المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَائِدَةٌ: سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٤

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ فَصْلٌ: فِي الْإِيلَاءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الظِّهَارِ

- ‌أَرْكَانُ الظِّهَارِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللِّعَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْعِدَدِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا يَجِبُ لِلْمُعْتَدَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّضَاعِ

- ‌ فَصْلٌ: فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي النَّفَقَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الدِّيَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسَامَةِ

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌فَصْلٌ: فِي حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ

- ‌فَصْلٌ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ

- ‌فَصْلٌ: فِي حُكْمِ الصِّيَالِ وَمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ

- ‌فَصْلٌ: فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّدَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْفَيْءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجِزْيَةِ

- ‌[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَطْعِمَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأُضْحِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْعَقِيقَةِ

- ‌كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

- ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ

- ‌فَصْلٌ: فِي النُّذُورِ

- ‌خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ:

- ‌[فَرْعٌ النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ]

- ‌كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعَدُّدُ الشُّهُودِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعَدُّدُ]

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَلَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّدْبِيرِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: فَائِدَةٌ: سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى،

فَائِدَةٌ: سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ سُورَةٌ تُشَابِهُهَا وَهِيَ نِصْفُ الْقُرْآنِ عَدَدًا وَعُشْرُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ.

وَ‌

‌أَرْكَانُ الظِّهَارِ

أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ وَمُظَاهِرٌ، وَمُظَاهَرٌ مِنْهَا وَمُشَبَّهٌ بِهِ وَكُلُّهَا تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ:(وَالظِّهَارُ أَنْ يَقُولَ) أَيْ وَصِيغَتُهُ وَهُوَ الرُّكْنُ الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ: (الرَّجُلُ) أَيْ الزَّوْجُ، وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي (لِزَوْجَتِهِ) أَيْ الْمُظَاهَرُ مِنْهَا وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ (أَنْتِ عَلَيَّ) أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي (كَظَهْرِ أُمِّي) أَيْ مَرْكَبِي مِنْك حَرَامٌ كَمَرْكَبِي مِنْ أُمِّي وَهَذَا هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَهُوَ الرُّكْنُ الرَّابِعُ، فَقَدْ حَصَلَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَمِيعُ الْأَرْكَانِ وَلَكِنْ لَهَا شُرُوطٌ: فَشُرِطَ فِي الصِّيغَةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالظِّهَارِ. وَفِي مَعْنَاهُ: مَا مَرَّ فِي الضَّمَانِ وَذَلِكَ إمَّا صَرِيحٌ كَأَنْتِ أَوْ رَأْسُك أَوْ يَدُك وَلَوْ بِدُونِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَيَدِهَا أَوْ كِنَايَةٌ كَأَنْتِ كَأُمِّي أَوْ كَعَيْنِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُذْكَرُ لِلْكَرَامَةِ كَرَأْسِهَا. وَشُرِطَ فِي الْمُظَاهِرِ كَوْنُهُ زَوْجًا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ سَكْرَانًا فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ وَإِنْ نَكَحَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا وَلَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ، وَشُرِطَ فِي الْمُظَاهِرِ مِنْهَا كَوْنُهَا زَوْجَةً، وَلَوْ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ رَتْقَاءَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تُشْبِهُ الْأُمَّ اهـ. بَيْضَاوِيٌّ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ. قَوْلُهُ: (سُورَةُ الْمُجَادِلَةِ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ الْمَرْأَةِ الْمُجَادِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ الْجَارِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ بِفَتْحِ الدَّالِ فَالصَّوَابُ كَسْرُهَا كَذَا فِي حَاشِيَةِ مُلَّا عَلَى قَارِّي عَلَى الْجَلَالَيْنِ وَضَبَطَهُ أَيْضًا فِي الْكَشْفِ بِكَسْرِ الدَّالِ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ نِصْفُ الْقُرْآنِ) فَمِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ إلَيْهَا سَبْعٌ وَخَمْسُونَ سُورَةً وَمِنْهَا إلَى الْآخِرِ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ. قَوْلُهُ: (بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ) لِأَنَّ مِنْهَا إلَى الْآخِرِ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ وَقَدْ أَشَارَ لِهَذَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: مَا قَوْلُ مَنْ فَاقَ جَمِيعَ الْوَرَى وَدَوَّنَ الْعِلْمَ بِأَفْكَارِهِ فِي أَيِّ شَيْءٍ نِصْفُهُ عُشْرُهُ وَنِصْفُهُ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ لِأَنَّ نِصْفَهُ الْأَخِيرَ عَدَدًا عُشْرُهُ وَنِصْفُهُ الْأَعْلَى تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ.

[أَرْكَانُ الظِّهَارِ]

قَوْلُهُ: (أَيْ مَرْكَبِي) أَيْ مَحَلُّ رُكُوبِي عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَكَانِ أَوْ نَفْسُ رُكُوبِي عَلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ.

قَوْلُهُ: (كَأَنْتِ أَوْ رَأْسُك أَوْ يَدُك) أَوْ شَعْرُك أَوْ ظُفْرُك وَنَحْوُ ذَلِكَ، مِنْ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ الْبَاطِنَةِ كَالْكَبِدِ وَالْقَلْبِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ ظِهَارًا ح ل. وَنُقِلَ عَنْ مَرَّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُهَا ظِهَارًا فِي الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِهَا حَتَّى تُوصَفَ بِالْحُرْمَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَشَمَلَ كَلَامُهُ تَشْبِيهَ الْبَاطِنِ بِالْبَاطِنِ وَبِالظَّاهِرِ وَتَشْبِيهَ الظَّاهِرِ بِالْبَاطِنِ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَخَرَجَ بِالْأَعْضَاءِ الْفَضَلَاتُ فَلَا ظِهَارَ بِهَا مُطْلَقًا كَاللَّبَنِ وَالْمَنِيِّ اهـ بِالْحَرْفِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ يَدُك) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا يَدٌ فَهُوَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ سم وَبِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ كِنَايَةٌ) أَيْ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَنِيَّةُ الظِّهَارِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا كَظَهْرِ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَبْدًا) وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ التَّكْفِيرُ بِالْإِعْتَاقِ لِإِمْكَانِ تَكْفِيرِهِ بِالصَّوْمِ، وَجُمْلَةُ التَّعْمِيمَاتِ خَمْسٌ.

قَوْلُهُ: (أَوْ كَافِرًا) أَيْ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ مَجْبُوبًا) وَمِثْلُهُ الْمَمْسُوحُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيلَاءِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ الْجِمَاعُ لَا هُنَا لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا يَشْمَلُ التَّمَتُّعَ ح ل.

قَوْلُهُ: (أَوْ سَكْرَانًا) أَيْ مُتَعَدِّيًا لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ فِي كَلَامِهِ مَصْرُوفٌ لُغَةٌ أَسَدِيَةٌ وَقَيْسٌ عَلَيْهَا مَا وَقَعَ لِلشَّارِحِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْكَافِيَةِ:

وَبَابُ سَكْرَانَ لَدَى بَنِي أَسَدٍ

مَصْرُوفٌ إذْ بِالتَّاءِ عَنْهُمْ اُطْرُدْ

وَوُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِمَنْعِهِ مِنْ الصَّرْفِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ) وَلَا مِنْ الزَّوْجَةِ فِي قَوْلِهَا لِزَوْجِهَا أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي وَأَنَا عَلَيْك كَظَهْرِ أُمِّك أَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَلَا يَصِحُّ ظِهَارُهُمْ، شَرْحُ الرَّوْضِ.

قَوْلُهُ: (وَمَجْنُونٍ) إلَّا إنْ عُلِّقَ بِصِفَةٍ وَوُجِدَتْ فِي حَالِ جُنُونِهِ ح ل. قَوْلُهُ: (كَوْنُهَا زَوْجَةً) قَدْ يُقَالُ هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ زَوْجٌ، وَقَدْ يُقَالُ أَتَى بِهِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَةً ح ل.

قَوْلُهُ: (أَوْ صَغِيرَةً) وَإِنْ لَمْ تُطْلَقْ.

قَوْلُهُ: (لَا أَجْنَبِيَّةً) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: زَوْجَةً قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُخْتَلِعَةً) غَايَةٌ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَمَةً أَيْ مِلْكًا لَهُ قَوْلُهُ: (كَالطَّلَاقِ) أَيْ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُخْتَلِعَةِ

ص: 13

أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ رَجْعِيَّةً لَا أَجْنَبِيَّةً وَلَوْ مُخْتَلِعَةً، أَوْ أَمَةً كَالطَّلَاقِ فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ نَكَحْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَصِحَّ، وَشُرِطَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ كَوْنُهُ كُلُّ أُنْثَى مُحْرِمٍ أَوْ جُزْءِ أُنْثَى مُحْرِمٍ بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، لَمْ تَكُنْ حِلًّا لِلزَّوْجِ كَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ مِنْ نَسَبٍ وَمُرْضِعَةِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ الَّتِي نَكَحَهَا قَبْلَ وِلَادَتِهِ أَوْ مَعَهَا، فِيمَا يَظْهَرُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأُنْثَى مِنْ ذَكَرٍ وَخُنْثَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ التَّمَتُّعِ، وَبِخِلَافِ مَنْ كَانَتْ حَلَالَهُ كَزَوْجَةِ ابْنِهِ، وَبِخِلَافِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ لَيْسَ لِلْمَحْرَمِيَّةِ بَلْ لِشَرَفِهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنْ كَانَتْ وِلَادَتُهَا، قَبْلَ إرْضَاعِهِ فَلَا يَصِحُّ التَّشْبِيهُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ صَحَّ وَكَذَا إنْ كَانَتْ مَعَهُ فِيمَا يَظْهَرُ.

تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ تَأْقِيتُ الظِّهَارِ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَوْمًا تَغْلِيبًا لِلْيَمِينِ. فَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي خَمْسَةَ أَشْهُرٍ كَانَ ظِهَارًا مُؤَقَّتًا وَإِيلَاءً لِامْتِنَاعِهِ مِنْ وَطْئِهَا فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّحْرِيمِ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ، فَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْت مِنْ ضَرَّتِك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَظَاهَرَ مِنْهَا فَمُظَاهَرٌ مِنْهُمَا عَمَلًا بِمُقْتَضَى التَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ.

(فَإِذَا قَالَ) الْمُظَاهِرُ (ذَلِكَ وَلَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ) بِأَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ وَلَمْ يَفْعَلْ (صَارَ عَائِدًا) لِأَنَّ تَشْبِيهَهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَأَمَتِهِ قَوْلُهُ: (لَمْ تَكُنْ حِلًّا لِلزَّوْجِ) أَيْ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا قَبْلَ صَيْرُورَتِهَا مَحْرَمًا حَالَةَ حِلٍّ أَيْ حَالَةَ تَحِلُّ لَهُ فِيهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا.

قَوْلُهُ: (وَمُرْضِعَةِ أَبِيهِ) خَرَجَ مُرْضِعَةُ الْمُظَاهِرِ فَإِنَّهُ طَرَأَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ وِلَادَتِهِ فَلَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ بِهَا ظِهَارًا.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ وِلَادَتِهِ) قَيَّدَ بِهِ لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ: لَمْ تَكُنْ حِلًّا لِلزَّوْجِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ ذَكَرٍ) بِأَنْ كَانَ أَخَاهُ قَوْلُهُ: (كَزَوْجَةِ ابْنِهِ) : أَيْ وَأَمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا لِأَنَّ تَحْرِيمَ مَنْ ذَكَرَ طَارِئٌ، وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَزَوْجَةُ ابْنِهِ بِالنُّونِ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ وَكَذَا زَوْجَةُ أَبِيهِ الَّتِي نَكَحَهَا بَعْدَ وِلَادَتِهِ كَمَا عُلِمَ فَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ امْرَأَةِ أَبِي فَإِنْ كَانَ أَبُوهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ وُجُودِهِ أَوْ مَعَهُ صَارَ مُظَاهِرًا أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ كَالنِّكَاحِ فَمَوْطُوءَةُ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ كَزَوْجَتِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ بِالْمِلْكِ وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي زَوْجَةِ الِابْنِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: مُحَرَّمٍ وَبَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ التَّشْبِيهُ بِهَا) لِأَنَّهَا كَانَتْ حِلًّا لَهُ قَبْلَ إرْضَاعِهِ أَيْ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَهُ) : أَيْ الرَّضَاعِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا إنْ كَانَتْ مَعَهُ) بِأَنْ انْفَصَلَتْ مَعَ آخَرَ رَضَّعَتْهُ الْخَامِسَةَ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ التَّحْرِيمِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حِلًّا لَهُ أَصْلًا.

قَوْلُهُ: (تَغْلِيبًا لِلْيَمِينِ) أَيْ عَلَى الطَّلَاقِ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ كُلًّا مِنْ الْيَمِينِ وَالطَّلَاقِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَمِثْلُ الزَّمَانِ الْمَكَانُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ كَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فِي الْبَيْتِ فَيُحَرَّمُ التَّمَتُّعُ بِهَا، فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ دُونَ غَيْرِهِ ح ل. قَالَ شَيْخُنَا: وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الظِّهَارَ يُشَبَّهُ بِالْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ الْكَفَّارَةُ، وَالطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ التَّحْرِيمُ فَاحْتِمَالُهُ التَّأْقِيتَ بِنَاءٌ عَلَى تَغْلِيبِ شَبَهِهِ بِالْيَمِينِ لَا بِالطَّلَاقِ إذْ لَا يَصِحُّ تَأْقِيتُهُ فَلَا يُقَالُ: أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا مَثَلًا. قَوْلُهُ: (كَانَ ظِهَارًا مُؤَقَّتًا وَإِيلَاءً) أَيْ فَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُمَا فَتَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تُطَالِبُهُ بِالْفَيْئَةِ أَوْ الطَّلَاقِ فَإِنْ وَطِئَ انْحَلَّ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَصَارَ عَائِدًا فِي الظَّاهِرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا ثَانِيًا حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ تَفْرُغَ الْمُدَّةُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ لِلْإِيلَاءِ أَوْ لَا؟ وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَأَنْ قَالَ: وَاَللَّهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِلْإِيلَاءِ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لَمْ تَلْزَمْهُ لِلْإِيلَاءِ كَفَّارَةٌ، وَإِنْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِيلَاءِ مِنْ ضَرْبِ الْمُدَّةِ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ) أَيْ مِثْلًا إذْ مِثْلُ الطَّلَاقِ فُرْقَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُمْسِكَهَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ قَوْلُهُ: (زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ) أَيْ شَرْعًا فَلَا عَوْدَ فِي نَحْوِ حَائِضٍ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهَا لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ شَرْحُ مَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَفْعَلْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّهُ مَتَى أَمْسَكَهَا زَمَنًا يَسَعُ الْفُرْقَةَ صَارَ عَائِدًا سَوَاءٌ فَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَفْعَلْ أَيْ فِي زَمَنِ الْإِمْسَاكِ وَيَكُونُ عَطْفَ تَفْسِيرٍ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْإِمْسَاكِ، أَمَّا الْفِعْلُ بَعْدَ الْإِمْسَاكِ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا.

قَوْلُهُ: (صَارَ عَائِدًا) وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي شَرْحِهِ وَالْعَوْدُ هُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا فِي النِّكَاحِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ، فَحِينَئِذٍ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، لَكِنْ لَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً فَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، عَلَى

ص: 14

بِالْأُمِّ مَثَلًا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُمْسِكَهَا زَوْجَةً فَإِنْ أَمْسَكَهَا زَوْجَةً بَعْدُ عَادَ فِيمَا قَالَ: لِأَنَّ الْعَوْدَ لِلْقَوْلِ مُخَالَفَتُهُ. يُقَالُ: قَالَ فُلَانٌ قَوْلًا ثُمَّ عَادَ لَهُ وَعَادَ فِيهِ أَيْ خَالَفَهُ وَنَقَضَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَادَ فِي هِبَتِهِ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا فِي الظِّهَارِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ الْمُطْلَقِ وَفِي غَيْرِ الرَّجْعِيَّةِ، لِأَنَّهُ فِي الظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ إنَّمَا يَصِيرُ عَائِدًا بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، لَا بِالْإِمْسَاكِ وَالْعَوْدِ فِي الرَّجْعِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِالرَّجْعَةِ وَاسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ مَا إذَا كَرَّرَ لَفْظَ الظِّهَارِ وَقَصَدَ بِهِ التَّأْكِيدَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْدٍ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ تَمَكُّنِهِ بِالْإِتْيَانِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ بَدَلَ التَّأْكِيدِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُصُولِ الْعَوْدِ، بِمَا ذُكِرَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِهَا فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ جَرَتْ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ فَسْخُ نِكَاحٍ بِسَبَبِهِ أَوْ بِسَبَبِهَا أَوْ بِانْفِسَاخٍ كَرِدَّةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ فُرْقَةٌ بِسَبَبِ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ، أَوْ جُنَّ الزَّوْجُ عَقِبَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الصَّحِيحِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ اشْتَرَاهَا إلَخْ. الَّذِي فِي تَحْرِيرِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خِلَافُهُ، وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ لَاعَنَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى تَحَلَّلَ فِي الْأُولَى وَيُكَفِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَا يَطَؤُهَا أَصْلًا لِأَنَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَبَدًا اهـ. وَصَوَّرَ فِي الْوَسِيطِ الطَّلَاقَ الْوَاقِعَ عَقِبَ الظِّهَارِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنْتِ طَالِقٌ شَرْحُ مَرَّ. وَقَالَ م د: فَالْعَوْدُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ طَلَاقِهَا، بِقَدْرِ نُطِقْهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ جَاهِلًا وَنَاسِيًا وَهَلْ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ فِرَاقِهَا مِنْهُ، بِاعْتِبَارِ نُطْقِهِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ بِسُرْعَةٍ النُّطْقِ وَبُطْئِهِ إلَخْ كَانَ عِنْدَهُ ثِقَلٌ فِي الْكَلَامِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ اعْتِبَارُ غَالِبِ النَّاسِ. الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ لَهُ عَارِضٌ يَمْنَعُ مِنْ النُّطْقِ كَإِكْرَاهٍ لَمْ يَكُنْ عَائِدًا اهـ.

قَوْلُهُ: (هَذَا فِي الظِّهَارِ الْمُؤَبَّدِ أَوْ الْمُطْلَقِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُؤَقَّتِ، لِمَا يَأْتِي أَنَّ الْعَوْدَ فِيهِ بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ لَا بِإِمْسَاكِهَا بَعْدَ الظِّهَارِ زَمَنَ إمْكَانِ الْفُرْقَةِ.

قَوْلُهُ: (بِالْوَطْءِ) : لَكِنْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى النَّزْعِ لِحُرْمَةِ الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ كَمَا يَأْتِي وَاسْتِمْرَارُ الْوَطْءِ وَطْءٌ اهـ. سم وَقَوْلُهُ: وَاسْتِمْرَارُ الْوَطْءِ وَطْءٌ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُجُوبِ النَّزْعِ عَدَمُ الِاسْتِمْرَارِ وَاسْتَشْكَلَ هَذَا بِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّ اسْتِمْرَارَ الْوَطْءِ لَا يَحْنَثُ بِهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَطَأُ وَهُوَ مُجَامِعٌ، وَاسْتَمَرَّ وَقَالُوا: اسْتِمْرَارُ الْوَطْءِ لَا يُسَمَّى وَطْئًا وَبِمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: إنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا حَيْثُ لَمْ يُحَرِّمُوا عَلَيْهِ الِاسْتِدَامَةَ، وَقَالُوا: إنَّهَا لَا تُسَمَّى وَطْئًا وَقَدْ يُقَالُ: بِسُقُوطِ هَذَا الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ إذْ مِنْ الْوَاضِحِ، أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا يُسَمَّى وَطْئًا وَمَا لَهُ حُكْمُ الْوَطْءِ وَالِاسْتِدَامَةِ مِنْ الثَّانِي، بِدَلِيلِ تَعْبِيرِهِمْ بِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى وَطْئًا وَقَوْلُهُمْ: اسْتِدَامَةُ الْوَطْءِ وَطْءٌ: أَيْ حُكْمًا بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا: يُسَمَّى وَطْئًا وَلَمَّا كَانَ الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ الْحَالِفِ أَوْ الْمُعَلِّقِ لَفْظَ الْوَطْءِ حُمِلَ عَلَى مَا يَسِمَاهُ فَلَا يَشْمَلُ الِاسْتِدَامَةَ وَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُظَاهِرُ. حُمِلَ عَلَى الْأَعَمِّ وَأَيْضًا يُقَالُ هُنَا: إنَّ الْمُظَاهِرَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بَعْدَ الْعَوْدِ. وَبِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ حَصَلَ الْعَوْدُ، وَالِاسْتِدَامَةُ لَا تَنْقُصُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ أَغْلَظَ مِنْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَعَضِّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْرَارِ يَنْبُوعِ الْكَلَامِ وَمِمَّا عَثَرَتْ عَلَيْهِ الْأَفْهَامُ اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (وَاسْتُثْنِيَ مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ يَصِيرُ عَائِدًا، بِالْإِمْسَاكِ وَقَدْ يُقَالُ: عِنْدَ قَصْدِ التَّأْكِيدِ تَصِيرُ الْكَلِمَاتُ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَهُ فِي مَرَّ.

قَوْلُهُ: (وَقَصَدَ بِهِ التَّأْكِيدَ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ تَعَدَّدَ الظِّهَارُ فَتَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهِ وَصَارَ عَائِدًا بِالْمُسْتَأْنَفِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ بِالْمَعْنَى.

قَوْلُهُ: (بِالْإِتْيَانِ) الْمُنَاسِبِ مِنْ الْإِتْيَانِ قَوْلُهُ: (وَمَا تَقَدَّمَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ عَيْنُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ هُوَ عَيْنُ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ أَعَمُّ مِنْ الطَّلَاقِ وَكَانَ الْأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ الْمَتْنِ وَمِثْلُ فُرْقَةِ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا. قَوْلُهُ: (بِمَا ذَكَرَ) أَيْ بِعَدَمِ إتْبَاعِهِ بِالطَّلَاقِ. قَوْلُهُ: (مَحَلَّهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا إمْسَاكَ فِي صُورَةِ الْفُرْقَةِ بِأَنْوَاعِهَا وَكَذَا فِي صُورَةِ تَعَذُّرِ الْفُرْقَةِ كَأَنْ حَصَلَ جُنُونٌ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ اتَّصَلَتْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ قَبْلُ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالظِّهَارِ فُرْقَةٌ وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمَتْنِ مَا لَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ لَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ مَفْهُومِ الْمَتْنِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ فَسْخُ نِكَاحٍ) فِيهِ أَنَّ الْفَسْخَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي وَزَمَنُ الرَّفْعِ يَحْصُلُ بِهِ الْإِمْسَاكُ وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَا بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي، أَوْ بِمَا إذَا فُقِدَ الْقَاضِي، وَالْمُحَكَّمُ وَاسْتَقَلَّا بِالْفَسْخِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (بِسَبَبِ طَلَاقٍ

ص: 15

ظِهَارِهِ فَلَا عَوْدَ وَلَوْ رَاجَعَ مَنْ طَلَّقَهَا عَقِبَ ظِهَارِهِ أَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ دُخُولٍ مُتَّصِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ، بَعْدَ رِدَّتِهِ فِي الْعِدَّةِ صَارَ عَائِدًا بِالرَّجْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْسِكْهَا عَقِبَ الرَّجْعَةِ، بَلْ طَلَّقَهَا لَا الْإِسْلَامُ بَلْ هُوَ عَائِدٌ بَعْدَهُ إنْ مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ زَمَنٌ يَسَعُ الْفُرْقَةَ وَالْفَرْقُ أَنَّ مَقْصُودَ الرَّجْعَةِ الِاسْتِبَاحَةُ وَمَقْصُودَ الْإِسْلَامِ الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ إمْسَاكٌ إنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدُ

(وَ) إذَا صَارَ عَائِدًا (لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجادلة: 3] الْآيَةَ وَهَلْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدِ أَوْ بِالظِّهَارِ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ أَوْ بِالْعَوْدِ فَقَطْ لِأَنَّهُ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ؟ أَوْجُهٌ ذَكَرَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ وَالْأَوَّلُ: هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمُوَافِقُ لِتَرْجِيحِهِمْ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَجِبُ بِالْيَمِينِ وَالْحِنْثِ جَمِيعًا. وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ لِمَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِاسْتِقْرَارِهَا بِالْإِمْسَاكِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَمُظَاهَرٌ مِنْهُنَّ فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ زَمَنًا يَسَعُ طَلَاقَهُنَّ فَعَائِدٌ مِنْهُنَّ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ صَارَ عَائِدًا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَلَزِمَهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنْ فَارَقَهَا عَقِبَ ظِهَارِهَا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ.

(وَالْكَفَّارَةُ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ لِسَتْرِهَا الذَّنْبَ تَخْفِيفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

إلَخْ) هَذِهِ هِيَ مَفْهُومُ الْمَتْنِ فِي الْحَقِيقَةِ وَصَرَّحَ بِهَا زِيَادَةَ إيضَاحٍ أَوَلِيُبَيِّنَ كَوْنَ الطَّلَاقِ شَامِلًا لِلْبَائِنِ وَالرَّجْعِيِّ هَذَا وَفِيهِ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يُتْبِعْهُ بِالطَّلَاقِ فَالْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ الطَّلَاقِ هُنَا لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا أَتْبَعَهُ بِالطَّلَاقِ لَا يَصِيرُ عَائِدًا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَلَوْ اتَّصَلَ بِهِ أَيْ بِظِهَارِهِ جُنُونُهُ أَوْ فُرْقَةٌ فَلَا عَوْدَ اهـ. وَجَعَلَ الشَّارِحُ الْفُرْقَةَ شَامِلَةٌ لِمَا ذَكَرَ هُنَا، لَكِنْ لَمْ يُعَبِّرْ كَالشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: وَمَا تَقَدَّمَ إلَخْ فَلَعَلَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ سَرَى لَهُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ: أَوْ فُرْقَةٍ بِأَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ الْمَتْنِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ أَوْ غَيْرَهُ عَلَى شَيْءٍ كَدُخُولِهَا الدَّارَ أَوْ دُخُولِهِ ثَمَّ ظَاهِرٌ فَوُجِدَ الدُّخُولُ عَقِبَ الظِّهَارِ فَهَذَا يَكُونُ مُغَايِرًا لِمَا سَبَقَ. قَوْلُهُ:(أَوْ جُنَّ الزَّوْجُ) كَانَ الْأَوْلَى، أَوْ جُنُونِ الزَّوْجِ عَطْفًا عَلَى فُرْقَةٍ أَوْ يَقُولُ: فَلَوْ جُنَّ إلَخْ. قَوْلُهُ: (مُتَّصِلًا) أَيْ ارْتَدَّ مُتَّصِلًا بِالظِّهَارِ وَكَانَتْ الرِّدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ.

قَوْلُهُ: (فِي الْعِدَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَسْلَمَ.

قَوْلُهُ: (صَارَ عَائِدًا بِالرَّجْعَةِ) وَلَا يُقَالُ قَدْ انْحَلَّ الظِّهَارُ بِالطَّلَاقِ، لِأَنَّا نَقُولُ: مَحَلُّ انْحِلَالِهِ بِهِ إذَا دَامَ عَلَيْهِ فَإِنْ خَالَفَهُ بِالرَّجْعَةِ صَارَ عَائِدًا. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ الرَّجْعَةِ وَالْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (الِاسْتِبَاحَةُ) أَيْ اسْتِبَاحَةُ الِاسْتِمْتَاعِ. قَوْلُهُ: (الرُّجُوعُ إلَى الدِّينِ) أَيْ وَالْحِلُّ تَابِعٌ لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بَعْدُ) أَيْ فَالْحِلُّ تَابِعٌ لَهُ فَيَحْصُلُ عَقِبَهُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ) فَإِنْ قُلْت هَلْ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ؟ قُلْت: نَعَمْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْعَوْدِ إنْ قُلْنَا الظِّهَارُ شَرْطٌ وَالْعَوْدُ سَبَبٌ، وَعَلَى الْقَوْلِ: بِأَنَّهُمَا سَبَبَانِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الظِّهَارِ، وَيَجُوزُ عَلَى الْعَوْدِ شَوْبَرِيٌّ، وَذَكَرُوا فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْحِنْثِ بِالصَّوْمِ لَا يَصِحُّ فَيُقَالُ مِثْلُهُ هُنَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(لِاسْتِقْرَارِهَا بِالْإِمْسَاكِ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِ وَهُوَ الْوَطْءُ فِي الْمُؤَقَّتِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ) هَلْ يَتَعَيَّنُ فِي دَفْعِ الْإِمْسَاكِ طَلَاقُهُنَّ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ يَحْصُلُ بِالشُّرُوعِ فِي طَلَاقِهِنَّ وَلَوْ مَعَ التَّرْتِيبِ وَلَا يَكُونُ بِطَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مُمْسِكًا لِغَيْرِهَا، حَرَّرَ شَوْبَرِيٌّ، الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ) عَدْلٌ عَنْ الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ إيضَاحًا وَإِشْعَارًا بِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الْكَفَّارَةِ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا لِيَدْخُلَ نَحْوُ الْيَمِينِ قل قَوْلُهُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ هَذَا مَعْنَاهَا لُغَةً وَأَمَّا مَعْنَاهَا شَرْعًا فَهِيَ مَالٌ أَوْ صَوْمٌ وَجَبَ بِسَبَبٍ كَحَلِفٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ قَالَهُ الرَّحْمَانِيُّ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا التَّعْرِيفُ شَامِلٌ لِلْفِدْيَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَيَّدَ السَّبَبُ بِأَنْ يُقَالَ هِيَ مَالٌ أَوْ صَوْمٌ وَجَبَ بِسَبَبٍ مَنْ حَلِفٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ جِمَاعٍ نَهَارَ رَمَضَانَ عَمْدًا وَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ الْفِدْيَةُ وَعَرَّفَهَا عَبْدُ الْبَرِّ فَقَالَ هِيَ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى الْحَالِفِ أَوْ الْقَاتِلِ أَوْ الْمُظَاهِرِ بَعْدَ حِنْثِهِ أَوْ عَوْدِهِ اهـ وَهَذَا التَّعْرِيفُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ وَسُمِّيَتْ الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ كَفْرًا لِأَنَّ بِهَا يُكْفَرُ الْحَقُّ أَيْ يَسْتَتِرُ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ فِيهَا. اهـ. حف.

قَوْلُهُ: (لِسِتْرِهَا الذَّنْبَ) فِيهِ أَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا فِيهِ ذَنْبٌ

ص: 16

وَسُمِّيَ الزَّرَّاعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ. وَتَنْقَسِمُ الْكَفَّارَةُ إلَى نَوْعَيْنِ: مُخَيَّرَةٌ فِي أَوَّلِهَا وَمَرْتَبَةٌ فِي آخِرِهَا وَهِيَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَمُرَتَّبَةٌ فِي كُلِّهَا وَهِيَ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَالظِّهَارِ. وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَخِصَالُهَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ (عِتْقُ رَقَبَةٍ) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِلرَّقَبَةِ الْمُجْزِئَةِ فِي الْكَفَّارَةِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا شَرْطَيْنِ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (مُؤْمِنَةٍ) وَلَوْ بِإِسْلَامِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ تَبَعًا لِلسَّابِي أَوْ الدَّارِ، قَالَ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْخَطَأِ فَأَيْنَ الذَّنْبُ الَّذِي تَسْتُرُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ شَأْنُهَا ذَلِكَ، أَوْ الْغَالِبُ فِيهَا ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: لِسِتْرِهَا الذَّنْبَ أَيْ مَحْوِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا جَابِرَةٌ كَسُجُودِ السَّهْوِ، وَيُجْبَرُ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ.

وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، أَوْ تَخَفُّفُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا زَاجِرَةٌ كَالْحُدُودِ لِأَنَّ بِسَبَبِهَا يَنْزَجِرُ الْإِنْسَانُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُوجِبِ لَهَا. قَوْلُهُ:(وَمُرَتَّبَةٌ فِي آخِرِهَا) : بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِلصَّوْمِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ زِيَادِيٌّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْبَرِيُّ: وَمِمَّا يُنْسَبُ لِلْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:

ظِهَارًا وَقَتْلًا رَتَّبُوا وَتَمَتُّعًا

وَصَوْمًا كَمَا التَّخْيِيرُ فِي الصَّيْدِ وَالْأَذَى

وَفِي حَالِفٍ بِاَللَّهِ رَتِّبْ وَخَيِّرَنْ

فَذَلِكَ سَبْعٌ إنْ حَفِظْت فَحُبِّذَا

فَقَوْلُهُ فِي النَّظْمِ: وَصَوْمًا الْمُرَادُ بِهِ كَفَّارَةُ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَقَوْلُهُ: رَتِّبْ وَخَيِّرَنْ لَوْ قَالَ خَيِّرْ فَرَتِّبَنْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهَا مُخَيِّرَةٌ ابْتِدَاءً مُرَتِّبَةٌ انْتِهَاءً فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (الْقَتْلِ) قَدَّمَهُ عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَلِأَنَّ فِي دَلِيلِهِ تَقْيِيدَ الرَّقَبَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ، وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ مَقِيسَةٌ عَلَيْهِ فِي التَّقْيِيدِ وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَقِيسِ.

قَوْلُهُ: (وَخِصَالُهَا ثَلَاثَةٌ) هَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرِّ الرَّشِيدِ، وَمِنْهُ الذِّمِّيُّ فَيُكَفِّرُ بِالْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ لِصِحَّتِهِمَا مِنْهُ.

وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ وَلَا يَتَأَتَّى إطْعَامُهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الصَّوْمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَلِّمَ وَيَصُومَ فَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَ الْوَطْءَ، وَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ وَيَصُومَ ثُمَّ يَطَأُ، أَمَّا الرَّقِيقُ: فَلَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ، لِإِعْسَارِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْهُ إذَا أَضْعَفَهُ عَنْ الْخِدْمَةِ لِتَضَرُّرِهِ بِدَوَامِ التَّحْرِيمِ وَالْمُبَعَّضُ كَالْحُرِّ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ، وَأَمَّا السَّفِيهُ فَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ، إنَّهُ كَالْمُعْسِرِ حَتَّى لَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لَكِنْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُكَفِّرُ هُنَا بِالْمَالِ. كَمَا فِي الْقَتْلِ، لَكِنَّ الْمُخْرِجَ لَهُ وَهُوَ وَلِيُّهُ وَالنَّاوِي هُوَ السَّفِيهُ، وَفُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَالْأَيْمَانِ بِفُرُوقٍ، مِنْهَا تَكْرَارُ الْأَيْمَانِ عَادَةً فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ جَعْلِهِ فِيهَا كَالْمُعْسِرِ جَعَلُهُ فِي الظِّهَارِ كَالْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ وَالْمُكَلَّفُ يَمْتَنِعُ مِنْهُ عَادَةً، سم مَعَ تَصَرُّفٍ. وَقَوْلُهُ وَمِنْهُ الذِّمِّيُّ فَيُكَفِّرُ بِالْإِعْتَاقِ إلَخْ وَيُمْكِنُ مِلْكُهُ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، كَأَنْ يُسْلِمَ عَبْدُهُ أَوْ عَبْدُ مُوَرِّثِهِ فَيَمْلِكُهُ أَوْ يَقُولُ الْمُسْلِمُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنْ كَفَّارَتِي فَيُجِيبُهُ وَهَذِهِ إحْدَى الصُّوَرِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الْمُسْلَمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ.

وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

وَمُسْلِمٌ يَدْخُلُ مِلْكِ كَافِرٍ

فِي الْإِرْثِ وَالرَّدُّ بِعَيْبٍ ظَاهِرُ

إقَالَةٌ وَفَلَسٌ وَمَا وُهِبَ

أَصْلٌ وَمَا اسْتَعْقَبَ عِتْقًا بِسَبَبٍ

وَقَوْلُهُ: وَمَا اسْتَعْقَبَ إلَخْ يَدْخُلُ فِيهِ ثَلَاثِ صُوَرٍ، مِلْكُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَمَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَالْبَيْعُ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ.

قَوْلُهُ: (عِتْقُ رَقَبَةٍ) بِمَعْنَى إعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَلَوْ مَغْصُوبَةً وَآبِقَةً وَمَرْهُونَةً وَالرَّاهِنُ مُوسِرٌ وَجَانِيَةً وَمُتَحَتِّمًا قَتَلَهَا فِي حِرَابَةٍ وَإِنْ كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي دَفْعَتَيْنِ كَأَنْ مَلَكَ مُعْسِرٌ نِصْفَ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ مَلَكَ نِصْفَهُ الْآخَرَ فَأَعْتَقَهُ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا عِنْدَ إعْتَاقِ بَاقِيهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا. اهـ. سم. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الرَّقَبَةُ مُلَفَّقَةً مِنْ شَخْصَيْنِ، بِأَنْ مَلَكَ نِصْفَيْ رَقِيقَيْنِ وَبَاقِيهِمَا أَوْ بَاقِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ حُرٌّ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا أَمَّا إذَا كَانَ بَاقِيهِمَا رَقِيقًا فَيَفْصِلُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا صَحَّ الْعِتْقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ يَسْرِي إلَى الْبَاقِي وَإِلَّا فَلَا.

قَوْلُهُ: (مُؤْمِنَةٍ) أَيْ فَلَا تُجْزِئُ الْكَافِرَةُ، وَيَنْبَغِي أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَرِيضِ إذَا شُفِيَ مِنْ الْإِجْزَاءِ أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ كَافِرًا فَتَبَيَّنَ إسْلَامَهُ الْإِجْزَاءُ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا مَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ مُوَرِّثِهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا كَمَا فِي عش عَلَى مَرَّ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مُؤْمِنَةٍ: أَيْ

ص: 17

وَأَلْحَقَ بِهَا غَيْرَهَا قِيَاسًا عَلَيْهَا أَوْ حَمْلًا لِإِطْلَاقِ آيَةِ الظِّهَارِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي آيَةِ الْقَتْلِ، كَحَمْلِ الْمُطْلَقِ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] الشَّرْطُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (سَلِيمَةً مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ) إضْرَارًا بَيِّنًا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْمِيلُ حَالِهِ لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إذَا اسْتَقَلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَبْلَ الْعِتْقِ فَلَوْ قَارَنَ الْعِتْقُ الْإِسْلَامَ لَمْ يَجُزْ وَإِطْلَاقُ الرَّقَبَةِ عَلَى الرَّقِيقِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ وَالرَّقَبَةُ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى اتِّفَاقًا وَالْخُنْثَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ إجْزَاءِ الْخُنْثَى لِأَنَّ الْخُنُوثَةَ عَيْبٌ فِي الْمَبِيعِ اهـ. قَوْلُهُ:(أَوْ الدَّارِ) صُورَتُهُ: أَنْ يَجِدَ لَقِيطًا فِي بَلَدٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ فَيَحْكُمَ عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ ثُمَّ إذَا ادَّعَى شَخْصٌ، أَنَّهُ رَقِيقٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَقِّهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِأَبَوَيْهِ بِإِسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلدَّارِ وَإِذَا اشْتَرَاهُ أَحَدٌ يَصِحُّ أَنْ يَعْتِقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ فَلَا يُجْزِئُ إذْ ذَاكَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا. وَاعْلَمْ: أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الرَّقَبَةِ سِتَّةٌ الْإِيمَانُ، وَعَدَمُ الْعَيْبِ، وَعَدَمُ الْعِوَضِ، وَكَمَالُ الرِّقِّ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْعِتْقِ، وَالْحُرِّيَّةُ فِي الْمُعْتَقِ.

وَقَدْ جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ نَظْمًا مِنْ الرَّجَزِ فَقَالَ:

لِصِحَّةِ الْإِعْتَاقِ عَنْ كَفَّارَةٍ

سِتُّ شُرُوطٍ بِأَوْجَزِ الْعِبَارَةِ

حُرِّيَّةُ الْمُعْتَقِ إيمَانُ الْعَتِيقِ

وَفَقْدُهُ لِلْعَيْبِ كَيْ كَسْبًا يُطِيقُ

كَمَالُ رِقٍّ عَدَمُ اسْتِحْقَاقٍ

لِلْعِتْقِ فَافْهَمْهُ بِلَا شِقَاقٍ

وَعَدَمُ الْعِوَضِ تَمَامُ السِّتَّةِ

لَا شَرْطٌ مِنْهَا نَاقِصٌ أَلْبَتَّةَ

قَوْلُهُ: (قِيَاسًا عَلَيْهَا) : أَيْ بِجَامِعِ حُرْمَةِ سَبَبَيْهِمَا. وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْإِيمَانِ وَارِدٌ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ فَكَيْفَ يُقَالُ بِجَامِعٍ إلَخْ. وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ مُرَادَنَا، حُرْمَةُ الْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِهِ قَتْلَ خَطَأٍ. أَوْ لَا وَكَذَا قَرَّرَهُ ز ي عَنْ ابْنِ قَاسِمٍ. ثُمَّ رَاجَعْت شَرْحَ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْوَرَقَاتِ، فَرَأَيْته أَشَارَ إلَى ذَلِكَ وَجَوَابُهُ بِقَوْلِهِ: وَالْمُقَيَّدُ بِالصِّفَةِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ كَالرَّقَبَةِ قُيِّدَتْ بِالْإِيمَانِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي آيَةِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَأُطْلِقَتْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي آيَةِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِيهَا: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] وَالسَّبَبُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ الْقَتْلُ وَفِي الثَّانِي الظِّهَارُ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ وُجُوبُ التَّحْرِيرِ، أَيْ الْإِعْتَاقِ وَالْجَامِعُ حُرْمَةُ سَبَبَيْهِمَا أَيْ فِي ذَاتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ آيَةَ الْقَتْلِ وَارِدَةٌ فِي الْخَطَأِ وَلَا حُرْمَةَ فِيهِ عَلَى الْمُخْطِئِ شَوْبَرِيٌّ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِجَامِعِ عَدَمِ الْإِذْنِ فِي السَّبَبِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ حَمْلًا إلَخْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قِيَاسٍ وَإِلَّا فَالْحَمْلُ صَادِقٌ بِالْقِيَاسِ وَالْفَرْقُ اعْتِبَارُ الْجَامِعِ فِيهِ دُونَ الْحَمْلِ قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ آيَةِ الظِّهَارِ) الْأَنْسَبُ أَوْ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ فِي آيَةٍ إلَخْ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَالْمُرَادُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، اعْتِبَارُ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي الْمُطْلَقِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا فَمَعْنَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْحُكْمُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُطْلَقِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدُ. قَوْلُهُ:(لِيَتَفَرَّغَ لِوَظَائِفِ الْأَحْرَارِ) : مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا أَيْ غَالِبًا وَإِلَّا فَمِنْ جُمْلَةِ وَظَائِفِ الْأَحْرَارِ الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى وَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ غَيْرَ بَالِغٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصَمَّ أَوْ أَخْرَسَ مَعَ إجْزَاءِ كُلٍّ عَنْ الْكَفَّارَةِ. اهـ. خِضْرٌ.

قَوْلُهُ: (إذَا اسْتَقَلَّ بِكِفَايَةِ نَفْسِهِ) : يَرُدُّ عَلَيْهِ الصَّغِيرُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: لِيَتَفَرَّغَ إلَخْ: أَيْ حَالًّا أَوْ مَآلًا وَانْظُرْ لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ الْمُلْتَصِقَيْنِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ لِأَنَّ الْمُلْتَصِقَ بِهِ قَدْ لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى ذَلِكَ. فِيهِ نَظَرٌ

ص: 18

تَنْبِيهٌ: قَالَ الْأَصْحَابُ: مُلَاحَظَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَيْبِ هُنَا مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ نَظِيرُ مُلَاحَظَتِهِ فِي عَيْبِ الْأُضْحِيَّةِ، مَا يُنْقِصُ اللَّحْمَ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودَ فِيهَا وَفِي عَيْبِ النِّكَاحِ مَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْجِمَاعِ وَفِي عَيْبِ الْمَبِيعِ مَا يُخِلُّ بِالْمَالِيَّةِ فَاعْتُبِرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا يَلِيقُ بِهِ فَيُجْزِئُ، صَغِيرٌ وَلَوْ ابْنَ يَوْمٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِأَنَّهُ يُرْجَى كِبَرُهُ كَالْمَرِيضِ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَأَقْرَعُ وَهُوَ مَنْ لَا نَبَاتَ بِرَأْسِهِ، وَأَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ بِأَنْ يَكُونَ عَرَجُهُ غَيْرَ شَدِيدٍ، وَأَعْوَرُ لَمْ يُضْعِفْ عَوَرُهُ بَصَرَ عَيْنِهِ السَّلِيمَةِ، وَأَصَمُّ وَهُوَ فَاقِدُ السَّمْعِ، وَأَخْرَسُ إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَيَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ، وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَفَاقِدُ أُذُنَيْهِ وَفَاقِدُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، وَلَا يُجْزِئُ زَمِنٌ وَلَا فَاقِدُ رَجُلٍ أَوْ خِنْصَرٍ وَبِنْصَرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ فَاقِدُ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَا فَاقِدُ أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ لِتَعَطُّلِ مَنْفَعَةِ الْيَدِ. وَلَا يُجْزِئُ هَرَمٌ عَاجِزٌ وَلَا مَرِيضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ. فَإِنْ بَرِئَ بَانَ الْإِجْزَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى الْكَسْبِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَيْ لِأَنَّ الْكَسْبَ قَدْ يَحْصُلُ بِلَا عَمَلٍ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اهـ. عش عَلَى مَرَّ.

قَوْلُهُ: (كَلًّا) : أَيْ ثَقِيلًا أَيْ عَاجِزًا عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُنْفِقٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْكَلُّ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِ نَفْسِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ ابْنَ يَوْمٍ) . وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ حِينَئِذٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ فَعَلَى مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَخَالَفَ الْغُرَّةَ حَيْثُ لَا يُجْزِئُ فِيهَا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ لِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، وَغُرَّةُ الشَّيْءِ خِيَارُهُ. وَاسْتَشْكَلَ الْإِجْزَاءُ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ بَطْشَ يَدَيْهِ، وَمَشْيَ رِجْلَيْهِ وَإِبْصَارَ عَيْنَيْهِ وَسَمَاعَ أُذُنَيْهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْإِجْزَاءِ فِيهِ بِنَاءٌ عَلَى السَّلَامَةِ فَإِنْ بَانَ خِلَافُهَا نَقَضَ الْحُكْمَ ز ي بِخِلَافِ مَا لَوْ مَاتَ عَقِبَ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ لِظَاهِرِ السَّلَامَةِ.

قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ) فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُقَيَّدْ بِعَدَمِ الْعِوَضِيَّةِ وَبِعَدَمِ عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ فَهَلَّا تَمَسَّكْتُمْ بِالْإِطْلَاقِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا أَيْضًا وَقُلْتُمْ بِإِجْزَائِهِ مَعَ الْعِوَضِيَّةِ وَالْعَيْبِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِمَا عُلِمَ مِنْ السُّنَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَأَقْرَعُ وَأَعْرَجُ) عِبَارَةُ مَتْنِ الْمَنْهَجِ وَأَقْرَعُ أَعْرَجُ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْعَطْفِ، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ أَحَدُهُمَا يُجْزِي بِالْأَوْلَى. اهـ. زي.

قَوْلُهُ: (يُمْكِنُهُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ) : أَيْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً ح ل.

قَوْلُهُ: (وَأَعْوَرُ لَمْ يُضْعِفُ عَوَرُهُ إلَخْ) وَقَرَّرَ شَيْخُنَا إجْزَاءَ مَنْ يُبْصِرُ نَهَارًا وَلَا يُبْصِرُ لَيْلًا اكْتِفَاءً بِإِبْصَارِهِ وَقْتَ الْعَمَلِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَقْتَ عَمَلِهِ اللَّيْلُ لَا يُجْزِئُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ وَقْتُ الْعَمَلِ بِالْفِعْلِ حُرِّرَ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ حَجَرٍ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ يُبْصِرُ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ يَأْتِي فِيهِ مَا يَأْتِي فِي الْمَجْنُونِ وَذَكَرَ عَنْ بَحْثِ الْأَذْرَعِيِّ: أَنَّ الْمَجْنُونَ الَّذِي يُفِيقُ وَيُجَنُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إفَاقَتُهُ نَهَارًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ غَالِبَ الْكَسْبِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ نَهَارًا قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَيَسَّرَ لَهُ لَيْلًا أَجْزَأَهُ حَرَّرَ حَلَّ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُضْعِفْ عَوَرُهُ) أَيْ ضَعْفًا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ قَوْلُهُ: (وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ) : فَإِنْ اجْتَمَعَا أَجْزَأَ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ الْخَرَسِ الْأَصْلِيِّ الصَّمَمَ حَلَّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا فِي الْإِسْعَادِ لِابْنِ أَبِي شَرِيفٍ وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ الصَّمَمُ وَالْخَرَسُ أَجْزَأَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ اهـ.

وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ ضَعْفَ مَا فِي الدَّمِيرِيِّ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَمِنْ وَلَدٍ أَخْرَسَ يُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ تَبَعًا أَوْ بِإِشَارَتِهِ الْمُفْهِمَةِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ صَلَاتَهُ حَلَّ.

قَوْلُهُ: (إذَا فُهِمَتْ إشَارَتُهُ وَيَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ) : قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي: الظَّاهِرُ تَلَازُمُ الْمَعْنَيَيْنِ، فَمَنْ فَهِمَ الْإِشَارَةَ أَفْهَمَ بِهَا وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَوْلُهُ:(وَفَاقِدُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) : لِأَنَّ فَقْدَ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِالْعَمَلِ بِخِلَافِ فَاقِدِ أَصَابِعِ يَدِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ خِنْصَرٍ وَبِنَصْرٍ) . أَيْ أَوْ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَتْنُ الْمَنْهَجِ أَيْ بِخِلَافِ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ فَقَدَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (أَوْ فَاقِدُ أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا) : وَعِبَارَةُ الدِّمْيَاطِيِّ وَيُجْزِئُ مَقْطُوعُ الْخِنْصَرِ مِنْ يَدٍ وَالْبِنْصِرِ مِنْ أُخْرَى وَالْمَجْبُوبُ وَالْأَمَةُ الرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا فَاقِدُ أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ) : أَيْ لِكَوْنِهِ ذَا أُنْمُلَتَيْنِ فَقَطْ فَلَوْ كَانَ ذَا ثَلَاثَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضُرَّ فَقْدُ أُنْمُلَةٍ قِيَاسًا عَلَى السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَلَوْ كَانَتْ السَّبَّابَةُ أَوْ الْوُسْطَى ذَاتَ أَرْبَعٍ، هَلْ يُغْتَفَرُ فَقْدُ أُنْمُلَتَيْنِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُغْتَفَرُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ هَرِمٌ) الْهَرِمُ بِكَسْرِ الرَّاءِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْهَرَمِ بِفَتْحِهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مَرَضٌ طَبِيعِيٌّ ز ي وَفِي الْمُخْتَارِ الْهَرَمُ كِبَرُ السِّنِّ وَقَدْ هَرِمَ مِنْ بَابِ طَرِبَ.

قَوْلُهُ: (عَاجِزٌ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَصْفٌ غَيْرُ كَاشِفٍ لِلِاحْتِرَازِ، عَمَّا إذَا كَانَ هَرِمًا يَقْدِرُ عَلَى صَنْعَةٍ يَكْتَفِي بِهَا قَوْلُهُ:(فَإِنْ بَرِئَ) أَيْ كُلٌّ

ص: 19

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: كَمَالُ الرِّقِّ فِي الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، فَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ بِأَنْ كَانَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا بِنِيَّةِ عِتْقِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقٌّ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَى الْكَفَّارَةِ وَلَا عِتْقُ أُمِّ وَلَدٍ لِاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ وَلَا عِتْقُ ذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَنَّ عِتْقَهُ يَقَعُ بِسَبَبِ الْكِتَابَةِ، وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ: خُلُوُّ الرَّقَبَةِ عَنْ شَوْبِ الْعِوَضِ، فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بِعِوَضٍ، يَأْخُذُهُ مِنْ الرَّقِيقِ كَأَعْتَقْتُكَ عَنْ كَفَّارَتِي عَلَى أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ أَلْفًا أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَأَعْتَقْتُ عَبْدِي هَذَا عَنْ كَفَّارَتِي بِأَلْفٍ لِي عَلَيْك، فَقِيلَ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْإِعْتَاقُ عَنْ كَفَّارَتِهِ. وَضَابِطُ مَنْ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ كُلُّ مَنْ مَلَكَ رَقِيقًا أَوْ ثَمَنَهُ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ شَرْعًا، نَفَقَةً وَكُسْوَةً

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْ الْهَرَمِ وَالْمَرِيضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أُعْتِقَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَالْفَرْقُ تَحَقُّقُ الْيَأْسِ فِي الْعَمَى، وَعَوْدُ الْبَصَرِ نِعْمَةٌ جَدِيدَةٌ بِخِلَافِ الْمَرَضِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. قَدْ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ ذَهَبَ بَصَرُهُ بِجِنَايَةٍ فَأَخَذَ دِيَتَهُ، ثُمَّ عَادَ اُسْتُرِدَّتْ لِأَنَّ الْعَمَى الْمُحَقَّقُ لَا يَزُولُ اهـ.

وَلَكِنْ لَك أَنْ تَحْمِلَ مَا فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ زَوَالُهُ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت مَرَّ اعْتَمَدَ هَذَا الْفَرْقَ وَصُوَرُ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ بِمَا إذَا أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ كَالسَّيِّدِ عِيسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. اهـ. سم. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَعْصُومِ مَا لَوْ دَلَّتْ الْقَرَائِنُ الْقَطْعِيَّةُ عَلَى عَدَمِ زَوَالِهِ. اهـ. عش. وَقَوْلُهُ: تَحَقُّقُ الْيَأْسِ أُخِذَ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْيَأْسُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخِلْقِيِّ وَالْحَادِثِ اهـ.

زي قَالَ عش عَلَى مَرَّ. وَلَوْ أَبْصَرَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا كَانَ بِعَيْنِهِ غِشَاوَةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْمَى لَمْ يَجُزْ لِفَسَادِ النِّيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، حَيْثُ أَجْزَأَ إذَا بَرِئَ أَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ فِيهِ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ تُنَافِي الْإِجْزَاءَ فَضَعُفَ تَأْثِيرُهُ فِي النِّيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَعْمَى. وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ زَوَالُ الْجُنُونِ وَالزَّمَانَةِ فَلَا يَكْفِي عَنْ الْكَفَّارَةِ أَخْذًا مِنْ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْعَمَى الْمُحَقَّقُ أَيِسَ مَعَهُ مِنْ عَوْدِ الْبَصَرِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالزَّمَانَةِ الْمُحَقَّقَيْنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ بَلْ عُهِدَ وَشُوهِدَ وُقُوعُهُ كَثِيرًا اهـ.

قَوْلُهُ: (كَمَالُ الرِّقِّ) : الْمُرَادُ بِكَمَالِ الرِّقِّ، أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْكَفَّارَةِ، كَالْكِتَابَةِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْقَرَابَةِ فَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ كَمَالُ الرِّقِّ: أَيْ الرِّقُّ الْكَامِلُ فَخَرَجَ مَنْ سَيَذْكُرُهُ مِمَّنْ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ رِقَّهُ كَالنَّاقِصِ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إعْتَاقِهِ إذْ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ يُعْتَقُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ إلَخْ) : فِي تَفْرِيعِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ كَمَالِ الرِّقِّ، نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْقَرِيبَ كَامِلُ الرِّقِّ. اهـ. شَيْخُنَا. وَأَجَابَ مد بِقَوْلِهِ: كَمَالُ الرِّقِّ أَيْ الرِّقُّ الْكَامِلُ فَخَرَجَ مِنْ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ كَأَنَّ رِقَّهُ نَاقِصٌ اهـ. فَيَكُونُ الْمُرَادُ كَمَالُ الرِّقِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَفِّرِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَا عِتْقُ أُمِّ وَلَدٍ) : وَلَا الْمُشْتَرَاةِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَلَا يُجْزِئُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَلَا الْمُسْتَأْجَرُ لِعَجْزِهِمَا، عَنْ الْكَسْب لِنَفْسِهِمَا وَلِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنَافِعِهِمَا وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَرِيضَ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالصَّغِيرَ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُدَّةِ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْإِجَارَةِ إلَّا مَا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَبَحَثَ بَعْضُهُمْ الْإِجْزَاءَ حِينَئِذٍ. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (صَحِيحَةٍ) : أَيْ بِخِلَافِ الْفَاسِدَةِ سم وَعِبَارَةُ قل وَلَا صَحِيحِ كِتَابَةٍ أَيْ لَمْ يَسْبِقْهَا تَعْلِيقُ عِتْقٍ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، ثُمَّ كَاتَبَهُ فَإِذَا دَخَلَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ سَيِّدِهِ عَتَقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) : أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ الْكَفَّارَةِ، التَّنْجِيزُ. اهـ. زي.

وَيُجْزِئُ مَغْصُوبٌ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهِ، وَحَامِلٌ وَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ:(عَنْ شَوْبِ الْعِوَضِ) : الْأَوْلَى حَذْفُ شَوْبٍ لِعَدَمِ ظُهُورِ مَعْنًى لَهُ وَالْمَعْنَى يَسْتَقِيمُ بِدُونِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ الرَّقِيقِ) كَانَ الظَّاهِرُ مِنْهُ قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ) بِمَعْنَى مِنْ مَعْطُوفٌ عَلَى مِنْ الرَّقِيقِ أَيْ بِأَخْذِهِ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلِهِ عِوَضٍ: أَيْ بِعِوَضٍ كَائِنٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مِنْ أَجْنَبِيٍّ قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِ ذَلِكَ الْإِعْتَاقُ عَنْ كَفَّارَتِهِ) : أَيْ وَيُعْتَقُ بِالْعِوَضِ.

فَرْعٌ: لَوْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَنْ كَفَّارَتِي وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا عَتَقَ وَلَزِمَ الطَّالِبُ الْقِيمَةَ وَعَتَقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ: عَنْ كَفَّارَتِي عَتَقَ وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةٌ اهـ. وَلَوْ قَالَ: أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتِي سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مَدٌّ مِنْ جِنْسِ كَذَا صَحَّ، وَكَذَا

ص: 20

وَسُكْنَى وَأَثَاثًا وَإِخْدَامًا لَا بُدَّ مِنْهُ لَزِمَ الْعِتْقُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَسَكَتُوا عَنْ تَقْدِيرِ مُدَّةِ النَّفَقَةِ وَبَقِيَّةِ الْمُؤَنِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ ذَلِكَ بِالْعُمُرِ الْغَالِبِ وَأَنْ يُقَدَّرَ بِسَنَةٍ، وَصَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْهُمَا الثَّانِي. وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِمَا مَعَ أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَفِّرِ بَيْعُ ضَيْعَتِهِ وَهِيَ بِفَتْحِ الضَّادِ الْعَقَارُ وَلَا بَيْعُ رَأْسِ مَالِ تِجَارَتِهِ، بِحَيْثُ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا مِنْ غَلَّةِ الضَّيْعَةِ، وَرِبْحُ مَالِ التِّجَارَةِ عَنْ كِفَايَتِهِ لِمُمَوَّنِهِ لِتَحْصِيلِ رَقِيقٍ يُعْتِقُهُ وَلَا بَيْعُ مَسْكَنٍ وَرَقِيقٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا لِعُسْرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْكُسْوَةُ إنْ نَوَى عِنْدَ الْإِخْرَاجِ الْكَفَّارَةَ فِيهِمَا، فَلَهُ بَدَلُ مَا أَخْرَجَهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ التَّبَرُّعَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ:(فَاضِلًا) أَيْ الرَّقِيقُ أَوْ ثَمَنُهُ وَمِثْلُهُ الْإِطْعَامُ وَالْكُسْوَةُ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الثَّلَاثَةُ فَاضِلَةً عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ) أَيْ وَعَنْ كُتُبِ فَقِيهٍ وَخَيْلِ جُنْدِيٍّ وَآلَةِ مُحْتَرِفٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَلَسِ، وَالْمُرَادُ كِفَايَةُ الْعُمُرِ الْغَالِبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ إنْ لَمْ يَبْلُغْهُ، فَإِنْ بَلَغَهُ فَالْمُعْتَبَرُ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ مَنْ قَالَ كِفَايَةُ الْعُمُرِ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَكَذَا كُلُّ كَفَّارَةٍ، وَتَقْيِيدُ بَعْضِهِمْ بِالْمُرَتَّبَةِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الْكَلَامِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَأَثَاثًا) هُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ الْوَاحِدَةُ أَثَاثَةٌ وَقِيلَ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ اهـ. مِصْبَاحٌ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْعِتْقُ) هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عُلِمَ وَلَعَلَّهُ سَرَى لَهُ مِنْ عِبَارَةِ غَيْرِهِ هَكَذَا قِيلَ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ: لَزِمَهُ الْعِتْقُ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ: كُلُّ وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَضَابِطُ فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ وَالِاعْتِرَاضُ أَقْوَى.

قَوْلُهُ: (بِالْعُمُرِ الْغَالِبِ) : أَيْ بِبَقِيَّتِهِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَا يَزِيدُ عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ وَلَكِنَّهُ يَكْتَسِبُ مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي مَنْ عَلَيْهِ كِفَايَتُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَزَ عَنْ الْكَسْبِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ الْعُمُرَ الْغَالِبَ قُدِّرَتْ كِفَايَتُهُ سَنَةً سَنَةً كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حف. قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ) : أَيْ التَّصْوِيبِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهَا مَعَ أَنَّ مَنْقُولَ الْجُمْهُورِ الْأَوَّلُ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ بِالثَّانِي عَلَى قِيَاسِ مَا صَنَعَ فِي الزَّكَاةِ، أَمَّا مَنْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَنْ مَلَكَ رَقِيقًا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ ضَخَامَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ أَوْ مَنْصِبٍ يَأْبَى أَنْ يَخْدُمَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي حَقِّهِ كَالْمَعْدُومِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَنْقُولُ الْجُمْهُورِ، لَا مَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ جَارِيًا عَلَى رَأْيِهِ فِي الزَّكَاةِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْفَقِيرَ يُعْطَى فِيهَا كِفَايَةَ سَنَةٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ أَوْ ضَخَامَةٍ اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالضَّخَامَةِ هَلْ هِيَ الْعَظَمَةُ أَوْ كِبَرُ الْجُثَّةِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الثَّانِي وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا أَوَّلًا ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الْأَوَّلُ وَاعْتَمَدَهُ وَهِيَ التَّفَاخُرُ وَالتَّعَاظُمُ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ مَنْصِبٌ لِأَنَّ تِلْكَ ضَخَامَةٌ خَاصَّةٌ بِالْوِلَايَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ سَبَبُهَا وِلَايَةٌ وَلَا مَنْصِبٌ كَمَا أَفَادَهُ خَضِرٌ.

وَقَوْلُهُ: مَانِعَةٌ مِنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ أَيْ بِحَيْثُ تَحْصُلُ لَهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، كَعِظَمِ جِسْمِهِ أَوْ لِوُجُودِ رُتْبَةٍ لَهُ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ عَطْفُ مَنْصِبٍ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايِرِ وَقَوْلُهُ: أَوْ مَنْصِبٌ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ وَيَبْعُدُ فِيمَنْ اعْتَادَ مِمَّنْ ذُكِرَ خِدْمَةُ نَفْسِهِ وَصَارَ ذَلِكَ خُلُقًا لَهُ اعْتِبَارُ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ خَادِمٍ يَخْدُمُهُ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَفِّرِ بَيْعُ ضَيْعَتِهِ) أَيْ بَلْ يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ فَإِنْ فَضَلَ دَخْلُهُمَا عَنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ بَيْعُهُمَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (الْعَقَارُ) كَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ مَا يَسْتَغِلُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُضَيِّعُ بِتَرْكِهَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ:(بِحَيْثُ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَزِيدُ دَخْلُهُمَا عَلَى الْكِفَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُمَا جَمِيعَهُمَا لِكِفَايَتِهِ بِغَيْرِهِمَا إنْ كَانَ لَهُ غَيْرُهُمَا يَكْفِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُمَا وَكَانَ يَزِيدُ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ قَالَ مَرَّ يَبِيعُ الْفَاضِلَ إنْ وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يُكَلَّفُ بَيْعَ الْجَمِيعِ، إلَّا إنْ كَانَ الْفَاضِلُ مِنْ ثَمَنِهَا يَكْفِيهِ الْعُمُرَ الْغَالِبَ اهـ.

بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُ مَرَّ يَبِيعُ الْفَاضِلَ أَيْ مَا يُقَابِلُ الْفَاضِلَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَهُوَ بَعْضُ الضَّيْعَةِ وَبَعْضُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ قَوْلُهُ: (أَلِفَهُمَا) مَعْنَى أَلِفَهُمَا أَنْ يَكُونَا بِحَيْثُ يَشُقُّ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُمَا مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، فَلَوْ اتَّسَعَ الْمَسْكَنُ الْمَأْلُوفُ بِحَيْثُ يَكْفِيهِ بَعْضُهُ وَبَاقِيهِ يُحَصِّلُ رَقَبَةً لَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا حَلَّ قَالَ مَرَّ فِي شَرْحِهِ

ص: 21

مُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفِ وَلَا يَجِبُ شِرَاءٌ بِغَبْنٍ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ: اعْتِبَارُ الْيَسَارِ الَّذِي يَلْزَمُهُ بِهِ الْإِعْتَاقُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ، لَا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ وَلَا بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً يُعْتِقُهَا بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا حِسًّا أَوْ شَرْعًا {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.

فَلَوْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ بِالِاسْتِقْرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ تَرَقَّى إلَى الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا، وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرَانِ بِالْهِلَالِ وَلَوْ نَقْصًا وَيَكُونُ صَوْمُهُمَا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْهُمَا، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ. وَيَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ اكْتِفَاءً بِالتَّتَابُعِ الْفِعْلِيِّ، فَإِنْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَيُفَارِقُ مَا هُنَا مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ مِنْ لُزُومِ بَيْعِ الْمَأْلُوفِ بِأَنَّ الْحَجَّ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِلْإِعْتَاقِ بَدَلٌ. وَمَا مَرَّ فِي الْفَلَسِ مِنْ عَدَمِ تَبْقِيَةِ خَادِمٍ وَمَسْكَنٍ لَهُ بِأَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا، كَمَا مَرَّ وَبِأَنَّ حُقُوقَهُ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِحَذْفِ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَمَنْ لَهُ أُجْرَةٌ تَزِيدُ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْخِيرُ لِجَمْعِ الزِّيَادَةِ لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ فَلَهُ الصَّوْمُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ جَمْعُ الزِّيَادَةِ فِي نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ قَبْلَ الصَّوْمِ وَجَبَ الْعِتْقُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ اهـ قَوْلُهُ:(وَلَا يَجِبُ شِرَاءٌ بِغَبْنٍ) كَأَنْ وَجَدَ رَقِيقًا لَا يَبِيعُهُ مَالِكُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى الصَّوْمِ بَلْ عَلَيْهِ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَجِدَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ اهـ. شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

وَقَوْلُهُ: إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَيْ غَيْرِ اللَّائِقِ بِهِ وَإِلَّا فَبَدِيعَةُ الْجَمَالِ ثَمَنُهَا كَثِيرٌ لَكِنَّهُ لَائِقٌ بِهَا فَيَجِبُ شِرَاؤُهَا وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَةِ الرَّقِيقِ أَوْ ثَمَنِهِ وَلَا قَبُولُ إعْتَاقِهِ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْأَدَاءِ) أَيْ وَقْتَ إرَادَةِ الْأَدَاءِ أَيْ الْإِخْرَاجِ أَيْ إخْرَاجِهَا وَلَوْ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ وَقْتُ الْقَتْلِ وَوَقْتُ الْجِمَاعِ وَوَقْتُ عَوْدِهِ فِي الظِّهَارِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَجْزُهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قَبْلُ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، وَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا يَنْتَقِلُ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ مَا بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ أَيْضًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا حف. قَوْلُهُ:(وَلَا بِأَيِّ وَقْتٍ كَانَ) أَيْ وَلَا بِالْأَغْلَظِ مِنْهُمَا فَالْأَقْوَالُ أَرْبَعَةٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ عَجَزَ عَنْهَا) أَيْ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي التَّكْفِيرِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ شَرْعًا) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ ثَمَنَهَا أَوْ وَجَدَهُ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْمُؤْنَةِ أَوْ وَجَدَهَا وَاحْتَاجَهَا لِلْخِدْمَةِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَجْزِ الشَّرْعِيِّ وُجُودُهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا كَمَا فِي التَّيَمُّمِ بَلْ يُصَبَّرُ إلَى أَنْ يَجِدَهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا وَلَا يَنْتَقِلُ لِلصَّوْمِ.

قَوْلُهُ: (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ) أَيْ بِالْهِلَالِ وَإِنْ نَقَصَا لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ فَلَوْ صَامَهُمَا ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ صَوْمِهِمَا أَنَّ لَهُ مَالًا وَرِثَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، لَمْ يُعْتَدَّ بِصَوْمِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ. حَجّ وم ر فَيَقَعُ صَوْمُهُ نَفْلًا مُطْلَقًا.

تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخُ خَضِرٌ: سُئِلَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ عَنْ حِكْمَةِ وُجُوبِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَوِقَاعِ نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا إذَا عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَعَنْ حِكْمَةِ عَدَمِ وُجُوبِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا عَجَزَ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَكَذَلِكَ الظِّهَارُ وَالْوِقَاعُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا غَلَّظَ عَلَيْهِ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرَ وُقُوعًا مِنْ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ خَفَّفَ فِيهِ مَا لَمْ يُخَفِّفْ فِي غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَكَلَّفَ الْإِعْتَاقَ) الْمُنَاسِبَ لَكِنْ لَوْ تَكَلَّفَ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُهُ) كَالِاتِّهَابِ.

قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ) وَكَذَا تَجِبُ النِّيَّةُ فِي الْإِعْتَاقِ أَوْ الْإِطْعَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ كَوْنِهَا ظِهَارًا مَثَلًا قَالَ مَرَّ فِي شَرْحِهِ فَلَوْ أَعْتَقَ مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ لِقَتْلٍ وَظِهَارٍ رَقَبَتَيْنِ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَجْزَأَ عَنْهُمَا أَوْ رَقَبَةً كَذَلِكَ أَجْزَأَتْهُ عَنْ إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً وَلَهُ صَرْفُهُ إلَى إحْدَاهُمَا وَتَتَعَيَّنُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ إلَى الْأُخْرَى كَمَا لَوْ أَدَّى مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ بَعْضَهَا مُبْهَمًا فَإِنَّ لَهُ تَعْيِينُ بَعْضِهَا لِلْأَدَاءِ نَعَمْ لَوْ نَوَى غَيْرَ مَا عَلَيْهِ غَلَطًا لَمْ يُجْزِهِ وَإِنَّمَا صَحَّ فِي نَظِيرِهِ فِي الْحَدَثِ لِأَنَّهُ نَوَى رَفْعَ الْمَانِعِ الشَّامِلِ، لِمَا عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا اهـ. بِحُرُوفِهِ وَلَوْ صَامَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَاهُ. فَلَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ الْأَوَّلَ عَنْ كَفَّارَةٍ وَالثَّانِي عَنْ الْأُخْرَى وَهَكَذَا لَمْ يَكْفِهِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ التَّتَابُعِ وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ:(فِي صَوْمِ الْفَرْضِ) أَيْ الْأَصْلِيِّ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ) وَأَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ وَاقِعَةً بَعْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ لَا قَبْلَهَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَيُعْتَبَرُ الشَّهْرَانِ بِالْهِلَالِ أَيْ إنْ بَدَأَ بِالصَّوْمِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ قَوْلُهُ:

ص: 22

أَثْنَاءِ شَهْرٍ، حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَفُوتُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ الْأَخِيرُ. أَمَّا إذَا فَاتَ بِعُذْرٍ فَإِنْ كَانَ كَجُنُونٍ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّوْمَ، أَوْ كَمَرَضٍ مُسَوِّغٍ لِلْفِطْرِ ضَرَّ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ.

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْخَصْلَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَقَالَ: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيْ الصَّوْمَ الْمُتَتَابِعَ لِهَرَمٍ أَوْ لِمَرَضٍ يَدُومُ شَهْرَيْنِ ظَنًّا الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَلَوْ كَانَتْ الْمَشَقَّةُ لِشَبَقٍ وَهُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ أَيْ شَهْوَةِ الْوَطْءِ أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ مَرَضٍ (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِفَوَاتِ يَوْمٍ إلَخْ) وَوَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ مَاتَ الْمُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ هَلْ يَبْنِي وَارِثُهُ أَوْ يَسْتَأْنِفُ.

وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الثَّانِي لِانْتِفَاءِ التَّتَابُعِ وَعَلَيْهِ فَيُخْرِجُ مِنْ تَرِكَتِهِ جَمِيعَ الْكَفَّارَةِ لِبُطْلَانِ مَا مَضَى مِنْ صَوْمِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ الصَّوْمِ بِمَوْتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِوَارِثِهِ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى اهـ. عش عَلَى مَرَّ مَحَلُّ هَذَا إنْ لَمْ يَصُمْ وَارِثُهُ عَنْهُ قَوْلُهُ:(بِلَا عُذْرٍ) وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّ الشَّهْرَيْنِ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِيهِمَا وَلَوْ لَيْلًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ فِي الظِّهَارِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْكَفَّارَةِ لَكِنَّهُ فِيهِ لَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما اهـ.

قَوْلُهُ: (كَجُنُونٍ) أَيْ مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَإِغْمَاءٍ مُسْتَغْرِقٍ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَإِنْ قِيلَ الْكَلَامُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالرَّجُلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ حَيْضٌ. أَجَابَ عَنْهُ مَرَّ بِقَوْلِهِ: لَا بِفَوَاتِهِ بِنَحْوِ حَيْضٍ أَيْ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إذْ كَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّ غَيْرَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مِثْلُهَا فِيمَا ذُكِرَ، وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِأَنْ تَصُومَ امْرَأَةٌ عَنْ مُظَاهِرٍ مَيِّتٍ قَرِيبٍ لَهَا أَوْ بِإِذْنِ قَرِيبِهِ أَوْ بِوَصِيَّتِهِ اهـ بِالْحَرْفِ. وَاعْتَرَضَ عش هَذَا التَّصْوِيرَ بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا التَّتَابُعُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ لِمَعْنًى لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ النَّائِبِ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ أَيْ وَهُوَ التَّغْلِيظُ اهـ. وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ: بِنَحْوِ حَيْضٍ أَيْ فِي كَفَّارَةِ الْمَرْأَةِ عَنْ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ مِنْهَا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَجِمَاعِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا فِيهِمَا وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَالْوَاجِبُ فِيهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوَلَاءُ اهـ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ: بِنَحْوِ حَيْضٍ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَخْلُ مُدَّةُ الصَّوْمِ عَنْ الْحَيْضِ فَإِنْ كَانَتْ تَخْلُو كَأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَطْهُرَ شَهْرَيْنِ وَتَحِيضَ فِي الثَّالِثِ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَتَحَرَّى شَهْرَيْ الطُّهْرِ وَتَصُومَ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّ ذَلِكَ وَطَرَأَ الْحَيْضُ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الْوَلَاءَ اهـ. قَالَ عش عَلَى مَرَّ وَلَوْ أَمَرَهُمْ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ لِلِاسْتِسْقَاءِ فَصَادَفَ ذَلِكَ صَوْمًا عَنْ كَفَّارَةٍ مُتَتَابِعَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُومَ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ شَغْلِ الْأَيَّامِ بِالصَّوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ الصَّوْمُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ لِمَرَضٍ) أَيْ أَوْ سَفَرٍ أَيْ وَإِنْ جَازَ بِهِمَا الْفِطْرُ وَحَيْثُ بَطَلَ التَّتَابُعُ فَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ انْقَلَبَ مَا مَضَى نَفْلًا، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ:(يَدُومُ شَهْرَيْنِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْمَرَضِ أَبَدًا فِي الِانْتِقَالِ إلَى الْإِطْعَامِ فَإِنْ لَمْ يَدُمْ شَهْرَيْنِ بَلْ بَعْضَهُمَا انْتَظَرَ زَوَالَهُ وَلَا يَنْتَقِلُ لِلْإِطْعَامِ بَلْ يَصُومُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَرَضِ. اهـ. شَيْخُنَا. قَالَ: سل لَك أَنْ تَقُولَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ انْتِظَارُ الْمَالِ الْغَائِبِ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْعِتْقِ وَلَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ فِي أَسْبَابِ إحْضَارِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَرَضُ اهـ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَفَادَ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ ظَنًّا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِ ظَنًّا لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ وَظَنًّا نَكِرَةٌ وَقَدْ يُقَالُ الْمُسْتَفَادُ اسْمُ مَفْعُولٍ وَأَلْ الدَّاخِلَةُ عَلَيْهِ مَوْصُولَةٌ لَا مَعْرِفَةٌ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ نَكِرَةٌ كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:

وَإِنْ يُشَابِهُ الْمُضَافَ يَفْعَلُ

وَصْفًا فَعَنْ تَنْكِيرِهِ لَا يُعْزَلُ

وَمِثْلُ الْمُضَافِ الْمَقْرُونُ بِأَلْ قَوْلُهُ: (مِنْ الْعَادَةِ) أَيْ مِنْ عَادَةِ الشَّخْصِ فَإِنْ أَخْلَفَ أَوْ زَالَ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَمْ يُجْزِ الْإِطْعَامُ. اهـ. حَلَّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ) : أَيْ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ وَقَالَ مَرَّ: الْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِ عَدْلٍ مِنْهُمْ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (أَوْ لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) : أَيْ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ، بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ بِالشَّبَقِ. اهـ. حَلَّ.

قَوْلُهُ: (الْغُلْمَةُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ.

قَوْلُهُ: (شَهْوَةُ الْوَطْءِ) أَيْ شِدَّةُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَيْ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ بِأَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا مُسْلِمِينَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ، فَلَا يُجْزِي دَفْعُهَا لِجِنِّيٍّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ

ص: 23

وَيَكْفِي الْبَعْضُ مَسَاكِينُ وَالْبَعْضُ فُقَرَاءُ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: فَإِطْعَامُ تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُهُمْ كَقَوْلِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أَطْعَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْجَدَّةَ السُّدُسَ» أَيْ مَلَّكَهَا فَلَا يَكْفِي التَّغْدِيَةُ وَلَا التَّعْشِيَةُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ اللَّفْظُ أَوْ يَكْفِي الدَّفْعُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فِي الْحَدِيثِ «فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» إذْ الظَّاهِرُ مِنْهُ فُقَرَاءُ بَنِي آدَمَ، وَإِنْ احْتَمَلَ فُقَرَاءَ الْمُسْلِمِينَ الصَّادِقِ بِالْجِنِّ وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ أَنَّهُ جُعِلَ لِمُؤْمِنِيهِمْ طَعَامٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْعَظْمُ وَلَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْآدَمِيُّونَ عَلَى أَنَّا لَا نُمَيِّزُ بَيْنَ فُقَرَائِهِمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُسْتَحِقَّ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْخَوَاصِّ.

لِأَنَّا لَا نُعَوِّلُ عَلَى الْأُمُورِ النَّادِرَةِ وَآثَرَ التَّعْبِيرَ بِالْمِسْكِينِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَعُمُّ الْفَقِيرَ، كَعَكْسِهِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلِأَنَّ شُمُولَهُ لِلْفَقِيرِ أَظْهَرُ مِنْ شُمُولِ الْفَقِيرِ لَهُ، وَخَرَجَ بِأَهْلِ الزَّكَاةِ غَيْرُهُمْ فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِكَافِرٍ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ إذْ الْإِسْلَامُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي أَخْذِ غَيْرِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ تُدْفَعَ إلَى الذِّمِّيِّ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ، وَكَذَا لَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِهَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ وَمَوَالِيهِمْ، وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَلَا لِرَقِيقٍ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا خَبَرُ «فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» فَمُؤَوَّلٌ أَيْ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا. فَلَمَّا أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ، قَالَ: مَا أَحَدٌ أَفْقَرُ إلَيْهِ مِنَّا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " خُذْهُ " إلَخْ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ الْفَاضِلِ عَنْ الْقُوتِ وَمَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ ذَلِكَ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَا يَكْفِي أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ وَإِنْ دَفَعَ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ السِّتِّينَ مُدًّا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِعْطَاءُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَوْ دَفَعَ الْأَمْدَادَ لِلْإِمَامِ فَتَلِفَتْ قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يُجْزِهِ، إذْ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ وَلَوْ دَفَعَ الْمُكَفِّرُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدًّا ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَفَعَهُ لِآخَرَ وَهَكَذَا إلَى تَمَامِ السِّتِّينَ كَفَى وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا.

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ حِكْمَةً لِكَوْنِهِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَهِيَ مَا قِيلَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى: خَلَقَ آدَمَ مِنْ سِتِّينَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْأَحْمَرِ، وَالْأَصْفَرِ، وَالْأَسْوَدِ، وَالسَّهْلِ، وَالْوَعْرِ، وَالْحُلْوِ، وَالْعَذْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ أَوْلَادِهِ كَذَلِكَ فَكَأَنَّ الْمُكَفِّرَ عَمَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ بِصَدَقَتِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ حِكْمَةُ كَوْنِ الصَّوْمِ سِتِّينَ يَوْمًا كَذَلِكَ كَمَا فِي قل.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْوَأَ) وَإِنَّمَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ التَّعْبِيرَ بِالْمِسْكِينِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ تَمْلِيكُهُمْ) أَيْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ تَمْلِيكٍ كَمَا فِي حَلَّ وَالْبِرْمَاوِيِّ قَالَ الشَّيْخُ سل: أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ بَيْنَهُمْ لَكِنْ إنَّمَا يُجْزِيهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَدٌّ حَتَّى لَوْ مَلَّكَهُمْ الْجُمْلَةَ بِالسَّوِيَّةِ وَأَقْبَضَهُمْ ثُمَّ اقْتَسَمُوهَا بِالتَّفَاوُتِ بِحَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لِبَعْضِهِمْ مُدٌّ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مَدٌّ فَيُكْمِلُ لِغَيْرِهِمْ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَرَّ اهـ. وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ تَبِعَ فِيهِ لَفْظَ الْقُرْآنِ لِلْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ إنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِالتَّمْلِيكِ، بِأَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مَلَّكَ سِتِّينَ مِسْكِينًا إلَخْ وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ فَإِنْ عَجَزَ مَلَّكَ فِي ظِهَارٍ وَجِمَاعٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَهْلَ زَكَاةٍ مُدًّا مُدًّا قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَتَعْبِيرِي بِمَلَّكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: كَفَّرَ بِإِطْعَامٍ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ غَدَّاهُمْ أَوْ عَشَّاهُمْ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي اهـ. وَعِبَارَةُ قل عَلَى الْجَلَالِ وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ الْأَمْدَادَ وَالْمَسَاكِينَ وَيُمَلِّكَهَا لَهُمْ، وَلَوْ بِوَضْعِهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَلَهُمْ بَعْدَ مِلْكِهَا، قِسْمَتُهَا وَلَوْ مُتَفَاضِلًا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَخْذِ زِيَادَةٍ عَنْ الْمُدِّ شَرِيكًا بِقَدْرِ مَا أَخَذَهُ لَزِمَ نَقْضُ غَيْرِهِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ أَوْ شَرِيكًا بِقَدْرِ الْمُدِّ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّهِ وَلِهَذَا قَالَ الْخَطِيبُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مِنْ حَيْثُ مُسَامَحَةُ غَيْرِهِ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حِصَّتِهِ، فَتَأَمَّلْهُ. وَمِنْهُ يُعْلَمُ جَوَازُ تَرْكِ بَعْضِهِمْ حِصَّتَهُ لِغَيْرِهِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُمْ خُذُوهُ وَلَمْ يَقْبِضُوهُ لَمْ تُجْزِ قِسْمَتُهُ مُتَفَاضِلًا لِعَدَمِ مِلْكِهِمْ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَصَحَّ قَبْضُهُمْ بِلَا تَقْدِيرٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُعَامَلَةٍ وَإِنَّمَا لَمْ يُجْزِ دَفْعُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ لِعَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى ثِيَابًا وَلَا لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَوْبٌ اهـ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَكْفِي التَّغْدِيَةُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَهِيَ مَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالتَّعْشِيَةُ مَا يُؤْكَلُ بَعْدَهُ وَأَمَّا التَّغْذِيَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَإِنَّهَا تَعُمُّ الِاثْنَيْنِ اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَلَا التَّعْشِيَةُ) أَيْ وَلَا إطْعَامُ أَقَلِّ مِنْ سِتِّينَ وَلَا إطْعَامُ سِتِّينَ مُدًّا

ص: 24

تَقْتَضِي اللَّفْظَ لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالتَّمْلِيكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ بَعِيدٌ. أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظٌ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَدَفْعِ الزَّكَاةِ وَلَا يَكْفِي تَمْلِيكُهُ كَافِرًا وَلَا هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَزَوْجَتِهِ وَقَرِيبِهِ، وَلَا إلَى مَكْفِيٍّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ وَلَا إلَى عَبْدٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الزَّكَاةِ

وَيَصْرِفُ لِلسِّتِّينَ الْمَذْكُورِينَ سِتِّينَ مُدًّا. (كُلُّ مِسْكِينٍ مُدٌّ) كَأَنْ يَضَعَهَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَيُمَلِّكَهَا لَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ يُطْلِقَ فَإِذَا قَبِلُوا ذَلِكَ أَجْزَأَ عَلَى الصَّحِيحِ. فَلَوْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ بِتَمْلِيكٍ: وَاحِدٍ مُدَّيْنِ، وَآخَرَ مُدًّا أَوْ نِصْفَ مُدٍّ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ قَالَ: خُذُوهُ وَنَوَى بِالسَّوِيَّةِ أَجْزَأَ فَإِنْ تَفَاوَتُوا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مُدٌّ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ مَعَهُ مَنْ أَخَذَ مُدًّا آخَرَ. وَهَكَذَا وَجِنْسُ الْأَمْدَادِ مِنْ جِنْسِ الْحَبِّ الَّذِي يَكُونُ فِطْرَةً فَيُخْرِجُ مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِوَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا. اهـ. سم.

قَوْلُهُ: (أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظٌ) مُعْتَمَدٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي تَمْلِيكُهُ) أَيْ تَمْلِيكُ الْمُظَاهِرِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا إلَى مَكْفِيٍّ) عَطْفٌ عَلَى التَّوَهُّمِ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَلَا يَكْفِي دَفْعُهُ إلَى كَافِرٍ قَوْلُهُ: (صِفَاتُ الزَّكَاةِ) أَيْ الْفَقْرُ وَالْمَسْكَنَةُ وَلَا يَكْفِي صَرْفُهَا لِمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِهِمَا.

قَوْلُهُ: (وَيَصْرِفُ لِلسِّتِّينَ الْمَذْكُورِينَ سِتِّينَ مُدًّا) فَلَوْ دَفَعَ سِتِّينَ مُدًّا إلَى ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ إطْعَامُ ثَلَاثِينَ إنْ لَمْ يَنْقُصْ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ مُدٍّ وَلَزِمَهُ صَرْفُ ثَلَاثِينَ مُدًّا إلَى ثَلَاثِينَ غَيْرِهِمْ، وَلَهُ اسْتِرْدَادُ الْبَاقِي مِنْهُمْ إنْ أَعْلَمَهُمْ بِكَوْنِهَا كَفَّارَةً بِخِلَافِ مَا لَوْ تَفَاوَتُوا فِي الْأَمْدَادِ السِّتِّينَ أَيْ فَلَا يَكْفِي نَعَمْ لَوْ أَخَذُوا الْجُمْلَةَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ ثُمَّ اقْتَسَمُوا لَمْ يَضُرَّ التَّفَاوُتُ فِي الْمَأْخُوذِ بَعْدَ الِاقْتِسَامِ فِي الْأَجْزَاءِ لِمِلْكِهِمْ قَبْلَهُ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ سم.

قَوْلُهُ: (كُلُّ مِسْكِينٍ) أَيْ نَصِيبُ كُلِّ مِسْكِينٍ إلَخْ وَفِي نُسْخَةٍ مُدًّا بِالنَّصِّ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ أَيْ يُعْطِي مُدًّا وَقَرَّرَ شَيْخُنَا حف أَنَّ قَوْلَهُ كُلَّ مِسْكِينٍ إمَّا بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ سِتِّينَ أَوْ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ سِتِّينَ عَلَى الْمَحَلِّ أَوْ مَرْفُوعٌ نَائِبُ فَاعِلٍ لِمَحْذُوفٍ أَيْ يُطْعَمُ دَلَّ عَلَيْهِ إطْعَامٌ الْمُتَقَدِّمُ وَمُدًّا عَلَى الثَّلَاثَةِ مَنْصُوبٌ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِ مُدٍّ فَيَكُونُ كُلُّ مِسْكِينٍ مَرْفُوعًا أَيْ كُلُّ مِسْكِينٍ لَهُ مُدٌّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ يُطْلِقَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالسَّوِيَّةِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى حَدِّ وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَإِنْ عَلَى اسْمٍ خَالِصٍ فِعْلٌ عُطِفْ تَنْصِبْهُ إنْ ثَابِتًا أَوْ مُنْحَذِفْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَطْفُ بِأَوْ أَوْ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْفَاءِ أَوْ بِثُمَّ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا قَبِلُوا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْقَبُولِ عَدَمُ الرَّدِّ، وَلَوْ تَفَاوَتُوا بَعْدَ الْقَبُولِ لِوُجُودِ التَّسَاوِي حَالَ الْمِلْكِ إذْ بِالْقَبُولِ حَصَلَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ مَا سَيَأْتِي، فِيمَا إذَا قَالَ: خُذُوهُ وَنَوَى الْكَفَّارَةَ فَأَخَذُوا مُتَفَاوِتِينَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِعَدَمِ التَّسَاوِي حَالَ التَّمْلِيكِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبُولٌ حَالَ التَّسَاوِي وَلَا الْأَخْذِ الْقَائِمِ مَقَامَ التَّسَاوِي بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّ فِيهَا الْقَبُولُ الْمُحَصِّلُ لِلْمِلْكِ حَالَ التَّسَاوِي كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (عَلَى الصَّحِيحِ) يَرْجِعُ لِصُورَتَيْ الْوَضْعِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَإِنَّمَا آثَرَ التَّمْثِيلَ الْمَذْكُورَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ فَذَكَرَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ وَتَرَكَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ. وَهُوَ تَمْلِيكُ كُلِّ وَاحِدٍ مُدًّا عَلَى انْفِرَادِهِ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِهِ) أَيْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعُهْدَةِ بِهَذَا الْفِعْلِ. فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا كَمَّلَ الْمُدَّ لِمَنْ أَخَذَ بَعْضَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِي. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ قَالَ خُذُوهُ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ هُنَا نَاوٍ التَّسْوِيَةَ وَهُنَاكَ لَا نِيَّةَ لَهُ، وَأَيْضًا هُنَا لَمْ يُوجَدْ قَبُولٌ وَإِنَّمَا وُجِدَ فِعْلٌ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَبُولِ، بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِيهَا قَبُولٌ بِالْفِعْلِ لَفْظًا وَعِبَارَةُ مَرَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ خُذُوهُ وَنَوَى الْكَفَّارَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُجْزِيهِ إنْ أَخَذُوا بِالسَّوِيَّةِ، وَإِلَّا لَمْ يُجْزِ مَنْ أَخَذَ مُدًّا لَا دُونَهُ اهـ. وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَأَوْلَى مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (وَنَوَى) أَيْ الْكَفَّارَةَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَفَاوَتُوا) أَيْ قَبْلَ الْأَخْذِ بِالسَّوِيَّةِ لَمْ يُجْزِهِ لِلتَّفَاوُتِ قَبْلَ الْمِلْكِ، إذْ الْمِلْكُ هُنَا بِالْأَخْذِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْقَبُولِ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِهِ إلَّا مَدٌّ وَاحِدٌ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالْأَسْوَأِ وَلِلِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَخَذَ دُونَ مُدٍّ إلَّا وَاحِدًا فَإِنَّهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِتَمَامِهِ. فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ دُونَ مُدٍّ لَمْ يُجْزِ مَا أَخَذَهُ إلَّا إنْ تَمَّمَ، وَمَنْ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِتَمَامِهِ لَمْ يُجْزِ مِمَّا أَخَذَهُ إلَّا مَدٌّ وَاحِدٌ وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَيْهِ. اهـ. شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ) كَأَنْ عَلِمَ أَنَّ هُنَاكَ آخَرَ أَخَذَ مُدًّا كَامِلًا قَوْلُهُ: (مَعَهُ) أَيْ مَعَ هَذَا الْمُدِّ أَوْ مَعَ التَّفَاوُتِ، أَيْ فَيُجْزِئُ الْمُكَفِّرَ جَمِيعُ الْأَمْدَادِ الَّتِي عَلِمَ أَنَّهَا كَامِلَةٌ وَاحِدًا وَاحِدًا مَعَ كُلِّ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لَا

ص: 25

الْمُكَفِّرِ فَلَا يُجْزِئُ نَحْوُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقُ وَالْخُبْزُ وَاللَّبَنُ. وَيُجْزِئُ الْأَقِطُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ

(وَلَا يَحِلُّ) لِلْمُظَاهِرِ ظِهَارًا مُطْلَقًا (وَطْؤُهَا) أَيْ زَوْجَتِهِ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا (حَتَّى يُكَفِّرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَيُقَدَّرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فِي الْإِطْعَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْوَاقِعَةِ وَخَرَجَ بِالْوَطْءِ غَيْرُهُ كَاللَّمْسِ وَنَحْوِهِ، كَالْقُبْلَةِ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي غَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَمَّا مَا بَيْنَهُمَا فَيَحْرُمُ كَمَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ.

وَيَصِحُّ الظِّهَارُ الْمُؤَقَّتُ كَمَا مَرَّ وَيَقَعُ مُؤَقَّتًا وَعَلَيْهِ إنَّمَا يَحْصُلُ الْعَوْدُ فِيهِ بِالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ لِأَنَّ الْحِلَّ مُنْتَظِرٌ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَالْإِمْسَاكُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِانْتِظَارِ الْحِلِّ وَالْوَطْءِ فِي الْمُدَّةِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَكَالتَّكْفِيرِ مُضِيُّ الْوَقْتِ لِانْتِهَائِهِ بِهَا.

تَتِمَّةٌ: إذَا عَجَزَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ عَنْ جَمِيعِ الْخِصَالِ بَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَطَأُ الْمُظَاهِرُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تُحْسَبُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ الْحَالُ فِي أَخْذِهِمْ الْأَمْدَادَ مَعَ التَّفَاوُتِ أَيْ عَدِمَ الْعِلْمَ فِي أَخْذِهَا بِالسَّوِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ إلَّا مُدٌّ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِمُدٍّ آخَرَ كَامِلًا مَعَ وَاحِدٍ آخَرَ فَيُحْسَبُ هَذَا الثَّانِي أَيْضًا فَإِذَا ظَهَرَ ثَالِثٌ مَعَ آخَرَ حُسِبَ وَهَكَذَا هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ حف.

قَوْلُهُ: (وَالْخُبْزُ) وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ جَوَازَهُ فَيُعْطَى كُلُّ أَحَدٍ رِطْلَيْنِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالصَّيْرَفِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنهما وَلَا بَأْسَ بِقَلِيلِ أُدْمٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَاللَّبَنُ) مَرْجُوحٌ وَالْمُعْتَمَدُ إجْزَاؤُهُ كَمَا فِي الْفِطْرَةِ قل. وَصَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (ظِهَارًا مُطْلَقًا) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِ الْمَتْنِ حَتَّى يُكَفِّرَ لِأَنَّ الظِّهَارَ الْمُؤَقَّتَ يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ فِيهِ إمَّا بَعْدَ التَّكْفِيرِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَلَوْ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَتَبْقَى الْكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ إنْ كَانَ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَطَأْ حَتَّى انْقَضَتْ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَنْهَجِ وَبِهِ صَرَّحَ حَلَّ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يُكَفِّرَ) أَيْ إنْ لَمْ يَخَفْ الزِّنَا وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَحَرُمَ قَبْلَ تَكْفِيرٍ أَوْ مُضِيِّ مُدَّةِ ظِهَارٍ مُؤَقَّتٍ تَمَتُّعٌ حَرُمَ بِحَيْضٍ فَيَحْرُمُ التَّمَتُّعُ بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ اهـ. وَانْظُرْ لَوْ اضْطَرَّ إلَى الْوَطْءِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ يُتَّجَهُ الْجَوَازُ حَيْثُ تَعَيَّنَ لِدَفْعِ الزِّنَا وَقَدْ يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ حَرُمَ بِحَيْضٍ لِأَنَّ الْوَطْءَ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَقَدْ يُتَّجَهُ الْجَوَازُ حَيْثُ تَعَيَّنَ لِدَفْعِ الزِّنَا وَقَدْ يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: حَرُمَ بِحَيْضٍ لِأَنَّ الْوَطْءَ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ تَعَيَّنَ لِدَفْعِ الزِّنَا لَا يَحْرُمُ فِي الْحَيْضِ، كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ قَالَ: عش عَلَى مَرَّ. لَكِنْ يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يُدْفَعُ بِهِ خَوْفَ الْعَنَتِ.

قَوْلُهُ: (حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ) مَعْنَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْحُكْمُ، بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمُطْلَقِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدُ. اهـ. شَنَوَانِيٌّ. قَوْلُهُ:(فَيَحْرُمُ) أَيْ سَوَاءٌ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا

قَوْلُهُ: (وَيَقَعُ مُؤَقَّتًا) هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ هُنَا، وَمَا قَبْلَهُ ذُكِرَ تَوْطِئَةً لَهُ فَلَا تَكْرَارَ وَقِيلَ يَقَعُ الْمُؤَقَّتُ مُؤَبَّدًا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(إنَّمَا يَحْصُلُ الْعَوْدُ إلَخْ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ النَّزْعُ حَالًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُكَفِّرَ أَوْ تَفْرُغَ الْمُدَّةُ قل.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْحِلَّ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَلَا يَحْصُلُ بِالْإِمْسَاكِ عَوْدٌ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (فَالْإِمْسَاكُ) أَيْ إمْسَاكُ الزَّوْجَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا أَيْ عَدَمُ طَلَاقِهَا عَقِبَ الظِّهَارِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِانْتِظَارِ الْحِلِّ أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَيَحِلُّ الظِّهَارُ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَوْلُهُ: أَيْ الْوَطْءُ فِي الْمُدَّةِ أَيْ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، أَيْ فَيَحِلُّ الظِّهَارُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ الْوَطْءِ فِيهَا لَكِنْ إنْ وَطِئَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

قَوْلُهُ: (يُحْتَمَلُ إلَى قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَهَا لِلْوَطْءِ خَاصَّةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا لَمْ يَطَأْ بِالْفِعْلِ وَلِذَا وُجِدَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ الضَّرْبُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَلَّ إلَى قَوْلِهِ تَتِمَّةٌ أَفَادَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (لِانْتِهَائِهِ) أَيْ الظِّهَارِ وَقَوْلُهُ بِهَا أَيْ بِالْوَقْتِ وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ لِتَأْوِيلِهِ بِالْمُدَّةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِهِ أَيْ الْوَقْتِ الْمُؤَقَّتِ بِهِ

قَوْلُهُ: (إذَا عَجَزَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) وَيَحْصُلُ الْعَجْزُ عَنْ الْإِطْعَامِ بِعَدَمِ مَا يَفْضُلُ عَنْ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْإِعْتَاقِ زِيَادِيٌّ.

قَوْلُهُ: (بَقِيَتْ فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ الْمَالِيَّةَ، إذَا عَجَزَ عَنْهَا وَقْتَ وُجُوبِهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَا بِسَبَبٍ

ص: 26