الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا لَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ مَيْتًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَحِلَّ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّ الْحِلِّ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ يُحَالُ عَلَيْهِ مَوْتُهُ فَلَوْ ضَرَبَ حَامِلًا عَلَى بَطْنِهَا وَكَانَ الْجَنِينُ مُتَحَرِّكًا فَسَكَنَ حِينَ ذُبِحَتْ أُمُّهُ فَوُجِدَ مَيْتًا لَمْ يَحِلَّ. وَلَوْ خَرَجَ رَأْسُهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِهِ كَعَدَمِ خُرُوجٍ فِي الْغُرَّةِ وَنَحْوِهَا فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ، وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ تُخَطَّطْ الْمُضْغَةُ لَمْ تَحِلَّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْغُرَّةِ فِيهَا وَعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ لَوْ كَانَتْ مِنْ آدَمِيٍّ وَلَوْ كَانَ لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا. (وَمَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ) أَيْ فَهُوَ كَمَيْتَتِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً لِخَبَرِ:«مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ فَجُزْءُ الْبَشَرِ وَالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ طَاهِرٌ دُونَ جُزْءِ غَيْرِهَا. (إلَّا الشُّعُورَ) السَّاقِطَةَ مِنْ الْمَأْكُولِ وَأَصْوَافَهُ وَأَوْبَارَهُ (الْمُنْتَفَعَ بِهَا فِي الْمَفَارِشِ وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِهَا) مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعَاتِ فَطَاهِرَةٌ. قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80] وَخَرَجَ بِالْمَأْكُولِ نَحْوُ شَعْرِ غَيْرِهِ فَنَجِسٌ وَمِنْهُ نَحْوَ شَعْرِ عُضْوٍ أَبَيْنَ مِنْ مَأْكُولٍ لِأَنَّ الْعُضْوَ صَارَ غَيْرَ مَأْكُولٍ.
تَتِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ: لَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَهْمًا فَأَزْمَنَهُ الْكَلْبُ ثُمَّ ذَبَحَهُ السَّهْمُ حَلَّ. وَإِنْ أَزْمَنَهُ السَّهْمُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْكَلْبُ حَرُمَ وَلَوْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَبَحَ هَذِهِ الشَّاةَ مَثَلًا حَلَّ أَكْلُهَا لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسٌ وَمُسْلِمُونَ وَجُهِلَ ذَابِحُ الْحَيَوَانِ. هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ؟ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لِلشَّكِّ فِي الذَّبْحِ الْمُبِيحِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ كَمَا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ وَفِي مَعْنَى الْمَجُوسِيِّ كُلُّ مَنْ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُ.
فَصْلٌ: فِي الْأَطْعِمَةِ
جَمْعُ طَعَامٍ أَيْ بَيَانُ مَا يَحِلَّ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ إذْ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا مِنْ الْمُهِمَّاتِ لِأَنَّ فِي تَنَاوُلِ الْحَرَامِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ مَيِّتًا وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ، أَوْ سَكَنَ عَقِبَهُ حَلَّ. كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَيْ الْجُوَيْنِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ اهـ. كَلَامُهُ وَمِثْلُهُ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ تَضْعِيفَ ق ل لِكَلَامِ الشَّارِحِ غَيْرُ سَدِيدٍ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَضَابِطُ حِلِّ الْجَنِينِ أَنْ يُنْسَبَ مَوْتُهُ إلَى تَذْكِيَةِ أُمِّهِ وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ يَمُوتَ بِتَذْكِيَتِهَا أَوْ يَبْقَى عَيْشُهُ بَعْدَ التَّذْكِيَةِ عَيْشَ مَذْبُوحٍ ثُمَّ يَمُوتُ أَوْ يُشَكُّ هَلْ مَاتَ بِالتَّذْكِيَةِ أَوْ لَا؟ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي حِلِّهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ اهـ. فَخَرَجَ مَا لَوْ تَحَقَّقْنَا مَوْتَهُ قَبْلَ تَذْكِيَتِهَا وَمَا أَخْرَجَ رَأْسَهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ ذُكِّيَتْ وَمَا اضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ تَذْكِيَتِهَا زَمَانًا طَوِيلًا أَوْ تَحَرَّكَ تَحَرُّكًا شَدِيدًا ثُمَّ سَكَنَ ثُمَّ ذُكِّيَتْ. قَوْلُهُ: (إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ) أَيْ وَكَانَ ذَبْحُ أُمِّهِ بَعْدَ خُرُوجِ رَأْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا كِتَابُ الطَّهَارَةِ فَذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادٌ.
قَوْلُهُ: (وَأَوْبَارُهُ) وَكَذَا رِيشُهُ وَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُلْقًى عَلَى الْمَزَابِلِ أَوْ فِي الْكِيمَانِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ فِيهِمَا اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (أَثَاثًا) وَهِيَ أَمْتِعَةُ الْبَيْتِ وَالْمَتَاعُ أَعَمُّ.
قَوْلُهُ: (تَتَعَلَّقُ بِالصَّيْدِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالذَّبْحِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (حَرُمَ) لِأَنَّهُ بِإِزْمَانِ السَّهْمِ لَهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ.
[فَصْلٌ فِي الْأَطْعِمَةِ]
ِ بِمَعْنَى الْمَطْعُومِ أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَتْنَ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْأَطْعِمَةِ وَإِنَّمَا بَيَّنَ مَا يَحِلُّ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يَحِلُّ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَطْعِمَةِ هِيَ الْحَيَوَانَاتُ وَسَمَّاهَا أَطْعِمَةً بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ أَوْ أَنَّهُ غَلَّبَ الْأَطْعِمَةَ
الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْخَبَرِ «أَيُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَكُلُّ حَيَوَانٍ لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ لَا خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ وَلَا وَرَدَ فِيهِ أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ اسْتَطَابَتْهُ الْعَرَبُ وَهُمْ أَهْلُ يَسَارٍ أَيْ ثَرْوَةٍ وَخِصْبٍ وَأَهْلُ طِبَاعٍ سَلِيمَةٍ سَوَاءٌ كَانُوا سُكَّانَ بِلَادٍ أَوْ قُرًى فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ
فَهُوَ حَلَالٌ إلَّا مَا أَيْ حَيَوَانٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَرْجِعُ فِيهِ لِاسْتِطَابَتِهِمْ وَكُلُّ حَيَوَانٍ اسْتَخْبَثَتْهُ الْعَرَبُ أَيْ عَدُّوهُ خَبِيثًا فَهُوَ حَرَامٌ إلَّا مَا أَيْ حَيَوَانٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَلَا يَكُونُ حَرَامًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنَاطَ الْحِلَّ بِالطَّيِّبِ وَالتَّحْرِيمِ بِالْخَبِيثِ وَعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَا يَسْتَطِيبُهُ وَيَسْتَخْبِثُهُ كُلُّ الْعَالَمِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ عَادَةً لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْضَهُمْ وَالْعَرَبُ بِذَلِكَ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ أَوْلَى الْأُمَمِ إذْ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ أَوَّلًا وَلِأَنَّ الدِّينَ عَرَبِيٌّ وَخَرَجَ بِأَهْلِ يَسَارٍ الْمُحْتَاجُونَ وَبِسَلِيمَةٍ أَجْلَافُ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ وَبِحَالِ الرَّفَاهِيَةِ حَالُ الضَّرُورَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَى الْحَيَوَانِ وَسَمَّى مَا فِي الْفَصْلِ كُلَّهُ أَطْعِمَةً مَعَ أَنَّ بَعْضَهُ أَطْعِمَةٌ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَشُرْبُهُ) لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَا يَحِلُّ شُرْبُهُ وَمَا يَحْرُمُ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ.
قَوْلُهُ: (لَا نَصَّ فِيهِ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ الِاسْتِثْنَاءَ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا حَيْثُ اسْتَثْنَى مَا فِيهِ نَصٌّ مِمَّا لَا نَصَّ فِيهِ. قَوْلُهُ: (اسْتَطَابَتْهُ) أَيْ عَدُّوهُ طَيِّبًا أَيْ أَلِفَتْهُ نُفُوسُهُمْ وَرَغِبَتْ فِيهِ وَأَحَبَّتْهُ.
قَوْلُهُ: (ثَرْوَةٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ كَثْرَةِ مَالٍ وَغِنًى وَقَوْلُهُ: وَخِصْبٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ حِمْلٍ أَيْ نَمَاءٍ وَبَرَكَةٍ وَهُوَ ضِدُّ الْجَدْبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهِ) هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَظْهَرُ بَعْدَ تَقْيِيدِ الْحَيَوَانِ بِقَوْلِهِ: لَا نَصَّ فِيهِ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الْمَتْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْقَيْدِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ حَيَوَانٌ) الصَّوَابُ حَيَوَانًا لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَا وَهِيَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ. يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُؤَلِّفِ، بِأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: أَيْ حَيَوَانٌ مَنْصُوبًا جَاءَ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ لِأَنَّهُمْ يَرْسُمُونَ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ أَوْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ حَلَالٌ مُتَضَمِّنٌ لِلنَّفْيِ أَيْ لَا يَحْرُمُ فَلَا اعْتِرَاضَ أَوْ أَنَّهُ مَاشٍ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَهِيَ رَفْعُ الْمُسْتَثْنَى إذَا كَانَ مِنْ كَلَامٍ تَامٍّ مُوجَبٍ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ} [البقرة: 249] عَلَى قِرَاءَتِهِ مَرْفُوعًا.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ حَيَوَانٍ) أَيْ لَا نَصَّ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (أَنَاطَ الْحِلَّ) أَيْ عَلَّقَ الْحِلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ أَيْ فِي قَوْلِهِ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] . قَوْلُهُ: (وَعُلِمَ بِالْعَقْلِ أَنَّهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلَّهِ وَقَوْلُهُ: لَمْ يُرِدْ أَيْ بِالطَّيِّبَاتِ وَالْخَبَائِثِ فِي قَوْلِهِ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] أَيْ الطَّيِّبَاتِ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ وَهُمْ الْعَرَبُ لَا كُلِّ النَّاسِ لِاسْتِحَالَةِ اتِّفَاقِ طَبَائِعِ النَّاسِ عَلَى اسْتِطَابَةِ حَيَوَانٍ أَوْ اسْتِخْبَاثِهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلْمُصَنِّفِ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَفَادٌ مِنْ صَرِيحِ الْمَتْنِ لَا مِنْ الْعَقْلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْعَرَبَ.
قَوْلُهُ: (لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ) فِيهِ أَنَّ هَذَا الْمُرَادَ لَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يَتَعَرَّضَ لِنَفْيِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْعَرَبِ لَا بِالنَّاسِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ فَلَعَلَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ سَرَتْ لَهُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَهَذَا عَلَى كَوْنِ الضَّمِيرِ فِي أَنَّهُ رَاجِعًا لِلْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ رَاجِعًا لِلَّهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَلَا إشْكَالَ وَيَكُونُ مُرَادُهُ تَتْمِيمَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ أَعْنِي:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] ، أَيْ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ بِالطَّيِّبَاتِ وَالْخَبَائِثِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَسْتَطِيبُهُ وَيَسْتَحِلُّهُ كُلُّ الْعَالَمِ بَلْ بَعْضُ الْعَالَمِ وَهُمْ الْعَرَبُ.
قَوْلُهُ: (لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ) عِلَّةٌ لِلِاسْتِحَالَةِ. قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِطَابَةِ وَالِاسْتِخْبَاثِ.
قَوْلُهُ: (مَا دَبَّ) أَيْ عَاشَ وَقَوْلُهُ:
تَنْبِيهٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ جَمْعٍ مِنْهُمْ بَلْ ظَاهِرُهُ جَمِيعُ الْعَرَبِ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيّ الِاكْتِفَاءُ بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ وَيَرْجِعُ فِي كُلِّ زَمَانٍ إلَى الْعَرَبِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ فَإِنْ اسْتَطَابَتْهُ فَحَلَالٌ وَإِنْ اسْتَخْبَثَتْهُ فَحَرَامٌ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يُسْبَقْ فِيهِ كَلَامُ الْعَرَبِ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ حَالُهُ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي اسْتِطَابَتِهِ اُتُّبِعَ الْأَكْثَرُ فَإِنْ اسْتَوَوْا فَقُرَيْشٌ لِأَنَّهَا قُطْبُ الْعَرَبِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَلَا تَرْجِيحَ أَوْ شَكُّوا أَوْ لَمْ نَجِدْهُمْ وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ اُعْتُبِرَ بِأَقْرَبِ الْحَيَوَانِ شَبَهًا بِهِ صُورَةً أَوْ طَبْعًا أَوْ طَعْمًا فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُشْبِهُهُ فَحَلَالٌ لِآيَةِ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْعًا لَنَا فَاعْتِمَادُ ظَاهِرِ الْآيَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْحِلِّ أَوْلَى مِنْ اسْتِصْحَابِ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ وَإِنْ جُهِلَ اسْمَ حَيَوَانٍ سُئِلَ الْعَرَبُ عَنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ
وَعَمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ لَهُ مَا هُوَ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى الِاسْمِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ بِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِي الصُّورَةِ أَوْ الطَّبْعِ أَوْ الطَّعْمِ فِي اللَّحْمِ فَإِنْ تَسَاوَى الشَّبَهَانِ أَوْ فُقِدَ مَا يُشْبِهُهُ حَلَّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فَمِمَّا وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ الْبَغْلُ لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَلِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ فَإِنْ كَانَ الذَّكَرُ فَرَسًا فَهُوَ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْحِمَارِ أَوْ حِمَارًا كَانَ شَدِيدَ الشَّبَهِ بِالْفَرَسِ فَإِنْ تَوَلَّدَ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ وَحْشِيٍّ أَوْ بَيْنَ فَرَسٍ وَبَقَرٍ حَلَّ بِلَا خِلَافٍ وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو زِيَادٍ وَكُنْيَةُ الْأُنْثَى أُمُّ مَحْمُودٍ
(وَيَحْرُمُ مِنْ السِّبَاعِ) كُلُّ (مَا لَهُ نَابٌ قَوِيٌّ يَعْدُو بِهِ) أَيْ يَسْطُو بِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَأَسَدٍ ذَكَرَ لَهُ ابْنُ خَالَوَيْهِ خَمْسَمِائَةِ اسْمٍ وَزَادَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ عَلَى مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ اسْمًا. وَنَمِرٍ بِفَتْحِ النُّونِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَدَرَجَ أَيْ مَاتَ ع ش وَمِثْلُهُ فِي الْمِصْبَاحِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفُوا) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ إنْ اتَّفَقُوا.
قَوْلُهُ: (قُطْبُ الْعَرَبِ) أَيْ أَصْلُهُمْ أَيْ وَأَفْضَلُهُمْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اخْتَلَفَتْ) أَيْ قُرَيْشٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ طَبْعًا) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ يَعْدُو بِنَابِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أَوْ لَا، وَالْمُرَادُ بِالطَّبْعِ السَّجِيَّةُ وَالْجِبِلَّةُ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا صِفَةٌ مِنْ ذَلِكَ عُمِلَ بِهَا فَإِنْ تَعَارَضَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ قُدِّمَ الطَّبْعُ فَالطَّعْمُ فَالصُّورَةُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ طَعْمًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الطَّعْمُ بِالْفَتْحِ مَا يُؤَدِّيهِ الذَّوْقُ فَيُقَالُ طَعْمُهُ حُلْوٌ أَوْ حَامِضٌ وَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ إذَا خَرَجَ عَنْ وَصْفِهِ الْخِلْقِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَوَجْهُ مُغَايِرَةِ هَذَا لِمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْأَوْلَ مَعْرُوفُ الِاسْمِ، لَكِنْ مَجْهُولُ الْحُكْمِ، وَمَا هُنَا مَجْهُولُ الِاسْمِ وَالْحُكْمِ فَيُرْجَعُ لِتَسْمِيَتِهِمْ. فَإِنْ سَمَّوْهُ بِاسْمِ حَيَوَانٍ حَلَالٍ حَلَّ وَإِلَّا حَرُمَ اهـ.
قَوْلُهُ: (حَلَالٌ) أَيْ أَحَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ.
قَوْلُهُ: (وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ) فِيهِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ إنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ لَا عَلَى الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ حِلٍّ أَوْ حُرْمَةٍ لِأَنَّ هَذَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (كَانَ شَدِيدَ الشَّبَهِ بِالْفَرَسِ) أَيْ فَهُوَ يُشْبِهُ أُمَّهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْبَغْلِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ السِّبَاعِ) بَيَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا وَكَانَ الْأَوْلَى ضَمُّ الْحَرَامِ كُلِّهِ جَنْبَ بَعْضِهِ وَالْحَلَالِ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (كُلُّ مَا لَهُ نَابٌ) فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ الْمَحَلِّيِّ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ.
قَوْلُهُ: (كَأَسَدٍ) رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ الْأَسَدُ فِي زَئِيرِهِ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: إنَّهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْنِي عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرُوفِ» . اهـ. دَمِيرِيٌّ وَحُكِيَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ كَانَ فِي سَفَرِهِ وَمَعَهُ رُفْقَةٌ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ الْأَسَدُ فَقَالَ لَهُمْ: قُولُوا اللَّهُمَّ اُحْرُسْنَا بِعَيْنِك الَّتِي لَا تَنَامُ وَارْحَمْنَا بِرُكْنِك الَّذِي لَا يُرَامُ وَارْحَمْنَا بِقُدْرَتِك عَلَيْنَا لَا نَهْلِكْ، وَأَنْتَ رَجَاؤُنَا يَا اللَّهُ ثَلَاثًا. قَالَ: فَوَلَّى الْأَسَدُ هَارِبًا اهـ. قَوْلُهُ: (مِائَةً وَثَلَاثِينَ اسْمًا) فَمِنْ أَشْهَرِهَا أُسَامَةُ وَحَيْدَرَةُ وَالضِّرْغَامُ وَالضَّيْغَمُ، وَالْغَضَنْفَرُ وَالْقَسْوَرَةُ وَاللَّيْثُ، وَمِنْ كُنَاهُ أَبُو الْأَبْطَالِ وَأَبُو حَفْصٍ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَابْتَدَأْنَا بِهِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْحَيَوَانَاتِ الْمُتَوَحِّشَةِ، وَمَنْزِلَتُهُ مِنْهَا مَنْزِلَةُ الْمَلِكِ.
وَكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ أَخْبَثُ مِنْ الْأَسَدِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَنَمُّرِهِ وَاخْتِلَافِ لَوْنِ جَسَدِهِ يُقَالُ تَنَمَّرَ فُلَانٌ أَيْ تَنَكَّرَ وَتَغَيَّرَ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ غَالِبًا إلَّا غَضْبَانَ مُعْجَبًا بِنَفْسِهِ إذَا شَبِعَ نَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَرَائِحَةُ فِيهِ طَيِّبَةٌ وَذِئْبٍ بِالْهَمْزِ وَعَدَمِهِ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ مَوْصُوفٌ بِالِانْفِرَادِ وَالْوَحْدَةِ وَمِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى فَرِيسَةٍ شَبِعَ مِنْهَا وَيَنَامُ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ وَالْأُخْرَى يَقْظَى حَتَّى تَكْتَفِيَ الْعَيْنُ النَّائِمَةُ مِنْ النَّوْمِ ثُمَّ يَفْتَحُهَا وَيَنَامُ بِالْأُخْرَى لِيَحْرُسَ بِالْيَقْظَى وَيَسْتَرِيحَ بِالنَّائِمَةِ. وَدُبٍّ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَالْفِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ كُنْيَتُهُ ذَلِكَ وَاسْمُهُ مَحْمُودٌ وَهُوَ صَاحِبُ حِقْدٍ وَلِسَانُهُ مَقْلُوبٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَكَلَّمَ وَيَخَافُ مِنْ الْهِرَّةِ خَوْفًا شَدِيدًا وَفِيهِ مِنْ الْفَهْمِ مَا يَقْبَلُ بِهِ التَّأْدِيبَ وَالتَّعْلِيمَ وَيُعَمِّرُ أَيْ يَعِيشُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ) وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ السِّبَاعِ فَبِهِ شَبَهٌ مِنْ الْأَسَدِ إلَّا أَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهُ مُنَقَّطُ الْجِلْدِ نُقَطًا سَوْدَاءَ. وَهُوَ صِنْفَانِ عَظِيمُ الْجُثَّةِ صَغِيرُ الذَّنَبِ وَبِالْعَكْسِ، وَكُلُّهُ ذُو قَهْرٍ وَقُوَّةٍ وَسَطْوَةٍ، وَإِذَا مَرِضَ أَكَلَ الْفَأْرَ فَيَزُولُ مَرَضُهُ. وَقِيلَ إنَّ النَّمِرَةَ لَا تَضَعُ وَلَدَهَا إلَّا مُطَوَّقًا بِحَيَّةٍ وَهِيَ تَعِيشُ وَتَنْهَشُ إلَّا أَنَّهَا لَا تَقْتُلُ وَفِيهِ أَلْغَزَ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ بِقَوْلِهِ:
هَاتِ لِي مَا اسْمُ شَيْءٍ
…
حَيَوَانٍ فِيهِ شَرُّ
إنْ تُصَحِّفْهُ فَحُلْوٌ
…
لَكِنْ الثُّلُثَانِ مُرُّ
اهـ. سُيُوطِيٌّ وَقَوْلُهُ: إنْ تُصَحِّفْهُ بِأَنْ تَقْلِبَ النُّونَ تَاءً تَقُولُ تَمْرٌ وَثُلُثَاهُ مُرٌّ وَهُمَا الْمِيمُ وَالرَّاءُ.
قَوْلُهُ: (وَرَائِحَةُ فِيهِ) أَيْ فَمِهِ.
قَوْلُهُ: (إلَى فَرِيسَةٍ) أَيْ مَفْرُوسَةٍ أَيْ مُصَادَةٍ اصْطَادَهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْأُخْرَى يَقْظَى) أَيْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَإِلَّا فَهُوَ نَائِمٌ حَقِيقَةً نَوْمًا كَامِلًا لَكِنْ جَعَلَ اللَّهَ لَهُ قُوَّةً عَلَى فَتْحِ إحْدَى عَيْنَيْهِ وَتَغْمِيضِ الْأُخْرَى لِيَرَى مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَيَقِّظٌ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي
…
بِأُخْرَى الْمَنَايَا فَهْوَ يَقْظَانُ نَائِمُ
لِأَنَّ قَلْبَهُ يَنَامُ فَهُوَ كَأَهْلِ الْكَهْفِ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ مَفْتُوحَةً: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18] .
قَوْلُهُ: (وَدُبٍّ) وَكُنْيَتُهُ: أَبُو جُهَيْنَةَ وَهُوَ يُحِبُّ الْعُزْلَةَ. فَإِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ دَخَلَ غَارَهُ الَّذِي اتَّخَذَهُ وَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يَطِيبَ الْهَوَاءُ، وَإِذَا جَاعَ يَمْتَصُّ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَنْدَفِعُ بِذَلِكَ الْجُوعُ وَيَخْرُجُ فِي الرَّبِيعِ أَسْمَنَ مَا يَكُونُ وَالذَّكَرُ يُسَافِدُ أَيْ يَطَأُ أُنْثَاهُ مُضَّجِعَةً عَلَى الْأَرْضِ وَلِشِدَّةِ شَهْوَةِ أُنْثَاهُ تَدْعُو الْآدَمِيَّ إلَى وَطْئِهَا اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالْفِيلِ) ذَكَرَ الْقُزْوِينِيُّ أَنَّ فَرْجَ الْفِيلَةِ تَحْتَ إبْطِهَا فَإِذَا كَانَتْ وَقْتَ الضِّرَابِ ارْتَفَعَ وَبَرَزَ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ إتْيَانِهَا، وَأَلْغَزَ بَعْضُهُمْ فِي الْفِيلِ بِقَوْلِهِ:
مَا اسْمُ شَيْءٍ تَرْكِيبُهُ فِي ثَلَاثٍ
…
وَهُوَ ذُو أَرْبَعٍ تَعَالَى الْإِلَهُ
حَيَوَانٌ وَالْقَلْبُ مِنْهُ نَبَاتٌ
…
لَمْ يَكُنْ عِنْدَ جُوعِهِ يَرْعَاهُ
فِيكَ تَصْحِيفُهُ وَلَكِنْ إذَا مَا
…
عَكَسُوهُ يَصِيرُ لِي ثُلُثَاهُ
فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّ قَلْبَ فِيلٍ لِيفٌ اهـ. وَقَوْلُهُ: الْقُزْوِينِيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْوَاوِ نِسْبَةً إلَى قُزْوِينَ قَالَهُ: فِي اللُّبِّ.
قَوْلُهُ: (وَيُعَمِّرُ) هُوَ بِالتَّشْدِيدِ فِي السِّنِّ وَبِالتَّخْفِيفِ فِي الْبُنْيَانِ وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
وَعَمَّرَ بِالتَّشْدِيدِ فِي السِّنِّ قَدْ أَتَى
…
كَمَا أَنَّ فِي الْبُنْيَانِ تَخْفِيفَهُ وَجَبْ
كَثِيرًا وَالْهِنْدُ تُعَظِّمُهُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ. وَقِرْدٍ وَهُوَ حَيَوَانٌ ذَكِيٌّ سَرِيعُ الْفَهْمِ يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ فِي غَالِبِ حَالَاتِهِ فَإِنَّهُ يَضْحَكُ وَيَضْرِبُ وَيَتَنَاوَلُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ وَيَأْنَسُ بِالنَّاسِ. وَمِنْ ذِي النَّابِ: الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَالْفَهْدُ وَابْنُ آوَى بِالْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَهُوَ فَوْقَ الثَّعْلَبِ وَدُونَ الْكَلْبِ طَوِيلُ الْمَخَالِبِ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الذِّئْبِ وَشَبَهٌ مِنْ الثَّعْلَبِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْوِي إلَى عُوَاءِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَلَا يَعْوِي إلَّا لَيْلًا إذَا اسْتَوْحَشَ وَالْهِرَّةُ وَلَوْ وَحْشِيَّةً.
(وَيَحْرُمُ مِنْ الطُّيُورِ) كُلُّ (مَا لَهُ مِخْلَبٌ قَوِيٌّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ لِلطَّيْرِ كَالظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ (يَجْرَحُ بِهِ) كَالصَّقْرِ وَالْبَازِ وَالشَّاهِينِ وَالنَّسْرِ وَالْعُقَابِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ: وَمِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ بِالْحِلِّ الْأَنْعَامُ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَإِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} [التوبة: 18] .
قَوْلُهُ: (وَقِرْدٍ) فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَيَتَنَاوَلُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ) وَقَدْ أَهْدَى مَلِكُ النُّوبَةِ إلَى الْمُتَوَكِّلِ قِرْدًا خَيَّاطًا وَآخَرَ صَائِغًا وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُعَلِّمُونَ الْقِرْدَ الْقِيَامَ بِحَوَائِجِهِمْ وَحِفْظَ دَكَاكِينِهِمْ. وَقَدْ مَسَخَ اللَّهُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْتِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ قِرَدَةً كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَمْسُوخِ هَلْ يُعْقِبُ أَوْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الثَّانِي رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ هَلْ هِيَ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ» . اهـ. . وَفِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ مَنْ تَصَبَّحَ بِوَجْهِ قِرْدٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَتَاهُ السُّرُورُ وَلَا يَكَادُ يَحْزَنُ وَاتَّسَعَ رِزْقُهُ وَأَحَبَّتْهُ النِّسَاءُ حُبًّا شَدِيدًا وَأُعْجِبْنَ مِنْهُ اهـ. مِنْ مُخْتَصَرِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلسُّيُوطِيِّ وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ عَلَّمَ قِرْدًا النُّزُولَ إلَى الدَّارِ وَإِخْرَاجَ الْمَتَاعِ ثُمَّ نَقَبَ وَأَرْسَلَ الْقِرْدَ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَعَلَيْهَا مَا عَلَى وَاطِئِ الْبَهِيمَةِ فَتُعَزَّرُ فِي الْأَصَحِّ وَتُحَدُّ فِي قَوْلٍ وَتُقْتَلُ فِي قَوْلٍ. وَالْقِرْدَةُ تَلِدُ فِي الْبَطْنِ الْوَاحِدِ عَشَرَةً وَاثْنَيْ عَشَرَ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ (وَمِنْ ذِي النَّابِ الْكَلْبُ) اُنْظُرْ لِمَ فَصَلَ هَذَا.
قَوْلُهُ: (إلَى عُوَاءِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ) وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ عَوَى الْكَلْبُ وَالذِّئْبُ وَابْنُ آوَى يَعْوِي بِالْكَسْرِ عُوَاءً بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ اهـ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَصِيَاحُهُ كَصِيَاحِ الصِّبْيَانِ. يَأْكُلُ مَا يَصِيدُهُ مِنْ طَيْرٍ أَوْ غَيْرِهِ تَخَافُهُ الدَّجَاجُ، أَكْثَرَ مِنْ الثَّعْلَبِ لِأَنَّهُ إذَا مَرَّ تَحْتَهَا وَهِيَ عَلَى جِدَارٍ أَوْ شَجَرٍ سَقَطَتْ، وَخَوَاصُّهُ إذَا كَانَتْ أَسْنَانُهُ بِبَيْتٍ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ أَهْلِهِ.
وَلَحْمُهُ يَنْفَعُ الْجُنُونَ وَالصَّرْعَ الْعَارِضَ، وَإِذَا عَلَّقَ عَيْنَهُ الْيُمْنَى عَلَى أَحَدٍ أَمِنَ مِنْ النَّظْرَةِ اهـ. قَوْلُهُ:(وَالْهِرَّةُ إلَخْ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمَّا حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قَالَ أَصْحَابُهُ كَيْفَ نَطْمَئِنُّ أَوْ تَطْمَئِنُّ مَوَاشِينَا وَمَعَنَا الْأَسَدُ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحُمَّى وَكَانَتْ أَوَّلَ حُمَّى نَزَلَتْ بِالْأَرْضِ فَهُوَ لَا يَزَالُ مَحْمُومًا، ثُمَّ شَكَوْا الْفَأْرَةَ فَقَالُوا: الْفُوَيْسِقَةُ تُفْسِدُ عَلَيْنَا طَعَامَنَا وَمَتَاعَنَا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْأَسَدِ فَعَطَسَ فَخَرَجَتْ مِنْهُ الْهِرَّةُ فَخَافَتْ الْفَأْرَةُ مِنْهَا» اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَحْشِيَّةً) وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالنِّمْسِ. وَقِيلَ غَيْرُهُ فَهِيَ حَرَامٌ وَيَلْحَقُ بِهَا فِي الْحُرْمَةِ ابْنُ الْمُقْرِضِ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ فَقَافٍ سَاكِنَةٍ فَمُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ، فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَوْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ. وَيُقَالُ لَهُ الدُّلَقُ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنْ الْفَأْرِ كَحْلَاءُ اللَّوْنِ طَوِيلَةُ الظَّهْرِ تَقْتُلُ الْحِمَارَ وَتَقْرِضُ النَّبَاتَ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَمِمَّا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ بِالْحِلِّ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ.
قَوْلُهُ: (الْأَنْعَامُ) سُمِّيَتْ نَعَمًا لِنُعُومَةِ وَطْئِهَا إذَا مَشَتْ حَتَّى لَا يُسْمَعَ لِأَقْدَامِهَا وَقْعٌ أَوْ لِعُمُومِ النِّعْمَةِ فِيهَا لِكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهَا مِنْ دَرٍّ وَنَسْلٍ وَصُوفٍ وَوَبَرٍ وَرُكُوبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ الْإِبِلُ) وَمِنْ خَوَاصِّهَا أَنَّهَا مِنْ الْأَحْرَارِ فَلَا يَنْزُو عَلَى أُمِّهِ، وَلَا عَلَى أُخْتِهِ حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ سَتَرَ نَاقَةً بِثَوْبٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ عَلَيْهَا وَلَدَهَا فَلَمَّا عَرَفَ ذَلِكَ عَمَدَ إلَى إحْلِيلِهِ فَأَكَلَهُ ثُمَّ حَقَدَ عَلَى صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ، وَلَيْسَ لَهُ مَرَارَةٌ وَلِذَلِكَ كَثُرَ صَبْرُهُ. وَمِنْ خَوَاصِّ شَحْمِهِ أَنَّهُ مَتَى وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ هَرَبَتْ مِنْهُ الْحَيَّاتُ وَسَنَامُهُ يُدَقُّ وَيُطْلَى بِهِ الْبَوَاسِيرُ فَيُسَكِّنُ وَجَعَهُ، وَالْمَضْمَضَةُ بِلَبَنِهَا تَنْفَعُ الْأَسْنَانَ الْمَأْكُولَةَ وَيُزِيلُ صُفْرَةَ الْوَجْهِ، أَكْلًا وَطِلَاءً، قَالَ ابْنُ سِينَا
اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1] وَالْخَيْلُ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَقَوْمٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ» وَفِيهِمَا عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَتْ: «نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ» وَأَمَّا خَبَرُ خَالِدٍ فِي النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ: مُنْكَرٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَنْسُوخٌ. وَبَقَرُ وَحْشٍ وَهُوَ أَشْبَهُ شَيْءٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَعْرُهُ يَقْطَعُ الرُّعَافَ إذَا اُسْتُنْشِقَ بِهِ وَيُزِيلُ أَثَرَ الْجُدَرِيِّ وَأَكْلُ لَحْمِهِ يَزِيدُ فِي الْبَاهِ وَفِي الْإِنْعَاظِ وَبَوْلُهُ إذَا شَرِبَهُ السَّكْرَانُ أَفَاقَ مِنْ سَاعَتِهِ وَقُرَادُهُ إذَا رُبِطَ عَلَى كُمِّ الْعَاشِقِ فَيَزُولُ عِشْقُهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَقَرُ) اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ وَالْجَمْعُ بَقَرَاتٌ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْبَقَرَةَ بَاقُورَةً سُمِّيَتْ بَقَرَةً لِشَقِّهَا الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ وَهِيَ أَجْنَاسٌ مِنْهَا الْجَوَامِيسُ وَهِيَ ضَأْنُ الْبَقَرِ وَكُلُّ حَيَوَانٍ إنَاثُهُ أَرَقُّ صَوْتًا مِنْ ذُكُورِهِ إلَّا الْبَقَرَ فَإِنَّ الْأُنْثَى أَضْخَمُ وَأَجْهَرُ صَوْتًا وَهِيَ تَتَلَوَّى وَتَتَقَلَّقُ تَحْتَ الذَّكَرِ لِصَلَابَةِ ذَكَرِهِ لَا سِيَّمَا إذَا أَخْطَأَ الْمَجْرَى اهـ. وَإِذَا اُسْتِيقَتْ أُنْثَاهُ إلَى الذَّكَرِ نَفَرَتْ وَأَتْعَبَتْ الرِّعَاءَ، وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ: رَأَيْت بِالرَّيِّ بَقَرًا تَبْرُكُ كَمَا تَبْرُكُ الْإِبِلُ وَلَيْسَ لِجِنْسِ الْبَقَرِ ثَنَايَا عُلْيَا فَهِيَ تَقْطَعُ الْحَشِيشَ بِالسُّفْلَى اهـ دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالْغَنَمُ) وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَائِنَةٌ وَمَاعِزَةٌ. وَالضَّأْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاعِزِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْحَابُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا بِأَوْجُهٍ: مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِذِكْرِ الضَّأْنِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143] وَمِنْهَا حِكَايَةٌ عَنْ الْخَصْمَيْنِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: 23] . وَلَمْ يَقُلْ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ عَنْزًا وَلِيَ عَنْزٌ وَاحِدَةٌ. وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] وَهُوَ الْكَبْشُ وَالْبَرَكَةُ فِي الضَّأْنِ أَكْثَرُ وَمِنْ ذَلِكَ إذَا رَعَتْ شَيْئًا مِنْ الْكَلَإِ يَنْبُتُ فَإِنَّ الْمَعْزَ تَقْلَعُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَالضَّأْنُ تَرْعَى مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. وَمِمَّا أَهَانَ اللَّهُ بِهِ التَّيْسَ أَنْ جَعَلَهُ مَهْتُوكَ السِّتْرِ مَكْشُوفَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ بِخِلَافِ الْكَبْشِ وَلِهَذَا شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُحَلِّلَ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ. وَمِنْهَا أَنَّ رُءُوسَ الضَّأْنِ أَطْيَبُ وَأَفْضَلُ مِنْ رُءُوسِ الْمَاعِزِ. وَكَذَلِكَ لَحْمُهَا، فَإِنَّ أَكْلَ لَحْمِ الْمَاعِزِ يُحَرِّكُ الْمُرَّةَ السَّوْدَاءَ وَيُوَلِّدُ الْبَلْغَمَ وَيُورِثُ النِّسْيَانَ وَيُفْسِدُ الدَّمَ وَلَحْمُ الضَّأْنِ عَكْسٌ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إنَّ الْمَعْزَ اسْتَعْصَتْ عَلَى نُوحٍ أَنْ تَدْخُلَ السَّفِينَةَ فَرَفَعَهَا بِذَنَبِهَا فَمِنْ ذَلِكَ انْكَسَرَ ذَنَبُهَا وَصَارَ مَعْقُوصًا وَبَدَا حَيَاهَا، وَأَمَّا النَّعْجَةُ فَذَهَبَتْ حَتَّى دَخَلَتْ السَّفِينَةَ فَمَسَحَ نُوحٌ عَلَى ذَنَبِهَا فَسَتَرَ حَيَاهَا. قَوْلُهُ:(وَالْخَيْلُ) وَهُوَ اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَأَصْلُ خَلْقِهَا مِنْ الرِّيحِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ مِنْهَا الْعَتَاقُ أَبَوَاهَا عَرَبِيَّانِ وَالْمُقْرِفُ أَبُوهُ عَجَمِيٌّ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَالْهَجِينُ عَكْسُهُ وَمِنْهَا الْبَرَاذِينُ أَبَوَاهَا عَجَمِيَّانِ وَسُمِّيَتْ خَيْلًا لِاخْتِيَالِهَا فِي مَشْيِهَا ق ل رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْإِبِلُ عِزٌّ لِأَهْلِهَا وَالْغَنَمُ بَرَكَةٌ وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ» وَمَعْنَى عَقْدِ الْخَيْرُ بِنَوَاصِيهَا: أَنَّهُ لَازِمٌ لَهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا وَالْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ هُنَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَكَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ اللَّهْوِ شَيْئًا إلَّا ثَلَاثَةً: لَهْوُ رَجُلٍ مَعَ امْرَأَتِهِ وَإِجْرَاءُ الْخَيْلِ وَالنِّصَالُ» اهـ.
قَوْلُهُ: (وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) وَبِهَذَا رُدَّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ فِي تَحْرِيمِ الْخَيْلِ بِآيَةِ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْلَ وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ فَلَوْ دَلَّتْ عَلَى التَّحْرِيمِ لَلَزِمَ تَحْرِيمُ الْحُمُرِ قَبْلَ خَيْبَرَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. عَمِيرَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مُنْكَرٌ) عِبَارَةُ م ر. وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ يَكُونُ مَنْسُوخًا بِإِحْلَالِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ.
قَوْلُهُ: (وَبَقَرُ وَحْشٍ) قَيَّدَ بِالْوَحْشِ لِعَطْفِ الْحِمَارِ عَلَيْهِ لَا لِإِخْرَاجِ الْأَهْلِيِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالْوَحْشِ لِأَنَّ بَقَرَ الْأَهْلِ دَاخِلٌ فِي الْأَنْعَامِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ
بِالْمَعْزِ الْأَهْلِيَّةِ، وَحِمَارُ وَحْشٍ لِأَنَّهُمَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الثَّانِي:" كُلُوا مِنْ لَحْمِهِ " وَأَكَلَ مِنْهُ وَقِيسَ بِهِ الْأَوَّلُ. وَظَبْيٌ وَظَبْيَةٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَضَبُعٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَحِلُّ أَكْلُهُ. وَلِأَنَّ نَابَهُ ضَعِيفٌ لَا يَتَقَوَّى بِهِ وَهُوَ مِنْ أَحْمَقِ الْحَيَوَانِ. لِأَنَّهُ يَتَنَاوَمُ حَتَّى يُصَادَ وَهُوَ اسْمٌ لِلْأُنْثَى قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهَا أَنَّهَا تَحِيضُ وَتَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ ضَبُعَانِ وَضَبٌّ لِأَنَّهُ أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ صلى الله عليه وسلم بِحَضْرَتِهِ. وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ فَقِيلَ لَهُ أَحَرَامٌ هُوَ قَالَ: «لَا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» وَهُوَ حَيَوَانٌ لِلذَّكَرِ مِنْهُ ذَكَرَانِ وَلِلْأُنْثَى فَرْجَانِ. وَأَرْنَبٌ وَهُوَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ الْعِنَاقَ قَصِيرُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَشْبَهُ شَيْءٍ) أَيْ أَقْرَبُ شَبَهًا بِالْمَعْزِ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَحِمَارُ وَحْشٍ) وَعُمْرُهُ يَزِيدُ عَلَى عُمْرِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَقِيلَ إنَّ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. وَفَارَقَتْ الْحُمُرُ الْوَحْشِيَّةُ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةِ بِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الرُّكُوبِ فَانْصَرَفَ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَى أَكْلِهَا خَاصَّةً اهـ. وَلَا فَرْقَ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَيْنَ أَنْ يُسْتَأْنَسَ أَوْ يَبْقَى عَلَى تَوَحُّشِهِ. كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْأَهْلِيِّ بَيْنَ الْحَالَيْنِ وَمِثْلُهُ بَقَرُ الْوَحْشِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا فِي س ل.
قَوْلُهُ: (وَظَبْيٌ وَظَبْيَةٌ) اُنْظُرْ الْحِكْمَةَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا دُونَ غَيْرِهِمَا وَيَحِلُّ مَا تَوَلَّدَ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْمَأْكُولِ نَحْوُ كَلْبٍ مِنْ شَاتَيْنِ. فَرْعٌ:
يُرَاعَى فِي الْمَمْسُوخِ أَصْلُهُ إنْ بُدِّلَتْ صِفَتُهُ فَقَطْ. فَإِنْ بُدِّلَتْ ذَاتُهُ كَلَبَنٍ صَارَ دَمًا وَلَوْ كَرَامَةً لِوَلِيٍّ اُعْتُبِرَ حَالُهُ الْآنَ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَيَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ، فَإِنْ عَادَ لَبَنًا عَادَ لِمِلْكِ مَالِكِهِ كَجِلْدٍ دُبِغَ فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَيَحِلُّ تَنَاوُلُهُ وَخَرَجَ بِالْمَمْسُوخِ مَا لَمْ يُمْسَخْ كَلَبَنٍ خَرَجَ مِنْ ضَرْعِهِ دَمًا وَمَنِيٍّ كَذَلِكَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ مُطْلَقًا ق ل. عَلَى الْجَلَالِ وَعِبَارَةُ م ر. وَلَوْ مُسِخَ حَيَوَانٌ يَحِلُّ إلَى مَا لَا يَحِلَّ أَوْ عَكْسُهُ، فَهَلْ يُعْتَبَرُ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ أَوْ مَا تَحَوَّلَ إلَيْهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ الطَّحَاوِيِّ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ الْمَمْسُوخِ إلَيْهِ إنْ بُدِّلَتْ ذَاتُهُ بِذَاتٍ أُخْرَى، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ تُبَدَّلْ إلَّا صِفَتُهُ فَقَطْ اُعْتُبِرَ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ وَالْأَقْرَبُ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ فِي الْآدَمِيِّ الْمَمْسُوخِ مُطْلَقًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ وَلَوْ قُدِّمَ لِوَلِيٍّ مَالٌ مَغْصُوبٌ فَقُلِبَ كَرَامَةً لَهُ دَمًا ثُمَّ أُعِيدَ إلَى صِفَتِهِ أَوْ صِفَةٍ غَيْرِ صِفَتِهِ، فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ حِلِّهِ لِأَنَّهُ بِعَوْدِهِ إلَى الْمَالِيَّةِ عَادَ مِلْكُ مَالِكِهِ فِيهِ كَمَا قَالُوهُ فِي جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ بِقَلْبِهِ إلَى الدَّمِ، كَمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ بِحَالِهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَحَوَّلَ إلَيْهِ أَهُوَ الذَّاتُ أَوْ الصِّفَةُ. فَإِنْ وُجِدَ مَا يُعْلَمُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَيُشْبِهُ اعْتِبَارُ أَصْلِهِ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَبَدُّلَ الذَّاتِ فَيُحْكَمَ بِبَقَائِهَا، وَإِنَّ الْمُتَحَوَّلَ إلَيْهِ هُوَ الصِّفَةُ وَقَدْ عُهِدَ تَحَوُّلُ الصِّفَةِ كَانْخِلَاعِ الْوَلِيِّ إلَى صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَعُهِدَ رُؤْيَةُ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِمَا الْأَصْلِيَّةِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ ذَاتَهُمَا لَمْ تَتَحَوَّلْ وَإِنَّمَا تَحَوَّلَتْ الصِّفَةُ اهـ. ع ش عَلَيْهِ. قَوْلُهُ:(وَضَبُعٌ) هُوَ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَجَمْعُهُمَا ضِبَاعٌ كَسَبُعٍ وَسِبَاعٍ قَالَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ اسْمٌ لِلْأُنْثَى فَقَطْ وَيُقَالُ لَهَا ضُبَاعَةُ وَضُبْعَانَةُ وَجَمْعُهَا ضُبْعَانَاتٍ وَلَا يُقَالُ ضُبَعَةٌ. وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ ضِبْعَانَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ وَيُقَالُ لِلْمُثَنَّى مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا ضَبُعَانَانِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَانِيهِ وَكَسْرِ آخِرِهِ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَحْمَقِ الْحَيَوَانِ) الْمُرَادُ بِالْحَمَاقَةِ الْجَهْلُ بِالْعَوَاقِبِ.
قَوْلُهُ: (ضِبْعَانٌ) بِوَزْنِ عِمْرَانَ وَسِرْحَانَ وَيُجْمَعُ عَلَى ضَبَاعِينَ كَسَرَاحِينَ.
قَوْلُهُ: (وَضَبٌّ) وَهُوَ حَيَوَانٌ يَعِيشُ نَحْوَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَأَنَّهُ يَبُولُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرَّةً. وَأَنَّ لِلْأُنْثَى مِنْهُ فَرْجَيْنِ وَلِلذَّكَرِ ذَكَرَيْنِ، وَمِنْهُ أُمُّ حُبَيْنٍ بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَنُونٍ دُوَيْبَّةٌ قَدْرُ الْكَفِّ صَفْرَاءُ كَبِيرَةُ الْبَطْنِ تُشْبِهُ الْحِرْبَاءَ وَقِيلَ هِيَ الْحِرْبَاءُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَأَسْنَانُهُ كَالصَّحِيفَةِ وَمَنْ أَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَعْطَشْ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (أُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ) أَيْ أَكَلَهُ خَالِدٌ مَشْوِيًّا وَالْمَائِدَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الْأَرْضِ صِيَانَةً لِلطَّعَامِ كَالْمِنْدِيلِ وَالطَّبَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا أَكَلَ عَلَى الْخُوَانِ» لِأَنَّ الْخُوَانَ أَخَصُّ مِنْ الْمَائِدَةِ وَنَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ. اهـ. فَتْحُ الْبَارِي. وَقَوْلُهُ: " فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ " أَيْ أَجِدُ نَفْسِي تَكْرَهُهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَرْنَبٌ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَجَمْعُهُ أَرَانِبُ وَشَطْرُ قَضِيبِهِ أَيْ بَدَنِهِ عَظْمٌ، وَالْآخَرُ عَصَبٌ وَهُوَ ذُو
الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ قَصِيرٌ عَكْسُ الزَّرَافَةِ لِأَنَّهُ بُعِثَ بِوَرِكِهَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقِبَله وَأَكَلَ مِنْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَثَعْلَبٌ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلَا يَتَقَوَّى بِنَابِهِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْحُصَيْنِ وَالْأُنْثَى ثَعْلَبَةٌ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ هُوَيْلٍ وَيَرْبُوعٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَنَابُهُ ضَعِيفٌ وَفَنَكٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَهُوَ حَيَوَانٌ يُؤْخَذُ مِنْ جِلْدِهِ الْفَرْوَ لِلِينِهِ وَخِفَّتِهِ وَسَمُّورٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ. وَسِنْجَابٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُ ذَلِكَ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ ثَعَالِبِ التُّرْكِ وَقُنْفُذٌ بِالذَّالِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
شَبَقٍ شَدِيدٍ لَكِنْ الْأُنْثَى أَشَدُّ فَرُبَّمَا رَكِبَتْ الذَّكَرَ، لِشِدَّةِ شَهْوَتِهَا لِلْجِمَاعِ وَتَصِيرُ عَامًا ذَكَرًا وَعَامًا أُنْثَى كَالضَّبُعِ. قِيلَ: وَقَدْ صَادَ رَجُلٌ أَرْنَبًا فَوَجَدَ لَهُ آلَةَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَشَقَّ بَطْنَهُ فَوَجَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَرْنَبَةُ تَنَامُ مَفْتُوحَةَ الْعَيْنِ فَرُبَّمَا ظَنَّهَا الْقَنَّاصُ مُسْتَيْقِظَةً اهـ دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (الْعَنَاقَ) أَيْ أُنْثَى الْمَعْزِ. قَوْلُهُ: (عَكْسُ الزَّرَافَةِ) أَيْ مَعْنًى وَحُكْمًا وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا مُخَفَّفَةُ الرَّاءِ تُكْنَى أُمَّ عِيسَى وَهِيَ حَسَنَةُ الْخَلْقِ طَوِيلَةُ الْعُنُقِ وَالْيَدَيْنِ قَصِيرَةُ الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ قُوتَهَا فِي الشَّجَرِ فَخَلَقَهَا كَذَلِكَ لِتَسْتَعِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَهَا رَأْسُ إبِلٍ وَقَرْنَا بَقَرٍ، وَجِلْدُ نَمِرٍ، وَأَظْلَافُ ثَوْرٍ وَذَنَبُ ظَبْيٍ. وَإِذَا مَشَتْ قَدَّمَتْ رِجْلَهَا الْيُسْرَى وَيَدَهَا الْيُمْنَى. وَهَذَا بِعَكْسِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ كُلِّهَا وَهِيَ تَبْعَرُ أَيْ رَوْثُهَا كَالْبَعِيرِ يَكُونُ بَعْرًا وَتَجْتَرُّ وَفِي طَبْعِهَا الْأُنْسُ وَالْوُدُّ لِلنَّاسِ، قِيلَ: وَالزَّرَافَةُ فِي الْأَصْلِ هِيَ الْجَمَاعَةُ فَسُمِّيت بِذَلِكَ لِتَوَلُّدِهَا مِنْ جَمَاعَةِ الْحَيَوَانِ لِأَنَّهَا مِنْ حَيَوَانَاتٍ ثَلَاثٍ مِنْ النَّاقَةِ الْوَحْشِيَّةِ، وَالْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ، وَالضِّبْعَانِ. وَهُوَ ذَكَرُ الضِّبَاعِ فَيَقَعُ عَلَى النَّاقَةِ فَتَلِدُ حَيَوَانًا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَيَقَعُ عَلَى الْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ فَتَلِدُ مِنْهُ الزَّرَافَةَ وَقِيلَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ دَوَابَّ وَوُحُوشٍ مُخْتَلِفَةٍ، يَقَعْنَ عَلَى الْأُنْثَى فَتَخْتَلِطُ مِيَاهُهَا فَيَخْلُقُ اللَّهُ مِنْهَا خَلْقًا مُخْتَلِفَ الشَّكْلِ وَأُنْكِرَ عَلَى قَائِلِ هَذَا دُونَ قَائِلِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّهُمَا أَصَحُّ وَحُكْمُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ اهـ، دَمِيرِيٌّ وَرَدَّ ذَلِكَ الْحَافِظُ وَقَالَ بَلْ هِيَ نَوْعٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَلِدُ مِثْلَهُ اهـ. سُيُوطِيٌّ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ. وَأَمَّا الزَّرَافَةُ فَهَلْ تَحِلُّ أَوْ لَا فِيهَا تَرَدُّدٌ وَالْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهَا تَحْرُمُ وَفِي الْعُبَابِ أَنَّهَا حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ قِيلَ: إنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ سَبْعِ حَيَوَانَاتٍ لِأَنَّ الزَّرَافَةَ بِمَعْنَى الْجَمَاعَةِ لُغَةً اهـ. وَقَرَّرَ شَيْخُنَا م د فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ الزَّرَافَةَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ الْإِبِلَ بِرَقَبَتِهِ وَالْبَقَرَ بِرَأْسِهِ وَقَرْنَيْهِ وَالنَّمِرَ بِلَوْنِ جِلْدِهِ، وَيَكْبُرُ إلَى أَنْ يَصِيرَ عُلْوَ النَّخْلَةِ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِوَرِكِهَا) أَيْ الْأَرَانِبِ فَيُفِيدُ أَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ مَعْنًى فَهُوَ كَزَيْنَبِ وَقَوْلُهُ: قِيلَ وَهُوَ حَيَوَانٌ التَّذْكِيرُ بِالنَّظَرِ لِلَّفْظِ. وَقَالَ شَيْخُنَا: أَنَّثَهُ لِتَأْوِيلِهِ بِالدَّابَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَثَعْلَبٌ) بِمُثَلَّثَةِ أَوَّلَهُ وَأُنْثَاهُ يَسْفِدُهَا الْعُقَابُ، أَيْ يَطَؤُهَا كَذَا قَالُوا وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ لَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، فَإِنْ تَحَقَّقَ عُمِلَ بِهِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. ق ل. وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى حِلِّ أَكْلِهِ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَحَرَّمَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِهِ؛ وَمِنْ حِيلَتِهِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ أَنَّهُ يَتَمَاوَتُ وَيَنْفُخُ بَطْنَهُ وَيَرْفَعُ قَوَائِمَهُ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَإِذَا قَرُبَ عَلَيْهِ الْحَيَوَانُ وَثَبَ عَلَيْهِ وَصَادَهُ وَحِيلَتُهُ هَذِهِ لَا تَتِمُّ عَلَى كَلْبِ الصَّيْدِ، قِيلَ لِلثَّعْلَبِ مَالَكَ تَعْدُو أَكْثَرَ مِنْ الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: إنِّي أَعْدُو لِنَفْسِي وَالْكَلْبُ يَعْدُو لِغَيْرِهِ. وَمِنْ الْعَجِيبِ فِي قِسْمَةِ الْأَرْزَاقِ أَنَّ الذِّئْبَ يَصِيدُ الثَّعْلَبَ فَيَأْكُلُهُ وَيَصِيدُ الثَّعْلَبُ الْقُنْفُذَ فَيَأْكُلُهُ وَيَصِيدُ الْقُنْفُذُ الْأَفْعَى، فَيَأْكُلُهَا وَالْأَفْعَى تَصِيدُ الْعُصْفُورَ فَتَأْكُلُهُ، وَالْعُصْفُورُ يَصِيدُ الْجَرَادَةَ فَيَأْكُلُهَا. وَالْجَرَادُ يَلْتَمِسُ فِرَاخَ الزَّنَابِيرِ فَيَأْكُلُهَا وَالزُّنْبُورُ يَصِيدُ النَّحْلَةَ فَيَأْكُلُهَا. وَالنَّحْلَةُ تَصِيدُ الذُّبَابَةَ فَتَأْكُلُهَا وَالذُّبَابَةُ تَصِيدُ الْبَعُوضَةَ فَتَأْكُلُهَا. وَمِمَّا يُرْوَى مِنْ حِيَلِ الثَّعْلَبِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه قَالَ كُنَّا بِسَفَرٍ فِي أَرْضِ الْيَمَنِ فَوَضَعْنَا سُفْرَتَنَا لِنَتَعَشَّى فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَقُمْنَا لِنُصَلِّيَ ثُمَّ نَتَعَشَّى وَتَرَكْنَا السُّفْرَةَ كَمَا هِيَ وَقُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ. وَكَانَ فِيهَا دَجَاجَتَانِ فَجَاءَ الثَّعْلَبُ فَأَخَذَ إحْدَى الدَّجَاجَتَيْنِ فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ أَسِفْنَا عَلَيْهَا وَقُلْنَا: حُرِمْنَا طَعَامَنَا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إذْ جَاءَ الثَّعْلَبُ وَفِي فَمِهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ الدَّجَاجَةُ فَوَضَعَهَا فَبَادَرْنَا إلَيْهِ لِنَأْخُذَهَا وَنَحْنُ نَحْسَبُهُ الدَّجَاجَةَ فَلَمَّا قُمْنَا جَاءَ إلَى الْأُخْرَى وَأَخَذَهَا مِنْ السُّفْرَةِ وَأَصَبْنَا الَّذِي قُمْنَا إلَيْهِ لِنَأْخُذَهُ فَإِذَا هُوَ لِيفٌ قَدْ هَيَّأَهُ مِثْلَ الدَّجَاجَةِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَيَرْبُوعٌ) نَوْعٌ مِنْ الْفَأْرِ كَابْنِ عِرْسٍ وَحِلُّهُمَا مُسْتَثْنًى مِنْهُ ق ل. فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ رَقِيقَةٌ تُعَادِي الْفَأْرَ تَدْخُلُ جُحْرَهُ وَتُخْرِجُهُ. قَوْلُهُ: (وَقُنْفُذٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا اهـ.
مُخْتَارٌ. وَفِي الْمِصْبَاحِ بِضَمِّ الْقَافِ وَتُفْتَحُ لِلتَّخْفِيفِ اهـ. قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَحِلُّ أَكْلُ الْقُنْفُذِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ
الْمُعْجَمَةُ. وَالْوَبْرُ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنْ الْهِرِّ كَحْلَاءُ الْعَيْنِ لَا ذَنَبَ لَهَا. وَالدُّلْدُلُ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ قَدْرُ السَّخْلَةِ ذَاتُ شَوْكٍ طَوِيلٍ يُشْبِهُ السِّهَامَ وَابْنُ عُرْسٍ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ رَقِيقَةٌ تُعَادِي الْفَأْرَ تَدْخُلُ جُحْرَهُ وَتُخْرِجُهُ. وَالْحَوَاصِلُ وَيُقَالُ لَهُ حَوْصَلٌ وَهُوَ طَائِرٌ أَبْيَضُ أَكْبَرُ مِنْ الْكُرْكِيُّ ذُو حَوْصَلَةٍ عَظِيمَةٍ يُتَّخَذُ مِنْهَا فَرْوٌ
وَيَحْرُمُ كُلُّ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ لِإِيذَائِهِ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ وَحَدَأَةٍ وَفَأْرَةٍ وَالْبُرْغُوثِ وَالزُّنْبُورِ بِضَمِّ الزَّايِ وَالْبَقِّ، وَإِنَّمَا نُدِبَ قَتْلُهَا لِإِيذَائِهَا. كَمَا مَرَّ إذْ لَا نَفْعَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِتَحْرِيمِهِ.
قَوْلُهُ: (وَابْنُ عِرْسٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَجَمْعُهَا بَنَاتُ عِرْسٍ. قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ: وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُرَسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَهُوَ حَيَوَانٌ قَرِيبٌ مِنْ الْفَأْرِ لَكِنْ أَشَدُّ مِنْهُ وَهُوَ يُعَادِيهِ فَيَدْخُلُ جُحْرَهُ يُخْرِجُهُ وَيَأْكُلُهُ. حُكِيَ أَنَّهُ تَبِعَ فَأْرَةً فَهَرَبَتْ مِنْهُ إلَى شَجَرَةٍ فَصَعَدَ خَلْفَهَا فَانْتَهَتْ إلَى رَأْسِ غُصْنٍ فَتَبِعَهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهَا مَهْرَبٌ فَتَعَلَّقَتْ بِوَرَقَةٍ وَأَدْلَتْ نَفْسَهَا فَصَاحَ ابْنُ عِرْسٍ فَجَاءَتْ أُنْثَاهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَطَعَ عِرْقَ الْوَرَقَةِ. فَسَقَطَتْ الْفَأْرَةُ فَأَمْسَكَتْهَا أُنْثَاهُ فَهُوَ أَعْدَى لِلْفَأْرِ مِنْ السِّنَّوْرِ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ جُحْرَهُ وَالسِّنَّوْرُ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ. وَمَعَ ذَلِكَ يَخَافُ الْفَأْرُ مِنْ السِّنَّوْرِ أَكْثَرَ. وَيُعَادِي أَيْضًا الْحَيَّةَ وَيَقْتُلُهَا وَيُعَادِي التِّمْسَاحَ فَيَدْخُلُ جَوْفَهُ إذَا فَتَحَ فَاهُ فَيَأْكُلُ أَمْعَاءَهُ وَيُمَزِّقُهَا وَإِذَا مَرِضَ أَكَلَ بَيْضَ الدَّجَاجِ فَيُشْفَى وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ أَكْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحِلُّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَنْهُ قَوْلٌ بِالْحُرْمَةِ قَالَ أَرْسَطَا طَالِيسُ إنَّ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ عِرْسٍ تُلَقَّحُ وَتَلِدُ مِنْ أُذُنِهَا اهـ. دَمِيرِيٌّ وَقِيلَ إنَّهَا تَحْبَلُ مِنْ فَمِهَا وَتَلِدُ مِنْ أُذُنِهَا اهـ. قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ جِلْدِهَا.
قَوْلُهُ: (كَحَيَّةٍ) تُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيَحِلُّ قَتْلُهَا لِلْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ لِأَنَّهَا مِنْ الْفَوَاسِقِ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَكَأَنَّمَا قَتَلَ مُشْرِكًا» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْحَيَّاتِ مَسْخُ الْجِنِّ كَمَا مُسِخَتْ الْقِرَدَةُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ. مَسْأَلَةٌ:
إذَا اصْطَادَ الْحَوَّاءُ حَيَّةً وَحَبَسَهَا عَلَى عَادَةِ الْحُوَاةِ فَلَسَعَتْهُ فَمَاتَ هَلْ يَأْثَمُ؟ أَوْ تَفَلَّتَتْ فَقَتَلَتْ إنْسَانًا هَلْ يَضْمَنُ.
أُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ صَادَهَا لِيُرِيَ النَّاسَ مَعْرِفَتَهُ وَهُوَ عَارِفٌ بِصَنْعَتِهِ وَغَالِبُ ظَنِّهِ السَّلَامَةُ مِنْهَا لَمْ يَأْثَمْ. قِيلَ: نَزَلَ حَوَّاءٌ بِقَوْمٍ بِالْيَمَنِ وَفِي خُرْجِهِ حَيَّاتٌ فَخَرَجَ بَعْضُهَا بِاللَّيْلِ فَقَتَلَ بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ فَكُتِبَ بِذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَكِنْ مُرُوهُ إذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ يُعْلِمُهُمْ بِمَا مَعَهُ اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَعَقْرَبٍ) الْعَقْرَبُ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ عُقْرُبَانٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أَرْجُلٍ وَعَيْنَاهَا فِي ظَهْرِهَا تَلْدَغُ وَتُؤْلِمُ إيلَامًا شَدِيدًا وَرُبَّمَا لَسَعَتْ الْأَفْعَى أَيْ الْحَيَّةَ فَتَمُوتُ. وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهَا مَعَ صِغَرِهَا أَنَّهَا تَقْتُلُ الْفِيلَ وَالْبَعِيرَ بِلَسْعَتِهَا وَأَنَّهَا لَا تَقْرَبُ الْمَيِّتَ وَلَا النَّائِمَ حَتَّى يَتَحَرَّكَ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ أَيْ النَّائِمِ فَتَضْرِبُهُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَتَأْوِي إلَى الْخَنَافِسِ وَتُسَالِمُهَا أَيْ تُصَالِحُهَا. وَلِذَلِكَ إذَا دُقَّتْ وَوُضِعَتْ عَلَى لَسْعَةِ الْعَقْرَبِ بَرِئَتْ لِوَقْتِهَا. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ شَرَفٍ، وَقِيلَ: إنَّ الْعَقْرَبَ إذَا حُرِقَتْ وَدُخِّنَ بِهَا الْبَيْتُ هَرَبَتْ الْعَقَارِبُ مِنْهُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَغُرَابٍ أَبْقَعَ) وَيُقَالُ: لَهُ الْأَعْوَرُ لِحِدَةِ بَصَرِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ يُغْمِضُ إحْدَى عَيْنَيْهِ عِنْدَ النَّظَرِ. وَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّظَرِ بِإِحْدَاهُمَا مِنْ قُوَّةِ بَصَرِهِ سُمِّيَ غُرَابًا لِسَوَادِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] اهـ. وَجَمْعُهُ غِرْبَانٌ وَأَغْرِبَةٌ وَأَغْرُبٌ وَغَرَابِينُ وَغُرْبٌ، وَقَدْ نَظَمَهَا ابْنُ مَالِكٍ:
بِالْغُرْبِ اجْمَعْ غُرَابًا وَأَغْرِبَةٍ
…
وَأَغْرُبٍ وَغَرَابِين وَغِرْبَانِ
وَيُقَالُ: إنَّهُ إذَا صَاحَ الْغُرَابُ مَرَّتَيْنِ فَهُوَ شَرٌّ، وَإِذَا صَاحَ ثَلَاثًا فَهُوَ خَيْرٌ، وَذَلِكَ لِعَدَدِ الْأَحْرُفِ أَيْ أَحْرُفِ خَيْرٍ. اهـ.
دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَحِدَأَةٍ) بِوَزْنِ عِنَبَةٍ وَجَمْعُهَا حِدَأٌ. ذُكِرَ عَنْ أَرِسْطَا طَالِيسَ أَنَّ الْغُرَابَ يَصِيرُ حِدَأَةً وَهِيَ تَصِيرُ عُقَابًا كَذَا يَتَبَدَّلَانِ كُلَّ سَنَةٍ، وَمِنْ طَبْعِ الْحِدَأَةِ أَنْ تَقِفَ فِي الطَّيَرَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا. وَيُقَالُ إنَّهَا أَحْصَنُ الطَّيْرِ مُجَاوَرَةً لِمَا جَاوَرَهَا مِنْ الطَّيْرِ فَلَوْ مَاتَتْ جُوعًا لَمْ تَعْدُ عَلَى أَفْرَاخِ جَارِهَا، وَالسَّبَبُ فِي صِيَاحِهَا عِنْدَ سِفَادِهَا أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ جَحَدَ وَلَدَهَا مِنْهُ.
فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ سَفَدَنِي حَتَّى إذَا حَضَنْت بَيْضِي وَخَرَجَ مِنْهُ وَلَدِي جَحَدَنِي فَقَالَ سُلَيْمَانُ عليه السلام لِلذَّكَرِ مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّهَا تَحُومُ حَوْلَ الْبَرَارِيِ وَلَا تَمْتَنِعُ مِنْ الطُّيُورِ فَلَا أَدْرِي أَهُوَ مِنِّي أَوْ مِنْ غَيْرِي فَأَمَرَ سُلَيْمَانُ عليه السلام -
فِيهَا وَمَا فِيهِ نَفْعٌ وَمَضَرَّةٌ لَا يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ لِنَفْعِهِ وَلَا يُكْرَهُ لِضَرَرِهِ.
وَيُكْرَهُ قَتْلُ مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ كَالْخَنَافِسِ وَالْجُعَلَانِ، وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُسَمَّى الزُّعْقُوقَ. وَالْكَلْبُ غَيْرُ الْعَقُورِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةٌ، وَتَحْرُمُ الرَّخَمَةُ وَهُوَ طَائِرٌ أَبْيَضُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِإِحْضَارِ الْوَلَدِ فَوَجَدَهُ يُشْبِهُ وَالِدَهُ، فَأَلْحَقَهُ بِهِ فَصَارَتْ إذَا سَفَدَهَا صَاحَتْ، ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا تُمَكِّنِيهِ أَبَدًا حَتَّى تُشْهِدِينَ عَلَى ذَلِكَ الطَّيْرَ لِئَلَّا يَجْحَدَ بَعْدَهَا فَصَارَتْ إذَا سَفَدَهَا صَاحَتْ: وَقَالَتْ: يَا طُيُورُ اشْهَدُوا فَإِنَّهُ سَفَدَنِي، وَالْعُقَابُ سَيِّدُ الطَّيْرِ وَالنَّسْرُ عَرِيفُهَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:" أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُد - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا فَقَدَ الْهُدْهُدَ أَيْ فَإِنَّ الْهُدْهُدَ كَانَ دَلِيلًا عَلَى الْمَاءِ، فَإِنَّ الْهُدْهُدَ يَرَى الْمَاءَ تَحْتَ الْأَرْضِ كَمَا يُرَى الْمَاءُ فِي الزُّجَاجَةِ فَلَمَّا فَقَدَ سُلَيْمَانُ الْمَاءَ تَفَقَّدَ الْهُدْهُدَ. فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَعَا بِالْعُقَابِ سَيِّدِ الطُّيُورِ وَأَشَدِّهَا بَأْسًا فَقَالَ عَلَيَّ بِالْهُدْهُدِ السَّاعَةَ فَرَفَعَ الْعُقَابُ نَفْسَهُ حَتَّى الْتَصَقَ بِالْهَوَاءِ فَصَارَ يَنْظُرُ إلَى الدُّنْيَا كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّجُلِ ثُمَّ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا فَرَأَى الْهُدْهُدَ مُقْبِلًا مِنْ نَحْوِ الْيَمَنِ، فَانْقَضَّ عَلَيْهِ فَقَالَ الْهُدْهُدُ: أَسْأَلُك بِحَقِّ الَّذِي أَقْدَرَك عَلَيَّ وَقَوَّاك إلَّا مَا رَحِمْتَنِي فَقَالَ لَهُ: الْوَيْلُ لَك إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ حَلَفَ أَنْ يُعَذِّبَك أَوْ يَذْبَحَك ثُمَّ أَتَى بِهِ فَلَقِيَهُ النُّسُورُ وَعَسَاكِرُ الطَّيْرِ فَخَوَّفُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِتَوَعُّدِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ الْهُدْهُدُ مَا قَدْرِي وَمَا أَنَا أَوَ مَا اسْتَثْنَى نَبِيُّ اللَّهِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. قَالَ الْهُدْهُدُ: فَنَجَوْت إذًا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سُلَيْمَانَ رَفَعَ رَأْسَهُ وَأَرْخَى ذَنَبَهُ وَجَنَاحَيْهِ تَوَاضُعًا لِسُلَيْمَانَ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: أَيْنَ كُنْت عَنْ خِدْمَتِك وَمَكَانِك لَأُعَذِّبَنَّك عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّك فَقَالَ الْهُدْهُدُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ اُذْكُرْ وُقُوفَك بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ وُقُوفِي بَيْنَ يَدَيْك فَاقْشَعَرَّ جِلْدُ سُلَيْمَانَ، وَارْتَعَدَ وَعَفَا عَنْهُ " قِيلَ عَنَى سَيِّدُنَا سُلَيْمَانُ عليه الصلاة والسلام بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ، الَّذِي يُعَذِّبُ بِهِ الْهُدْهُدَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إلْفِهِ، وَقِيلَ: إلْزَامُهُ خِدْمَةَ أَقْرَانِهِ، وَقِيلَ صُحْبَةُ الْأَضْدَادِ اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ أَفْسَدَ مِنْ الْفَأْرِ وَلَا أَعْظَمَ أَذًى مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُبْقِي عَلَى حَقِيرٍ وَلَا جَلِيلٍ، وَلَا يَأْتِي عَلَى شَيْءٍ إلَّا أَهْلَكَهُ وَأَتْلَفَهُ، وَكُنْيَةُ الْفَأْرِ أُمُّ خَرَابٍ، وَمِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا تَأْتِي الْقَارُورَةَ الضَّيِّقَةَ الرَّأْسِ، فَتَحْتَالُ حَتَّى تُدْخِلَ فِيهَا ذَنَبَهَا فَكُلَّمَا ابْتَلَّ بِالدُّهْنِ أَخْرَجَتْهُ وَمَصَّتْهُ حَتَّى لَا تَدَعَ فِيهَا شَيْئًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:«جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَذَهَبَتْ الْجَارِيَةُ فَوَجَدَتْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَعِيهَا فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا أَيْ السَّجَّادَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْوَجْهَ أَيْ تُغَطِّيهِ فَأَحْرَقْت مِنْهَا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقَكُمْ» اهـ. وَأَمَّا الْقَنَادِيلُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ خِيفَ حَرِيقٌ بِسَبَبِهَا، دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِطْفَاءِ وَإِنْ أُمِنَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَرْكِهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِذَا انْتَفَتْ عِلَّةٌ زَالَ الْمَنْعُ، وَفِي خَبَرِ الشَّيْخَيْنِ:«خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ الْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ، وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْحَيَّةُ» بَدَلَ الْعَقْرَبِ، وَفِي رَاوِيَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ذَكَرَ السَّبُعَ الْعَادِي مَعَ الْخَمْسِ. قَالَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ: السِّرُّ فِي قَتْلِ الْحَيَّةِ أَنَّهَا خَانَتْ آدَمَ بِإِدْخَالِ إبْلِيسَ الْجَنَّةَ بَيْنَ فَكَّيْهَا، وَالْغُرَابُ بَعَثَهُ نَبِيُّ اللَّهِ نُوحٌ عليه السلام عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ السَّفِينَةِ لِيَأْتِيَهُ بِخَبَرِ الْأَرْضِ فَتَرَكَ أَمْرَهُ وَأَقْبَلَ عَلَى جِيفَةٍ، وَالْفَأْرُ عَمَدَتْ إلَى حِبَالِ سَفِينَةِ سَيِّدِنَا نُوحٍ فَقَطَعَتْهَا وَأَخَذَتْ الْفَتِيلَةَ لِتُحْرِقَ الْبَيْتَ أَيْضًا فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهَا.
قَوْلُهُ: (وَالْبُرْغُوثِ) وَاحِدُ الْبَرَاغِيثِ وَضَمُّ بَائِهِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا وَهُوَ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَهُ الْوَثْبُ الشَّدِيدُ، وَمِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، أَنَّهُ يَثِبُ إلَى وَرَائِهِ لِيَرَى مَنْ يَصِيدُهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَثَبَ إلَى أَمَامِهِ لَكَانَ ذَلِكَ أَسْرَعَ إلَى حِمَامِهِ وَهُوَ مِنْ الْخَلْقِ الَّذِي يَعْرِضُ لَهُ الطَّيَرَانُ، كَمَا يَعْرِضُ لِلنَّمْلِ وَهُوَ يَنْشَأُ أَوَّلًا مِنْ التُّرَابِ لَا سِيَّمَا فِي الْأَمَاكِنِ الْمُظْلِمَةِ. وَيُقَالُ إنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْفِيلِ لَهُ أَنْيَابٌ يَعَضُّ بِهَا، وَخُرْطُومٌ يَمُصُّ بِهِ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ:(وَالْبَقُّ) الْبَقَّةُ الْبَعُوضَةُ، وَالْجَمْعُ الْبَقُّ وَيُقَالُ: إنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ النَّفَسِ الْحَارِّ وَلِشِدَّةِ رَغْبَتِهِ فِي الْإِنْسَانِ إذَا شَمَّ رَائِحَةَ الْآدَمِيِّ رَمَى نَفْسَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَثِيرٌ بِمِصْرَ وَمَا شَاكَلَهَا مِنْ الْبِلَادِ، اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالْجُعْلَانِ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو جُعْرَانَ) وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْعَيْنُ سَاكِنَةٌ وَالنَّاسُ يُسَمُّونَهُ أَبُو جِعْرَانَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْجَعْرَ الْيَابِسَ وَيَدَّخِرُهُ لِبَيْتِهِ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ مَعْرُوفَةٌ تُسَمَّى الزُّعْقُوقَ شَيْخُنَا وَهُوَ بِضَمِّ الزَّايِ تَعَضُّ الْبَهَائِمَ فِي فُرُوجِهَا فَتَهْرُبُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْخُنْفُسَاءِ شَدِيدُ السَّوَادِ فِي بَطْنِهِ لَوْنُ حُمْرَةٍ لِلذَّكَرِ قَرْنَانِ يُوجَدُ كَثِيرًا فِي مَرَاحِ الْبَقَرِ
وَالْبُغَاثَةُ لِأَنَّهَا كَالْحِدَأَةِ وَهِيَ طَائِرٌ أَبْيَضُ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ وَالْبَبَّغَاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ بِالدُّرَّةِ وَالطَّاوُوسِ وَهُوَ طَائِرٌ فِي طَبْعِهِ الْعِفَّةُ وَحُبُّ الزَّهْوِ بِنَفْسِهِ وَالْخُيَلَاءُ وَالْإِعْجَابُ بِرِيشِهِ وَهُوَ مَعَ حُسْنِهِ يُتَشَاءَمُ بِهِ.
وَوَجْهُ تَحْرِيمِهِ وَمَا قَبْلَهُ خُبْثُهُمَا وَلَا يَحِلُّ مَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ كَخُطَّافِ وَيُسَمَّى عُصْفُورَ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ زَهِدَ مَا أَيْدِي النَّاسِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْجَوَامِيسِ وَمَوَاضِعِ الرَّوْثِ، وَمِنْ شَأْنِهِ جَمْعُ النَّجَاسَةِ وَادِّخَارُهَا، وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ رِيحِ الْوَرْدِ وَمِنْ رِيحِ الطِّيبِ فَإِذَا أُعِيدَ إلَى الرَّوْثِ عَاشَ. وَلَهُ سِتَّةُ أَرْجُلٍ وَسَنَامٌ مُرَبَّعٌ جِدًّا وَهُوَ يَمْشِي الْقَهْقَرَى إلَى خَلْفٍ وَمَعَ هَذِهِ الْمِشْيَةِ يَهْتَدِي إلَى بَيْتِهِ وَإِذَا أَرَادَ الطَّيَرَانَ انْتَفَشَ فَيَظْهَرُ جَنَاحُهُ فَيَطِيرُ، وَمِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ يَحْرُسُ النُّوَّامَ فَمَنْ قَامَ مِنْهُمْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ تَبِعَهُ.
وَذَلِكَ مِنْ شَهْوَتِهِ لِلْغَائِطِ، لِأَنَّهُ قُوتُهُ اهـ دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالْكَلْبِ غَيْرِ الْعَقُورِ) أَيْ يُكْرَهُ قَتْلُهُ وَعَنْ شَيْخِنَا حُرْمَتُهُ وَعَنْ وَالِدِ شَيْخِنَا م ر نُدِبَ قَتْلُهُ ق ل. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ قَتْلَ الْكَلْبِ الَّذِي لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ حَرَامٌ. فَائِدَةٌ:
قِيلَ: كَانَ كَلْبُ أَهْلِ الْكَهْفِ مِنْ جِنْسِ الْكِلَابِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ كَانَ أَسَدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ كَلْبًا أَغَرَّ وَاسْمُهُ قِطْمِيرٌ وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ أَصْفَرَ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ مَنْ أَحَبَّ أَهْلَ الْخَيْرِ نَالَ بَرَكَتَهُمْ فَهَذَا كَلْبٌ أَحَبَّ أَهْلَ الْخَيْرِ وَصَحِبَهُمْ فَذُكِرَ مَعَهُمْ فِي الْقُرْآنِ وَمَنْ خَافَ شَرَّ كَلْبٍ فَلْيَقْرَأْ {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ} [الرحمن: 33] آيَةَ الرَّحْمَنِ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ الرَّخَمَةُ) وَمِنْ طَبْعِ هَذَا الطَّائِرِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى مِنْ الْجِبَالِ إلَّا الْمُوحِشَ مِنْهَا وَلَا مِنْ الْأَمَاكِنِ إلَّا أَبْعَدَهَا، مِنْ أَمَاكِنِ أَعْدَائِهِ، وَالْأُنْثَى مِنْهُ لَا تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا غَيْرَ ذَكَرِهَا وَتَبِيضُ بَيْضَةً وَاحِدَةً. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالْبُغَاثَةُ) أَيْ الْبُومَةُ وَهِيَ الْمَصَّاصَةُ وَمِنْ طَبْعِهَا أَنْ تَدْخُلَ عَلَى كُلِّ طَائِرٍ فِي وَكْرِهِ وَتُخْرِجَهُ مِنْهُ وَتَأْكُلَ فِرَاخَهُ، وَبَيْضَهُ، وَهِيَ قَوِيَّةُ السَّطْوَةِ فِي اللَّيْلِ لَا يَحْتَمِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الطَّيْرِ وَلَا تَنَامُ فِي اللَّيْلِ فَإِذَا رَآهَا الطُّيُورُ فِي النَّهَارِ قَتَلُوهَا وَنَتَفُوا رِيشَهَا لِلْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ صَارَ الصَّيَّادُونَ يَجْعَلُونَهَا تَحْتَ شِبَاكِهِمْ لِيَقَعَ لَهُمْ الطَّيْرُ، وَلَا تَطِيرُ بِالنَّهَارِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تُصَابَ بِالْعَيْنِ لِحُسْنِهَا وَجَمَالِهَا، وَلَمَّا تَصَوَّرَتْ فِي نَفْسِهَا أَنَّهَا أَحْسَنُ الْحَيَوَانِ لَمْ تَظْهَرْ إلَّا بِاللَّيْلِ اهـ. دَمِيرِيٌّ. وَعَنْ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - لَيْسَ مِنْ الطُّيُورِ أَنْصَحُ لِبَنِي آدَمَ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبُومَةِ، تَقُولُ إذَا وَقَفَتْ عِنْدَ خَرِبَةٍ: أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْعَوْنَ فِيهَا؟ وَيْلٌ لِبَنِي آدَمَ كَيْفَ يَنَامُونَ وَأَمَامَهُمْ الشَّدَائِدُ؟ تَزَوَّدُوا يَا غَافِلُونَ وَتَهَيَّئُوا لِسَفَرِكُمْ اهـ. ح ل فِي السِّيرَةِ.
قَوْلُهُ: (بِالدُّرَّةِ) وَهِيَ فِي قَدْرِ الْحَمَامَةِ فَيَتَّخِذُهَا النَّاسُ لِلِانْتِفَاعِ بِصَوْتِهَا كَمَا يَتَّخِذُونَ الطَّاوُوسَ لِلِانْتِفَاعِ بِصَوْتِهِ وَلَوْنِهِ وَلَهَا قُوَّةٌ عَلَى حِكَايَةِ الْأَصْوَاتِ وَقَبُولِ التَّلْقِينِ. وَتَتَنَاوَلُ مَأْكُولَهَا بِرِجْلِهَا كَمَا يَتَنَاوَلُ الْإِنْسَانُ الشَّيْءَ بِيَدِهِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهَا اسْمُ ذَكَرٍ مِنْ لَفْظِهَا وَمَنْ أَكَلَ لِسَانَهَا صَارَ فَصِيحًا. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَيْسَتْ مِنْ طُيُورِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا تُجْلَبُ مِنْ النُّوبَةِ وَالْيَمَنِ ز ي. قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ وَقَدْ وَقَعَ لِي أَنِّي دَخَلْت مَنْزِلًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ دُرَّةٌ لَمْ أَرَهَا فَإِذَا هِيَ تَقُولُ مَرْحَبًا بِالشَّيْخِ الْبَكْرِيِّ وَتُكَرِّرُ ذَلِكَ، فَعَجِبْت مِنْ فَصَاحَةِ عِبَارَتِهِ. وَحَكَى الْكَمَالُ الْأُدْفُوِيُّ فِي الطَّالِعِ السَّعِيدِ عَنْ الْفَاضِلِ الْأَدِيبِ مُحَمَّدٍ الْقُوصِيِّ، عَنْ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْحَرِيرِيِّ أَنَّهُ رَأَى دُرَّةً تَقْرَأُ سُورَةَ يس، وَعَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: شَاهَدْت غُرَابًا يَقْرَأُ سُورَةَ السَّجْدَةِ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى مَحَلِّ السُّجُودِ سَجَدَ. وَقَالَ: سَجَدَ لَك سَوَادِي وَآمَنَ بِك فُؤَادِي اهـ. مَعَ زِيَادَةٍ. قَوْلُهُ: (يُتَشَاءَمُ بِهِ) وَكَانَ وَجْهُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِدُخُولِ إبْلِيسَ الْجَنَّةَ. وَخُرُوجِ آدَمَ مِنْهَا وَسَبَبًا لِخُلُوِّ تِلْكَ الدَّارِ مِنْ آدَمَ مُدَّةَ دَوَامِ الدُّنْيَا كُرِهَتْ إقَامَتُهُ فِي الدُّورِ بِسَبَبِ ذَلِكَ اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ: (خُبْثُهُمَا) أَيْ الطَّاوُوسُ وَمَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلُ مُتَعَدِّدًا.
قَوْلُهُ: (كَخُطَّافٍ بِضَمِّ الْخَاءِ) نَوْعٌ مِنْ الْعُصْفُورِ يُعْرَفُ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ جَمْعُهُ خَطَاطِيفُ يَبْنِي بَيْتَهُ فِي أَبْعَدِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا بِنَاءً مُحْكَمًا بِالطِّينِ وَاللَّبِنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طِينًا غَطَسَ فِي الْمَاءِ وَتَمَرَّغَ فِي التُّرَابِ وَطَيَّنَ عُشَّهُ بِمَا عَلَى أَجْنِحَتِهِ. وَيَجْعَلُهُ عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْرِ فَرْخِهِ فَقَطْ وَلَا يُلْقِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ خُرْئِهِ، بَلْ يُلْقِيهِ خَارِجَهُ وَيَجْعَلُ فِيهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية البجيرمي]
قُضْبَانَ الْكَرَفْسِ؛ لِيُنَفِّرَ الْخُفَّاشَ عَنْ فِرَاخِهِ لِأَنَّهُ يَهْرُبُ مِنْ رَائِحَةِ الْكَرَفْسِ، وَلَوْلَاهُ لَقَتَلَ فِرَاخَهُ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا وَإِذَا كَبُرَتْ فِرَاخُهُ عَلَّمَهَا ذَلِكَ. وَمِنْ أَمْرِهِ إذَا قُلِعَتْ عَيْنُهُ عَادَتْ. وَإِذَا عَمِيَ أَكَلَ مِنْ شَجَرَةٍ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ شَمْسٍ، فَيَعُودُ بَصَرُهُ لِمَا فِي تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِلْعَيْنِ وَمَا رُئِيَ قَطُّ آكِلًا وَلَا مُجْتَمِعًا بِأُنْثَاهُ، وَإِذَا أَرَادَ شَخْصٌ حَجَرَ الْيَرَقَانِ لَطَّخَ فَرْخَهُ بِزَعْفَرَانٍ أَيْ يَدْهُنُ بِهِ مَنَاقِيرَ أَوْلَادِهِ لِيَعْتَقِدَ ذَلِكَ الْعُصْفُورُ أَنَّ بِأَوْلَادِهِ ذَلِكَ الْمَرَضَ أَيْ الْيَرَقَانَ فَيَذْهَبُ فَيَأْتِيَ بِحَجَرِ الْيَرَقَانِ الَّذِي هُوَ نَافِعٌ جِدًّا وَيَمُرَّ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ حَجَرٌ فِيهِ خُطُوطٌ بَيْنَ الْحُمْرَةِ وَالسَّوَادِ إذَا حَمَلَهُ ذُو الْيَرَقَانِ أَوْ غَسَلَهُ وَشَرِبَ مَاءَهُ عَلَى الْفُطُورِ زَالَ عَنْهُ. قِيلَ: وَقَدْ زَهِدَ الْخُطَّافُ مَا لِلنَّاسِ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَاقْتَاتَ بِالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ. وَلِهَذَا أَحَبَّهُ النَّاسُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِسُوءٍ قَالَ النَّبِيُّ: «ازْهَدْ مَا فِي الدُّنْيَا يُحِبُّك اللَّهُ وَازْهَدْ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّك النَّاسُ» أَمَّا كَوْنُ زُهْدِ الدُّنْيَا سَبَبًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنْ أَطَاعَهُ. وَطَاعَتُهُ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ مَحَبَّةِ الدُّنْيَا وَأَمَّا كَوْنُ زُهْدِ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ سَبَبًا لِمَحَبَّتِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُحِبُّونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَنْ نَزَعَ مَحْبُوبًا مِنْ مُحِبِّهِ أَبْغَضَهُ. وَمَنْ تَنَزَّهَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ لِمُحِبِّهِ أَحَبَّهُ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ فِي وَصْفِ الْخُطَّافِ:
كُنَّ زَاهِدًا فِيمَا حَوَتْهُ يَدُ الْوَرَى
…
تُضْحِي إلَى كُلِّ الْأَنَامِ جَلِيسًا
أَوَ مَا تَرَى الْخُطَّافَ حَرَّمَ زَادَهُمْ
…
فَأَضْحَى مُقِيمًا فِي الْبُيُوتِ رَئِيسًا
سَمَّاهُ رَئِيسًا لِأَنَّهُ يَأْلَفُ الْبُيُوتَ الْعَامِرَةَ دُونَ الْخَارِبَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّاسِ؛ قِيلَ: لَمَّا خَرَجَ آدَم مِنْ الْجَنَّةِ اشْتَكَى الْوَحْشَةَ فَآنَسَهُ اللَّهُ بِالْخُطَّافِ وَأَلْهَمَهَا سُكْنَى الْبُيُوتِ أُنْسًا لِبَنِيهِ فَهِيَ لَا تُفَارِقُ بَنِي آدَمَ أُنْسًا لَهُمْ وَمَعَهَا أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَهِيَ {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر: 21] إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَتَمُدُّ صَوْتَهَا بِقَوْلِهِ: {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحشر: 24] حُكِيَ أَنَّ خُطَّافًا رَاوَدَ خُطَّافَةً عَلَى قُبَّةِ سُلَيْمَانَ عليه السلام. فَامْتَنَعَتْ مِنْهُ، قَالَ لَهَا: تَمْتَنِعِينَ عَلَيَّ وَلَوْ شِئْت لَقَلَبْت الْقُبَّةَ عَلَى سُلَيْمَانَ فَدَعَاهُ سُلَيْمَانُ وَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَا تُؤَاخِذْ الْعُشَّاقَ بِأَقْوَالِهِمْ قَالَ: صَدَقْت. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ كَلَامَ الْعُشَّاقِ الَّذِينَ أَفْرَطَ حُبُّهُمْ يُسْتَلَذُّ بِسَمَاعِهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، كَمَا حُكِيَ أَنَّ فَاخِتَةَ كَانَ يُرَاوِدُهَا زَوْجُهَا فَتَمْنَعُهُ مِنْ نَفْسِهَا فَقَالَ: مَا الَّذِي يَمْنَعُك عَنِّي وَلَوْ أَرَدْت أَنْ أَقْلِبَ لَك مُلْكَ سُلَيْمَانَ عليه السلام ظَهْرًا لِبَطْنٍ لَفَعَلْتُ لِأَجْلِك فَسَمِعَهُ سُلَيْمَانُ عليه السلام فَاسْتَدْعَاهُ وَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى مَا قُلْت؟ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنَا مُحِبٌّ وَالْمُحِبُّ لَا يُلَامُ وَكَلَامُ الْعُشَّاقِ يُطْوَى وَلَا يُحْكَى. قَالَ الشَّاعِرُ:
أُرِيدُ وِصَالَهُ وَيُرِيدُ هَجْرِي
…
فَأَتْرُكُ مَا أُرِيدُ لِمَا يُرِيدُ
وَرُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام مَرَّ بِعُصْفُورٍ يَدُورُ حَوْلَ عُصْفُورَةٍ فَقَالَ سُلَيْمَانُ عليه السلام لِأَصْحَابِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا لَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ يَخْطُبُهَا لِنَفْسِهِ وَيَقُولُ تَزَوَّجِينِي أُسْكِنْك أَيَّ قُصُورِ دِمَشْقَ إنْ شِئْتِ. قَالَ عليه السلام وَإِنَّ غُرَفَ دِمَشْقَ مَبْنِيَّةٌ بِالصَّخْرِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْكُنَهَا لَكِنَّ كُلَّ خَاطِبٍ كَذَّابٌ. وَرُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام رَأَى عُصْفُورًا يُخَاطِبُ عُصْفُورَةً وَقَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَخَفَضَهَا إلَى الْأَرْضِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ عليه السلام لِجُلَسَائِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا الْعُصْفُورُ لِهَذِهِ الْعُصْفُورَةِ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: يَقُولُ وَاَلَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بِقُدْرَتِهِ وَبَسَطَ الْأَرْضَ بِحِكْمَتِهِ مَا أُرِيدُ مِنْك شَهْوَةَ لَذَّةٍ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِك نَسَمَةً تُوَحِّدُ اللَّهَ عز وجل. وَالْخَطَاطِيفُ أَنْوَاعٌ مِنْهَا مَا يَأْلَفُ
مِنْ الْأَقْوَاتِ وَنَمْلٍ وَذُبَابٍ.
وَلَا تَحِلُّ الْحَشَرَاتُ وَهُوَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَخُنْفُسَاءَ وَدُودٍ، وَلَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
سَاحِلَ الْبَحْرِ وَيَبْنِي بَيْتَهُ بِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَخْضَرُ كَالدُّرَّةِ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ مِصْرَ الْخُضَيْرَ؛ وَحُكْمُ الْخُطَّافِ حُرْمَةُ أَكْلِهِ لِمَا رُوِيَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ الْخَطَاطِيفِ وَذَبْحِهَا» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَحِلُّ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ يَتَقَوَّتُ بِالْحَلَالِ غَالِبًا، وَإِذَا نُقِعَ عُشُّهُ بِمَا فِيهِ فِي الْمَاءِ يَوْمًا وَلَيْلَةً نَفَعَ شُرْبُهُ لِلْحَصْبَةِ اهـ. دَمِيرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَنَمْلٍ) وَالنَّمْلَةُ وَاحِدُ النَّمْلِ وَجَمْعُ الْجَمْعِ نِمَالٌ وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهَا. وَحَمَلُوهُ عَلَى النَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ وَهُوَ الْكَبِيرُ لِانْتِفَاءِ أَذَاهُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ لِكَوْنِهِ مُؤْذِيًا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَنَمُّلِهِ أَيْ تَحَرُّكِهِ بِكَثْرَةِ مَا يَحْمِلُ مَعَ قِلَّةِ قَوَامِهِ وَهُوَ لَا جَوْفَ لَهُ وَعَيْشُهُ بِالشَّمِّ مَعَ أَنَّهُ أَحْرَصُ الْحَيَوَانِ عَلَى الْقُوتِ وَالنَّمْلُ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَلَاقَحُ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ مِنْهُ شَيْءٌ حَقِيرٌ فِي الْأَرْضِ فَيَنْمُو، وَهُوَ عَظِيمُ الْحِيلَةِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا أَنْذَرَ الْبَاقِينَ فَيَأْتُونَ إلَيْهِ، وَمِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ يَحْتَكِرُ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ لِزَمَنِ الشِّتَاءِ. وَإِذَا احْتَكَرَ مَا يَخَافُ إنْبَاتَهُ قَسَمَهُ نِصْفَيْنِ وَإِذَا خَافَ الْعَفَنَ عَلَى الْحَبِّ أَخْرَجَهُ إلَى ظَاهِرِ الْأَرْضِ وَنَشَرَهُ، وَأَكْثَرُ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لَيْلًا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ وَيُقَالُ: إنَّ حَيَاتَهُ لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِ مَا يَأْكُلُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَوْفٌ يَنْفُذُ مِنْهُ الطَّعَامُ وَإِنَّمَا عَيْشُهُ بِالشَّمِّ وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ مَا يَحْمِلُ ضِعْفَ بَدَنِهِ مِرَارًا غَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِأَضْعَافِ الْأَضْعَافِ، حَتَّى إنَّهُ يَتَكَلَّفُ حَمْلَ نَوَى التَّمْرِ، وَهُوَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى حَمْلِهِ الْحِرْصُ وَالشَّرَهُ. وَهُوَ يَجْمَعُ غِذَاءَ سِنِينَ لَوْ عَاشَ، وَلَا يَكُونُ عُمُرُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَمِنْ عَجَائِبِهِ اتِّخَاذُ الْقَرْيَةِ تَحْتَ الْأَرْضِ وَفِيهَا مَنَازِلُ وَدَهَالِيزُ وَغُرَفٌ وَطَبَقَاتٌ مُعَلَّقَاتٌ تَمْلَؤُهَا حُبُوبًا وَذَخَائِرَ لِلشِّتَاءِ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه الصلاة والسلام سَمِعَ النَّمْلَةَ وَقَدْ أَحَسَّتْ بِصَوْتِ جُنُودِ سُلَيْمَانَ تَقُولُ لِلنَّمْلِ:{ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] . فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ سُلَيْمَانُ الرِّيحَ فَوَقَفَتْ حَتَّى دَخَلَ النَّمْلُ مَسَاكِنَهَا ثُمَّ جَاءَ سُلَيْمَانُ إلَى تِلْكَ النَّمْلَةِ وَقَالَ لَهَا حَذَّرْت النَّمْلَ ظُلْمِي قَالَتْ: أَمَا سَمِعْت قَوْلِي: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] عَلَى أَنِّي لَمْ أُرِدْ حَطْمَ النُّفُوسِ أَيْ إهْلَاكَهَا إنَّمَا أَرَدْت حَطْمَ الْقُلُوبِ خَشْيَةَ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِالنَّظَرِ إلَيْك عَنْ التَّسْبِيحِ أَيْ فَيَمُتْنَ فَقَدْ جَاءَ مَرْفُوعًا: «آجَالُ الْبَهَائِمِ كُلِّهَا وَخَشَاشِ الْأَرْضِ فِي التَّسْبِيحِ فَإِذَا انْقَضَى تَسْبِيحُهَا قَبَضَ اللَّهُ أَرْوَاحَهَا» وَيُرْوَى: «مَا مِنْ صَيْدٍ يُصَادُ وَلَا شَجَرَةٍ تُقْطَعُ إلَّا بِغَفْلَتِهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» وَفِي الْحَدِيثِ: «الثَّوْبُ يُسَبِّحُ فَإِذَا اتَّسَخَ انْقَطَعَ تَسْبِيحُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إنَّ النَّمْلَ قَالَتْ لَهُ إنَّمَا خَشِيت أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْك فَتَكْفُرَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا عِظِينِي فَقَالَتْ: هَلْ تَدْرِي لِمَ جُعِلَ مُلْكُك فِي فَصِّ خَاتَمِك؟ قَالَ: لَا قَالَتْ: أُعْلِمُكَ أَنَّ الدُّنْيَا لَا تُسَاوِي قِطْعَةً مِنْ حَجَرٍ» . وَيُذْكَرُ أَنَّ هَذِهِ النَّمْلَةَ الَّتِي خَاطَبَتْ سُلَيْمَانَ عليه الصلاة والسلام، أَهْدَتْ لَهُ نَبْقَةً وَضَعَتْهَا لَهُ فِي كَفِّهِ. وَفِي فَتَاوَى الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ قَالَ الثَّعَالِبِيُّ فِي زَهْرِ الرِّيَاضِ: لَمَّا تَوَلَّى سُلَيْمَانُ عليه السلام جَمِيعَ الْمُلْكِ جَاءَهُ جَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ يُهَنِّئُونَهُ إلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً، فَجَاءَتْ تُعَزِّيهِ فَعَاتَبَهَا النَّمْلُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: كَيْفَ أُهَنِّئُهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَحَبَّ عَبْدًا زَوَى عَنْهُ الدُّنْيَا وَحَبَّبَ إلَيْهِ الْآخِرَةَ. وَقَدْ شُغِلَ سُلَيْمَانُ بِأَمْرٍ لَا يَدْرِي مَا عَاقِبَتُهُ فَهُوَ بِالتَّعْزِيَةِ أَوْلَى مِنْ التَّهْنِئَةِ. وَجَاءَهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ شَرَابٌ مِنْ الْجَنَّةِ. فَقِيلَ لَهُ إنْ شَرِبْته لَمْ تَمُتْ فَشَاوَرَ جُنْدَهُ فَكُلٌّ أَشَارَ بِشُرْبِهِ إلَّا الْقُنْفُذُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَشْرَبْهُ فَإِنَّ الْمَوْتَ فِي عِزٍّ، خَيْرٌ مِنْ الْبَقَاءِ فِي سِجْنِ الدُّنْيَا. قَالَ: صَدَقْت فَأَرَاقَ الشَّرَابَ فِي الْبَحْرِ؛ وَرُوِيَ: أَنَّ النَّمْلَةَ الَّتِي خَاطَبَتْ سُلَيْمَانَ عليه السلام أَهْدَتْ لَهُ نَبْقَةً وَقَالَتْ: أَلَمْ تَرَنَا نُهْدِي إلَى اللَّهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ عَنْهُ ذَا غِنًى فَهُوَ قَابِلُهْ وَلَوْ كَانَ يُهْدَى لِلْجَلِيلِ بِقَدْرِهِ لَقَصَّرَ عَنْهُ الْبَحْرُ حَتَّى سَوَاحِلُهْ وَلَكِنَّنَا نُهْدِي إلَى مَنْ نُحِبُّهُ فَيَرْضَى بِهِ عَنَّا وَيُشْكَرُ فَاعِلُهْ
كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ كَلْبٍ وَشَاةٍ، فَلَوْ لَمْ نَرَ ذَلِكَ وَوَلَدَتْ سَخْلَةً تُشْبِهُ الْكَلْبَ. قَالَ الْبَغَوِيّ لَا تَحْرُمُ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ، وَمِنْ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ السِّمْعُ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ، وَالْبَغْلُ لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ كَمَا مَرَّ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَمَا ذَاكَ إلَّا مِنْ كَرِيمِ فِعَالِهِ وَإِلَّا فَمَا فِي مِلْكِنَا مَا نُشَاكِلُهْ فَقَالَ سُلَيْمَانُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ. وَمِمَّا يَنْفَعُ لِتَرْحِيلِهِ أَنْ يُكْتَبَ فِي إنَاءٍ مَدْهُونٍ طَاهِرٍ وَيُمْحَى بِالْمَاءِ وَيُرَشَّ فِي مَوْضِعِ النَّمْلِ، وَهَذَا مَا تَكْتُبُ: إنَّ سُلَيْمَانَ يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكُمْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُ مَسْجِدًا مِنْ الشَّعْرِ طُولُهُ طُولُ الدُّنْيَا وَعَرْضُهُ عَرْضُ الْآخِرَةِ. وَإِلَّا فَعَلَيْكُمْ بِالْهَرَبِ وَعَلَيْنَا الطَّلَبُ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] بِحَقِّ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمُبَارَكَةِ الْوَحْيِ الْعِجْلَ السَّاعَةَ. اهـ. .
قَوْلُهُ (كَخُنْفُسَاءَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا مَمْدُودٌ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ مُنْتِنَةُ الرِّيحِ وَكُنْيَتُهَا أُمُّ الْفَسْوِ لِكَثْرَةِ فَسْوِهَا وَهِيَ تَتَوَلَّدُ مِنْ عُفُونَةِ الْأَرْضِ وَهِيَ طَوِيلَةُ الظُّهْرِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَقْرَبِ صَدَاقَةٌ وَلِهَذَا يُقَالُ لَهَا جَارِيَتُهَا. وَمِنْ شَأْنِهَا أَنَّهَا تَهْرُبُ مِنْ الْكَرَفْسِ فَإِذَا وَضَعَ بِمَوْضِعٍ رَحَلَتْ مِنْهُ. وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا رَأَى خُنْفُسَاءَ فَقَالَ: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِخَلْقِ هَذِهِ أَلِحُسْنِ شَكْلِهَا، أَوْ طِيبِ رِيحِهَا. فَابْتُلِيَ بِقُرْحَةٍ عَجَزَ فِيهَا الْأَطِبَّاءُ فَتَرَكَ عِلَاجَهَا ثُمَّ سَمِعَ يَوْمًا صَوْتَ طَبِيبٍ مِنْ الطَّرَّاقِينَ يُنَادِي فِي الدَّرْبِ فَقَالَ ائْتُونِي بِهِ يَنْظُرُ إلَيَّ فَقَالُوا: وَمَا يَصْنَعُ هَذَا وَعَجَزَ عَنْك حُذَّاقُ الْأَطِبَّاءِ؟ فَقَالَ لَا بُدَّ لِي مِنْهُ فَأَحْضَرُوهُ فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ قَالَ ائْتُونِي بِخُنْفُسَاءَ فَضَحِكُوا مِنْهُ فَتَذَكَّرَ الْعَلِيلُ مَا صَدَرَ مِنْهُ فَقَالَ: أَحْضِرُوا لَهُ مَا طَلَبَ فَإِنَّهُ عَلَى بَصِيرَةٍ فَجَاءُوهُ بِوَاحِدَةٍ فَأَحْرَقَهَا وَذَرَّ رَمَادَهَا عَلَى الْقُرْحَةِ. فَبَرَأَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَنِي أَنَّ أَخَسَّ الْمَخْلُوقَاتِ أَعَزُّ الْأَدْوِيَةِ وَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا سُدًى سُبْحَانَهُ، وَالِاكْتِحَالُ بِمَا فِي جَوْفِهَا يَجْلُو الْغِشَاوَةَ، وَيُحِدُّ الْبَصَرَ، وَيُزِيلُ الْبَيَاضَ اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَدُودٍ) أَيْ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ مُفْرَدُهُ دُودَةٌ وَجَمْعُهُ دِيدَانٌ وَيُصَغَّرُ عَلَى دُوَيْدَةٍ.
قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ نَزْوِ الْكَلْبِ عَلَى الشَّاةِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ تَرْكَهَا وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ أَشْبَهَ بِالْحَلَالِ خِلْقَةً حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَيَجُوزُ شُرْبُ لَبَنِ فَرَسٍ وَلَدَتْ بَغْلًا، وَشَاةٍ كَلْبًا لِأَنَّهُ مِنْهَا لَا مِنْ الْفَحْلِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَالْبَغْلُ) وَشِدَّةُ شَبَهِهِ لِأُمِّهِ لَا لِأَبِيهِ وَهُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أَنَّ الْبِغَالَ كَانَتْ تَتَنَاسَلُ وَكَانَتْ أَسْرَعَ الدَّوَابِّ فِي نَقْلِ الْحَطَبِ لِإِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عليه الصلاة والسلام فَدَعَا عَلَيْهَا فَقَطَعَ اللَّهُ نَسْلَهَا، قِيلَ وَأَوَّلُ مَنْ أَنْتَجَهَا قَارُونُ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ ح ل فِي السِّيرَةِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ بَغْلَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ ذَكَرًا لَا أُنْثَى قِيلَ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ بَغْلَةٌ غَيْرَهَا. وَقَدْ قَالَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ رضي الله عنه لَوْ حَمَلْنَا الْحُمُرَ عَلَى الْخَيْلِ لَكَانَ لَنَا مِثْلُ هَذِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» . قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: أَيْ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ النَّهْيَ: وَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ امْتَنَّ بِهَا كَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَلَا يَقَعُ الِامْتِنَانُ بِالْمَكْرُوهِ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا وَأَمَّا بَغْلَتُهُ صلى الله عليه وسلم فَبَغْلَةٌ شَهْبَاءُ يُقَالُ لَهَا: دُلْدُلٌ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ مَعَ مَارِيَةَ. وَهَذِهِ أَوَّلُ بَغْلَةٍ رُكِبَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي لَفْظٍ رُئِيَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَرْكَبُهَا فِي الْمَدِينَةِ وَفِي الْأَسْفَارِ، وَعَاشَتْ حَتَّى ذَهَبَتْ أَسْنَانُهَا، فَكَانَ يُدَقُّ لَهَا الشَّعِيرُ وَعَمِيَتْ، وَقَاتَلَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ الْخَوَارِجَ بَعْدَ أَنْ رَكِبَهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه وَرَكِبَهَا بَعْدَ عَلِيٍّ ابْنُهُ الْحَسَنُ رضي الله عنه ثُمَّ ابْنُهُ الْحُسَيْنُ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ، وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ هَلْ كَانَتْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرًا وَالتَّاءُ لِلْوَحْدَةِ أَجَابَ بِالْأَوَّلِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ ذَكَرًا وَرَمَاهَا رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهَا. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي إلَى زَوْجَتِهِ أَمِّ سَلَمَةَ فَأَتَيْتُهُ بِصُوفٍ وَلِيفٍ ثُمَّ فَتَلْت أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسَنًا وَعِذَارًا ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَأَخْرَجَ عَبَاءَةً فَثَنَاهَا، ثُمَّ رَبَّعَهَا عَلَى ظَهْرِهَا ثُمَّ سَمَّى وَرَكِبَ ثُمَّ أَرْدَفَنِي خَلْفَهُ» . اهـ وَيَجُوزُ الْإِرْدَافُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تُطِقْهُ وَإِذَا أَرْدَفَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِصَدْرِهَا وَيَكُونُ الرَّدِيفُ وَرَاءَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهَا بِتَقْدِيمِهِ لِجَلَالَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَفَادَ
وَالزَّرَافَةُ: وَهِيَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا، وَبِتَحْرِيمِهَا جَزَمَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. وَمَنَعَ ابْنُ الرِّفْعَةِ التَّحْرِيمَ، وَحَكَى أَنَّ الْبَغَوِيَّ أَفْتَى بِحِلِّهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ: وَمَنْقُولُ اللُّغَةِ أَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ مِنْ الْوَحْشِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ مَا فِي الْمَجْمُوعِ سَهْوٌ وَصَوَابُهُ الْعَكْسُ اهـ. وَهَذَا الْخِلَافُ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَأْكُولَيْنِ فَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَيَحِلُّ كُرْكِيٌّ وَبَطٌّ وَإِوَزٌّ وَدَجَاجٌ وَحَمَامٌ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ وَمَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ. وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ كَعَنْدَلِيبِ وَهُوَ الْهَزَارُ وَصَعْوَةَ وَهِيَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْحَافِظُ ابْن مَنْدَهْ أَنَّ الَّذِينَ أَرْدَفَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ نَفْسًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَهُ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «نَهَى أَنْ يَرْكَبَ ثَلَاثَةٌ عَلَى دَابَّةٍ» وَفِي حَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ نَاوِلْنِي مِنْ الْبَطْحَاءِ فَأَفْقَهَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَغْلَةَ فِي كَلَامِهِ فَانْقَضَّتْ بِهِ حَتَّى كَادَ بَطْنُهَا يَمَسُّ الْأَرْضَ فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْحَصَى فَنَفَخَ فِي وُجُوهِهِمْ وَقَالَ: شَاهَتْ الْوُجُوهُ حم لَا يُبْصِرُونَ» اهـ. دَمِيرِيٌّ وَقَوْلُهُ فَأَفْقَهَ اللَّهُ أَيْ أَفْهَمَ.
قَوْلُهُ: (لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ) أَهْلِيٍّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَلَوْ اشْتَبَهَ حَيَوَانٌ فَلَمْ يُدْرَ مِمَّا تَوَلَّدَ؟ فَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ فَإِنْ أُرِيدَ أَكْلُهُ رُجِعَ إلَى خِلْقَتِهِ فَإِنْ أَشْبَهَ مَا يَحِلُّ حَلَّ، أَوْ مَا يَحْرُمُ، حَرُمَ، وَلَوْ وَلَدَتْ شَاةٌ شَبَهَ كَلْبٍ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ نَزَا عَلَيْهَا حَلَّ، إذْ قَدْ يَحْصُلُ الْخَلْقُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ، وَالْوَرَعُ أَنْ لَا يُؤْكَلَ وَيُسْتَبْعَدُ الْحِلُّ لَوْ وَلَدَتْ شَبَهَ آدَمِيٍّ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ نَزَا عَلَيْهَا وَيَدِقُّ الْفَرْقُ سم. وَقَدْ وَقَعَ فِي وَقْتِنَا أَنَّ الشَّاةَ وَلَدَتْ مَا فِيهِ صُورَةُ الْآدَمِيِّ فَظُنَّ بِصَاحِبِهَا سُوءٌ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ بِحُصُولِ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (الْعَكْسُ) أَيْ عَكْسُ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ. قَوْلُ: (فَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالْحِلِّ.
قَوْلُهُ: (وَبَطٌّ) وَهُوَ الْوَزُّ الَّذِي لَا يَطِيرُ فَيَكُونُ عَطْفُ الْوَزِّ عَلَيْهِ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. قَوْلُهُ: (وَإِوَزٌّ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْبَطِّ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. فَمَا قِيلَ: إنَّهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ سَبْقُ قَلَمٍ قَالَ الْقَزْوِينِيُّ: إذَا شُوِيَتْ خُصْيَةُ الْإِوَزِّ وَأَكْلَهَا الرَّجُلُ وَجَامَعَ امْرَأَتَهُ مِنْ وَقْتِهِ فَإِنَّهَا تَعْلَقُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصُّفْرَةُ مِنْ كُلِّ بَيْضٍ أَلْطَفُ مِنْ الْبَيَاضِ اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَدَجَاجٌ مُثَلَّثُ الدَّالِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ مِنْ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَاحِدُهُ دَجَاجَةٌ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِقْبَالِهَا وَإِدْبَارِهَا يُقَالُ دَجَّ الْقَوْمُ يَدُجُّونَ دَجًّا إذَا مَشَوْا رُوَيْدًا وَكُنْيَتُهَا أُمُّ حَفْصَةَ وَأَمُّ الْوَلِيدِ وَأَمُّ جَعْفَرٍ وَأَمُّ عُقْبَةَ وَأَمُّ نَافِعٍ. وَإِذَا هَرِمَتْ الدَّجَاجَةُ انْقَطَعَ فِرَاخُهَا لِأَنَّ بَيْضَهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مُحٌّ وَتَأْكُلُ الْفُولَ وَالْحَبَّ، كَبَهَائِمِ الطَّيْرِ وَالْخُبْزَ وَاللَّحْمَ وَالذُّبَابَ كَسِبَاعِ الطَّيْرِ فَلَهَا شَبَهٌ بِهِمَا وَتُوصَفُ بِقِلَّةِ النَّوْمِ وَسُرْعَةِ الْيَقَظَةِ، قِيلَ فَنَوْمُهَا وَاسْتِيقَاظُهَا بِمِقْدَارِ خُرُوجِ نَفَسِهَا وَرُجُوعِهِ وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْجُبْنِ وَلِهَذَا تَقْصِدُ فِي نَوْمِهَا الْأَمَاكِنَ الْمُرْتَفِعَةَ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ بَادَرَتْ إلَيْهَا، وَتَبِيضُ فِي كُلِّ السَّنَةِ إلَّا شَهْرَيْنِ مِنْ الشِّتَاءِ وَمِنْهَا مَا يَبِيضُ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ وَيَتِمُّ خَلْقُ بَيْضِهَا فِي عَشْرَةِ أَيَّامِ وَيَكُونُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لَيِّنَ الْقِشْرِ فَإِذَا أَصَابَهُ الْهَوَاءُ يَبِسَ وَبَيَاضُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنِيِّ فَيَنْشَأُ مِنْهُ الرُّوحُ وَصَفَارُهُ بِمَنْزِلَةِ دَمِ الْحَيْضِ فَيَتَغَذَّى بِهِ الْفَرْخُ كَمَا يَتَغَذَّى الْجَنِينُ بِدَمِ الْحَيْضِ وَالْبَيْضَةُ ذَاتُ الصَّفَارَيْنِ يَخْرُجُ مِنْهَا فَرْخَانِ وَقَدْ رُوِيَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْأَغْنِيَاءَ بِاِتِّخَاذِ الْغَنَمِ وَالْفُقَرَاءَ بِاِتِّخَاذِ الدَّجَاجِ وَقَالَ عِنْدَ اتِّخَاذِ الْأَغْنِيَاءِ الدَّجَاجَ يَأْذَنُ اللَّهُ بِهَلَاكِ الْقُرَى» قِيلَ: وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ إذَا ضَيَّقُوا عَلَى الْفُقَرَاءِ فِي مَكَاسِبِهِمْ وَخَالَطُوهُمْ فِي مَعَايِشِهِمْ، تَعَطَّلَ الْفُقَرَاءُ وَبِذَلِكَ تَبُورُ الْقُرَى فَتَهْلَكُ. وَخَوَاصُّهُ: أَكْلُ لَحْمِهِ يَزِيدُ الْعَقْلَ، وَالْمَنِيَّ، وَيُصَفِّي الصَّوْتَ لَكِنَّ مُدَاوَمَتَهُ تُورِثُ الْبَوَاسِيرَ، وَإِذَا طُبِخَتْ الدَّجَاجَةُ بِعَشْرِ بَصَلَاتٍ، وَكَفِّ سِمْسِمٍ مَقْشُورٍ، ثُمَّ أُكِلَتْ وَشُرِبَ مَرَقُهَا زَادَتْ فِي الْبَاهِ وَقُوَّةِ الشَّهْوَةِ، وَفِي قَانِصَةِ الدَّجَاجِ حَجَرٌ، إذَا شُدَّ عَلَى إنْسَانٍ، زَادَ فِي الْبَاهِ، وَصَرَفَ عَنْهُ الْعَيْنَ وَالنَّظْرَةَ، أَوْ عَلَى مَصْرُوعٍ بَرِئَ، أَوْ تَحْتَ رَأْسِ صَغِيرٍ أَمِنَ مِنْ الْفَزَعِ فِي نَوْمِهِ، وَذَرْقُ الدَّجَاجِ السُّودِ إذَا وُضِعَ بِبَابِ قَوْمٍ وَقَعَ بَيْنَهُمْ الشَّرُّ وَالْخُصُومَةُ. وَإِذَا طُلِيَ الذَّكَرُ بِمَرَارَةِ السَّوْدَاءِ وَجَامَعَ لَمْ يَنَلْ أَهْلَهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ، وَإِذَا جُعِلَ رَأْسُهَا فِي كُوزِ حَدِيدٍ وَوُضِعَ تَحْتَ
صِغَارُ الْعَصَافِيرِ
وَيَحِلُّ غُرَابُ الزَّرْعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ: الزَّاغُ وَقَدْ يَكُونُ مُحَمَّرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ يَأْكُلُ الزَّرْعَ يُشْبِهُ الْفَوَاخِتَ. وَأَمَّا مَا عَدَا الْأَبْقَعَ الْحَرَامَ وَغُرَابَ الزَّرْعِ الْحَلَالَ فَأَنْوَاعٌ أَحَدُهَا: الْعَقْعَقُ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَرْشِ رَجُلٍ قَدْ خَاصَمَ زَوْجَتَهُ صَالَحَهَا لِوَقْتِهَا، وَإِذَا احْتَمَلَ الرَّجُلُ مِنْ دُهْنِهَا قَدْرَ أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ هَيَّجَ الْبَاهَ. وَأَمَّا بَيْضُهَا فَحَارٌّ مَائِلٌ إلَى الرُّطُوبَةِ وَالْيُبْسِ، لَكِنَّهُ إذَا زَادَ فِي أَكْلِهِ، يُوَلِّدُ كَلَفًا أَيْ مَشَقَّةً وَهُوَ بَطِيءُ الْهَضْمِ وَيَدْفَعُ ضَرَرَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى صُفْرَتِهِ اهـ. دَمِيرِيٌّ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ الدَّجَاجَ حَبَسَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَحَمَامٌ) وَمِثْلُهُ الْيَمَامُ. وَالْقَطَا وَالدِّبْسِيُّ وَالْفَاخِتُ وَالْحُبَارَى وَالشِّقِرَّاقُ وَأَبُو قِرْدَانَ وَالْحُمَّرَةُ وَالْحَجْلُ وَالْقُمْرِيُّ: «وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ النَّظَرُ إلَى الْحَمَامِ الْأَحْمَرِ، وَكَانَ فِي مَنْزِلِهِ صلى الله عليه وسلم حَمَامٌ أَحْمَرُ اسْمُهُ وَرْدَانُ» وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ مَا يَسْتَعْمِلُ التَّقْبِيلَ عِنْدَ السِّفَادِ إلَّا الْإِنْسَانُ وَالْحَمَامُ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْحَمَامَ يَعِيشُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَالْقُمْرِيُّ طَائِرٌ مَشْهُورٌ حَسَنُ الصَّوْتِ وَالْأُنْثَى قُمْرِيَّةٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو زَكَرِيَّا وَأَبُو طَلْحَةَ وَجَمْعُهُ قَمَارِيٌّ قَالَ الْقَزْوِينِيُّ: إذَا مَاتَتْ ذُكُورُ الْقُمَارِيِّ لَمْ تَتَزَوَّجْ إنَاثُهَا بَعْدَهَا وَتَنُوحُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ تَمُوتَ، وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ تَبِيضَ الْقُمَارِيُّ تَحْتَ الْفَوَاخِتِ وَبَيْضُ الْفَوَاخِتِ تَحْتَ الْقُمَارِيِّ. وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد عليهم السلام أَنَّ الْحَمَامَ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى اهـ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ قَالَ سُلَيْمَانُ لِأَصْحَابِهِ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا الْحَمَامُ لِأُنْثَاهُ؟ قَالُوا لَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: يَقُولُ لِأُنْثَاهُ: تَابِعِينِي عَلَى مَا أُرِيدُ مِنْك فَوَاَللَّهِ لَمُتَابَعَتُك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ. كَذَا فِي دِيوَانِ الْحَيَوَانِ، وَفِيهِ: إذَا صَاحَ الْعُقَابُ قَالَ الْبُعْدُ عَنْ النَّاسِ رَحْمَةٌ، وَإِذَا صَاحَ الْخُطَّافُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ إلَى ` آخِرِهَا يَمُدُّ صَوْتَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا الضَّالِّينَ كَمَا يَمُدُّ الْقَارِئُ، وَالنَّسْرُ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ عِشْ مَا شِئْت آخِرُك الْمَوْتُ، وَالْقُمْرِيُّ يَقُولُ: يَا كَرِيمُ، وَالْغُرَابُ يَلْعَنُ الْعَشَّارَ وَيَدْعُو عَلَيْهِ وَالْعَشَّارُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ الْعُشْرَ، وَالْحِدَأَةُ تَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا اللَّهَ، وَالْقَطَاةُ تَقُولُ مَنْ سَكَتَ سَلِمَ، وَالْبَبَّغَاءُ تَقُولُ: وَيْلٌ لِمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّهِ، وَالدُّرَّاجُ يَقُولُ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وَالزُّرْزُورُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك رِزْقَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ يَا رَزَّاقُ، وَالْعَنْزَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ الْعَنْ مُبْغِضِي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَالدِّيكُ يَقُولُ: اُذْكُرُوا اللَّهَ يَا غَافِلُونَ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الْفَرَسَ تَقُولُ إذَا الْتَقَى الْجَمْعَانِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، وَالْحِمَارُ يَلْعَنُ الْمَكَّاسَ وَكَسْبَهُ، وَالضِّفْدَعُ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْقُدُّوسِ، وَالسَّرَطَانُ يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْمَذْكُورِ بِكُلِّ لِسَانٍ اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (عُصْفُورٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَحُكِيَ بِالْفَتْحِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا قِيلَ: إنَّهُ عَصَى نَبِيَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ صلى الله عليه وسلم وَفَرَّ مِنْهُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو يَعْقُوبَ وَيَتَمَيَّزُ الذَّكَرُ مِنْهَا بِلِحْيَةٍ سَوْدَاءَ كَالرِّجَالِ وَإِذَا خَلَتْ مَدِينَةٌ عَنْ أَهْلِهَا ذَهَبَ الْعَصَافِيرُ مِنْهَا فَإِذَا عَادُوا إلَيْهَا عَادَتْ الْعَصَافِيرُ. وَالْعُصْفُورُ لَا يَعْرِفُ الْمَشْيَ وَإِنَّمَا يَثِبُ وَثْبًا وَهُوَ كَثِيرُ السِّفَادِ فَرُبَّمَا سَفْدَ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ وَلِذَلِكَ قَصُرَ عُمْرُهُ. فَإِنَّهُ لَا يَعِيشُ فِي الْغَالِبِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحِمَارِ عَدَاوَةٌ رُبَّمَا نَهَقَ الْحِمَارُ فَتَسْقُطُ فِرَاخُهُ أَوْ بَيْضُهُ مِنْ جَوْفِ وَكْرِهِ أَيْ مَحَلِّهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَإِذَا رَأَى الْحِمَارَ عَلَا فَوْقَ رَأْسِهِ وَأَذَاهُ بِطَيَرَانِهِ وَصِيَاحِهِ وَمِنْ أَنْوَاعِهِ الْقُبَّرَةُ اهـ. وَالزُّرْزُورُ بِضَمِّ الزَّايِ طَائِرٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَصَافِيرِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِزَرْزَرَتِهِ أَيْ تَصْوِيتِهِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْهَزَارُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتُسَمَّى بِالْبُلْبُلِ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَتَيْنِ ق ل.
وَمَرَّ سُلَيْمَانُ عَلَى بُلْبُلٍ فَوْقَ شَجَرَةٍ يُحَرِّكُ ذَنَبَهُ. وَرَأْسَهُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ، أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ هَذَا الْبُلْبُلُ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: يَقُولُ إذَا أَكَلْت نِصْفَ تَمْرَةٍ فَعَلَى الدُّنْيَا الْعَفَاءُ أَيْ الْخَرَابُ وَذَهَابُ الْأَثَرِ اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ) وَيُقَالُ لَهُ غُرَابُ الزَّيْتُونِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (الْعَقْعَقُ) كَثَعْلَبٍ وَهُوَ طَائِرٌ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامَةِ وَعَلَى شَكْلِ الْغُرَابِ وَجَنَاحَاهُ أَكْبَرُ مِنْ جَنَاحَيْ الْحَمَامَةِ وَهُوَ لَا يَأْوِي تَحْتَ سَقْفٍ وَلَا يَسْتَظِلُّ بِهِ بَلْ يُهَيِّئُ وَكُرِهَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُشْرِفَةِ وَفِي طَبْعِهِ الزِّنَا وَالْخِيَانَةُ وَيُوصَفُ بِالسَّرِقَةِ وَالْخُبْثِ وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ بِهِ الْمَثَلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. وَفِي طَبْعِهِ شِدَّةُ الِاخْتِطَافِ لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْحُلِيِّ فَكَمْ مِنْ
وَيُقَالُ لَهُ الْقُعْقُعُ، وَهُوَ ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضُ وَأَسْوَدُ، طَوِيلُ الذَّنَبِ، قَصِيرُ الْجَنَاحِ عَيْنَاهُ يُشْبِهَانِ الزِّئْبَقَ صَوْتُهُ الْعَقْعَقَةُ. كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِصَوْتِهِ، ثَانِيهَا الْغُدَافُ الْكَبِيرُ وَيُسَمَّى الْغُرَابَ الْجَبَلِيَّ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَّا الْجِبَالَ فَهَذَانِ حَرَامَانِ لِخُبْثِهِمَا، ثَالِثُهَا الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَهُوَ أَسْوَدُ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ. وَهَذَا قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: يَحْرُمُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي لِلْأَمْرِ بِقَتْلِ الْغُرَابِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ بِحِلِّهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَقَدْ صَرَّحَ بِحِلِّهِ الْبَغَوِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الزَّرْعَ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ (وَيَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ. (فِي) حَالِ (الْمَخْمَصَةِ) بِمِيمَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَبَعْدَهُمَا صَادٌ أَيْ الْمَجَاعَةُ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا زِيَادَتُهُ أَوْ طُولُ مُدَّتِهِ أَوْ انْقِطَاعَهُ عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ خَوْفَ ضَعْفٍ عَنْ مَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ. وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا يَأْكُلُهُ. (أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ) عَلَيْهِ قَبْلَ اضْطِرَارِهِ لِأَنَّ تَارِكَهُ سَاعٍ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ وَكَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْهَلَاكِ بِأَكْلِ الْحَلَالِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَخَافُ تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ بَلْ لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفِيدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ.
تَنْبِيهٌ:
يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَا يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتُوبَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ مُرَاقُ الدَّمِ كَالْمُرْتَدِّ، وَالْحَرْبِيِّ فَلَا يَأْكُلَانِ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُسْلِمَا قَالَ: وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ. وَمَنْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ.
تَنْبِيهٌ:
أَفْهَمَ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ الْمَيْتَةَ الْمُحَرَّمَةَ التَّخْيِيرَ بَيْنَ أَنْوَاعِهَا كَمَيْتَةِ شَاةٍ وَحِمَارٍ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ الْمَيْتَةُ مِنْ حَيَوَانٍ نَجَسٍ فِي حَيَاتِهِ كَخِنْزِيرٍ وَمَيْتَةِ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فِي حَيَاتِهِ كَحِمَارٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ مَيْتَةِ الطَّاهِرِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَهُ الْإِسْنَوِيُّ ثُمَّ إنْ تَوَقَّعَ الْمُضْطَرُّ حَلَالًا عَلَى قُرْبٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْكُلَ غَيْرَ (مَا يَسُدُّ رَمَقُهُ) لِانْدِفَاعِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عِقْدٍ ثَمِينٍ اخْتَطَفَهُ مِنْ شِمَالٍ وَيَمِينٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَسْمِيَتِهِ عَقْعَقٌ فَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَعُقُّ فِرَاخَهُ فَيَتْرُكُهُمْ بِلَا طُعْمٍ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْغِرْبَانِ لِأَنَّ جَمِيعَهَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقِيلَ: اُشْتُقَّ لَهُ هَذَا الِاسْمُ مِنْ صَوْتِهِ وَالْعَرَبُ كَانَتْ تَتَشَاءَمُ بِهِ وَبِصِيَاحِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (الْغُدَافُ) وَهُوَ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُهُ غِدْفَانُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ وَيَحِلُّ الْكَرَوَانُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ، دَيْرَبِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَبِّرَ بِالْوُجُوبِ كَمَا هُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ.
قَوْلُهُ: (مَوْتًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ.
قَوْلُهُ: (مَخُوفًا) لَيْسَ قَيْدًا وَعِبَارَةُ م ر وَمَرَضٌ مَخُوفٌ أَوْ غَيْرُ مَخُوفٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ وَيُبِيحُ التَّيَمُّمَ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ خَوْفَ ضَعْفٍ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ خَوْفٍ وَيَقُولُ: أَوْ ضَعْفًا لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَوْتًا وَيَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى ثُبُوتِ خَوْفٍ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفَ ضَعْفٍ وَلَا مَعْنًى لَهُ اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا) وَكَذَا إذَا وَجَدَهُ وَلَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ أَوْ كَانَ مُضْطَرًّا أَيْضًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَيْتَةِ فَيَكْفِي فِيهِ ظَنُّ وُقُوعِ مَا هَدَّدَهُ بِهِ الْمُكْرِهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ مَثَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مَا يُخَوِّفُهُ بِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ وَأَتَى بِهِ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (الْعَاصِي بِسَفَرِهِ) لِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ رُخْصَةٌ فَلَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. قَوْلُهُ: (وَمَنْ قَتَلَ) أَيْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (لَهُ) أَيْ لِلْأَخِيرِ وَهُوَ مُرَاقُ الدَّمِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ اسْتِثْنَاؤُهُ مُتَعَيِّنٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ تَوَقَّعَ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَوَقَّعَ حَلَالًا عَنْ قُرْبٍ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، بَلْ يَأْكُلُ حَتَّى
الضَّرُورَةِ بِهِ وَقَدْ يَجِدُ بَعْدَهُ الْحَلَالَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الشِّبَعَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ: وَالرَّمَقُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ الْقُوَّةُ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الشَّدَّ الْمَذْكُورَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالْمُهْمَلَةِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الَّذِي نَحْفَظُهُ أَنَّ بِالْمُهْمَلَةِ. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْكُتُبِ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ سَدُّ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ الْجُوعِ نَعَمْ إنْ خَافَ تَلَفًا أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَتَهُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ جَازَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ بَلْ وَجَبَتْ لِئَلَّا يُهْلِكَ نَفْسَهُ. تَنْبِيهٌ:
يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَلَوْ رَجَا الْوُصُولَ إلَى الْحَلَالِ وَيَبْدَأُ وُجُوبًا بِلُقْمَةٍ حَلَالٍ ظَفِرَ بِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا ذُكِرَ حَتَّى يَأْكُلَهَا لِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَإِذَا وَجَدَ الْحَلَالَ بَعْدَ تَنَاوُلِهِ الْمَيْتَةَ وَنَحْوَهَا لَزِمَهُ الْقَيْءُ أَيْ إذَا لَمْ يَضُرَّهُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ نَصِّ الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ أُكْرِهَ رَجُلٌ حَتَّى شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ مُحَرَّمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الضَّرُورَةِ قَالَ الْإِمَامُ: بَلْ عَلَى الْحَاجَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا إنْ تَوَقَّعَ مَعْرِفَةَ الْمُسْتَحَقِّ إذْ الْمَالُ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهَا لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَلِلْمُضْطَرِّ أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ، إذَا لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً غَيْرَهُ كَمَا قَيَّدَهُ الشَّيْخَانِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ. وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ نَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَكْلَ مِنْهُ جَزْمًا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ. أُجِيبُ: بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ مُضْطَرٍّ وَجَدَ مَيِّتَةَ نَبِيٍّ قَبْلَ دَفْنِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ كَافِرًا فَإِنَّهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَدْفَعَ الضَّرَرَ. قَوْلُهُ: (غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ) أَيْ غَيْرَ مَائِلٍ لَهُ وَمُنْحَرِفٍ إلَيْهِ، بِأَنْ يَأْكُلَهَا تَلَذُّذًا أَوْ مُجَاوِزًا حَدَّ الرُّخْصَةِ كَقَوْلِهِ:{غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: 173] اهـ. بَيْضَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (قِيلَ أَرَادَ بِهِ) أَيْ بِالتَّجَانُفِ وَإِنَّمَا كَانَ إثْمًا لِأَنَّهُ لِعِلْمِهِ تَوَقُّعَ حَلَالٍ عَنْ قُرْبٍ فَكَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ.
قَوْلُهُ: (بَقِيَّةُ الرُّوحِ) أَيْ بَقِيَّةُ الْقُوَّةِ الَّتِي الرُّوحُ سَبَبٌ فِيهَا وَإِلَّا فَالرُّوحُ لَا تَتَجَزَّأُ اهـ.
ع ش.
قَوْلُهُ: (وَبِذَلِكَ) أَيْ بِكَوْنِهِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ، فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إنْ فَسَّرَ الرَّمَقَ بِالْقُوَّةِ كَانَ الشَّدُّ بِالشِّينِ وَإِنْ فَسَّرَ الرَّمَقَ بِبَقِيَّةِ الرُّوحِ كَانَ السَّدُّ بِالسِّينِ. وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِالشِّينِ وَبِالسِّينِ مَعَ كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّهُ يُقَوِّي بَقِيَّةَ الرُّوحِ أَوْ الْقُوَّةِ وَسَدِّ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر السَّدُّ بِالْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ الرَّمَقُ وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْقُوَّةُ عَلَى مُقَابَلَةٍ اهـ وَفِي الْمِصْبَاحِ الرَّمَقُ بِفَتْحَتَيْنِ بَقِيَّةُ الرُّوحِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقُوَّةِ وَيَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ مِنْ الْمَيْتَةِ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ أَيْ مَا يُمْسِكُ بِهِ قُوَّتَهُ وَيَحْفَظُهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهَا) كَالْمَغْصُوبِ.
قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْقَيْءُ) قَيَّدَهُ م ر بِمَا إذَا شَبِعَ مِنْ الْمَيْتَةِ وَعَلَيْهَا فَلَا تَضْعِيفَ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَوْ شَبِعَ فِي حَالَةِ امْتِنَاعِهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْحِلِّ لَزِمَهُ كَكُلِّ مَنْ تَنَاوَلَ مُحَرَّمًا التَّقَيُّؤُ إنْ أَطَاقَهُ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَرْضًا وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعِ فَيُغَلَّبُ الْمَانِعُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ إذَا تَعَارَضَ الْمُقْتَضِي وَالْمَانِعُ وَعِبَارَةُ م د هَذَا مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَرْضًا وَإِلَّا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ إتْمَامَ صَوْمِهِ وَاجِبٌ فَإِنْ كَانَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكُ الْقَيْءِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ قَطْعُهُ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (بَلْ عَلَى الْحَاجَةِ) أَيْ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْحَاجَةِ. قَوْلُهُ: (هَذَا إنْ تَوَقَّعَ) أَيْ مَحَلُّ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ: (لِلْمَصَالِحِ) أَيْ فَيَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ زَائِدٍ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَيَكُونُ الْمَالُ حِينَئِذٍ حَلَالًا.
قَوْلُهُ: (هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ) تَأَمَّلْ هَذَا الْإِيرَادَ وَجَوَابَهُ.
قَوْلُهُ: (أُجِيبُ بِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ إلَخْ) وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُمْ يَمُوتُونَ
لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ لِشَرَفِ الْإِسْلَامِ. وَحَيْثُ جَوَّزْنَا أَكْلُ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ يَجُوزُ طَبْخُهَا وَلَا شَيُّهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ وَيَتَخَيَّرُ فِي غَيْرِهِ بَيْنَ أَكْلِهِ نِيئًا وَغَيْرِهِ. وَلَهُ قَتْلُ مُرْتَدٍّ وَأَكْلُهُ وَقَتْلُ حَرْبِيٍّ وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ امْرَأَةً وَأَكْلُهُ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مَعْصُومَيْنِ. وَإِنَّمَا حَرُمَ قَتْلُ الصَّبِيِّ الْحَرْبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيَّةِ، فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ لَا لِحُرْمَتِهِمَا بَلْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَهُ قَتْلُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْمُحَارِبِ. وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فِي الْقَتْلِ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ.
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ إذْنُهُ فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ تَأَدُّبًا مَعَهُ، وَحَالُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهَا رِعَايَةُ أَدَبٍ وَحُكْمُ مَجَانِينِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَرِقَّائِهِمْ وَخَنَاثَاهُمْ كَصِبْيَانِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ صَبِيًّا مَعَ بَالِغٍ حَرْبِيَّيْنِ أَكَلَ الْبَالِغَ وَكَفَّ عَنْ الصَّبِيِّ لِمَا فِي أَكْلِهِ مِنْ ضَيَاعِ الْمَالِ. وَلِأَنَّ الْكُفْرَ الْحَقِيقِيَّ أَبْلَغُ مِنْ الْكُفْرِ الْحُكْمِيِّ انْتَهَى. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا شُبِّهَ بِالصَّبِيِّ وَمَحَلُّ الْإِبَاحَةِ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إذَا لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ أَيْ وَنَحْوِهِمَا وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهِدٍ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِمَا وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ طَعَامَ غَائِبٍ أَكَلَ مِنْهُ وَغَرِمَ بَدَلَهُ أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ بَلْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «ابْدَأْ بِنَفْسِك» وَإِبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا وَجَبَ بَذْلُهُ لَهُ فَإِنْ آثَرَ الْمُضْطَرُّ مُضْطَرًّا مُسْلِمًا مَعْصُومًا جَازَ بَلْ سُنَّ إنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَالْبَهِيمَةُ وَبِالْمَعْصُومِ مُرَاقُ الدَّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ نَفْسَهُ عَلَى هَؤُلَاءِ أَوْ وَجَدَ طَعَامَ حَاضِرٍ غَيْرِ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ بَذْلُهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
حَقِيقَةً وَلَا تَرْجِعُ أَرْوَاحُهُمْ إلَّا بَعْدَ دَفْنِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَيْسَ مَوْتُهُمْ كَمَوْتِ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ لِرُوحِهِمْ اتِّصَالًا بِأَبْدَانِهِمْ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ:(لَا يَجُوزُ طَبْخُهَا) قَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِالْمُحْتَرَمِ وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ وَمَحَلُّ امْتِنَاعِ طَبْخِهِ وَشَيِّهِ حَيْثُ أَمْكَنَ أَكْلُهُ نِيئًا وَإِلَّا جَازَ اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَالْمُحَارِبُ) أَيْ قَاطِعُ الطَّرِيقِ.
قَوْلُهُ: (حَرْبِيَّيْنِ) نَعْتٌ مَقْطُوعٌ أَيْ أَعْنِي لِاخْتِلَافِ عَامِلِ الْمَتْبُوعِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ) حَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَيْرُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا وَإِذَا كَانَ حَاضِرًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لِغَائِبٍ، أَكَلَ مِنْهُ وُجُوبًا، وَغَرِمَ الْبَدَلَ الْقِيمَةَ فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى الْبَدَلِ أَمْ لَا اكْتِفَاءً بِالذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا فَيَجِبُ بَذْلُهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ لِوُجُوبِ فِدَائِهِ بِالنَّفْسِ وَلِلْمَالِكِ فِي الْأَوْلَى إيثَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بَلْ يُسَنُّ فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِلْمَعْصُومِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ، فَلَوْ سَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجِبْ، حَمْلًا عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ مِنْ إعْطَائِهِ فَلَهُ قَهْرُهُ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ وَإِنْ قَتَلَهُ، لَمْ يَضْمَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُضْطَرُّ كَافِرًا مَعْصُومًا وَالْمَالِكُ مُسْلِمًا فَيَضْمَنُهُ.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ غَيْرُ الْمَالِكِ نَبِيًّا وَجَبَ بَذْلُهُ) وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِي حَقِّ الْخَضِرِ عليه السلام إذْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ نَبِيٌّ حَيٌّ وَفِي عِيسَى عليه السلام إذَا نَزَلَ اهـ. إيعَابُ شَوْبَرِيٍّ وَالْأَوْجَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ النَّظَرِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْمَيِّتِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا إسْلَامًا وَعِصْمَةً قِيلَ وَقِيَاسُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ اتِّحَادِهِمَا نُبُوَّةً وَيُتَصَوَّرُ فِي عِيسَى وَالْخَضِرِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا. وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ إذْ هُمَا حَيَّانِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ اهـ. قَالَ ع ش عَلَيْهِ قَدْ يُقَالُ: هَذَا خِلَافُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى أَفْضَلِيَّةِ أَحَدِهِمَا بَلْ الْحَيُّ يَأْكُلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ النَّبِيَّ حَيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَمُتْ فَلَا يَجُوزُ لِلْحَيِّ الْأَكْلُ مِنْهُ. وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّ غَيْرَ الشَّهِيدِ، وَبَعْضَ الشُّهَدَاءِ مَعَ بَعْضٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الشَّهِيدِ لِمَا صَحَّ مِنْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ سم عَنْ م ر. أَنَّهُ مَشَى عَلَى أَنَّ لِلْمُضْطَرِّ الْمُسْلِمِ أَكْلَ مَيْتَةِ الشَّهِيدِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ الشَّهِيدِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا لِأَنَّ حَيَاتَهُ لَيْسَتْ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْإِيثَارُ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ أَيْ خِصَالِهِمْ الْحَمِيدَةِ.
قَوْلُهُ: (بِثَمَنِ مِثْلٍ)
لِمَعْصُومٍ بِثَمَنِ مِثْلٍ مَقْبُوضٍ إنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَفِي ذِمَّتِهِ وَلَا ثَمَنَ لَهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَإِنْ امْتَنَعَ غَيْرُ الْمُضْطَرِّ مِنْ بَذْلِهِ بِالثَّمَنِ فَلِلْمُضْطَرِّ قَهْرُهُ وَأَخْذُ الطَّعَامِ وَإِنْ قَتَلَهُ، وَلَا يَضْمَنُهُ بِقَتْلِهِ إلَّا إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْمُضْطَرُّ كَافِرٌ مَعْصُومٌ فَيَضْمَنُهُ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ أَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً، وَطَعَامَ غَيْرِهِ لَمْ يَبْذُلْهُ لَهُ أَوْ مَيْتَةً وَصَيْدًا حَرُمَ بِإِحْرَامٍ أَوْ حَرُمَ تَعَيَّنَتْ الْمَيْتَةُ.
وَيَحِلُّ قَطْعُ جُزْءِ نَفْسِهِ لِأَكْلِهِ إنْ فَقَدَ نَحْوَ مَيْتَةٍ وَإِنْ كَانَ خَوْفَ قَطْعِهِ أَقَلَّ، وَيَحْرُمُ قَطْعُ بَعْضِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُضْطَرِّينَ لِأَنَّ قَطْعَهُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ فِيهِ قَطْعُ الْبَعْضِ لِاسْتِبْقَاءِ الْكُلِّ نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَبِيًّا لَمْ يَحْرُمْ بَلْ يَجِبُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُضْطَرِّ أَيْضًا أَنْ يَقْطَعَ لِنَفْسِهِ قِطْعَةً مِنْ حَيَوَانٍ مَعْصُومٍ لِمَا مَرَّ.
(وَلَنَا مَيْتَتَانِ حَلَالَانِ) وَهُمَا (السَّمَكُ وَالْجَرَادُ) وَلَوْ بِقَتْلِ مَجُوسِيٍّ لِخَبَرِ: «أُحِلَّتْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَحَلُّهُ إنْ كَانَ الْمُضْطَرُّ غَنِيًّا فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ أَصْلًا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِلَا بَدَلٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ إطْعَامُهُ وَيَجِبُ إطْعَامُهُ عَلَى كُلِّ مَنْ قَصَدَهُ مِنْهُمْ لِئَلَّا يَتَوَاكَلُوا. قَوْلُهُ: (وَلَا ثَمَنَ لَهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْهُ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ ذِكْرِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ النُّطْقِ فَرَاجِعْهُ. ق ل فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي إلْزَامِ عِوَضِ الطَّعَامِ فَقَالَ: أَطْعَمْتُك بِعِوَضٍ فَقَالَ: بَلْ مَجَّانًا صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ. لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ بَذْلِهِ رَوْضٌ وَشَرْحُهُ. وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى ذِكْرِ الْعِوَضِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ تَحَالَفَا ثُمَّ يَفْسَخَانِهِ هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ وَيُرْجَعُ إلَى الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ صُدِّقَ الْغَارِمُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَتَلَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَيْرِهِ) هَذَا قَسِيمُ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَوْ وَجَدَ طَعَامًا أَيْ فَقَطْ فَذَاكَ، فِيمَا إذَا وَجَدَ شَيْئًا وَاحِدًا وَهَذَا فِيمَا إذَا وَجَدَ شَيْئَيْنِ.
قَوْلُهُ: (مَيْتَةً) أَيْ مَيْتَةَ غَيْرِ آدَمِيٍّ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَبْذُلْهُ) أَمَّا إذَا بَذَلَهُ مَجَّانًا أَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهَا وَمَعَ الْمُضْطَرِّ ثَمَنُهُ أَوْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ.
قَوْلُهُ: (تَعَيَّنَتْ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ بِالنَّصِّ، وَإِبَاحَةَ أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنٍ ثَابِتٌ بِالِاجْتِهَادِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَبْحِ الصَّيْدِ مَعَ أَنَّ مَذْبُوحَهُ مَيْتَةٌ أَيْضًا وَأَمَّا فِي الثَّلَاثَةِ فَلِأَنَّ صِيدَ الْحَرَمِ مَمْنُوعٌ مِنْ قَتْلِهِ وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ إلَّا صَيْدًا أَوْ غَيْرُ الْمُحْرِمِ إلَّا صَيْدَ حَرَمٍ، فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَأَمَّا لَوْ وَجَدَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَيَتَعَيَّنُ الصَّيْدُ عَلَى، الْمُعْتَمَدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، شَرْحُ الْبَهْجَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ قَطْعُ جُزْءِ نَفْسِهِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا إنْ وَجَدَ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا قَطَعَ مِنْ نَفْسِهِ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: كَوْنُ الْقَطْعِ مِنْ نَفْسِهِ، وَكَوْنُ الْقَطْعِ لِأَجْلِ نَفْسِهِ. وَعَدَمُ وُجُودِ مَيْتَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَكَانَ الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ أَقَلَّ أَوْ انْتَفَى الْخَوْفُ بِالْمَرَّةِ فِي الْقَطْعِ أَمَّا إذَا كَانَ الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ فَقَطْ أَوْ كَانَ فِيهِ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَى الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ وَعَدَمِهِ حَرُمَ الْقَطْعُ. وَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ السِّلْعَةِ إذَا اسْتَوَى الضَّرَرُ فِي الْقَطْعِ وَعَدَمِهِ حَيْثُ قَالُوا: يَقْطَعُ بِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ قَطْعُ عُضْوٍ زَائِدٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى بَقَائِهِ شَيْنٌ فَوَسَّعُوا فِيهِ دُونَ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لِقَطْعِ عُضْوٍ أَصْلِيٍّ فَضَيَّقُوا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ حَيَوَانٍ مَعْصُومٍ) أَيْ آدَمِيٍّ.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّ قَطْعَهُ لِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَنَا مَيْتَتَانِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ لَنَا عَنْ حَلَالَانِ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ يُفِيدُ قَصْرَ الْحُكْمِ عَلَيْنَا وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ أَهْلُ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (السَّمَكُ وَالْجَرَادُ) قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَلَوْ صَادَهُمَا مَجُوسِيٌّ قَالَ الْمَحَلِّيُّ وَلَا اعْتِبَارَ بِفِعْلِهِ. وَالسَّمَكُ هُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ يَكُونُ عَيْشُهُ فِي الْبَحْرِ عَيْشَ مَذْبُوحٍ وَلَوْ عَلَى صُورَةِ الْخِنْزِيرِ مَثَلًا وَمِنْهُ الْقِرْشُ وَمِنْ السَّمَكِ مَا لَا يُدْرَكُ الطَّرَفُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ لِكِبَرِهِ وَتَحِلُّ سَمَكَةٌ فِي قَلْبِ سَمَكَةٍ مَا لَمْ تَتَفَتَّتْ وَتَتَغَيَّرْ وَيَحِلُّ مَا طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَانْتَفَخَ مَا لَمْ يَضُرَّ، وَيَجُوزُ بَلْعُهُ وَقَلْيُهُ حَيًّا وَشَيُّهُ وَلَا يَنْجُسُ الدُّهْنُ بِمَا فِي جَوْفِهِ مِنْ الرَّوْثِ إنْ كَانَ صَغِيرًا وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ صَغِيرٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ كِبَارُ الْبَسَارِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمِصْرَ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ أُصْبُعَيْنِ مَثَلًا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. لَا إنْ كَانَ كَبِيرًا وَكَذَا يُقَالُ فِي الْجَرَادِ وَمِنْ السَّمَكِ التُّرْسُ وَلَا نَظَرَ لِتَقَوِّيهِ بِنَابِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَا بَقَاءَ لَهُ فِي غَيْرِ الْبَحْرِ، بِخِلَافِ التِّمْسَاحِ لِقُوَّتِهِ وَحَيَاتِهِ فِي الْبَرِّ اهـ. وَفِي الْبَحْرِ مِنْ الْعَجَائِبِ مَا لَا يُسْتَطَاعُ حَصْرُهُ وَمِنْ أَنْوَاعِهِ الشَّيْخُ الْيَهُودِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْقَزْوِينِيُّ فِي عَجَائِبِ الْمَخْلُوقَاتِ: إنَّهُ حَيَوَانٌ وَجْهُهُ كَوَجْهِ الْإِنْسَانِ وَلَهُ لِحْيَةٌ بَيْضَاءُ وَبَدَنُهُ كَبَدَنِ الضِّفْدَعِ، وَشَعْرُهُ كَشَعْرِ الْبَقَرِ، وَهُوَ فِي حَجْمِ الْعِجْلِ يَخْرُجُ مِنْ الْبَحْرِ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَيَسْتَمِرُّ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْأَحَدِ فَيَثِبُ كَمَا يَثِبُ الضِّفْدَعُ وَيَدْخُلُ الْمَاءَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَحُكْمُهُ الْحِلُّ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ السَّمَكِ وَالْقِرْشُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فِي آخِرِهِ دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ، تَمْنَعُ السُّفُنَ مِنْ السَّيْرِ فِي الْبَحْرِ وَتَدْفَعُ السَّفِينَةَ فَتَقْلِبُهَا وَتَضْرِبُهَا فَتَكْسِرُهَا، وَمِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِلسُّفُنِ الْكِبَارِ فَلَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ أَهْلُهَا الْمَشَاعِلَ فَتَمُرُّ عَلَى وَجْهِهِ مِثْلَ الْبَرْقِ وَلَا يَهَابُ شَيْئًا إلَّا النَّارَ وَبِهِ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا، وَالْقِرْشُ يُوجَدُ بِبَحْرِ الْقُلْزُمِ الَّذِي غَرِقَ فِيهِ فِرْعَوْنُ وَهُوَ عِنْدَ عَقَبَةِ الْحَاجِّ، وَبَنَاتُ الرُّومِ سَمَكٌ بِبَحْرِ الرُّومِ شَبِيهٌ بِالنِّسَاءِ ذَوَاتُ شُعُورٍ سَبْطَةٍ أَلْوَانُهُنَّ إلَى السُّمْرَةِ ذَوَاتُ فُرُوجٍ عِظَامٍ وَثَدْيٍ وَكَلَامٍ لَا يُفْهَمُ يَضْحَكُونَ وَيُقَهْقِهُونَ وَرُبَّمَا يَقَعْنَ فِي أَيْدِي بَعْضِ أَهْلِ الْمَرَاكِبِ فَيَنْكِحُوهُنَّ ثُمَّ يُعِيدُوهُنَّ إلَى الْبَحْرِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ: أَنَّهُ كَانَ إذَا أَتَاهُ صَيَّادٌ بِسَمَكَةٍ عَلَى صُورَةِ الْمَرْأَةِ حَلَّفَهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا. اهـ. دَمِيرِيٌّ. فَرْعٌ:
لَوْ صَادَ سَمَكَةً فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ هَلْ يَمْلِكُ الدُّرَّةَ؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَالدُّرَّةُ لُقَطَةٌ، وَلَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِطَرِيقِهَا عَلَى مَا مَرَّ فِي اللُّقَطَةِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ مَلَكَهَا مَعَ السَّمَكَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. شَرْحُ الْحِصْنِيِّ وَعِبَارَةُ ز ي فَرْعٌ: الدُّرَّةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي السَّمَكَةِ غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ مِلْكٌ لِلصَّيَّادِ إنْ لَمْ يَبِعْ السَّمَكَةَ أَوْ لِلْمُشْتَرِي إنْ بَاعَهَا تَبَعًا لَهَا فِيهِمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ: كَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا أَيْ فِي الثَّانِيَةِ لِلصَّيَّادِ أَيْضًا كَالْكَنْزِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَرْضِ يَكُونُ لِمُحْيِيهَا فَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَلِلْبَائِعِ فِي صُورَتِهِ إنْ ادَّعَاهَا وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَدَّعِهَا الْبَائِعُ فَلُقَطَةٌ وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا ذُكِرَ بِمَا إذَا صَادَ مِنْ بَحْرِ الْجَوَاهِرِ وَإِلَّا فَلَا يَمْلِكُهَا بَلْ تَكُونُ لُقَطَةً. اهـ قَالَ م ر وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي التَّهْذِيبِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْكَنْزِ بِأَنَّ الدُّرَّةَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ لِلسَّمَكَةِ فَتَتْبَعُهَا وَاعْتَمَدَ مَا قَيَّدَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِبَحْرِ الْجَوَاهِرِ مَا يُخْلَقُ فِيهِ وَلَوْ نَادِرًا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْجَرَادُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَرْدِ وَهُوَ بَرِّيٌّ وَبَحْرِيٌّ وَبَعْضُهُ أَصْفَرُ وَبَعْضُهُ أَبْيَضُ وَبَعْضُهُ أَحْمَرُ وَبَعْضُهُ كَبِيرُ الْجُثَّةِ وَبَعْضُهُ صَغِيرُهَا) فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيضَ الْتَمَسَ الْمَوَاضِعَ الصُّلْبَةَ وَضَرَبَهَا بِذَنَبِهِ فَتَنْفَرِجُ. ثُمَّ يُلْقِي فِيهَا بَيْضَهُ وَيَكُونُ حَاضِنًا لَهُ وَمُرَبِّيًا وَلَهُ سِتَّةُ أَرْجُلٍ يَدَانِ فِي صَدْرِهِ وَقَائِمَتَانِ فِي وَسَطِهِ وَرِجْلَانِ فِي مُؤَخِّرِهِ وَطَرَفُ رِجْلَيْهِ صَفْرَاوَانِ، وَفِيهِ خِلْقَةُ عَشْرَةٍ مِنْ جَبَابِرَةِ الْبَوَادِي وَجْهُ فَرَسٍ، وَعَيْنُ فِيلٍ، وَعُنُقُ ثَوْرٍ، وَقَرْنُ أَيْلٍ وَصَدْرُ أَسَدٍ وَبَطْنُ عَقْرَبٍ، وَجَنَاحَا نَسْرٍ، وَفَخِذَا جَمَلٍ، وَرِجْلَا نَعَامَةٍ، وَذَنَبُ حَيَّةٍ، وَلَيْسَ فِي الْحَيَوَانَاتِ أَكْثَرُ إفْسَادًا مِنْهُ.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَتَيْت الْبَادِيَةَ فَرَأَيْت رَجُلًا يَزْرَعُ بُرًّا فَلَمَّا قَامَ أَيْ الْبُرُّ عَلَى سُوقِهِ وَجَادَ سُنْبُلُهُ جَاءَ إلَيْهِ جَرَادٌ فَجَعَلَ الرَّجُلَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَا يَعْرِفُ كَيْفَ الْعَمَلُ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
مَرَّ الْجَرَادُ عَلَى زَرْعِي فَقُلْت لَهُ
…
لَا تَأْكُلَنَّ وَلَا تُشْغَلْ بِإِفْسَادِ
فَقَامَ مِنْهُمْ خَطِيبٌ فَوْقَ سُنْبُلَةٍ
…
إنَّا عَلَى سَفَرٍ لَا بُدَّ مِنْ زَادِ
وَلُعَابُهُ سُمٌّ عَلَى الْأَشْجَارِ وَلَا يَقَعُ عَلَى شَيْءٍ إلَّا أَفْسَدَهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَأَسْنَدَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما قَالَ: «كُنَّا عَلَى مَائِدَةٍ نَأْكُلُ أَنَا وَأَخِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَنُو عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ وَالْفَضْلُ أَوْلَادُ الْعَبَّاسِ فَوَقَعَتْ جَرَادَةٌ عَلَى الْمَائِدَةِ فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ وَقَالَ لِي مَا مَكْتُوبٌ عَلَى هَذِهِ؟ فَقُلْت: سَأَلْت أَبِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَأَلْت عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا: أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا رَبُّ الْجَرَادِ وَرَازِقُهَا إنْ شِئْت بَعَثْتهَا رِزْقًا لِقَوْمٍ وَإِنْ شِئْت بَعَثْتهَا بَلَاءً عَلَى قَوْمٍ» فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مِنْ الْعِلْمِ الْمَكْنُونِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَ أَلْفَ أُمَّةٍ سِتَّمِائَةٍ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعَمِائَةٍ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَإِنَّ أَوَّلَ هَلَاكِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْجَرَادُ فَإِذَا هَلَكَ الْجَرَادُ تَتَابَعَ هَلَاكُ الْأُمَمِ» . وَإِنَّمَا صَارَ الْجَرَادُ أَوَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ هَلَاكًا لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ الطِّينَةِ الَّتِي فَضَلَتْ مِنْ خَلْقِ آدَمَ عليه السلام. وَحَكَى الْقَزْوِينِيُّ أَنَّ هُدْهُدًا قَالَ لِسُلَيْمَانَ عليه السلام أُرِيدُ أَنْ تَكُونَ ضَيْفِي أَنْتَ وَعَسْكَرُك يَوْمَ كَذَا بِجَزِيرَةِ كَذَا فَحَضَرَ سُلَيْمَانُ بِجُنُودِهِ فَأَتَى الْهُدْهُدُ بِجَرَادَةٍ مَيِّتَةٍ فَأَلْقَاهَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ: كُلُوا فَمَنْ فَاتَهُ اللَّحْمُ أَدْرَكَ الْمَرَقَ فَضَحِكَ مِنْهُ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَفِي هَذَا قِيلَ:
لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» فَيَحِلُّ أَكْلُهُمَا وَبَلْعُهُمَا. وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ السَّمَكَ الْمَشْهُورَ، كَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَفَرَسٍ، وَكُرِهَ قَطْعُهُمَا حَيَّيْنِ. وَيُكْرَهُ ذَبْحُهُمَا إلَّا سَمَكَةً كَبِيرَةً يَطُولُ بَقَاؤُهَا فَيُسَنُّ ذَبْحُهَا وَيَحْرُمُ مَا يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ كَضِفْدَعٍ وَسَرَطَانٍ، وَيُسَمَّى عَقْرَبَ الْمَاءِ، وَحَيَّةٍ وَنَسْنَاسٍ وَتِمْسَاحٍ وَسُلَحْفَاةٍ، بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ لِخُبْثِ لَحْمِهَا وَلِلنَّهْيِ عَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
جَاءَتْ سُلَيْمَانَ يَوْمَ الْعَرْضِ هُدْهُدَةٌ
…
أَهْدَتْ إلَيْهِ جَرَادًا كَانَ فِي فِيهَا
وَأَنْشَدَتْ بِلِسَانِ الْحَالِ قَائِلَةً
…
إنَّ الْهَدَايَا عَلَى مِقْدَارِ مُهْدِيهَا
لَوْ كَانَ يُهْدَى إلَى الْإِنْسَانِ قِيمَتُهُ
…
لَكَانَ يُهْدَى لَك الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا
قَوْلُهُ: (فَيُسَنُّ ذَبْحُهَا) أَيْ مِنْ الذَّيْلِ لِأَنَّهُ أَصْفَى لِلدَّمِ.
قَوْلُهُ: (كَضِفْدِعٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ وَبِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ وَعَكْسِهِ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ: أَنَّهُ لَا عَظْمَ لَهُ وَأَنَّهُ إذَا كُفِئَ طَشْتٌ فِي بِرْكَةٍ هُوَ فِيهَا مَنَعَ مِنْ نَقِيقِهِ فِيهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَفِي كِتَابِ الزَّاهِرِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ دَاوُد عليه السلام قَالَ لَأُسَبِّحَنَّ اللَّهَ اللَّيْلَةَ تَسْبِيحًا مَا يُسَبِّحُهُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ فَنَادَتْهُ ضِفْدِعَةٌ مِنْ سَاقِيَةٍ فِي دَارِهِ يَا دَاوُد تَفْتَخِرُ عَلَى اللَّهِ بِتَسْبِيحِك وَإِنَّ لِي لَسَبْعِينَ سَنَةً مَا جَفَّ لِسَانِي مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَإِنَّ لِي لَعَشْرَ لَيَالٍ مَا طَعِمْت خَضِرًا وَلَا شَرِبْت مَاءً اشْتِغَالًا بِكَلِمَتَيْنِ فَقَالَ: مَا هُمَا؟ قَالَتْ يَا مُسَبَّحًا بِكُلِّ لِسَانٍ وَمَذْكُورًا بِكُلِّ مَكَان. فَقَالَ دَاوُد فِي نَفْسِهِ وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ أَبْلَغَ مِنْ هَذَا. قَالَ الْفُقَهَاءُ: إنَّمَا حُرِّمَ الضِّفْدَعُ لِأَنَّهُ كَانَ جَارَ اللَّهِ فِي الْمَاءِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْعَرْشُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] . اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: وَسَرَطَانٍ وَهُوَ مِنْ خَلْقِ الْمَاءِ وَيَعِيشُ فِي الْبَرِّ أَيْضًا وَهُوَ جَيِّدُ الْمَشْيِ سَرِيعُ الْعَدْوِ ذُو فَكَّيْنِ وَمِخْلَبٍ وَأَظْفَارٍ حِدَادٍ وَلَهُ ثَمَانِيَةُ أَرْجُلٍ وَهُوَ يَمْشِي عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَنْشِقُ الْمَاءَ وَالْهَوَاءَ مَعًا، وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ لِاسْتِخْبَاثِهِ كَالصَّدَفِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ. وَفِي قَوْلٍ: إنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ اهـ. دَمِيرِيٌّ قَالَ: ع ش عَلَى م ر وَلَيْسَ مِنْ السَّرَطَانِ الْمَذْكُورِ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ بِبِلَادِ الصِّينِ نَوْعًا مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ يُسَمُّونَهُ سَرَطَانًا وَشَأْنُهُ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ مِنْ الْبَحْرِ انْقَلَبَ حَجَرًا وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَدْوِيَةِ بَلْ هُوَ مِمَّا يُسَمَّى سَمَكًا لِانْطِبَاقِ تَعْرِيفِ السَّمَكِ السَّابِقِ عَلَيْهِ فَهُوَ طَاهِرٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَحَيَّةٍ) لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ لَا يَعِيشَانِ إلَّا فِي الْبَحْرِ حُرِّمَا أَيْضًا لِلسُّمِّيَّةِ سَمِّ.
قَوْلُهُ: (وَنِسْنَاسٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا. قَالَ الْمَسْعُودِيُّ فِي مُرُوجِ الذَّهَبِ: إنَّهُ حَيَوَانٌ كَالْإِنْسَانِ لَهُ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ يَخْرُجُ مِنْ الْمَاءِ وَيَتَكَلَّمُ وَمَتَى ظَفِرَ بِالْإِنْسَانِ قَتَلَهُ، وَقَالَ الْقَزْوِينِيُّ إنَّهُ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفُ بَدَنٍ وَنِصْفُ رَأْسٍ وَيَدٌ وَرِجْلٌ. كَأَنَّهُ إنْسَانٌ شُقَّ نِصْفَيْنِ وَفِي الْحَدِيثِ:«إنَّ حَيًّا مِنْ عَادٍ عَصَوْا نَبِيَّهُمْ فَمَسَخَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى نَسْنَاسًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَدٌ وَرِجْلٌ يَنْقُرُونَ كَمَا تَنْقُرُ الطَّيْرُ وَيَرْعَوْنَ كَمَا تَرْعَى الْبَهَائِمُ» دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: وَتِمْسَاحٍ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْحَيَوَانِ الْمَعْرُوفِ وَالرَّجُلِ الْكَذَّابِ، قَالَ الْقَزْوِينِيُّ: التِّمْسَاحُ حَيَوَانٌ عَلَى صُورَةِ الضَّبِّ وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِ حَيَوَانِ الْمَاءِ لَهُ فَمٌ وَاسِعٌ، وَسِتُّونَ نَابًا فِي فَكِّهِ الْأَعْلَى وَأَرْبَعُونَ فِي فَكِّهِ الْأَسْفَلِ وَبَيْنَ كُلِّ نَابَيْنِ سِنٌّ صَغِيرَةٌ مُرَبَّعٌ وَيَدْخُلُ بَعْضُهُمَا فِي بَعْضٍ عِنْدَ الِانْطِبَاقِ، وَلِسَانٌ طَوِيلٌ وَظَهْرُهُ كَظَهْرِ السُّلَحْفَاةِ، لَا يَعْمَلُ الْحَدِيدُ فِيهِ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَرْجُلٍ وَذَنَبٌ طَوِيلٌ وَهَذَا الْحَيَوَانُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِيلِ مِصْرَ خَاصَّةً وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ فِي بَحْرِ السِّنْدِ أَيْضًا وَهُوَ شَدِيدُ الْبَطْشِ فِي الْمَاءِ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا مِنْ إبْطَيْهِ وَيَعْظُمُ إلَى أَنْ يَكُونَ طُولُهُ عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعَيْنِ وَأَكْثَرَ، وَمِنْ عَجَائِبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ فَإِذَا امْتَلَأَ جَوْفُهُ خَرَجَ إلَى الْبَرِّ وَفَتَحَ فَاهُ فَيَجِيءُ طَائِرٌ يُقَالُ لَهُ الْقَطْقَاطُ فَيَلْقُطُ ذَلِكَ مِنْ فِيهِ. وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ يَجِيءُ يَطْلُبُ الطُّعْمَ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ غِذَاءٌ لَهُ، وَرَاحَةٌ لِلتِّمْسَاحِ. وَهَذَا الطَّائِرُ فِي رُءُوسِ أَجْنِحَتِهِ شَوْكٌ فَإِذَا أَغْلَقَ التِّمْسَاحُ فَمَه عَلَيْهِ نَخَسَهُ بِهَا فَيَفْتَحُهُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ. قَوْلُهُ:
قَتْلِ الضِّفْدَعِ. فَائِدَةٌ:
رَوَى الْقَزْوِينِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللَّهَ خَلَّفَ فِي الْأَرْضِ أَلْفَ أُمَّةٍ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ» وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لِلَّهِ تَعَالَى ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَرِّ (وَدَمَانِ حَلَالَانِ) وَهُمَا (الْكَبِدُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْأَفْصَحِ (وَالطِّحَالِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ لِحَدِيثِ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» رَفَعَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَقْفَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ. وَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: الصَّحِيحُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ الْقَائِلُ: أُحِلَّتْ لَنَا، وَأَنَّهُ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَرْفُوعًا. تَتِمَّةٌ:
أَفْضَلُ مَا أَكَلْت مِنْهُ كَسْبُك مِنْ زِرَاعَةٍ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ ثُمَّ مِنْ صِنَاعَةٍ لِأَنَّ الْكَسْبَ فِيهَا يَحْصُلُ بِكَدِّ الْيَمِينِ ثُمَّ مِنْ تِجَارَةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا. وَيَحْرُمُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ كَالْحَجَرِ وَالتُّرَابِ وَالزُّجَاجِ، وَالسُّمِّ كَالْأَفْيُونِ وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُضِرٌّ وَرُبَّمَا يَقْتُلُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] .
ــ
[حاشية البجيرمي]
(وَسُلَحْفَاةٍ) أَيْ بَرِّيَّةٍ أَمَّا الْبَحْرِيَّةُ فَيَجُوزُ أَكْلُهَا. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر. فَالْحَيَّةُ وَالنِّسْنَاسُ وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَحْرِيَّةُ حَلَالٌ، وَالسُّلَحْفَاةُ هِيَ التِّرْسَةُ الْمَعْرُوفَةُ فَتَحِلُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْبَرِّ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَلْفُ أُمَّةٍ) أَيْ أَلْفُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ وَكَذَا قَوْلُهُ: أَلْفُ عَالَمٍ أَيْ أَلْفُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَالَمِ.
قَوْلُهُ: (الْكَبِدُ) الْكَبِدُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَالْجَمْعُ أَكْبَادُ وَكُبُودٌ. قَوْلُهُ: (حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ.
قَوْلُهُ: (يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ مَرْفُوعًا) أَيْ بِقَوْلِهِ: أُحِلَّتْ لَنَا أَيْ أَحَلَّ لَنَا الشَّارِعُ وَهُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ نَحْوُ أُمِرْنَا وَنُهِينَا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى التَّوَكُّلِ) وَأَسْلَمُ مِنْ الْغِشِّ وَلِعُمُومِ النَّفْعِ بِهَا لِلْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْكَسْبَ يَحْصُلُ فِيهَا بِكَدِّ الْيَمِينِ) وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ بَاتَ كَالًّا مِنْ عَمَلِهِ بَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ بِهَا) وَعَنْ الْمِقْدَامِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُد عليه السلام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» اهـ فَكَانَ يَعْمَلُ الزَّرَدَ وَيَبِيعُهُ لِقُوتِهِ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ حَاجَةٍ، لِأَنَّهُ كَانَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ. قَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: مَلَكَ دَاوُد بَعْدَ قَتْلِهِ جَالُوتَ سَبْعِينَ سَنَةً وَجَمَعَ اللَّهُ لِدَاوُدَ بَيْنَ الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ وَلَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ بَلْ كَانَ الْمُلْكُ فِي سَبْطٍ وَالنُّبُوَّةُ فِي سَبْطٍ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} [البقرة: 251] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ دَاوُد أَشَدَّ مُلُوكِ الْأَرْضِ سُلْطَانًا يَحْرُسُ مِحْرَابَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفِ رَجُلٍ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} [ص: 20] وَكَانَ نُوحٌ نَجَّارًا وَإِبْرَاهِيمُ بَزَّازًا وَإِدْرِيسُ خَيَّاطًا وَنَحْوُ هَذَا لَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ وَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ مِنْ سَعْيِهِ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بِالْجِهَادِ، وَهُوَ أَشْرَفُ الْمَكَاسِبِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ. وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ بَصَائِرِ الْقُدَمَاءِ وَسَرَائِرِ الْحُكَمَاءِ صِنَاعَةَ كُلِّ مَنْ عُلِمْت صِنَاعَتُهُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَزَّازًا وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَكَانَ عُمَرُ دَلَّالًا يَسْعَى بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ حَدَّادًا وَكَذَلِكَ أَبُو الْعَاصِ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ نَخَّاسًا يَبِيعُ الْجَوَارِيَ، وَكَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَوَّادًا يَضْرِبُ بِالْعُودِ، وَكَانَ الْحَكَمُ بْنُ الْعَاصِ خَصَّاءً يَخْصِي الْغَنَمَ، وَكَانَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ بَيْطَارًا يُعَالِجُ الْخَيْلَ، وَكَانَ ابْنُهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ جَزَّارًا، وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ صَاحِبُ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ اهـ مِنْ الدَّمِيرِيِّ مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ مَا يَضُرُّ الْبَدَنَ أَوْ الْعَقْلَ) وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُرْمَةُ الدُّخَانِ الْمَشْهُورِ لِمَا نُقِلَ عَنْ الثِّقَاتِ أَنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى وَالتَّرَهُّلَ وَالتَّنَافِيسَ وَاتِّسَاعَ
قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: وَيَحْرُمُ أَكْلُ الشِّوَاءِ الْمَكْمُورِ وَهُوَ مَا يُكْفَأُ عَلَيْهِ غِطَاءٌ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ لِإِضْرَارِهِ بِالْبَدَنِ.
وَيُسَنّ تَرْكُ التَّبَسُّطِ فِي الطَّعَامِ الْمُبَاحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ السَّلَفِ، هَذَا إذَا لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَقِرَى الضَّيْفِ وَأَوْقَاتِ التَّوَسُّعَةِ عَلَى الْعِيَالِ كَيَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَلَمْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ التَّفَاخُرُ وَالتَّكَاثُرُ بَلْ لِطِيبِ خَاطِرِ الضَّيْفِ وَالْعِيَالِ وَقَضَاءِ وَطَرِهِمْ مِمَّا يَشْتَهُونَهُ؛ وَفِي إعْطَاءِ النَّفْسِ شَهَوَاتِهَا الْمُبَاحَةَ، مَذَاهِبُ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْعُهَا وَقَهْرُهَا لِئَلَّا تَطْغَى، وَالثَّانِي إعْطَاؤُهَا تَحَيُّلًا عَلَى نَشَاطِهَا وَبَعْثًا لِرُوحَانِيَّتِهَا. قَالَ: وَالْأَشْبَهُ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ فِي إعْطَائِهَا الْكُلَّ سَلَاطَةً عَلَيْهِ وَفِي مَنْعِهَا بَلَادَةً. وَيُسَنُّ الْحُلْوُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَكَثْرَةُ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَقِبَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَجَارِي. اهـ. ق ل وَقَوْلُهُ: مَا يَضُرُّ الْبَدَنُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الْمُرَادُ الضَّرَرُ الْبَيِّنُ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً لَا مُطْلَقُ الضَّرَرِ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالتُّرَابُ) أَيْ وَطِينٌ وَطَفَلٌ وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ الْحَبَالَى فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ أَكْلُ الطِّينِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّدَاوِي م ر. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (كَالْأَفْيُونِ) تَنْظِيرٌ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَبَنُ الْخَشْخَاشِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْخَشْخَاشُ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ أَيْ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي النَّوْمِ وَالْمُرَادُ بِلَبَنِهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ بِعَصْرِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْوَاحِدَةِ خَشْخَاشَةٌ وَقَدْ أَلْغَزَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
وَمَا قُبَّةٌ مَبْنِيَّةٌ فَوْقَ شَاهِقٍ
…
لَهَا شَرَفٌ نَحْوَ الْمَلَاحَةِ وَالظُّرْفِ
وَأَوْلَادُهَا فِي بَطْنِهَا إنْ عَدَدْتهمْ
…
يَكُونُونَ أَلْفًا أَوْ يَزِيدُونَ عَنْ أَلْفِ
وَيَأْخُذُهَا الطِّفْلُ الصَّغِيرُ بِجَهْلِهِ
…
فَيَقْلِبُهَا عَسْفًا عَلَى رَاحَةِ الْكَفِّ
قَوْلُهُ: (الشِّوَاءِ) أَيْ الْمَشْوِيِّ الْمَكْمُورِ كَاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ وَالْفُولِ الْمَكْمُورِ وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا غُطِّيَ مِنْ أَوَّلِ وَضْعِهِ عَلَى النَّارِ إلَى اسْتِوَائِهِ، وَمَنَعَ خُرُوجَ الْبُخَارِ مِنْهُ وَدُخُولَ الْهَوَاءِ لَهُ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ خِلَافًا لِلشَّارِحِ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ اسْتِوَائِهِ، وَيَحْرُمُ الْبَنْجُ وَالْحَشِيشُ وَلَا يُحَدُّ بِهِ، بِخِلَافِ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ لَا يُلِذُّ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ وَلَهُ تَنَاوُلُهُ لِيُزِيلَ عَقْلَهُ لِقَطْعِ عُضْوٍ مُتَأَكِّلٍ حَتَّى لَا يَحُسُّ بِالْأَلَمِ، وَلِبَعْضِهِمْ:
قُلْ لِمَنْ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ جَهْلًا
…
يَا خَسِيسًا قَدْ عِشْت شَرَّ مَعِيشَهْ
دِيَةُ الْعَقْلِ بَدْرَةٌ فَلِمَاذَا
…
يَا سَفِيهًا قَدْ بِعْتهَا بِحَشِيشَهْ
وَالْبَدْرَةُ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ. اهـ. .
قَوْلُهُ: (التَّبَسُّطِ) أَيْ الْأَلْوَانُ الْمُخْتَلِفَةُ.
قَوْلُهُ: (كَقِرَى الضَّيْفِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَرَيْت الضَّيْفَ أَقْرِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى، قَرَى. وَفِي الْمُخْتَارِ قَرَى الضَّيْفَ يَقْرِيهِ بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ وَقَرَّاءٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ أَحْسَنُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي إعْطَاءٍ إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَذَاهِبُ مُبْتَدَأٍ مُؤَخَّرٍ وَقَوْلُهُ: مَذَاهِبُ أَيْ أَقْوَالٌ. قَوْلُهُ: (مَنَعَهَا) أَيْ أَحَدُهَا مَنَعَهَا وَقَوْلُهُ: إعْطَاؤُهَا أَيْ الثَّانِي إعْطَاؤُهَا.
قَوْلُهُ: (وَبَعْثًا) أَيْ بَاعِثًا وَحَامِلًا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ يُرِيدُ تَهْذِيبَ نَفْسِهِ، أَمَّا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بُخْلًا وَشُحًّا فَهُوَ مَذْمُومٌ وَلِبَعْضِهِمْ:
الْبُخْلُ شَيْنٌ وَلَا يَرْضَى بِهِ
…
أَحَدٌ إلَّا الْأَسَافِلُ أَهْلُ الذَّمِّ وَالْعَارِ
الْمُنْفِقُونَ لَهُمْ إخْلَافَ مَا بَذَلُوا
…
وَالْمُمْسِكُونَ لَهُمْ إتْلَافَ مَا نَارِ
قَوْلُهُ: (لِرُوحَانِيَّتِهَا) أَيْ رَاحَتِهَا. قَوْله: (وَالْأَشْبَهُ) هُوَ الثَّالِثُ.
قَوْلُهُ: (سَلَاطَةٌ عَلَيْهِ) أَيْ الطُّغْيَانُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي مَنْعِهَا بَلَادَةٌ) أَيْ إذَا مَنَعَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْرَثَهُ الْبَلَادَةَ.