الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَتَّى يُكَفِّرَ
وَلَا تُجْزِئُ كَفَّارَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ خَصْلَتَيْنِ كَأَنْ يُعْتِقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَيَصُومَ شَهْرًا أَوْ يَصُومَ شَهْرًا وَيُطْعِمَ ثَلَاثِينَ. فَإِنْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ صَامَ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَ بَعْضَ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُهُ وَلَوْ بَعْضَ مُدٍّ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، وَالْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَيَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ، وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا وَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ وَلَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى رَقَبَةٍ أَعْتَقَهَا عَنْ إحْدَاهُمَا وَصَامَ عَنْ الْأُخْرَى إنْ قَدَرَ وَإِلَّا أَطْعَمَ.
فَصْلٌ: فِي اللِّعَانِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْ الْعَبْدِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبٍ مِنْهُ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ أَوْ لَا، كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّهَا تَسْتَقِرُّ مُرَتَّبَةً، كَمَا كَانَتْ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى خَصْلَةٍ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ رَتَّبَ، وَالثَّابِتُ فِي ذِمَّتِهِ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْبِيهِ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ فِي ذِمَّتِهِ الْخَصْلَةُ الْأَخِيرَةُ وَلِمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: مِنْ أَنَّهُ إحْدَى الْخِصَالِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ وَلَوْ تَرَكَ الْجَمِيعَ مَعَ الْقُدْرَةِ، عُوقِبَ عَلَى أَدْنَاهَا أَوْ فَعَلَ الْجَمِيعَ أُثِيبَ عَلَى أَعْلَاهَا فَرْضًا، وَالْبَاقِي يَقَعُ لَهُ نَفْلًا إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ جَمِيعَهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الشَّارِعِ بَلْ لَا يَبْعُدُ تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ. وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ الْأَزْهَرِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَمِيعِ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَمِيعَ هُوَ الْوَاجِبُ أَيْ الْكَفَّارَةُ وَيُبَاحُ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ. قُلْت: وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ. قُلْت: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ أَوْ الصَّلَاةِ فَرْضٌ لَا يَضُرُّهُ إلَّا إنْ قَيَّدَ بِالْجَاهِلِ، وَإِلَّا فَيَسْتَوِي مَا هُنَا بِذَاكَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالْمُعَادَةِ فَإِنْ نَوَى بِهَا الْفَرْضَ عَلَيْهِ لَا تَنْعَقِدُ فَكَذَا هُنَا اهـ رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَطَأُ الْمُظَاهِرُ حَتَّى يُكَفِّرَ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، نَعَمْ إنْ خَافَ الْعَنَتَ جَازَ لَهُ الْوَطْءُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لَكِنْ بِقَدْرِ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ خَوْفَ الْعَنَتِ اهـ. عش. بِالْمَعْنَى وَمَا فِي حَاشِيَةِ قل ضَعِيفٌ فَلْيُحْذَرْ.
قَوْلُهُ: (وَيَبْقَى الْبَاقِي) مِنْ جِنْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ فَيَلْزَمُهُ بَقِيَّةُ الْأَمْدَادِ وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا نَظَرَ) أَيْ وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ السُّقُوطِ بِكَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ أَسْقَطَ مَا بَقِيَ قِيَاسًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَيَبْقَى الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: كَوْنُهُ فَعَلَ شَيْئًا أَيْ بِكَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا وَهُوَ بَعْضُ الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ بَعْضُ الْأَمْدَادِ فَقَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ رَدٌّ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ صَاحِبَ هَذَا مُتَوَهِّمٌ وَغَالِطٌ، هَذَا وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ سُقُوطِ بَاقِي الْكَفَّارَةِ، لِكَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ لِكَوْنِهِ فَعَلَ بَعْضَهَا لِأَنَّ فِعْلَهُ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ مُحَقَّقٌ لَا مُتَوَهَّمٌ، وَإِنَّمَا الْمُتَوَهَّمُ سُقُوطُ بَاقِيهَا بِفِعْلِ بَعْضِهَا، كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حف. وَعِبَارَةُ مد وَلَا نَظَرَ إلَى تَوَهُّمِ كَوْنِهِ فَعَلَ شَيْئًا أَيْ وَهُوَ إخْرَاجُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ أَيْ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَلَكِنْ قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ أَنَّهُ إذَا قَدَرَ، عَلَى الْعِتْقِ أَوْ الصَّوْمِ وَجَبَ لِأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لَيْسَ مُرَادًا، وَلَوْ شَرَعَ الْمُكَفِّرُ فِي خَصْلَةٍ فَقَدَرَ عَلَى أَعْلَى مِنْهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ لِشُرُوعِهِ فِي الْمَقْصُودِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ ذَلِكَ اهـ. قل عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ خَصْلَةٍ وَهِيَ الْإِطْعَامُ فَقَطْ أَتَى بِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ لَا يَتَبَعَّضُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى بَعْضِ عِتْقٍ وَلَا صَوْمٍ وَيَبْقَى الْبَاقِي بِذِمَّتِهِ يُخْرِجُهُ إذَا أَيْسَرَ فَلَوْ بَعْدَ إخْرَاجِ ذَلِكَ الْبَعْضِ عَلَى غَيْرِ الْإِطْعَامِ: كَالرَّقَبَةِ أَوْ الصَّوْمِ، لَمْ يَجِبْ الْإِتْيَانُ بِذَلِكَ لِشُرُوعِهِ فِي الْإِطْعَامِ وَقَوْلُهُ وَيَبْقَى الْبَاقِي مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَتَى بِهِ، وَعُلِمَ مِنْ اسْتِقْرَارِ الْكَفَّارَةِ فِي ذِمَّتِهِ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الظِّهَارِ لَا يَطَأُ حَتَّى يُكَفِّرَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
[فَصْلٌ فِي اللِّعَانِ]
ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ الظِّهَارِ، لِأَنَّ اللِّعَانَ قَدْ يَكُونُ حَرَامًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ كَمَا يَأْتِي. وَكُلٌّ مِنْ اللِّعَانِ وَالظِّهَارِ يَصِحُّ مِنْ الرَّجْعِيَّةِ وَاللِّعَانُ مَصْدَرٌ لِلَاعَنَ كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ.
هُوَ لُغَةً الْمُبَاعَدَةُ وَمِنْهُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَيْ أَبْعَدَهُ وَطَرَدَهُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِبُعْدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ أَوْ لِبُعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَشَرْعًا كَلِمَاتٌ مَعْلُومَةٌ جُعِلَتْ حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ إلَى قَذْفِ مَنْ لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لِعَانًا لِقَوْلِ الرَّجُلِ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ وَإِطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَجَازِ التَّغْلِيبِ، وَاخْتِيرَ لَفْظُهُ دُونَ لَفْظِ الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي اللِّعَانِ لِكَوْنِ اللَّعْنَةِ مُتَقَدِّمَةً فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِأَنَّ لِعَانَهُ قَدْ يَنْفَكُّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِفَاعِلِ الْفِعَالِ وَالْمُفَاعَلَهْ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لِلَعْنٍ كَصَعْبٍ وَصِعَابٍ.
قَوْلُهُ: (وَسُمِّيَ بِذَلِكَ) أَيْ سُمِّيَ مَعْنَى اللِّعَانِ بِلَفْظِ اللِّعَانِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ الْآتِي وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ عَقِبَهُ، كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، إذْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا لِلِّعَانِ الْمُتَرْجَمِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (لِبُعْدِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ الرَّحْمَةِ) أَيْ لِبُعْدِ الْكَاذِبِ مِنْهُمَا وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بُعْدَهُمَا مَعًا فِيمَا إذَا كَانَ يُمْكِنُ الصَّادِقُ مِنْهُمَا السَّتْرَ وَلَمْ يُضْطَرَّ لِلِّعَانِ، فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ السَّتْرُ فَإِنْ لَمْ يَسْتُرْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الرَّحْمَةِ الْكَامِلَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَاقْتَصَرَ شَيْخُنَا م د فِي الْحَاشِيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) أَيْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا مَرَّ زي. قَوْلُهُ: (كَلِمَاتٌ) أَيْ خَمْسَةٌ، وَجُعِلَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي مَعَ أَنَّهَا أَيْمَانٌ عَلَى الْأَصَحِّ رُخْصَةً لِعُسْرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا وَصِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ شَرْحُ مَرَّ وَالْمُنَاسِبُ لِلْمَصْدَرِ قَوْلُ كَلِمَاتٍ وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا كَلِمَاتٍ مَعَ أَنَّهَا جُمَلٌ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ قَوْلُهُ:(حُجَّةً لِلْمُضْطَرِّ) : بِمَعْنَى أَنَّهَا سَبَبٌ دَافِعٌ لِلْحَدِّ عَنْ الْمُضْطَرِّ أَيْ الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْبَيِّنَةِ كَمَا يَأْتِي وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ وَذَكَرَ الْمُضْطَرَّ لِلْغَالِبِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ يَنْفِيه فَلَا اضْطِرَارَ وَالْأَوْلَى لَهُ السَّتْرُ وَالطَّلَاقُ وَعِبَارَةُ خ ض قَوْلُهُ: لِلْمُضْطَرِّ لَيْسَ بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لِأَنَّ اللِّعَانَ كَالْبَيِّنَةِ حُجَّةٌ وَصَدَّنَا عَنْ الْأَخْذِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] مِنْ اشْتِرَاطِ تَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ الْإِجْمَاعُ. قَوْلُهُ: (إلَى قَذْفِ مَنْ) : أَيْ زَوْجَةٍ وَذَكَرَ ضَمِيرَ لَطَّخَ نَظَرًا لِلَفْظِ مَنْ وَالْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ الزَّوْجَةُ أَيْ إلَى قَذْفِ زَوْجَةٍ لَطَّخَتْ نَفْسَهَا.
قَوْلُهُ: (لَطَّخَ فِرَاشَهُ وَأَلْحَقَ) : مَبْنِيَّانِ لِلْفَاعِلِ وَضَمِيرُهُمَا عَائِدٌ عَلَى مَنْ الْوَاقِعُ عَلَى الزَّوْجَةِ، أَيْ إلَى قَذْفِ امْرَأَةٍ لَطَّخَتْ فِرَاشَهُ، أَيْ: الْمُضْطَرِّ وَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ يُسَمَّى فِرَاشَ الْآخَرِ كَمَا يُسَمَّى لِبَاسَهُ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْفِرَاشِ الزَّوْجَةُ فَهُوَ مِنْ الْإِظْهَارِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ الزَّانِي أَيْ إلَى قَذْفِ رَجُلٍ لَطَّخَ زَوْجَةَ الْمُضْطَرِّ. وَقَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ الْعَارَ بِهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ عَطْفَ مُسَبَّبٍ عَلَى سَبَبٍ. فَإِنْ قُلْت: هُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِلْقَذْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ. أُجِيبَ: بِأَنَّ كَلَامَهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافَيْنِ أَيْ إلَى دَفْعِ مُوجَبِ الْقَذْفِ إلَخْ وَالْمُوجَبُ بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الْحَدُّ، وَالْمُرَادُ بِالتَّلْطِيخِ التَّلْوِيثُ وَنِسْبَتُهَا لِلزِّنَا، وَالْقَذْفُ جَائِزٌ حِينَئِذٍ، وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ وَالتَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: أَوْ إلَى نَفْيِ وَلَدٍ اهـ. الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ أَنْ يَأْتِيَ إلَى الْحَاكِمِ فَيَقُولُ: هَذَا الْوَلَدُ أَوْ الْحَمْلُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ يُلَاعِنُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَيْ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا مُؤَكَّدًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ ظَاهِرًا كَأَنْ لَمْ يَطَأْهَا أَوْ وَلَدَتْهُ لَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ وَأَوْ مَانِعَةُ خُلُوٍّ وَالْقَذْفُ لِنَفْيِ الْوَلَدِ وَاجِبٌ حِينَئِذٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَسَمَّيْت هَذِهِ الْكَلِمَاتُ إلَخْ) : قَدْ وَجَّهَ التَّسْمِيَةَ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ: وَسُمِّيَ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ وَجَّهَ بِالْأَوَّلِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي وَالشَّارِحُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِكِفَايَتِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَكَانَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي ابْتِدَاءً كَالْقَسَامَةِ مَعَ أَنَّهَا أَيْمَانٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ رُخْصَةً، لِتَعَسُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الزِّنَا وَصِيَانَةً لِلْأَنْسَابِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ نَفْيِ الْوَلَدِ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ الرَّجُلِ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ ثُمَّ تَوَسَّعَ فِيهِ، فَأُرِيدَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَاقِعَ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَغْلِيبًا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ:
عَنْ لِعَانِهَا وَلَا يَنْعَكِسُ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الْآيَاتِ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا ذَكَرْتُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ.
وَهِيَ يَمِينٌ مُؤَكَّدَةٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَمَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا لِعَانًا بَعْدَ كَمَالِهِمَا وَلَا عُقُوبَةً كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَمْ يَقَعْ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لِعَانٌ بَعْدَ اللِّعَانِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. (وَإِذَا رَمَى) أَيْ قَذَفَ (الرَّجُلُ) الْمُكَلَّفُ (زَوْجَتَهُ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ فِي الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى فِي أَوَائِلِ سُورَةِ النُّورِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] أَيْ يَقْذِفُونَهُنَّ بِالزِّنَا قَوْلُهُ: (الْآيَاتِ) أَيْ إلَى قَوْلِهِ: {مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف: 70] وَفِي نُسْخَةٍ الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ جِنْسُهَا لِأَنَّ الْمَذْكُورَ آيَاتٌ قَوْلُهُ: (وَسَبَبُ نُزُولِهَا ذَكَرْته) أَيْ مُفَصَّلًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ سَيَأْتِي مُلَخَّصًا بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ إلَخْ. قَالَ: شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَسَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ:» إذَا رَأَى أَحَدُنَا رَجُلًا عَلَى امْرَأَتِهِ يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكَرِّرُ ذَلِكَ فَقَالَ: «وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنَزِّلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْجَلْدِ» فَنَزَلَتْ الْآيَاتُ. وَرُوِيَ «أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدَ أَحَدُنَا مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا مَاذَا يَصْنَعُ إنْ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ فَكَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنًا فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا» فَتَلَاعَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ. وَلِهَذَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا هُوَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ حَمَلَ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ وَاقَعْتُكِ تَبَيَّنَ مِمَّا أُنْزِلَ فِي هِلَالٍ إذْ الْحُكْمُ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ اهـ وَعِبَارَةُ عش عَلَى مَرَّ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ نُزُولِ آيَةِ اللِّعَانِ هَلْ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ أَمْ بِسَبَبِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُوَيْمِرٍ «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ قُرْآنًا» وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: سَبَبُ نُزُولِهَا قِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ. قُلْت: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَعَلَّهُمَا سَأَلَا فِي وَقْعَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمَا وَلَوْ سَبَقَ هِلَالٌ بِاللِّعَانِ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَا وَذَاكَ، وَأَنَّ هِلَالًا أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ قَالُوا: وَكَانَتْ قَضِيَّتُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ اهـ. وَالْعَجْلَانِيُّ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ نِسْبَةً إلَى بَنِي الْعَجْلَانِ، بَطْنٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، كَمَا فِي لُبِّ السُّيُوطِيّ. قَوْلُهُ:(وَهِيَ يَمِينٌ) أَيْ أَيْمَانٌ أَرْبَعَةٌ حَتَّى إنَّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا لَزِمَهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ لِأَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ وَلَا يُزَادُ خَامِسَةً لِقَوْلِهِ: وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ. لِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ لَا أَنَّهُ يَمِينٌ خَامِسَةٌ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الزِّيَادِيُّ، وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ. فَقَالَ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا فِي الْكَفَّارَةِ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهَا لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَاحِدٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْ تَكْرِيرِهَا مَحْضُ التَّأْكِيدِ لَا غَيْرُ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ) : مُتَعَلِّقٌ بِيَمِينٍ وَقِيلَ: شَهَادَاتٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَذَبَ فِيهَا فَإِنْ قُلْنَا: أَيْمَانٌ يَلْزَمُهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ وَإِنْ قُلْنَا: شَهَادَاتٌ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْكَذِبِ شَيْءٌ وَلَيْسَ الْأَيْمَانُ مَا يَتَعَدَّدُ إلَّا فِي اللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا مَا يَكُونُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إلَّا فِيهِمَا وَذَلِكَ رُخْصَةٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ لِعَانُ صَبِيٍّ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَهِيَ يَمِينٌ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مِنْهُمَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ. قَوْلُهُ:(وَلَا يَقْتَضِي قَذْفُهُمَا) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ زَوْجَتَيْهِمَا وَقَوْلُهُ: لِعَانًا مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ: يَقْتَضِي الْمَنْفِيَّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا عُقُوبَةً) : أَيْ لَهُمَا مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا عُقُوبَةً أَيْ حَدًّا وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَيَجِبُ بِقَذْفِهِمَا فَإِنْ عُزِّرَا قَبْلَ الْكَمَالِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا عُزِّرَا بَعْدَ الْكَمَالِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا رَمَى) أَيْ سَبَّهَا وَخَاضَ فِي عِرْضِهَا بِمَا ذَكَرَهُ، فَشَبَّهَ ذَلِكَ بِرَمْيِ السَّهْمِ الْحِسِّيِّ بِجَامِعِ الْإِيلَامِ بِكُلٍّ، وَاسْتُعِيرَ الرَّمْيُ الْحِسِّيُّ لِلسَّبِّ وَالْخَوْضِ فِي عِرْضِهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ الْمُصَرِّحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، ثُمَّ اشْتَقَّ مِنْ الرَّمْيِ الْحِسِّيِّ رَمَى بِمَعْنَى سَبَّ وَخَاضَ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً. قَوْلُهُ:(أَيْ قَذَفَ) مِنْ الْقَذْفِ وَمَعْنَاهُ لُغَةً الرَّمْيُ وَشَرْعًا
الْمُحْصَنَةَ (بِالزِّنَا) صَرِيحًا كَزَنَيْتِ وَلَوْ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْجَبَلِ: أَوْ يَا زَانِيَةُ أَوْ زَنَى فَرْجُك أَوْ يَا قَحْبَةُ. كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، أَوْ كِنَايَةً كَزَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ بِالْهَمْزِ، لِأَنَّ الزَّنْءَ هُوَ الصُّعُودُ بِخِلَافِ زَنَأْت فِي الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ. فَصَرِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الصُّعُودِ فِي الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَأَنَّ غَيْرَهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَيْتِ دَرَجٌ يَصْعَدُ إلَيْهِ فِيهَا فَصَرِيحٌ قَطْعًا.
ــ
[حاشية البجيرمي]
الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرِضِ التَّعْيِيرِ أَيْ فِي مَقَامِ إظْهَارِهِ وَمَعْرِضٌ كَمَسْجِدٍ، فَخَرَجَ الرَّمْيُ بِغَيْرِ الزِّنَا كَالسَّرِقَةِ وَبِمَقَامِ التَّعْيِيرِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعٌ بِالزِّنَا فَلَيْسَ قَذْفًا بَلْ شَهَادَةً.
وَكَذَا قَذْفُ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ، فَلَيْسَ قَذْفًا شَرْعًا وَإِنْ عُزِّرَ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ، وَخَرَجَ جَرْحُ الشَّاهِدِ لِتُرَدَّ شَهَادَتُهُ.
قَوْلُهُ: (زَوْجَتَهُ الْمُحْصَنَةَ) وَهِيَ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ الْعَفِيفَةُ عَنْ وَطْءٍ، تُحَدَّ بِهِ حَالَ تَكْلِيفِهَا، وَاخْتِيَارِهَا وَعِلْمِهَا بِالتَّحْرِيمِ، وَالْإِحْصَانُ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا جَاءَ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ فَقَطْ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء: 25] وَجَاءَ بِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَقِبَ ذَلِكَ {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] إلَخْ وَجَاءَ بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 24] إلَخْ وَجَاءَ بِمَعْنَى إصَابَةِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحْصَنِ هُنَا الْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَقَيَّدَ بِالْمُحْصَنَةِ نَظَرًا لِقَوْلِ الْمَتْنِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي اللِّعَانِ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ لِإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ هَذَا، وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ أَوْ التَّعْمِيمُ وَيَزِيدُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ أَوْ التَّعْزِيرِ.
قَوْلُهُ: (صَرِيحًا كَزَنَيْتِ إلَخْ) وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ احْتِيَاجِ نَحْوِ زِنًا وَلِوَاطٍ لَوَصْفِهِ بِتَحْرِيمٍ، وَلَا اخْتِيَارٍ وَلَا عَدَمِ شُبْهَةٍ، لِأَنَّ مَوْضُوعَهُ يُفْهِمُ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي زَنَيْت بِك، وَفِي الْوَطْءِ بِخِلَافِ نَحْوِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الثَّلَاثَةِ. أَمَّا الرَّمْيُ بِإِيلَاجِهَا فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ خَلِيَّةٍ فَهُوَ كَالذَّكَرِ أَوْ مُزَوَّجَةٍ فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ وَصْفِهِ بِنَحْوِ اللِّيَاطَةِ لِيَخْرُجَ وَطْءُ الزَّوْجِ فِيهِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الرَّمْيَ بِهِ غَيْرُ قَذْفٍ، بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ لِعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ زِنًا وَلِيَاطَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ قَالَ لَا فَرْقَ فِي قَوْلِهِ: أَوْ دُبُرٍ بَيْنَ أَنْ يُخَاطِبَ بِهِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً كَأَوْلَجْت فِي دُبُرٍ أَوْ أُولِجُ فِي دُبُرِك وَالْأَوْجَهُ قَبُولُ قَوْلِهِ: بِيَمِينِهِ أَرَدْت بِإِيلَاجِهِ فِي الدُّبُرِ إيلَاجَهُ فِي دُبُرِ زَوْجَتِهِ، كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فَيُعَزَّرُ. وَأَنَّ يَا لُوطِيُّ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ كَوْنِهِ عَلَى دِينِ قَوْمِ لُوطٍ بِخِلَافِ يَا لَائِطُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ.
وَلَوْ قَالَتْ رَاوَدَنِي عَنْ نَفْسِي، أَوْ نَزَلَ إلَى بَيْتِي وَكَذَّبَهَا عُزِّرَتْ لِإِيذَائِهَا لَهُ، بِذَلِكَ اهـ. شَرْحُ مَرَّ بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَا زَانِيَةُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا اللَّفْظُ عَلَمًا لَهَا، فَلَا يَكُونُ قَذْفًا إلَّا بِنِيَّةٍ. اهـ. زي.
قَوْلُهُ: (أَوْ يَا قَحْبَةُ) كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَعِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ قَوْلَهُ: يَا مُخَنَّثُ صَرِيحٌ أَوْ يَا لُوطِيٌّ أَوْ يَا عِلْقُ، أَوْ يَا عَرْصُ أَوْ يَا مُسْتَحْسَنُ أَوْ يَا قَطِيمُ أَوْ يَا كَخِنُ وَالْمُعْتَمَدُ صَرَاحَةً قَحْبَةٌ لِلْمَرْأَةِ وَكِنَايَةً لِلرَّجُلِ، وَعَاهِرٌ وَسُوسٌ وَمَأْبُونٌ، وَطِنْجِيرٌ كَمَا ذَكَرَهُ حَلَّ عَلَى الْمَنْهَجِ.
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ يَا عِلْقُ كِنَايَةٌ لِأَنَّ الْعِلْقَ فِي اللُّغَةِ الشَّيْءُ النَّفِيسُ وَاللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَمِنْ الْكِنَايَةِ: يَا قَوَّادُ وَقِيلَ صَرِيحٌ.
فَرْعٌ: قَالَ مَرَّ مَا يُقَالُ: بَيْنَ الْجَهَلَةِ بَلَّاعُ الزُّبِّ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ صَرِيحًا فِي الرَّمْيِ بِالزِّنَا لِاحْتِمَالِ الْبَلْعِ بِالْفَمِ اهـ. وَمِنْ الصَّرِيحِ قَوْلُهُمْ يَا فَرْخُ زِنًا. وَقَوْلُهُ لِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ، فَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِوَلَدِهِ لَسْت ابْنِي فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ. اهـ. مد عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْجَبَلِ) لَيْسَ قَيْدًا فَمِثْلُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى زَنَأْت بِالْهَمْزِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الزَّنْءَ هُوَ الصُّعُودُ) إنَّمَا كَانَ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَلَبَ الْيَاءَ هَمْزَةً فَيَكُونُ قَذْفًا. وَأَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةً فَلَا يَكُونُ قَذْفًا قَالَ: فِي الْمِصْبَاحِ زَنَأَ فِي الْجَبَلِ مَهْمُوزًا مِنْ بَابِ نَفَعَ وَزُنُوءًا أَيْضًا صَعِدَ فَهُوَ زَانِئٌ قَوْلُهُ: (هُوَ الصُّعُودُ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ مَعْنَاهُ الصُّعُودُ وَيُسْتَعْمَلُ
أَوْ: يَا فَاجِرَةُ، أَوْ: يَا فَاسِقَةُ، أَوْ أَنْتِ تُحِبِّينَ الْخَلْوَةَ. أَوْ لَمْ أَجِدْك بِكْرًا وَنَوَى بِذَلِكَ الْقَذْفَ (فَعَلَيْهِ) لَهَا (حَدُّ الْقَذْفِ) لِلْإِيذَاءِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْمُحْصَنَةِ غَيْرُهَا. وَالْمُحْصَنُ الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ مُكَلَّفٌ وَمِثْلُهُ السَّكْرَانُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ فَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ وَلَا الْبِكْرِ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا (إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ) بِزِنَاهَا فَيَرْتَفِعَ عَنْهُ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ:«الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِك فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ نَبِيًّا إنِّي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ فِي أَمْرِي مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ» فَنَزَلَتْ آيَاتُ اللِّعَانِ الْحَدِيثَ وَهُوَ بِطُولِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَدَلَّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحَدِّ بِالْبَيِّنَةِ (أَوْ يُلَاعِنُ) لِدَفْعِ الْحَدِّ إنْ اخْتَارَهُ لِحَدِيثِ هِلَالٍ، وَلَهُ الِامْتِنَاعُ وَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ.
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ سَبْقُ قَذْفِهِ زَوْجَتَهُ تَقْدِيمًا لِلسَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ كَمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا شُرِعَ لِخَلَاصِ الْقَاذِفِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْضًا فِي الزِّنَا وَإِلَّا فَظَاهِرُ الشَّرْحِ قَصْرُهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَصَرِيحٌ قَطْعًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَهُ دَرَجٌ فَكِنَايَةٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ صَرِيحٌ مُطْلَقًا ز ي قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ أَجِدُك بِكْرًا) هَذَا فِي امْرَأَةٍ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا تَقَدُّمُ افْتِضَاضٍ مُبَاحٍ، فَإِنْ عُلِمَ لَهَا ذَلِكَ فَلَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ اهـ.
مَرْحُومِيٌّ قَوْلُهُ: (وَالْمُحْصَنُ الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ) احْتِرَازًا عَنْ الْمُحْصَنِ الَّذِي يَلْزَمُهُ الرَّجْمُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُحْصَنِ قَرِيبًا قَوْلُهُ:(مُكَلَّفٌ إلَخْ) فَإِنْ فُقِدَ قَيْدٌ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ فَالْوَاجِبُ التَّعْزِيرُ لِلْإِيذَاءِ. قَالَ فِي الْمَنْهَجِ: وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا حُدَّ أَوْ غَيْرَهُ عُزِّرَ. قَوْلُهُ: (حُرٌّ مُسْلِمٌ) وَإِنَّمَا جُعِلَ الْكَافِرُ مُحْصَنًا فِي حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّهُ إهَانَةٌ لَهُ وَلَا يَرِدُ قَذْفُ مُرْتَدٍّ وَمَجْنُونٍ وَقِنٍّ بِزِنًا، أَضَافَهُ إلَى حَالِ إسْلَامِهِ أَوْ إفَاقَتِهِ أَوْ حُرِّيَّتِهِ بِأَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ اخْتَارَ الْإِمَامُ رِقَّهُ لِأَنَّ سَبَبَ حَدِّهِ إضَافَتُهُ الزِّنَا إلَى حَالَةِ الْكَمَالِ شَرْحُ مَرَّ.
قَوْلُهُ: (عَفِيفٌ عَنْ الْوَطْءِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ، عَفِيفٌ عَنْ زِنًا، وَوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ، وَوَطْءٍ فِي دُبُرِ حَلِيلَتِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ وَطْءٌ أَصْلًا أَوْ سَبَقَ لَهُ وَطْءٌ، لَا يُحَدُّ بِهِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوْ الْبَهِيمَةِ، وَمِثْلُ الْوَطْءِ الَّذِي يُحَدُّ بِهِ وَطْءُ حَلِيلَتِهِ، أَوْ مَحْرَمِهِ الْمَمْلُوكَةِ فِي دُبُرِهِمَا، فَلَا يَكُونُ مُحْصَنًا وَإِنْ كَانَ لَا يُحَدُّ بِمَا ذُكِرَ، وَمِثْلُ دُبُرِ مَحْرَمِهِ الْمَمْلُوكَةِ قُبُلُهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمَنْهَجِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِفَّتُهُ عَنْ وَطْءِ حَلِيلَتِهِ فِي الْحَيْضِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ) أَيْ بَلْ يُعَزَّرُ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ عَلَى سَبِّهَا وَهَذَا خَارِجٌ بِالْمُكَلَّفِ.
قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ) . الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ مُطْلَقًا خَارِجَةٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَقَوْلُهُ: الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ لَيْسَ قَيْدًا لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ خَارِجَةٌ بِالْمُكَلَّفِ سَوَاءٌ احْتَمَلَتْ الْوَطْءَ أَوْ لَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ قَيَّدَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ الزَّوْجُ حِينَئِذٍ لِدَفْعِ التَّعْزِيرِ الَّذِي لَزِمَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا احْتَمَلَتْ الْوَطْءَ، فَيُلَاعِنُ لِإِسْقَاطِ التَّعْزِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا الْبِكْرَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا) يُتَأَمَّلُ هَذَا وَيُحَرَّرُ قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُخْرِجُهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَدُّ بِقَذْفِهَا وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَدَابِغِيُّ: لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنْ يُقَالَ بَكَارَتُهَا تُكَذِّبُ دَعْوَاهُ فَصَارَ كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ، لَكِنْ قَدْ يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ بِكْرًا وَطَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا آخَرُ وَقَذَفَهَا ثَيِّبًا وَلَمْ تُلَاعِنْ، وَجَبَ عَلَيْهَا بِلِعَانِ الْقَاذِفِينَ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَذْفَ الْبِكْرِ يُؤَثِّرُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُصَوَّرَ مَا هُنَا بِغَيْرِ الْغَوْرَاءِ وَمَا يَأْتِي بِالْغَوْرَاءِ. قَوْلُهُ:(أَوْ التَّعْزِيرُ) أَيْ فِي قَذْفِ غَيْرِ الْمُحْصَنَةِ فَيُلَاحَظُ هَذَا فِي كَلَامِهِ سَابِقًا قَوْلُهُ: (ابْنُ سَحْمَاءَ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ وَصَوَابُهُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ ابْنُ سَحْمَاءَ، بِسِينٍ مَفْتُوحَةٍ وَحَاءٍ سَاكِنَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْمَدِّ اهـ.
مَرْحُومِيٌّ عَلَى وَزْنِ حَمْرَاءَ مُؤَنَّثُ أَسْحَمَ بِمَعْنَى أَسْوَدَ وَهِيَ أُمُّ شَرِيكٍ وَأَبُوهُ عَبَدَةُ. بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْمُحَدِّثُونَ يُسَكِّنُونَهَا.
قَوْلُهُ: (الْبَيِّنَةُ) أَيْ تَلْزَمُك الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ إلَخْ قَوْلُهُ: (وَلَهُ الِامْتِنَاعُ) أَيْ مِنْ اللِّعَانِ وَهَذَا مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَعَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ) جُمْلَةُ شُرُوطٍ اللِّعَانُ أَرْبَعَةٌ: سَبْقُ الْقَذْفِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ نَفْيِ الْوَلَدِ وَوَلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَتَلْقِينِ الْقَاضِي، وَأَنْ لَا يُبَدِّلَ لَفْظًا بِآخَرَ؛ وَكَوْنُ سَبْقِ الْقَذْفِ شَرْطًا فِي اللِّعَانِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ سَبَبٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ اللِّعَانَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اللِّعَانِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الزَّوْجَ إلَخْ عِلَّةٌ
مِنْ الْحَدِّ. قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُبْتَلَى بِقَذْفِ امْرَأَتِهِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالنَّسَبِ الْفَاسِدِ. وَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَجَعَلَ اللِّعَانَ بَيِّنَةً لَهُ، فَلَهُ قَذْفُهَا إذَا تَحَقَّقَ زِنَاهَا بِأَنْ رَآهَا تَزْنِي أَوْ ظَنَّ زِنَاهَا ظَنًّا مُؤَكَّدًا أَوْرَثَهُ الْعِلْمَ: كَشِيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَصْحُوبًا بِقَرِينَةٍ كَأَنْ رَآهُمَا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي خَلْوَةٍ أَوْ رَآهُ يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهَا أَوْ هِيَ تَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعَهُ مِرَارًا فِي مَحَلِّ رِيبَةٍ أَوْ مَرَّةً تَحْتَ شِعَارٍ فِي هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْإِشَاعَةِ فَقَطْ أَوْ الْقَرِينَةِ فَقَطْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ اعْتِمَادُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَمَّا الْإِشَاعَةُ فَقَدْ يُشِيعُهُ عَدُوٌّ لَهَا أَوْ مَنْ يَطْمَعُ فِيهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا لِخَوْفٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ طَمَعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالْأَوْلَى لَهُ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهَا وَيُطَلِّقَهَا إنْ كَرِهَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ سِتْرِ الْفَاحِشَةِ وَإِقَالَةِ الْعَثْرَةِ. هَذَا حَيْثُ لَا وَلَدَ يَنْفِيه، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ، لِأَنَّ تَرْكَ النَّفْيِ يَتَضَمَّنُ اسْتِلْحَاقَهُ وَاسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ. وَإِنَّمَا يَعْلَمُ إذَا لَمْ يَطَأْ أَوْ وَطْئِهَا وَلَكِنْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَوْ لِفَوْقِ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَطْءِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ، فَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَلَ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنْ الزِّنَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا بَعْدَ وَطْئِهِ حَرُمَ النَّفْيُ رِعَايَةً لِلْفَرَاشِ وَكَذَا الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ عَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِشَرَعَ قَوْلُهُ: (فَلَهُ قَذْفُهَا) أَيْ يَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَجَبَ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ فِيمَا إذَا عَلِمَ زِنَاهَا أَوْ ظَنَّهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ حَرُمَ الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ لِأَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْفِرَاشِ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ رَآهَا تَزْنِي) الْبَاءُ لَيْسَتْ لِلْحَصْرِ بَلْ بِمَعْنَى الْكَافِ لِأَنَّ مِثْلَ الرُّؤْيَةِ إخْبَارُ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ أَيْضًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (أَوْرَثَهُ الْعِلْمَ) أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ قَوْلُهُ: (أَوْ يَرَى رَجُلًا مَعَهَا إلَخْ) هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْقَرَائِنِ لَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ الشِّيَاعُ بِالزِّنَا مُطْلَقًا لَا بِزَيْدٍ فَقَوْلُهُ: فِيمَا سَبَقَ بِزَيْدٍ أَيْ مَثَلًا قَوْلُهُ: (تَحْتَ شِعَارٍ) أَيْ سِتْرٍ وَغِطَاءٍ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الشِّعَارُ بِالْكَسْرِ مَا وَلِيَ الْجَسَدَ مِنْ الثِّيَابِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى لَهُ) هَذَا رَاجِعٌ لِحَالَةِ جَوَازِ الْقَذْفِ، وَلِعَدَمِ جَوَازِهِ، قَالَ الْحَلَبِيُّ: فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ لَهُ إمْسَاكَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا تَأْتِي الْفَاحِشَةَ.
قَوْلُهُ: (وَإِقَالَةُ الْعَثْرَةِ) أَيْ الْعَفْوُ عَنْهَا وَعَدَمُ إفْشَائِهَا وَالْعَثْرَةُ الزَّلَّةُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ) وَلَيْسَ مِنْ النَّفْيِ الْمُحَرَّمِ بَلْ وَلَا مِنْ النَّفْيِ مُطْلَقًا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ الْعَامَّةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكْتُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ حُجَّةً وَيُرِيدُ بِكِتَابَتِهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَلَا عَلَاقَةَ لَهُ بِهِ وَلَا يَرِثُهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مُطِيعًا لِأَبِيهِ فَلَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ مِنْ أَفْعَالِهِ شَيْءٌ، فَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ لَزِمَ الْوَلَدُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ دَعْوَى وَيَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِاللِّعَانِ عش عَلَى مَرَّ. وَلَوْ كَانَ يَطَأُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ الْمَاءِ إلَيْهِ لَمْ يَلْحَقْهُ أَوْ فِي الدُّبُرِ، فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ أَيْضًا وَلَيْسَ مِنْ الظَّنِّ عِلْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ عَقِيمٌ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِقَوْلِ الرُّويَانِيِّ يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ بِاللِّعَانِ أَيْ بَعْدَ قَذْفِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّا نَجِدُ كَثِيرِينَ يَكَادُ أَنْ يُجْزَمَ بِعُقُمِهِمْ ثُمَّ يَحْبَلُونَ. اهـ. حَجّ. ومَرَّ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ عَقِيمٌ وَجَبَ النَّفْيُ بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ النَّفْيِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَقِيمًا وَأَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَلِمَ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاوِ وَيَجْعَلَهُ فَرْعًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا) أَيْ بِحَيْضَةٍ وَالْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَبْرَأَهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ فَيَكُونُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ أَرْبَعُ صُوَرٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ مَا ذُكِرَ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْحَامِلُ قَدْ تَحِيضُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِمَا أَنَّ ذَلِكَ بَعِيدٌ جِدًّا، فَأَوْرَثَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ وَطْئِهِ) أَيْ الْقَاذِفِ قَوْلُهُ: (لِدَفْعِ النَّسَبِ) أَيْ لِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَالنَّسَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ثَابِتٌ أَيْ وَإِذَا امْتَنَعَ الْمُسَبَّبُ وَهُوَ الْوَلَدُ امْتَنَعَ السَّبَبُ وَهُوَ الْقَذْفُ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَطَعَ النِّكَاحَ حَيْثُ لَا وَلَدَ) أَيْ خَشْيَةَ حُدُوثِهِ مِنْ ذَلِكَ التَّلْطِيخِ. وَقَوْلُهُ: حَيْثُ لَا وَلَدَ عَلَى الْفِرَاشِ كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهِيَ عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ
الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ، وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ اللِّعَانِ بِقَوْلِهِ: (فَيَقُولُ) أَيْ الزَّوْجُ (عِنْدَ الْحَاكِمِ) أَوْ نَائِبِهِ إذْ اللِّعَانُ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بِحُضُورِهِ وَالْمُحَكِّمُ حَيْثُ لَا وَلَدَ كَالْحَاكِمِ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ فَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ. إلَّا أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا وَيَرْضَى بِحُكْمِهِ، لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي النَّسَبِ فَلَا يُؤَثِّرُ رِضَاهُمَا فِي حَقِّهِ.
وَالسَّيِّدُ فِي اللِّعَانِ بَيْنَ أَمَتِهِ وَعَبْدِهِ إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ كَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ رَقِيقِهِ وَيُسَنُّ التَّغْلِيظُ فِي اللِّعَانِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ فَيَكُونُ فِي أَشْرَفِ مَوْضِعِ بَلَدِ اللِّعَانِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَأْثِيرًا فِي الزَّجْرِ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ (فِي الْجَامِعِ عَلَى الْمِنْبَرِ) كَمَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْكَافِي لِأَنَّ الْجَامِعَ هُوَ الْمُعَظَّمُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَالْمِنْبَرُ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَبَيْنَ الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَبَيْنَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه الصلاة والسلام وَيُسَمَّى مَا بَيْنَهُمَا بِالْحَطِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: لَا شَيْءَ فِي مَكَّةَ أَشْرَفُ مِنْ الْبَيْتِ.
أُجِيبَ أَنَّ عُدُولَهُمْ عَنْهُ صِيَانَةً لَهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فَعَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعِنْدَ الصَّخْرَةِ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ بِقَاعِهِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَفِي ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ؛ وَتُلَاعَنُ امْرَأَةٌ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ مُتَحَيِّرَةٌ مُسْلِمَةٌ بِبَابِ الْجَامِعِ لِتَحْرِيمِ مُكْثِهَا فِيهِ. وَالْبَابُ أَقْرَبُ إلَى الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ. وَيُلَاعِنُ الزَّوْجُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا فَرَغَ خَرَجَ الْحَاكِمُ أَوْ نَائِبُهُ إلَيْهَا، وَيُغْلِظُ عَلَى الْكَافِرِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَرَافَعُوا إلَيْنَا فِي بِيعَةٍ وَهِيَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مَعْبَدُ النَّصَارَى،
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَكِنْ سَقَطَ مِنْهَا مَا سَيَظْهَرُ لَك وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَقْصِدْ إسْقَاطَهُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ لِأَنَّ اللِّعَانَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا لِدَفْعِ النَّسَبِ أَوْ قَطْعِ النِّكَاحِ حَيْثُ لَا وَلَدَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْدُثَ وَلَدٌ عَلَى الْفِرَاشِ الْمُلَطَّخِ.
وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ هُنَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ. وَلِأَنَّ فِي إثْبَاتِ زِنَاهَا تَعْيِيرًا لِلْوَلَدِ وَإِطْلَاقُ الْأَلْسِنَةِ فِيهِ فَلَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لِغَرَضِ الِانْتِقَامِ مَعَ إمْكَانِ الْفُرْقَةِ بِالطَّلَاقِ اهـ. مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ حَصَلَ الْوَلَدُ) أَيْ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ نَفْيُهُ لِلُحُوقِهِ لَهُ وَاللِّعَانُ لِأَجْلِ الزِّنَا الَّذِي لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مِنْهُ مُمْتَنِعٌ مَعَ لُحُوقِهِ بِهِ لِتَضَرُّرِ الْوَلَدِ بِنِسْبَةِ أُمِّهِ لِلزِّنَا فَلِذَا قَالَ وَالْفِرَاقُ مُمْكِنٌ بِالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ) هِيَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِدَفْعِ النَّسَبِ.
قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) : أَيْ بَعْدَ تَلْقِينِ الْقَاضِي وَإِلَّا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ) أَيْ بِنَفْيِهِ لِعَمَلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ وَلَا يَكْفِي بِرِضَا أَبِيهِ وَأُمِّهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ الْوَلَدُ مُكَلَّفًا قَوْلُهُ: (إذَا زَوَّجَهَا مِنْهُ) أَيْ لَهُ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَوَلَّى) أَيْ بِتَلْقِينِهِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَوْلُهُ: (رَقِيقِهِ) الْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ لِأَنَّهُمَا رَقِيقَانِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ لِعَانُ رَقِيقَيْهِ. قَالَ الَأُجْهُورِيُّ قُلْت: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ حُرًّا وَلْيَنْظُرْ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ وَالْأَمَةُ الزَّوْجَةُ لِوَاحِدٍ، فَمَنْ يَتَوَلَّى اللِّعَانَ هَلْ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَوْ هُمَا يَرْفَعَانِ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ؟ حَرَّرَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَوَلَّاهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ. قَوْلُهُ:(فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ) فِيهِ أَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ اللِّعَانُ فِيهِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (فِي الْجَامِعِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَدَارِسِ. قَوْلُهُ: (وَالْمِنْبَرُ أَوْلَى) لِكَوْنِهِ مَحَلَّ الْوَعْظِ وَالزَّجْرِ لَا لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ بِقَاعِهِ لَا تَتَفَاوَتُ فِي الْفَضِيلَةِ زي مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ) وَسَوَادُهُ طَارِئٌ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «إنَّهُ نَزَلَ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ» قَوْلُهُ: (مَقَامِ إبْرَاهِيمَ) وَهُوَ الْحَجَرُ نَزَلَ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَكَانَ يَقُومُ عَلَيْهِ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ فَيَرْتَفِعُ بِهِ، حَتَّى يَضَعَ آلَةَ الْبِنَاءِ فَوْقَ الْجِدَارِ ثُمَّ يَهْبِطُ بِهِ. اهـ. قل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (بِالْحَطِيمِ) لِحَطْمِ الذُّنُوبِ أَيْ إذْهَابِهَا فِيهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَطِمَ، أَيْ مَاتَ فِيهِ أُلُوفٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَعَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَوْلَهُ لِأَنَّ غَالِبَهُ مِنْ الْبَيْتِ صَوْنًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ عُمَرُ رضي الله عنه، وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْحَطِيمَ وَقِيلَ: إنَّ فِي الْحِجْرِ قَبْرُ إسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ قل وَقَوْلُهُ: وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ عُمَرُ لَعَلَّهُ رَأَى أَنَّ فِيهِ تَخْوِيفًا لِلْحَالِفِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. عش عَلَى مَرَّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مِنْبَرِي) . فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْآنَ لَيْسَ مِنْبَرَهُ بَلْ غَيْرَهُ إذْ مِنْبَرُهُ حُرِقَ.
قَوْلُهُ: (حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ) أَيْ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ جُنُبًا أَوْ الرَّجُلُ جُنُبًا سم.
قَوْلُهُ: (وَيُغَلِّظُ عَلَى الْكَافِرِ) وَدُخُولُ الْحَاكِمِ إلَى
وَفِي كَنِيسَةٍ وَهِيَ مَعْبَدُ الْيَهُودِ، وَفِي بَيْتِ نَارِ مَجُوسِيٍّ لَا بَيْتِ أَصْنَامٍ وَثَنِيٍّ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ فِي الْمُسْلِمِ فَيَكُونُ بَعْدَ صَلَاةِ عَصْرِ كُلِّ يَوْمٍ إنْ كَانَ طَلَبُهُ حَثِيثًا لِأَنَّ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ، أَغْلَظُ عُقُوبَةً لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» . وَعَدَّ مِنْهُمْ رَجُلًا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَلَبٌ حَثِيثٌ فَبَعْدَ صَلَاةِ عَصْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهِ. كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّهَا مِنْ مَجْلِسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ. وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِالزَّمَانِ فِي الْكَافِرِ فَيُعْتَبَرُ بِأَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَهُمْ، كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَالْمُسْلِمِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَمَاكِنِهِمْ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ لِأَنَّهُ لِحَاجَةٍ، وَغَيْرُ الْحَاكِمِ مِثْلُهُ لَكِنْ بِإِذْنِ بَالِغٍ عَاقِلٍ مِنْهُمْ، وَمَحَلُّهُ إنْ خَلَتْ عَنْ صُوَرٍ وَإِلَّا فَحَرَامٌ مُطْلَقًا وَدُخُولُهُمْ مَسَاجِدُنَا كَعَكْسِهِ وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ جَوَازُ تَلَاعُنِ الْكُفَّارِ فِي مَسَاجِدِنَا، غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قل وَقَوْلُهُ: وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ إلَخْ عِبَارَةُ سم وَيَجُوزُ تَلَاعُنُ الذِّمِّيِّينَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَوْ مَعَ حَدَثٍ أَكْبَرَ وَحَيْضٍ لَا يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ. قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: بِرِضَاهُمَا فَإِنْ رَضِيَتْ دُونَهُ فَلَهَا ذَلِكَ أَوْ هُوَ دُونَهَا لَمْ يَكْفِ اهـ. وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسْلِمًا وَالزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً لَاعَنَ فِي الْجَامِعِ وَلَاعَنَتْ فِيمَا تُعَظِّمُهُ مِنْ بِيعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
فَإِنْ رَضِيَ بِلِعَانِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ طَلَبَتْهُ، جَازَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَطْلُبْهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي اللِّعَانِ لَهَا أَوْ لَمْ يَرْضَ هُوَ لِأَنَّ التَّغْلِيظَ عَلَيْهَا حَقُّهُ لَكِنْ لَوْ امْتَنَعَتْ مَعَ رِضَاهُ فَهَلْ تُخَيَّرُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّغْلِيظَ عَلَيْهَا حَقُّهُ، قَدْ يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَيَقْتَضِي عَكْسَ مَا ذَكَرَهُ إذْ لَا تَغْلِيظَ فِي الْجَامِعِ فِي اعْتِقَادِهَا فَفِي رِضَاهَا دُونَهُ تَفْوِيتُ حَقِّهِ مِنْ التَّغْلِيظِ بِخِلَافِ رِضَاهُ دُونَهَا، لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنْ يَتَضَمَّنَ إسْقَاطَ حَقِّهِ، وَهُوَ جَائِزٌ لَهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ يَتَضَمَّنُ أَيْضًا حَمْلَهَا عَلَى مَا تَعْتَقِدُهُ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَسْجِدِ لِوُجُودِ نَظِيرِ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ فِي الْعَكْسِ أَعْنِي رِضَاهَا دُونَهُ مَعَ زِيَادَتِهِ بِتَفْوِيتِ حَقِّهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (فِي بِيعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ بِاللِّعَانِ فِي بِيعَةٍ وَقَدْ انْعَكَسَ الْعُرْفُ الْآنَ بِعَكْسِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قل.
قَوْلُهُ: (وَفِي بَيْتِ نَارِ مَجُوسِيٍّ) وَرَوْعِي اعْتِقَادُهُ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ كِتَابٍ بِخِلَافِ الْوَثَنِيِّ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (بِالزَّمَانِ) عِبَارَةُ عش وَلَوْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ فَاعْتُبِرَ الْوَقْتُ الَّذِي يُعَظِّمُونَهُ اهـ. سم بِحُرُوفِهِ قَوْلُهُ: (كُلَّ يَوْمٍ) الْمُرَادُ أَيُّ يَوْمٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْكُلِّيَّةُ غَيْرُ مُرَادَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الطَّلَبُ حَثِيثًا فَفِي عَصْرِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ طَلَبَهُ) أَيْ اللِّعَانَ.
قَوْلُهُ: (وَعَدَّ مِنْهُمْ رَجُلًا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ إلَخْ) عَلَى زَائِدَةٌ «وَالثَّانِي رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ، وَالثَّالِثُ رَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ أَمْنَعُك فَضْلِي، كَمَا مَنَعْت فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاك» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَعِبَارَةُ مَرَّ لِأَنَّ يَوْمَهَا أَشْرَفُ الْأُسْبُوعِ وَسَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهَا بَعْدَ عَصْرِهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ. وَإِنْ كَانَ الْأَشْهَرُ أَنَّهَا فِيمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ وَفَرَاغِ الصَّلَاةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ، وَمُقَابِلُهُ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ قَوْلًا وَالرَّاجِحُ مِنْهَا أَنَّهَا فِيمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ، قل. وَقَوْلُهُ: فِيمَا بَيْنَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ. لَا الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِعَصْرِ الْجُمُعَةِ الْأَوْقَاتَ الشَّرِيفَةَ، كَشَهْرَيْ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ اهـ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَجْلِسِ الْإِمَامِ) أَيْ الْأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ) فِيهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغْلِيظِ بِالزَّمَانِ اهـ وَفِي الْوَسِيطِ وَإِطْلَاقُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. التَّغْلِيظَ بِالزَّمَانِ وَكَوْنَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ، يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّا نُغَلِّظُ عَلَى الْكُفَّارِ بِالزَّمَانِ عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُمْ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ، لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّ الْيَمِينَ تُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ فِي وَقْتِ أَشْرَفِ صَلَوَاتِهِمْ عِنْدَهُمْ. وَأَمَّا الْمَجُوسُ فَلَيْسَ لَهُمْ صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَإِنَّمَا لَهُمْ زَمْزَمَةٌ يَرَوْنَهَا قُرْبَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً عِنْدَهُمْ حَلَفُوا فِي أَعْظَمِ أَوْقَاتِهَا عِنْدَهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَقَّتَةً سَقَطَ تَغْلِيظُ أَيْمَانِهِمْ بِالزَّمَانِ إلَّا أَنَّهُمْ يَرَوْنَ النَّهَارَ أَشْرَفَ مِنْ اللَّيْلِ وَيَحْلِفُونَ نَهَارًا
تَنْبِيهٌ: مَنْ لَا يَنْتَحِلُ دِينًا كَالدَّهْرِيِّ وَالزِّنْدِيقِ الَّذِي لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ وَعَابِدِ الْوَثَنِ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِمْ تَغْلِيظٌ بَلْ يُلَاعِنُونَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُمْ لَا يُعَظِّمُونَ زَمَانًا وَلَا مَكَانًا فَلَا يَنْزَجِرُونَ. قَالَ الشَّيْخَانِ: وَيَحْسُنُ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ ذُكِرَ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَرَزَقَهُ. لِأَنَّهُ وَإِنْ غَلَا فِي كُفْرِهِ وَجَدَ نَفْسَهُ مُذْعِنَةً لِخَالِقٍ مُدَبِّرٍ، وَيُسَنُّ التَّغْلِيظُ أَيْضًا (فِي جَمَاعَةٍ) أَيْ بِحُضُورِ جَمْعٍ (مِنْ) عُدُولِ أَعْيَانِ (النَّاسِ) وَصُلَحَائِهِمْ مِنْ بَلَدِ اللِّعَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] وَلِأَنَّ فِيهِ رَدْعًا عَنْ الْكَذِبِ وَأَقَلُّهُمْ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ أَرْبَعَةٌ لِثُبُوتِ الزِّنَا بِهِمْ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُحْضِرَ ذَلِكَ الْعَدَدَ، وَيَبْدَأَ فِي اللِّعَانِ بِالزَّوْجِ فَيَقُولُ:(أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّنِي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي) هَذِهِ (مِنْ الزِّنَا) إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ أَوْ مَجْلِسِ اللِّعَانِ لِمَرَضٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا عَنْ غَيْرِهَا دَفْعًا لِلِاشْتِبَاهِ. وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ يَنْفِيهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي كُلِّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ فَيَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْهَا:(وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ) إنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ إنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ إنْ كَانَ غَائِبًا (مِنْ الزِّنَا وَلَيْسَ) هُوَ (مِنِّي) لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ فَلَوْ أَغْفَلَ ذِكْرَ الْوَلَدِ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ لِنَفْيِهِ.
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ لَيْسَ مِنِّي أَنَّهُ لَا يَكْفِي، قَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَبِهِ أَجَابَ كَثِيرُونَ لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّ وَطْءَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ زِنًا وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَكْفِي. كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَا لَيْلًا وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُ وَإِلَّا لَمَا حَلَّفْنَاهُمْ فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ: (مَنْ لَا يُنْتَحَلُ) أَيْ لَا يُخْتَارُ.
قَوْلُهُ: (كَالدُّهْرِيِّ) . بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ قَاسِمٍ وَبِفَتْحِهَا كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَهُوَ الْمُعَطَّلُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الدُّهْرِيُّ بِالضَّمِّ الْمُسِنُّ وَبِالْفَتْحِ الْمُلْحِدُ وَهُوَ مَنْ يَنْسِبُ الْأَفْعَالَ لِلدَّهْرِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] أَيْ إلَّا مُرُورُ الزَّمَانِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مُدَّةُ بَقَاءِ الْعَالَمِ قَالَ ثَعْلَبٌ وَهُمَا جَمِيعًا مَنْسُوبَانِ إلَى الدَّهْرِ وَهُمْ رُبَّمَا غَيَّرُوا فِي النَّسَبِ كَمَا يُقَالُ سُهَيْلِيٌّ لِلْمَنْسُوبِ إلَى الْأَرْضِ السَّهْلَةِ وَعِبَارَةُ حَلَّ الدَّهْرِيُّ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَهُوَ الظَّاهِرُ هُوَ الْمُعَطِّلُ أَيْ لِلصَّانِعِ. قَوْلُهُ: (وَالزِّنْدِيقُ) بِكَسْرِ الزَّايِ بِوَزْنِ قِنْدِيلٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (وَعَابِدُ الْوَثَنِ) أَيْ الصَّنَمِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْجَمْعُ وُثْنٌ كَأَسَدٍ وَأُسْدٌ وَأَوْثَانٌ. اهـ. مِصْبَاحٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ غَلَا) أَيْ تَجَاوَزَ الْحَدَّ فِي كُفْرِهِ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [المائدة: 77] أَيْ لَا تَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ فِي دِينِكُمْ بِأَنْ تَصِفُوا عِيسَى وَتَرْفَعُوهُ فَوْقَ حَقِّهِ اهـ. جَلَالَيْنِ أَيْ بِأَنْ تَجْعَلُوهُ إلَهًا قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) أَيْ: بَعْدَ التَّلْقِينِ.
قَوْلُهُ: (لِمَرَضٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَلْ مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي مَرَّ قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ الْخَمْسَةِ) . ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْخَامِسَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْ قَوْلُهُ: وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهَا بِمَا يُنَاسِبُ، كَأَنْ يَقُولَ وَإِنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَفِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا، وَلَيْسَ مِنِّي اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ) أَوْ حَمْلَهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَهَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا رَمَيْت كَمَا فِي ابْنِ قَاسِمٍ فَيَقْرَأَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ مِنْ مَدْخُولِ الصِّدْقِ وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: إنَّنِي لَمِنْ الصَّادِقِينَ مَعْمُولًا لِأَشْهَدَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ هُوَ مِنِّي) أَبْرَزَ الضَّمِيرَ إيضَاحًا قَوْلُهُ: (لِأَنَّ كُلَّ مَرَّةٍ إلَخْ) لَعَلَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: ذَكَرَهُ فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَالَ شَيْخُنَا: وَالتَّعْلِيلُ ظَاهِرٌ فِي الْمَرَّاتِ الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ أَمَّا الْخَامِسَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِهَا لَا أَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَاهِدٍ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِكَوْنِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.
وَقَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ لِيَنْتَفِيَ عَنْهُ عِلَّةٌ لِأَصِل الذِّكْرِ. قَوْلُهُ: (احْتَاجَ إلَى إعَادَةِ اللِّعَانِ) . ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعِيدُ اللِّعَانَ جَمِيعَهُ وَلَوْ كَانَ إغْفَالُ ذِكْرِ الْوَلَدِ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْوَلَاءَ بَيْنَ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ شَرْطٌ كَمَا يَأْتِي. فَإِذَا أَغْفَلَ ذِكْرَهُ فِي الرَّابِعَةِ مَا أَتَى بِهِ أَجْنَبِيٌّ فَاصِلٌ بَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا بَدَلَ الرَّابِعَةِ الَّتِي أَغْفَلَ فِيهَا ذِكْرَ الْوَالِدِ،. اهـ. عش. قَوْلُهُ:(وَبِهِ أَجَابَ) لَعَلَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ سُئِلَ
وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ حَمْلًا لِلَفْظِ الزِّنَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ لَيْسَ مِنِّي لَمْ يَكْفِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يُشْبِهَهُ خَلْقًا وَلَا خُلُقًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْنِدَهُ مَعَ ذَلِكَ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ مِنْ زِنًا أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ.
وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْفَصْلِ وَكُرِّرَتْ الشَّهَادَةُ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ. لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ مُقَامَ أَرْبَعِ شُهُودٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيُقَامَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ شَهَادَاتٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ أَيْمَانٌ، وَأَمَّا الْكَلِمَةُ الْخَامِسَةُ الْآتِيَةُ فَمُؤَكِّدَةٌ لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ (وَيَقُولُ فِي) الْمَرَّةِ (الْخَامِسَةِ بَعْدَ أَنْ يَعِظَهُ الْحَاكِمُ) نَدْبًا بِأَنْ يُخَوِّفَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِهِلَالٍ «اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ» وَيَأْمُرُ رَجُلًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ لَعَلَّهُ يَنْزَجِرُ فَإِنْ أَبَى بَعْدَ مُبَالَغَةِ الْحَاكِمِ فِي وَعْظِهِ إلَّا الْمُضِيَّ قَالَ لَهُ: قُلْ (وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ) فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَيُشِيرُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَيُمَيِّزُهَا فِي الْغَيْبَةِ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْأَرْبَعِ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ مِنْ حَقِّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْخَامِسَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذِكْرُ ذَلِكَ، وَسُكُوتُهُ أَيْضًا عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ فِي الْخَامِسَةِ يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَفْيِهِ ذِكْرُهُ فِيهَا. وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَسَكَتَ أَيْضًا عَنْ ذِكْرِ الْمُوَالَاةِ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَيُؤَثِّرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ قَذَفَ وَلَمْ تُثْبِتْهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ. وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ كَأَنْ اُحْتُمِلَ كَوْنُهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ أَثْبَتَتْ قَذْفَهُ بِبَيِّنَةٍ قَالَ فِي الْأَوَّلِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ إصَابَةِ غَيْرِي لَهَا عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ تِلْكَ الْإِصَابَةِ إلَى آخِرِ الْكَلِمَاتِ وَفِي الثَّانِي فِيمَا أَثْبَتَتْ عَلَيَّ مِنْ رَمْيِ إيَّاهَا بِالزِّنَا إلَى آخِرِهِ. وَلَا تُلَاعِنُ الْمَرْأَةُ فِي الْأَوَّلِ إذْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا بِهَذَا اللِّعَانِ حَتَّى تُسْقِطَهُ بِلِعَانِهَا
(وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ) أَيْ بِتَمَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانِهَا وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي كَمَا فِي الرَّوْضَةِ.
(خَمْسَةُ أَحْكَامٍ) وَعَلَيْهَا اقْتَصَرَ أَيْضًا فِي الْمِنْهَاجِ وَذَكَرَ فِي الزَّوَائِدِ زِيَادَةً عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي مَعَ غَيْرِهَا. الْأَوَّلُ (سُقُوطُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِقَوْلِهِ: هَلْ يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ لَا فَقَالَ: لَا يَكْفِي وَقَالَ شَيْخُنَا أَتَى بِصِيغَةِ الْجَوَابِ لَعَلَّهُ لِذِكْرِهِ مَا ذَكَرَ بِصُورَةِ سُؤَالٍ.
قَوْلُهُ: (وَالشُّبْهَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ إذْ الشُّبْهَةُ هُنَا لَا تَكُونُ إلَّا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِمَا عُلِمَ، أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُلَاعِنِ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا) أَيْ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُسْنِدَهُ) أَيْ قَوْلَهُ: لَيْسَ مِنِّي وَقَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ قَوْلِهِ: لَيْسَ مِنِّي وَالْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ مَعَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ وَقَضِيَّتُهُ اشْتِرَاطُ الْجَمْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ: إلَى سَبَبٍ أَيْ كَالزِّنَا قَوْلُهُ: (لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ آيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ الشَّامِلَةُ لِلِعَانِهِ وَلِعَانِهَا، قَوْلُهُ:(لِأَنَّهَا أُقِيمَتْ) الْأَوْلَى وَلِأَنَّهَا إلَخْ تَعْلِيلٌ ثَانٍ وَعِبَارَةُ مَرَّ. وَلِأَنَّهَا قَوْلُهُ: (لِمُفَادِ الْأَرْبَعِ) أَيْ لِلْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْخَمْسَةُ الْآتِيَةُ فِي قَوْلِهِ وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا إلَخْ) وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ وَيَذْكُرُ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ " حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ هَلْ مِنْ تَائِبٍ " سم.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِنْ الْمُضِيِّ فِي تَمَامِ اللِّعَانِ فِي الْخَامِسَةِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ بَلْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (فَيُؤْثَرُ الْفَصْلُ الطَّوِيلُ) وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُهَا) وَأَمَّا الْوَلَاءُ بَيْنَ لِعَانَيْ الزَّوْجَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ، قَوْلُهُ:(وَهَذَا كُلُّهُ) الْإِشَارَةُ لِقَوْلِهِ: السَّابِقِ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا قَوْلُهُ: (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ
قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانِهَا) أَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ مَالِكٌ. وَقِيلَ: بِالتَّوَقُّفِ عَلَى لِعَانِهَا وَهُوَ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الثَّالِثِ وَالْخَامِسِ وَلَا يُعْقَلُ فِي غَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي)
الْحَدِّ) أَيْ سُقُوطُ حَدِّ قَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ (عَنْهُ) إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً وَسُقُوطُ التَّعْزِيرِ عَنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً وَلَا يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفِ الزَّانِي عَنْهُ إلَّا إنْ ذَكَرَهُ فِي لِعَانِهِ.
تَنْبِيهٌ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعُقُوبَةِ بَدَلَ الْحَدِّ لِيَشْمَلَ التَّعْزِيرَ (وَ) الثَّانِي (وُجُوبُ الْحَدِّ) أَيْ حَدِّ الزِّنَا (عَلَيْهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً إنْ لَمْ تُلَاعِنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِلِعَانِهِ، وَعَلَى سُقُوطِهِ بِلِعَانِهَا. (وَ) الثَّالِثُ (زَوَالُ الْفِرَاشِ) أَيْ فِرَاشِ الزَّوْجِ عَنْهَا لِانْقِطَاعِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ:«لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ كَالرَّضَاعِ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ وَتَحْصُلُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» .
تَنْبِيهٌ: تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْفِرَاشِ مُرَادُهُ بِهِ الزَّوْجِيَّةُ كَمَا مَرَّ تَبَعًا لِجَمْعٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ (وَ) الرَّابِعُ (نَفْيُ) انْتِسَابِ (الْوَلَدِ) إلَيْهِ إنْ نَفَاهُ فِي لِعَانِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ» وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ الْمُلَاعِنُ إلَى نَفْيِ نَسَبِ وَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ كَأَنْ طَلَّقَهَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ كَمَا يَقُولُ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ قَوْلُهُ: (مَعَ غَيْرِهَا) أَيْ مَعَ غَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ قَوْلُهُ: (حَدُّ قَذْفِ الزَّانِي) أَيْ إنْ كَانَ مُحْصَنًا أَوْ تَعْزِيرُهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَقَوْلُهُ: عَنْهُ أَيْ عَنْ الْمُلَاعِنِ قَوْلُهُ: (إلَّا إنْ ذَكَرَهُ إلَخْ) . وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَأَرَادَ إعَادَةَ اللِّعَانِ لِسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ بِقَذْفِهِ، فَلَهُ الْإِعَادَةُ لِذِكْرِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ قَوْلُهُ:(وَوُجُوبُ الْحَدِّ) : اعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ الْحَدُّ وَهُوَ إمَّا الْجَلْدُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً أَوْ الرَّجْمُ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً، وَلَا يَتَأَتَّى وُجُوبُ تَعْزِيرٍ عَلَيْهَا بِاللِّعَانِ. وَأَمَّا الْوَاجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إنْ لَمْ يُلَاعِنْ فَهُوَ الْحَدُّ إنْ كَانَتْ مُحْصَنَةً. أَوْ التَّعْزِيرُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ حَدِّهَا وَحَدِّهِ فَقَدْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ التَّعْزِيرُ، بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ مُحْصَنَةٍ وَالْمُرَادُ بِالتَّعْزِيرِ الَّذِي يُلَاعَنُ لِنَفْيِهِ هُوَ تَعْزِيرُ التَّكْذِيبِ كَقَذْفِ أَمَةٍ، أَوْ صَغِيرَةٍ تُوطَأُ أَوْ كَافِرَةٍ، وَأَمَّا تَعْزِيرُ التَّأْدِيبِ فَلَا يُلَاعَنُ لِنَفْيِهِ كَقَذْفِ صَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ وَقَذْفِ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ لِعَانٍ مَعَ امْتِنَاعِهَا مِنْهُ، أَيْ مِنْ اللِّعَانِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ كَاذِبٌ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ صَادِقٌ فَلَا حَاجَةَ لِإِظْهَارِ الصِّدْقِ وَقَدْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِاللِّعَانِ، بِأَنْ كَانَ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدِ الشُّبْهَةِ قَوْلُهُ:(أَيْ حَدُّ الزِّنَا) أَيْ الَّذِي ثَبَتَ بِالْأَيْمَانِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلُهُ: (وَهِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ) لَا فَائِدَةَ تَتَرَتَّبُ عَلَى كَوْنِهَا فُرْقَةَ فَسْخٍ أَوْ فُرْقَةَ طَلَاقٍ إلَّا الْأَيْمَانَ وَالتَّعَالِيقَ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ لَهُ. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَهِيَ فُرْقَةُ انْفِسَاخٍ لِأَنَّ هَذَا انْفِسَاخٌ لَا فَسْخٌ.
قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ لَفْظٍ) هَذَا هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَ فُرْقَةِ الرَّضَاعِ وَفُرْقَةِ اللِّعَانِ أَيْ بِغَيْرِ لَفْظٍ، دَالٍّ عَلَى الْفُرْقَةِ فَلَا يُرَدُّ مَا يُقَالُ. إنَّ اللِّعَانَ لَفْظٌ فَكَيْفَ يَقُولُ لِحُصُولِهَا بِغَيْرِ لَفْظٍ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ اللِّعَانِ إثْبَاتُ زِنَاهَا وَنَفْيُ الْوَلَدِ وَالْفُرْقَةُ مُرَتَّبَةٌ عَلَيْهِ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (الْمُتَلَاعِنَانِ) هَذَا التَّفَاعُلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ مَتَى لَاعَنَ وَتَمَّ لِعَانُهُ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ سَوَاءٌ لَاعَنَتْ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا) حَتَّى فِي الْجَنَّةِ قَالَ الزِّيَادِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْمُلَاعَنَةِ أَبَدًا وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ يَمِينٍ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَاسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ شِرَائِهَا، وَإِنْ كَذَّبَ نَفْسَهُ فَلَا يُفِيدُهُ إكْذَابُهَا عَوْدُ النِّكَاحِ وَلَا رَفْعُ تَأَبُّدِ الْحُرْمَةِ، لِأَنَّهُمَا حَقٌّ لَهُ وَقَدْ بَطَلَا بِاللِّعَانِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَلُحُوقِ النَّسَبِ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ لِأَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدُّهَا فَهَلْ يَسْقُطُ؟ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ لَمْ أَرَهُ لَكِنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يُفْهِمُ السُّقُوطَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَطْلَبِ فَلَا تُحَدَّ وَلَا تَحْتَاجَ إلَى اللِّعَانِ.
قَوْلُهُ: (الزَّوْجِيَّةُ) كَذَا فِي نُسَخٍ وَفِي بَعْضِهَا الزَّوْجَةُ.
قَوْلُهُ: (وَنَفْيُ الْوَلَدِ) الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الِانْتِفَاءُ وَلَوْ لَاعَنَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ فَبَانَ أَنْ لَا حَمْلَ، أَوْ لَاعَنَ وَلَا وَلَدَ فَبَانَ فَسَادُ نِكَاحِهِ، بَانَ فَسَادُ لِعَانِهِ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِهِ كَتَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ سم.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَخْ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: فِيمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ يَنْفِيهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ) أَيْ شَرْعًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عِلْمِ كَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ شَرْعًا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ اسْتَحَالَ شَرْعًا مَعَ إمْكَانِ
وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ، أَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا أَوْ مَمْسُوحًا لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ فِي انْتِفَائِهِ إلَى لِعَانِهِ وَالنَّفْيُ فَوْرِيٌّ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِجَامِعِ الضَّرَرِ بِالْإِمْسَاكِ إلَّا لِعُذْرٍ كَأَنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ لَيْلًا فَأَخَّرَ حَتَّى يُصْبِحَ، أَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ إعْلَامُ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَجِدْهُ فَأَخَّرَ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ إنْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ فِيهِ إشْهَادٌ بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى النَّفْيِ وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ. كَمَا لَوْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ فَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ وَانْتِظَارُ وَضْعِهِ لِيَتَحَقَّقَ كَوْنَهُ وَلَدًا، فَلَوْ قَالَ: عَلِمْته وَلَدًا وَأَخَّرْت رَجَاءَ وَضْعِهِ مَيِّتًا فَأُكْفَى اللِّعَانَ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ النَّفْيِ لِتَفْرِيطِهِ فَإِنْ أَخَّرَ وَقَالَ: جَهِلْت الْوَضْعَ وَأَمْكَنَ جَهْلُهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَصِحُّ نَفْيُ أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ بِأَنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ. بِأَنْ وُلِدَا مَعًا أَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ وَضْعَيْهِمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُجْرِ الْعَادَةَ بِأَنْ يَجْمَعَ فِي الرَّحِمِ وَلَدًا مِنْ مَاءِ رَجُلٍ وَوَلَدًا مِنْ مَاءٍ آخَرَ لِأَنَّ الرَّحِمَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى الْمَنِيِّ اسْتَدَّ فَمُهُ فَلَا يَتَأَتَّى قَبُولُ مَنِيٍّ آخَرَ وَلَوْ هُنِّئَ بِوَلَدٍ كَأَنْ قِيلَ لَهُ: مُتِّعْت بِوَلَدِك، فَأَجَابَ: بِمَا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا كَآمِينَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَوْنِهِ مِنْهُ عَقْلًا قَوْلُهُ: (وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ وَلِيًّا يُقْطَعُ بِإِمْكَانِ وُصُولِهِ إلَيْهَا، لِأَنَّا لَا نُعَوِّلُ عَلَى الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ. نَعَمْ إنْ وَصَلَ إلَيْهَا وَدَخَلَ بِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ بَاطِنًا النَّفْيُ اهـ ع ش. قَوْلُهُ:(أَوْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا) أَيْ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ عَادَةً بِأَنْ كَانَ عُمُرُهُ دُونَ تِسْعِ سِنِينَ وَفِيهِ إنَّ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَالْمُلَاعِنُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَنْهَجِ فَكَانَ الصَّوَابُ حَذْفُهُ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: أَيْ ثُمَّ بَلَغَ لِيَصِحَّ لِعَانُهُ. قَوْلُهُ: (لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ) أَيْ شَرْعًا مَعَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ عَقْلًا قَوْلُهُ: (وَالنَّفْيُ فَوْرِيٌّ) أَيْ الْحُضُورُ عِنْدَ الْقَاضِي بِطَلَبِ النَّفْيِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ وَعِبَارَةُ مَرَّ. وَالنَّفْيُ فَوْرِيٌّ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ، فَيَأْتِي الْحَاكِمَ وَيُعْلِمُهُ بِانْتِفَائِهِ عَنْهُ اهـ. فَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْفَوْرُ الرَّفْعُ إلَى الْحَاكِمِ وَإِعْلَامُهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّفْيَ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللِّعَانِ رَشِيدِيٌّ عَلَى مَرَّ وَعِبَارَةُ مَرَّ. وَخَرَجَ بِالنَّفْيِ اللِّعَانُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ فَوْرٌ.
قَوْلُهُ: (إلَّا لِعُذْرٍ) . عِبَارَةُ شَرْحِ مَرَّ وَيُعْذَرُ لِعُذْرٍ مِمَّا مَرَّ فِي أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ نَعَمْ يَلْزَمُهُ إرْسَالُ مَنْ يُعْلِمُ الْحَاكِمَ فَإِنْ عَجَزَ فَالْإِشْهَادُ، وَإِلَّا بَطَلَ حَقُّهُ كَغَائِبٍ أَخَّرَ السَّيْرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ تَأَخَّرَ لِعُذْرٍ وَلَمْ يُشْهِدْ وَالتَّعْبِيرُ بِأَعْذَارِ الْجُمُعَةِ هُوَ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.
وَمُقْتَضَى تَشْبِيهِهِمْ لِمَا هُنَا بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالشُّفْعَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَعْذَارُهُمَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ كَانَتْ أَضْيَقَ، لَكِنَّا وَجَدْنَا مِنْ أَعْذَارِهِمَا إرَادَةَ دُخُولِ الْحَمَّامِ وَلَوْ لِلتَّنْظِيفِ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ. وَالْأَوْجَهُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ عُذْرًا لِلْجُمُعَةِ وَمِنْ أَعْذَارِهِمَا أَكْلُ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ وَيَبْعُدُ كَوْنُهُ عُذْرًا هُنَا وَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ عُذْرًا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا يَأْتِي، لِأَنَّ الْوَجْهَ اعْتِبَارُ الْأَضْيَقِ مِنْ تِلْكَ الْأَعْذَارِ اهـ. بِحُرُوفِهِ وَانْتِظَارُ قَاضٍ خَيْرٍ مِنْ الْمُتَوَلِّي بِحَيْثُ لَا يَأْخُذُ مَالًا أَصْلًا أَوْ دُونَ الْأَوَّلِ مُجَرَّدُ تَوَهُّمٍ لَا نَظَرَ إلَيْهِ، أَمَّا لَوْ خَافَ مِنْ إعْلَامِهِ جَوْرًا يَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ كُلِّ مَا لَهُ أَوْ قَدْرًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَخْذِ مِثْلِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ عُذْرٌ عش عَلَى مَرَّ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ) أَيْ التَّأْخِيرُ قَوْلُهُ: (وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ إلَخْ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ كَوْنِ النَّفْيِ فَوْرِيًّا، وَإِذَا لَاعَنَ لِنَفْيِ الْحَمْلِ فَبَانَ عَدَمُهُ فَسَدَ لِعَانُهُ وَحُدَّ اهـ. قَوْلُهُ:(فَأُكْفَى اللِّعَانَ) كَفَى يَتَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ يُقَالُ كَفَاهُ مُؤْنَتَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُخْتَارِ فَنَائِبُ الْفَاعِلِ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَاللِّعَانُ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي وَالْهَمْزَةُ هَمْزَةُ الْمُتَكَلِّمِ.
قَوْلُهُ: (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) وَلَوْ قَالَ: لَمْ أُصَدِّقْ الْمُخَبِّرَ لَمْ يُقْبَلْ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَوْ فِي الرِّوَايَةِ أَوْ لَمْ أَعْلَمْ جَوَازَ اللِّعَانِ صُدِّقَ إنْ كَانَ عَامِّيًّا وَإِنْ نَشَأَ مُسْلِمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَجْمَعَ) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ يَجْتَمِعَ اهـ. مَرْحُومِيٌّ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَاءِ آخَرَ) : بِالْإِضَافَةِ وَعَدَمِهَا وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ مَنِيُّ آخَرَ، لَكِنْ كَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ مَنِيُّ آخَرَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَنِيًّا آخَرَ لِيَشْمَلَ مَنِيَّهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَدَمُ الْإِضَافَةِ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ هُنِّئَ بِوَلَدٍ إلَخْ) وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ تَصْوِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْ وُجُوبِ النَّفْيِ فَوْرًا، وَأُجِيبَ
أَوْ نَعَمْ. لَمْ يَنْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَابَ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُ إقْرَارًا كَقَوْلِهِ " جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا " لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَصْدَهُ مُكَافَأَةُ الدُّعَاءِ بِالدُّعَاءِ (وَ) الْخَامِسُ (التَّحْرِيمُ) أَيْ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ (عَلَى الْأَبَدِ) فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا بَعْدَ اللِّعَانِ وَلَا وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَاشْتَرَاهَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ: «لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» أَيْ لَا طَرِيقَ لَك إلَيْهَا. وَلِمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا» .
تَنْبِيهٌ: بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ الْأَحْكَامِ أَشْيَاءُ أُخَرُ لَمْ يَذْكُرْهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِذِكْرِهَا مِنْهَا سُقُوطُ حَدِّ قَذْفِ الزَّانِي بِهَا عَنْ الزَّوْجِ إنْ سَمَّاهُ فِي لِعَانِهِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي لِعَانِهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حَدُّ قَذْفِهِ لَكِنْ لَهُ أَنْ يُعِيدَ اللِّعَانَ وَيَذْكُرَهُ. فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَحُدَّ لِقَذْفِهَا بِطَلَبِهَا فَطَالَبَهُ الرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ بِهِ بِالْحَدِّ. وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدَّانِ فَلَهُ اللِّعَانُ وَتَأَبَّدَتْ حُرْمَةُ الزَّوْجَةِ بِاللِّعَانِ لِأَجْلِ الرَّجُلِ فَقَطْ؛ وَلَوْ ابْتَدَأَ الرَّجُلُ فَطَالَبَهُ بِحَدِّ قَذْفِهِ كَانَ لَهُ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقَّهُ يَثْبُتُ أَصْلًا لَا تَبَعًا لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا، فَلِلْآخَرِ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: يُلَاعِنُ لِلْمَقْذُوفِ بِهِ لَا يَثْبُتُ بِلِعَانِهِ زِنَا الْمَقْذُوفِ بِهِ وَلَا يُلَاعِنُ الْمَقْذُوفُ بِهِ وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ، وَمِنْهَا سُقُوطُ حَصَانَتِهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ إنْ امْتَنَعَتْ مِنْ اللِّعَانِ، وَمِنْهَا تَشْطِيرُ الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَمِنْهَا أَنَّ حُكْمَهَا: حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا فَلَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ وَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ نِكَاحُ أَرْبَعٍ سِوَاهَا وَمَنْ يَحْرُمُ جَمْعُهُ مَعَهَا كَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِتَصْوِيرِهَا فِيمَنْ قَالَ: الْقَوْلُ الْمُتَقَدِّمُ فِي تَوَجُّهِهِ لِلْقَاضِي أَوْ قَالَهُ: فِي حَالَةٍ يُعْذَرُ فِيهَا بِالتَّأْخِيرِ كَلَيْلٍ وَنَحْوِهِ زي.
قَوْلُهُ: (جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا) أَوْ قَالَ: لَهُ سَمِعْت مَا يَسُرُّك، وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أَفْضَلُ دُعَاءٍ يَدْعُوهُ الْإِنْسَانُ لِأَخِيهِ، مُقَابَلَةَ مَعْرُوفٍ صَنَعَهُ مَعَهُ فَيُجَازِيهِ بِهِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ «مَنْ أَسْدَى إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى مُكَافَأَتِهِ فَادْعُوَا لَهُ» قَوْلُهُ:(وَالْخَامِسُ التَّحْرِيمُ) هَذَا يُغْنِي عَنْ الثَّالِثِ دُونَ الْعَكْسِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ فَلَا يَكْفِي عَنْ هَذَا.
قَوْلُهُ: (بَقِيَ عَلَى الْمُصَنِّفِ إلَخْ) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خَمْسَةٌ، وَالْمَتْنُ خَمْسَةٌ فَتَكُونُ عَشَرَةً مُتَعَلِّقَةً وَمُتَرَتِّبَةً عَلَى لِعَانِ الزَّوْجِ، فَإِذَا لَاعَنَتْ الزَّوْجَةُ تَعَلَّقَ بِلِعَانِهَا سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهَا قَوْلُهُ:(بِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِالزَّانِي. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَحُدَّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ حُدَّ.
وَقَوْلُهُ: فَطَالَبَهُ، الرَّجُلُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ وَلَا بَيِّنَةَ وَجَوَابُ الشَّرْطِ هُوَ قَوْلُهُ: فَلَهُ اللِّعَانُ فَافْهَمْ.
وَلَا تَغْتَرَّ بِتَحْرِيفِ بَعْضِ النُّسَخِ.
قَوْلُهُ: (الْمَقْذُوفُ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَا وَقَوْلُهُ: بِالْحَدِّ مُتَعَلِّقٌ بِطَالَبَهُ قَوْلُهُ: (لِأَجْلِ الرَّجُلِ) أَيْ الرَّجُلِ الزَّانِي الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: بِاللِّعَانِ. قَوْلُهُ: (وَتَأَبَّدَتْ حُرْمَةُ الزَّوْجَةِ) فِي قَذْفِهِ لَهَا فَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا مَا يَقْتَضِي تَأْبِيدَ الْحُرْمَةِ فَإِذَا طَالَبَهُ الرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ بِهَا، وَقُلْنَا: بِعَدَمِ تَدَاخُلِ الْحَدَّيْنِ وَهُوَ الرَّاجِحُ، فَلَهُ اللِّعَانُ لِدَفْعِ الْحَدِّ وَصَارَ تَأَبُّدُ تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ لِعَانِهِ فَقَطْ لِعَدَمِ سَبْقِ لِعَانِهَا. اهـ. مد. قَوْلُهُ:(لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَدُّ لِلزَّوْجَةِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ فَيَسْقُطَانِ بِهَذَا اللِّعَانِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَةُ وَالرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ.
قَوْلُهُ: (لِلْمَقْذُوفِ بِهِ) وَهُوَ الزَّانِي. قَوْلُهُ: (زِنَا الْمَقْذُوفِ بِهِ) فِيهِ الْإِظْهَارُ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ بِأَنْ يَقُولَ زِنَاهُ وَكَذَا يُقَالُ: فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُلَاعِنُ الْمَقْذُوفُ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ اللِّعَانِ لِأَجْلِ الزَّوْجَةِ، حَيْثُ ثَبَتَ بِهِ زِنَاهَا، وَاللِّعَانِ لِأَجْلِ الْمَقْذُوفِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ زِنَاهَا. قَالَ: مد وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ ثَبَتَ عَلَيْهَا الزِّنَا بِلِعَانِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ كَانَ اللِّعَانُ لِأَجْلِهِ فَقَطْ، أَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى عَادَةً بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ لِدَفْعِ الْعَارِ وَالنَّسَبِ الْفَاسِدِ، بِخِلَافِهِ فِي الْأَجْنَبِيِّ، وَأَنَّ اللِّعَانَ أُقِيمَ مُقَامَ الْبَيِّنَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوْجَةِ وَلَا كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ قَوْلُهُ:(فِي حَقِّ الزَّوْجِ) أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهِيَ مُحْصَنَةٌ.
قَوْلُهُ: (إنْ امْتَنَعَتْ مِنْ اللِّعَانِ) فَإِنْ لَاعَنَتْ لَمْ تَسْقُطْ حَصَانَتُهَا فِي حَقِّهِ إنْ قَذَفَهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ بِالزِّنَا، كَأَنْ قَالَ: أَنْتِ زَنَيْت بَعْدَ اللِّعَانِ، لَا إنْ قَذَفَهَا بِهِ أَوْ أَطْلَقَ. اهـ. مد. قَوْلُهُ:(وَمِنْهَا تَشْطِيرُ الصَّدَاقِ) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ) أَيْ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ مَا سَبَقَ وَعُذْرُهُ فِي ذَلِكَ نَقْلُهُ لِعِبَارَةِ الرَّوْضِ بِرُمَّتِهَا كَمَا
عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا عَلَى لِعَانِهَا بَلْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ لِعَانِ الزَّوْجِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا إذَا نَفَى الْحَمْلَ بِلِعَانِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي.
فَرْعٌ: لَوْ قَذَفَ زَوْجٌ زَوْجَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي وَهِيَ ثَيِّبٌ ثُمَّ لَاعَنَا وَلَمْ تُلَاعِنْ جُلِدَتْ ثُمَّ رُجِمَتْ (وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهَا) أَيْ حَدُّ الزِّنَا الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهَا بِتَمَامِ لِعَانِ الزَّوْجِ (بِأَنْ تُلَاعِنَ) بَعْدَ تَمَامِ لِعَانِهِ كَمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ لَفْظِ السُّقُوطِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا وَجَبَ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إلَّا بِتَمَامِ لِعَانِهِ وَبِاشْتِرَاطِ الْبَعْدِيَّةِ، جَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ. (فَتَقُولُ) بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهَا الْحَاكِمُ فِي جَمْعٍ مِنْ النَّاسِ كَمَا سُنَّ التَّغْلِيظُ فِي حَقِّهِ كَمَا مَرَّ (أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ فُلَانًا هَذَا) أَيْ زَوْجَهَا إنْ كَانَ حَاضِرًا وَتُمَيِّزُهُ فِي الْغَيْبَةِ كَمَا فِي جَانِبِهَا (لَمِنْ الْكَاذِبِينَ) عَلَيَّ (فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] الْآيَةَ.
(وَتَقُولُ فِي) الْمَرَّةِ (الْخَامِسَةِ بَعْدَ أَنْ يَعِظَهَا) أَيْ يُبَالِغُ (الْحَاكِمُ) نَدْبًا فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ بِالتَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِيرِ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا: عَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَيَأْمُرُ امْرَأَةً تَضَعُ يَدَهَا عَلَى فِيهَا لَعَلَّهَا أَنْ تَنْزَجِرَ فَإِنْ أَبَتْ إلَّا الْمُضِيَّ، قَالَ لَهَا: قَوْلِي: (وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ) فِيمَا رَمَانِي بِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ.
تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ سُكُوتُهُ فِي لِعَانِهَا عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِهِ فِي لِعَانِهَا حُكْمٌ فَلَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ وَلَوْ تَعَرَّضَتْ لَهُ لَمْ يَضُرَّ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ بَدَّلَ لَفْظَ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ كَأُقْسِمُ بِاَللَّهِ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ إلَى آخِرِهِ أَوْ لَفْظَ غَضِبَ بِلَعَنَ أَوْ غَيْرِهِ كَالْإِبْعَادِ وَعَكْسِهِ بِأَنْ ذَكَرَ الرَّجُلُ الْغَضَبَ، وَالْمَرْأَةُ اللَّعْنَ أَوْ ذَكَرَ اللَّعْنَ أَوْ الْغَضَبَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَةِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحِكْمَةُ فِي اخْتِصَاصِ لِعَانِهَا بِالْغَضَبِ وَلِعَانِ الرَّجُلِ بِاللِّعَانِ أَنَّ جَرِيمَةَ الزِّنَا أَعْظَمُ مِنْ جَرِيمَةِ الْقَذْفِ فَقُوبِلَ الْأَعْظَمُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ الْغَضَبُ لِأَنَّ غَضَبَهُ تَعَالَى إرَادَةُ الِانْتِقَامِ مِنْ الْعُصَاةِ وَإِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ بِهِمْ وَاللَّعْنِ وَالطَّرْدِ وَالْبُعْدِ. فَخُصَّتْ الْمَرْأَةُ بِالْتِزَامِ أَغْلَظِ الْعُقُوبَةِ وَلَوْ نَفَى الذِّمِّيُّ وَلَدًا ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يَتْبَعْهُ فِي الْإِسْلَامِ فَلَوْ مَاتَ الْوَلَدُ وَقُسِّمَ مِيرَاثُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْكُفَّارِ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ فِي نَسَبِهِ وَإِسْلَامِهِ وَوَرِثَهُ وَانْتَقَضَتْ الْقِسْمَةُ وَلَوْ قَتَلَ الْمُلَاعَنُ مَنْ نَفَاهُ ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ بِحَالَةِ الْقَذْفِ فَلَا يَتَغَيَّرَانِ بِحُدُوثِ عِتْقٍ أَوْ رِقٍّ أَوْ إسْلَامٍ فِي الْقَاذِفِ أَوْ الْمَقْذُوفِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ لَاعَنَا) أَيْ الزَّوْجَانِ، الزَّوْجَةَ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُلَاعِنِ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا وَقْتَ اللِّعَانِ بَلْ وَقْتَ الْقَذْفِ وَنَحْوِهِ. وَكَذَا لَهُ اللِّعَانُ إذَا أَبَانَهَا ثُمَّ لَاعَنَهَا لِنَفْيِ وَلَدٍ أَوْ حَمْلٍ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تُلَاعِنْ، أَمَّا إذَا لَاعَنَتْ سَقَطَ عَنْهَا الْحَدَّانِ قَوْلُهُ:(جُلِدَتْ) أَيْ لِلْأَوَّلِ وَرُجِمَتْ أَيْ لِلثَّانِي وَلَا يُقَدَّمُ الرَّجْمُ عَلَى الْجَلْدِ لِئَلَّا تَمُوتَ فَيَفُوتَ حَقُّ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (جَزَمَ بِهِ) لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ بِهِ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِاشْتِرَاطٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] أَيْ الْعَذَابَ بِلِعَانِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهَا) أَيْ يُلَقِّنَهَا كَلِمَاتِ اللِّعَانِ قَوْلُهُ: (فِي جَمْعٍ مِنْ النَّاسِ) أَيْ نَدْبًا قَوْلُهُ: (عَنْ ذِكْرِ الْوَلَدِ) كَأَنْ تَقُولَ وَإِنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْك
قَوْلُهُ: (لَمْ يَصِحَّ) جَوَابُ لَوْ قَوْلُهُ: (وَإِنْزَالُ الْعُقُوبَةِ إلَخْ) أَيْ بِالْغَضَبِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عِقَابٍ بِخِلَافِ اللَّعْنِ فَمَعْنَاهُ الْإِبْعَادُ عَنْ الرَّحْمَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ عَذَابٌ أَوَّلًا.
قَوْلُهُ: (أَغْلَظِ الْعُقُوبَةِ) أَيْ جِنْسِ الْعُقُوبَةِ فَأَلْ لِلْجِنْسِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ