الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِمَامُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي كُلِّ دَفْعَةٍ أَلَمٌ لَهُ وَقْعٌ، كَسَوْطٍ، أَوْ سَوْطَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَدٍّ، وَإِنْ آلَمَ أَوْ أَثَّرَ لِمَا لَهُ وَقْعٌ فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ زَمَنٌ يَزُولُ فِيهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى وَإِنْ تَخَلَّلَ، لَمْ يَكْفِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَيُكْرَهُ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي أَدَبِ الْقَضَاءَ.
فَصْلٌ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ
الْوَاجِبُ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَهِيَ لُغَةً أَخْذُ الْمَالِ خِفْيَةً وَشَرْعًا أَخْذُهُ خِفْيَةً ظُلْمًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي، وَلَمَّا نَظَمَ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيُّ الْبَيْتَ الَّذِي شَكَّكَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الشَّرِيعَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ
يَدٌ بِخَمْسِ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ
…
مَا بَالُهَا قُطِعَتْ فِي رُبْعِ دِينَارِ
؟
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمُؤَلِّفِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُضْبَطْ وَهُوَ تَحْرِيفٌ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ دَفْعَةٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ التَّفْرِيقِ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إلَخْ) هَذَا إنْ لَمْ تَحْصُلْ نَجَاسَةٌ، وَإِلَّا حُرِّمَ. اهـ. ق ل.
[فَصْلٌ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ]
ِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ لِمُنَاسَبَتِهَا لَهُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكَبَائِرِ وَمِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَقَدَّمَهَا عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهَا كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَلِعُمُومِهَا وَخَفَائِهَا وَقِلَّةِ الْحَدِّ فِيهَا ق ل
وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَشُرُوطِهَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْأَمْرَيْنِ وَأَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِقَطْعِ السَّارِقِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ قَوْلُهُ الْوَاجِبُ بِالنَّصِّ أَيْ بِآيَةِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَشُرِعَ الْقَطْعُ فِيهَا لِحِفْظِ الْمَالِ لِأَنَّ حَدَّهَا أَحَدُ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ وَكَانَ الْحَدُّ فِيهَا بِقَطْعِ آلَتِهَا لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلِعَدَمِ تَعْطِيلِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ مِنْ أَصْلِهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَقَدَّمَ السَّارِقَ عَلَى السَّارِقَةِ عَكْسَ آيَةِ الزِّنَا حَيْثُ قَدَّمَ الزَّانِيَةَ عَلَى الزَّانِي لِأَنَّ السَّرِقَةَ تُفْعَلُ بِالْقُوَّةِ وَالرَّجُلُ أَقْوَى مِنْ الْمَرْأَةِ وَالزِّنَا يُفْعَلُ بِالشَّهْوَةِ وَالْمَرْأَةُ أَشَدُّ شَهْوَةً وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ أَيْ آيَةُ السَّرِقَةِ عَامَّةٌ خُصَّتْ أَوْ مُجْمَلَةٌ بُيِّنَتْ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْقِرَاءَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَالشَّاذَّةُ كِلَاهُمَا مُجْمَلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] مُجْمَلٌ لَمْ يُبَيِّنْ الْيَمِينَ مِنْ الْيَسَارِ وَلَا مَحَلَّ الْقَطْعِ وَقَوْلَهُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا مُجْمَلٌ أَيْضًا لَمْ يُبَيِّنْ الْيَمِينَ مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَلَا مَحَلَّ الْقَطْعِ أَهُوَ الْكُوعُ أَوْ غَيْرُهُ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ
قَوْلُهُ أَخْذُ الْمَالِ إلَخْ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ الِاخْتِصَاصَاتُ فَإِنَّهَا تُسَمَّى سَرِقَةً لُغَةً وَأَمَّا ذِكْرُ الْمَالِ فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَهُوَ قَيْدٌ لِيَخْرُجَ الِاخْتِصَاصُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسَرِقَةٍ شَرْعًا وَعِبَارَةُ م ر أَخْذُ الشَّيْءِ فَيَشْمَلُ أَخْذَ الِاخْتِصَاصِ فَيُقَالُ لَهُ سَرِقَةٌ فِي اللُّغَةِ قَوْلُهُ ظُلْمًا أَيْ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا قَطْعَ لِأَنَّ الظُّلْمَ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ظُلْمًا أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَخَرَجَ مَا إذَا سَرَقَ مَالَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ ظُلْمًا خَرَجَ بِهِ سَرِقَةُ مَالِ الْغَيْرِ يَظُنُّهُ مَالَ نَفْسِهِ لَا يُقَالُ يَدْخُلُ فِيهِ أَخْذُ مَالِ نَفْسِهِ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَمُرْتَهِنٍ فَإِنَّهُ ظُلْمٌ وَلَا قَطْعَ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذَا لَيْسَ ظُلْمًا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ حَقُّ الْغَيْرِ قَالَ ق ل وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْمِ كَوْنُهُ عَمْدًا ظُلْمًا وَفِي الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَمَوَّلًا وَفِي الْقَطْعِ كَوْنُ الْمَالِ نِصَابًا. اهـ.
قَوْلُهُ أَبُو الْعَلَاءِ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ وَالْمَعَرِّيُّ نِسْبَةً إلَى مَعَرَّةِ النُّعْمَانِ وَهُوَ مُلْحِدٌ أَيْ مَائِلٌ عَنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَزِلِيًّا مِنْ الْخَوَارِجِ وَكَانَ عَالِمًا فَصِيحًا بَلِيغًا وَكَانَ يُنَفِّرُ النَّاسَ عَنْ الزَّوَاجِ وَيَقُولُ لَهُمْ تَتَزَوَّجُونَ فَتَأْتُونَ بِالْأَوْلَادِ فَيَعْصُونَ اللَّهَ فَيُكْتَبُ فِي صَحَائِفِكُمْ وَلِذَلِكَ مَكَثَ طُولَ عُمُرِهِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ وَكَانَ يُلَازِمُ مُسْتَوْقَدَ الْحَمَّامِ قَوْلُهُ شَكَّكَ أَيْ أَوْقَعَهُمْ فِي الشَّكِّ وَالتَّرَدُّدِ وَالْمُنَاسِبُ حَذْفُ بِهِ وَعَلَى نُسْخَةٍ أَشْكَلَ وَعَلَيْهَا فَلَا إشْكَالَ قَوْلُهُ بِخَمْسِ مِئِينَ جَمْعُ مِائَةٍ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ
أَجَابَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ:
وِقَايَةُ النَّفْسِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا
…
وِقَايَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ هَذَا: لَمَّا كَانَتْ أَمِينَةً كَانَتْ ثَمِينَةً فَلَمَّا خَانَتْ هَانَتْ.
وَأَرْكَانُ الْقَطْعِ ثَلَاثَةٌ: مَسْرُوقٌ وَسَرِقَةٌ وَسَارِقٌ. وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ عَلَى السَّارِقِ وَالْمَسْرُوقِ فَقَالَ: (وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ) وَالسَّارِقَةِ، وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ وَرَقِيقَيْنِ (بِسِتَّةِ) بَلْ بِعَشَرَةِ (شَرَائِطَ) كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ الشَّامِلُ لِلرُّكْنِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا الْمَسْرُوقَ. وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ كَمَا مَرَّ: الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ) السَّارِقُ (بَالِغًا) فَلَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ.
(وَ) الثَّانِي أَنْ يَكُونَ (عَاقِلًا) فَلَا يُقْطَعُ مَجْنُونٌ لِمَا ذُكِرَ.
(وَ) الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ. (أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا) وَهُوَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْقَدِيمِ إنَّ الدِّيَةَ أَلْفُ دِينَارٍ قَوْلُهُ وِقَايَةُ النَّفْسِ أَيْ قَصْدُ وِقَايَةِ النَّفْسِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْيَدُ أَغْلَاهَا أَيْ جَعَلَهَا غَالِيَةً قَالَ زي أَيْ وَلَوْ وُدِيَتْ بِالْقَلِيلِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْأَطْرَافِ الْمُؤَدِّيَةُ لِإِزْهَاقِ النُّفُوسِ لِسُهُولَةِ الْغُرْمِ فِي مُقَابَلَتِهَا وَلَوْ لَمْ تُقْطَعْ إلَّا فِي الْكَثِيرِ لَكَثُرَتْ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَمْوَالِ. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا وُدِيَتْ بِالْكَثِيرِ لِأَجْلِ وِقَايَةِ النَّفْسِ وَقُطِعَتْ فِي الْقَلِيلِ لِأَجْلِ وِقَايَةِ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. م د
قَوْلُهُ وِقَايَةُ الْمَالِ أَيْ قَصْدُ وِقَايَةِ الْمَالِ عَنْ السَّرِقَةِ أَيْ حِفْظُهُ عَنْهَا وَنُسْخَةٌ ذُلُّ الْخِيَانَةِ بَدَلَ وِقَايَةُ الْمَالِ وَفِي نُسْخَةٍ وَأَرْخَصَهَا خِيَانَةُ الْمَالِ أَيْ الْخِيَانَةُ فِي الْمَالِ قَوْلُهُ ثَمِينَةً أَيْ ثَمَنُهَا غَالٍ
قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانُ الْقَطْعِ) الصَّوَابُ وَأَرْكَانُ السَّرِقَةِ، لِأَنَّ الْأَرْكَانَ لَهَا لَا لَهُ، لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَأَرْكَانُ السَّرِقَةِ سَرِقَةٌ إلَخْ، وَعُذْرُ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَا ذُكِرَ لَلَزِمَ عَلَيْهِ جَعْلُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْكَانِ السَّرِقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالرُّكْنُ السَّرِقَةُ اللُّغَوِيَّةُ، كَانَ مَا سَلَكَهُ غَيْرُهُ أَوْلَى، لِأَنَّ السَّرِقَةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ، وَالْقَطْعَ حُكْمٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ أَرْكَانُهَا أَيْ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ الْآتِي بَيَانُهُ ثَلَاثَةٌ: سَرِقَةٌ وَسَارِقٌ وَمَسْرُوقٌ فَالسَّرِقَةُ أَخْذُ مَالٍ خِفْيَةً إلَخْ. وَقَوْلُهُ: " الْمُوجِبَةِ " أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ التَّهَافُتِ فِي كَلَامِهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَرْكَانُ السَّرِقَةِ سَرِقَةٌ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى الشَّرْعِيَّةُ أَيْ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ وَبِالثَّانِيَةِ اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ أَخْذُ الشَّيْءِ خِفْيَةً سَوَاءٌ كَانَ مَالًا، أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، أَوْ لَا كَمَا فِي شَرْحِ م ر فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ كَوْنُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ إلَخْ) الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ: وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَخْ وَالثَّانِي فِي قَوْلِهِ: أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا.
قَوْلُهُ: (وَتُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ) أَيْ أَوْ رِجْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي وَلَوْ قَالَ: وَيُقْطَعُ السَّارِقُ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَالسَّارِقَةِ) فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ ذِمِّيَّيْنِ وَرَقِيقَيْنِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي السَّارِقِ الْإِسْلَامُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ وَخَرَجَ بِالذِّمِّيِّ غَيْرُهُ وَلَوْ مُعَاهَدًا فَلَا يُقْطَعُ، وَإِنْ شُرِطَ قَطْعُهُ بِذَلِكَ، زي: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي السَّارِقِ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وَالِاخْتِيَارُ وَعِلْمُهُ بِالتَّحْرِيمِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ مِنْ الْمَالِكِ وَأَنْ لَا يَكُونَ أَصْلًا، أَوْ فَرْعًا أَوْ رَقِيقَ أَحَدِهِمَا، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَسْرُوقِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ كَوْنُهُ: رُبُعَ دِينَارٍ خَالِصًا، أَوْ قِيمَتَهُ، وَكَوْنُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، وَكَوْنُهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَكَوْنُهُ مُحْرَزًا بِحِرْزِ مِثْلِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُحْتَرَمًا فَيُغْنِي عَنْهُ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْ.
وَقَوْلُهُ: وَرَقِيقَيْنِ أَيْ مِنْ مَالِ غَيْرِ السَّيِّدِ.
قَوْلُهُ: (وَمُرَادُهُ بِالشَّرْطِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَنْ يَسْرِقَ، وَأَمَّا الْمَالُ فَهُوَ الرُّكْنُ وَلَمْ يَعُدَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ فَكَانَ الْأَوْلَى إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ.
قَوْلُهُ: (لِمَا ذُكِرَ) أَيْ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَلَوْ عَلَّمَ السَّرِقَةَ لِنَحْوِ قِرْدٍ فَسَرَقَ لَهُ فَلَا قَطْعَ، لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا كَمَا فِي شَرْحِ الشَّارِحِ عَلَى الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُهُ: (الْمُشَارُ إلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْأَرْكَانِ) فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الرُّكْنَ هُوَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ، وَأَمَّا بُلُوغُهُ نِصَابًا فَهُوَ شَرْطٌ فِيهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (نِصَابًا) أَيْ يَقِينًا فَلَوْ شَكَّ فِيهِ وَلَوْ بِاخْتِلَافِ الْمَوَازِينِ أَوْ الْمُقَوِّمِينَ، أَوْ الشَّاهِدِينَ فَلَا قَطْعَ مُطْلَقًا وَلِصَاحِبِهِ الْحَلِفُ عَلَى الْأَكْثَرِ لِلتَّقْوِيمِ، إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْآخِذُ عَلَى الْأَقَلِّ، ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَشَذَّ مَنْ قَطَعَ بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَخَبَرُ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ وَالْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» إمَّا أَنْ يُرَادَ بِالْبَيْضَةِ فِيهِ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ وَبِالْحَبْلِ مَا يُسَاوِي رُبُعًا كَحَبْلِ السَّفِينَةِ، أَوْ الْجِنْسُ، أَوْ أَنَّ مِنْ شَأْنِ السَّرِقَةِ أَنَّ صَاحِبَهَا يَتَدَرَّجُ مِنْ الْقَلِيلِ إلَى
رُبُعُ دِينَارٍ فَأَكْثَرُ وَلَوْ كَانَ الرُّبُعُ لِجَمَاعَةٍ اتَّحَدَ حِرْزُهُمْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «لَا تَقْطَعُوا يَدَ سَارِقٍ إلَّا فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَأَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِأَنَّ الرُّبُعَ الْمَغْشُوشَ لَيْسَ بِرُبُعِ دِينَارٍ حَقِيقَةً فَإِنْ كَانَ فِي الْمَغْشُوشِ رُبُعٌ خَالِصٌ وَجَبَ الْقَطْعُ.
وَمِثْلُ رُبُعِ الدِّينَارِ مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي التَّقْوِيمِ هُوَ الذَّهَبُ الْخَالِصُ حَتَّى لَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا قُوِّمَتْ بِهِ وَتُعْتَبَرُ (قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ) وَقْتَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ فَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ وَعَلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ يُعْتَبَرُ بِالْمَضْرُوبِ لَوْ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ مَسْبُوكًا، أَوْ حُلِيًّا، أَوْ نَحْوَهُ كَقُرَاضَةٍ لَا تُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا فَلَا قَطْعَ بِهِ، وَإِنْ سَاوَاهُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْخَبَرِ " لَفْظُ الدِّينَارِ " وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ. وَلَا يُقْطَعُ بِخَاتَمٍ وَزْنُهُ دُونَ رُبُعٍ. وَقِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ رُبُعٌ نَظَرًا إلَى الْوَزْنِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الذَّهَبِ وَلَا بِمَا نَقَصَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ كَإِحْرَاقٍ لِانْتِفَاءِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ نِصَابًا وَلَا بِمَا دُونَ نِصَابَيْنِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي إخْرَاجِهِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَسْرِقْ نِصَابًا وَيُقْطَعُ بِثَوْبٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْكَثِيرِ اهـ. س ل وَلَا قَطْعَ إلَّا إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ فَلَوْ دَخَلَ الْحِرْزَ وَأَخَذَ النِّصَابَ وَقَدَرَ عَلَيْهِ الْمَالِكُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فَلَا قَطْعَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ الرُّبُعُ لِجَمَاعَةٍ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النِّصَابِ اتِّحَادُ مَالِكِهِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَكُونَ خَالِصًا) أَوْ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ مَغْشُوشٍ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ: وَهَذَا مِنْ الشَّارِحِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَتْنِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَتْنِ وَكَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ: خَالِصًا بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ نِصَابًا وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ هَذَا التَّطْوِيلِ، وَالْبُعْدِ عَنْ الْمَتْنِ وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى قَوْلِهِ: وَأَنْ يَكُونَ خَالِصًا لَيْسَ قَبْلَ هَذِهِ مَا يَصِحُّ عَطْفُهَا عَلَيْهِ وَالْأَقْرَبُ كَوْنُهَا وَصْفًا " لِنِصَابًا " وَضَمِيرُهَا عَائِدٌ إلَيْهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: لَيْسَ قَبْلَ هَذِهِ إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْ يَسْرِقَ، فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الثَّالِثِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(فَإِنْ كَانَ فِي الْمَغْشُوشِ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الذَّهَبِ الْمَضْرُوبِ الْوَزْنُ فَقَطْ وَفِي غَيْرِ الْمَضْرُوبِ الْوَزْنُ وَبُلُوغُ قِيمَتِهِ مَا ذُكِرَ وَلَا يَكْفِي بُلُوغُ قِيمَتِهِ مَا ذُكِرَ مَعَ نَقْصِ وَزْنِهِ. اهـ. زي. وَيُعْتَبَرُ فِي الْفِضَّةِ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا ح ل. لِأَنَّ النِّصَابَ رُبُعُ دِينَارٍ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا ذَهَبًا فَتُقَوَّمُ الْفِضَّةُ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ مَضْرُوبَةً فَالصُّوَرُ ثَلَاثَةٌ: اعْتِبَارُ الْوَزْنِ فَقَطْ، اعْتِبَارُ الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ، اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَرُبُعُ الدِّينَارِ يُسَاوِي الْآنَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ نِصْفَ فِضَّةٍ.
قَوْلُهُ: (مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ) أَيْ يَقِينًا بِأَنْ يَقْطَعَ الْمُقَوِّمُونَ أَنَّ قِيمَتَهُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ. اهـ. زي.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْأَصْلَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ الْغَالِبُ.
قَوْلُهُ: (وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ رُبُعَ) أَيْ بِرُبُعِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جَعَلَهَا الشَّارِحُ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمِثْلُ رُبُعِ دِينَارٍ مَا قِيمَتُهُ رُبُعُ الدِّينَارِ وَجَعَلَهَا مُنْقَطِعَةً عَنْ الْمَتْنِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ غَيَّرَ إعْرَابَ الْمَتْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى إذْ قَوْلُهُ: " رُبُعَ دِينَارٍ " فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَرْفُوعًا عَلَى الْخَبَرِيَّةِ هَذَا عَلَى وَجْهِ تَغْيِيرِهِ لَفْظًا، وَوَجْهُ تَغْيِيرِهِ مَعْنًى أَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ وَجَعَلَهَا مُنْقَطِعَةً عَنْ الْمَتْنِ كَمَا عَلِمْت.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ لِرُخْصِ سِعْرٍ مَثَلًا قَوْلُهُ: (كَقُرَاضَةٍ) بِضَمِّ الْقَافِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ أَيْ مَا سَقَطَ بِالْقَرْضِ وَقَرَضَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَاوَاهُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّ كَلَامَهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَسْبُوكِ وَنَحْوِهِ. وَهُوَ غَيْرُ مَضْرُوبٍ فَالْغَايَةُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُهَا، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَالْمَعْنَى عَلَى الْغَايَةِ سَوَاءٌ سَاوَاهُ مَضْرُوبًا، أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي غَيْرِ الْمَضْرُوبِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُسَاوَاةَ مُخْتَلِفَةٌ فَقَوْلُهُ: لَا تُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا أَيْ فِي الْقِيمَةِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ سَاوَاهُ غَيْرَ مَضْرُوبٍ أَيْ فِي الْوَزْنِ فَصَحَّ الْمَعْنَى وَحَصَلَتْ الْفَائِدَةُ، لَكِنْ يَبْقَى التَّكْرَارُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فِي سَرِقَةِ رُبُعِ دِينَارٍ غَيْرِ مَضْرُوبٍ.
قَوْلُهُ: (بِأَكْلٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ بَلْعُ الدَّرَاهِمِ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ إتْلَافًا غَالِبًا كَذَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً، أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ لِتَنَزُّلِ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهَا فِي رِيحٍ، أَوْ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ وَاعْتَمَدَهُ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ مَا فِي الْحَلَبِيِّ مِنْ إطْلَاقِ عَدَمِ الْقَطْعِ بِالِابْتِلَاعِ اهـ.
قَوْلُهُ: (كَإِحْرَاقٍ) وَمِثْلُ الْإِحْرَاقِ مَا لَوْ تَضَمَّخَ أَيْ تَلَطَّخَ بِطِيبٍ فِي دَاخِلِ الْحِرْزِ، وَإِنْ جُمِعَ مِنْ جِسْمِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ نِصَابًا لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُعَدُّ إتْلَافًا لَهُ كَالطَّعَامِ زي أج. قَوْلُهُ:(اشْتَرَكَ اثْنَانِ) أَيْ مُكَلَّفَانِ بِأَنْ
رَثٍّ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ نِصَابٍ، وَإِنْ جَهِلَهُ السَّارِقُ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ، وَالْجَهْلُ بِجِنْسِهِ لَا يُؤَثِّرُ كَالْجَهْلِ بِصِفَتِهِ وَبِنِصَابٍ ظَنَّهُ فُلُوسًا لَا يُسَاوِيهِ لِذَلِكَ وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ، وَالرَّابِعُ أَنْ يَأْخُذَهُ (مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ) فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا لَيْسَ مُحْرَزًا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد:«لَا قَطْعَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ إلَّا فِيمَا أَوَاهُ الْمَرَاحُ» وَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعْظُمُ بِمُخَاطَرَةِ أَخْذِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَحُكِمَ بِالْقَطْعِ زَجْرًا بِخِلَافِ مَا إذَا جَرَّأَهُ الْمَالِكُ وَمَكَّنَهُ بِتَضْيِيعِهِ. وَالْإِحْرَازُ يَكُونُ بِلِحَاظٍ لَهُ بِكَسْرِ اللَّامِ دَائِمًا، أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ مَعَ لِحَاظٍ لَهُ، وَالْمُحَكَّمُ فِي الْحِرْزِ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدَّ فِي الشَّرْعِ وَلَا اللُّغَةِ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْقَبْضِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَخْرَجَاهُ مَعًا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مُكَلَّفٍ، أَوْ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ قُطِعَ الْمُكَلَّفُ إنْ أَمَرَ الْأَعْجَمِيَّ أَوْ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ، لِأَنَّهُمَا كَالْآلَةِ لَهُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ إذَا اشْتَرَكَا فَإِنْ امْتَازَ كُلٌّ بِمَا سَرَقَهُ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ.
قَوْلُهُ: (فِي إخْرَاجِهِ) أَيْ الدُّونِ قَوْلُهُ: (رَثٍّ) أَيْ خَلَقٍ أَيْ بَالٍ وَفِي الْمُخْتَارِ الرَّثُّ بِالْفَتْحِ الْبَالِي وَجَمْعُهُ رِثَاثٌ بِالْكَسْرِ وَقَدْ رَثَّ يَرِثُّ بِالْكَسْرِ رَثَاثَةً بِالْفَتْحِ.
قَوْلُهُ: (فِي جَيْبِهِ تَمَامُ نِصَابٍ) أَيْ مُنْضَمًّا إلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ وَهَذَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ " تَمَامُ ".
قَوْلُهُ: (وَالْجَهْلُ بِجِنْسِهِ) أَيْ أَوْ بِوُجُودِهِ فَالْأَوَّلُ رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَ الْغَايَةِ وَالثَّانِي لِلْغَايَةِ اهـ. وَكَانَ الْأَوْلَى " وَالْجَهْلُ بِهِ "، لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ مَجْهُولٌ فَلَا يَظْهَرُ التَّقْيِيدُ بِالْجِنْسِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الصِّفَةِ، تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَبِنِصَابٍ) أَيْ وَيُقْطَعُ بِنِصَابٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْخُذَهُ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْمَدَارُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ أَوْ بِنِصَابٍ انْصَبَّ مِنْ وِعَاءٍ بِثَقْبِهِ لَهُ وَإِنْ انْصَبَّ شَيْئًا فَشَيْئًا اهـ. وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَمِثْلُ الثَّقْبِ قَطْعُ الْجَيْبِ كَمَا قَالَهُ زي: وَلِذَلِكَ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ يُقْطَعُ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَمْ يَدْخُلْ حِرْزًا اهـ. وَلَوْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بَعْدَ انْصِبَابِهِ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ هَلْ يَسْقُطُ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ شَرْطُهُ الدَّعْوَى وَقَدْ تَعَذَّرَتْ فِيهِ نَظَرٌ، فَلْيُرَاجَعْ سم، عَلَى حَجّ وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْقَطْعِ.
قَوْلُهُ: أَوَاهُ الْمَرَاحُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ مِنْ آوَاهُ أَوْ قَصْرِهَا وَالْمَرَاحُ مَأْوَى الْمَاشِيَةِ لَيْلًا.
قَوْلُهُ: (بِمُخَاطَرَةِ) أَيْ بِسَبَبِ خَوْفِ أَخْذِهِ أَيْ الْخَوْفِ الْحَاصِلِ بِأَخْذِهِ.
قَوْلُهُ: (جَرَّأَهُ) الْمَالِكُ أَيْ سَلَّطَهُ وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ: وَمَكَّنَهُ، عَطْفٌ عَلَى جَرَّأَهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَقَوْلُهُ: بِتَضْيِيعِهِ: الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِيَ صِلَةٌ لِ مَكَّنَهُ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ تَضْيِيعِ الْمَالِكِ إيَّاهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَضَعْهُ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ فَتَكُونُ صِلَةُ مَكَّنَهُ مَحْذُوفَةً أَيْ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (بِلِحَاظٍ) أَيْ مُلَاحِظٍ يُلَاحِظُهُ أَيْ بِمُلَاحَظَتِهِ وَالنَّظَرِ إلَيْهِ وَاللِّحَاظُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ الْمُرَاعَاةُ مَصْدَرُ لَاحَظَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُلَاحِظُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعَيْنِ مِنْ جَانِبِ الْأُذُنِ بِخِلَافِ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الْأَنْفِ فَيُسَمَّى الْمُوقَ اهـ وَلَا يَقْدَحُ فِي دَوَامِ اللِّحَاظِ الْفَتَرَاتُ الْعَارِضَةُ عَادَةً فَإِذَا أَخَذَهُ السَّارِقُ حِينَئِذٍ قُطِعَ فَلَوْ وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي ذَلِكَ هَلْ كَانَ ثَمَّ مُلَاحَظَةٌ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ لَا فَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ السَّارِقِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَطْعِ، كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ:(أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ مَعَ لِحَاظٍ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ دَائِمًا وَأَبَدًا. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ عَلَى تَفْصِيلٍ يُعْلَمُ مِنْ الْمَنْهَجِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: أَوْ حَصَانَةٍ مَعَ لِحَاظٍ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحَلَّ إنْ كَانَ حَصِينًا مُنْفَصِلًا عَنْ الْعِمَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْمُلَاحَظَةِ بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ الْمُلَاحِظِ يَقْظَانًا قَوِيًّا سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا، أَوْ مَغْلُوقًا أَوْ نَائِمًا مَعَ إغْلَاقِ الْبَابِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ فِي الْعِمَارَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ قُوَّةُ الْمُلَاحِظِ، وَلَا تَيَقُّظُهُ بَلْ الشَّرْطُ كَوْنُ الْبَابِ مَغْلُوقًا مَعَ وُجُودِ هَذَا الْمُلَاحِظِ أَوْ قَفْلِهِ مَعَ يَقَظَتِهِ زَمَنَ أَمْنٍ نَهَارًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا فَإِنْ كَانَ الْمُلَاحِظُ مُتَيَقِّظًا كَانَتْ مُحْرَزَةً، وَإِلَّا فَلَا. فَعُلِمَ أَنَّهَا قَدْ تَكْفِي الْحَصَانَةُ وَحْدَهَا وَقَدْ تَكْفِي الْمُلَاحَظَةُ وَحْدَهَا وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يُمَثَّلُ لِانْفِرَادِ الْحَصَانَةِ بِالرَّاقِدِ عَلَى الْمَتَاعِ كَمَا قَالَهُ ع ش: وَبِالْمَقَابِرِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا حِرْزٌ لِلْكَفَنِ.، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ الشَّرْطُ الرَّابِعُ كَوْنُهُ مُحْرَزًا وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِحْرَازُ بِمُلَاحَظَةٍ لِلْمَسْرُوقِ مِنْ قَوِيٍّ مُسْتَيْقِظٍ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ وَحْدَهَا، أَوْ مَعَ مَا قَبْلَهَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّ الشَّرْعَ أَطْلَقَ الْحِرْزَ وَلَمْ تَضْبِطْهُ اللُّغَةُ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمُحْرَزِ ضَائِعٌ بِتَقْصِيرِ مَالِكِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الثَّوْبُ إذَا نَامَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحْرَزٌ مَعَ انْتِفَائِهِمَا، لِأَنَّ النَّوْمَ عَلَيْهِ الْمَانِعَ مِنْ أَخْذِهِ غَالِبًا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ مُلَاحَظَتِهِ وَمَا هُوَ حِرْزٌ لِنَوْعٍ حِرْزٌ لِمَا دُونَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْ تَابِعِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي الْإِصْطَبْلِ
وَالْإِحْيَاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ حِرْزًا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ.
بِحَسَبِ صَلَاحِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَفَسَادِهَا وَقُوَّةِ السُّلْطَانِ وَضَعْفِهِ. وَضَبَطَهُ الْغَزَالِيُّ بِمَا لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا لَهُ؛ فَعَرْصَةُ دَارٍ، وَصُفَّتُهَا حِرْزُ خَسِيسِ آنِيَةٍ وَثِيَابٍ، أَمَّا نَفِيسُهَا فَحِرْزُهُ بُيُوتُ الدُّورِ وَالْخَانَاتِ وَالْأَسْوَاقِ الْمَنِيعَةُ وَمَخْزَنٌ حِرْزُ حُلِيٍّ وَنَقْدٍ وَنَحْوِهِمَا. وَنَوْمٌ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ كَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ عَلَى مَتَاعٍ وَلَوْ تَوَسَّدَهُ حِرْزٌ لَهُ. وَمَحَلُّهُ فِي تَوَسُّدِهِ فِيمَا يُعَدُّ التَّوَسُّدُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ " أَوْ " مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَتُجَوِّزُ الْجَمْعَ لَا مَانِعَةُ جَمْعٍ فَتُجَوِّزُ الْخُلُوَّ اهـ. وَقَوْلُهُ: مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ مُلَاحَظَتِهِ يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُدَّعَى حَصَانَةُ مَوْضِعِهِ حَقِيقَةً أَيْ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْمَوْضِعِ مَا أُخِذَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَهُوَ هُنَا حَصِينٌ بِالنَّوْمِ عَلَى الثَّوْبِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَعَرْصَةُ دَارٍ) الْعَرْصَةُ الصَّحْنُ وَالصُّفَّةُ الْمِصْطَبَةُ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ السُّكَّانِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَهَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَالْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ تَفَاوُتِ أَجْزَاءِ الدَّارِ، فِي الْحِرْزِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَنْوَاعِ الْمُحْرَزِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اعْتِبَارِ الْمُلَاحَظَةِ مَعَ الْحَصَانَةِ فِي الْحِرْزِيَّةِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْخَانَاتِ) أَيْ وَبُيُوتِ الْخَانَاتِ وَهِيَ الْوَكَائِلُ وَبُيُوتُهَا الْحَوَاصِلُ وَالطَّبَقَاتُ الَّتِي فِيهَا، وَقَوْلُهُ: وَالْأَسْوَاقِ أَيْ وَبُيُوتُ الْأَسْوَاقِ وَهِيَ الدَّكَاكِينُ وَلَوْ فَتَحَ دَارِهِ أَوْ حَانُوتَهُ لِبَيْعِ مَتَاعٍ فَدَخَلَ شَخْصٌ وَسَرَقَ مِنْهُ فَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ بِهِ لِيَسْرِقَ قُطِعَ أَوْ لِيَشْتَرِيَ فَلَا وَلَوْ أَذِنَ فِي دُخُولِ نَحْوِ دَارِهِ، لِشِرَاءٍ قُطِعَ مَنْ دَخَلَ سَارِقًا لَا مُشْتَرِيًا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ قُطِعَ كُلُّ دَاخِلٍ شَرْحُ م ر وَمِنْهُ الْحَمَّامُ فَمَنْ دَخَلَهُ لِغُسْلٍ وَسَرَقَ مِنْهُ، لَمْ يُقْطَعْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُلَاحِظٌ وَيَخْتَلِفُ الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِالْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ بِالنَّظَرِ إلَى كَثْرَةِ الزَّحْمَةِ وَقِلَّتِهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا وَبَابُ الْغُرْفَةِ أَوْ الْقَاعَةِ مُغْلَقًا وَدَخَلَ السَّارِقُ فَأَخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ دَاخِلِ الْغُرْفَةِ مَثَلًا إلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ إلَى مَحَلِّ الضَّيَاعِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُحْرَزًا وَأَمَّا إذَا كَانَ بَابُ الْغُرْفَةِ مَثَلًا مَفْتُوحًا كَبَابِ الدَّارِ، وَأَخْرَجَهُ السَّارِقُ مِنْ دَاخِلِ الْغُرْفَةِ إلَى صَحْنِ الْبَيْتِ فَلَا قَطْعَ وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ مَعَهُ، لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ مُحْرَزٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَابَانِ مَغْلُوقَيْنِ، أَوْ بَابُ الدَّارِ مَغْلُوقًا دُونَ بَابِ الْغُرْفَةِ، فَكَذَا لَا قَطْعَ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ دَاخِلِ الْحِرْزِ إلَى صَحْنِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ تَمَامِ الْحِرْزِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ إلَى خَارِجِ الْحِرْزِ قُطِعَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (الْمَنِيعَةُ) أَيْ الْحَصِينَةُ أَيْ لِلْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ بِذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ دَفَنَ مَالَهُ بِصَحْرَاءَ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ. اهـ. زي.
قَوْلُهُ: (وَمَخْزَنٌ) بِفَتْحِ الزَّايِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ اسْمُ مَكَان وَجَوَّزَ غَيْرُهُ الْكَسْرَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَكَانُ الَّذِي يُخْزَنُ فِيهِ دَاخِلَ مَحَلٍّ آخَرَ كَخِزَانَةٍ وَصُنْدُوقٍ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ ح ل: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ بُيُوتَ الدُّورِ وَالْخَانَاتِ لَا تَكُونُ حِرْزًا لِلنَّقْدِ وَالْحُلِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَنَوْمٌ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ) وَكَذَا يُقْطَعُ بِأَخْذِ عِمَامَةِ النَّائِمِ مِنْ عَلَى رَأْسِهِ وَمَدَاسِهِ مِنْ رِجْلِهِ إنْ عَسُرَ قَلْعُهَا وَكِيسِ دَرَاهِمَ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ انْتَبَهَ. ح ل: وَكَذَا خَاتَمُهُ الَّذِي فِي أُصْبُعِهِ وَكَذَا سِوَارُ الْمَرْأَةِ وَخَلْخَالُهَا إنْ عَسُرَ إخْرَاجُهُ مِنْهَا بِحَيْثُ يُوقِظُ النَّائِمَ غَالِبًا أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْخَاتَمِ فِي الْأُصْبُعِ شَرْحَ م ر مُلَخَّصًا، قَالَ ع ش: وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَقِيلَ النَّوْمِ بِحَيْثُ لَا يَنْتَبِهُ بِالتَّحْرِيكِ الشَّدِيدِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُ مَا مَعَهُ وَمَا عَلَيْهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (كَمَسْجِدٍ وَشَارِعٍ) أَيْ وَمَكَانٍ غَيْرِ مَغْصُوبٍ شَرْحَ م ر. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ نَامَ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ لَا يَكُونُ مَا مَعَهُ مُحْرَزًا بِهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ مُتَعَدٍّ بِدُخُولِ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَكُونُ الْمَكَانُ حِرْزًا لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ تَوَسَّدَهُ) مَا لَمْ يَنْقُلْهُ السَّارِقُ عَمَّا تَوَسَّدَهُ، أَوْ نَامَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ أَزَالَ الْحِرْزَ قَبْلَ السَّرِقَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَرَّهُ مِنْ تَحْتِهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَالْفَرْقُ: أَنَّهُ فِي الْأُولَى أَزَالَ الْحِرْزَ وَفِي الثَّانِيَةِ هَتَكَ الْحِرْزَ وَعِبَارَةُ زي وَفَارَقَ قَلْبُ السَّارِقِ نَحْوُ نَقْبِ الْجِدَارِ بِأَنْ هَتَكَ الْحِرْزَ بِإِزَالَةٍ مِنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ النَّقْبِ ثَمَّ وَأَمَّا قَوْلُ الْجُوَيْنِيِّ وَلَوْ وَجَدَ جَمَلًا صَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَيْهِ فَأَلْقَاهُ مِنْ عَلَيْهِ وَأَخَذَ الْجَمَلَ قُطِعَ فَقَدْ خَالَفَهُ الْبَغَوِيّ فَقَالَ: لَا قَطْعَ، لِأَنَّهُ رَفَعَ الْحِرْزَ أَيْ أَزَالَهُ. وَلَمْ يَهْتِكْهُ وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ: وَجِيهٌ. لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ رَفْعِ الْحِرْزِ. أَيْ إزَالَتِهِ مِنْ أَصْلِهِ وَهَتْكِهِ اهـ. وَلَوْ أَخَذَ النَّائِمَ مَعَ الْجَمَلِ فَلَا قَطْعَ أَيْضًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ الْحِرْزَ وَلَمْ يَهْتِكْهُ ع ش. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ فَلَوْ انْقَلَبَ وَلَوْ بِقَلْبِ السَّارِقِ، وَمِثْلُهُ رَمْيُهُ عَنْ دَابَّةٍ وَهَدْمُ حَائِطِ دَارِ، وَإِسْكَارُهُ حَتَّى
حِرْزًا لَهُ، وَإِلَّا كَانَ تَوَسَّدَ كِيسًا فِيهِ نَقْدٌ، أَوْ جَوْهَرٌ، فَلَا يَكُونُ حِرْزًا لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُقْطَعُ بِنِصَابٍ انْصَبَّ مِنْ وِعَاءٍ بِنَقْبِهِ لَهُ، وَإِنْ انْصَبَّ شَيْئًا فَشَيْئًا، لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ وَبِنِصَابٍ أَخْرَجَهُ دَفْعَتَيْنِ بِأَنْ تَمَّ فِي الثَّانِيَةِ لِذَلِكَ. فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا عِلْمُ الْمَالِكِ، وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ فَالثَّانِيَةُ سَرِقَةٌ أُخْرَى فَلَا قَطْعَ فِيهَا إنْ كَانَ الْمُخْرَجُ فِيهَا دُونَ نِصَابٍ.
وَالْخَامِسُ كَوْنُ السَّارِقِ (لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ) أَيْ الْمَسْرُوقِ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِهِ الَّذِي بِيَدِ غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا أَوْ مُؤَجَّرًا وَلَوْ سَرَقَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، أَوْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، أَوْ سَرَقَ مَا اتَّهَبَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يُقْطَعْ فِيهِمَا وَلَوْ سَرَقَ مَعَ مَا اشْتَرَاهُ مَالًا آخَرَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ لَمْ يُقْطَعْ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَلَوْ سَرَقَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ بَعْدَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
غَابَ عَقْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ زَوَالِ الْحِرْزِ، لَا مِنْ هَتْكِهِ اهـ.
وَإِنْ ضَمَّ نَحْوُ الْعَطَّارِ وَالْبَقَّالِ الْأَمْتِعَةَ وَرَبَطَهَا بِحَبْلٍ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ، أَوْ أَرْخَى عَلَيْهَا شَبَكَةً، أَوْ خَالَفَ لَوْحَيْنِ عَلَى بَابِ حَانُوتِهِ فَمُحْرَزٌ نَهَارًا، وَإِنْ نَامَ أَوْ غَابَ وَكَذَا لَيْلًا بِحَارِسٍ وَمَا فِي الْجَيْبِ وَالْكُمِّ مُحْرَزٌ بِهِمَا وَكَذَا الْمَرْبُوطُ بِالْعِمَامَةِ، أَوْ الْمَشْدُودُ بِهَا وَلَوْ اسْتَحْفَظَ شَخْصًا عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ حَانُوتِهِ الْمَفْتُوحِ فَأَجَابَهُ، ضَمِنَ بِإِهْمَالِهِ وَلَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ هُوَ أَوْ عَلَى حَانُوتِهِ الْمُغْلَقِ لَمْ يَضْمَنْ بِإِهْمَالِهِ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ هُوَ، وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ عَدَمُ ضَمَانِ الْخُفَرَاءِ بِإِهْمَالِ الْحَوَانِيتِ الْمُغْلَقَةِ. اهـ. سم مَعَ تَصَرُّفٍ، وَلَوْ جَعَلَ الْمِفْتَاحَ بِشِقٍّ قَرِيبٍ فَلَا قَطْعَ كَمَا قَالَهُ ح ل: وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِشِقٍّ بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ وَفَتَّشَ عَلَيْهِ السَّارِقُ وَأَخَذَهُ يُقْطَعُ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْبَعِيدِ مَا لَوْ كَانَ الْمِفْتَاحُ مَعَ الْمَالِكِ مُحْرَزًا بِجَيْبِهِ مَثَلًا فَسَرَقَتْهُ زَوْجَتُهُ مَثَلًا وَتَوَصَّلَتْ بِهِ إلَى السَّرِقَةِ وَسَرَقَتْ فَتُقْطَعُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (فِيهِ نَقْدٌ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْعٌ ح ل قَوْلُهُ:(بِنَقْبِهِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْصَبَّ) غَايَةٌ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، مِثْلُ النَّقْبِ قَطْعُ الْجَيْبِ إذَا وَقَعَ مِنْهُ قَدْرُ النِّصَابِ وَعَلَيْهِ اللُّغْزُ الْمُتَقَدِّمُ قَوْلُهُ:(عِلْمُ الْمَالِكِ وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ) أَيْ بِإِصْلَاحِهِ أَوْ غَلْقٍ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ نَائِبِهِ دُونَ غَيْرِهِمَا، لِأَنَّهُ بِغَيْرِ الْإِصْلَاحِ لَيْسَ حِرْزًا هَذَا ظَاهِرٌ إنْ حَصَلَ مِنْ السَّارِقِ هَتْكٌ لِلْحِرْزِ أَمَّا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ كَأَنْ تَسَوَّرَ الْجِدَارَ وَتَدَلَّى إلَى الدَّارِ فَسَرَقَ مِنْ غَيْرِ كَسْرِ بَابٍ وَلَا نَقْبِ جِدَارٍ فَيَحْتَمِلُ الِاكْتِفَاءَ بِعِلْمِ الْمَالِكِ؛ إذْ لَا هَتْكَ لِلْحِرْزِ حَتَّى يُصْلِحَهُ ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ فَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا عِلْمُ الْمَالِكِ بِذَلِكَ، وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ بِنَحْوِ غَلْقِ بَابٍ، وَإِصْلَاحِ نَقْبٍ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ نَائِبِهِ دُونَ غَيْرِهِمَا، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالْأَوَّلِ حَيْثُ وُجِدَ الْإِحْرَازُ، كَمَا لَا يَخْفَى فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ حِينَئِذٍ فَلَا قَطْعَ بِهِ كَالْأَوَّلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَالسَّرِقَةُ بَعْدَ الْإِحْرَازِ الثَّانِي إلَخْ، لِأَنَّ الْإِحْرَازَ لَيْسَ سَرِقَةً، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ عِلْمُ الْمَالِكِ وَلَا إعَادَةُ الْحِرْزِ، أَوْ تَخَلَّلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ سَوَاءٌ اشْتَهَرَ هَتْكُ الْحِرْزِ أَمْ لَا قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ إبْقَاءً لِلْحِرْزِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِذِ، لِأَنَّ فِعْلَ الْإِنْسَانِ يُبْنَى عَلَى فِعْلِهِ لَكِنْ اعْتَمَدَ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا إذَا تَخَلَّلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ عَدَمَ الْقَطْعِ اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (إبْقَاءً لِلْحِرْزِ) اعْتَرَضَ الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ عِبَارَةَ الْمَنْهَجِ الْمُوَافِقَةَ لِهَذِهِ بِمَا نَصُّهُ: هَذَا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى فِيمَا إذَا تَخَلَّلَتْ الْإِعَادَةُ بَعْدَ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ حِرْزٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَأَيْضًا فَكَيْفَ يُقْطَعُ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُخْرَجَ ثَانِيًا دُونَ نِصَابٍ فَفِي كَلَامِهِ مُؤَاخَذَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ بَلْ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ يُوهِمُ تَصَوُّرَ إعَادَةِ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَهُوَ مُحَالٌ اهـ. وَالْمُؤَاخَذَاتُ الثَّلَاثُ وَارِدَةٌ عَلَى الشَّارِحِ كَمَا لَا يَخْفَى. نَعَمْ يُمْكِنُ مَنْعُ مُحَالِيَّةِ الثَّالِثِ لِجَوَازِ أَنْ يَشْتَبِهَ حِرْزُ الْمَالِكِ بِحِرْزِ غَيْرِهِ فَيُصْلِحَهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ السَّرِقَةَ، وَدُفِعَ قَوْلُهُ: وَأَيْضًا بِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا هُوَ بِمَجْمُوعِ الْمُخْرَجِ ثَانِيًا وَالْمُخْرَجِ أَوَّلًا، لِأَنَّهُمَا سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيُمْكِنُ دَفْعُ الْأَوَّلِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا) بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ قَوْلُهُ: (لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ دُخُولُهُ الْحِرْزَ لِأَخْذِ مِلْكِهِ صَارَ مَا فِيهِ غَيْرَ مُحْرَزٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ سَرَقَ مَعَ مَا اشْتَرَاهُ) أَيْ وَكَانَ دُخُولُهُ بِإِذْنِهِ وَكَانَ قَاصِدًا الشِّرَاءَ، وَإِلَّا قُطِعَ. قَوْلُهُ:(بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ) وَكَذَا قَبْلَهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا.
وَقَبْلَ الْقَبُولِ قُطِعَ فِي الصُّورَتَيْنِ.
أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقَبُولَ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْوَصِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِالْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ. فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مُقَصِّرٌ بِعَدَمِ الْقَبُولِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْهِبَةِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَبْضِ، وَأَيْضًا الْقَبُولُ وُجِدَ ثَمَّ، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا. وَلَوْ سَرَقَ الْمُوصَى بِهِ فَقِيرٌ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَالْوَصِيَّةُ لِلْفُقَرَاءِ لَمْ يُقْطَعْ كَسَرِقَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَهُ الْغَنِيُّ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ مَلَكَ السَّارِقُ الْمَسْرُوقَ، أَوْ بَعْضَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ كَشِرَاءٍ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ، أَوْ نَقَصَ فِي الْحِرْزِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلِ بَعْضِهِ، أَوْ غَيْرِهِ، كَإِحْرَاقِهِ لَمْ يُقْطَعْ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ مَا أَخْرَجَ إلَّا مِلْكَهُ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْحِرْزِ نِصَابًا وَلَوْ ادَّعَى السَّارِقُ مِلْكَ الْمَسْرُوقِ أَوْ بَعْضِهِ لَمْ يُقْطَعْ عَلَى النَّصِّ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فَصَارَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَطْعِ وَيُرْوَى عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمَّاهُ السَّارِقَ الظَّرِيفَ أَيْ الْفَقِيهَ.
وَلَوْ سَرَقَ اثْنَانِ مَثَلًا نِصَابَيْنِ وَادَّعَى الْمَسْرُوقَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَهُ أَوْ لَهُمَا فَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَمْ يُقْطَعْ الْمُدَّعِي، لِمَا مَرَّ وَقُطِعَ الْآخَرُ فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ نِصَابٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ شَرِيكِهِ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا قَطْعَ بِهِ. وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ، لِأَنَّ لَهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ حَقًّا شَائِعًا وَذَلِكَ شُبْهَةٌ فَأَشْبَهَ مَنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَكَةَ.
(وَ) السَّادِسُ كَوْنُ السَّارِقِ (لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ) لِحَدِيثِ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» صَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ: كَمَنْ سَرَقَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (لَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ) أَيْ بَلْ بِالْقَبُولِ بَعْدَهُ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) الْإِيرَادُ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (كَشِرَاءٍ) كَأَنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فِي شِرَائِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ قَبْلَ إخْرَاجِ الْمُوَكِّلِ لَهُ، وَقَوْلُهُ: قَبْلَ إخْرَاجِهِ ظَرْفٌ لِ مَلَكَ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ) أَيْ وَكَذَا بَعْدَهُ قَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَقَصَ فِي الْحِرْزِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلِ بَعْضِهِ) هَذِهِ تَقَدَّمَتْ بِعَيْنِهَا. وَيُجَابُ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّهُ كَانَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِغْرَاقُ فِي بَحْرِ الْأُحْدِيَّةِ، فَيَقَعُ مِنْهُ التَّكْرَارُ وَغَيْرُهُ لَا عَنْ قَصْدٍ كَمَا وَقَعَ لِلسَّيِّدِ الدُّسُوقِيِّ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَلِيقُ أَنْ تَقَعَ مِنْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (مِلْكَ الْمَسْرُوقِ) أَيْ مِلْكًا سَابِقًا عَلَى السَّرِقَةِ، وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بَلْ أَوْ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ بِكَذِبِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ شَرْحَ م ر. وَهَذَا عَدَّهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ، وَعَدَّ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ كَمَا فِي سم. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَلَا بِمَا إذَا ادَّعَى مِلْكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَائِقًا بِهِ وَكَانَ مِلْكُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا وَهِيَ مِنْ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ بِخِلَافِ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ فِي الزِّنَا فَهِيَ مِنْ الْحِيَلِ الْمُبَاحَةِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ هُنَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ فَجَوَّزَ دَعْوَى الزَّوْجِيَّةِ فِيهِ تَوَصُّلًا إلَى إسْقَاطِ الْحَدِّ اهـ بِحُرُوفِهَا.
قَوْلُهُ: (دَارِئَةً) أَيْ مُسْقِطَةً وَادِّعَاؤُهُ الْمِلْكَ لَيْسَ قَيْدًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُ سَيِّدِهِ أَوْ مِلْكُ بَعْضِهِ، أَوْ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْحِرْزِ بِإِذْنِهِ، أَوْ أَنَّ الْحِرْزَ مَفْتُوحٌ، أَوْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ دُونَ النِّصَابِ، وَإِنْ ثَبَتَ كَذِبُهُ كَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَادَّعَى أَنَّهَا حَلِيلَتُهُ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا قَطْعَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا زي.
قَوْلُهُ: (السَّارِقَ الظَّرِيفَ) رَوَى أَصْحَابُ الْغَرِيبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ اللِّصُّ ظَرِيفًا لَمْ يُقْطَعْ أَيْ إذَا كَانَ بَلِيغًا جَيِّدَ الْكَلَامِ يَحْتَجُّ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهُ.
وَالظَّرَافَةُ فِي اللِّسَانِ الْبَلَاغَةُ وَفِي الْوَجْهِ الْحُسْنُ وَفِي الْقَلْبِ الذَّكَاءُ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَهُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: الْمَسْرُوقَ قَوْلُهُ: (فَكَذَّبَهُ الْآخَرُ) وَقَالَ: بَلْ سَرَقْنَاهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَدَّقَهُ، أَوْ سَكَتَ أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي فَلَا يُقْطَعُ أَيْضًا لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ قَوْلُهُ: (مَالًا مُشْتَرَكًا) خَرَجَ مَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَ الْمُشْتَرَكِ فَيُقْطَعُ إنْ دَخَلَ الْحِرْزَ بِقَصْدِ سَرِقَتِهِ فَقَطْ، لِامْتِنَاعِ دُخُولِهِ حِينَئِذٍ وَعِبَارَةُ ق ل هُوَ أَيْ التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي قَطْعَهُ بِمَالِ شَرِيكِهِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ لَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، أَوْ فِيهِ وَدَخَلَ بِقَصْدِ سَرِقَةِ مَالِ شَرِيكِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الْمِلْكِ) ذَكَرَ أَنَّ الشُّبْهَةَ ثَلَاثَةٌ: شُبْهَةُ الْفَاعِلِ، وَشُبْهَةُ الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةُ الْمِلْكِ، وَهَلْ يَأْتِي هُنَا شُبْهَةُ الطَّرِيقِ اُنْظُرْهُ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (عَلَى
مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَمَا مَرَّ، أَوْ شُبْهَةُ الْفَاعِلِ: كَمَنْ أَخَذَ مَالًا عَلَى صُورَةِ السَّرِقَةِ يَظُنُّ أَنَّهُ مِلْكُهُ، أَوْ مِلْكُ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ، أَوْ شُبْهَةُ الْمَحَلِّ: كَسَرِقَةِ الِابْنِ مَالَ أَحَدِ أُصُولِهِ، أَوْ أَحَدِ الْأُصُولِ مَالَ فَرْعِهِ، وَإِنْ سَفَلَ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الِاتِّحَادِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا. كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلِأَنَّ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُرْصَدٌ لِحَاجَةِ الْآخَرِ، وَمِنْهَا أَنْ لَا تُقْطَعَ يَدُهُ بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الْمَالِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ السَّارِقُ مِنْهُمَا حُرًّا أَمْ رَقِيقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيّ تَفَقُّهًا مُؤَيِّدًا لَهُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الرَّقِيقُ أَمَةَ فَرْعِهِ لَمْ يُحَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَلَا قَطْعَ أَيْضًا بِسَرِقَةِ رَقِيقٍ مَالَ سَيِّدِهِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلِشُبْهَةِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجِزُ فَيَصِيرُ كَمَا كَانَ.
قَاعِدَةٌ: مَنْ لَا يُقْطَعُ بِمَالٍ لَا يُقْطَعُ بِهِ رَقِيقُهُ فَكَمَا لَا يُقْطَعُ الْأَصْلُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْفَرْعِ. وَبِالْعَكْسِ لَا يُقْطَعُ رَقِيقُ أَحَدِهِمَا بِسَرِقَةِ مَالِ الْآخَرِ، وَلَا يُقْطَعُ السَّيِّدُ بِسَرِقَةِ مَالِ مُكَاتَبِهِ لِمَا مَرَّ وَلَا بِمَالٍ مَلَكَهُ الْمُبَعَّضُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ، لِأَنَّ مَا مَلَكَهُ بِالْحُرِّيَّةِ فِي الْحَقِيقَةِ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَصَارَ شُبْهَةً
ــ
[حاشية البجيرمي]
صُورَةِ السَّرِقَةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آخِذٌ لِلشَّيْءِ خِفْيَةً مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ قَوْلُهُ: (أَوْ مِلْكُ أَصْلِهِ، أَوْ فَرْعِهِ) وَفِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» . اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِمَا بَيْنَهُمَا) عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَلَا يُقْطَعُ لِمَا بَيْنَهُمَا إلَخْ قَوْلُهُ: (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ حَاجَةِ الْآخَرِ إلَخْ فِي كَوْنِ هَذَا مِنْ الْحَاجَةِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ تُجْعَلَ " مِنْ " تَعْلِيلِيَّةً أَيْ وَمِنْ أَجْلِهَا عَدَمُ قَطْعِ يَدِهِ بِسَرِقَةٍ إلَخْ. وَعِبَارَةُ م د وَمِنْهَا أَيْ وَمِنْ حَاجَةِ الْآخَرِ أَنْ لَا تُقْطَعَ يَدُهُ بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الْمَالِ أَيْ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى لَوْ سَرَقَ الْأَخُ مَالَ أَخِيهِ مَثَلًا فَادَّعَى أَنَّهُ مَالُ أَبِيهِ فَلَا يُقْطَعُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْأَبُ كَأَنْ قَالَ لَهُ: لَيْسَ هَذَا مَالِي بَلْ مَالَ أَخِيك اهـ.
قَوْلُهُ: (مِنْهُمَا) أَيْ الْأَصْلِ، أَوْ الْفَرْعِ.
قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) هِيَ أَرْبَعَةٌ: أَوَّلُهَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الشَّرْطِ السَّادِسِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِلسَّارِقِ شُبْهَةٌ فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ أَبِيهِ، أَوْ ابْنِهِ فَذَكَرَ مِنْ الشُّبْهَةِ مَا لَوْ سَرَقَ طَعَامًا زَمَنَ قَحْطٍ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِهِ فَلَا يُقْطَعُ لِشُبْهَةِ وُجُوبِ حِفْظِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ. وَثَانِيهَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الشَّرْطِ الرَّابِعِ وَهُوَ الْأَخْذُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَذَكَرَ أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فَلَا قَطْعَ لِكَوْنِهِ صَارَ غَيْرَ مُحْرَزٍ عَنْهُ. وَثَالِثُهَا يَتَفَرَّعُ عَلَى عُمُومِ أَخْذِ مَا يُسَاوِي نِصَابًا مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْخَسِيسَ مِنْ حَطَبٍ وَحَشِيشٍ، وَإِنْ تَيَسَّرَ أَخْذُ مِثْلِهِمَا بِسُهُولَةٍ مِنْ أَرْضٍ مُبَاحَةٍ كَصَحْرَاءَ. وَرَابِعُهَا مُفَرَّعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ يَسْرِقَ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ فَذَكَرَ أَنَّ عُمُومَ الْأَدِلَّةِ تَدُلُّ عَلَى شُمُولِ ذَلِكَ لِمَا هُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ كَالْأَطْعِمَةِ، وَالْفَوَاكِهِ، وَنَحْوِهِمَا م د.
فَرْعٌ: إذَا نُبِشَ قَبْرٌ فَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ قُطِعَ بِسَرِقَةِ الْكَفَنِ مِنْهُ، وَكَذَا يُقْطَعُ إذَا كَانَ الْقَبْرُ بِمَقْبَرَةٍ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْهُ تُرْبَةُ الْأَزْبَكِيَّةِ، وَتُرْبَةُ الرُّمَيْلَةِ، فَيُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُمَا، وَإِنْ اتَّسَعَتْ أَطْرَافُهَا وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا لَمْ تَقَعْ السَّرِقَةُ فِي وَقْتٍ يَبْعُدُ شُعُورُ النَّاسِ فِيهِ بِالسَّارِقِ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ حِينَئِذٍ اهـ ع ش عَلَى م ر. وَإِنْ كَانَتْ بِمَضْيَعَةٍ فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَعَزَاهُ الْإِمَامُ إلَى جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَلَوْ وُضِعَ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ سِوَى الْكَفَنِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْإِمَامُ: إنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ تَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقَابِرِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا قَطْعَ بِهِ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الْكَفَنِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ فِيهِ النَّبَّاشَ وَجَعَلَهُ مُحْرَزًا لِضَرُورَةِ التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ اهـ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَلَا أَثَرَ لِإِخْرَاجِ الْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ مِنْ اللَّحْدِ إلَى فَضَاءِ الْقَبْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ الْحِرْزِ وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ اشْتِرَاطَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْقَبْرِ وَالْمَيِّتِ مُحْتَرَمًا لِيَخْرُجَ قَبْرٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، وَمَيِّتٌ حَرْبِيٌّ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا مِنْ حَمَّامٍ وَهُنَاكَ حَارِسٌ قُطِعَ بِشُرُوطٍ:
الْأَوَّلُ اسْتِحْفَاظُهُ الْحَارِسَ.
الثَّانِي دُخُولُ السَّارِقِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَى الْعَادَةِ وَسَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ، الثَّالِثُ أَنْ يُخْرِجَ السَّارِقُ الثِّيَابَ مِنْ الْحَمَّامِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ اهـ سم. وَهُوَ أَيْ الْكَفَنُ كَالْعَارِيَّةِ لِلْمَيِّتِ، لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَهُوَ مِلْكٌ لِمَنْ كَفَّنَهُ مِنْ وَارِثٍ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ. فَيُخَاصِمُ مُكَفِّنُهُ سَارِقَهُ فَإِنْ كُفِّنَ مِنْ التَّرِكَةِ خَاصَمَهُ الْوَرَثَةُ وَاقْتَسَمُوهُ أَوْ مِنْ مَالٍ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ سَيِّدٍ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ خَاصَمَهُ الْمَالِكُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَالْإِمَامُ فِي الثَّالِثَةِ وَمَتَى ضَاعَ قَبْلَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَجَبَ إبْدَالُهُ مِنْهَا فَإِنْ
فُرُوعٌ: لَوْ سَرَقَ طَعَامًا زَمَنَ الْقَحْطِ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ وَكَذَا مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ إلَى دَارٍ، أَوْ حَانُوتٍ لِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَسَرَقَ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حَطَبٍ وَحَشِيشٍ وَنَحْوِهِمَا: كَصَيْدٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِهَا مُبَاحَةَ الْأَصْلِ. وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُعَرَّضٍ لِلتَّلَفِ كَهَرِيسَةٍ وَفَوَاكِهَ، وَبُقُولٍ لِذَلِكَ وَبِمَاءٍ وَتُرَابٍ وَمُصْحَفٍ وَكُتُبِ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَكُتُبِ شِعْرٍ نَافِعٍ مُبَاحٍ لِمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَافِعًا مُبَاحًا قُوِّمَ الْوَرَقُ وَالْجِلْدُ فَإِنْ بَلَغَا نِصَابًا قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا.
وَالسَّابِعُ كَوْنُهُ مُخْتَارًا فَلَا يُقْطَعُ الْمُكْرَهُ، بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى السَّرِقَةِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَلَا يُقْطَعُ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِهَا أَيْضًا نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ بِالْفَتْحِ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِعُجْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قُطِعَ الْمُكْرِهُ لَهُ.
وَالثَّامِنُ كَوْنُهُ مُلْتَزِمًا لِلْأَحْكَامِ فَلَا يُقْطَعُ حَرْبِيٌّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ. أَمَّا قَطْعُ الْمُسْلِمِ بِمَالِ الْمُسْلِمِ فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا قَطْعُهُ بِمَالِ الذِّمِّيِّ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ بِذِمَّتِهِ. وَلَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِمَالِ مُعَاهَدٍ وَمُؤَمَّنٍ كَمَا لَا يُقْطَعُ الْمُعَاهَدُ وَالْمُؤَمَّنُ بِسَرِقَةِ مَالِ ذِمِّيٍّ، أَوْ مُسْلِمٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ.
وَالتَّاسِعُ كَوْنُهُ مُحْتَرَمًا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قُسِمَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ. زي.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ثَمَنِهِ قَوْلُهُ: (بِسَرِقَةِ حَطَبٍ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ حِيَازَتِهِمَا، أَوْ كَانَا فِي صَحْرَاءَ مُحْرَزَةٍ بِحَارِسٍ وَكَذَا الثِّمَارُ عَلَى الْأَشْجَارِ إنْ كَانَ لَهَا حَارِسٌ، وَأَمَّا نَفْسُ الْأَشْجَارِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبُيُوتِ كَانَتْ مُحْرَزَةً، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ حَارِسٍ.
قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ قَوْلُهُ: (وَبِمَاءٍ وَتُرَابٍ) وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَاءٍ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ وَعَلَيْهِ الْغُرْمُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْكَلَأِ» قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُحَرَّمُ عَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ، لِأَنَّ فِيهِ تَرْوِيعًا لِقَلْبِهِ. اهـ. سم وح ل. وَتَرَدَّدَ الزَّرْكَشِيّ فِي سَرِقَةِ مُصْحَفٍ مَوْقُوفٍ لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْقَطْعِ وَلَوْ غَيْرَ قَارِئٍ لِشُبْهَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ بِالِاسْتِمَاعِ لِلْقَارِئِ فِيهِ كَقَنَادِيلِ الْإِسْرَاجِ اهـ. شَرْحَ ابْنِ حَجَرٍ وَقَنَادِيلُ جَمْعُ قِنْدِيلٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ مَعْرُوفٌ، وَوَزْنُهُ فِعْلِيلٌ لَا فِنْعِيلٌ وَفَتْحُ الْقَافِ لَحْنٌ مَشْهُورٌ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمُكْرَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ نَعَمْ يُقْطَعُ إنْ أَكْرَهَ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ الطَّاعَةَ وَكَذَا وَلَوْ نَقَبَ الْحِرْزَ، ثُمَّ أَمَرَ صَبِيًّا غَيْرَ مُمَيِّزٍ، أَوْ نَحْوَهُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْهُ فَأَخْرَجَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ الْآمِرُ أَيْضًا فَإِنْ أَمَرَ مُمَيِّزًا، أَوْ قِرْدًا بِهِ فَلَا قَطْعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ آلَةً لَهُ وَلِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا. فَإِنْ قُلْت: لَوْ عَلَّمَهُ الْقَتْلَ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فَهَلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ هُنَا؟ قُلْتُ: أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ، ثُمَّ إنَّ الْقِرْدَ مِثَالٌ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ حَيَوَانٍ مُعَلَّمٍ. وَلَوْ عَزَّمَ عَلَى عِفْرِيتٍ فَأَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ هَلْ يُقْطَعُ، أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا لَوْ أَكْرَهَ بَالِغًا مُمَيِّزًا عَلَى الْإِخْرَاجِ فَإِنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ. ثُمَّ رَأَيْتُ لِلدَّمِيرِيِّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْكُبْرَى مَا نَصُّهُ: لَوْ عَلَّمَ قِرْدَهُ النُّزُولَ إلَى الدَّارِ، وَإِخْرَاجَ الْمَتَاعِ مِنْهَا ثُمَّ نَقَبَ وَأَرْسَلَ الْقِرْدَ فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا قِرْدًا فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهَا مَا عَلَى وَاطِئِ الْبَهِيمَةِ فَتُعَزَّرُ فِي الْأَصَحِّ وَتُحَدُّ فِي قَوْلٍ، وَتُقْتَلُ فِي قَوْلٍ.
قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ) صُوَرُهُ أَرْبَعٌ وَالْأَظْهَرُ قَطْعُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ أَيْ بِسَرِقَةِ مَالِهِ الْمُحْرَزِ عَنْهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَشُبْهَةُ اسْتِحْقَاقِهَا النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ فِي مَالِهِ لَا أَثَرَ لَهُ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ مَحْدُودَةٌ وَبِهِ فَارَقَتْ الْمُبَعَّضَ وَالْقِنَّ وَأَيْضًا فَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَإِنَّ فُرِضَ أَنَّ لَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَالَ السَّرِقَةِ وَأَخَذَتْهُ بِقَصْدِ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ تُقْطَعْ كَدَائِنٍ سَرَقَ مَالَ مَدِينِهِ بِقَصْدِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ الظَّفَرِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَلَوْ ادَّعَى جُحُودَ مَدْيُونِهِ أَوْ مُمَاطَلَتَهُ صُدِّقَ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ. اهـ. شَرْحَ م ر. وَقَوْلُهُ:" الْمُحْرَزِ عَنْهُ " أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَيْتٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي هُمَا فِيهِ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَلَا قَطْعَ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي الصُّنْدُوقِ يُقْفَلُ مَثَلًا وَأَخَذَهُ بِالْمَالِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ أَيْ فَلَا قَطْعَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَتَحَ الصُّنْدُوقَ وَأَخَذَ مِنْهُ نِصَابًا فَيُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الصُّنْدُوقَ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ فَمَحَلُّ كَوْنِهِ لَا يُقْطَعُ بِالصُّنْدُوقِ إذَا كَانَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ إذَا أَخَذَ الصُّنْدُوقَ بِاَلَّذِي فِيهِ مِنْ غَيْرِ فَتْحٍ.
قَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْمُعَاهَدِ وَالْمُؤَمَّنِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ مُحْتَرَمًا) أَيْ مَالًا مُحْتَرَمًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَلَوْ مُحْتَرَمَةً إلَخْ قَالَ
فَلَوْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ خَمْرًا وَلَوْ مُحْتَرَمَةً وَخِنْزِيرًا وَكَلْبًا، وَلَوْ مُقْتَنًى، وَجِلْدَ مَيِّتٍ بِلَا دَبْغٍ فَلَا قَطْعَ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِمَالٍ أَمَّا الْمَدْبُوغُ فَيُقْطَعُ بِهِ حَتَّى لَوْ دَبَغَهُ السَّارِقُ فِي الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَ سَرِقَةٍ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا دَبَغَهُ الْغَاصِبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمِثْلُهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا بَعْدَ وَضْعِ السَّارِقِ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَإِنْ بَلَغَ إنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا قُطِعَ بِهِ، لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ كَمَا إذَا سَرَقَ إنَاءً فِيهِ بَوْلٌ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. هَذَا إذَا قَصَدَ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ السَّرِقَةَ أَمَّا إذَا قَصَدَ تَغْيِيرَهَا بِدُخُولِهِ أَوْ بِإِخْرَاجِهَا فَلَا قَطْعَ وَسَوَاءٌ أَخْرَجَهَا فِي الْأُولَى، أَوْ دَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ أَمْ لَا كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضِ فِيهِمَا وَكَلَامِ أَصْلِهِ فِي الثَّانِيَةِ. وَلَا قَطْعَ فِي أَخْذِ مَا سَلَّطَ الشَّرْعُ عَلَى كَسْرِهِ كَمِزْمَارٍ، وَصَنَمٍ وَصَلِيبٍ وَطُنْبُورٍ، لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى إزَالَةِ الْمَعْصِيَةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَصَارَ شُبْهَةً كَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ، فَإِنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ نِصَابًا قُطِعَ، لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ، هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّغْيِيرَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَإِنْ قَصَدَ بِإِخْرَاجِهِ تَيَسُّرَ تَغْيِيرٍ فَلَا قَطْعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِمُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ الْكُتُبِ إذَا كَانَ الْجِلْدُ وَالْقِرْطَاسُ يَبْلُغُ نِصَابًا وَبِسَرِقَةِ إنَاءِ النَّقْدِ، لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَّا إنْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ لِيُشْهِرَهُ بِالْكَسْرِ وَلَوْ كَسَرَ إنَاءَ الْخَمْرِ وَالطُّنْبُورَ وَنَحْوَهُ، أَوْ إنَاءَ النَّقْدِ فِي الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ قُطِعَ إنْ بَلَغَ نِصَابًا كَحُكْمِ الصَّحِيحِ.
وَالْعَاشِرُ كَوْنُ الْمِلْكِ فِي النِّصَابِ تَامًّا قَوِيًّا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَلَا يُقْطَعُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بَعْضُهُمْ: وَالصَّوَابُ إسْقَاطُ هَذَا الشَّرْطِ؛ إذْ هُوَ خَارِجٌ بِمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ: نِصَابًا؛ إذْ هُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مَالًا.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَخْرَجَ) لَمْ يَقُلْ سَرَقَ لِأَنَّ أَخْذُ مَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى سَرِقَةً لِأَنَّهَا أَخْذُ الْمَالِ إلَخْ وَهَذَا لَا يُسَمَّى مَالًا. قَوْلُهُ: (وَجِلْدَ مَيِّتٍ) الَّذِي بِخَطِّهِ مَيْتَةٍ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَ إنَاءُ الْخَمْرِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَهَذَا إنْ لَمْ يَبْلُغْ إنَاءُ الْخَمْرِ نِصَابًا.
قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ كَوْنُهُ يُقْطَعُ بِإِنَاءِ الْخَمْرِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا قَصَدَ تَغْيِيرَهَا) أَيْ بِالْإِرَاقَةِ قَوْلُهُ: بِدُخُولِهِ أَيْ لِلْحِرْزِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ: إذَا قَصَدَ تَغْيِيرَهَا بِدُخُولِهِ، وَالثَّانِيَةُ هِيَ قَوْلُهُ: أَوْ بِإِخْرَاجِهَا، وَقَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ: بِقَصْدِ السَّرِقَةِ أَمْ لَا مُتَعَلِّقٌ بِإِخْرَاجِهَا. وَبِقَوْلِهِ: أَوْ دَخَلَ عَلَى وَجْهِ التَّنَازُعِ.
قَوْلُهُ: (وَطُنْبُورٍ) هُوَ بِالضَّمِّ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالطِّنْبَارُ بِالْكَسْرِ لُغَةٌ فِيهِ. اهـ. مُخْتَارٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ) الْمُرَادُ بِمُكَسَّرِهِ خَشَبُهُ وَأَجْزَاؤُهُ مِنْ الْحِبَالِ عَلَى فَرْضِ لَوْ فُصِلَتْ وَأُزِيلَتْ صُورَتُهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكَسْرَ الْحَقِيقِيَّ. قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِهِ يُقْطَعُ بِمُكَسَّرِهِ إنْ بَلَغَ نِصَابًا قَوْلُهُ: (مَا لَا يَحِلُّ) لَيْسَ هَذَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا تَقَدَّمَ بَلَى هُوَ أَعَمُّ، لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ خَاصٌّ بِالشِّعْرِ الْمُحَرَّمِ وَمَا هُنَا أَعَمُّ مِنْ الشِّعْرِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ:(وَالْقِرْطَاسُ) أَيْ الْوَرَقُ. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّقْوِيمِ الْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ أَنَّ الْمُبَاحَ يُقَوَّمُ بِهَيْئَتِهِ مَكْتُوبًا مَعَ الْجِلْدِ وَالْمُحَرَّمَ يُقَوَّمُ الْوَرَقُ بِفَرْضِ كَوْنِهِ أَبْيَضَ مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ. قَوْلُهُ: (يَبْلُغُ نِصَابًا) هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فَهُوَ مُكَرَّرٌ.
قَوْلُهُ: (لِيُشْهِرَهُ بِالْكَسْرِ) أَيْ لِيُشْهِرَ كَسْرَهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَالَ م د: أَيْ لِيُنْظَرَ إلَيْهِ فِي إزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَسَرَ إنَاءَ الْخَمْرِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ إذَا سَرَقَهَا صَحِيحَةً فَإِنْ كَسَرَهَا قَبْلَ إخْرَاجِهَا، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَكَذَلِكَ. أَيْ إنْ بَلَغَ نِصَابًا قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا كَحُكْمِ الصَّحِيحِ وَمَحَلُّ الْقَطْعِ فِي الْجَمِيعِ مَا لَمْ يَقْصِدْ إزَالَةَ الْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ، وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ قَوْلُهُ:(وَالطُّنْبُورَ وَنَحْوَهُ) أَيْ كَالْمِزْمَارِ وَالصَّنَمِ وَالصَّلِيبِ كَحُكْمِ الصَّحِيحِ أَيْ كَحُكْمِ الْإِنَاءِ الصَّحِيحِ إذَا سَرَقَهُ لَا بِقَصْدِ التَّغْيِيرِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ إنَاءَ النَّقْدِ) وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِهَيْئَتِهِ وَصُورَتِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلَاتِ الْمَلَاهِي أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لِعَارِضٍ دُونَ تِلْكَ وَلِهَذَا لَا تُبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْعَاشِرُ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الشَّرْطِ وَمَا أَخْرَجَهُ بِهِ يَخْرُجُ بِالشَّرْطِ السَّادِسِ وَهُوَ عَدَمُ الشُّبْهَةِ وَأَيْضًا فَمَا مَعْنَى كَوْنِ الْمِلْكِ تَامًّا قَوِيًّا وَمَا مَعْنَى كَوْنِ الْمِلْكِ غَيْرَ تَامٍّ، وَغَيْرَ قَوِيٍّ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي أَخْرَجَهَا. إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ: بِالْمِلْكِ التَّامِّ الْقَوِيِّ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمِلْكِ فِيمَا أَخْرَجَهُ غَيْرَ تَامٍّ إلَخْ أَنَّ الْحَقَّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَاحِدٌ دُونَ آخَرَ وَالتَّعْبِيرُ بِالْمِلْكِ فِيهِ نَوْعُ مُسَامَحَةٍ، لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقُ انْتِفَاعٍ.
قَوْلُهُ: (تَامًّا قَوِيًّا) يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَمْلِكُونَ حُصُرَ الْمَسْجِدِ وَنَحْوَهَا مِلْكًا ضَعِيفًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ
مُسْلِمٌ بِسَرِقَةِ حُصُرِ الْمَسْجِدِ الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ. وَلَا سَائِرِ مَا يُفْرَشُ فِيهِ وَلَا قَنَادِيلَ تُسْرَجُ فِيهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ فِيهِ حَقٌّ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَخَرَجَ بِالْمُعَدَّةِ حُصُرُ الزِّينَةِ فَيُقْطَعُ فِيهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَبِالْمُسْلِمِ الذِّمِّيُّ فَيُقْطَعُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَلَاطُ الْمَسْجِدِ كَحُصُرِهِ الْمُعَدَّةِ لِلِاسْتِعْمَالِ وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ بَابِ الْمَسْجِدِ وَجِذْعِهِ وَتَأْزِيرِهِ وَسَوَارِيهِ وَسُقُوفِهِ وَقَنَادِيلِ زِينَةٍ فِيهِ، لِأَنَّ الْبَابَ لِلتَّحْصِينِ وَالْجِذْعَ وَنَحْوَهُ لِلْعِمَارَةِ وَلِعَدَمِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَنَادِيلِ وَيَلْحَقُ بِهَذَا سِتْرُ الْكَعْبَةِ إنْ خِيطَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُحْرَزٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِتْرُ الْمِنْبَرِ كَذَلِكَ إنْ خِيطَ عَلَيْهِ وَلَوْ سَرَقَ الْمُسْلِمُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا نُظِرَ إنْ أُفْرِزَ لِطَائِفَةٍ كَذَوِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينِ وَكَانَ مِنْهُمْ، أَوْ أَصْلُهُ، أَوْ فَرْعُهُ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ أُفْرِزَ لِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ وَلَا أَصْلُهُ وَلَا فَرْعُهُ قُطِعَ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُفْرَزُ لِطَائِفَةٍ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الثَّابِتُ لَهُمْ الِاخْتِصَاصُ لَا الْمِلْكُ فَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ قَوْلُهُ: تَامًّا قَوِيًّا أَيْ بِأَنْ يَخْتَصَّ بِهِ مُعَيَّنٌ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُقْطَعُ مُسْلِمٌ) يُتَأَمَّلُ تَفْرِيعُهُ عَلَى كَوْنِ الْمِلْكِ تَامًّا قَوِيًّا فَقَدْ يُقَالُ: مَا مَعْنَى كَوْنِ الْمِلْكِ فِي هَذَا غَيْرَ تَامٍّ وَغَيْرَ قَوِيٍّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ حَقٌّ مِمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ فَمِلْكُهُ غَيْرُ تَامٍّ وَغَيْرُ قَوِيٍّ فَالْمُرَادُ بِالْقَوِيِّ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ مُعَيَّنٌ. اهـ. م د.
وَعَلَى كُلٍّ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِشَرْطِ عَدَمِ الشُّبْهَةِ لِلسَّارِقِ وَمَا ذَكَرَ فِيهِ لَهُ شُبْهَةٌ.
قَوْلُهُ: (حُصُرِ الْمَسْجِدِ) أَيْ إذَا كَانَ عَامًّا أَمَّا إذَا كَانَ خَاصًّا بِجَمَاعَةٍ فَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ يُفَصَّلُ فِيهِمْ التَّفْصِيلُ الَّذِي فِي الشَّارِحِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَيُقْطَعُ مُطْلَقًا م ر. قَوْلُهُ:(وَلَا سَائِرِ مَا يُفْرَشُ فِيهِ) كَالْبِسَاطَاتِ وَالسَّجَّادَاتِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ. وَقَوْلُهُ: الْمُعَدَّةِ لِلزِّينَةِ. اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالْمُعَدَّةِ لِلزِّينَةِ فَإِنَّ الْحُصُرَ إذَا فُرِشَتْ وَلَوْ يَوْمَ الْعِيدِ فَهِيَ مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِعْمَالِ. فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا حُصُرٌ، أَوْ سَجَّادَاتٌ تُعَلَّقُ عَلَى الْحِيطَانِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لِلزِّينَةِ، لِأَنَّهُ لَا اسْتِعْمَالَ حِينَئِذٍ. اهـ، وَمِثْلُ الْحُصُرِ الْمِنْبَرُ، وَالدِّكَّةُ وَكُرْسِيُّ الْوَاعِظِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّارِقُ خَطِيبًا وَلَا وَاعِظًا وَلَا مُؤَذِّنًا وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ بَكَرَةِ بِئْرٍ مُسَبَّلَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ أَبْوَابُ الْأَخْلِيَةِ، لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلسَّتْرِ بِهَا، عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ) ظَاهِرُهُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ بِقَدْرِ رُبُعِ دِينَارٍ كَمَا فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (حُصُرُ الزِّينَةِ) وَهِيَ الَّتِي تُفْرَشُ فِي الْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا كَالْجُمَعِ، شَيْخُنَا، خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهَا بِاَلَّتِي تُبْسَطُ عَلَى الْحِيطَانِ.
قَوْلُهُ: (وَبِالْمُسْلِمِ الذِّمِّيُّ) وَكَذَا مُسْلِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهَا بِأَنْ اُخْتُصَّتْ بِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ زي وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. قَالَ ع ش عَلَيْهِ: وَلَيْسَ مِنْهُ أَرْوِقَةُ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ فَإِنَّ الِاخْتِصَاصَ بِمَنْ فِيهَا عَارِضٌ؛ إذْ أَصْلُ الْمَسْجِدِ، إنَّمَا وُقِفَ لِلصَّلَاةِ وَالْمُجَاوَرَةُ بِهِ مِنْ أَصْلِهَا طَارِئَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَيُقْطَعُ) وَأَمَّا سَرِقَتُهُ مِنْ كَنَائِسِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ تَفْصِيلُ الْمُسْلِمِ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (بَلَاطُ الْمَسْجِدِ) وَرُخَامُهُ. الَّذِي فِي أَرْضِهِ أَمَّا مَا فِي جِدَارِهِ فَيُقْطَعُ بِهِ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْبَوَّابِ أَمَّا هُوَ فَلَا يُقْطَعُ أَصْلًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ الْمُجَاوِرُونَ فِيهِ. قَوْلُهُ: " (بَابِ الْمَسْجِدِ) وَيَلْحَقُ بِهِ سِتْرُ الْكَعْبَةِ " فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ إنْ خِيطَ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُحْرَزٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِتْرُ الْمِنْبَرِ كَذَلِكَ، إنْ خِيطَ عَلَيْهِ وَكَذَا يُقَالُ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي سِتْرِ الْأَوْلِيَاءِ اهـ. شَرْحَ م ر وع ش وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: (وَجِذْعِهِ) أَيْ مَا يُعْمَرُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُجْعَلَ السَّقْفُ عَلَيْهِ وَكَذَا السُّقُوفُ فَيُقْطَعُ بِهَا، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقْصَدُ بِوَضْعِهَا صِيَانَتُهُ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ فَلَوْ جُعِلَ فِيهِ نَحْوُ سَقِيفَةٍ بِقَصْدِ وِقَايَةِ النَّاسِ مِنْ نَحْوِ الْبَرْدِ فَلَا قَطْعَ وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُغَطَّى بِهِ نَحْوُ فَتْحَةٍ فِي سَقْفِهِ لِدَفْعِ نَحْوِ الْبَرْدِ الْحَاصِلِ مِنْهَا عَلَى النَّاسِ. اهـ. م ر شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ:(وَتَأْزِيرِهِ) هُوَ مَا يُعْمَلُ فِي أَسْفَلِ الْجِدَارِ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ. اهـ. شَيْخُنَا قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ أَزَّرْت الْحَائِطَ تَأْزِيرًا جَعَلْت لَهُ مَنْ أَسْفَلِهِ كَالْإِزَارِ.
قَوْلُهُ: (وَسَوَارِيهِ) أَيْ عَوَامِيدِهِ، وَ " قَنَادِيلِ " زِينَةٍ " بِالْإِضَافَةِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ لِتَحْصِينِ الْمَسْجِدِ وَحِفْظِهِ كَأَبْوَابِهِ وَسَقْفِهِ وَمَا كَانَ لِلزِّينَةِ يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ وَمَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ وَمِثْلُ قَنَادِيلِ الزِّينَةِ مَا هِيَ مُعَلَّقَةٌ بِهِ مِنْ نَحْوِ سِلْسِلَةٍ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِتْرُ الْمِنْبَرِ) وَكَذَا سَجَّادَةُ الْإِمَامِ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ اهـ خ ض قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُفْرَزْ لِطَائِفَةٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ لِطَائِفَةٍ
فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ الْمَصَالِحِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فَقِيرًا أَمْ غَنِيًّا وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ غَارِمٌ لِذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ غَازٍ فَلَا يُقْطَعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ لَهُ حَقًّا، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا كَمَا مَرَّ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُصْرَفُ فِي عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْقَنَاطِرِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. لِأَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِهِمْ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ يُقْطَعُ بِذَلِكَ وَلَا نَظَرَ إلَى إنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ كَمَا يُنْفَقُ عَلَى الْمُضْطَرِّ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَانْتِفَاعُهُ بِالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ بِالتَّبَعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَاطِنٌ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا لِاخْتِصَاصِهِ بِحَقٍّ فِيهَا. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِاسْتِحْقَاقِهِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ. فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ إلَّا إذَا كَانَ غَازِيًا، أَوْ غَارِمًا لِذَاتِ الْبَيْنِ فَلَا يُقْطَعُ لِمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ قُطِعَ لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ.
فَرْعٌ: لَوْ سَرَقَ شَخْصٌ الْمُصْحَفَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يُقْطَعْ إذَا كَانَ قَارِئًا، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا. وَكَذَا إنْ كَانَ غَيْرَ قَارِئٍ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَلَّمَ مِنْهُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ: أَوْ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِاسْتِمَاعِ الْحَاضِرِينَ وَيُقْطَعُ بِمَوْقُوفٍ عَلَى غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَالٌ مُحْرَزٌ وَلَوْ سَرَقَ مَالًا مَوْقُوفًا عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ، أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا، لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ الرُّكْنَ الثَّالِثَ، وَهُوَ السَّرِقَةُ وَهِيَ أَخْذُ الْمَالِ خِفْيَةً كَمَا مَرَّ.
وَحِينَئِذٍ لَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ مَعَ مُعَايَنَةِ الْمَالِكِ وَلَا مُنْتَهِبٌ وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ عِيَانًا مُعْتَمِدًا عَلَى الْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ وَلَا مُنْكِرُ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ لِحَدِيثِ: «لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ وَالْخَائِنِ قَطْعٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفَرَّقَ مِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُعَيَّنَةٍ، وَإِلَّا فَهُوَ مُفْرَزٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ. قَوْلُهُ:(كَمَالِ الْمَصَالِحِ) هَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ: (وَكَصَدَقَةٍ) أَيْ وَاجِبَةٍ وَهِيَ الزَّكَاةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: أَوْ غَارِمٌ لِذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ غَازٍ، لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الزَّكَاةِ لَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ.
قَوْلُهُ: (يُقْطَعُ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِبَيْتِ الْمَالِ قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ) أَيْ، لِأَنَّهُ إذَا أَيْسَرَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ لَهُ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (بِالتَّبَعِيَّةِ) أَيْ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ فِي رَفْعِ الْحَدِّ، وَهَلْ يُشْكِلُ بِمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ سَرَقَ مَالًا مَوْقُوفًا عَلَى الْوُجُوهِ الْعَامَّةِ حَيْثُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا لِلتَّبَعِيَّةِ، أَوْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بِقُوَّةِ التَّبَعِيَّةِ، ثُمَّ بِاعْتِبَارِ وَقْفِهِ عَلَى نَفْسِ الْجِهَةِ الَّتِي بِهَا انْتِفَاعُ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَصَّ بِتِلْكَ الْجِهَةِ بَلْ لَمَّا كَانَ قَدْ يُصْرَفُ فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ كَانَ شُبْهَةً لَهُمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِضَعْفِ الشُّبْهَةِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي الصَّرْفِ لِمَا بِهِ الِانْتِفَاعُ اهـ. وَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ الْفَرْقَ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ ضَعِيفَةٌ وَالتَّبَعِيَّةَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ قَوِيَّةٌ لِتَعَيُّنِ هَذَا لِجِهَةِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ مَالِ الْمَصَالِحِ. اهـ. م د قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ) وَهِيَ الصَّدَقَةُ أَيْ الزَّكَاةُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُقْطَعُ لِمَا مَرَّ) أَيْ لِاسْتِحْقَاقِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِ الْمَصَالِحِ فَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُمَا حَتَّى يُخْرِجَهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ أَخْرَجْنَا بِهِ الذِّمِّيَّ فَذَكَرَهُ الشَّارِحُ سَابِقًا، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْغَنِيَّ. فَقَدْ أَخْرَجَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ عَدَمُ ذِكْرِهِ حِينَئِذٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الذِّمِّيُّ، لِأَنَّ الشَّارِحَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَيْ وَكَانَ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ مَالِ الْمَصَالِحِ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَيُقْطَعُ بِمَوْقُوفٍ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ مِمَّنْ لَيْسَ نَحْوَ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَلَا مُشَارِكًا لَهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْوَقْفِ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ حِينَئِذٍ. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (مَوْقُوفًا عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ) كَطَاسَةِ السَّبِيلِ قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْخَيْرِ) كَمَرْكَبٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَنْ رَكِبَهَا قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِينَ) لَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي سَرِقَةِ بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ يُقْطَعُ بِهِ الذِّمِّيُّ وَلَا نَظَرَ لِلصَّرْفِ مِنْهُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا تَبَعًا لِتَعَيُّنِ هَذَا لِلْمَصَالِحِ فَقَوِيَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ بِخِلَافِ ذَاكَ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (مُخْتَلِسٌ) أَيْ مُخْتَطِفٌ ح ل. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَنْ يَأْخُذُ عِيَانًا إلَخْ) وَمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمُنْتَهِبِ يَشْمَلُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُخْرِجُهُ يُرَدُّ بِأَنَّ لِلْقَاطِعِ
حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّارِقِ بِأَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ الْمَالَ خِفْيَةً وَلَا يَتَأَتَّى مَنْعُهُ فَشُرِعَ الْقَطْعُ زَجْرًا لَهُ، وَهَؤُلَاءِ يَقْصِدُونَهُ عِيَانًا فَيُمْكِنُ مَنْعُهُمْ بِالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ. كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَلَعَلَّ هَذَا حُكْمٌ عَلَى الْأَغْلَبِ، وَإِلَّا فَالْجَاحِدُ لَا يَقْصِدُ الْأَخْذَ عِنْدَ جُحُودِهِ عِيَانًا فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ بِسُلْطَانٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، وَفُرُوعُ الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَمَحَلُّ ذِكْرِهَا الْمَبْسُوطَاتُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ لِقَارِئِ هَذَا الْكِتَابِ.
(وَتُقْطَعُ يَدُهُ) أَيْ السَّارِقِ (الْيُمْنَى) قَالَ تَعَالَى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَقُرِئَ شَاذًّا
ــ
[حاشية البجيرمي]
شُرُوطًا يَتَمَيَّزُ بِهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ الْإِطْلَاقُ شَرْحَ م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَا مُنْكِرُ وَدِيعَةٍ إلَخْ) خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْقَطْعِ بِالْعَارِيَّةِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ
قَوْلُهُ: (وَتُقْطَعُ يَدُهُ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ وَالشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لَهُ شَرَعَ فِي الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى السَّرِقَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ فَقَالَ: وَتُقْطَعُ يَدُهُ إلَخْ أَيْ بَعْدَ طَلَبِ الْمَالِكِ الْمَالَ وَثُبُوتِ السَّرِقَةِ بِشُرُوطِهَا، وَإِلَّا قُطِعَ فِي الْحَالِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْمَالِ فَيَسْقُطَ الْقَطْعُ، أَوْ يُقِرَّ الْمَالِكُ بِأَنَّ الْمَالَ لِلسَّارِقِ فَيَسْقُطَ أَيْضًا وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ وَالْقَاطِعُ الْإِمَامُ، أَوْ السَّيِّدُ إنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْإِمَامُ فَقَطْ، أَوْ نَائِبُهُ. وَلَا يَجُوزُ الْإِذْنُ لِعَدُوِّ الْجَانِي لِئَلَّا يُعَذِّبَهُ وَلَا لِكَافِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ نَفْسِهِ فِي قَتْلٍ وَقَطْعٍ وَلَوْ فِي سَرِقَةٍ لَا فِي جَلْدٍ وَنَحْوِهِ لِاتِّهَامِ عَدَمِ إيلَامِ نَفْسِهِ، وَلَا يَأْثَمُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ هُنَا كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَبِهِ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا شَخْصٌ قَتَلَ نَفْسَهُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ. فَافْهَمْ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا، أَوْ مَجْنُونًا اُنْتُظِرَ كَمَالُهُمَا لِأَنَّهُمَا رُبَّمَا أَبَاحَا لَهُ ذَلِكَ بَعْدُ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ اهـ أج وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَلَا قَطْعَ إلَّا بِطَلَبٍ مِنْ مَالِكٍ فَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ لِغَائِبٍ أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ، أَوْ لِسَفِيهٍ فِيمَا يَظْهَرُ لَمْ يُقْطَعْ حَالًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ، أَوْ أَقَرَّ بِزِنًا بِأَمَتِهِ أَيْ الْغَائِبِ حُدَّ حَالًا، لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّلَبِ اهـ. وَقَوْلُهُ: إلَّا بِطَلَبٍ لِلْمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَثُبُوتِ سَرِقَتِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ مَعَ قَوْلِهِمْ: يُقْطَعُ وَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ طَلَبَهُ لِلْمَالِ يُثْبِتُ سَرِقَتَهُ، وَإِذَا ثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ. وَعَلَى هَذَا لَا إشْكَالَ ح ل أَيْ فَالْمَدَارُ عَلَى ثُبُوتِ السَّرِقَةِ وَالْمَالِ وَإِنْ أُبْرِئَ مِنْهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَلَيْسَ الْمَطْلُوبُ خُصُوصَ الْإِيفَاءِ كَمَا قَالَهُ سم قَالَ النَّاشِرِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ الطَّلَبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ. اهـ. م ر شَوْبَرِيٌّ. فَرْعٌ: يُسَنُّ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْعَفْوُ عَنْ السَّارِقِ قَبْلَ رَفْعِ الْأَمْرِ لِلْحَاكِمِ وَبَعْدَهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ.
وَفِي الدَّمِيرِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ عَفَا عَنْ السَّارِقِ حِينَ أَنْشَدَتْهُ أُمُّهُ:
يَمِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذُهَا
…
بِعَفْوِكَ أَنْ تَلْقَى نَكَالًا يَشِينُهَا
فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَتْ خَبِيثَةً
…
إذَا مَا شِمَالِي فَارَقَتْهَا يَمِينُهَا
فَعَفَا عَنْهَا وَهَذَا مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ فَلَا يُرَدُّ. اهـ. رَحْمَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (الْيُمْنَى) وَلَوْ شَلَّاءَ حَيْثُ أُمِنَ نَزْفُ الدَّمِ وَإِلَّا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى وَهَذَا حَيْثُ كَانَ الشَّلَلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى السَّرِقَةِ. أَمَّا لَوْ سَرَقَ فَشُلَّتْ يَمِينُهُ وَلَمْ يُؤْمَنْ مِنْ نَزْفِ الدَّمِ، أَوْ سَقَطَتْ بِآفَةٍ، أَوْ بِغَيْرِهَا فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ سم وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: الْيُمْنَى أَيْ إنْ انْفَرَدَتْ وَلَوْ مَعِيبَةً، أَوْ نَاقِصَةً، أَوْ شَلَّاءَ، إنْ أُمِنَ نَزْفُ الدَّمِ، أَوْ زَائِدَةَ الْأَصَابِعِ، أَوْ فَاقِدَتَهَا خِلْقَةً أَوْ عَرَضًا فَإِنْ تَعَدَّدَتْ كَفَى الْأَصْلِيُّ مِنْهَا إنْ عُرِفَ، أَوْ وَاحِدَةٌ إنْ اشْتَبَهَ وَعَلَى هَذَا لَوْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ الثَّانِيَةُ وَحِينَئِذٍ تَرِدُ هَذِهِ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَرِدُ، لِأَنَّ كَلَامَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلْقَةِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِي الْبَدَاءَةِ بِالْيَمِينِ أَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى وَلِأَنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ السَّرِقَةِ بِهَا فَكَانَ قَطْعُهَا أَرْدَعَ، وَحِكْمَةُ التَّعَلُّقِ بِالرِّجْلِ أَيْضًا أَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ يَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيَمْشِي بِرِجْلِهِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَتُقْطَعُ، وَقَوْلُهُ: وَقُرِئَ شَاذًّا دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ: الْيُمْنَى وَلَوْ أَخْرَجَ السَّارِقُ لِلْجَلَّادِ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا فَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ: ظَنَنْتُهَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْيُمْنَى، أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ أَجْزَأَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الدَّافِعِ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ يُومِئُ إلَى تَرْجِيحِهَا كَلَامُ الرَّوْضَةِ. وَصَحَّحَهَا الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَصْحِيحِهِ وَصَحَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَإِنْ حَكَى فِي الرَّوْضَةِ طَرِيقَةً أُخْرَى أَنَّهُ يُسْأَلُ الْجَلَّادُ فَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُهَا الْيُمْنَى أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا وَحَلَفَ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ وَأَجْزَأَتْهُ، أَوْ عَلِمْتُهَا الْيَسَارَ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُخْرِجُ بَدَلَهَا عَنْ الْيُمْنَى، أَوْ إبَاحَتَهَا وَلَمْ تُجْزِئْهُ وَجَزَمَ بِهَا ابْنُ الْمُقْرِي. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ قَوَدٍ لِلْجَانِي الْحُرِّ الْعَاقِلِ: أَخْرِجْهَا فَأَخْرَجَ يَسَارًا سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِهَا وَبِعَدَمِ إجْزَائِهَا أَمْ لَا وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا فَقَطَعَهَا الْمُسْتَحِقُّ فَمُهْدَرَةٌ أَيْ لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِالْإِذْنِ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ أَمْ لَا وَيُعَزَّرُ فِي الْعِلْمِ، أَوْ قَصْدِ جَعْلِهَا عَنْهَا أَيْ عَنْ الْيَمِينِ ظَانًّا إجْزَاءَهَا عَنْهَا، أَوْ أَخْرَجَهَا دَهَشًا وَظَنَّهَا الْيَمِينَ، أَوْ ظَنَّ الْقَاطِعُ الْإِجْزَاءَ فَدِيَةٌ تَجِبُ لَهَا أَيْ لِلْيَسَارِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْهَا مَجَّانًا فَلَا قَوَدَ لَهَا لِتَسْلِيطِ مُخْرِجِهَا بِجَعْلِهَا عِوَضًا فِي الْأُولَى وَلِلدَّهْشَةِ الْقَرِيبَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ بِقِسْمَيْهَا وَيَبْقَى قَوَدُ الْيَمِينِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهِ وَلَا عَفَا عَنْهُ لَكِنَّهُ يُؤَخَّرُ حَتَّى تَنْدَمِلَ يَسَارُهُ إلَّا فِي ظَنِّ الْقَاطِعِ الْإِجْزَاءَ عَنْهَا فَلَا قَوَدَ لَهَا بَلْ تَجِبُ لَهَا دِيَةٌ فَإِنْ قَالَ الْقَاطِعُ وَقَدْ دَهِشَ الْمُخْرِجُ ظَنَنْت أَنَّهُ أَبَاحَهَا وَجَبَ الْقَوَدُ فِي الْيَسَارِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ دَهِشْتُ اهـ. وَقَوْلُهُ: لِلْجَانِي الْحُرِّ الْعَاقِلِ، أَمَّا الْقِنُّ فَقَصْدُهُ الْإِبَاحَةَ لَا يُهْدِرُ يَسَارَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِسَيِّدِهِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ يُسْقِطُ قَوَدَهَا إذَا كَانَ الْقَاطِعُ قِنًّا، وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا عِبْرَةَ بِإِخْرَاجِهِ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْمُقْتَصُّ قَطَعَ، وَإِلَّا لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ كَمَا فِي زي وَبِرْمَاوِيٍّ وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا فِيهِ صُوَرٌ أَرْبَعٌ وَهِيَ كَوْنُهُ عَالِمًا بِأَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ ظَنَّ الْإِجْزَاءَ أَوْ جَهِلَ الْحَالَ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْحُكْمِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذِهِ هِيَ الْأَرْبَعُ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَلَفَّظَ أَوْ لَا فَهَاتَانِ صُورَتَانِ تُضْرَبَانِ فِي الْأَرْبَعِ بِثَمَانِيَةٍ فَهَذِهِ أَحْوَالُ الْمُخْرِجِ، وَأَمَّا الْقَاطِعُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَيْضًا وَهِيَ عِلْمُهُ بِأَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ جَهِلَ الْحَالَ أَوْ قَالَ: ظَنَنْتُ الْإِجْزَاءَ، أَوْ قَالَ: غَفَلْتُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ تُضْرَبُ فِي ثَمَانِيَةِ أَحْوَالِ الْمُخْرِجِ يَكُونُ الْحَاصِلُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ. وَفِي كُلٍّ الْمُخْرِجُ قَاصِدٌ إبَاحَتَهَا وَالْقَاطِعُ إمَّا أَنْ يَعْلَمَ الْإِبَاحَةَ، أَوْ لَا فَهَاتَانِ صُورَتَانِ تُضْرَبَانِ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ الْحَاصِلُ بِالضَّرْبِ أَرْبَعَةً وَسِتِّينَ فَهِيَ فِي هَذِهِ كُلِّهَا مُهْدَرَةٌ لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ فَإِنْ قَصَدَ الْمُخْرِجُ جَعْلَهَا عَنْهَا أَوْ أَخْرَجَهَا دَهَشًا وَظَنَّهَا الْيَمِينَ. أَوْ ظَنَّ الْقَاطِعُ الْإِجْزَاءَ فَدِيَةٌ تَجِبُ لَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ فَإِنْ قَالَ الْقَاطِعُ وَقَدْ دَهِشَ الْمُخْرِجُ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَبَاحَهَا، أَوْ عَلِمْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ دَهِشْتُ. وَجَبَ الْقَوَدُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ عَلَى الْقَاطِعِ هَذِهِ حُكْمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْيَسَارِ. وَأَمَّا يَدُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَقَوَدُهَا بَاقٍ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ السَّبْعِينَ إلَّا فِي ظَنِّ الْقَاطِعِ الْإِجْزَاءَ فَيَسْقُطُ الْقَوَدُ فِيهَا وَفِيهَا الدِّيَةُ وَهَذَا كُلُّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَتْنِ الْمَنْهَجِ، وَشَرْحِهِ. كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ. وَقَالَ الزِّيَادِيُّ: حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الدَّهْشَةُ أَنْ يُقَالَ: الْيَسَارُ مَضْمُونَةٌ مُطْلَقًا إلَّا إذَا قَصَدَ الْمُخْرِجُ إبَاحَتَهَا وَلَا يَجِبُ فِيهَا قِصَاصٌ إلَّا إذَا قَالَ الْمُخْرِجُ: دَهِشْتُ وَقَالَ الْقَاطِعُ: عَلِمْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ ظَنَنْتُ أَنَّهُ أَبَاحَهَا، أَوْ دَهِشْت أَيْضًا وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ إلَّا إذَا أَخَذَهَا عِوَضًا وَلَوْ أَبَاحَهَا الْمُخْرِجُ، وَأَخْصَرُ مِنْ هَذَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُخْرِجَ إنْ قَصَدَ الْإِبَاحَةَ هُدِرَتْ يَدُهُ، وَإِلَّا فَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالدِّيَةِ إلَّا فِي حَالَةِ الدَّهْشَةِ فَبِالْقِصَاصِ، وَالْيَمِينُ قِصَاصُهَا بَاقٍ إلَّا إذَا أَخَذَ الْيَسَارَ عِوَضًا. وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَقَالَ:
إنَّ الْيَسَارَ مُطْلَقًا قَدْ ضُمِنَتْ
…
مَا لَمْ يُبِحْهَا مُخْرِجٌ كَمَا ثَبَتْ
وَفِي الضَّمَانِ دِيَةٌ إلَّا الدَّهَشْ
…
فَبِالْقِصَاصِ حُكْمُهَا قَدْ انْتَقَشْ
قِصَاصُ هَذِهِ الْيَمِينِ بَاقِي
…
مَا لَمْ يُرِدْ التَّعْوِيضَ بِاتِّفَاقِ
وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: حَاصِلُ مَسْأَلَةِ الدَّهْشَةِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْيَمِينَ فِيهَا الْقَوَدُ إلَّا إنْ ظَنَّ الْقَاطِعُ إجْزَاءَ الْيَسَارِ عَنْهَا، أَوْ
فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَا. وَيُكْتَفَى بِالْقَطْعِ وَلَوْ كَانَتْ مَعِيبَةً كَفَاقِدَةِ الْأَصَابِعِ أَوْ زَائِدَتِهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَلِأَنَّ الْغَرَضَ التَّنْكِيلُ بِخِلَافِ الْقَوَدِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ كَمَا مَرَّ، أَوْ سَرَقَ مِرَارًا قَبْلَ قَطْعِهَا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ زَنَى، أَوْ شَرِبَ مِرَارًا يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ. وَكَالْيَدِ الْيُمْنَى فِي ذَلِكَ غَيْرُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَطْعِهَا. (مِنْ مَفْصِلِ الْكُوعِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي مَفْصِلِ الْكَفِّ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ وَمَا يَلِي الْخِنْصَرَ اسْمُهُ الْكُرْسُوعُ.
وَالْبُوعُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عِنْدَ أَصْلِ إبْهَامِ الرِّجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْغَبِيُّ مَنْ لَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ بُوعِهِ. أَيْ مَا يَدْرِي لِغَبَاوَتِهِ مَا اسْمُ الْعَظْمِ الَّذِي عِنْدَ كُلِّ إبْهَامٍ مِنْ أُصْبُعِ يَدَيْهِ مِنْ الْعَظْمِ الَّذِي عِنْدَ كُلِّ إبْهَامٍ مِنْ رِجْلَيْهِ.
(فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا) بَعْدَ قَطْعِ يُمْنَاهُ (قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ الْيُمْنَى لِئَلَّا يُفْضِيَ التَّوَالِي إلَى الْهَلَاكِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَصَدَ أَنَّهَا عِوَضٌ عَنْهَا وَأَنَّ الْيَسَارَ مُهْدَرَةٌ فِي قَصْدِ الْمُخْرِجِ الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا وَفِيهَا الْقَوَدُ إنْ دَهِشَا مَعًا، أَوْ عَلِمَ الْقَاطِعُ أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، أَوْ ظَنَّ إبَاحَتَهَا، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَوْ زَائِدَتِهَا) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِيهِمَا وَقِيلَ: يُعْدَلُ إلَى الرِّجْلِ فِيهِمَا اهـ م ر. فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ. قَوْلُهُ: (أَوْ سَرَقَ مِرَارًا) مَعْطُوفٌ عَلَى الْغَايَةِ وَقَوْلُهُ: لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهِيَ السَّرِقَةُ.
قَوْلُهُ: (يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ) أَيْ حَيْثُ تَأَخَّرَ عَنْ الْجَمِيعِ اهـ ع ش. وَإِنَّمَا تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ فِيمَا لَوْ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ فِي الْإِحْرَامِ فِي مَجَالِسَ مَعَ اتِّحَادِ الْمُسَبِّبِ، لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِآدَمِيٍّ، لِأَنَّهَا تُصْرَفُ إلَيْهِ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الْحَدِّ. اهـ. شَرْحَ الرَّوْضِ. قَوْله:(وَكَالْيَدِ الْيُمْنَى فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِهِ بَعْدَ السَّرِقَةِ مِرَارًا وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِالْمَعِيبَةِ.
قَوْلُهُ: (فِي مَفْصِلِ الْكَفِّ) أَيْ مِمَّا اتَّصَلَ بِالزَّنْدِ.
قَوْلُهُ: (مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ) أَيْ أَصْلَ الْإِبْهَامِ فَأَصْلُ الْإِبْهَامِ فَاصِلٌ بَيْنَ الْكُوعِ وَالْإِبْهَامِ وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ الْكُوعُ بِالضَّمِّ وَالْكَاعُ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ فَإِذَا قُطِعَتْ كَفُّهُ فَالْكُوعُ بَاقٍ، لِأَنَّهُ رَأْسُ السَّاعِدِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَالْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ كَذَلِكَ وَالْأَوَّلُ مَا يَلِي الْخِنْصَرَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَالْبُوعُ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عِنْدَ أَصْلِ إبْهَامِ الرِّجْلِ أَيْ الْمُتَّصِلُ بِإِبْهَامِهَا فَلَيْسَ نَظِيرَ الْكُوعِ، لِأَنَّ ذَاكَ فِي رَأْسِ الزَّنْدِ كَمَا مَرَّ قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَكُوعٌ يَلِي إبْهَامَ يَدٍ وَمَا يَلِي
…
لِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ مَا وَسَطْ
وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ
…
بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطْ
قَوْلُهُ: (مِنْ الْعَظْمِ الَّذِي) كَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ " مِنْ " وَزِيَادَةَ " اسْمِ " بِالْعَطْفِ وَيَقُولُ: وَاسْمُ إلَخْ. وَيَكُونُ يَدْرِي بِمَعْنَى يَعْلَمُ وَيَنْحَلُّ الْمَعْنَى لَا يَعْلَمُ مَا اسْمُ الْعَظْمِ الَّذِي عِنْدَ إبْهَامِ يَدَيْهِ وَاسْمُ الْعَظْمِ الَّذِي إلَخْ. وَقَدْ يُقَالُ: الْكَلَامُ فِي الْمُسَمَّى لَا الِاسْمِ أَيْ لَا يَعْرِفُ مُسَمَّى كُوعِهِ مِنْ مُسَمَّى بُوعِهِ وَكَتَبَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ لَمْ أَقِفْ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ كَالصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالْمِصْبَاحِ وَالْأَسَاسِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْبُوعِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَلَا مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِهِمْ: مَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ بُوعِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الْمِصْبَاحِ قَوْلُهُمْ: فُلَانٌ مَا يَعْرِفُ كُوعَهُ مِنْ كُرْسُوعِهِ أَيْ وَهُوَ أَقْوَى فِي الْغَبَاوَةِ لِقُرْبِ الْكُرْسُوعِ مِنْ الْكُوعِ، وَأَمَّا الْبُوعُ عَلَى تَسْلِيمِ اسْتِعْمَالِهِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَلَا يُسْتَغْرَبُ الْجَهْلُ بِهِ، لِأَنَّ كَوْنَ عَظْمَاتِ يَلِي كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِبْهَامَ يَخْتَلِفُ اسْمُهُمَا بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهِمَا لَا يُسْتَغْرَبُ الْجَهْلُ بِهِ. اهـ. م د وَقَالَ صَاحِبُ تَثْقِيفِ اللِّسَانِ: الْكُوعُ رَأْسُ الزَّنْدِ مِمَّا يَلِي الْإِبْهَامَ وَالْبُوعُ مَا بَيْنَ طَرْفَيْ الْإِنْسَانِ إذَا مَدَّهُمَا يَمِينًا وَشِمَالًا سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَيُرَادِفُهُ الْبَاعُ.
قَوْلُهُ: (الَّذِي عِنْدَ كُلِّ إبْهَامٍ) لَعَلَّ الْعِنْدِيَّةَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ يَلِي الْإِبْهَامَ فِي الْجِهَةِ لَا الِالْتِصَاقِ بِهِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الْكُوعَ طَرَفُ الزَّنْدِ الَّذِي فِي جِهَةِ الْإِبْهَامِ فَاحْفَظْ ذَلِكَ فَكَثِيرًا مَا يُغْلَطُ فِيهِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا) وَلَوْ مَا سَرَقَهُ أَوَّلًا قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَإِنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ سَرَقَهَا ثَانِيًا مِنْ مَالِكِهَا الْأَوَّلِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قُطِعَ أَيْضًا، لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ فِي عَيْنٍ فَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَحُدَّ، ثُمَّ زَنَى بِهَا ثَانِيًا.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ) أَيْ وُجُوبًا وَفَارَقَ الْحِرَابَةَ بِأَنَّ
وَتُقْطَعُ مِنْ الْمَفْصِلِ الَّذِي بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ لِلْإِتْبَاعِ فِي ذَلِكَ. (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا) بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى. (قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى) بَعْدَ انْدِمَالِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِمَا مَرَّ. (فَإِنْ سَرَقَ رَابِعًا) بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ الْيُسْرَى (قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى) بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ الْيُسْرَى لِمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ:«إنَّ السَّارِقَ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» . وَحِكْمَتُهُ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَتَضْعُفَ حَرَكَتُهُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ.
(فَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ قَطْعِ أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَةِ. (عُزِّرَ) عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي نَكَالِهِ بَعْدَ مَا ذُكِرَ إلَّا التَّعْزِيرُ كَمَا لَوْ سَقَطَتْ أَطْرَافُهُ أَوَّلًا.
(وَقِيلَ) لَا يَزْجُرُهُ حِينَئِذٍ تَعْزِيرًا بَلْ (يُقْتَلُ) وَهَذَا مَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْقَدِيمِ لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَتَلَهُ لِاسْتِحْلَالِهِ، أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ اهـ. وَالْإِمَامُ أَطْلَقَ حِكَايَةَ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ الْقَدِيمِ، كَمَا تَرَاهُ وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهِ (صَبْرًا) قَالَ بَعْضُ شَارِحِيهِ: وَلَمْ أَرَهُ بَعْدَ التَّتَبُّعِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْحَاكِينَ لَهُ بَلْ أَطْلَقَهُ مَنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْهُمْ فَلَعَلَّ مَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَصَرُّفِهِ أَوَّلَهُ فِيهِ سَلَفٌ لَمْ أَظْفَرْ بِهِ وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ اهـ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ الصَّبْرُ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَقَتَلَهُ صَبْرًا حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ اهـ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ فِي صِحَاحِهِ يُقَالُ قُتِلَ فُلَانٌ صَبْرًا إذَا حُبِسَ عَلَى الْقَتْلِ حَتَّى يُقْتَلَ اهـ مُلَخَّصًا.
تَتِمَّةٌ: هَلْ يَثْبُتُ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ لَا كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَى شَخْصٍ سَرِقَةَ نِصَابٍ فَيَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَتُرَدَّ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِفَ؟
جَرَى فِي الْمِنْهَاجِ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا فَيَجِبُ الْقَطْعُ. لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ، أَوْ الْبَيِّنَةِ وَالْقَطْعُ يَجِبُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي الْيَمِينِ مِنْ الدَّعَاوَى وَمَشَى عَلَيْهِ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْيَدَ وَالرِّجْلَ فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ قَطْعِ الرِّجْلِ عَلَى الْيَدِ فِيهَا ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ انْدِمَالِ يَدِهِ إلَخْ فَلَوْ وَالَى بَيْنَهُمَا فَمَاتَ الْمَقْطُوعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ لِئَلَّا يُفْضِيَ التَّوَالِي إلَى الْهَلَاكِ.
قَوْلُهُ: (إنَّ السَّارِقَ إنْ سَرَقَ إلَخْ) بِكَسْرِ هَمْزَةِ إنَّ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ رَوَى هَذَا اللَّفْظَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا لَكِنْ بَيَّنَتْهُ أَدِلَّةٌ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُقَالُ: إنَّهَا فَاتَتْ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى بَعْدَ الْيُمْنَى إنْ سَرَقَ ثَانِيًا لَفَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْيَدَيْنِ اهـ شَيْخُنَا. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَحِكْمَةُ اخْتِصَاصِ الْقَطْعِ بِالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُمَا آلَاتُ السَّرِقَةِ بِالْأَخْذِ وَالْمَشْيِ وَقُدِّمَتْ الْيَدُ لِقُوَّةِ بَطْشِهَا، وَقُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِإِبْقَاءِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ ذَكَرُ الزَّانِي إبْقَاءً لِلنَّسْلِ، وَلَا لِسَانُ الْقَاذِفِ إبْقَاءً لِلْعِبَادَاتِ، وَغَيْرِهَا كَمَا مَرَّ وَالْأَمْرُ بِقَتْلِ السَّارِقِ مَنْسُوخٌ، أَوْ مُؤَوَّلٌ بِمَنْ اسْتَحَلَّ، أَوْ ضَعِيفٌ بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (تَعْزِيرًا) أَيْ لَا يُزْجَرُ بِالتَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ: (الْأَرْبَعَةُ) هُمْ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
أَعْنِي أَبَا دَاوُد ثُمَّ التِّرْمِذِيَّ
…
وَالنَّسَائِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ فَاحْتَذِي
فَإِنْ قِيلَ: السِّتَّةُ زِيدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ أَنَّهُ لَهُ فِيهِ سَلَفٌ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ. أَيْ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قَتْلًا صَبْرًا م د.
قَوْلُهُ: (قَالَ النَّوَوِيُّ) : غَرَضُهُ بِذَلِكَ تَفْسِيرُ الْقَتْلِ صَبْرًا بِنَقْلِ عِبَارَةِ النَّوَوِيِّ وَعِبَارَةِ الْجَوْهَرِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَقَتَلَهُ صَبْرًا حَبَسَهُ) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي فِي الْفِعْلَيْنِ.
قَوْلُهُ: (حَبَسَهُ لِلْقَتْلِ) أَيْ لِأَجْلِ الْقَتْلِ وَلَوْ سَاعَةً، ثُمَّ يُقْتَلُ فَلَوْ قُتِلَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَلَا يُقَالُ: قُتِلَ صَبْرًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ الطَّعَامَ
الْحَاوِي الصَّغِيرِ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهَذَا الْخِلَافُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ. وَأَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ قَطْعًا.
وَيَثْبُتُ قَطْعُ السَّرِقَةِ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ:
الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلَوْ أَقَرَّ قَبْلَهَا لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ فِي الْحَالِ بَلْ يُوقَفُ عَلَى حُضُورِ الْمَالِكِ وَطَلَبِهِ. وَالثَّانِي أَنْ يُفَصِّلَ الْإِقْرَارَ فَيُبَيِّنَ السَّرِقَةَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ وَالْحِرْزَ بِتَعْيِينٍ، أَوْ وَصْفٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةً مُوجِبَةً لَهُ. وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ وَلَوْ فِي أَثْنَائِهِ، لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ أَقَرَّ بِمُقْتَضَى عُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ. كَأَنْ يَقُولَ لَهُ فِي الزِّنَا: لَعَلَّك فَاخَذْتَ، أَوْ لَمَسْتَ، أَوْ بَاشَرْتَ، وَفِي السَّرِقَةِ: لَعَلَّك أَخَذْتَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ. وَفِي الشُّرْبِ لَعَلَّك لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْتَهُ مُسْكِرًا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِمَنْ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ. «مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ قَالَ: بَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالشَّرَابَ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِهَا) وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَطْعُ وَيَثْبُتُ بِهَا الْمَالُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ) أَوْضَحُ مِنْ هَذَا مَا عَلَّلَ بِهِ الطَّبَلَاوِيُّ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْإِقْرَارِ إلَّا أَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِ، وَرُجُوعَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ مَقْبُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَطْعِ وَهُوَ حَسَنٌ. وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (بِإِقْرَارِ السَّارِقِ) أَيْ حُرًّا كَانَ الْمُقِرُّ، أَوْ رَقِيقًا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ دُونَ نِصَابٍ فَإِنْ كَانَ نِصَابًا وَأَقَرَّ بِسَرِقَتِهِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ سَيِّدُهُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يَثْبُتُ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ ثُبُوتُ الْقَطْعِ بِالْإِقْرَارِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَثْبُتْ الْقَطْعُ) أَمَّا الْمَالُ فَيَثْبُتُ.
قَوْلُهُ: (وَطَلَبِهِ) فَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ الطَّلَبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. م ر شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُفَصِّلَ الْإِقْرَارَ) وَلَوْ مِنْ فَقِيهٍ مُوَافِقٍ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِهَا اشْتَبَهَ وَوَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ. اهـ. س ل مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ شَرْحِ م ر وَفِي ح ل مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (فَيُبَيِّنُ السَّرِقَةَ) فَيَذْكُرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ خِفْيَةً، وَالشَّخْصَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ لِيُنْظَرَ فَرُبَّمَا يَكُونُ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا، أَوْ سَيِّدًا.
قَوْلُهُ: (وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ) أَيْ أَهُوَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْحِرْزَ، لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدُ. اهـ. زي.
قَوْلُهُ: (وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ نِصَابٌ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِ وَفِي قِيمَتِهِ لِلْحَاكِمِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: وَلَا أَعْلَمُ لِي فِيهِ شُبْهَةً زي وَشَرْحَ م ر وح ل.
قَوْلُهُ: (وَالْحِرْزَ) أَيْ وَيُبَيِّنُ الْحِرْزَ.
قَوْلُهُ: (بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَطْعِ) وَأَمَّا الْمَالُ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَقَرَّ بِمُقْتَضِي عُقُوبَةٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَقَوْلُهُ: كَالزِّنَا مِثَالٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (كَالزِّنَا) يُفِيدُ صِحَّةَ الرُّجُوعِ فِي أَثْنَاءِ الْقَطْعِ فَلَوْ بَقِيَ مَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ قَطَعَهُ هُوَ وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ قَطْعُهُ وَلَا يُقْبَلُ عَوْدُهُ إلَى الْإِقْرَارِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنْهُ وَلَوْ أَقَرَّ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَحَكَمَ حَاكِمٌ عَلَيْهِ فَفِيهِ مَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الزِّنَا، فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَانْظُرْ فِيمَا لَوْ قَطَعَ بَعْدَ الرُّجُوعِ هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ، أَوْ الْقَطْعُ، أَوْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ حَرِّرْهُ الرَّاجِحُ وُجُوبُ الدِّيَةِ نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ الرُّجُوعِ وَخَرَجَ بِالْإِقْرَارِ الْبَيِّنَةُ وَبِالْعُقُوبَةِ الْمَالُ، وَبِاَللَّهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ التَّعْرِيضُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَعِبَارَةُ شَرْحٍ م ر، وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ التَّعْرِيضُ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ الرُّجُوعُ فِيهِ شَيْئًا وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ حَمْلًا عَلَى مُحَرَّمٍ فَهُوَ كَتَعَاطِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ.
قَوْلُهُ: (كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ) أَيْ يُبَاحُ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ فَرْضَ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ أَمَّا قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَيُنْدَبُ لَهُ التَّعْرِيضُ بِالرُّجُوعِ وَمِثْلُ الْقَاضِي غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ اهـ وَعِبَارَةُ م ر كَانَ لِلْقَاضِي أَيْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَيْسَ سُنَّةً خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.
وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ جَوَازًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَنَدْبًا قَبْلَهُ لِيَمْتَنِعَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا: وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ فَوَاتُ الْمَالِ بِعَدَمِ إقْرَارِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَرَاجِعْهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ إنْكَارِ الْمَالِ وَكَذَا لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشُّهُودِ لِيَمْتَنِعُوا مِنْ الشَّهَادَةِ، أَوْ يَرْجِعُوا عَنْهَا وَالْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ مَا يَعُمُّ مَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَكَذَا قَبْلَ الْإِنْكَارِ. نَعَمْ إنْ خِيفَ إنْكَارُ الْمَالِ لَمْ يَحِلَّ التَّعْرِيضُ اهـ. وَقَضِيَّةُ تَخْصِيصِهِمْ الْجَوَازَ بِالْقَاضِي حُرْمَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (مُسْكِرًا) الْأَوْلَى مُسْكِرٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ عَلَى