الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ
الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ أَصَالَةً جَحْدًا أَوْ غَيْرَهُ وَبَيَانُ حُكْمِهِ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ الرِّدَّةِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا فَفِيهِ مُنَاسَبَةٌ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِيمَا عَلِمْت فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْجَنَائِزِ. وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ قَبْلَ الْأَذَانِ وَذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ وَالْجُمْهُورُ قَبْلَ الْجَنَائِزِ وَتَبِعَهُمْ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَلْيَقُ. (وَ) الْمُكَلَّفُ (تَارِكُ الصَّلَاةِ) الْمَعْهُودَةِ شَرْعًا الصَّادِقَةِ بِإِحْدَى الْخَمْسِ. (عَلَى ضَرْبَيْنِ) إذْ التَّرْكُ سَبَبُهُ جَحْدٌ أَوْ كَسَلٌ. (أَحَدُهُمَا أَنْ يَتْرُكَهَا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِوُجُوبِهَا) عَلَيْهِ جَحْدًا، بِأَنْ أَنْكَرَهَا بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ أَوْ عِنَادًا كَمَا هُوَ فِي الْقُوتِ عَنْ الدَّارِمِيِّ. (فَحُكْمُهُ) فِي وُجُوبِ اسْتِتَابَتِهِ وَقَتْلِهِ وَجَوَازِ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَدَفْنِهِ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ. (حُكْمُ الْمُرْتَدِّ) عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ، وَكُفْرُهُ بِجَحْدِهِ فَقَطْ لَا بِهِ مَعَ التَّرْكِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، لِأَجْلِ التَّقْسِيمِ؛ لِأَنَّ الْجَحْدَ لَوْ انْفَرَدَ كَمَا لَوْ صَلَّى جَاحِدًا لِلْوُجُوبِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِلْكُفْرِ لِإِنْكَارِهِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. فَلَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْجَحْدِ كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فَيَكْفُرُ بِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ جَارٍ فِي جُحُودِ كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. أَمَّا مَنْ أَنْكَرَهُ جَاهِلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوِهِ، مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
[فَصْلٌ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ]
ِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَعْيَانِ) خَرَجَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالْجِنَازَةِ فَلَا يُقْتَلُ بِهَا، وَخَرَجَ بِالصَّلَاةِ الصَّوْمُ فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِهِ وَإِنَّمَا يُحْبَسُ وَيُمْنَعُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. وَخَرَجَ بِالصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةُ فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِزَمَانٍ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ اهـ.
قَوْلُهُ: (جَحْدًا أَوْ غَيْرَهُ) مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ بِمَعْنَى جَاحِدًا.
قَوْلُهُ: (لِاشْتِمَالِهِ عَلَى شَيْءٍ) الْأَوْضَحُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِهِ حُكْمُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ الْجَنَائِزِ) مُنَاسَبَتُهُ لِأَجْلِ ذِكْرِ الدَّفْنِ وَالْكَفَنِ وَالْغُسْلِ فِي الْجَنَائِزِ أَيْ لِيَكُونَ كَالْخَاتِمَةِ لِكِتَابِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَعَلَّهُ أَلْيَقُ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَمِّ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ. اهـ. م د؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ الْعَيْنِيَّةِ قَالَ م ر وَتَقْدِيمُهُ هُنَا عَلَى الْجَنَائِزِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ أَلْيَقُ اهـ. أَيْ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْهَا وَمَنْ ذَكَرَهُ فِي الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالصَّلَاةِ الْعَيْنِيَّةِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ خَاتِمَةً لَهَا اهـ ع ش.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ أَنْكَرَهَا) أَيْ وُجُوبَهَا بِأَنْ اعْتَقَدَ خِلَافَ مَا عَلِمَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ عِنَادًا) الْعِنَادُ مُخَالَفَةُ الْحَقِّ وَرَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ فَفِي إدْخَالِهِ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لِوُجُوبِهَا نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ مَا فِي الْمَتْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مُذْعِنٍ وَمُسَلِّمٍ لِوُجُوبِهَا وَحِينَئِذٍ يَصْدُقُ بِالْجَحْدِ الَّذِي سَبَقَهُ عِلْمٌ ثُمَّ طَرَأَ عَدَمُ الِاعْتِقَادِ وَيَصْدُقُ بِالْعِنَادِ الَّذِي بَقِيَ مَعَهُ الْعِلْمُ وَلَكِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْحَقَّ ظَاهِرًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: أَوْ عِنَادًا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ: غَيْرَ مُعْتَقِدٍ فَهُوَ زَائِدٌ عَلَى كَلَامِ الْمَتْنِ.
وَالْإِذْعَانُ هُوَ قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ مَعَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَدَفْنِهِ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ) عَطْفٌ عَلَى غَسْلِهِ لَا عَلَى الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْحُكْمَ عَلَيْهَا عَلَى الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ غَالِبًا وَفِي نُسْخَةٍ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ حِينَئِذٍ عَطْفٌ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (حُكْمُ الْمُرْتَدِّ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ نَفْسَهُ مُرْتَدٌّ فَفِيهِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَالْمُرْتَدِّ الْمُطْلَقِ فَهُوَ مِنْ تَشْبِيهِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ. قَوْلُهُ: (لَوْ انْفَرَدَ) أَيْ عَنْ التَّرْكِ.
قَوْلُهُ: (جَاحِدًا لِلْوُجُوبِ) كَالْمُنَافِقِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلِأَنَّ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِإِنْكَارِهِ وَلَيْسَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ: أَوْلَى وَعِبَارَةُ حَجّ كَفَرَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ. . . إلَخْ اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ أَوْ لَا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ جَحْدُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَهُوَ كُفْرٌ، لِوُجُودِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بِمَكَّةَ وَلِوُجُودِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ فَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الدُّنْيَوِيُّ مُقَيَّدٌ إنْكَارُهُ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وُلِدَ بِمَكَّةَ وَهَاجَرَ مِنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَصَارَ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَا إنْكَارُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالْحِسَابِ وَإِنْكَارُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، أَيْ فِي الْآخِرَةِ أَمَّا إنْكَارُهُمَا
يَخْفَى عَلَيْهِ كَمَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا ثُمَّ أَفَاقَ، أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ فَلَيْسَ مُرْتَدًّا بَلْ يُعَرَّفُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُرْتَدًّا.
(وَ) الضَّرْبُ (الثَّانِي أَنْ يَتْرُكَهَا) كَسَلًا أَوْ تَهَاوُنًا (مُعْتَقِدًا لِوُجُوبِهَا) عَلَيْهِ (فَيُسْتَتَابُ) قَبْلَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ الْمُرْتَدِّ. وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ وَالْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ جَرِيمَةَ الْمُرْتَدِّ تَقْتَضِي الْخُلُودَ فِي النَّارِ فَوَجَبَتْ الِاسْتِتَابَةُ، رَجَاءَ نَجَاتِهِ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ عُقُوبَتَهُ أَخَفُّ لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا بَلْ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كَوْنِ الْحُدُودِ تُسْقِطُ الْإِثْمَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ حُدَّ عَلَى هَذِهِ الْجَرِيمَةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ، وَتَوْبَتُهُ عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ الْإِمْهَالَ يُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِ صَلَوَاتٍ. (فَإِنْ تَابَ) بِأَنْ امْتَثَلَ الْأَمْرَ (وَصَلَّى) خُلِّيَ سَبِيلُهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا الْقَتْلُ حَدٌّ وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. أُجِيبَ أَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَا يُضَاهِي الْحُدُودَ الَّتِي وُضِعَتْ عُقُوبَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ سَابِقَةٍ بَلْ حَمْلًا عَلَى مَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ وَلِهَذَا لَا خِلَافَ فِي سُقُوطِهِ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ تَوْبَةٌ وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّوَابِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ (قُتِلَ بِالسَّيْفِ) إنْ لَمْ يُبْدِ عُذْرًا (حَدًّا) لَا كُفْرًا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ:«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» فَإِنْ أَبْدَى عُذْرًا كَأَنْ قَالَ: تَرَكْتهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بَاطِلَةً لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، لَكِنْ نَأْمُرُهُ بِهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْعُذْرِ وُجُوبًا فِي الْعُذْرِ الْبَاطِلِ وَنَدْبًا فِي الصَّحِيحِ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ: صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ لِذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ، قُتِلَ سَوَاءٌ أَقَالَ وَلَمْ أُصَلِّهَا أَوْ سَكَتَ، لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ بِتَعَمُّدِ التَّأْخِيرِ.
وَيُقْتَلُ تَارِكُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَعَدَمُ وُجُودِهِمَا الْآنَ فَلَيْسَ كُفْرًا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُمَا غَيْرُ مَوْجُودَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَكَذَا إنْكَارُ الصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ لَيْسَ كُفْرًا.
قَوْلُهُ: (أَمَّا مَنْ أَنْكَرَهُ جَاهِلًا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِأَنْ أَنْكَرَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ. . . إلَخْ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (كَسَلًا) أَيْ بِأَنْ يَسْتَثْقِلَهَا أَيْ تَكُونَ ثَقِيلَةً عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: أَوْ تَهَاوُنًا أَيْ بِتَرْكِهَا بِأَنْ يَجْعَلَ تَرْكَهَا هَيِّنًا سَهْلًا.
قَوْلُهُ: (فَيُسْتَتَابُ) بِأَنْ يُؤْمَرَ بِأَدَائِهَا عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِهَا.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ) أَيْ الِاسْتِتَابَةُ أَيْ عَرْضُ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ أَيْ الطَّلَبُ مِنَّا، وَأَمَّا التَّوْبَةُ نَفْسُهَا بِالصَّلَاةِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ.
قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهِ يُقْتَلُ حَدًّا) أَيْ فَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْأَخَفِّيَّةِ وَهَذَا أَمْرٌ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُقَابِلُ غِلَظَ عُقُوبَةِ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فِي الْآخِرَةِ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَتَحَتَّمُ عَذَابُهُ قَطْعًا بِخِلَافِ تَارِكِ الصَّلَاةِ كَسَلًا فَإِنَّهُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ سَامَحَهُ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ ذَلِكَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَقْبَلُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: قَدْ كَانَ عَازِمًا عَلَى تَرْكِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَابَ وَصَلَّى) أَيْ بِالْفِعْلِ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: أُصَلِّيهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (لَا يُضَاهِي) أَيْ لَا يُشَابِهُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَعْصِيَةٍ) كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا.
قَوْلُهُ: (بَلْ حَمْلًا) أَيْ بَلْ شُرِعَ حَمْلًا أَيْ حَامِلًا وَبَاعِثًا عَلَى الْحَقِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فَالْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ وَلَمَّا أَمْكَنَ تَدَارُكُ مَا لِأَجْلِهِ الْحَدُّ وَهُوَ الصَّلَاةُ سَقَطَ الْحَدُّ بِهَا أَيْ بِفِعْلِهَا بِخِلَافِ الزِّنَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ وَلَا رُجُوعُهُ بِالتَّوْبَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ وَالْأَوْلَى جَعْلُ قَوْلِهِ: بَلْ حَمْلًا عِلَّةً لِقَوْلِهِ: لَا يُضَاهِي الْحُدُودَ بِأَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ شُرِعَ حَمْلًا عَلَى مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ فَإِنَّهُ شُرِعَ لِلزَّجْرِ عَنْ ارْتِكَابِهَا وَهُوَ يَحْصُلُ مَعَ التَّوْبَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْحَقِّ) وَهُوَ طَلَبُ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (فِي سُقُوطِهِ) أَيْ الْقَتْلِ بِالْفِعْلِ أَيْ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَخَرَّجُ) أَيْ لَا يُقَاسُ هَذَا الْحَدُّ وَقَوْلُهُ: فِي سُقُوطِ الْحَدِّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فِي عَدَمِ سُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ وَفِي عَدَمِ سُقُوطِهِ بِالتَّوْبَةِ خِلَافٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ. وَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ سَابِقًا بِأَنْ يَقُولَ: لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ: عَلَى الصَّوَابِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَتَخَرَّجُ. قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِلنِّسْيَانِ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قَالَ: تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ قُتِلَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ طَلَبٌ مِنْ الْإِمَامِ وَتَهْدِيدٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ. وَيَكُونُ مَدَارُ الْقَتْلِ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا التَّوَعُّدُ وَالتَّهْدِيدُ أَوْ قَوْلُ الشَّخْصِ
تَرْكٌ لَهَا وَيُقَاسُ بِالطَّهَارَةِ الْأَرْكَانُ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ وَمَحِلُّهُ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَوْ فِيهِ خِلَافٌ وَاهٍ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: لَوْ تَرَكَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَسَّ شَافِعِيٌّ الذَّكَرَ أَوْ لَمَسَ الْمَرْأَةَ أَوْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَنْوِ وَصَلَّى مُتَعَمِّدًا لَا يُقْتَلُ لِأَنَّ جَوَازَ صَلَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالصَّحِيحُ قَتْلُهُ وُجُوبًا بِصَلَاةٍ فَقَطْ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ بِشَرْطِ إخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فِيمَا لَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِأَنْ تُجْمَعَ مَعَ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا فَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الظُّهْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلَا بِتَرْكِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَيُقْتَلُ فِي الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَفِي الْعَصْرِ بِغُرُوبِهَا وَفِي الْعِشَاءِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَيُطَالَبُ بِأَدَائِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا وَيُتَوَعَّدُ بِالْقَتْلِ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْوَقْتِ، فَإِنْ أَصَرَّ وَأَخْرَجَ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ: يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا إذَا ضَاقَ وَقْتُهَا مَحْمُولٌ عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقَتْلِ بِقَرِينَةِ كَلَامِهَا بَعْدُ وَمَا قِيلَ: مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَلِخَبَرِ: «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» وَلِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ وَالْخَبَرُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذُكِرَ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَعَمَّدْت تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ طَلَبٍ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَحِلُّهُ) أَيْ مَحِلُّ قَتْلِهِ بِتَرْكِ الْأَرْكَانِ وَسَائِرِ الشُّرُوطِ فِيمَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَيْ فِي شَرْطٍ أَوْ رُكْنٍ. . . إلَخْ قَوْلُهُ: وَاهٍ مِثَالُهُ مَثَلًا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا. قَوْلُهُ: (مُخْتَلَفٌ فِيهِ) أَيْ فَكَانَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ شُبْهَةً فِي حَقِّهِ مَانِعَةً، مِنْ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ اهـ ع ش قَوْلُهُ:(بِصَلَاةٍ) أَيْ بِتَرْكِهَا. قَوْلُهُ: (عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ) الْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ الْعُذْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بِأَنْ يَجْمَعَ. . . إلَخْ؛ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَيُطَالَبُ) وَالْمُطَالِبُ لَهُ الْحَاكِمُ لَا آحَادُ النَّاسِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: لِيُطَالَبْ. . . إلَخْ. أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً وَلَمْ يُطَالَبْ لَا يُقْتَلُ وَهُوَ أَيْ قَوْلُهُ: فَيُطَالَبُ. . . إلَخْ اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ طَرِيقِ الْقَتْلِ.
قَوْلُهُ: (إذَا ضَاقَ) ظَرْفٌ لِلْأَدَاءِ وَأَمَّا الطَّلَبُ وَلَوْ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ.
قَوْلُهُ: (إنْ أَخْرَجَهَا) قَيْدٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَيُقْتَلُ إنْ أَخْرَجَهَا. قَوْلُهُ: (عَلَى مُقَدِّمَاتِ الْقَتْلِ) وَهُوَ الطَّلَبُ وَالتَّوَعُّدُ. قَوْلُهُ: (وَمَا قِيلَ. . . إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: وَإِلَّا قُتِلَ. وَحَاصِلُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ هَذَا الْقِيلُ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ: الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: كَتَرْكِ الصَّوْمِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ: لِخَبَرٍ وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ وَرَدَّهَا الشَّارِحُ كَمَا تَرَاهُ.
قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْقَتْلِ بِإِحْدَى الثَّلَاثِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَائِزَ يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا قَابَلَ الْحَرَامَ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَلَالَ لَا يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ إلَّا إذَا أُوِّلَ بِمَا ذُكِرَ اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَقَوْلُهُ: «إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ» مُسْتَثْنًى مِنْ مَحْذُوفٍ عَامٍّ تَقْدِيرُهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ لِخَصْلَةٍ مِنْ الْخِصَالِ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ مِنْ الْخُصَلِ وَقَوْلُهُ: (الثَّيِّبُ الزَّانِي) زِنَى الثَّيِّبِ الزَّانِي وَقَوْلُهُ: «وَقَتْلُ النَّفْسِ» أَيْ كَوْنُ قَتْلِ النَّفْسِ الْقَاتِلَةِ بَدَلًا عَنْ النَّفْسِ الْمَقْتُولَةِ سَبَبٌ فِي قَتْلِهَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى بَدَلٍ وَقَوْلُهُ: " التَّارِكُ " أَيْ تَرْكُ التَّارِكِ لِدِينِهِ أَيْ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ بَلْ هُوَ سَبَبٌ رَابِعٌ اهـ. وَحَاصِلُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ بِظَاهِرِهِ يُفِيدُ عَدَمَ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ إذْ الَّذِي فِيهِ هُوَ تَارِكُ الصَّلَاةِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ.
وَحَاصِلُ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّارِحُ أَنَّهُ عَامٌّ لَفْظًا مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْمُصَلِّينَ فَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ شَامِلًا لِلْمُرْتَدِّ وَقَدْ صَرَّحَ حَجّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ بِخِلَافِهِ فَقَالَ الْمُفَارِقُ بِقَلْبِهِ وَاعْتِقَادِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ أَوْ بِلِسَانِهِ لِلْجَمَاعَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا شَامِلٌ لِمَنْ جَازَ قَتْلُهُ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ: أَوْ قِتَالُهُ شَرْعًا بِشُرُوطِهِ: أَيْ كَمَانِعِ الزَّكَاةِ. . . إلَخْ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: وَالْخَبَرُ عَامٌّ أَيْ شَامِلٌ لِمَا ذَكَرَهُ وَيُحْذَفُ قَوْلُهُ: مَخْصُوصٌ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ الْقِيَاسَ) أَيْ عَلَى تَرْكِ الصَّوْمِ وَمَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (بِالنُّصُوصِ) أَيْ الدَّالَّةِ عَلَى قَتْلِهِ. قَوْلُهُ: (بِمَا ذُكِرَ) أَيْ بِالنُّصُوصِ وَالنُّصُوصُ خَصَّصَتْهُ بِالْمُسْلِمِ الْمُصَلِّي.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا هُوَ
وَقَتْلُهُ خَارِجَ الْوَقْتِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ مُطْلَقًا بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي خَاتِمَةِ الْفَصْلِ.
وَيُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ إنْ قَالَ: أُصَلِّيهَا ظُهْرًا كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّاشِيِّ لِتَرْكِهَا بِلَا قَضَاءٍ إذْ الظُّهْرُ لَيْسَ قَضَاءً عَنْهَا وَيُقْتَلُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا إنْ لَمْ يَتُبْ. فَإِنْ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ وَتَوْبَتُهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَتْرُكُهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَسَلًا وَهَذَا فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إجْمَاعًا. فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا جُمُعَةَ إلَّا عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ جَامِعٍ وَقَوْلُهُ: جَامِعٍ صِفَةٌ لِمِصْرٍ.
(وَحُكْمُهُ) بَعْدَ قَتْلِهِ (حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ فِي) وُجُوبِ (الدَّفْنِ) فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. (وَ) فِي وُجُوبِ (الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
خَاتِمَةٌ: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِعُذْرٍ: كَنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِهَا أَوْ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا فَوْرًا لِتَقْصِيرِهِ لَكِنْ لَا يُقْتَلُ بِفَائِتَةٍ فَاتَتْهُ بِعُذْرٍ لِأَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ أَوْ بِلَا عُذْرٍ وَقَالَ أُصَلِّيهَا لَمْ يُقْتَلْ لِتَوْبَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلَوْ تَرَكَ مَنْذُورَةً مُؤَقَّتَةً لَمْ يُقْتَلْ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الصَّلَاةِ بِإِحْدَى الْخَمْسِ لِأَنَّهُ الَّذِي أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَالَةً أَسْقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةَ وَأَحَلَّتْ لَهُ: شُرْبَ الْخَمْرِ، وَأَكْلَ مَالِ السُّلْطَانِ، كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ مَنْ ادَّعَى التَّصَوُّفَ. فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِلتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ) أَيْ فِي الْوَقْتِ لَا لِلتَّرْكِ خَارِجَ الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى تَرْكِ الْقَضَاءِ.
قَوْلُهُ: (تَفْصِيلٌ يَأْتِي) الَّذِي فِي الشَّرْحِ ضَعِيفٌ لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْقَضَاءَ إنْ كَانَ تُوُعِّدَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِ أَدَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ يُقْتَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُتَوَعَّدْ عَلَيْهِ لَا يُقْتَلُ بِهِ فَقَوْلُهُمْ: الْقَضَاءُ لَا يُقْتَلُ بِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ. وَهَذَا غَيْرُ مَا فِي الشَّرْحِ وَعِبَارَةُ م د.
قَوْلُهُ: تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تُوُعِّدَ عَلَى تَرْكِهَا بِالْأَمْرِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ق ل.
قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلِهَا) بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ فِي م ر وَعِبَارَتُهُ وَأَفْتَى الشَّيْخُ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِهَا حَيْثُ أُمِرَ بِهَا وَامْتَنَعَ مِنْهَا وَقَالَ: أُصَلِّيهَا ظُهْرًا عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ خُطْبَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ أَيْ بِأَقَلِّ مُمْكِنٍ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (كَنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْشَأَ عَنْ لَعِبٍ وَلَهْوٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِلَا عُذْرٍ. . . إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ تُوُعِّدَ بِهَا بِالْأَمْرِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ اهـ ق ل. قَوْلُهُ: (لِتَوْبَتِهِ) فِي كَوْنِ هَذَا تَوْبَةً نَظَرٌ وَالتَّوْبَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ) أَيْ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لَكِنْ مَحِلُّهُ فِيمَا إذَا أَخْرَجَهَا عَنْ وَقْتِهَا بَعْدَ أَمْرِ الْإِمَامِ أَيْ فِي الْوَقْتِ لَا مُطْلَقًا إذْ لَا يُقْتَلُ بِالْقَضَاءِ مُطْلَقًا كَمَا تَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (أَنْ بَيَّنَهُ) أَيْ بَيَّنَ نَفْسَهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ) بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَتْلُهُ أَفْضَلُ مِنْ قَتْلِ مِائَةِ كَافِرٍ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ نَظَرٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَدْ يَنْكَشِفُ لَهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الظَّاهِرِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ كَافِرٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَمُقْتَضَاهُ خُلُودُهُ فِي النَّارِ. اهـ. م د وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ كَافِرٌ أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَفَى مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَحَلَّلَ مُحَرَّمًا وَعِبَارَةُ حَجّ وَلَا نَظَرَ فِي خُلُودِهِ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ لِاسْتِحْلَالِهِ مَا عُلِمَتْ حُرْمَتُهُ أَوْ نَفْيِهِ مَا عُلِمَ وُجُوبُهُ ضَرُورَةً فِيهِمَا وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِخُلُودِهِ. اهـ. شَيْخُنَا.