْ الْحَدِّ وَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ. وَتُسَنُّ الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ إلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} [النساء: 85] الْآيَةَ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ. وَقَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ» .
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَإِنَّ صَاحِبَهُ يُعَزَّرُ بِالنَّفْيِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ أَيْ التَّخَنُّثَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّخَنُّثِ الْخِلْقِيِّ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا هُوَ أَيْ تَعْزِيرُهُ بِالنَّفْيِ فِعْلٌ لِلْمَصْلَحَةِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْتَنَ النِّسَاءَ. قَوْلُهُ:(إنَّمَا هُوَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلتَّخَنُّثِ فَيَقْضِي أَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِلنَّفْيِ وَالْمَصْلَحَةُ فِيهِ حِفْظُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ التَّعَلُّمِ مِنْهُ وَالتَّنَقُّلِ مِنْهُ فَفِي ذَلِكَ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ
قَوْلُهُ: (لِإِعْرَاضِهِ) أَيْ لِشِدَّةِ حِلْمِهِ وَتَوْلِيعًا لِلنَّاسِ.
قَوْلُهُ: (كَالْغَالِّ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ الْخَائِنِ فِي الْغَنِيمَةِ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ «إنَّمَا تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَانَ قَدْ سَرَقَ شَمْلَةً» .
قَوْلُهُ: وَلَاوِي شِدْقِهِ بِكَسْرِ الْوَاوِ مِنْ الِالْتِوَاءِ وَالشِّدْقُ جَوَانِبُ الْفَمِ وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْمَكْسُورَةُ يُجْمَعُ عَلَى أَشْدَاقٍ كَحِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَالْمَفْتُوحُ يُجْمَعُ عَلَى شُدُوقٍ كَفَلْسٍ وَفُلُوسٍ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ «الزُّبَيْرَ تَخَاصَمَ مَعَ رَجُلٍ سَقَى أَرْضًا فَحَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ بِأَنْ يَسْقِيَ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ أَحْيَا أَوَّلًا، فَقَالَ الْخَصْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ، بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَنْ تَعْلِيلًا لِمَحْذُوفٍ أَيْ حَكَمْتَ لَهُ لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمَّتِكَ وَلَوَى شِدْقَهُ فَاغْتَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَظَهَرَ عَلَيْهِ الْغَضَبُ فَحَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيًا لِلزُّبَيْرِ بِأَنَّهُ يَسْقِي وَيَحْبِسُ الْمَاءَ إلَى الْكَعْبَيْنِ، وَكَانَ أَوَّلًا أَمَرَ الزُّبَيْرَ يُسَامِحُ خَصْمَهُ مِنْ بَعْضِ حَقِّهِ فَلَمَّا وَقَعَ مِنْ الْخَصْمِ مَا ذُكِرَ، رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَحَكَمَ بِمَا ذُكِرَ» ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ التَّعْزِيرِ إنْ كَانَ الْآدَمِيُّ عِنْدَ طَلَبِهِ وَلَوْ عَفَى مُسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةِ عَنْ الْقِصَاصِ، أَوْ الْحَدِّ، أَوْ التَّعْزِيرِ سَقَطَ مَا ذُكِرَ لَكِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَتْرُكَ التَّعْزِيرَ، لِأَنَّ أَصْلَهُ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إسْقَاطُ غَيْرِهِ. كَمَا نَقَلَهُ الْمَنُوفِيُّ عَنْ تَصْحِيحِ الرَّوْضَةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ الشَّارِحِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَأَلْحَقَ فِي الرَّوْضَةِ التَّعْزِيرَ بِالْحَدِّ فَقَالَ: إنَّهُ سَقَطَ بِالْعَفْوِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَا لِلْإِمَامِ فَسَقَطَ مَا فِي الْحَاشِيَةِ مِنْ ذِكْرِهِ التَّنَافِيَ.
قَوْلُهُ: (مَنْ وَافَقَ الْكُفَّارَ فِي أَعْيَادِهِمْ) بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُونَهُ فِي يَوْمِ عِيدِهِمْ وَهَذَا حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا آذَتْهُ وَلَوْ كَانَ مَحْوِيًّا، أَوْ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اُتُّبِعَ فِي أُمُورٍ فَاسِدَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَسْكَ الْحَيَّةِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَا يَأْتِي هُنَا تَفْصِيلُ الْبَهْلَوَانِ؛ إذْ لَا نَفْعَ لِلْحِذْقِ هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ النَّارَ) وَإِنْ كَانَتْ لَا تُؤْذِيهِ بِأَنْ كَانَ يَسْحَرُ، لِأَنَّهَا رُبَّمَا آذَتْهُ أَوْ يُتَّبَعُ فِي أُمُورٍ فَاسِدَةٍ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ صِفَةً لِحَمْلِ النَّارِ فَقَالَ: تَأْخُذُ زِرْنِيخًا وَشَبًّا يَمَانِيًّا اسْحَقْهُمَا وَلِتَّهُمَا بِبَيَاضِ الْبَيْضِ وَلَطِّخْ بِهِ بَدَنَك وَاحْمِلْ النَّارَ فَإِنَّهَا لَا تُؤْذِيكَ. وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُدْخِلَ النَّارَ إلَى فَمِكَ وَلَا تُؤْذِيَكَ خُذْ نَشَادِرًا وَعُودَ قَرْحٍ وَتَلُوكُهُمَا جَيِّدًا وَتَضَعُهُمَا فِي فَمِكَ وَلَا تَبْلَعْ مِنْ رِيقِكَ شَيْئًا، ثُمَّ تَأْخُذُ الصَّفِيحَةَ أَوْ الْحَدِيدَةَ الْمَحْمِيَّةَ تُدْخِلُهَا فِي فَمِكَ وَتَضَعُهَا عَلَى لِسَانِكَ وَتَلْحَسُهَا فَإِنَّهُ يَطِشُّ وَلَا يُؤْذِيكَ فَيَتَخَيَّلُ النَّاظِرُ أَنَّهَا حَرَقَتْ لِسَانَكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ لِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم لِأُسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. شَرْحَ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ اشْفَعُوا) أَيْ عِنْدَ النَّبِيِّ