المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الأقضية والشهادات - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٤

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ فَصْلٌ: فِي الْإِيلَاءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الظِّهَارِ

- ‌أَرْكَانُ الظِّهَارِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللِّعَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْعِدَدِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا يَجِبُ لِلْمُعْتَدَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّضَاعِ

- ‌ فَصْلٌ: فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي النَّفَقَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الدِّيَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسَامَةِ

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌فَصْلٌ: فِي حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ

- ‌فَصْلٌ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ

- ‌فَصْلٌ: فِي حُكْمِ الصِّيَالِ وَمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ

- ‌فَصْلٌ: فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّدَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْفَيْءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجِزْيَةِ

- ‌[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَطْعِمَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأُضْحِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْعَقِيقَةِ

- ‌كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

- ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ

- ‌فَصْلٌ: فِي النُّذُورِ

- ‌خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ:

- ‌[فَرْعٌ النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ]

- ‌كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعَدُّدُ الشُّهُودِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعَدُّدُ]

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَلَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّدْبِيرِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌كتاب الأقضية والشهادات

‌كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ

الْأَقْضِيَةُ جَمْعُ قَضَاءٍ بِالْمَدِّ كَقَبَاءٍ وَأَقْبِيَةٍ وَهُوَ لُغَةً إمْضَاءُ الشَّيْءِ وَإِحْكَامُهُ وَشَرْعًا فَصْلُ الْخُصُومَةِ بَيْنَ خَصْمَيْنِ فَأَكْثَرَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّهَادَاتُ جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ إخْبَارٌ عَنْ شَيْءٍ بِلَفْظٍ خَاصٍّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا. وَالْأَصْلُ فِي الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وقَوْله تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلَهُ عَشْرَةُ أُجُورٍ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَاكِمٍ عَالِمٍ أَهْلٍ لِلْحُكْمِ، إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ بِاجْتِهَادِهِ وَإِصَابَتِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ أَمَّا مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْحُكْمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ، وَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ أَوَافَقَ الْحَقَّ أَمْ لَا لِأَنَّ إصَابَتَهُ اتِّفَاقِيَّةٌ، لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ سَوَاءٌ أَوَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا. وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

[كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ]

ِ أَخَّرَهَا الْمُصَنِّفُ إلَى هُنَا لِأَنَّهَا تَجْرِي فِي جَمِيعِ مَا قَبْلَهَا مِنْ مُعَامَلَاتٍ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمَ الْأَيْمَانَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الْيَمِينِ قَوْلُهُ جَمْعُ قَضَاءٍ وَأَصْلُهُ قَضَايٌ وَقَعَتْ الْيَاءُ مُتَطَرِّفَةً إثْرَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ فَقُلِبَتْ هَمْزَةً وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعُهُ عَلَى أَقْضِيَةٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا وَلِذَا تَقُولُ قَضَيْت بِكَذَا قَوْلُهُ إمْضَاءُ الشَّيْءِ وَإِحْكَامُهُ عَطْفٌ مُغَايِرٌ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ التَّنْفِيذُ وَالْإِحْكَامَ الْإِتْقَانُ وَالْمُرَادُ إحْكَامُ الشَّيْءِ أَيْ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الشَّرْعِيِّ الْآتِي عَلَى الْقَاعِدَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إمْضَاءُ الشَّيْءِ أَيْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَعَانِيهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَحْيِ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا. قَوْلُهُ: (فَصْلُ الْخُصُومَةِ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ وَشَرْعًا الْوِلَايَةُ الْآتِيَةُ وَالْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا أَوْ إلْزَامُ مَنْ لَهُ الْإِلْزَامُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَيَحْتَاجُ الْقَضَاءُ إلَى مُوَلٍّ وَمُتَوَلٍّ وَمُوَلَّى عَلَيْهِ وَمَحَلُّ وِلَايَةٍ وَصِيغَةٍ وَتُسَمَّى أَرْكَانًا اهـ.

قَوْلُهُ: (بِلَفْظٍ خَاصٍّ) هَذَا التَّعْرِيفُ بِالْأَعَمِّ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارَ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ لِغَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (بِالْقِسْطِ) أَيْ الْعَدْلِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْجَوْرِ وَلَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ:(فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ) لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْقَلِيلِ لَا يُنَافِي الْكَثِيرَ وَلِجَوَازِ أَنَّهُ أَعْلَمَ أَوَّلًا بِالْأَجْرَيْنِ فَأَخْبَرَ بِهِمَا ثُمَّ بِالْعَشَرَةِ فَأَخْبَرَ بِهَا أَوْ أَنَّ الْأَجْرَيْنِ يُسَاوِيَانِ الْعَشَرَةَ. فَإِنْ قُلْت: الْعَشَرَةُ يَصِحُّ أَنْ تُجْعَلَ أَجْرًا وَاحِدًا وَاثْنَيْنِ فَمَا بَالُهُ جَعَلَهَا عَشَرَةً. قُلْت: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْوَاعًا مِنْ الثَّوَابِ مُخْتَلِفَةً يَبْلُغُ عَدَدُهَا هَذَا الْمِقْدَارَ فَنَبَّهَ بِذِكْرِ هَذَا الْعَدَدِ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي شَرْحِ الْوَرَقَاتِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ رَوَى الْأَرْبَعَةُ) وَهُمْ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُد، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

أَعْنِي أَبَا دَاوُد ثُمَّ التِّرْمِذِيّ

وَالنَّسَائِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ فَاحْتَذِي

وَإِذَا قِيلَ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ زِيدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ اهـ أج. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ) وَجْهُ الْحَصْرِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَارِفًا أَوْ لَا

ص: 378

الْجَنَّةِ. فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ، وَاَللَّذَانِ فِي النَّارِ رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ» وَالْقَاضِي الَّذِي يَنْفُذُ حُكْمُهُ، هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ لَا اعْتِبَارَ بِحُكْمِهِمَا. وَتَوَلِّي الْقَضَاءِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ لَهُ فِي نَاحِيَةٍ. أَمَّا تَوْلِيَةُ الْإِمَامِ لِأَحَدِهِمْ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ. فَمَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِي نَاحِيَةٍ لَزِمَهُ طَلَبُهُ، وَلَزِمَهُ قَبُولُهُ

(وَلَا يَجُوزُ) وَلَا يَصِحُّ (أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ) الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ (إلَّا مَنْ اسْتَكْمَلَ فِيهِ) بِمَعْنَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْعَارِفُ إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِالْحَقِّ أَوْ يَعْدِلَ عَنْهُ، فَإِنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَعَمِلَ بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنْ عَرَفَهُ وَحَكَمَ بِالْبَاطِلِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ فَقَضَى عَلَى جَهْلٍ فَهُمَا فِي النَّارِ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضِيلَةِ مَنْ دَخَلَ فِي الْقَضَاءِ عَارِفًا بِالْحَقِّ فَقَضَى بِهِ. وَالْحَثُّ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِيهِ لِعِظَمِ دُخُولِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنِّي مَا اخْتَرْته وَلَا اسْتَحْسَنْته بَلْ امْتَنَعْتُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ فِي زَمَنِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَعَ الطَّلَبِ الْحَثِيثِ وَمَعَ قَوْلِ السُّلْطَانِ: وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ إنْ قَبِلْته رَكِبْت مَعَك إلَى بَيْتِك فَأَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ طُلِبْتُ فِي زَمَنٍ آخَرَ فَغَلَبَ اخْتِيَارُ رَبِّي عَلَى اخْتِيَارِي فَدَخَلْت فِيهِ إلَى أَنَّ قَدَّرَ اللَّهُ عَلَيَّ بِمَا يَتَضَمَّنُ خَيْرًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْأَعْلَامِ. وَكَانَ الْقُضَاةُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ ثَلَاثَةً فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فَوُلِّيَ مَكَانَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ قَضَوْا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقْضُوا ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ مَلَكًا يَمْتَحِنُهُمْ فَوَجَدَ رَجُلًا يَسْقِي بَقَرَةً عَلَى مَاءٍ وَخَلْفَهَا عِجْلَةٌ فَدَعَاهَا الْمَلَكُ وَهُوَ رَاكِبٌ فَرَسًا فَتَبِعَتْهَا الْعِجْلَةُ فَتَخَاصَمَا فَقَالَا بَيْنَنَا الْقَاضِي فَجَاءَا إلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمَلَكُ دُرَّةً كَانَتْ مَعَهُ وَقَالَ لَهُ: اُحْكُمْ بِأَنَّ الْعِجْلَةَ لِي قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: أَرْسِلْ الْفَرَسَ وَالْبَقَرَةَ وَالْعِجْلَةَ فَإِنْ تَبِعَتْ الْفَرَسَ فَهِيَ لِي فَأَرْسَلَهَا فَتَبِعَتْ الْفَرَسَ فَحَكَمَ لَهُ بِهَا وَأَتَيَا إلَى الْقَاضِي الثَّانِي فَحَكَمَ لَهُ كَذَلِكَ وَأَخَذَ دُرَّةً وَأَمَّا الْقَاضِي الثَّالِثُ فَدَفَعَ لَهُ الْمَلَكُ دُرَّةً وَقَالَ لَهُ: اُحْكُمْ لِي بِهَا فَقَالَ: إنِّي حَائِضٌ فَقَالَ الْمَلَكُ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَيَحِيضُ الذَّكَرُ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي: سُبْحَانَ اللَّهِ أَتَلِدُ الْفَرَسُ بَقَرَةً وَحَكَمَ بِهَا لِصَاحِبِهَا ذَكَرَهُ الشَّبْرَخِيتِيُّ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ وَلِيَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَإِنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ عليه السلام: «عَجَّ حَجَرٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ: إلَهِي وَسَيِّدِي عَبَدْتُك كَذَا وَكَذَا سَنَةً ثُمَّ جَعَلَتْنِي فِي أُسِّ كَنِيفٍ فَقَالَ: أَمَا تَرْضَى أَنْ عَدَلْت بِك عَنْ مَجَالِسِ الْقُضَاةِ» رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ. قَوْلُهُ: (وَتَوَلِّي الْقَضَاءِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) بَلْ هُوَ أَفْضَلُ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ حَتَّى ذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى الْجِهَادِ لِلْإِجْمَاعِ مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ لِأَنَّ طِبَاعَ الْبَشَرِ مَجْبُولَةٌ عَلَى النِّظَامِ وَقَلَّ مَنْ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ وَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ مُشْتَغِلٌ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ فَوَجَبَ مَنْ يَقُومُ بِهِ شَرْحُ م ر.

وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ إلَّا الْإِبَاحَةَ فَيَجِبُ إذَا تَعَيَّنَ فِي النَّاحِيَةِ وَيَنْدُبُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ فَيُسَنُّ لَهُ حِينَئِذٍ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ وَيُكْرَهُ إنْ كَانَ مَفْضُولًا وَلَمْ يَمْتَنِعْ الْأَفْضَلُ وَيَحْرُمُ بِعَزْلِ صَالِحٍ وَلَوْ مَفْضُولًا وَتَبْطُلُ عَدَالَةُ الطَّالِبِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ وَحَرُمَ عَلَى الصَّالِحِ لِلْقَضَاءِ طَلَبٌ لَهُ وَبَذْلُ مَالٍ لِعَزْلِ قَاضٍ صَالِحٍ لَهُ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ وَبَطَلَتْ بِذَلِكَ عَدَالَتُهُ فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ وَالْمَعْزُولُ بِهِ عَلَى قَضَائِهِ، حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ الْعَزْلَ بِالرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَتَوْلِيَةُ الْمُرْتَشِي لِلرَّاشِي حَرَامٌ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ «مَنْ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ» اهـ وَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْعِيًّا كَنَصْبِ مَشَايِخِ الْأَسْوَاقِ وَالْبُلْدَانِ وَنَحْوِهَا اهـ قَوْلُهُ:(فِي حَقِّ الصَّالِحِينَ) الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ فَرْضُ عَيْنٍ.

قَوْلُهُ: (فِي نَاحِيَةٍ) أَيْ مَسَافَةَ عَدْوَى دُونَ مَا زَادَ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ وَلَا طَلَبُهُ فِيهِ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَضَاءِ لَا آخِرَ لَهُ فَفِيهِ تَعْذِيبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْوَطَنِ بِالْكُلِّيَّةِ نَعَمْ إنْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْبَعِيدِ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ وَلَا بِقُرْبِهِ مَنْ يَصْلُحُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، امْتِثَالًا لِأَمْرِ الْإِمَامِ.

قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ طَلَبُهُ) وَلَوْ بِبَذْلِ مَالٍ وَإِنْ حَرُمَ أَخْذُهُ مِنْهُ فَالْإِعْطَاءُ جَائِزٌ وَالْأَخْذُ حَرَامٌ وَالْمُرَادُ بَذْلُ مَالٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يَكْفِيهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ فِيمَا يَظْهَرُ حَجّ وم ر قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَثُرَ الْمَالُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَرَّحُوا بِسُقُوطِ الْوُجُوبِ حَيْثُ طُلِبَ مِنْهُ مَالٌ وَإِنْ قَلَّ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ

مَصْلَحَةٌ

عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ بَذْلُهُ لِلْقِيَامِ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَلَا

ص: 379

اجْتَمَعَ فِيهِ (خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا خَصْلَتَيْنِ عَلَى ضَعِيفٍ وَسَكَتَ عَنْ خَصْلَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَتَعْرِفُ ذَلِكَ. الْأُولَى (الْإِسْلَامُ) فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ كَافِرٍ وَلَوْ عَلَى كُفَّارٍ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ نَصْبِ شَخْصٍ مِنْهُمْ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ فَهُوَ تَقْلِيدُ رِيَاسَةٍ وَزَعَامَةٍ لَا تَقْلِيدُ حُكْمٍ وَقَضَاءٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. (وَ) الثَّانِيَةُ (الْبُلُوغُ وَ) الثَّالِثَةُ (الْعَقْلُ) . فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ لِنَقْصِهِ. (وَ) الرَّابِعَةُ (الْحُرِّيَّةُ) فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ رَقِيقٍ وَلَوْ مُبَعَّضًا لِنَقْصِهِ. (وَ) الْخَامِسَةُ (الذُّكُورِيَّةُ) فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٌ أَمَّا الْخُنْثَى الْوَاضِحُ الذُّكُورَةِ فَتَصِحُّ وِلَايَتُهُ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ. (وَ) السَّادِسَةُ (الْعَدَالَةُ) الْآتِي بَيَانُهَا فِي الشَّهَادَاتِ فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ فَاسِقٍ وَلَوْ بِمَا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ. وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الدَّمِيرِيِّ خِلَافَهُ.

(وَ) السَّابِعَةُ (مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْكِتَابِ) الْعَزِيزِ. (وَ) مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ (السُّنَّةِ) عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ. وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ آيَاتِهَا وَلَا أَحَادِيثِهَا الْمُتَعَلِّقَاتِ بِهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَآيُ الْأَحْكَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ، وَعَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ عَدَدَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ خَمْسُمِائَةٍ كَعَدَدِ الْآيِ. وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ أَنْوَاعَ الْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ مَحَالُّ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ وَاحْتُرِزَ بِهَا عَنْ الْمَوَاعِظِ وَالْقَصَصِ؛ فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْعَامُّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

كَذَلِكَ غَيْرُهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (خَصْلَتَيْنِ عَلَى ضَعِيفٍ) هُمَا الْكِتَابَةُ وَالْيَقَظَةُ وَسَكَتَ عَنْ خَصْلَتَيْنِ هُمَا كَوْنُهُ نَاطِقًا وَكِفَايَتُهُ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ كَافِرٍ) وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ نَصْبِ حَاكِمٍ لِلذِّمِّيِّينَ مِنْهُمْ أَيْ وَلَوْ مِنْ قَاضِينَا عَلَيْهِمْ فَهُوَ تَقْلِيدُ رِيَاسَةٍ لَا حُكْمٍ فَهُوَ كَالْمُحَكَّمِ لَا الْحَاكِمِ. اهـ. ز ي. وَمِنْ ثَمَّ لَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ إلَّا إنْ رَضَوْا كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَزَعَامَةٍ) مُرَادِفٌ وَقَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ وَزَعِيمُ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ.

قَوْلُهُ: (فِي الْبَحْرِ) هُوَ لِلرُّويَانِيِّ قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِمَا لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْفِسْقُ بِفِعْلِ قَالَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ أَمَةِ فَرْعِهِ. اهـ. شَيْخُنَا

قَوْلُهُ: (الْمُتَعَلِّقَاتِ) بِتَاءٍ فَوْقِيَّةٍ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَاَلَّذِي بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ الْمُتَعَلِّقَانِ بِلَفْظِ الْمُثَنَّى أَيْ الْقِسْمَانِ الْآيَاتُ قِسْمٌ وَالْأَحَادِيثُ قِسْمٌ اهـ أج وَهُوَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُلْزِمُ الْمُثَنَّى الْأَلِفَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَقَوْلُهُ: بِهَا أَيْ الْأَحْكَامِ. قَوْلُهُ: (خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ) مُرَادُهُمْ مَا هُوَ مَقْصُودُ الْأَحْكَامِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ أَمَّا بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ فَغَالِبُ الْقُرْآنِ بَلْ كُلُّهُ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ حُكْمٍ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ إلَخْ) هَذَا الْمُرَادُ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِ وَخُرُوجٌ عَنْ ظَاهِرِهِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا زِيَادَةً عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَهُوَ أَيْ الْمُجْتَهِدُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ وَمُجْمَلِهِ وَمُبَيَّنِهِ وَعَامِّهِ وَخَاصِّهِ وَنَاسِخِهِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (أَنْوَاعَ الْأَحْكَامِ) أَيْ أَنْوَاعَ مَحَالِّ الْأَحْكَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ الْعَامُّ، إلَخْ لِأَنَّ الْعَامَّ لَيْسَ حُكْمًا وَإِنَّمَا هُوَ مَحَلُّ الْحُكْمِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا وَهِيَ مَنْقُولَةٌ مِنْ الْمَنْهَجِ مَعَ بَعْضِ تَغْيِيرٍ أَوْجَبَ الْخَلَلَ فِيهَا وَنَصُّ عِبَارَتِهِ شَرْطُ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا وَهُوَ الْعَارِفُ بِأَحْكَامِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالْقِيَاسِ وَأَنْوَاعِهَا فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَخْ وَالضَّمِيرُ فِي أَنْوَاعِهَا رَاجِعٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ إلَخْ تَفْصِيلًا لِقَوْلِهِ: وَأَنْوَاعُهَا وَهَذَا كَلَامٌ مُرْتَبِطٌ مُنْسَبِكٌ وَبَعْضُهُمْ أَجَابَ عَنْ الشَّارِحِ وَجَعَلَهُ مُرْتَبِطًا بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ فِي قَوْلِهِ: أَنْوَاعَ أَحْكَامٍ أَيْ أَنْوَاعَ مَحَالِّ الْأَحْكَامِ وَالْعَامُّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ يُقَالُ لَهُ: مَحَالُّ الْأَحْكَامِ فَيَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ مَحَالِّ أَحْكَامِهِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (الْعَامُّ) وَهُوَ لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَالْخَاصُّ بِخِلَافِهِ كَقَوْلِهِ عليه السلام «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَقَوْلُهُ: وَالْمُجْمَلُ وَهُوَ مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] لِأَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُمَا قَدْرُ الْوَاجِبِ وَنَوْعُ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ.

وَالْمُبَيَّنُ مَا اتَّضَحَتْ دَلَالَتُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ «وَفِي عِشْرِينَ نِصْفُ دِينَارٍ» وَالْمُطْلَقُ مَا دَلَّ

ص: 380

وَالْخَاصُّ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَالنَّصُّ وَالظَّاهِرُ وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَمِنْ أَنْوَاعِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرُ وَالْآحَادُ وَالْمُتَّصِلُ وَغَيْرُهُ. لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ، وَالْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالْمُبَيَّنُ عَلَى الْمُجْمَلِ وَالنَّاسِخُ عَلَى الْمَنْسُوخِ، وَالْمُتَوَاتِرُ عَلَى الْآحَادِ، وَيُعْرَفُ الْمُتَّصِلُ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمُرْسَلُ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَّصِلِ وَحَالُ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا فِي حَدِيثٍ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى قَبُولِهِ.

(وَ) الثَّامِنَةُ مَعْرِفَةُ (الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ) فِيهِ فَيَعْرِفُ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَاخْتِلَافًا لِئَلَّا يَقَعَ فِي حُكْمٍ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُفْتِي أَوْ يَحْكُمُ فِيهَا، أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ فِيهَا إمَّا بِعِلْمِهِ بِمُوَافَقَةِ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَوَّلُونَ بَلْ تَوَلَّدَتْ فِي عَصْرِهِ. وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ.

(وَ) التَّاسِعَةُ مَعْرِفَةُ (طُرُقِ الِاجْتِهَادِ) الْمُوصِلَةِ إلَى مَدَارِك الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. وَهِيَ مَعْرِفَةُ مَا تَقَدَّمَ وَمَا سَيُذْكَرُ مَعَ مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ صَحِيحِهِ وَفَاسِدِهِ بِأَنْوَاعِهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي وَالْأَدْوَنِ لِيَعْمَلَ بِهَا. فَالْأَوَّلُ كَقِيَاسِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّأْفِيفِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا قَيْدٍ كَرَقَبَةٍ وَالْمُقَيَّدُ مَا دَلَّ عَلَيْهَا بِقَيْدٍ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فِي آيَةِ الْقَتْلِ وَالْمُطْلَقُ فِي غَيْرِهَا قَوْلُهُ: (وَالنَّصُّ) وَهُوَ مَا دَلَّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ. وَالظَّاهِرُ مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: الْمَنْطُوقُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَهُوَ نَصٌّ إنْ أَفَادَ مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ كَزَيْدٍ وَظَاهِرٌ إنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ مَرْجُوحًا كَأَسَدٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُتَّصِلُ) بِاتِّصَالِ رُوَاتِهِ إلَى الصَّحَابِيِّ فَقَطْ وَيُسَمَّى الْمَوْقُوفَ أَوْ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَيُسَمَّى الْمَرْفُوعَ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (وَالْمُتَوَاتِرُ) مَا تَرْوِيهِ جَمَاعَةٌ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ جَمَاعَةٍ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الطَّبَقَاتِ. وَالْآحَادُ مَا يَرْوِيهِ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَّصِلِ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَنَّ الْمُرْسَلَ مَا سَقَطَ مِنْ سَنَدِهِ رَاوٍ أَوْ أَكْثَرُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ مِنْ آخِرِهِ أَمْ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ فَهُوَ أَيْ الْمُرْسَلُ مَا سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ وَعِبَارَةُ ق ل فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوَرَقَاتِ وَأَمَّا اصْطِلَاحُ الْمُحَدِّثِينَ فَالْمُرْسَلُ مَا سَقَطَ مِنْهُ الصَّحَابِيُّ وَمَا وَقَفَ عَلَى الصَّحَابِيِّ مَوْقُوفٌ وَمَا وَقَفَ عَلَى التَّابِعِيِّ مَقْطُوعٌ. وَمَا سَقَطَ مِنْهُ رَاوٍ مُنْقَطِعٌ أَوْ رَاوِيَانِ فَمُنْقَطِعٌ مِنْ مَوْضِعَيْنِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ اتِّصَالٍ وَإِلَّا فَمُعْضَلٌ وَمَا سَقَطَ أَوَّلُهُ مُعَلَّقٌ وَمَا أُسْنِدَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرْفُوعٌ

قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ الْإِجْمَاعِ) بِمَعْنَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ بِمَعْنَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الَّذِي يُرِيدُهُ وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ لِأَلْ الْمَوْصُولَةِ.

قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ) أَيْ جَمِيعُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ أَيْ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ جَعْلِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلِاسْتِغْرَاقِ. قَوْلُهُ: (بِمُوَافَقَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِعِلْمِهِ فَالْبَاءُ صِلَةُ الْعِلْمِ أَيْ عِلْمُ أَنَّهُ وَافَقَ بَعْضَ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَوْلُهُ: (أَوْ يَغْلِبَ) مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ مُؤَوَّلٌ بِمَصْدَرٍ مَعْطُوفٍ عَلَى قَوْلِهِ عَلِمَ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا بِعِلْمِهِ أَيْ أَمَّا بِعِلْمِهِ أَوْ بِغَلَبَةٍ عَلَى ظَنِّهِ إلَخْ عَلَى حَدِّ وَلُبْسِ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي وقَوْله تَعَالَى: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ: بَلْ يَكْفِي إلَخْ.

قَوْلُهُ: (قِيَاسُ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ جَمِيعِهَا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ لَيْسَ لَهُ نَاسِخٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يُشْتَرَطُ نِهَايَتُهُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ بَلْ يَكْفِي الدَّرَجَةُ الْوُسْطَى فِي ذَلِكَ مَعَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ قَوَانِينَ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَاجْتِمَاعُ ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ أَمَّا مُقَلِّدٌ لَا يَعْدُو أَيْ لَا يُجَاوِزُ مَذْهَبَ إمَامٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْرِفَةِ قَوَاعِدِ إمَامِهِ وَلْيُرَاعِ فِيهَا مَا يُرَاعِيهِ الْمُطْلَقُ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ نَصِّ إمَامِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (إلَى مَدَارِك) أَيْ مَحَلِّ إدْرَاكِهَا جَمْعُ مُدْرَكٍ بِضَمِّ الْمِيمِ

ص: 381

وَالثَّانِي كَإِحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ فِيهِمَا. وَالثَّالِثُ كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَا بِجَامِعِ الطُّعْمِ.

(وَ) الْعَاشِرَةُ (مَعْرِفَةُ طَرَفٍ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ) لُغَةً وَإِعْرَابًا وَتَصْرِيفًا، لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ عُمُومُ اللَّفْظِ وَخُصُوصُهُ وَإِطْلَاقُهُ وَتَقْيِيدُهُ وَإِجْمَالُهُ وَبَيَانُهُ، وَصِيَغُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ وَالْحُرُوفِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

(وَ) الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مَعْرِفَةُ طَرَفِ (تَفْسِيرٍ) مِنْ (كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) لِيَعْرِفَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْهُ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ جُمْلَةِ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَحِّرًا فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ حَتَّى يَكُونَ فِي النَّحْوِ كَسِيبَوَيْهِ وَفِي اللُّغَةِ كَالْخَلِيلِ بَلْ يَكْفِي مَعْرِفَةُ جُمَلٍ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: إنَّ هَذَا سَهْلٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ الْعُلُومَ قَدْ دُوِّنَتْ وَجُمِعَتْ انْتَهَى. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلٌ كَصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَلَا بَعْضُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَ مَظَانَّ أَحْكَامِهِ فِي أَبْوَابِهَا فَيُرَاجِعَهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ الْأَدِلَّةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا كَالْأَخْذِ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ، وَكَالِاسْتِصْحَابِ وَمَعْرِفَةِ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ. كَمَا حُكِيَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطُهُ ثُمَّ اجْتِمَاعُ هَذِهِ الْعُلُومِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الشَّرْعِ. أَمَّا الْمُقَلِّدُ لِمَذْهَبِ إمَامٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ قَوَاعِدِ إمَامِهِ وَلْيُرَاعِ فِيهَا مَا يُرَاعِي الْمُطْلَقُ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ نَصِّ إمَامِهِ كَمَا لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ مَعَ النَّصِّ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَلَا يَخْلُو الْعَصْرُ عَنْ مُجْتَهِدٍ إلَّا إذَا تَدَاعَى الزَّمَانُ وَقَرُبَتْ السَّاعَةُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَالْقَفَّالِ إنَّ الْعَصْرَ خَلَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَقِلِّ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُجْتَهِدٌ قَائِمٌ بِالْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ يَرْغَبُونَ عَنْهُ فَقَدْ قَالَ مَكْحُولٌ: لَوْ خُيِّرْت بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْقَتْلِ لَاخْتَرْت الْقَتْلَ. وَامْتَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى إدْرَاكٍ وَالْمُرَادُ مَا يُدْرَكُ مِنْهُ الْحُكْمُ مِنْ نَحْوِ دَلِيلٍ.

قَوْلُهُ: (مَا تَقَدَّمَ) وَهُوَ قَوْلُهُ: فَمِنْ أَنْوَاعِ الْكِتَابِ إلَخْ وَمِنْ قَوْلِهِ: وَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ إلَخْ وَاَلَّذِي سَيُذْكَرُ هُوَ قَوْلُهُ: مَعْرِفَةُ طَرَفٍ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ وَالتَّفْسِيرِ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا طُرُقٌ لِلِاجْتِهَادِ الَّذِي هُوَ بَذْلُ الْوُسْعِ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ عُمُومُ اللَّفْظِ) هَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ اللُّغَةِ وَاسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَقَوْلُهُ: وَصِيَغُ الْأَمْرِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ هَيْئَةَ صِيغَتِهِ فَتُؤْخَذُ مِنْ عِلْمِ التَّصْرِيفِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَعْرِفَةَ مَعْنَاهُ وَلَفْظِهِ فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ النَّحْوِ وَكَذَا مَعْرِفَةُ الْأَسْمَاءِ وَمَا بَعْدَهَا.

قَوْلُهُ: (لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُتَبَحِّرًا) هَذَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: طَرَفٍ فَكَانَ الْأَوْلَى فَلَا يُشْتَرَطُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ حِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ) هَذَا عُلِمَ وَأَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (كَالْأَخْذِ) أَيْ كَالتَّمَسُّكِ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ كَدِيَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ إنَّهَا كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ وَبَعْضُهُمْ إنَّهَا نِصْفُهَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ إنَّهَا ثُلُثُهَا فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِأَقَلَّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَهُوَ الْقَوْلُ: بِأَنَّهَا ثُلُثُهَا فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: كَالْأَخْذِ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ: أَيْ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، حَيْثُ لَا دَلِيلَ سِوَاهُ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَأَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ مُحَقَّقٌ وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الْأَكْثَرِ وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ فَأَخَذَ بِأَكْثَرَ مَا قِيلَ: احْتِيَاطًا.

قَوْلُهُ: (وَمَعْرِفَةُ أُصُولِ الِاعْتِقَادِ) لَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ هَذَا وَالْمُرَادُ بِأُصُولِ الِاعْتِقَادِ عَقَائِدُ التَّوْحِيدِ وَهِيَ مَا يَجِبُ لِلَّهِ وَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ وَمَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ وَكَذَا الرُّسُلُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ) أَيْ وَقَدْ فُقِدَ مِنْ بَعْدِ الْخَمْسِمِائَةِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يُوجَدُ، وَأَقَلُّهُ قُطْبُ الْغَوْثِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مُجْتَهِدًا. قَوْلُهُ:(وَلَا يَخْلُو الْعَصْرُ) أَيْ كُلُّ عَصْرٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: بَعْدُ إذْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ. قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا تَدَاعَى الزَّمَانُ) فِي الْمِصْبَاحِ تَدَاعَى الْبُنْيَانُ تَصَدَّعَ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَآذَنَ بِالِانْهِدَامِ وَالسُّقُوطِ، اهـ. فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ حَيْثُ شَبَّهَ الزَّمَانَ بِبُنْيَانٍ تَشْبِيهًا مُضْمَرًا فِي النَّفْسِ وَأَثْبَتَ شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِهِ وَهُوَ التَّدَاعِي أَوْ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ التَّقَارُبَ بِالتَّدَاعِي وَاسْتَعَارَ التَّدَاعِيَ لِلتَّقَارُبِ وَاشْتَقَّ مِنْ التَّدَاعِي تَدَاعَى بِمَعْنَى تَقَارَبَ.

قَوْلُهُ: (وَقَرُبَتْ السَّاعَةُ) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (وَامْتَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ وَامْتِنَاعُهُ مِنْهُ حِينَ اسْتَدْعَاهُ الْمَأْمُونُ لِقَضَاءِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدْعَاهُ

ص: 382

لَا شَكَّ فِيهِ إذْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْأَعْصَارِ بِخُلُوِّهَا عَنْ الْمُجْتَهِدِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لَسْنَا مُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ وَافَقَ رَأْيُنَا رَأْيَهُ. وَيَجُوزُ تَبْعِيضُ الِاجْتِهَادِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَالِمُ مُجْتَهِدًا فِي بَابٍ دُونَ بَابٍ فَيَكْفِيهِ عِلْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ.

(وَ) الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا) وَلَوْ بِصِيَاحٍ فِي أُذُنِهِ فَلَا يُوَلَّى أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ أَصْلًا فَإِنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ. وَالثَّالِثَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَكُونَ (بَصِيرًا) فَلَا يُوَلَّى أَعْمَى وَلَا مَنْ يَرَى الْأَشْبَاحَ وَلَا يَعْرِفَ الصُّوَرَ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الطَّالِبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ الصُّوَرَ إذَا قَرُبَتْ مِنْهُ صَحَّ وَخَرَجَ بِالْأَعْمَى الْأَعْوَرُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ. وَكَذَا مَنْ يُبْصِرُ نَهَارًا فَقَطْ دُونَ مَنْ يُبْصِرُ لَيْلًا فَقَطْ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ «اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَعْمَى» . وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ بِصِحَّةِ وِلَايَةِ الْأَعْمَى، أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ دُونَ الْحُكْمِ.

تَنْبِيهٌ: لَوْ سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ ثُمَّ عَمِيَ. قَضَى فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَاسْتُثْنِيَ أَيْضًا لَوْ نَزَلَ أَهْلُ قَلْعَةٍ عَلَى حُكْمِ أَعْمَى. فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ.

وَالرَّابِعَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَكُونَ (كَاتِبًا) عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ اخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى أَنْ يَكْتُبَ إلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ أَمْنًا مِنْ تَحْرِيفِ الْقَارِئِ عَلَيْهِ وَأَصَحُّهُمَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ أُمِّيًّا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَطْلَبِ، لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ لَا يُوجِبُ الْخَلَلَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَا تُشْتَرَطُ.

وَالْخَامِسَةَ عَشْرَةَ أَنْ يَكُونَ (مُتَيَقِّظًا) بِحَيْثُ لَا يُؤْتَى مِنْ غَفْلَةٍ وَلَا يُخْدَعُ مِنْ غِرَّةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْقَاصِّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَنْصُورُ فَحَبَسَهُ وَضَرَبَهُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (إذْ كَيْفَ يُمْكِنُ الْقَضَاءُ) أَيْ الْحُكْمُ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ أَيْ كَيْفَ نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِخُلُوِّ الْعَصْرِ عَنْ مُجْتَهِدٍ إلَخْ. وَهُوَ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَفَّالِ وَالْغَزَالِيِّ وَكَيْفَ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ.

قَوْلُهُ: (كَانُوا يَقُولُونَ) هَذَا لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعِيَ وَلَا يَرُدُّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلُوُّ عَنْ الْمُجْتَهِدِ، لِأَنَّ كَوْنَ هَؤُلَاءِ مُجْتَهِدِينَ لَا يَثْبُتُ أَنَّ الْعَصْرَ لَا يَخْلُو عَنْ مُجْتَهِدٍ لِجَوَازِ خُلُوِّهِ عَنْهُ بَعْدَهُمْ. قَوْلُهُ:(فِي بَابِ) أَيْ كَالْفَرَائِضِ قَوْلُهُ: (الطَّالِبَ) أَيْ الْمُدَّعِيَ وَالْمَطْلُوبَ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ سَمِيعًا) وَلَوْ بِالصِّيَاحِ اهـ ز ي.

قَوْلُهُ: (بَصِيرًا) وَلَوْ فِي النَّهَارِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَنْ يُبْصِرُ نَهَارًا) وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ وَقْتَ إبْصَارِهِ وَأَمَّا فِي وَقْتِ عَدَمِ الْإِبْصَارِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى إشَارَةٍ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ بَلْ كَانَ يَكْفِيهِ حَكَمْت عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَائِبًا أَوْ مَيِّتًا صَحَّ.

قَوْلُهُ: (دُونَ مَنْ يُبْصِرُ لَيْلًا) ضَعِيفٌ ز ي قَالَ حَجّ: وَيَجُوزُ كَوْنُ الْقَاضِي أَعْوَرَ بِخِلَافِ الْإِمَامِ اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ عَامَّةٌ وَالْأَعْوَرُ لَا يُهَابُ. اهـ. ز ي. يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ تَامَّ الْخِلْقَةِ مُعَظَّمًا عِنْدَ النَّاسِ مَحْبُوبًا لَهُمْ لِأَجْلِ أَنْ يُسْمَعَ كَلَامُهُ.

وَحِينَئِذٍ

فَيُطَاعُ فَيَسْتَقِيمُ نِظَامُ الرَّعِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَمِيَ قَضَى) عِبَارَةُ م ر نَعَمْ لَوْ عَمِيَ بَعْدَ ثُبُوتِ قَضِيَّةٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُ حَكَمْت بِكَذَا وَلَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إلَى إشَارَةٍ نَفَذَ حُكْمُهُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى أَيْضًا) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ صُورِيٌّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقَضَاءِ بَلْ فِيهِ حُكْمٌ بَيْنَهُمْ. قَوْلُهُ: (لَوْ نَزَلَ أَهْلُ قَلْعَةٍ) أَيْ اتَّفَقُوا وَرَضَوْا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فُلَانٌ الْأَعْمَى اهـ أج. وَالْمُرَادُ أَهْلُ الْقَلْعَةِ مِنْ الْكُفَّارِ كَمَا وَقَعَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ حَيْثُ قَالُوا لِلْإِمَامِ: لَا نَفْتَحُ لَك الْقَلْعَةَ إلَّا إنْ وَلَّيْت عَلَيْنَا قَاضِيًا أَعْمَى فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ تَوْلِيَتُهُ

لِلضَّرُورَةِ

. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا) مُعْتَمَدُ قَوْلِهِ: (لَا يَقْرَأُ) تَفْسِيرٌ أَيْ لَا يَقْرَأُ الْخَطَّ أَيْ لَا يَسْتَخْرِجُهُ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَكْتُبُ أَيْ وَلَا يَحْسِبُ.

قَوْلُهُ: (مُتَيَقِّظًا) قَالَ الْغَزِّيُّ: فَلَا يَصِحُّ تَوْلِيَةُ مُغَفَّلٍ بِأَنْ اخْتَلَّ نَظَرُهُ وَفِكْرُهُ إمَّا لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ ق ل: هَذَا تَصْحِيحٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْمُتَيَقِّظِ بِقَوِيِّ الْفِطْنَةِ وَالْحِذْقِ وَالضَّبْطِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ: لَا شَرْطٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَعِبَارَةُ م ر بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ: كَافٍ أَيْ نَاهِضٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَكُونَ ذَا يَقِظَةٍ تَامَّةٍ وَقُوَّةٍ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ فَلَا يُوَلَّى مُغَفَّلٌ وَلَا مُخْتَلُّ النَّظَرِ.

قَوْلُهُ: (لَا يُؤْتَى) أَيْ لَا يُصَابُ فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ الْحَقِّ مِنْ غَفْلَةٍ أَيْ مِنْ أَجْلِ غَفْلَةٍ.

قَوْلُهُ: (مِنْ غِرَّةٍ) أَيْ بِسَبَبِ

ص: 383

وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْوَسِيطِ، وَاسْتَنَدَ فِيهِ إلَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُفْتِي التَّيَقُّظُ وَقُوَّةُ الضَّبْطِ قَالَ وَالْقَاضِي أَوْلَى بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَلَكِنَّ الْمَجْزُومَ بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لَا اشْتِرَاطُهُ.

تَنْبِيهٌ: هَاتَانِ الْخَصْلَتَانِ الضَّعِيفَتَانِ الْمَوْعُودُ بِهِمَا وَأَمَّا الْمَتْرُوكَتَانِ: فَالْأَوْلَى كَوْنُهُ نَاطِقًا فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ الْأَخْرَسِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ كَالْجَمَادِ. وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كِفَايَةٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ فَلَا يُوَلَّى مُخْتَلُّ نَظَرٍ؛ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْكِفَايَةَ اللَّائِقَةَ بِالْقَضَاءِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ قُوَّةٌ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ ضَعِيفَ النَّفْسِ جَبَانًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَكُونُ عَالِمًا دِينًا وَنَفْسُهُ ضَعِيفَةٌ عَنْ التَّنْفِيذِ وَالْإِلْزَامِ وَالسَّطْوَةِ فَيُطْمَعُ فِي جَانِبِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَإِذَا عَرَفَ الْإِمَامُ أَهْلِيَّةَ أَحَدٍ وَلَّاهُ، وَإِلَّا بَحَثَ عَنْ حَالِهِ كَمَا اخْتَبَرَ صلى الله عليه وسلم مُعَاذًا، وَلَوْ وُلِّيَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ مَعَ وُجُودِ الصَّالِحِ لَهُ وَالْعِلْمِ بِالْحَالِ أَثِمَ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمُوَلَّى بِفَتْحِهَا وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَصَابَ فِيهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فِي شَخْصٍ جَمِيعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فَوَلَّى السُّلْطَانُ لَهُ شَوْكَةً فَاسِقًا مُسْلِمًا أَوْ مُقَلِّدًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ

لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَصَالِحُ النَّاسِ

فَخَرَجَ الْمُسْلِمُ الْكَافِرُ إذَا وُلِّيَ بِالشَّوْكَةِ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ فَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِنُفُوذِهِ مِنْهُمَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ الْأَهْلِ مَعْرِفَةُ طَرَفٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَلِلْعَادِلِ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ مِنْ الْأَمِيرِ الْبَاغِي. فَقَدْ سُئِلَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عَنْ ذَلِكَ لِمَنْ اسْتَقْضَاهُ زِيَادٌ فَقَالَتْ: إنْ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ خِيَارُهُمْ قَضَى لَهُمْ شِرَارُهُمْ.

فُرُوعٌ: يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَافِ إعَانَةً لَهُ فَإِنْ أَطْلَقَ التَّوْلِيَةَ اسْتَخْلَفَ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ. فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ فِي الِاسْتِخْلَافِ اسْتَخْلَفَ مُطْلَقًا فَإِنْ خَصَّصَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَعَدَّهُ، وَشَرْطُ الْمُسْتَخْلَفِ بِفَتْحِ اللَّامِ كَشَرْطِ الْقَاضِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

غُرُورٍ بِأَنْ يَغُرَّهُ شَخْصٌ بِنَقْلٍ مُخَالِفٍ لِمَا حَكَمَ بِهِ وَلَمْ يَأْتِهِ بِهِ فَيُمْسِكُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ غَيْرُ الْمُتَيَقِّظِ فَيَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الِاخْتِيَارُ حِينَئِذٍ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَ أَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ بِأَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِ شَخْصًا بَعْدَ حُكْمِهِ فِي قَضِيَّةٍ بِنَقْلٍ يَمْتَحِنُهُ بِهِ فَإِنْ أَمْسَكَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ أَيْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ مِنْ إبْطَالِهِ أَبْقَاهُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ: (اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ إلَخْ) فِي م ر خِلَافُهُ وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ وَكَتَبَ أج عَلَى قَوْلِهِ: اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ عَلَى تَفْسِيرِ الْمُتَيَقِّظِ بِمَا ذَكَرَهُ فَإِنْ فُسِّرَ بِشَدِيدِ الْحِذْقِ وَالضَّبْطِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ فِي شَخْصٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ م ر وَعِ ش وَقَوْلُ ع ش لَيْسَ بِقَيْدٍ يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ قَبْلَ وَلَوْ وُلِّيَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فَوَلَّى سُلْطَانٌ) خَرَجَ بِالسُّلْطَانِ غَيْرُهُ كَقَاضِي الْعَسْكَرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ غَيْرَ الْأَهْلِ وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ مَا وَلَّاهُ. اهـ. س ل.

قَوْلُهُ: (شَوْكَةٍ) عِبَارَةُ م ر أَوْ مَنْ لَهُ شَوْكَةٌ اهـ. فَتَوْلِيَةُ السُّلْطَانِ مُطْلَقًا صَحِيحَةٌ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَا شَوْكَةٍ أَمْ لَا وَعِبَارَةُ م ر وحج: فَوَلَّى سُلْطَانٌ أَوْ مَنْ لَهُ شَوْكَةٌ غَيْرَهُ بِأَنْ يَكُونَ بِنَاحِيَةٍ انْقَطَعَ غَوْثُ السُّلْطَانِ عَنْهَا وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَّا إلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ اسْتِلْزَامِ السَّلْطَنَةِ لِلشَّوْكَةِ.

قَوْلُهُ: (لِلضَّرُورَةِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ زَالَتْ شَوْكَةُ مَنْ وَلَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ نَحْوِهِ انْعَزَلَ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ وَأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَوْ جَوَامِكَ فِي نَظَرِ الْأَوْقَافِ اسْتَرَدَّ مِنْهُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ إنَّمَا نَفَذَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَالُ.

قَوْلُهُ: (طَرَفٍ مِنْ الْأَحْكَامِ) مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر فَتَضْعِيفُ الْمُحَشِّي لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَعِبَارَتُهُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ لِلضَّرُورَةِ وَلِذَا قَالَ م ر وَلَوْ جَاهِلًا. قَوْلُهُ: (لِمَنْ اسْتَقْضَاهُ زِيَادٌ) أَيْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ زِيَادٌ وَكَانَ أَخَا الْحَجَّاجِ وَكَانَ أَمِيرًا بَاغِيًا وَكَانَ الَّذِي اسْتَقْضَاهُ عَادِلًا. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَقْضِ لَهُمْ خِيَارُهُمْ) أَيْ إنْ لَمْ يَرْضَوْا بِأَنْ يَقْضِيَ لَهُمْ خِيَارُهُمْ وَهُوَ الَّذِي وَلَّاهُ زِيَادٌ قَضَى لَهُمْ شِرَارُهُمْ وَهُوَ زِيَادٌ.

قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) أَيْ نَحْوُ الْعِشْرِينَ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَطْلَقَ التَّوْلِيَةَ) أَيْ عَنْ الِاسْتِخْلَافِ وَعَدَمِهِ م د.

قَوْلُهُ: (اسْتَخْلَفَ) وَلَوْ بَعْضَهُ أَيْ أَبَاهُ وَابْنَهُ حَيْثُ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ غَيْرِهِ ح ل.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ إلَخْ) وَكَإِطْلَاقِ الْإِذْنِ تَعْمِيمُهُ بِأَنْ قَالَ لَهُ: اسْتَخْلِفْ فِي كُلِّ أَحْوَالِك وَلَوْ فَوَّضَ الْإِمَامُ لِشَخْصٍ أَنْ يَخْتَارَ قَاضِيًا لَمْ يَخْتَرْ نَفْسَهُ وَلَا أَصْلَهُ وَلَا فَرْعَهُ ح ل.

قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ وَغَيْرِهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ. اهـ. م ر ع ش. قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَصَّصَهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَعَدَّهُ إلَخْ)

ص: 384

السَّابِقِ إلَّا أَنْ يُسْتَخْلَفَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَيَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا أَوْ اجْتِهَادِ مُقَلِّدِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا.

وَجَازَ نَصْبُ أَكْثَرَ مِنْ قَاضٍ بِمَحَلٍّ إنْ لَمْ يُشْرَطْ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَجُوزُ تَحْكِيمُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضٍ، وَخَرَجَ بِالْأَهْلِ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا قَاضِيًا وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا وَلَا يَكْفِي رِضَا جَانٍ فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةٍ.

وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ وَلَوْ زَالَتْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَلَوْ وَلَّاهُ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ اخْتَارَ الْمُبَاشَرَةَ فِي إحْدَاهُمَا. كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَلَوْ اخْتَارَ إحْدَاهُمَا هَلْ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِانْعِزَالِهِ عَنْ الْأُخْرَى، أَوْ يُبَاشِرُ كُلًّا مُدَّةً وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا نَعَمْ وَهُوَ الِانْعِزَالُ وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيّ وَجَمْعٌ أَنَّ التَّدْرِيسَ بِمَدْرَسَتَيْنِ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ غَيْبَتَهُ عَنْ إحْدَاهُمَا لِمُبَاشَرَةِ الْأُخْرَى لَا يَكُونُ عَزْلًا وَيَسْتَنِيبُ وَفَعَلَهُ الْفَخْرُ بْنُ عَسَاكِرَ بِالشَّامِ وَالْقُدْسِ وَكَالْمُدَرِّسِ الْخَطِيبُ إذَا وُلِّيَ الْخُطْبَةَ فِي مَسْجِدَيْنِ وَالْإِمَامُ إذَا وُلِّيَ إمَامَةَ مَسْجِدَيْنِ وَكَذَا كُلُّ وَظِيفَتَيْنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَتَعَارَضَانِ فِيهِ شَرْحُ م ر وع ش. قَوْلُهُ:(كَشَرْطِ الْقَاضِي) أَيْ فَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ مُجْتَهِدًا شُرِطَ فِيهِ مَا شُرِطَ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا شُرِطَ فِيهِ مَا فِي الْمُقَلِّدِ.

قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يُشْرَطْ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْحُكْمِ) عِبَارَةُ م ر لِأَنَّ اجْتِهَادَهُمَا مُخْتَلِفٌ غَالِبًا فَلَا تَنْفَصِلُ الْخُصُومَاتُ. قَوْلُهُ: (تَحْكِيمُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ أَهْلًا) قَالَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْحَاوِي: يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ وَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي ثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيّ وَيَنْفُذُ عَلَى مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ دُونَ غَيْرِهِ م ر وع ن.

قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ عُقُوبَةِ اللَّهِ) أَمَّا هِيَ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا إذْ لَا طَالِبَ لَهَا مُعَيَّنٌ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ الَّذِي لَا طَالِبَ لَهُ مُعَيَّنٌ لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ. اهـ. م د.

وَقَوْلُهُ: أَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ أَيْ كَالزَّكَاةِ أَيْ إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ غَيْرَ مَحْصُورِينَ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضٍ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ مُجْتَهِدًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ قَاضِي ضَرُورَةً فَيَمْتَنِعُ التَّحْكِيمُ لِوُجُودِ الْقُضَاةِ وَلَوْ قُضَاةَ ضَرُورَةٍ كَمَا نَقَلَهُ ز ي عَنْ م ر. إلَّا إذَا كَانَ الْقَاضِي يَأْخُذُ مَالًا لَهُ وَقَعَ فَيَجُوزُ التَّحْكِيمُ حِينَئِذٍ، كَمَا قَالَهُ ح ل قَالَ ز ي: وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُتَحَاكِمَيْنِ مِمَّنْ يَجُوزُ الْحُكْمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يَمْتَنِعَ فِيمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَعْضَهُ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْقِيَاسُ الِاشْتِرَاطُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقَاضِي اهـ ع ن.

قَوْلُهُ: (حُكْمُهُ) أَيْ الْمُحَكَّمِ وَلَا بُدَّ مِنْ الرِّضَا لَفْظًا فَلَا يَكْفِي السُّكُوتُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَوْلِيَةٌ مِنْهُ وَرَدَ فِي الْكِفَايَةِ هَذَا الْبِنَاءُ بِأَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ وَغَيْرَهُ قَالُوا: لَيْسَ التَّحْكِيمُ تَوْلِيَةً فَلَا يَحْسُنُ الْبِنَاءُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا صَدَرَ التَّحْكِيمُ مِنْ غَيْرِ قَاضٍ اهـ. شَرْحُ الْبَهْجَةِ فَلَوْ حَكَّمَا اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ قَاضِيَيْنِ لِيَجْتَمِعَا عَلَى الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ أَيْ لِأَنَّ الْقَاضِيَيْنِ يَقَعُ بَيْنَهُمَا الْخِلَافُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْحَكَمَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ قَدْ يَكُونَانِ مُجْتَهِدَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا نَادِرٌ وَعِبَارَةُ ع ش وَلَوْ حَكَّمَ اثْنَيْنِ أَيْ كُلٌّ مِنْ خَصْمَيْنِ اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمَا بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْقَاضِيَيْنِ: لِظُهُورِ الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ التَّوْلِيَةَ لِلْمُحَكَّمِ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَرِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ. فَالْحُكْمُ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ حُكْمٌ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي رِضَا جَانٍ) بِأَنْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ دَمًا فَتَنَازَعَا فِي إثْبَاتِهِ فَحَكَّمَا شَخْصًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَحَكَمَ بِأَنَّ الْقَتْلَ خَطَأٌ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا بِرِضَا عَاقِلَةِ الْجَانِي وَهَذَا فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: يُشْتَرَطُ زِيَادَةٌ عَلَى رِضَا الْمُحَكَّمَيْنِ رِضَا الْعَاقِلَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَظَهَرَ ارْتِبَاطُهُ بِمَا قَبْلَهُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَكْفِي رِضَا جَانٍ أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمَجْنِيُّ فَأَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ وَكَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَلَا يَسْرِي هَذَا الْإِقْرَارُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَا يَكْفِي رِضَاهُ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمْ أَيْضًا أَوْ الثُّبُوتِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَعِبَارَتُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمْ أَيْضًا بِهِ وَلَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِإِقْرَارِهِ، فَكَيْفَ يُؤَاخَذُونَ بِرِضَاهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ) بِأَنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُحَكَّمِ عَزَلْتُك فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ.

قَوْلُهُ:

ص: 385

أَهْلِيَّةُ الْقَاضِي بِنَحْوِ جُنُونٍ كَإِغْمَاءٍ انْعَزَلَ وَلَوْ عَادَتْ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ، وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ كَالْوَكِيلِ،

وَلِلْإِمَامِ عَزْلُهُ بِخَلَلٍ وَأَفْضَلَ مِنْهُ وَبِمَصْلَحَةٍ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ

. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ وَنَفَذَ عَزْلُهُ إنْ وُجِدَ ثَمَّ صَالِحُ وَإِلَّا فَلَا يَنْفُذُ وَلَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ عَزْلَهُ.

فَإِنْ عَلَّقَ عَزْلَهُ بِقِرَاءَتِهِ كَاتِبًا انْعَزَلَ بِهَا وَبِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ، وَيَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ نَائِبُهُ لَا قَيِّمُ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ وَلَا مَنْ اسْتَخْلَفَهُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ اسْتَخْلِفْ عَنِّي وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ وَوَالٍ بِانْعِزَالِ الْإِمَامِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُتَوَلٍّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَا مَعْزُولٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

امْتَنَعَ) أَيْ الْحُكْمُ وَلَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْبِسَ بَلْ غَايَتُهُ الْإِثْبَاتُ وَالْحُكْمُ وَإِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ كَالْقَوَدِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لَمْ يَسْتَوْفِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْرِمُ أُبَّهَةَ الْوُلَاةِ أَيْ فَخْرَهُمْ وَشَرَفَهُمْ وَعَظَمَتَهُمْ وَمَنْصِبَهُمْ. قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ جُنُونٍ كَإِغْمَاءٍ) كَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارَ عَلَى الْإِغْمَاءِ فَيَقُولُ: بِنَحْوِ إغْمَاءٍ.

قَوْلُهُ: (كَإِغْمَاءٍ) وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ م ر. وَلَوْ لَحْظَةً خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى فِي نَحْوِ الشَّرِيكِ مِقْدَارَ مَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ هُنَا مَا لَا يُحْتَاطُ ثَمَّ وَيَنْعَزِلُ بِمَرَضٍ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ. وَقَدْ عَجَزَ مَعَهُ عَنْ الْحُكْمِ س ل. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَوْ زَالَتْ أَهْلِيَّتُهُ: بِنَحْوِ جُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ كَغَفْلَةٍ وَصَمَمٍ وَنِسْيَانٍ يُخِلُّ بِالضَّبْطِ وَفِسْقٍ انْعَزَلَ لِوُجُودِ الْمُنَافِي، وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ عَقْدٌ جَائِزٌ وَلَوْ كَانَ قَاضِي ضَرُورَةٍ وَوُلِّيَ مَعَ فِسْقِهِ وَزَادَ فِسْقُهُ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ عُرِضَ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ لَرَضِيَ بِهِ وَوَلَّاهُ لَمْ يَنْعَزِلْ وَإِلَّا انْعَزَلَ. اهـ. م ر ز ي.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَادَتْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَمًى وَصَمَمًا. وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا: أَنَّ الْأَعْمَى إذَا عَادَ بَصِيرًا عَادَتْ وِلَايَتُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ الصَّمَمُ ح ل. وَنَقَلَ سم عَلَى م ر وَاعْتَمَدَهُ فِي الْعَمَى وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ مَانِعًا لَا سَالِبًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ) كَالْوَكَالَةِ وَالثَّانِي تَعُودُ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ إذَا جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ فَسَقَ ثُمَّ تَابَ وَمِثْلُ الْأَبِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْجَدُّ وَالْحَاضِنَةُ وَالنَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ.

وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ إذَا انْعَزَلَ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ إلَّا بِتَوْلِيَةٍ ثَانِيًا إلَّا أَرْبَعَةٌ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالنَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَمَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ. اهـ. م د مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (بِخَلَلٍ) كَكَثْرَةِ الشَّكَاوَى مِنْهُ أَوْ ظَنِّ أَنَّهُ ضَعُفَ أَوْ زَالَتْ هَيْبَتُهُ فِي الْقُلُوبِ اهـ. وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ شَرْحُ م ر وَعِبَارَة الزِّيَادِيِّ قَوْلُهُ: بِخَلَلٍ أَيْ لَا يَقْتَضِي انْعِزَالُهُ أَمَّا ظُهُورُ مَا يَقْتَضِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى عَزْلٍ لِانْعِزَالِهِ بِهِ.

قَوْلُهُ: (وَبِأَفْضَلَ) أَيْ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خَلَلٌ وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَلَهُ عَزْلُهُ رِعَايَةً

لِلْأَصْلَحِ

لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجِبُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ وِلَايَةَ الْمَفْضُولِ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ لِأَنَّ الْغَرَضَ حُدُوثُ الْأَفْضَلِ بَعْدَ الْوِلَايَةِ فَلَمْ يَقْدَحْ فِيهَا اهـ. وَهَذَا فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ أَمَّا الْخَاصِّ كَإِمَامَةٍ وَتَدْرِيسٍ وَأَذَانٍ وَتَصَوُّفٍ وَنَظَرٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تَنْعَزِلُ أَرْبَابُهَا بِالْعَزْلِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ شَرْحُ م ر. وَالْعِبْرَةُ فِي السَّبَبِ الَّذِي يَقْتَضِي الْعَزْلَ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ) أَيْ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّ لَهُ عَزْلَ نُوَّابِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ عَزْلُهُ) مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ كَمَا فِي ز ي وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: وَلَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ عَزْلُهُ بِرَفْعِ عَزْلُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ هُوَ الْمَفْعُولُ اهـ. فَلَهُ الْحُكْمُ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَنَائِبُهُ مِثْلُهُ فَلَا يَنْعَزِلُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ الْعَزْلُ وَإِنْ بَلَغَ الْآخَرَ ق ل. قَالَ الْعَنَانِيُّ: وَيَثْبُتُ عَزْلُهُ بِعَدْلَيْ شَهَادَةٍ أَوْ اسْتِفَاضَةٍ لَا بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ وَلَا يَكْفِي كِتَابٌ مُجَرَّدٌ وَإِنْ خَفَتْ قَرَائِنُ تُبْعِدُ تَزْوِيرَ مِثْلِهِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُلِّقَ عَزْلُهُ إلَخْ) وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ عَزَلْتُك أَوْ أَنْتَ مَعْزُولٌ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ مَا لَمْ يَأْتِهِ الْكِتَابُ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. وَلَوْ جَاءَهُ بَعْضُ الْكِتَابِ وَانْمَحَى مَوْضِعُ الْعَزْلِ لَمْ يَنْعَزِلْ وَإِلَّا انْعَزَلَ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ ز ي.

قَوْلُهُ: (انْعَزَلَ بِهَا) وَبِقِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إذَا بَلَغَك الْعَزْلُ وَيَكْفِي قِرَاءَةُ مَحَلِّ الْعَزْلِ فَقَطْ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَيَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ نَائِبُهُ) الرَّاجِحُ أَنَّ نَائِبَهُ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا إذَا بَلَغَهُ الْعَزْلُ ز ي وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَصْلَ فَيَنْعَزِلُ حِينَئِذٍ النَّائِبُ لَا الْأَصْلُ وَكَذَا لَوْ بَلَغَ الْعَزْلُ الْأَصْلَ دُونَ النَّائِبِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ الْأَصْلُ دُونَ النَّائِبِ، خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ ح ل.

قَوْلُهُ: (لَا قَيِّمُ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ) الْمُرَادُ بِقَيِّمِ الْوَقْفِ نَاظِرُهُ نَعَمْ لَوْ كَانَ لِلْقَاضِي نَظَرُ وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ. فَأَقَامَ شَخْصًا عَلَيْهِ انْعَزَلَ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ نَائِبُهُ اهـ سم. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ) وَلَوْ قَاضِي ضَرُورَةٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ صَالِحٌ أَمَّا مَعَ وُجُودِهِ فَإِنْ رَجَا تَوَلِّيَهُ انْعَزَلَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي انْعِزَالِهِ. اهـ. ع ن.

قَوْلُهُ:

ص: 386

حَكَمْت بِكَذَا وَلَا شَهَادَةَ كُلٍّ بِحُكْمِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ.

وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى مُتَوَلٍّ جَوْرٌ فِي حُكْمِهِ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. فَإِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِهِ أَوْ عَلَى مَعْزُولٍ بِشَيْءٍ فَكَغَيْرِهِمَا وَتَثْبُتُ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي بِشَاهِدَيْنِ يَخْرُجَانِ مَعَهُ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، يُخْبِرَانِ أَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ.

وَيُسَنُّ أَنْ يَكْتُبَ مُوَلِّيهِ لَهُ كِتَابًا بِالتَّوْلِيَةِ وَأَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَوَالٍ) كَالْأَمِيرِ وَالْمُحْتَسِبِ وَنَاظِرِ الْجَيْشِ وَوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (بِانْعِزَالِ الْإِمَامِ) بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ فِي تَعْطِيلِ الْحَوَادِثِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَلَّاهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ انْعَزَلَ، بِفَرَاغِهِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ نِيَابَةً عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي لِنُوَّابِهِ فَإِنَّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ لَهُ عَزْلُهُمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا بِسَبَبٍ اهـ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُتَوَلٍّ) أَيْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِنْشَاءِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) وَلَوْ عَلَى أَهْلِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلٍ وَقَوْلُهُ: حَكَمْت مَقُولُ الْقَوْلِ سَوَاءٌ قَالَهَا عَلَى وَجْهِ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْشَاءِ وَقَوْلُهُ: وَلَا شَهَادَةَ كُلٌّ أَيْ مِنْ الْمَعْزُولِ وَالْمُتَوَلِّي فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ.

وَقِيلَ: تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُرَّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَمْ يَدْفَعْ عَنْهَا ضَرَرًا.

قَوْلُهُ: (وَلَا مَعْزُولٍ) خَرَجَ بِالْمَعْزُولِ مَا لَوْ قَالَ: قَبْلَ عَزْلِهِ، كُنْت حَكَمْت بِكَذَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَتَّى لَوْ قَالَ: حَكَمْت عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِطَلَاقِ نِسَائِهِمْ، وَعِتْقِ عَبِيدِهِمْ أَيْ وَهُنَّ مَحْصُورَاتٌ وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ عُمِلَ بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا اهـ ز ي. قَوْلُهُ:(وَلَا شَهَادَةَ كُلٍّ بِحُكْمِهِ) خَرَجَ بِحُكْمِهِ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، بِكَذَا فَيُقْبَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُرَادُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ نَفْسُ بَلَدِ قَضَائِهِ الْمَحُوطِ بِالسُّورِ وَالْبِنَاءِ الْمُتَّصِلِ بِهَا سم.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي) أَيْ الَّذِي أُقِيمَتْ الدَّعْوَةُ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ: إنَّهُ حُكْمُهُ أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ الْمَعْزُولِ وَالْمُتَوَلِّي فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ. وَلَا شَهَادَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِحُكْمِهِ لِأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إلَّا إنْ شَهِدَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ كَذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّهُ حُكْمُهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا حَيْثُ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً بِخِلَافِ الْقَاضِي إذَا شَهِدَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ. وَالْفَرْقُ الِاحْتِيَاطُ لِأَمْرِ الْحُكْمِ. اهـ. س ل. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَتُفَارِقُ الْمُرْضِعَةُ بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِثْبَاتِ مَعَ أَنَّ شَهَادَتَهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَزْكِيَةَ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فِيهِمَا اهـ. وَقَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ الْمُرْضِعَةَ حَيْثُ قَبِلَ شَهَادَتَهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ: مَعَ أَنَّ شَهَادَتَهَا إلَخْ وَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِرْضَاعِ حُصُولُ اللَّبَنِ فِي جَوْفِ الطِّفْلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِإِرْضَاعِ الْفَاسِقَةِ اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (لَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِهِ) كَدَيْنٍ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (بِشَاهِدَيْنِ) كَذَا قَالُوا: وَقَالُوا: لَيْسَ هَذَا عَلَى قَوَاعِدِ الشَّهَادَاتِ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ قَاضٍ تُؤَدَّى عَنْهُ الشَّهَادَةُ. اهـ. ز ي.

قَوْلُهُ: (يُخْبِرَانِ) أَيْ أَهْلَهُ بِهَا فَلَيْسَ الْمُرَادُ الشَّهَادَةَ الْمُعْتَبَرَةَ بَلْ مُجَرَّدَ الْإِخْبَارِ وَلَا حَاجَةَ لِلْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ قَالَ ح ل: وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ وَإِلَّا ادَّعَى عِنْدَهُ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (أَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ) أَيْ فِي مَحَلِّ التَّوْلِيَةِ س ل وَلَا تَثْبُتُ بِكِتَابٍ لِإِمْكَانِ تَحْرِيفِهِ أَيْ تَزْوِيرِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] . قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ مِنْ هَذَا مَأْخَذُ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَنَّ الْحُجَجَ لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمٌ وَلَا شَهَادَةٌ وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّذَكُّرِ فَقَطْ فَلَا تُثْبِتُ حَقًّا وَلَا تَمْنَعُهُ فَافْهَمْهُ، اهـ. وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إخْبَارِ الْقَاضِي لَهُمْ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إنْ لَمْ يُصَدِّقُوهُ فَإِنْ صَدَّقُوهُ فَفِي لُزُومِ طَاعَتِهِمْ لَهُ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي قَالَ بَعْضُهُمْ: وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْوِلَايَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ طَاعَتُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي ز ي وح ل.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَكْتُبَ مُوَلِّيهِ) وَيَسْتَحِقُّ الْقَاضِي رِزْقَهُ مِنْ حِينِ الْعَمَلِ لَا مِنْ وَقْتِ التَّوْلِيَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا مُشْعِرٌ بِجَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَى الْقَضَاءِ

ص: 387

يَبْحَثَ الْقَاضِي عَنْ حَالِ عُلَمَاءِ الْمَحَلِّ وَعُدُولِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَأَنْ يَدْخُلَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ فَخَمِيسٌ فَسَبْتٌ.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ) لِلْقَضَاءِ (فِي وَسَطِ الْبَلَدِ) لِيَتَسَاوَى أَهْلُهُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ هَذَا إنْ اتَّسَعَتْ خِطَّتُهُ، وَإِلَّا نَزَلَ حَيْثُ تَيَسَّرَ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَوْضِعٌ يُعْتَادُ النُّزُولُ فِيهِ وَأَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا فِي أَهْلِ الْحَبْسِ لِأَنَّهُ عَذَابٌ فَمَنْ أَقَرَّ مِنْهُمْ بِحَقٍّ فَعَلَ بِهِ مُقْتَضَاهُ وَمَنْ قَالَ ظَلَمْت فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ. فَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ غَائِبًا كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ، ثُمَّ يَنْظُرَ فِي الْأَوْصِيَاءِ فَمَنْ وَجَدَهُ عَدْلًا قَوِيًّا فِيهَا أَقَرَّهُ أَوْ فَاسِقًا أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ أَوْ عَدْلًا ضَعِيفًا عَضَّدَهُ بِمُعِينٍ، ثُمَّ يَتَّخِذُ كَاتِبًا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ عَدْلًا ذَكَرًا حُرًّا عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ شَرْطًا فِيهَا فَقِيهًا عَفِيفًا وَافِرَ الْعَقْلِ، جَيِّدَ الْخَطِّ نَدْبًا وَأَنْ يَتَّخِذَ مُتَرْجِمِينَ. وَأَنْ يَتَّخِذَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْقَاضِي الْمُعْسِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ لَائِقَةٍ بِهِ أَمَّا أَخْذُهُ الْأُجْرَةَ عَلَى الْقَضَاءِ فَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْهَرَوِيِّ أَنَّ لَهُ: أَخْذَهَا إنْ كَانَتْ أُجْرَةً مِثْلُ عَمَلِهِ، إنْ لَمْ يَكُنْ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. ز ي وَالرِّزْقُ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ دُخُولِهِ) إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَحِينَ يَدْخُلُ هَذَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ عَارِفًا بِهِمْ وَأَنْ يَدْخُلَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ لَا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَلْوَانِ يُمْكِنُ تَغَيُّرُهَا بِخِلَافِ السَّوَادِ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَدْخُلَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) أَيْ صَبِيحَتَهُ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَصَوْمُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ. ز ي. وَيُجْمَعُ الِاثْنَيْنِ عَلَى أَثَانِينَ بِإِثْبَاتِ النُّونِ لِأَنَّهُ جَمْعُ تَكْسِيرٍ فَلَا تُحْذَفُ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (فِي وَسَطِ) بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْأَفْصَحِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ السِّينِ بِخِلَافِ نَحْوِ وَسْطِ الْقَوْمِ فَهُوَ بِسُكُونِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ فَتْحِهَا لِأَنَّ مَا كَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ الْأَفْصَحُ فِيهِ الْفَتْحُ وَمَا كَانَ مُتَفَرِّقَهَا الْأَفْصَحُ فِيهِ السُّكُونُ. قَوْلُهُ: (لِيَتَسَاوَى أَهْلُهُ) كَانَ الْمُرَادُ بِهَذَا تَسَاوِي كُلٍّ مَعَ نَظِيرِهِ فَأَهْلُ الْأَطْرَافِ يَتَسَاوَوْنَ وَكَذَا مَنْ يَلِيهِمْ وَهَكَذَا سم. أَيْ لِأَنَّ السَّاكِنَ بِالْقُرْبِ مِنْ وَسَطِ الْبَلَدِ لَيْسَ مُسَاوِيًا لِمَنْ مَسْكَنُهُ فِي أَطْرَافِهَا فَأَشَارَ إلَى أَنَّ التَّسَاوِيَ لِمَنْ فِي طَرَفٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فِي الطَّرَفِ الْمُقَابِلِ لَهُ لَا مُطْلَقًا اهـ. قَوْلُهُ: (خِطَّتِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْخِطَّةُ الْمَكَانُ الْمُحِيطُ لِلْعِمَارَةِ وَالْجَمْعُ خِطَطٍ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ. وَإِنَّمَا كُسِرَتْ الْخَاءُ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَلَى مَصْدَرِ افْتَعَلَ مِثْلُ اخْتَطَبَ خِطْبَةً وَارْتَدَّ رِدَّةً وَافْتَرَى فِرْيَةً ثُمَّ قَالَ: وَالْخُطَّةُ بِالضَّمِّ الْحَالَةُ وَالْخَصْلَةُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا) : أَيْ نَدْبًا بَعْدَ أَنْ يُنَادَى فِي الْبَلَدِ مُتَكَرِّرًا إنَّ الْقَاضِيَ يُرِيدُ النَّظَرَ فِي الْمَحْبُوسِينَ يَوْمَ كَذَا فَمَنْ لَهُ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ) قِيلَ هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ وَضْعَهُ فِي الْحَبْسِ حُكْمٌ مِنْ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِحَبْسِهِ فَكَيْفَ يُكَلَّفُ الْخَصْمُ حُجَّةً سم وَيُمْكِنُ أَنْ يَحْبِسَهُ ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ.

قَوْلُهُ: (كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ) أَيْ أَوْ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لِيَأْمُرَهُ بِالْحُضُورِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ ح ل.

قَوْلُهُ: (قَوِيًّا فِيهَا) أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ عَضَّدَهُ أَيْ قَوَّاهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتَّخِذُ كَاتِبًا) أَيْ نَدْبًا وَقَدْ كَانَ لَهُ صلى الله عليه وسلم كُتَّابٌ فَوْقَ الْأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَلِيٌّ وَمُعَاوِيَةُ رضي الله عنهم بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مَحَاضِرَ) الْمَحْضَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَا يُكْتَبُ فِيهِ مَا جَرَى لِلْمُتَحَاكِمَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ. فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ أَوْ تَنْفِيذُهُ سُمِّيَ سِجِلًّا. شَرْحُ الْمَنْهَجِ وَعِبَارَةُ ق ل مَحَاضِرُ جَمْعُ مَحْضَرٍ وَهُوَ مَا يُكْتَبُ فِيهِ صُورَةُ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَالسِّجِلَّاتُ جَمْعُ سِجِلٍّ وَهُوَ مَا يُكْتَبُ فِيهِ الْوَاقِعَةُ لَكِنْ يُحْفَظُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالْكُتُبُ الْحُكْمِيَّةُ هِيَ مَا فِيهَا الْوَاقِعَةُ أَيْضًا لَكِنْ يَكْتُبُ الْقَاضِي خَطَّهُ عَلَيْهَا وَتُعْطَى لِلْخَصْمِ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالْحُجَجِ وَثَمَنُ وَرَقِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ، وَنَحْوِهِمَا. مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ فَعَلَى مَنْ أَرَادَ الْكِتَابَةَ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ لَمْ يُجْبَرْ.

وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ، وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ وَلَوْ كَانَ الْكَاتِبُ الْقَاضِي وَثَمَنُ الْوَرَقِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْمَحَاضِرُ وَالسِّجِلَّاتُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ أَوْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِمَا هُوَ أَهَمُّ فَعَلَى مَنْ لَهُ الْعَمَلُ: الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ذَلِكَ إنْ شَاءَ كِتَابَةَ مَا جَرَى فِي خُصُومَتِهِ. وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ يُعْلِمُهُ الْقَاضِي، أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكْتُبْ مَا جَرَى فَقَدْ يَنْسَى شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَحُكْمَ نَفْسِهِ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأُجْرَةُ كَاتِبِ الصُّكُوكِ أَيْ الْأَوْرَاقِ تَكُونُ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِ الْمُسْتَحِقِّينَ

ص: 388

قَاضٍ أَصَمَّ مُسْمِعَيْنِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِمَا أَهْلَ شَهَادَةٍ وَلَا يَضُرُّهُمَا الْعَمَى لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ وَالْإِسْمَاعَ تَفْسِيرٌ. وَنَقْلُ اللَّفْظِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَأَنْ يَتَّخِذَ دِرَّةً لِلتَّأْدِيبِ وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَلِعُقُوبَةٍ. وَيَكُونُ جُلُوسُهُ (فِي مَوْضِعٍ) فَسِيحٍ (بَارِزٍ لِلنَّاسِ) أَيْ ظَاهِرٍ لَهُمْ لِيَعْرِفَهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ مُسْتَوْطِنٍ وَغَرِيبٍ مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ، وَبَرْدٍ بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّيْفِ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ وَفِي الشِّتَاءِ فِي كِنٍّ لَائِقًا بِالْحَالِ فَيَجْلِسُ فِي كُلِّ فَصْلٍ مِنْ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَغَيْرِهِمَا بِمَا يُنَاسِبُهُ وَيُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا كَمَا قَالَ:(لَا حَاجِبَ لَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (دُونَهُمْ) أَيْ الْخُصُومِ أَيْ حَيْثُ لَا زَحْمَةَ وَقْتَ الْحُكْمِ لِخَبَرِ: «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ حَجَبَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ لِلْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلَوَاتِهِ أَوْ كَانَ ثَمَّ زَحْمَةٌ لَمْ يُكْرَهْ نَصْبُهُ وَالْبَوَّابُ وَهُوَ مَنْ يَقْعُدُ بِالْبَابِ لِلْإِحْرَازِ وَيَدْخُلُ عَلَى الْقَاضِي لِلِاسْتِئْذَانِ كَالْحَاجِبِ فِيمَا ذُكِرَ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا مَنْ وَظِيفَتُهُ تَرْتِيبُ الْخُصُومِ وَالْإِعْلَامُ بِمَنَازِل النَّاسِ أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالنَّقِيبِ فَلَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِهِ، وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِهِ.

تَنْبِيهٌ: مِنْ الْآدَابِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى مُرْتَفِعٍ: كَدِكَّةٍ لِيَسْهُلَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إلَى النَّاسِ وَعَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ وَأَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ بِفِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِالزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ لِلْخُصُومِ وَأَرْفَقَ بِهِ فَلَا يَمَلُّ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَأَنْ لَا يَتَّكِئَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنْ يَدْعُوَ عَقِبَ جُلُوسِهِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ. وَالْأَوْلَى مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَإِنْ تَفَاوَتَتْ حِصَصُهُمْ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهَا.

قَوْلُهُ: (شَرْطًا فِيهَا) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَدْلِ وَمَا بَعْدَهُ شَرْطًا فِيهَا أَيْ فِي كِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ هَكَذَا يُفْهَمُ شَوْبَرِيٌّ. وَقِيلَ: هُوَ مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ شَرَطَ ذَلِكَ شَرْطًا. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَتَّخِذَ مُتَرْجِمِينَ) لِأَنَّ فِي تَبْلِيغِهِمَا الْقَاضِيَ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ شَهَادَةٌ فَلِذَلِكَ شُرِطَ تَعَدُّدُهُمَا بِخِلَافِ إبْلَاغِهِمَا كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَرْجِمَ إنْ كَانَ يُتَرْجِمُ كَلَامَ الْخُصُومِ لِلْقَاضِي اُشْتُرِطَ التَّعَدُّدُ وَإِنْ كَانَ يُتَرْجِمْ كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخُصُومِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ، وَأَمَّا الْمُسْمِعُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ مُطْلَقًا قَالَ ز ي: وَاسْتُشْكِلَ اتِّخَاذُ الْمُتَرْجِمِ بِأَنَّ اللُّغَاتِ لَا تَنْحَصِرُ وَيَبْعُدُ حِفْظُ شَخْصٍ لِكُلِّهَا وَيَبْعُدُ أَنْ يَتَّخِذَ الْقَاضِي فِي كُلِّ لُغَةٍ مُتَرْجِمًا لِلْمَشَقَّةِ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَتَّخِذَ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَاتِ الَّتِي يَغْلِبُ وُجُودُهَا فِي عَمَلِهِ مَعَ أَنَّ فِيهِ عُسْرًا أَيْضًا اهـ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَتَّخِذَ قَاضٍ أَصَمَّ) أَيْ صَمَمًا لَا يُبْطِلُ سَمْعَهُ، شَرْحُ م ر وَإِلَّا فَالْأَصَمُّ: لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ قَاضِيًا كَمَا مَرَّ اهـ.

قَوْلُهُ: (مُسْمِعَيْنِ) وَقَدْ يُغْنِي عَنْهُمَا الْمُتَرْجِمَانِ قَالَ سم: وَلَا يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُسْمِعَيْنِ غَيْرَ الْمُتَرْجِمَيْنِ بَلْ إنْ حَصَلَ الْغَرَضَانِ بِاثْنَيْنِ بِأَنْ عَرِفَا لُغَاتِ الْقَاضِي وَالْخُصُومِ كَفَيَا فِي الْغَرَضَيْنِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ لِكُلِّ غَرَضٍ مَنْ يَقُومُ بِهِ.

قَوْلُهُ: (دِرَّةً) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَهِيَ سَوْطٌ مُتَّخَذٌ مِنْ جُلُودٍ، وَأَمَّا الْكُرْبَاجُ الْمَعْرُوفُ الْآنَ فَالضَّرْبُ بِهِ حَرَامٌ وَأَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهَا الْإِمَامُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَدِرَّةُ عُمَرَ كَانَتْ أَهْيَبَ مِنْ سَيْفِ الْحَجَّاجِ اهـ وَيُقَالُ كَانَتْ مِنْ نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ضَرَبَ بِهَا أَحَدًا عَلَى ذَنْبٍ وَعَادَ إلَيْهِ بَعْدَهَا،. اهـ. ق ل وَفِي الْمِصْبَاحِ الدِّرَّةُ السَّوْطُ وَالْجَمْعُ دِرَرٌ كَسِدْرَةٍ وَسِدَرٍ قَوْلُهُ:(وَسِجْنًا) : وَأُجْرَةُ السِّجْنِ عَلَى الْمَسْجُونِ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ الَّذِي شَغَلَهُ وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صُرِفَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. س ل. وَقَوْلُهُ: عَلَى الْمَسْجُونِ أَيْ وَلَوْ سُجِنَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَحَلِّ الَّذِي شَغَلَهُ. اهـ. ح ل. وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ خَضِرٌ عَنْ تَقْرِيرِ شَيْخِهِ الزِّيَادِيِّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ وَمَحْبُوسٌ ظُلْمًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْحَابِسِ اهـ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ حَاجِبًا) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي مِنْ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يُمَكِّنْ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ عَامَّةَ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُمَكِّنُ عُظَمَاءَهُمْ أَوْ مَنْ يَدْفَعُ لَهُ رِشْوَةً لِلتَّمْكِينِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (دُونَهُمْ) أَيْ عَنْهُمْ أَيْ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَاضِي. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِمْ) أَيْ وَسَهُلَ عَلَيْهِمْ الْمُطَالَبَةُ لِحُقُوقِهِمْ وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ الْمُطَالَبَةِ الْمُخَاطَبَةُ. قَوْلُهُ: (وَوِسَادَةٍ) لِيَكُونَ أَهْيَبَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِلْحَاجَةِ إلَى قُوَّةِ الرَّهْبَةِ، وَالْهَيْبَةِ،

ص: 389

أَعُوذُ بِك مِنْ أَنْ أَضِلَّ، أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ» قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَسَمِعْت أَنَّ الشَّعْبِيَّ كَانَ يَقُولُهُ إذَا خَرَجَ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيَزِيدُ فِيهِ: " أَوْ أَعْتَدِي أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ اللَّهُمَّ أَعِنِّي بِالْعِلْمِ وَزَيِّنِي بِالْحِلْمِ وَأَكْرِمْنِي بِالتَّقْوَى حَتَّى لَا أَنْطِقَ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا أَقْضِيَ إلَّا بِالْعَدْلِ ". وَأَنْ يَأْتِيَ الْمَجْلِسَ رَاكِبًا وَيَسْتَعْمِلَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْعِمَامَةِ وَالطَّيْلَسَانِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَأَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ عِنْدَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ وَتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي حُكْمٍ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ صلى الله عليه وسلم مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَصِيرَ سُنَّةً لِلْحُكَّامِ. أَمَّا الْحُكْمُ الْمَعْلُومُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ فَلَا. وَالْمُرَادُ بِالْفُقَهَاءِ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ الَّذِينَ يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي الْإِفْتَاءِ فَيَدْخُلُ الْأَعْمَى وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ، وَيَخْرُجُ الْفَاسِقُ وَالْجَاهِلُ (وَلَا يَقْعُدُ لِلْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ اتِّخَاذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَادَةً. وَلَوْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورٍ فِيهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ بِفَصْلِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ خُلَفَائِهِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا إذَا احْتَاجَ لِجُلُوسٍ فِيهِ لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ. فَإِنْ جَلَسَ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ دُونَهَا مَنَعَ الْخُصُومَ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهِمَا. بَلْ يَقْعُدُونَ خَارِجَهُ وَيَنْصِبُ مَنْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ فِيهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ جُلُوسُهُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ: (أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ) بِبِنَاءِ الْأَوَّلِ لِلْمَعْلُومِ وَالثَّانِي لِلْمَجْهُولِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَهِيَ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ وَقَوْلُهُ: أَزِلَّ بِالزَّايِ لَا بِالذَّالِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ أَجْهَلَ أَيْ أَسْفَهَ وَأَجْتَرِئَ عَلَى النَّاسِ أَوْ يُفْعَلَ بِي ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: أَوْ أَجْهَلَ أَيْ أَفْعَلَ فِعْلَ الْجَهَلَةِ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ أَيْ يَفْعَلُ النَّاسُ بِي أَفْعَالَ الْجَهَالَةِ مِنْ إيصَالِ الضَّرَرِ إلَيَّ.

قَوْلُهُ: (وَيَزِيدُ فِيهِ) أَيْ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ) الْأُمَنَاءَ وَلَوْ أَدْوَنَ مِنْهُ. وَفِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا لِلْمُنَاوِيِّ: وَاخْتَصَّ صلى الله عليه وسلم بِوُجُوبِ الْمُشَاوَرَةِ عَلَيْهِ لِذَوِي الْأَحْلَامِ الْعُقَلَاءِ فِي الْأَمْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] أَيْ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ وَحْيٌ بِمَا يَصِحُّ أَنْ يُشَاوِرَ فِيهِ لِيَصِيرَ سُنَّةً وَلِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ وَوُجُوبُ الْمُشَاوَرَةِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَقِيلَ إنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِمَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ وَصَرَفَ الشَّافِعِيُّ الْأَمْرَ إلَى النَّدْبِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْأُمِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْآيَةَ وَقَالَ الْحَسَنُ: إنْ كَانَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام لَغَنِيًّا عَنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنَّ بِذَلِكَ الْحُكَّامُ بَعْدَهُ إذَا نَزَلَ بِالْحَاكِمِ أَمْرٌ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَوْ يُشْكِلُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُشَاوِرَ جَاهِلًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِمُشَاوَرَتِهِ وَلَا عَالِمًا غَيْرَ أَمِينٍ وَلَكِنَّهُ يُشَاوِرُ مَنْ جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْأَمَانَةَ وَفِي الْمُشَاوَرَةِ رِضَا الْخَصْمِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ غَنِيَّانِ عَنْهَا وَلَكِنْ جَعَلَهَا اللَّهُ رَحْمَةً فِي أُمَّتِي فَمَنْ شَاوَرَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْدَمْ رُشْدًا وَمَنْ تَرَكَ الْمَشُورَةَ مِنْهُمْ لَمْ يَعْدَمْ عَنَاءً» وَقَدْ قِيلَ: الِاسْتِشَارَةُ حِصْنٌ مِنْ النَّدَامَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ النَّظَرِ) أَيْ طُرُقِهِ وَقَوْلُهُ: وَتَعَارُضِ؛ عَطْفُ سَبَبٍ.

قَوْلُهُ: (مُسْتَغْنِيًا عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْمُشَاوَرَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ) أَيْ فَلَا يُشَاوِرْهُمْ فِيهِ كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فَالْفَارِقُ بَيْنَ الضَّرْبِ وَالتَّأْفِيفِ وَهُوَ أَنَّ الضَّرْبَ إيذَاءٌ بِالْفِعْلِ وَالتَّأْفِيفَ إيذَاءٌ بِالْقَوْلِ مَثَلًا مَقْطُوعٌ بِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ حُرْمَةُ الضَّرْبِ، أَيْ لَا يَنْفِيهَا فَلَوْ حَكَمَ بِعَدَمِ تَعْزِيرِ مَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ لِكَوْنِ الضَّرْبِ لَيْسَ حَرَامًا بَطَلَ حُكْمُهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ) وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِ الْمَجَانِينِ وَالصِّغَارِ وَالْحُيَّضِ وَالْكُفَّارِ. شَرْحُ م ر وَمَا يَقَعُ فِي بِلَادٍ كَثِيرٍ مِنْ الْأَرْيَافِ أَنَّ الذِّمِّيَّ قَابِضُ الْمَالِ يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ وَيَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مَنْ يَشْرَبُ الدُّخَّانَ وَفِي ذَلِكَ. فَلَا يَتَوَقَّفُ فِي تَحْرِيمِهِ وَيَجِبُ إنْكَارُهُ وَإِخْرَاجُهُ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُلْتَزِمِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ اهـ

ص: 390

أَشَدُّ كَرَاهَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَقَالَ: (وَيُسَوِّي) أَيْ الْقَاضِي (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ (فِي ثَلَاثَةٍ) بَلْ سَبْعَةِ (أَشْيَاءَ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ الْأَوَّلُ (فِي الْمَجْلِسِ) فَيُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِيهِ بِأَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْلَى وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَنْ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ أَيْضًا بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا وَجَبَتْ يَمِينٌ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الزَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّهُ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ حَسَنٌ وَالْبَلْوَى بِهِ عَامَّةٌ وَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يُوَكِّلُ فِرَارًا مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ رَفْعِ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِي الْمَجْلِسِ كَأَنْ يَجْلِسَ الْمُسْلِمُ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الذِّمِّيِّ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى السُّوقِ، فَإِذَا هُوَ بِنَصْرَانِيٍّ يَبِيعُ دِرْعًا فَعَرَفَهَا عَلِيٌّ فَقَالَ: هَذِهِ دِرْعِي بَيْنِي وَبَيْنَك قَاضِي الْمُسْلِمِينَ فَأَتَيَا إلَى الْقَاضِي شُرَيْحٍ فَلَمَّا رَأَى الْقَاضِي عَلِيًّا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَأَجْلَسَهُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَجَلَسْت مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْك وَلَكِنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ؟ فَقَالَ: الدِّرْعُ دِرْعِي فَقَالَ شُرَيْحٌ لِعَلِيٍّ: هَلْ مِنْ بَيِّنَةٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ شُرَيْحٌ، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ الْأَنْبِيَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ وَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَقَدْ رَأَيْته يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَيُشْبِهُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ، حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ فِي الدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا قَلَّتْ خُصُومُ الْمُسْلِمِينَ. وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

رَحْمَانِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: أَنْ يَتَّخِذَ أَيْ يَعُدَّهُ وَيُهَيِّئَهُ لِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ) : مُقَابِلُهُ النَّدْبُ.

قَوْلُهُ: (كَمَا سَتَعْرِفُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ السَّبْعَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْجُلُوسُ بَيْنَ يَدَيْهِ) وَكَوْنُ الْجُلُوسِ عَلَى الرُّكَبِ أَوْلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَرْتَفِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ) يَعْنِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا وَكَّلَ فِي خُصُومَةٍ وَحَضَرَ مَعَ الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ فَلَا يُرْفَعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ لِأَنَّ الدَّعْوَى مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ. بِدَلِيلِ تَحْلِيفِهِ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى التَّحْلِيفِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِثْلُهُمَا وَكِيلَاهُمَا فِي الْخُصُومَةِ. وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَثِيرًا مِنْ التَّوْكِيلِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ وَرْطَةِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ جَهْلٌ قَبِيحٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِالْمُوَكِّلِ فِي الدَّعْوَى. قَوْلُهُ: (الزَّبِيلِيِّ) بِالزَّايِ أَوْ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ الصَّوَابُ أَيْ مَعَ كَسْرِ الْبَاءِ نِسْبَةٌ إلَى زَبِيلٍ قَرْيَةٌ بِالرَّمْلَةِ أَوْ بِالدَّالِ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ نِسْبَةٌ إلَى دَبِيلٍ مَدِينَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ السِّنْدِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي اللُّبِّ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: دَبِيلٌ كَأَمِيرٍ مَوْضِعٌ بِالسِّنْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي اللُّبِّ وَلَا فِي الْقَامُوسِ الزَّبِيلِيُّ بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا وَلَا ذَكَرَا أَنَّ زَبِيلًا اسْمُ بَلَدٍ أَوْ مَكَان يُنْسَبُ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إهْمَالِ الدَّالِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي النِّسْبَةِ إلَى دَيْبَلٍ أَوْ دَبِيلٍ بِتَقْدِيمِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمُثَنَّاةِ السَّاكِنَةِ التَّحْتِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْوَكِيلِ وَالْخَصْمِ.

قَوْلُهُ: (جَوَازُ) هَذَا جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ فَيَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ فَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْوُجُوبُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (قَالَ: خَرَجَ عَلِيٌّ) أَيْ وَكَانَ إذْ ذَاكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَ شُرَيْحٌ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ وَقَوْلُهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ أَيْ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى مِنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ بِأَنَّ الدِّرْعَ لَهُ لِيَظْهَرَ قَوْلُ شُرَيْحٍ مَا تَقُولُ يَا نَصْرَانِيُّ وَكَانَ شُرَيْحٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمْ النَّاسِ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ أَحَدَ السَّادَاتِ الطُّلْسِ وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، الَّذِي يُضْرَبُ بِحِلْمِهِ الْمَثَلُ وَالرَّابِعُ شُرَيْحٌ هَذَا، وَالْأَطْلَسُ الَّذِي لَا شَعْرَ فِي وَجْهِهِ.

قَوْلُهُ: (بَيْنِي وَبَيْنَك) أَيْ يَفْصِلُ بَيْنِي وَبَيْنَك إلَخْ.

قَوْلُهُ: (صَدَقَ شُرَيْحٌ) أَتَى بِهَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنَاسِبٍ فِي الْجَوَابِ لِأَجْلِ أَنْ يَسْمَعَهُ خَصْمُهُ الَّذِي هُوَ النَّصْرَانِيُّ فَيَعْرِفُ أَنَّ قُضَاةَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْحَقِّ.

قَوْلُهُ: (فَأَعْطَاهُ عَلِيٌّ الدِّرْعَ) لَعَلَّ الْمَعْنَى تَرْكُهُ لَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَعَلِيٌّ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهُ وَلَا أَثْبَتَهُ لَهُ أَيْ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَلَا بِالْيَمِينِ أَيْ الْمَرْدُودَةِ اهـ م د. قَوْلُهُ: (عَتِيقٍ) أَيْ جَيِّدٍ وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ عَرَبِيَّانِ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ) عَطْفٌ عَلَى لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ.

قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) أَيْ الرَّفْعُ الصَّادِقُ بِالرَّفْعِ الْمَعْنَوِيِّ. قَوْلُهُ: (لِكَثْرَةِ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِكَثْرَةِ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ لِلذِّمِّيِّينَ بِتَقْدِيمِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ

ص: 391

الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُرْتَدًّا فَيَتَّجِهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى التَّكَافُؤِ فِي الْقِصَاصِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ دُونَ عَكْسِهِ وَتَعَجَّبَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ هَذَا التَّخْرِيجِ فَإِنَّ التَّكَافُؤَ فِي الْقِصَاصِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِسَبِيلٍ وَلَوْ اعْتَبَرْنَاهُ لَرُفِعَ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَالِدُ عَلَى الْوَلَدِ. (وَ) الثَّانِي فِي اسْتِمَاعِ (اللَّفْظِ) مِنْهُمَا لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُ أَحَدِهِمَا.

(وَ) الثَّالِثُ فِي (اللَّحْظِ) بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَهُوَ النَّظَرُ بِمُؤْخِرِ الْعَيْنِ كَمَا قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَعْنَى فِيهِ مَا تَقَدَّمَ. وَ (الرَّابِعُ)(فِي دُخُولِهِمَا عَلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ) . (وَالْخَامِسُ) فِي الْقِيَامِ لَهُمَا فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِقِيَامٍ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فِي خُصُومَةٍ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ قِيَامِهِ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يَعْتَذِرَ لِخَصْمِهِ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَقُومَ لَهُ كَقِيَامِهِ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَوْلَى وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ كَرَاهَةَ الْقِيَامِ لَهُمَا جَمِيعًا فِي آدَابِ الْقَضَاءِ لَهُ أَيْ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ يُقَامُ لَهُ دُونَ الْآخَرِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْقِيَامَ لَيْسَ لَهُ. (وَالسَّادِسُ) فِي جَوَابِ سَلَامِهِمَا إنْ سَلَّمَا مَعًا فَلَا يَرُدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَيَتْرُكُ الْآخَرَ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرَ، أَوْ قَالَ لَهُ: سَلِّمْ لِيُجِيبَهُمَا مَعًا إذَا سَلَّمَ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ وَكَأَنَّهُمْ احْتَمَلُوا

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَحْذُوفٌ أَيْ الْكُفَّارِ وَلَوْ قَالَ: لِكَثْرَةِ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ لَكَانَ أَوْلَى. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ وَإِذَا ازْدَحَمَ مُدَّعُونَ قُدِّمَ وُجُوبًا مَنْ عُلِمَ سَبْقُهُ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ سَبْقٌ بِأَنْ جُهِلَ أَوْ جَاءَا مَعًا قُدِّمَ بِقُرْعَةٍ وَالتَّقْدِيمُ فِيهِمَا بِدَعْوَى وَاحِدَةٍ لِئَلَّا يَطُولَ الزَّمَنُ فَيَتَضَرَّرَ الْبَاقُونَ وَلَكِنْ يُسَنُّ تَقْدِيمُ مُسَافِرِينَ مُسْتَوْفِزِينَ وَنِسْوَةٍ إنْ قَلُّوا وَالِازْدِحَامُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ كَالِازْدِحَامِ عَلَى الْقَاضِي إنْ كَانَ الْعِلْمُ فَرْضًا وَإِلَّا فَالْخِيَرَةُ إلَى الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ مِنْ السُّوقَةِ. كَذَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا ز ي.

أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ لِإِضْرَارِ الْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنَّ الْخِيَرَةَ لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ أَصْلِهِ لَيْسَ وَاجِبًا بَلْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ بَيْعِ بَعْضِ الْمُشْتَرَى وَيَبِيعَ بَعْضًا وَيَجْرِيَ مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ ثُمَّ الْقُرْعَةُ مِنْ الْمُزْدَحِمِينَ عَلَى مُبَاحٍ وَمِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الِازْدِحَامِ عَلَى الطَّوَاحِينِ بِالرِّيفِ الَّتِي أَبَاحَ أَهْلُهَا الطَّحْنَ بِهَا لِمَنْ أَرَادَهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَالِكِينَ لَهَا أَمَّا هُمْ فَيُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ غَيْرَهُمْ مُسْتَعِيرٌ مِنْهُمْ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ أَمَّا الْمَالِكُونَ إذَا اجْتَمَعُوا وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يُقَدَّمُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (فَيَتَّجِهُ تَخْرِيجُهُ) أَيْ تَفْرِيعُهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الذِّمِّيَّ يُرْفَعُ عَلَى الْمُرْتَدِّ. قَوْلُهُ: (وَالصَّحِيحُ) أَيْ فَيُرْفَعُ الذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ هَذَا إذَا تَدَاعَيَا وَمُنَازَعَةُ الْبُلْقِينِيُّ تُفِيدُ أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَ الْمُكَافَأَةِ فِي الْقِصَاصِ وَوُجُوهِ الْإِكْرَامِ فِي الدَّعْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ الْوَالِدُ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ مَعَ عَدَمِ الْمُكَافَأَةِ بَيْنَهُمَا م د.

قَوْلُهُ: (لَيْسَ مِمَّا إلَخْ) لَعَلَّ الْأَوْلَى لَيْسَ مِمَّا لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ النَّظَرُ بِمُؤَخَّرِ الْعَيْنِ) لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (فِي الْقِيَامِ) أَيْ لِخَصْمِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْتَحِقُّ الْقِيَامَ فَقَطْ فَيَتْرُكُ الْقِيَامَ لَهُ مُحَافَظَةً عَلَى التَّسْوِيَةِ ز ي.

قَوْلُهُ: (فَإِمَّا أَنْ يَعْتَذِرَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ جَاءَ فِي خُصُومَةٍ أَوْ يَقُولُ: قَصَدْت الْقِيَامَ لَكُمَا إنْ أَمْكَنَ ق ل.

قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقِيَامِ أَيْ مَنْ تَرَكَهُ لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَإِمَّا أَنْ يَقُومَ لَهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْقِيَامِ لِضَرُورَةِ التَّسْوِيَةِ م ر.

قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهُ) أَيْ مَعَ خَصْمِهِ بَلْ لِخَصْمِهِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي يُقَامُ لَهُ.

قَوْلُهُ: (فِي جَوَابِ سَلَامِهِمَا) وَلَوْ قَرُبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاضِي وَبَعُدَ الْآخَرُ عَنْهُ وَطَلَبَ الْأَوَّلُ مَجِيءَ الْآخَرِ إلَيْهِ وَعَكَسَ الثَّانِي فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الرُّجُوعُ لِلْقَاضِي مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِشَرَفِ أَحَدِهِمَا أَوْ خِسَّتِهِ.

فَإِنْ قُلْت أَمْرُهُ بِنُزُولِ الشَّرِيفِ إلَى الْخَسِيسِ تَحْقِيرٌ لَهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَلْيَتَعَيَّنْ. قُلْت: مَمْنُوعٌ لِأَنَّ قَصْدَ التَّسْوِيَةِ يَنْفِي النَّظَرَ لِذَلِكَ، نَعَمْ لَوْ قِيلَ: الْأَوْلَى ذَلِكَ لَمْ يَبْعُدْ كَذَا فِي التُّحْفَةِ وَيَتَّجِهُ الرُّجُوعُ لِلْقَاضِي أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا وَجَلَسَ الْآخَرُ وَطَلَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُوَافَقَةَ الْآخَرِ مَعَ امْتِنَاعِهِ مِنْهَا شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُرَدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ فَلَا يُقْصَدُ الرَّدُّ عَلَى أَحَدِهِمَا.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا انْتَظَرَ الْآخَرَ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ انْتِظَارِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّ السَّلَامَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَحُصُولُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَأَنَّهُ مِنْهُمَا. وَجَوَابُهُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةَ كِفَايَةٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَعَدُّدُهُ وَدَفْعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَرَى الْآتِي بِهِ لِنَفْسِهِ مَزِيَّةً عَلَى الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ لَهُ: سَلِّمْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا فِي شَرْحِ م ر. مِنْ أَنَّ شَرْطَ رَدِّ السَّلَامِ اتِّصَالُهُ بِهِ كَاتِّصَالِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: اُغْتُفِرَ هَذَا هُنَا لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا قَالَ ع ش عَلَيْهِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ عَلِمَ عَدَمَ

ص: 392

هَذَا الْفَصْلَ لِئَلَّا يَبْطُلَ مَعْنَى التَّسْوِيَةِ. (وَالسَّابِعُ) فِي طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ فَلَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ اخْتَلَفَ بِفَضِيلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا

تَنْبِيهٌ: يُنْدَبُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ وَلَا يَبِيعَ بِنَفْسِهِ لِئَلَّا يَشْتَغِلَ قَلْبُهُ عَمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ. وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحَابِي فَيَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى مَنْ يُحَابِيهِ، إذَا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُكُومَةٌ وَالْمُحَابَاةُ فِيهَا رِشْوَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ، كَيْ لَا يُحَابِيَ أَيْضًا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ وَالْمُعَامَلَةُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً.

(وَلَا يَجُوزُ) لِلْقَاضِي (أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

السَّلَامِ بِالْمَرَّةِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَهُ لَهُ: سَلِّمْ لِأُجِيبَكُمَا أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (فِي طَلَاقَةِ الْوَجْهِ) أَيْ أَوْ عُبُوسَتِهِ م ر.

قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ) : لَوْ قَدَّمَ هَذَا التَّنْبِيهَ أَوْ أَخَّرَهُ عَنْ الْمَتْنِ الْآتِي لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْهَدِيَّةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسَنُّ: تَرْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ الْمَعْرُوفِ فَإِنْ اشْتَرَى بِلَا مُحَابَاةٍ كَانَ الشِّرَاءُ مَكْرُوهًا وَإِنْ كَانَ بِمُحَابَاةٍ فَمَا حُوبِيَ بِهِ يَحْرُمُ قَبُولُهُ لِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ.

قَوْلُهُ: (رِشْوَةٌ) أَيْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ أَوْ تَرْكِ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ، وَقَوْلُهُ: أَنَّ هَدِيَّةً أَيْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ الْإِكْرَامِ.

قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْإِحْدَى الْمَذْكُورَةُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ) شُرُوعٌ فِي بَعْضِ الْآدَابِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِجْمَالِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ تَحْرِيمُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ فَصَّلَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَهْدَى إلَخْ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَحَرُمَ قَبُولُهُ هَدِيَّةَ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ بِهَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَوْ لَهُ عَادَةٌ، وَزَادَ عَلَيْهَا قَدْرًا أَوْ صِفَةً بِقَيْدٍ زِدْته فِيهِمَا فِي مَحَلِّهَا أَيْ وِلَايَتِهِ وَقَبُولِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا هَدِيَّةُ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ اعْتَادَهَا قَبْلَ وِلَايَتِهِ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمُهْدِي خُصُومَةٌ فِي الْحَالِ أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُهَا: عَلَى قُرْبٍ امْتَنَعَ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَمْ لَا كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ لِلْمُهْدِي خُصُومَةٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ امْتَنَعَ قَبُولُهَا أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَمْ لَا. وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ وَزَادَ عَلَيْهَا قَدْرًا أَوْ جِنْسًا أَوْ صِفَةً حَرُمَ قَبُولُهَا أَيْضًا عَلَى تَفْصِيلٍ فِي هَذِهِ يَأْتِي فِي الشَّرْحِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ وَلَمْ يَزِدْ لَا جِنْسًا وَلَا قَدْرًا وَلَا صِفَةً جَازَ قَبُولُهَا وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَأَبْعَاضِ الْقَاضِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَمَا فِي الشَّرْحِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ ضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَاخْتَصَّ صلى الله عليه وسلم بِإِبَاحَةِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مُطْلَقًا وَلَوْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ فَهِيَ حَلَالٌ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّهُ رِشْوَةٌ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِمْ خَوْفًا مِنْ الزَّيْغِ عَنْ الشَّرْعِ وَالْمَيْلِ مَعَ الْهَوَى لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مَرْفُوعًا «مَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إلَيَّ أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْت» أَيْ حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْت بِهِ فِي هَذَا إلَيْكُمْ.

تَنْبِيه: يُنْدَبُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ حَيْثُ لَا شُبْهَةَ قَوِيَّةٌ فِيهَا وَحَيْثُ لَمْ يَظُنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ، أَنَّ الْمُهْدِيَ أَهْدَاهُ حَيَاءً أَوْ فِي مُقَابِلٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْقَبُولُ مُطْلَقًا فِي الْأُولَى وَإِلَّا إذَا أَثَابَهُ بِقَدْرِ مَا فِي ظَنِّهِ بِالْقَرَائِنِ فِي الثَّانِي وَيَنْبَغِي لِلْمُهْدَى إلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي الْهَدِيَّةِ عَقِبَ وُصُولِهَا بِمَا أُهْدِيَتْ لِأَجْلِهِ إظْهَارًا لِكَوْنِ الْهَدِيَّةِ فِي حَيِّزِ الْقَبُولِ وَأَنَّهَا وَقَعَتْ الْمَوْقِعَ وَوَصَلَتْ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَإِشَارَةً إلَى تَوَاصُلِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُهْدَى إلَيْهِ حَتَّى إنَّ مَا أَهْدَاهُ إلَيْهِ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى وَأَغْلَى وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي التَّأَلُّفِ وَنَحْوِهِ. فَالْأَوْلَى فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ مَنْ يَعْتَقِدُ صَلَاحَهُ أَوْ عِلْمَهُ أَوْ يَقْصِدُ جَبْرَ خَاطِرِهِ أَوْ دَفْعَ شَرِّهِ أَوْ نُفُوذَ شَفَاعَتِهِ عِنْدَهُ فِي مُهِمَّاتِ النَّاسِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ صِيغَةٌ بَلْ يَكْفِي الْبَعْثُ وَالْأَخْذُ اهـ.

وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْحُكَّامِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لَهُ خُصُومَةٌ وَكَذَا مِمَّنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ. إنْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْهُ وَإِذَا قَبِلَهَا لَا

ص: 393

وَإِنْ قُلْتَ، فَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّنْ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ (مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ) أَمْ لَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يُهْدِ لَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ الْقَضَاءَ، ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ هَدِيَّةً حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِخَبَرِ:«هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ» وَرُوِيَ «هَدَايَا السُّلْطَانِ سُحْتٌ» ، وَلِأَنَّهَا تَدْعُو إلَى الْمَيْلِ إلَيْهِ، وَيَنْكَسِرُ بِهَا قَلْبُ خَصْمِهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ سَبَبَهَا الْعَمَلُ ظَاهِرًا وَلَا يَمْلِكُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ لَوْ قَبِلَهَا وَيَرُدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ وَضْعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا إلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَرُمَتْ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ ذَكَرَ فِيهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ هَدِيَّةُ أَبْعَاضِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ، وَلَوْ أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

يَمْلِكُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ مَرْفُوعًا «هَدَايَا الْعُمَّالِ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ» بِضَمِّ الْغَيْنِ وَاللَّامِ أَصْلُهُ الْخِيَانَةُ لَكِنَّهُ شَاعَ فِي الْغُلُولِ فِي الْغَنِيمَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إذَا أَهْدَى الْعَامِلُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ شَيْئًا فَقَبِلَهُ فَهُوَ خِيَانَةٌ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَهُمْ وَرَوَى أَبُو يَعْلَى «هَدَايَا الْعُمَّالِ حَرَامٌ كُلُّهَا» قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّ هَدَايَا الْعُمَّالِ تُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا إنْ طَلَبَهَا لَهُ الْإِمَامُ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ فِي الْمُهَذَّبِ رَدَّ هَدِيَّةِ مَنْ كَانَ مَالُهُ حَرَامًا أَوْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اشْتَهَى تُفَّاحًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ فَرَكِبَ فَتَلَقَّاهُ غِلْمَانُ الدَّيْرِ بِأَطْبَاقِ تُفَّاحٍ فَتَنَاوَلَ وَاحِدَةً فَشَمَّهَا ثُمَّ رَدَّهَا فَقِيلَ لَهُ أَلَمْ يَكُنْ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَخَلِيفَتُهُ يَقْبَلُونَ الْهَدِيَّةَ فَقَالَ: إنَّهَا لِأُولَئِكَ هَدِيَّةٌ وَهِيَ لِلْعُمَّالِ بَعْدَهُمْ رِشْوَةٌ اهـ. وَسَائِرُ الْعُمَّالِ مِثْلُهُ فِي نَحْوِ الْهَدِيَّةِ كَمَشَايِخِ الْبُلْدَانِ لَكِنَّهُ أَغْلَظُ م ر وَع ش وَالضِّيَافَةُ وَالْهِبَةُ كَالْهَدِيَّةِ وَكَذَا الصَّدَقَةُ عَلَى الْأَوْجَهِ ز ي وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي مِمَّنْ حَضَرَ ضِيَافَةَ الْأَكْلِ مِنْهَا إلَّا إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْعُمَّالِ وَمِنْهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ إحْضَارِ طَعَامٍ لِشَادِّ الْبَلَدِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُلْتَزِمِ أَوْ الْكَاتِبِ ع ش عَلَى م ر مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ) أَوْ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ سَيُخَاصِمُ وَلَوْ بَعْضَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ م ر خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى هَدِيَّةَ أَبْعَاضِهِ إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُ ز ي وَأَقَرَّهُ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْهَدِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْمُهْدِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَا فِي مَحَلِّ الْوِلَايَةِ أَوْ خَارِجَهَا أَوْ الْقَاضِي دَاخِلًا وَالْمُهْدِي خَارِجًا أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَذِهِ أَرْبَعُ صُوَرٍ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى عَادَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ أَوْ لَا وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ خُصُومَةٌ أَوْ لَا فَهَذِهِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً وَكُلُّهَا حَرَامٌ، إلَّا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْ فِيهَا، وَلَمْ يَزِدْ الْمُهْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ فِيهِمَا فَقَدْ صَرَّحَ سم: بِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَا تَحْرُمُ قَرَّرَهُ: شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَمْ لَا) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ لَيْسَ قَيْدًا كَمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَوْ لَا وَلَكِنْ يُقَيَّدُ الثَّانِي بِمَا إذَا أَهْدَى لِلْقَاضِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِلَّا بِأَنْ ذَهَبَ الْقَاضِي إلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ فَأَهْدَى لَهُ جَازَ قَبُولُهَا وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ: ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْكَلَامِ.

قَوْلُهُ: (حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا) جَوَابُ إنْ وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ إذَا كَانَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْإِطْلَاقَ وَقَوْلُهُ: فَلِخَبَرِ هَدَايَا إلَخْ. فِيهِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَدُلَّ الْحَدِيثُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ أَيْ مَنْ لَا عَادَةَ لَهُ أَوْ لَهُ عَادَةٌ وَزَادَ عَلَيْهَا.

قَوْلُهُ: (سُحْتٌ) بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي تَخْفِيفٌ وَهُوَ كُلُّ مَالٍ حَرَامٍ لَا يَحِلُّ كَسْبُهُ وَلَا أَكْلُهُ. اهـ. مِصْبَاحٌ. وَسُمِّيَ سُحْتًا لِأَنَّهُ يُسْحِتُ أَيْ يُذْهِبُ الْبَرَكَةَ.

قَوْلُهُ: (السُّلْطَانِ) الْمُرَاد بِهِ مَا يَشْمَلُ نُوَّابَهُ كَالْقَاضِي قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ الْهَدَايَا لَهُ صلى الله عليه وسلم لِعِصْمَتِهِ وَفِي خَبَرِ أَنَّهَا أُحِلَّتْ لِمُعَاذٍ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُهْدِي.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ الرَّدُّ. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهَا) أَيْ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ عَمَلِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا أَفْرَدَ ذَلِكَ بِالذِّكْرِ، لِلْخِلَافِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَوْ أَتَى بِهَا بِنَفْسِهِ لِلْقَاضِي حَرُمَ قَبُولُهَا أَيْضًا لَكِنْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، بِخِلَافِ الَّذِي فِي الشَّرْحِ.

قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى) فِي

ص: 394

وَكَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ جَازَ لَهُ قَبُولُهَا إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ بِقَدْرِ الْعَادَةِ السَّابِقَةِ. وَالْأَوْلَى إذَا قَبِلَهَا أَنْ يَرُدَّهَا أَوْ يُثِيبَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ أَمَّا إذَا زَادَتْ عَلَى الْعَادَةِ، فَكَمَا لَوْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْهُ ذَلِكَ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّتُهُ: تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ. لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُهَذَّبِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ جَازَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَأْلُوفِ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الذَّخَائِرِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الزِّيَادَةُ أَيْ بِجِنْسٍ أَوْ قَدْرٍ حَرُمَ قَبُولُ الْجَمِيعِ وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ فَقَطْ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنْ زَادَتْ فِي الْمَعْنَى، كَأَنْ أَهْدَى مَنْ عَادَتُهُ قُطْنٌ حَرِيرًا هَلْ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ يَصِحُّ مِنْهَا بِقَدْرِ الْمُعْتَادِ فِيهِ نَظَرٌ، اسْتَظْهَرَ الْإِسْنَوِيُّ الْأَوَّلَ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقْعٌ، وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِهَا وَالضِّيَافَةُ وَالْهِبَةُ كَالْهَدِيَّةِ وَالْعَارِيَّةِ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَحُكْمُهَا كَالْهَدِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا أَنَّ الصَّدَقَةَ كَالْهَدِيَّةِ، وَأَنَّ الزَّكَاةَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَمَا بَحَثَهُ ظَاهِرٌ وَقَبُولُ الرِّشْوَةِ حَرَامٌ وَهِيَ مَا يُبْذَلُ لِلْقَاضِي لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

م ر وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا امْتَنَعَ بِسَبَبِ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ.

قَوْلُهُ: (هَدِيَّةُ أَبْعَاضِهِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ لِلْقَاضِي كَأَبِيهِ وَابْنِهِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَ يُهْدَى إلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ مَرَّةً. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى إذَا قَبِلَهَا أَنْ يَرُدَّهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَرُدَّهَا أَوْ يُثِيبَ عَلَيْهَا إذَا قَبِلَهَا لِأَنَّ الْقَبُولَ قَيْدٌ فِي الْإِثَابَةِ فَقَطْ لَا فِي الرَّدِّ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّهَا لَا يَكُونُ قَابِلًا لَهَا. قَوْلُهُ: (لَكِنْ قَالَ الرُّويَانِيُّ: إلَخْ) قَوْلٌ ثَانٍ وَكَلَامُ الذَّخَائِرِ ثَالِثٌ وَمَا قَبْلَهُمَا أَوَّلُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. الْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الذَّخَائِرِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ الْمُهَذَّبِ) كَذَا فِي خَطِّهِ وَصَوَابُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الرُّويَانِيَّ أَقْدَمُ مِنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ. وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّ الْمُهْدِيَ إنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ بَعْدَ الْمَنْصِبِ فَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ ثَلَاثٌ: الْأَوَّلُ تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْجِنْسِ جَازَ قَبُولُ الْجَمِيعِ. وَالثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ تَتَمَيَّزَ الزِّيَادَةُ جِنْسًا أَوْ قَدْرًا فَتَحْرُمُ وَحْدَهَا أَوْ لَا تَتَمَيَّزُ فَيَحْرُمُ الْجَمِيعُ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ تَغْيِيرِ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يُهَادِيَ بِالْقُطْنِ فَهَادَاهُ بَعْدَ الْمَنْصِبِ بِالْحَرِيرِ فَهَلْ يَحْرُمُ الْجَمِيعُ أَوْ مُقَابِلُ مَا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الْقُطْنِ مِنْ الْحَرِيرِ احْتِمَالَانِ رَجَحَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْهُمَا الْأَوَّلَ وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقْعٌ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَأْلُوفِ) أَيْ فِي الْهَدِيَّةِ وَقَوْلُهُ: وَفِي الذَّخَائِرِ رَدٌّ لِكَلَامِ الرُّويَانِيِّ.

قَوْلُهُ: (أَيْ بِجِنْسٍ) وَمِثَالُ تَمَيُّزِ الزِّيَادَةِ بِالْجِنْسِ أَنْ يُهْدِيَ لَهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ وَإِرْدَبَّ أَرُزٍّ مَنْ كَانَ يُهْدِي لَهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ فَقَطْ وَمِثَالُ تَمَيُّزِهَا بِالْقَدْرِ أَنْ يُهْدِيَ إلَيْهِ إرْدَبَّيْ قَمْحٍ مَنْ كَانَ يُهْدِي لَهُ إرْدَبًّا فَقَطْ قَالَ ق ل وَحَاصِلُهُ: إنَّهُ إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ بِقَدْرِ مَا كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً جَازَ قَبُولُهَا وَإِلَّا فَيَحْرُمُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُتَمَيِّزَةً بِصِفَةٍ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ إرْدَبَّ قَمْحٍ رَدِيئًا فَأَهْدَى لَهُ أَعْلَى.

قَوْلُهُ: (فِي الْمَعْنَى) أَيْ لَا فِي الْجِنْسِ وَهَذَا هُوَ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الذَّخَائِرِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِأَجْلِ الْخِلَافِ.

قَوْلُهُ: (كَالْهَدِيَّةِ) فَيَفْصِلُ بَيْنَ مِنْ عَادَتِهِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَنْ لَا.

قَوْلُهُ: (وَالْعَارِيَّةُ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ) كَسُكْنَى دَارٍ وَرُكُوبِ دَابَّةٍ.

قَوْلُهُ: (الرِّشْوَةِ) . بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ م ر. قَوْلُهُ: (لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ رَشَا لِيَحْكُمَ بِالْحَقِّ جَازَ الدَّفْعُ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أُعْطِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ لَا وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ لُقَيْمَةَ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ مَا حَاصِلُهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ أَمْ لَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ إلَى جَوَازِ أَخْذِ الْقَاضِي الْأُجْرَةَ عَلَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ شَغَلَهُ الْحُكْمُ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ، وَكَرِهَهُ طَائِفَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ مِنْهُمْ مَسْرُوقٌ وَرَخَّصَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي فَقِيرًا فَالْأَفْضَلُ بَلْ الْوَاجِبُ أَخْذُ كِفَايَتِهِ وَإِذَا كَانَ غَنِيًّا فَالْأَفْضَلُ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَخْذِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِفْقًا بِبَيْتِ الْمَالِ. وَقِيلَ: الْأَخْذُ هُوَ الْأَصَحُّ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ الْهَوَانِ، وَنَظَرًا لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ وَيَأْخُذُ بَقِيَّةَ الْكِفَايَةِ لَهُ وَلِعِيَالِهِ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا يُعْجِبُنِي وَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِثْلُ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِجَوْرٍ أَوْ بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ وَأَخْطَأَ فَالْإِثْمُ سَاقِطٌ، وَالضَّمَانُ لَازِمٌ فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي قَتْلٍ فَالدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَعَلَى

ص: 395

لِيَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَذَلِكَ لِخَبَرِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» .

فُرُوعٌ: لَيْسَ لِلْقَاضِي حُضُورُ وَلِيمَةِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَالَةَ الْخُصُومَةِ، وَلَا حُضُورُهُ وَلِيمَتِهِمَا. وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، لِخَوْفِ الْمَيْلِ وَلَهُ تَخْصِيصُ إجَابَةِ مَنْ اعْتَادَ تَخْصِيصَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَيُنْدَبُ لَهُ إجَابَةُ غَيْرِ الْخَصْمَيْنِ إنْ عَمَّمَ الْمُولِمُ النِّدَاءَ لَهَا وَلَمْ يَقْطَعْهُ كَثْرَةُ الْوَلَائِمِ عَنْ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَيَتْرُكُ الْجَمِيعَ، وَلَا يُضِيفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَا يَلْتَحِقُ فِيمَا ذُكِرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ وَمُعَلِّمُو الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَشْفَعَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، وَيَزِنَ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمَا وَأَنْ يُعِيدَ الْمَرْضَى، وَيَشْهَدَ الْجَنَائِزَ وَيَزُورَ الْقَادِمِينَ، وَلَوْ كَانُوا مُتَخَاصِمِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ.

(وَيَجْتَنِبُ الْقَاضِي الْقَضَاءَ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ (فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ) وَأَهْمَلَ مَوَاضِعَ كَمَا سَتَعْرِفُهَا. وَضَابِطُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُكْرَهُ لِلْقَاضِي الْقَضَاءُ فِيهَا كُلُّ حَالٍ يَتَغَيَّرُ فِيهَا خُلُقُهُ وَكَمَالُ عَقْلِهِ: الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ (عِنْدَ الْغَضَبِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لَا. وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ. (وَ) الثَّانِي عِنْدَ (الْجُوعِ وَ) الثَّالِثُ عِنْدَ (الْعَطَشِ) الْمُفْرِطَيْنِ وَكَذَا عِنْدَ الشِّبَعِ الْمُفْرِطِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ (وَ) الرَّابِعُ عِنْدَ (شِدَّةِ الشَّهْوَةِ) أَيْ التَّوَقَانِ إلَى النِّكَاحِ. (وَ) الْخَامِسُ عِنْدَ (الْحُزْنِ) الْمُفْرِطِ فِي مُصِيبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. (وَ) السَّادِسُ عِنْدَ (الْفَرَحِ الْمُفْرِطِ) وَلَوْ قَالَ الْمُفْرِطَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْحُزْنِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ.

(وَ) السَّابِعُ عِنْدَ (الْمَرَضِ) الْمُؤْلِمِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَ) الثَّامِنُ مِنْ (مُدَافَعَةِ) أَحَدِ (الْأَخْبَثَيْنِ) أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَلَوْ ذَكَرَ أَحَدٌ كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِإِفَادَةِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ وَكَرَاهَتِهِ عِنْدَ مُدَافَعَتِهِمْ بِالْأَوْلَى وَكَذَا يُكْرَهُ عِنْدَ مُدَافَعَةِ الرِّيحِ. كَمَا ذَكَرَهُ الدَّمِيرِيُّ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ (وَ) التَّاسِعُ عِنْدَ (النُّعَاسِ) أَيْ غَلَبَتِهِ كَمَا قُيِّدَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ (وَ) الْعَاشِرُ عِنْدَ شِدَّةِ (الْحَرِّ وَ) شِدَّةِ (الْبَرْدِ) وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْخَوْفِ الْمُزْعِجِ، وَعِنْدَ الْمَلَالِ وَقَدْ جَزَمَ بِهِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنَّمَا كُرِهَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَاقِلَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ مُلَخَّصًا.

قَوْلُهُ: (تَخْصِيصُ إجَابَةِ مَنْ اعْتَادَ إلَخْ) أَيْ وَيُفَصَّلُ فِيهَا كَمَا يُفَصَّلُ فِي الْهَدِيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَتَمَيَّزْ الضِّيَافَةُ بِشَيْءٍ عَلَى الْعَادَةِ السَّابِقَةِ حَلَّ ذَلِكَ وَإِلَّا حَرَامٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْتَحِقُ فِيمَا ذُكِرَ إلَخْ) الْعِبَارَةُ فِيهَا حَذْفٌ أَيْ لَا يَلْتَحِقُ بِالْقَاضِي فِيمَا ذَكَرَ الْمُفْتِي إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَمُعَلَّمِي الْقُرْآنِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَفِي بَعْضِهَا وَمُعَلِّمُو الْقُرْآنِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَشْفَعَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ) أَيْ عِنْدَ خَصْمِهِ بِالصَّبْرِ مُدَّةً مَثَلًا فَالْمُرَادُ بِالْأَحَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي سَامِحْهُ مِنْ بَعْضِ الْحَقِّ، أَوْ كُلِّهِ لِوَجْهِ اللَّهِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ وَيَزِنُ أَيْ يَدْفَعُ عَنْهُ مَا عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَوْزُونًا أَوْ مَكِيلًا.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَنْفَعُهُمَا) أَيْ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَالنَّفْعُ فِيهَا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَطْ. وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي الْأُولَى يَنْتَفِعُ بِالثَّوَابِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لَا) رَدٌّ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَ الْغَضَبُ لَا كَرَاهَةَ، وَفِي الْخَصَائِصِ وَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءُ فِي حَالِ الْغَضَبِ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الْغَضَبِ مَا يُخَافُ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ غَضَبَهُ لِلَّهِ لَا لِحَظِّ نَفْسِهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْحُكْمِ لَهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَتَعْلِيلُهُ: بِأَنَّهُ مَعْصُومٌ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلَ وَيُحْكَمَ عَلَى عَدُوِّهِ لِعُمُومِ عِصْمَتِهِ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا جَازَ لِسَامِعِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَلَى فُلَانٍ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْإِقْرَارُ مِنْهُ لِعِصْمَةِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الرُّويَانِيِّ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ وَتَبِعُوهُ وَكَانَ لَهُ قَتْلُ مَنْ اتَّهَمَهُ بِالزِّنَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ دِحْيَةَ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَقْصُودَ) الْأَوْلَى لِأَنَّ السَّبَبَ وَقَوْلُهُ: وَمُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ لَوْ قَالَ: وَمُدَافَعَةُ الْحَدَثِ لَكَانَ أَخْصَرَ.

قَوْلُهُ: (كَمَا قُيِّدَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْقَيْدِ أَوْ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ

ص: 396

الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِتَغَيُّرِ الْعَقْلِ وَالْخُلُقِ فِيهَا فَلَوْ خَالَفَ وَقَضَى فِيهَا، نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِقِصَّةِ زُبَيْرٍ الْمَشْهُورَةِ.

وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَحْكُمُ لِرَقِيقِهِ، وَلَا لِشَرِيكِهِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لِلتُّهْمَةِ. وَيَحْكُمُ لِلْقَاضِي وَلِمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ أَوْ نَائِبُهُ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَهُ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ أَوْ عَلَى يَمِينِهِ فِي صُورَةِ النُّكُولِ أَوْ سَأَلَ الْحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْإِشْهَادَ بِهِ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَلَا يَسْأَلُ) الْقَاضِي (الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) الْجَوَابَ: أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ (إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الدَّعْوَى) الصَّحِيحَةِ.

وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ كُلِّ دَعْوَى سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِدَمٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَغَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ سِتَّةُ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً غَالِبًا بِأَنْ يُفَصِّلَ الْمُدَّعِي مَا يَدَّعِيهِ كَقَوْلِهِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً إفْرَادًا أَوْ شَرِكَةً، فَإِنْ أَطْلَقَ مَا يَدَّعِيهِ كَقَوْلِهِ: هَذَا قَتَلَ ابْنِي يُسَنُّ لِلْقَاضِي اسْتِفْصَالُهُ عَمَّا ذُكِرَ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مُلْزَمَةً فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى هِبَةِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي وَقَبَضْته بِإِذْنِ الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُقِرَّ التَّسْلِيمُ. وَالثَّالِثُ أَنْ يُعَيِّنَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: قَتَلَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِإِبْهَامِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرَ حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ مُكَلَّفًا وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى حَرْبِيٍّ لَا أَمَانَ لَهُ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا دَعْوَى عَلَيْهِمْ. وَالسَّادِسُ أَنْ لَا تُنَاقِضَهَا دَعْوَى أُخْرَى فَلَوْ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ إفْرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ شَرِكَةً أَوْ انْفِرَادًا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى الثَّانِيَةُ لِأَنَّ الْأُولَى تُكَذِّبُهَا نَعَمْ إنْ صَدَّقَهُ الْآخَرُ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارٍ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْعَوْدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَلَالُ) أَيْ السَّآمَةُ وَالتَّعَبُ قَوْلُهُ: (لِقِصَّةِ زُبَيْرٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الزُّبَيْرُ أَيْ حَيْثُ قَالَ خَصْمُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك " أَيْ أَمَرْتَ بِسَقْيِ أَرْضِهِ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ ابْنَ عَمَّتِك فَتَغَيَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَنْ بِالْفَتْحِ عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ) عِبَارَةُ الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا وَيَقْضِي لِنَفْسِهِ وَلِوُلْدِهِ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ فُرُوعِهِ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ لِلرِّيبَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ قَطْعًا وَإِنْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ أَيْ فُرُوعِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ سَأَلَ الْحُكْمَ إلَخْ) وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِ السُّؤَالِ بِالْحُكْمِ مَا لَوْ سَأَلَهُ: أَنْ يَكْتُبَ لَهُ فِي قِرْطَاسٍ مَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَيُسَمَّى مَحْضَرًا وَأَنْ يَكْتُبَ سِجِلًّا بِمَا جَرَى مَعَ الْحُكْمِ بِهِ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُ إجَابَتُهُ، بَلْ يُسَنُّ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِحُجَّتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ كَالْإِشْهَادِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تُثْبِتُ حَقًّا بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: وَالْإِشْهَادُ بِهِ أَيْ بِالْحُكْمِ.

قَوْلُهُ: (سِتَّةُ شُرُوطٍ) نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:

لِكُلِّ دَعْوَى شُرُوطٌ سِتَّةٌ جُمِعَتْ

تَفْصِيلُهَا مَعَ إلْزَامٍ وَتَعْيِينِ

أَنْ لَا يُنَاقِضَهَا دَعْوَى تُغَايِرُهَا

تَكْلِيفُ كُلٍّ وَنَفْيُ الْحَرْبِ لِلدِّينِ

قَوْلُهُ: (غَالِبًا) وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ أَنْ لَا تَكُونَ مَعْلُومَةً كَالدَّعْوَى بِالْمُتْعَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِقْرَارِ بِمَجْهُولٍ وَالرَّضْخِ فِي الْغَنِيمَةِ. قَوْلُهُ: (يُسَنُّ لِلْقَاضِي اسْتِفْصَالُهُ) أَيْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهَلْ لَهُ رَدُّهُ أَمْ لَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْخَلِيفِيُّ أَنَّ لَهُ رَدَّهُ أَخْذًا مِنْ التَّعْبِيرِ يُسَنُّ وَإِنْ عَادَ وَفَصَّلَ الدَّعْوَى سُمِعَتْ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَقَبَضْته) أَيْ فِي صُورَةِ الْهِبَةِ وَقَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَيْ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا التَّسْلِيمُ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِكَوْنِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ مُؤَجَّلًا وَكَوْنِ الْمُقِرِّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ.

قَوْلُهُ: (مُكَلَّفًا) خَبَرٌ ثَانٍ لِيَكُونَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا دَعْوَى عَلَيْهِمْ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَإِلَّا سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَمِثْلُهُمَا الْغَائِبُ وَالْمَيِّتُ وَيَحْلِفُ مَعَ الْبَيِّنَةِ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ.

قَوْلُهُ: (وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ) لَا فَائِدَةَ لِاسْتِمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بَعْدَ مُؤَاخَذَتِهِ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَالْأَوْلَى حَذْفُ

ص: 397

إلَى الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُكَذِّبُهَا. (وَلَا يُحَلِّفُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (إلَّا بَعْدَ سُؤَالٍ) أَيْ طَلَبِ (الْمُدَّعِي) تَحْلِيفَهُ، فَلَوْ حَلَّفَهُ قَبْلَ طَلَبِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فَعَلَى هَذَا يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي حَلِّفْهُ وَإِلَّا فَاقْطَعْ طَلَبَك عَنْهُ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ وَلَوْ حَلَفَ بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي وَقَبْلَ إحْلَافِ الْقَاضِي لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ اهـ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (وَلَا يُلَقِّنُ خَصْمًا) مِنْهُمَا (حُجَّةً) يَسْتَظْهِرُ بِهَا عَلَى خَصْمِهِ أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِإِضْرَارِهِ بِهِ. (وَلَا يُفْهِمُهُ) أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا (كَلَامًا) يَعْرِفُ بِهِ كَيْفِيَّةَ الدَّعْوَى وَكَيْفِيَّةَ الْجَوَابِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ لِمَا مَرَّ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْخَصْمِ فِي كَلَامِهِ الشَّاهِدُ فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي تَعْرِيفُهُ كَيْفِيَّةَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ. كَمَا صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ الرُّويَانِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ فِي ادِّعَائِهِ الْمَنْعَ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ مِنْ مَنْعِ التَّلْقِينِ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ الشَّهَادَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. (وَلَا يَتَعَنَّتُ بِالشُّهَدَاءِ) أَيْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ كَأَنْ يَقُولَ لَهُمْ: لِمَ شَهِدْتُمْ وَمَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَرُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى تَرْكِهِمْ الشَّهَادَةَ فَيَتَضَرَّرُ الْخَصْمُ الْمَشْهُودُ لَهُ بِذَلِكَ. (وَلَا يَقْبَلُ) الْقَاضِي (الشَّهَادَةَ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَةَ الشَّاهِدِ (إلَّا مِمَّنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ) عِنْدَ حَاكِمٍ سَوَاءٌ أَطَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ أَمْ سَكَتَ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِشَهَادَةٍ تَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ. وَالتَّعْدِيلُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْعَدَالَةِ فِي فَصْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ. فَإِذَا ثَبَتَتْ عَدَالَةُ الشَّاهِدِ ثُمَّ شَهِدَ فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ وَلَا يَطْلُبُ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا وَإِنْ طَالَ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا يَطْلُبُ تَعْدِيلَهُ ثَانِيًا لِأَنَّ طُولَ الزَّمَانِ يُغَيِّرُ الْأَحْوَالَ ثُمَّ يَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ فِي طُولِهِ وَقِصَرِهِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْخَادِمِ إنَّ الْخِلَافَ فِي الطُّولِ فِي غَيْرِ الشُّهُودِ الْمُرَتَّبِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَمَّا هُمْ فَلَا يَجِبُ طَلَبُ التَّعْدِيلِ قَطْعًا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ وَقَالَ فِي الْعِدَّةِ: إذَا اسْتَفَاضَ فِسْقُ الشَّاهِدَيْنِ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ.

(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ) لِحَدِيثِ: «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: وَتُسْمَعُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (إلَّا بَعْدَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ) لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْيَمِينِ لَهُ. فَاحْتِيجَ لِإِذْنِهِ فَإِنْ حَلَّفَهُ قَبْلَ سُؤَالِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَهُ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالشَّاهِدَ مَعَ الْيَمِينِ وَلَوْ قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي وَأَطْلَقَ أَوْ أَرَادَ لَا حَاضِرَةَ، وَلَا غَائِبَةَ. أَوْ كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا بَاطِلَةٌ أَوْ كَاذِبَةٌ أَوْ زُورٌ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ قُبِلَتْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَعْرِفْ أَوْ نَسِيَ ثُمَّ عَرَفَ أَوْ تَذَكَّرَ. وَلَوْ قَالَ: شُهُودِي فَسَقَةٌ وَعَبِيدٌ، ثُمَّ جَاءَ بِعُدُولٍ. فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا سم. قَوْلُهُ:(وَلَوْ حَلَفَ إلَخْ) هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ اشْتِرَاطُ تَحْلِيفِ الْقَاضِي أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ إحْلَافِ الْقَاضِي) فِي الْمِصْبَاحِ أَحْلَفْتُهُ إحْلَافًا وَحَلَّفْته تَحْلِيفًا اهـ. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ إحْلَافَ لَمْ يَرِدْ.

قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى كَوْنِهِ لَا يَحْلِفُهُ إلَّا بَعْدَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي قَوْلُهُ: (وَالْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ بِالنُّكُولِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُلَقِّنُ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ قُلْ: كَذَا وَكَذَا وَهَذَا لَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ الْآتِي: وَلَا يُفْهِمُهُ كَلَامًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: كَيْفِيَّةُ الدَّعْوَى كَذَا وَكَذَا. وَكَيْفِيَّةُ الْجَوَابِ كَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلَقِّنَهُ عِنْدَ الدَّعْوَى فَالْإِفْهَامُ سَابِقٌ عَلَى الدَّعْوَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (يَسْتَظْهِرُ) أَيْ يَغْلِبُ وَيَتَعَالَى بِهَا عَلَى خَصْمِهِ أَوْ يَسْتَعِينُ.

قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِإِضْرَارِهِ بِخَصْمِهِ.

قَوْلُهُ: (كَيْفِيَّةُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: كَيْفِيَّةُ الشَّهَادَةِ أَنْ تَأْتِيَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتَأْتِيَ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَجْرُورًا بِعَلَى وَبِالْمَشْهُودِ لَهُ مَجْرُورًا بِاللَّامِ بِخِلَافِ التَّلْقِينِ. فَإِنَّهُ يَقُولُهُ لَهُ: قُلْ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانِ عَلَى فُلَانٍ كَذَا شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (لِمَ شَهِدْتُمْ) أَيْ لِأُجْرَةٍ أَوْ حِسْبَةٍ. فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَعَنُّتًا بَلْ التَّعَنُّتُ أَنْ يَقُولَ: فِي أَيِّ زَمَانٍ فِي أَيِّ مَكَان مَثَلًا وَأَنْ يَقُولَ: فِي شَهَادَةِ الْقَتْلِ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ أَوْ سَهْمٍ وَفِي أَيِّ مَكَان وَفِي أَيِّ زَمَانٍ وَقَوْلُهُ: وَمَا وَكَيْفَ تَحَمَّلْتُمْ وَقَوْلُهُ: يُؤَدِّي أَيْ التَّعَنُّتَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ)

ص: 398

بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْغِمْرُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْغِلُّ وَالْحِقْدُ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التُّهْمَةِ.

تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْعَدَاوَةِ الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الظَّاهِرَةُ لِأَنَّ الْبَاطِنَةَ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ، وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«سَيَأْتِي قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إخْوَانُ الْعَلَانِيَةِ أَعْدَاءُ السَّرِيرَةِ» بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لَهُ إذْ لَا تُهْمَةَ وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأَعْدَاءُ، وَعَدُوُّ الشَّخْصِ مَنْ يَحْزَنُ لِفَرَحِهِ، وَيَفْرَحُ لِحُزْنِهِ. وَقَدْ تَكُونُ الْعَدَاوَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَخْتَصُّ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ عَلَى الْآخَرِ. وَلَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُهَا بَلْ يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَيْهَا مِنْ الْمُخَاصَمَةِ وَنَحْوِهَا. كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ نَاقِلًا لَهُ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ أَمَّا الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ فَلَا تُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ فَتُقْبَلُ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ.

وَشَهَادَةُ السُّنِّيِّ عَلَى الْمُبْتَدِعِ، وَتُقْبَلُ مِنْ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ، كَمُنْكَرِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ أَفْعَالَ عِبَادِهِ، وَجَوَازِ رُؤْيَتِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى مَيِّتٍ بِحَقٍّ فَيُقِيمَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُمَا عَدُوَّانِ لَهُ، فَلَا يُقْبَلَانِ عَلَيْهِ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ لِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ لِمِلْكِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَأَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَيِّتُ شَرْحُ م ر. وَلَا تَتَقَيَّدُ الْعَدَاوَةُ بِزَمَنٍ فَلَوْ بَالَغَ فِي مُخَاصَمَةِ شَخْصٍ عِنْدَ إرَادَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَثَلًا فَرَدَّ عَلَيْهِ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قُبِلَتْ، وَلَا تَتَقَيَّدُ بِشَخْصٍ أَيْضًا فَقَاطِعُ الطَّرِيقِ عَدُوٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ ق ل.

قَوْلُهُ: (عَلَى عَدُوِّهِ) أَمَّا لَهُ فَتُقْبَلُ مَا لَمْ تُفْضِ الْعَدَاوَةُ إلَى الْفِسْقِ فَإِنْ أَدَّتْهُ إلَى أَنْ يَسْرِقَ، أَوْ يَقْذِفَهُ. اقْتَضَتْ مَنْعَ الشَّهَادَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْعَدَاوَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مُنِعَتْ شَهَادَةُ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جَانِبٍ اخْتَصَّ مَنْعُ الشَّهَادَةِ بِالْعَدُوِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ مِنْهُ لِلْآخَرِ وَعَلَيْهِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ هَذَا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ فِي الشَّهَادَاتِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَا يَتَعَنَّتُ بِالشُّهَدَاءِ.

قَوْلُهُ: (ذِي غِمْرٍ) أَيْ ذِي حِقْدٍ.

قَوْلُهُ: (بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْغِلُّ) وَبِالْفَتْحِ الْمَالُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَغْمُرُك أَيْ يَسْتُرُك وَبِالضَّمِّ الرَّجُلُ الْجَافِي.

قَوْلُهُ: (الظَّاهِرَةُ) وَيَكْتَفِي بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا كَالْمُخَاصَمَةِ، اكْتِفَاءً بِالْمَظِنَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بِأَنَّ الْعَدَاوَةَ هِيَ الَّتِي تُفْضِي إلَى التَّعَدِّي بِالْأَفْعَالِ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْعَدَاوَةُ الْكَامِنَةُ فِي الْقَلْبِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ:(وَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ) غَرَضُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ الْبَاطِنَةَ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا إخْوَانَ الْعَلَانِيَةِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ عَلَى الْعَدَاوَةِ الْبَاطِنَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ عَشْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (إخْوَانَ الْعَلَانِيَةِ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي وَكَذَا مَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (وَالْفَضْلُ) هَذَا عَجُزُ بَيْتٍ وَأَوَّلُهُ.

وَمَلِيحَةٌ شَهِدَتْ لَهَا ضَرَّاتُهَا

قَوْلُهُ: (وَقَدْ تَكُونُ إلَخْ) وَقَدْ تُفْضِي الْعَدَاوَةُ إلَى الْفِسْقِ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى قَاذِفِهِ، وَلَوْ قُبِلَ طَلَبُ الْحَدِّ لِظُهُورِ الْعَدَاوَةِ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَقَذَفَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، لَمْ يُؤَثِّرْ فَيَحْكُمُ بِهَا الْحَاكِمُ وَلَوْ عَادَى مَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي خِصَامِهِ وَلَمْ يُجِبْهُ ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. لِئَلَّا يَتَّخِذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى رَدِّهَا سم.

وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ شَخْصًا عَلِمَ أَنَّ شَخْصًا يَشْهَدُ عَلَيْهِ فَعَادَاهُ وَخَاصَمَهُ، وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَأَثَّرْ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةٍ لِلْمُخَاصِمِ لَهُ. ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ ظُهُورُهَا) هَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ: الظَّاهِرَةُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَذَا غَيْرَ ذَلِكَ بِأَنْ يُرَادَ ظُهُورُ آثَارِهَا كَفَرَحِهِ بِحُزْنِهِ وَعَكْسِهِ. فَالْمُرَادُ بِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ الظُّهُورُ وَلَوْ بِاعْتِبَارِ أَمَارَاتِهَا كَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا ظُهُورُهَا فِي نَفْسِهَا لِأَنَّهَا خَفِيَّةٌ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ.

قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ مِنْ مُبْتَدِعٍ) فِيهِ أَنَّهُ فَاسِقٌ بِبِدْعَتِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: شُبْهَتُهُ فِيهَا وَهُوَ تَأْوِيلُهُ تَمْنَعُ فِسْقَهُ.

وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِلْعَدَالَةِ: خَمْسُ شَرَائِطَ وَالْمُرَادُ بِهَا أَيْ بِالْكَبَائِرِ غَيْرِ الْكَبَائِرِ الِاعْتِقَادِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبِدَعُ، فَإِنَّ الرَّاجِحَ قَبُولُ شَهَادَةِ أَهْلِهَا مَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَتُقْبَلُ مِنْ مُبْتَدِعٍ أَيْ إنْ لَمْ يَدْعُ النَّاسَ لِبِدْعَتِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ. وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (صِفَاتِ اللَّهِ) أَيْ الْمَعَانِي لِأَنَّ نَافِيَ الْمَعْنَوِيَّةِ يُكَفَّرُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِإِنْكَارِ الْمَعَانِي إنْكَارُ زِيَادَتِهَا عَلَى الذَّاتِ كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُ قَادِرٌ بِذَاتِهَا لَا بِصِفَةٍ زَائِدَةٍ. كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ: وَكَيْفَ يُكَفَّرُ مُنْكِرُ الْمَعْنَوِيَّةِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْأَحْوَالِ، وَالْحَقُّ: أَنْ لَا حَالَ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِهَا ثُبُوتُ

ص: 399

يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مُصِيبُونَ فِي ذَلِكَ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ مَنْ نُكَفِّرُهُ بِبِدْعَتِهِ كَمُنْكَرِي حُدُوثِ الْعَالَمِ وَالْبَعْثِ وَالْحَشْرِ لِلْأَجْسَامِ وَعِلْمِ اللَّهِ بِالْمَعْدُومِ، وَبِالْجُزْئِيَّاتِ لِإِنْكَارِهِمْ مَا عُلِمَ مَجِيءُ الرَّسُولِ بِهِ ضَرُورَةً فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْعُو النَّاسَ إلَى بِدْعَتِهِ كَمَا لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ بَلْ أَوْلَى وَلَا شَهَادَةَ خَطَّابِيٍّ لِمِثْلِهِ. إنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مَا يَنْفِي احْتِمَالَ اعْتِمَادِهِ عَلَى قَوْلِ الْمَشْهُودِ لَهُ، لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ، فَإِنَّ فِيهَا ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: رَأَيْت أَوْ سَمِعْت أَوْ شَهِدَ لِمُخَالِفِهِ قُبِلَتْ لِزَوَالِ الْمَانِعِ.

(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ وَالِدٍ) وَإِنْ عَلَا (لِوَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ (وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (وَلَدٍ) وَإِنْ سَفَلَ (لِوَالِدِهِ) وَإِنْ عَلَا لِلتُّهْمَةِ. وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ لِبَعْضِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ قَبُولَ شَهَادَةِ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ وَعَكْسُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ عَدَاوَةٌ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَإِذَا شَهِدَ بِحَقٍّ لِفَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ لَهُ وَأَجْنَبِيٍّ كَأَنْ شَهِدَ بِرَقِيقٍ لَهُمَا قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا عَقْدٌ يَطْرَأُ وَيَزُولُ نَعَمْ لَوْ شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ،

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَضْدَادِهَا وَهُوَ كُفْرٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْحَالِ نَفْيُ الصِّفَاتِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْمَنْفِيَّةَ الْأَكْوَانِ أَيْ كَوْنَهُ قَادِرًا وَكَوْنَهُ مُرِيدًا إلَى آخِرِهَا، وَأَمَّا الصِّفَاتُ: وَهُوَ قَادِرٌ، مُرِيدٌ، سَمِيعٌ، إلَى آخِرِهَا فَلَمْ يُنْكِرْهَا نَافِي الْأَحْوَالِ قَوْلُهُ:(وَجَوَازُ رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .

فَإِنْ قُلْت: قَوْله تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22]{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] يَدُلُّ عَلَى رُؤْيَتِهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُنْكِرُهَا غَيْرَ كَافِرٍ. فَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى عَنْ الزَّمَخْشَرِيِّ: بِأَنَّ إلَى مُفْرَدُ آلَاءٍ وَهِيَ النِّعَمُ فَإِلَى رَبِّهَا بِمَعْنَى نِعْمَةِ رَبِّهَا وَهِيَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ: نَاظِرَةٌ أَيْ نَاظِرَةٌ نِعْمَةَ رَبِّهَا. قَوْلُهُ: (وَالْبَعْثِ) أَيْ الْإِحْيَاءِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41] قِيلَ يُنَادِي إسْرَافِيلُ عليه السلام بَعْدَ خُرُوجِ الْأَرْوَاحِ مِنْ الصُّورِ فَيَقُولُ: يَا أَيَّتُهَا الْعِظَامُ النَّخِرَةُ وَالْجُلُودُ الْمُتَمَزِّقَةُ وَالشُّعُورُ الْمُتَقَطِّعَةُ، إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَجْتَمِعُوا لِفَصْلِ الْخِطَابِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ فِيهِ:«أَيُّهَا الْأَعْضَاءُ الْمُتَهَشِّمَةُ، وَالْعِظَامُ الْبَالِيَةُ، وَالْأَجْسَامُ الْمُتَفَرِّقَةُ، وَالْجُلُودُ الْمُتَمَزِّقَةُ، وَالْأَوْصَالُ الْمُتَقَطِّعَةُ، وَالشُّعُورُ الْمُتَطَايِرَةُ قُومُوا إلَى الْعَرْضِ عَلَى اللَّهِ عز وجل فَتَخْرُجُ أَرْوَاحُهُمْ حِينَئِذٍ مِنْ ثُقْبِ الصُّورِ. وَلَهَا دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَرَبُّ الْعِزَّةِ يَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لِأُعِيدَنكُمْ كَمَا خَلَقْتُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَلَا تُخْطِئُ رُوحٌ صَاحِبَهَا فَيُعِيدُهُمْ كَمَا بَدَأَهُمْ» قَالَ تَعَالَى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] وَالصُّورُ فِيهِ ثُقْبٌ عَلَى عَدَدِ الْخَلَائِقِ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ فِي الْمُدَّثِّرِ النَّاقُورَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8]{فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: 9]{عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10] . وَهُوَ عَلَى وَزْنِ فَاعُولٍ مِنْ النَّقْرِ بِمَعْنَى التَّصْوِيتِ. اهـ. شَبْرَخِيتِيٌّ عَلَى الْعَشْمَاوِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ مَنْ يَدْعُو النَّاسَ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ مِنْ الدَّاعِيَةِ فَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَلِمَنْ تَبِعَهُ ز ي. قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ خَطَّابِيٍّ لِمِثْلِهِ) وَالْخَطَّابِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ الرَّوَافِضِ مَنْسُوبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ الْأَجْدَعِ. يَتَدَيَّنُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ فِي الْعَقِيدَةِ إذَا حَلَفَ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ اهـ. مِصْبَاحٌ وَعِبَارَةُ أج قَوْلُهُ خَطَّابِيٍّ: أَيْ أَصْحَابِ أَبِي الْخَطَّابِ الْكُوفِيِّ كَانَ يَقُولُ بِأُلُوهِيَّةِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ثُمَّ ادَّعَاهَا بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ. وَلَعَلَّ أَصْحَابَهُ لَا يَقُولُونَ: بِمَا ذُكِرَ وَإِلَّا كَانُوا كُفَّارًا.

قَوْلُهُ: (أَوْ شَهِدَ لِمُخَالِفِهِ) أَيْ لِغَيْرِ خَطَّابِيٍّ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ ادَّعَى الْقَاضِي أَوْ الْإِمَامُ بِمَالٍ لِبَيْتِ الْمَالِ فَشَهِدَ لَهُ بِهِ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ فَتُقْبَلُ لِعُمُومِ الْمُدَّعَى بِهِ.

قَوْلُهُ: (لِبَعْضِهِ) وَلَوْ عَلَى بَعْضٍ آخَرَ بِأَنْ شَهِدَ لِابْنِهِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ لِأُمِّهِ عَلَى أَبِيهِ.

قَوْلُهُ: (عَقْدٌ) أَيْ عَقْدُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِالطَّلَاقِ بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ شَهِدَ لِزَوْجَتِهِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا وَلَوْ شَهِدَ لِعَبْدِهِ بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ هُنَا مُحَصِّلُهَا نِسْبَةُ الْقَاذِفِ

ص: 400

بِأَنَّ فُلَانًا قَذَفَهَا لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِيَانَتَهَا فِرَاشَهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ لِأَحَدِ أَصْلَيْهِ أَوْ فَرْعَيْهِ عَلَى الْآخَرِ. كَمَا جَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ مَنْعُ الْحُكْمِ بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَإِنْ خَالَفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي ذَلِكَ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ قَدْ تَعَارَضَ فَظَهَرَ الصِّدْقُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ وَلَا تُقْبَلُ تَزْكِيَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا شَهَادَتُهُ لَهُ بِالرُّشْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي حِجْرِهِ أَمْ لَا وَإِنْ أَخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ بِرُشْدِ مَنْ فِي حِجْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا عَدَا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ مِنْ حَوَاشِي النَّسَبِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَكَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ، وَهُوَ مَنْ صَدَقَ فِي وِدَادِك بِأَنْ يُهِمَّهُ مَا أَهَمَّكَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَلِيلٌ ذَلِكَ أَيْ فِي زَمَانِهِ وَنَادِرٌ فِي زَمَانِنَا أَوْ مَعْدُومٌ

(وَلَا يَقْبَلُ) الْقَاضِي (كِتَابَ قَاضٍ) كَتَبَ بِهِ (إلَى قَاضٍ) وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ أَيْ لَا يَعْمَلُ بِهِ (فِي) مَا أَنْهَاهُ فِيهِ مِنْ (الْأَحْكَامِ) . كَأَنْ حَكَمَ فِيهِ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ بِدَيْنٍ (إلَّا بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) عَدْلَيْ شَهَادَةٍ يَشْهَدَانِ عِنْدَ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ (بِمَا فِيهِ) أَيْ الْكِتَابِ مِنْ الْحُكْمِ.

تَنْبِيهٌ: صُورَةُ الْكِتَابِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ حَضَرَ فُلَانٌ وَادَّعَى عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ الْمُقِيمِ بِبَلَدِ كَذَا بِدَيْنٍ وَحَكَمْتُ لَهُ بِحُجَّةٍ وَأَجَبْتُ الْحُكْمَ وَسَأَلَنِي أَنْ أَكْتُبَ إلَيْك بِذَلِكَ فَأَجَبْتُهُ وَأَشْهَدْتُ بِالْحُكْمِ شَاهِدَيْنِ وَيُسَمِّيهِمَا إنْ لَمْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إلَى خِيَانَةٍ فِي حَقِّ الزَّوْجِ. لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِنِسْبَةِ زَوْجَتِهِ إلَى فَسَادٍ بِخِلَافِ السَّيِّدِ بِالنِّسْبَةِ لِقِنِّهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ) أَيْ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ فِرَاشِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا حُدَّ قَاذِفُهَا بِشَهَادَتِهِ أَفَادَ ذَلِكَ عِفَّتَهَا وَانْتَفَى الْعَارُ عَنْ فِرَاشِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِيَانَتَهَا فِرَاشَهُ) أَيْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخِيَانَةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَالَفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) : أَيْ فَقَالَ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهُوَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّخْصِ لِأَحَدِ أَصْلَيْهِ أَوْ فَرْعَيْهِ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَيُؤَيِّدُهُ مَنْعُ الْحُكْمِ بَيْنَ أَبِيهِ وَابْنِهِ.

قَوْلُهُ: (بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ) أَيْ بِأَنَّ الْمَيْلَ الطَّبِيعِيَّ الَّذِي فِي الْمَشْهُودِ لَهُ الْمُقْتَضِي لِلتُّهْمَةِ ظَاهِرًا كَشَهَادَتِهِ لِأُمِّهِ بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ قَدْ تَعَارَضَ أَيْ عَارَضَهُ الْمَيْلُ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الَّذِي لَمْ يَقْتَضِ التُّهْمَةَ بِسَبَبِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ فَتَسَاقَطَا فَكَأَنَّهُ لَا مَيْلَ فَلَا يُقَالُ: إنَّ شَهَادَتَهُ لِأَحَدِهِمَا لِلْمَيْلِ الطَّبِيعِيِّ فَلَا تُقْبَلُ، قَالَ س ل فَالْوَازِعُ الطَّبِيعِيُّ مَا يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى الشَّيْءِ بِطَبْعِهِ فَالْمُرَادُ بِالْوَازِعِ الدَّاعِي وَالْبَاعِثُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) هُوَ مَالِكِيٌّ وَسَافَرَ إلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ لِيَأْخُذَ عَنْهُ الْعِلْمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَكُلُّ مَرَّةٍ يُنْفِقُ فِيهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(وَقَلِيلٌ ذَلِكَ) وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ:

لَا تَجْزَعَن لِوَحْدَةٍ وَتَفَرُّدِ

وَمِنْ التَّفَرُّدِ فِي زَمَانِك فَازْدَدْ

ذَهَبَ الْإِخَاءُ فَلَيْسَ ثَمَّ أُخُوَّةٌ

إلَّا التَّمَلُّقُ بِاللِّسَانِ وَبِالْيَدِ

وَإِذَا كَشَفْت ضَمِيرَ مَا بِصُدُورِهِمْ

أَلْفَيْت ثَمَّ نَقِيعُ سُمٍّ أَسْوَدِ

قَوْلُهُ: (وَلَا يَقْبَلُ الْقَاضِي) أَيْ الْمَنْهِيُّ إلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (كَتَبَ بِهِ) : كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَهُ. اهـ أج. قَوْلُهُ: (إلَى قَاضٍ) فِيهِ إظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ بِالنَّظَرِ لِكَلَامِ الشَّارِحِ مَعَ الْمَتْنِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ) كَمَا إذَا كَانَ فِي بَلَدِ الْغَائِبِ قُضَاةٌ فَكَتَبَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.

قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ الْكِتَابُ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْ حَكَمَ فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ ذَكَرَ الْحُكْمَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَشْهَدْت) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَشَهِدَ أَيْ الْمُدَّعِي. وَهِيَ غَيْرُ مُنَاسَبَةٍ لِمَا بَعْدَهَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْقَاضِي وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ مِثْلُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (شَاهِدَيْنِ) وَالْمُرَادُ بِهِمَا شَاهِدَانِ غَيْرُ شَاهِدَيْ الْحَقِّ أَمَّا هُمَا: فَلَا يَذْهَبَانِ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا اللَّذَانِ يَذْهَبَانِ شَاهِدَا الْحُكْمِ. قَوْلُهُ: (وَيُسَمِّيهِمَا) أَيْ شَاهِدَيْ الْحُكْمِ لَا الْحَقِّ وَهَذَا إذَا كَانَ

ص: 401

يُعَدِّلْهُمَا، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُ تَسْمِيَتِهِمَا وَيُسَنُّ خَتْمُهُ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِحَضْرَتِهِ وَيَقُولُ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي كَتَبْتُ إلَى فُلَانٍ بِمَا سَمِعْتُمَا وَيَضَعَانِ خَطَّيْهِمَا فِيهِ وَلَا يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا خَطِّي وَأَنَّ مَا فِيهِ حُكْمِي وَيَدْفَعُ لِلشَّاهِدَيْنِ نُسْخَةً أُخْرَى بِلَا خَتْمٍ، لِيُطَالِعَاهَا وَيَتَذَكَّرَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيَشْهَدَانِ عِنْدَ الْقَاضِي الْآخَرِ عَلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِمَا جَرَى عِنْدَهُ مِنْ ثُبُوتٍ أَوْ حُكْمٍ إنْ أَنْكَرَ الْخَصْمُ الْمُحْضَرُ أَنَّ الْمَالَ الْمَذْكُورَ فِيهِ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ الْمَكْتُوبُ اسْمِي صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُعْرَفْ بِهِ لِأَنَّهُ أَخْبَرُ بِنَفْسِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. فَإِنْ عُرِفَ بِهِ لَمْ يُصَدَّقْ بَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ: لَسْتُ الْخَصْمَ وَقَدْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِحُجَّةِ أَنَّهُ اسْمُهُ، حُكِمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَشْرَكُهُ فِيهِ أَوْ كَانَ، وَلَمْ يُعَاصِرْ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يُشْرِكُهُ فِيهِ صَرْعًا وَالْمُدَّعِي فَإِنْ مَاتَ أَوْ أَنْكَرَ الْحَقَّ بَعَثَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لِلْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ تَمْيِيزٍ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيَكْتُبُهَا وَيُنْهِيهَا ثَانِيًا لِقَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ زِيَادَةَ تَمْيِيزٍ وَقَفَ الْأَمْرَ حَتَّى يَنْكَشِفَ فَإِنْ اعْتَرَفَ الْمُشَارِكُ بِالْحَقِّ طُولِبَ بِهِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا مَعَ الْمُعَاصَرَةِ إمْكَانُ الْمُعَامَلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ.

تَتِمَّةٌ: لَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الْحَاكِمِ لِلْمُدَّعِي الْحَاضِرِ فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ عَلَى الْغَائِبِ أَمْضَاهُ إذَا عَادَ إلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُرَادُ إنْهَاءَ الْحُكْمِ أَمَّا إذَا كَانَ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ وَقَبِلَهَا، وَلَمْ يَحْكُمْ وَأَرَادَ إنْهَاءَ الْبَيِّنَةِ أَيْ أَنَّهُ سَمِعَهَا وَقَبِلَهَا فَيَكُونُ الْمُرَادَ وَيُسَمِّيهِمَا أَيْ شَاهِدَيْ الْحَقِّ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمَا وَقَوْلُهُ: وَيُسَمِّيهِمَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَاهِدَيْ الْحُكْمِ لَا شَاهِدَيْ الْحَقِّ لِأَنَّ الْإِنْهَاءَ إنْ كَانَ بِالْحُكْمِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْحُجَّةِ أَيْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ. وَإِنْ كَانَ الْإِنْهَاءُ بِسَمَاعِ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ احْتَاجَ الْأَمْرُ إلَى ذِكْرِ الشَّاهِدَيْنِ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمَا وَالشَّارِحُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَقَطْ أَيْ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ عَلَى شَاهِدَيْ الْحَقِّ لَكِنَّ قَوْلَهُ: إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَاهِدَيْ الْحَقِّ لِأَنَّ شَاهِدَيْ الْحُكْمِ عَدَّلَهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْأَحْكَامِ: أَوْ فِي سَمَاعِ بَيِّنَةٍ.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُنْهَى إلَيْهِ الْحُكْمُ إنْ حَكَمَ وَلَا يَكُونُ، إلَّا بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَعْدِيلِهَا أَوْ يُنْهَى إلَيْهِ ثُبُوتُ الْحَقِّ إنْ لَمْ يَحْكُمْ وَقَدْ عُدِّلَتْ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ. أَوْ يُنْهَى إلَيْهِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ بِالْحَقِّ فَقَطْ، إنْ لَمْ تُعَدَّلْ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ. وَكَلَامُهُ: يَقْتَضِيَ الِاكْتِفَاءَ بِتَعْدِيلِهِ، فَيُخَالِفُ مَا فِي الرَّوْضِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَكْفِي تَعْدِيلُ الْكَاتِبِ إيَّاهُمَا. لِأَنَّهُ تَعْدِيلٌ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ. اهـ. م د. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلَهُ: وَيَسْمَعُهَا إلَخْ. هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي إنْهَاءِ سَمَاعِ الْحُجَّةِ، كَمَا فِي الْمَنْهَجِ. وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ، إلَّا فِي إنْهَاءِ الْحُكْمِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ. وَلَوْ زَادَ قَبْلَ هَذَا قَوْلَهُ: أَوْ شَهِدَ بِالْحَقِّ عِنْدِي شَاهِدَانِ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ خَتْمُهُ) أَيْ حِفْظًا لَهُ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَخَتْمُ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَتْمِهِ جَعْلُ نَحْوِ شَمْعٍ عَلَيْهِ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ بِخَاتَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَحَفَّظُ بِذَلِكَ. اهـ. حَجّ وَعِبَارَةُ ح ل. وَسُنَّ خَتْمُهُ أَيْ عَلَى نَحْوِ شَمْعٍ يَضَعُهُ عَلَى الْكِتَابِ بَعْدَ طَيِّهِ لَيَصُونَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَضَعَ الْخَتْمَ لَا عَلَى شَمْعٍ وَنَحْوِهِ اهـ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي خَتْمُ الْكِتَابِ حِفْظًا لِمَا فِيهِ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ. «وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُرْسِلُ كُتُبَهُ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبُولِهَا، إلَّا مَخْتُومَةً فَاِتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَصَارَ خَتْمُ الْكِتَابِ سُنَّةً مُتَّبَعَةً وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ إلَّا كِتَابًا مَخْتُومًا خَوْفًا مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِهِمْ وَإِضَاعَةِ تَدْبِيرِهِمْ.

قَوْلُهُ: (وَيُدْفَعُ لِلشَّاهِدَيْنِ) أَيْ نَدْبًا ع ش. قَوْلُهُ: (مِنْ ثُبُوتٍ أَوْ حُكْمٍ) بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّهُ يُنْهِي ثُبُوتَ الْحَقِّ، مَعَ الْحُكْمِ وَلَفْظُ الثُّبُوتِ سِرِّيٌّ لَهُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَنْهَجِ. لِأَنَّهُ أَوَّلًا ذَكَرَ إنْهَاءَ الْحُكْمِ وَذَكَرَ بَعْدَهُ إنْهَاءَ الثُّبُوتِ. ثُمَّ قَالَ: مِنْ ثُبُوتٍ أَوْ حُكْمٍ فَهُوَ صَحِيحٌ هُنَاكَ وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا إنْهَاءَ الْحُكْمِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (بَلْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ) أَيْ يَنْفُذُ الْحُكْمُ إنْ كَانَ الْإِنْهَاءُ بِالْحُكْمِ وَيُنْشِئُ الْحُكْمَ إنْ كَانَ الْإِنْهَاءُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ مَاتَ) جَوَابُ إنْ الْأُولَى مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ مَاتَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (زِيَادَةَ تَمْيِيزٍ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ ثَانٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ الْحَاضِرِ وَلَا يُشْتَرَطُ إعَادَةُ الدَّعْوَى وَالتَّحْلِيفِ.

قَوْلُهُ: (إمْكَانُ الْمُعَامَلَةِ) فَلَوْ كَانَ عُمْرُهُ خَمْسَ سِنِينَ وَعُمْرُ الْمُدَّعِي

ص: 402