المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في حد شارب المسكر - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ٤

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌ فَصْلٌ: فِي الْإِيلَاءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ فِي انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الظِّهَارِ

- ‌أَرْكَانُ الظِّهَارِ

- ‌فَصْلٌ: فِي اللِّعَانِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْعِدَدِ

- ‌فَصْلٌ: فِيمَا يَجِبُ لِلْمُعْتَدَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرَّضَاعِ

- ‌ فَصْلٌ: فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ

- ‌فَصْلٌ: فِي النَّفَقَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَضَانَةِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الدِّيَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْقَسَامَةِ

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌فَصْلٌ: فِي حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ

- ‌فَصْلٌ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ

- ‌فَصْلٌ: فِي حُكْمِ الصِّيَالِ وَمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ

- ‌فَصْلٌ: فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الرِّدَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌كِتَابُ أَحْكَامِ الْجِهَادِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي قَسْمِ الْفَيْءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْجِزْيَةِ

- ‌[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَطْعِمَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأُضْحِيَّةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْعَقِيقَةِ

- ‌كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

- ‌كِتَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ

- ‌فَصْلٌ: فِي النُّذُورِ

- ‌خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنَّذْرِ:

- ‌[فَرْعٌ النَّذْرُ لِلْكَعْبَةِ]

- ‌كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْقِسْمَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الشَّهَادَاتِ

- ‌[فَصْلٌ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَعَدُّدُ الشُّهُودِ وَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّعَدُّدُ]

- ‌كِتَابُ الْعِتْقِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْوَلَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِي التَّدْبِيرِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌فصل في حد شارب المسكر

قُدْرَتِهِ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي اللِّعَانِ. وَالرَّابِعُ إقْرَارُ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا. وَالْخَامِسُ مَا لَوْ وَرِثَ الْقَاذِفُ الْحَدَّ.

تَتِمَّةٌ: يَرِثُ الْحَدَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ الْخَاصِّينَ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلسُّلْطَانِ كَالْمَالِ وَالْقِصَاصِ وَلَوْ قُذِفَ بَعْدَ مَوْتِهِ. هَلْ لِلزَّوْجَيْنِ حَقٌّ، أَوْ لَا؟

وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الْمَنْعُ لِانْقِطَاعِ الْوَصْلَةِ حَالَةَ الْقَذْفِ وَلَوْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ حَقِّهِ مِمَّا وَرِثَهُ مِنْ الْحَدِّ فَلِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِ، لِأَنَّهُ عَارٌ. وَالْعَارُ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا يَلْزَمُ الْجَمِيعَ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوَدِ فَإِنَّهُ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْهُ سَقَطَ بِأَنَّ لَهُ بَدَلًا يُعْدَلُ إلَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ بِخِلَافِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا فَلَوْ كَانَ رَقِيقًا وَاسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ يَسْتَوْفِيهِ سَيِّدُهُ أَوْ عَصَبَتُهُ الْأَحْرَارُ، أَوْ السُّلْطَانُ؟ وُجُوهٌ أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا وَلِلْقَاذِفِ تَحْلِيفُ الْمَقْذُوفِ عَلَى عَدَمِ زِنَاهُ وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. فَإِنْ حُلِّفَ حُدَّ الْقَاذِفُ، وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ.

‌فَصْلٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ

مِنْ خَمْرٍ وَغَيْرِهِ، وَشُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ. وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90]

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَلَوْ بِزِنًا آخَرَ غَيْرِ مَا سَامَحَهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ بِالْمُسَامَحَةِ صَارَ عِرْضُهُ مَخْدُوشًا بِالنِّسْبَةِ لَهُ حُرِّرَ.

قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ) وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يُبْتَلَى بِقَذْفِ زَوْجَتِهِ وَقَدْ لَا يَجِدُ الْبَيِّنَةَ بِزِنَاهَا فَجَوَّزَ لَهُ الشَّرْعُ اللِّعَانَ.

قَوْلُهُ: (مَا لَوْ وَرِثَ الْقَاذِفُ الْحَدَّ) أَيْ وَرِثَ جَمِيعَهُ بِأَنْ قَذَفَ أَحَدُ أَخَوَيْنِ الْآخَرَ، ثُمَّ مَاتَ الْمَقْذُوفُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الْقَاذِفِ، فَإِنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ أَمَّا لَوْ وَرِثَ بَعْضَهُ فَلِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاءُ الْحَدِّ كُلِّهِ. اهـ، م د أَيْ أُخِذَ مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ.

قَوْلُهُ: (يَرِثُ الْحَدَّ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ) أَيْ غَيْرَ مُوَزَّعٍ وَمُقَسَّمٍ بَلْ يَثْبُتُ كُلُّهُ جُمْلَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ وَلِهَذَا لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ عَنْ حِصَّتِهِ فَلِلْبَاقِينَ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُحَدُّ، لِكُلِّ وَارِثٍ حَدًّا كَامِلًا، لِأَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ مِنْ الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْحَدَّ وَالْإِمَامُ لَا يَفْعَلُ إلَّا حَدًّا وَاحِدًا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى الزَّوْجَيْنِ) أَيْ الْحَيِّ مِنْهُمَا وَالْحَالُ أَنَّ الْمَيِّتَ قُذِفَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِمَا لِلْخِلَافِ فِيهِمَا.

قَوْلُهُ: (هَلْ لِلزَّوْجَيْنِ) أَيْ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ: (يَلْزَمُ الْوَاحِدَ) أَيْ يَلْحَقُ وَكَذَا يُقَالُ: فِيمَا بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (بِأَنَّ لَهُ بَدَلًا) أَيْ وَإِنْ سَقَطَ بِأَنْ عَفَا مَجَّانًا.

قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ كَوْنُ الْحَدِّ يَرِثُهُ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ) أَمَّا إذَا اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ عَلَى سَيِّدِهِ فَاسْتِحْقَاقُهُ لِعَصَبَتِهِ الْأَحْرَارِ أَوْ السُّلْطَانِ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمَقْذُوفُ وَظَاهِرُ الشَّرْحِ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ بِمُجَرَّدِ نُكُولِ الْمَقْذُوفِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَبَعْضُهُمْ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِ الْقَاذِفِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُ أَيْ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا: وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالزِّنَا، وَالتَّحْلِيفُ عَلَى نَفْيِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ مَعَ زِيَادَةٍ.

[فَصْلٌ فِي حَدِّ شَارِبِ الْمُسْكِرِ]

ِ ذَكَرَهُ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَذْفِ، لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ أَيْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَشُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ) أَيْ فِي الْخَمْرِ مُطْلَقًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَفِي النَّبِيذِ فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ أَمَّا الْقَلِيلُ الَّذِي لَا سُكْرَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ، لِأَنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ) أَيْ وَخَبَرُ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَهُوَ الَّذِي قَالَ لِغَيْرِهِ اُعْصُرْهَا

ص: 185

الْآيَةَ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ اسْتِصْحَابًا مِنْهُمْ لِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ بِشَرْعٍ فِي إبَاحَتِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ رَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ الْأَوَّلَ وَالنَّوَوِيُّ الثَّانِيَ. وَكَانَ تَحْرِيمُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ أُحُدٍ. وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ الشُّرْبَ لَا مَا يَنْتَهِي إلَى

ــ

[حاشية البجيرمي]

لِي وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَالْمُبْتَاعَةَ إلَيْهِ وَوَاهِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا» اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (وَالْمَيْسِرُ) هُوَ لَعِبُ الْقِمَارِ وَهُوَ كُلُّ لَعِبٍ تَرَدَّدَ بَيْنَ الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا) أَيْ حَتَّى الْقَدْرِ الَّذِي يُزِيلُ الْعَقْلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ مَا ذَكَرَ وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِهِ، وَعِبَارَةُ م ر وَكَانَ شُرْبُهَا جَائِزًا أَوَّلَ الْإِسْلَامِ بِوَحْيٍ وَلَوْ إلَى حَدٍّ يُزِيلُ الْعَقْلَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسَ لَمْ تُبَحْ فِي مِلَّةٍ مِنْ الْمِلَلِ، لِأَنَّ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْمُوعِ.

قَوْلُهُ: (لِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ) الْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْعَادَةُ، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ:(أَوْ بِشَرْعٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: اسْتِصْحَابًا أَيْ هَلْ كَانَ اسْتِصْحَابًا لِعَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ اسْتِصْحَابًا بَلْ بِوَحْيٍ وَشَرْعٍ بِإِبَاحَتِهَا وَلَيْسَ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَاسْتِصْحَابًا لِشَرْعٍ مَعَ أَنَّهُ لَا شَرْعَ فَيُسْتَصْحَبَ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ تَحْرِيمُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ) صَوَابُهُ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، لِأَنَّ وَاقِعَةَ أُحُدٍ كَانَتْ سَابِعَ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالِ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} [آل عمران: 121] الْآيَةَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِأَنَّ نُزُولَ آيَتِهَا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَتَحْرِيمَهَا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ أَيْ ثُمَّ أُبِيحَتْ ثُمَّ حُرِّمَتْ فَتَكَرَّرَ فِيهَا النَّسْخُ، لِأَنَّهَا أُبِيحَتْ، ثُمَّ حُرِّمَتْ، ثُمَّ أُبِيحَتْ ثُمَّ حُرِّمَتْ إلَى الْأَبَدِ، وَعِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ فِي السِّيرَةِ قِيلَ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي هِيَ سَنَةُ سِتٍّ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَبِهِ جَزَمَ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ.

وَقِيلَ: حُرِّمَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَيَدُلُّ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إرَاقَةِ الْخَمْرِ وَكَسْرِ جِرَارِهَا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقِيلَ: فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ، وَقِيلَ: إنَّمَا حُرِّمَتْ فِي عَامِ الْفَتْحِ قَبْلَ الْفَتْحِ قَالَ بَعْضُهُمْ: حُرِّمَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيْ نَزَلَ تَحْرِيمُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُشْرِبُونَهَا حَلَالًا أَيْ لِغَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا هُوَ فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِعِشْرِينَ سَنَةً فَلَمْ تُبَحْ لَهُ قَطُّ وَقَدْ جَاءَ «أَوَّلُ مَا نَهَانِي عَنْهُ رَبِّي بَعْدَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ أَيْ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ عِبَادَتِهَا شُرْبُ الْخَمْرِ» وَتَقَدَّمَ أَنَّ جَمَاعَةً حَرَّمُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَامْتَنَعُوا مِنْ شُرْبِهَا وَلَا زَالَتْ حَلَالًا لِلنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] فَعِنْدَ ذَلِكَ اجْتَنَبَهَا قَوْمٌ، لِوُجُودِ الْإِثْمِ وَتَعَاطَاهَا آخَرُونَ لِوُجُودِ النَّفْعِ أَيْ وَكَانُوا رُبَّمَا شَرِبُوهَا وَصَلَّوْا فَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى:{لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] امْتَنَعَ مَنْ كَانَ يَشْرَبُهَا حَتَّى فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَرَجَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَنْ شُرْبِهَا حَتَّى فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَقَالُوا: لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ.

وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا وَشَرَابًا مِنْ الْخَمْرِ فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا فَأَخَذَتْ الْخَمْرَةُ مِنَّا أَيْ عُقُولَنَا وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ أَيْ الْجَهْرِيَّةُ وَقَدَّمُونِي فَقَرَأْت " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَنَحْنُ عَابِدُونَ مَا تَعْبُدُونَ إلَى أَنْ قُلْتَ وَلَيْسَ لِي دِينٌ " ثُمَّ نَزَلَتْ الْآيَةُ الْأُخْرَى الدَّالَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهِيَ {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] إلَى قَوْلِهِ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] وَلَعَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْأَخِيرَةَ هِيَ الَّتِي عَنَاهَا أَنَسٌ بِقَوْلِهِ: كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ «كُنْت سَاقِيَ الْخَمْرِ بِمَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ زَوْجُ أُمِّهِ فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَمَرَّ مُنَادٍ يُنَادِي فَقَالَ

ص: 186

السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ. فَإِنَّهُ حَرَامٌ فِي كُلِّ مِلَّةٍ. حَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَالْخَمْرُ الْمُسْكِرُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ؛ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُقُوعِ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ؟ قَالَ الْمُزَنِيّ وَجَمَاعَةٌ: نَعَمْ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ بِالصِّفَةِ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الِاسْمِ. وَهُوَ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَنَسَبَ الرَّافِعِيُّ إلَى الْأَكْثَرِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا مَجَازًا أَمَّا فِي التَّحْرِيمِ وَالْحَدِّ فَكَالْخَمْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ.

(وَمَنْ شَرِبَ) أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ الْمُلْتَزِمُ لِلْأَحْكَامِ مُخْتَارًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ. (خَمْرًا) وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ كَمَا مَرَّ. (أَوْ) شَرِبَ (شَرَابًا مُسْكِرًا) غَيْرَ الْخَمْرِ كَالْأَنْبِذَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ رُطَبٍ، أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ شَعِيرٍ أَوْ ذُرَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (يُحَدُّ) الْحُرُّ (أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً لِمَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَبُو طَلْحَةَ: اُخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ فِي أُحُدٍ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَكَانَ شَرِبَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] » أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا مُطْلَقًا اهـ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ أَيْ الْأَصْنَامِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَبَدَهَا حَاشَاهُ حَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ الْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ فَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ عَلِيٍّ «قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ عَبَدْتَ وَثَنًا قَطُّ؟ قَالَ لَا، قِيلَ: هَلْ شَرِبْتَ خَمْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا وَمَا زِلْتُ أَعْرِفُ أَنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ كُفْرٌ وَمَا أَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ» . اهـ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا أَيْ حَتَّى الْكَثِيرَ الْمُزِيلَ لِلْعَقْلِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

قَوْلُهُ: (فِي وُقُوعِ) أَيْ إطْلَاقِ، وَإِضَافَةُ اسْمٍ لِمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (حَقِيقَةٌ) أَيْ لُغَوِيَّةٌ فَيَكُونَ لَفْظُ الْخَمْرِ مَوْضُوعًا لِعَصِيرِ الْعِنَبِ وَلِلنَّبِيذِ وَبَيَّنَ الشَّارِحُ عِلَّةَ وَضْعِ لَفْظِ الْخَمْرِ لِعَصِيرِ النَّبِيذِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ إلَخْ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الصِّفَةِ) وَهِيَ الْإِسْكَارُ وَقَوْلُهُ: فِي الِاسْمِ وَهُوَ الْخَمْرُ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ اقْتِضَاءُ الِاشْتِرَاكِ فِي الِاسْمِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ) أَيْ وُقُوعُ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ حَقِيقَةً قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ جَائِزٌ أَيْ الْقِيَاسُ فِي اللُّغَةِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وُقُوعُ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ أَيْ إطْلَاقُهُ لَا لِلْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ.

قَوْلُهُ: (أَمَّا فِي التَّحْرِيمِ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وُقُوعُ اسْمُ الْخَمْرِ عَلَى الْأَنْبِذَةِ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ إنَّمَا ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّفْظِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُكْمِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ الْقِيَاسُ وَعَدَمُهُ.

فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ اسْمٌ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ حَقِيقَةً اُحْتِيجَ إلَى قِيَاسِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَقِيقَةٌ لَمْ يُحْتَجْ لِلْقِيَاسِ بَلْ يَكُونُ الْجَمِيعُ ثَابِتًا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» . إلَخْ قَالَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ: كَيْفَ الْقِيَاسُ مَعَ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» هَذَا لَا يَرِدُ إلَّا لَوْ قَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ خَمْرٌ.

قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى " مِنْ ". وَقَوْلُهُ: الْمُلْتَزِمُ بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَنْ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطٌ لِلْحَدِّ وَالْحُرْمَةِ فَإِذَا انْتَفَى وَاحِدٌ مِنْهَا فَتَارَةً يَنْتَفِي الْحَدُّ وَالْحُرْمَةُ وَتَارَةً يَنْتَفِي الْحَدُّ مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ دُونَ الْعَكْسِ فَلَا تَنَافِيَ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ.

قَوْلُهُ: (عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ) أَيْ وَبِكَوْنِهِ مُسْكِرًا.

قَوْلُهُ: (أَوْ شَرَابًا) إنَّمَا أَتَى بِذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي عَصِيرِ الْعِنَبِ دُونَ غَيْرِهِ أَمَّا عَلَى عُمُومِهِ لِكُلِّ مُسْكِرٍ فَلَا حَاجَةَ لِلْعَطْفِ. وَقَوْلُهُ: " مُسْكِرًا " لَيْسَ قَيْدًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الشَّأْنُ.

قَوْلُهُ: (الْحُرُّ) بَدَلٌ مِنْ نَائِبِ فَاعِلِ " يُحَدُّ " بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي يُحَدُّ رَاجِعٌ لِمَنْ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْحُرِّ وَالرَّقِيقِ وَالرَّابِطُ مُقَدَّرٌ أَيْ الْحُرُّ فَرْدٌ مِنْهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَائِبَ فَاعِلِ يُحَدُّ، لِأَنَّهُ لَا يُحْذَفُ وَلَا تَفْسِيرًا لِلضَّمِيرِ لِعَدَمِ أَدَاةِ التَّفْسِيرِ وَلِأَنَّ التَّفْسِيرَ أَخَصُّ مِنْ الْمُفَسَّرِ وَالْمُرَادُ الْحُرُّ الْكَامِلُ الْحُرِّيَّةِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (أَرْبَعِينَ جَلْدَةً)

ص: 187

عَنْهُ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ، وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ وَلَوْ مُبَعَّضًا عِشْرِينَ» لِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ فَتَنَصَّفَ عَلَى الرَّقِيقِ كَحَدِّ الزِّنَا.

تَنْبِيهٌ: لَوْ تَعَدَّدَ الشُّرْبُ كَفَى مَا ذُكِرَ. وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ مَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ.

تَنْبِيهٌ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حُرِّمَ هُوَ وَقَلِيلُهُ. وَحُدَّ شَارِبُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ» ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْقَلِيلُ وَحُدَّ شَارِبُهُ إنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ. كَمَا حُرِّمَ تَقْبِيلُ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْخَلْوَةُ بِهَا لِإِفْضَائِهِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ. وَلِحَدِيثٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ:«مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» وَقِيسَ بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ وَخَرَجَ بِالشُّرْبِ الْحُقْنَةُ بِهِ بِأَنْ أَدْخَلَهُ دُبُرَهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَى أَنَّهَا ثَمَانُونَ وَلَا يَجُوزُ لِلضَّارِبِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ أَيْ الضَّارِبِ مَثَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيلَامِ وَيُحَدُّ الذَّكَرُ قَائِمًا وَالْأُنْثَى جَالِسَةً وَلَا يَنْزَعُ ثِيَابَهَا إلَّا نَحْوَ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ» إلَخْ أَيْ يَأْمُرُ بِالضَّرْبِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا قُلْنَا بِالرَّاجِحِ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ عَدَالَةِ جَمِيعِهِمْ، أَشْكَلَ شُرْبُهُمْ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْفِسْقَ. قُلْت: يُمْكِنُ أَنَّ مَنْ شَرِبَ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ تَصَوَّرَهَا فِي نَفْسِهِ تَقْتَضِي جَوَازَهُ فَشَرِبَ تَعْوِيلًا عَلَيْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ رُفِعَ لَهُ، فَحَدُّهُ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ، وَذَاكَ شَرِبَ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِقَادِهِ وَالْعِبْرَةُ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاحْفَظْهُ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (أَرْبَعِينَ) أَيْ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ جَلَدَ ثَمَانِينَ كَمَا فِي جَامِعِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (لَوْ تَعَدَّدَ الشُّرْبُ) أَيْ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ كَفَى حَدٌّ وَاحِدٌ كَغَيْرِهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالسَّرِقَةِ وَالرِّدَّةِ وَسَيَقُولُ الشَّارِحُ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ كَمَا لَوْ زَنَى، أَوْ شَرِبَ مِرَارًا يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ.

قَوْلُهُ: (كَفَى مَا ذُكِرَ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً.

قَوْلُهُ: (مَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ) كَمَا نُسِخَ قَتْلُ السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ. وَعِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْخَصَائِصِ وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الشَّارِبِ فِي الرَّابِعَةِ مَنْسُوخٌ إمَّا بِحَدِيثِ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى أُمُورٍ ثَلَاثٍ» وَإِمَّا بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى نَسْخِهِ قَالَ الْحَافِظُ قُلْت: بَلْ دَلِيلُ النَّسْخِ مَنْصُوصٌ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالشَّافِعِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ إلَى أَنْ قَالَ: فَإِذَا شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ قَالَ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ فَرَفَعَ الْقَتْلَ عَنْ النَّاسِ فَكَانَتْ رُخْصَةٌ» قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنْ لَا قَتْلَ فِيهِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ «فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْحَدَّ قَدْ وَقَعَ وَأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ رُفِعَ» قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ: أَحَادِيثُ الْقَتْلِ مَنْسُوخَةٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: إنَّمَا كَانَ هَذَا يَعْنِي الْقَتْلَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ الْعَمَلُ فِيمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَنْ يُغَرَّبَ وَيُنَكَّلَ بِهِ، ثُمَّ نُسِخَ بِجَلْدِهِ فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ أَرْبَعًا قُتِلَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ وَبِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَنْ شَذَّ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ خِلَافُهُ خِلَافًا وَأَشَارَ بِهِ إلَى بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ ابْنُ حَزْمٍ اهـ.

قَوْلُهُ: (كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ فَدَخَلَ الْقَلِيلُ، وَفِيهِ أَنَّ نَحْوَ النُّقْطَةِ لَيْسَ شَأْنُهَا ذَلِكَ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ شَأْنُهُ ذَلِكَ وَلَوْ بِضَمِّهِ لِغَيْرِهِ، أَوْ يُقَالُ: عِلَّةُ تَحْرِيمِ الْقَلِيلِ حَسْمُ الْمَادَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ تَأَمَّلْ ع ش.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنُصَّ الْمَتْنُ عَلَى حُرْمَتِهِ، بَيَّنَ الشَّارِحُ الْحُرْمَةَ وَهَذِهِ دَعْوَى، وَقَوْلُهُ: وَحُدَّ إلَخْ ثَانِيَةٌ ثُمَّ أَقَامَ عَلَى الْأُولَى حَدِيثَيْنِ وَقَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِلثَّانِيَةِ قَوْلُهُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» هَذَا مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَالنَّبِيذُ يُقَالُ لَهُ خَمْرٌ لُغَةً بِأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ فِي التَّسْمِيَةِ فَيُقَالَ: الْمُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ عَلَى الْمُتَّخَذِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ فِي التَّسْمِيَةِ بِالْخَمْرِ فَيَكُونَ دَلِيلًا صَرِيحًا فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ، فَكَيْفَ صَحَّ أَنْ يَقِيسَ الشَّارِحُ شُرْبَ النَّبِيذِ، عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا حَدَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْخَمْرُ الْحَقِيقِيُّ وَكَذَا مَا أَمَرَ بِالْجَلْدِ عَلَى شُرْبِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ عِنْدَهُمْ فَصَحَّ حِينَئِذٍ الْقِيَاسُ.

قَوْلُهُ: (حَسْمًا) أَيْ سَدًّا. قَوْلُهُ: (وَالْخَلْوَةُ بِهَا) وَلَا نَظَرَ

ص: 188

وَالسَّعُوطُ بِأَنْ أَدْخَلَهُ أَنْفَهُ. فَلَا حَدَّ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ هُنَا وَبِالشَّرَابِ الْمَفْهُومُ مِنْ شُرْبِ النَّبَاتِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: كَالْحَشِيشَةِ الَّتِي يَأْكُلُهَا الْحَرَافِيشُ.

وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ وَلَا حَدَّ فِيهَا، وَبِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَبِالْمُلْتَزِمِ الْحَرْبِيُّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ، وَالذِّمِّيُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَبِالْمُخْتَارِ الْمَصْبُوبُ فِي حَلْقِهِ قَهْرًا وَالْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِهِ لِحَدِيثِ:«رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَبِغَيْرِ ضَرُورَةٍ مَا لَوْ غَصَّ أَيْ شَرِقَ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْخَمْرِ فَأَسَاغَهَا بِهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ شُرْبِهَا إنْقَاذًا لِلنَّفْسِ مِنْ الْهَلَاكِ، وَالسَّلَامَةُ بِذَلِكَ قَطْعِيَّةُ الدَّوَاءِ وَهَذِهِ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ. فَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهَا وَلَوْ بَوْلًا حُرِّمَ إسَاغَتُهَا بِالْخَمْرِ، وَوَجَبَ حَدُّهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إلَى كِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ هَرَمٍ أَوْ صَلَاحٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(وَالسَّعُوطُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا كَذَا قَالَهُ الْمَدَابِغِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالضَّمِّ الْفِعْلُ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْحُقْنَةِ، لِأَنَّهَا الْفِعْلُ. قَوْلُهُ:(فَلَا حَدَّ بِذَلِكَ) أَيْ وَيُحَرَّمُ، لِأَنَّهُ تَلَطَّخَ بِنَجَاسَةٍ وَأَدْخَلَهَا جَوْفَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ:(وَبِالشَّرَابِ) لَا يَخْفَى أَنَّ غَيْرَ الشَّرَابِ كَالْخَمْرَةِ الْمُنْعَقِدَةِ مِثْلُهُ وَالْمَأْكُولُ كَالْمَشْرُوبِ فَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ ق ل. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُنْعَقِدَةَ يُقَالُ لَهَا شَرَابٌ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِهَا. قَوْلُهُ: (الْمَفْهُومِ) فِيهِ أَنَّهُ مَنْطُوقٌ بِهِ فِي قَوْلِهِ، أَوْ شَرِبَ شَرَابًا مُسْكِرًا فَلَا حَاجَةَ لِكَوْنِهِ مَفْهُومًا مِنْ شَرِبَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ بَعِيدٌ أَوْ أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ شَرِبَ لِيَكُونَ عَامًّا فِي الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ شَرَابِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ فَإِنَّهُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ الْخَمْرِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَائِعٍ، وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ.

قَوْلُهُ: (الْحَرَافِيشُ) فِي الْقَامُوسِ الْحَرَافِيشُ جَمْعُ حَرَنْفَشٍ كَغَضَنْفَرٍ وَهُوَ الْجَافِي الْغَلِيظُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ مُرَادٍ بَلْ الْمُرَادُ بِهِمْ أَرَاذِلُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، وَأَنْشَدَ الْأُسْتَاذُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْعُهُودِ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ

نَحْنُ الْحَرَافِيشُ لَا نَسْكُنُ عِلَالِي الدُّورِ

وَلَا نُرَائِي وَلَا نَشْهَدُ شَهَادَةَ زُورِ

نَقْنَعُ بِخِرْقَةٍ وَلُقْمَةٍ فِي مَسْجِدٍ مَهْجُورٍ

مَنْ كَانَ ذَا الْحَالُ فَذَنْبُهُ مَغْفُورُ

قَوْلُهُ: (وَبِالْمُكَلَّفِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ) : أَيْ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ لَكِنْ يُعَزَّرَانِ إذَا كَانَ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ.

قَوْلُهُ: (وَبِالْمُلْتَزِمِ الْحَرْبِيُّ) : فَلَا حَدَّ وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الذِّمِّيِّ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ مَا لَا يَعْتَقِدُهُ) فِيهِ أَنَّ الْخَمْرَ حَرَامٌ عِنْدَ الْكِتَابِيِّ فَالْأَوْلَى التَّعْلِيلُ بِغَيْرِ هَذَا وَلِهَذَا عَلَّلَ م ر بِتَعْلِيلٍ آخَرَ وَعِبَارَتُهُ، لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ بِالذِّمَّةِ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمِّيِّينَ. اهـ عَلَى أَنَّ مَنْطُوقَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ شَيْئًا مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ مَعَ أَنَّ هُنَاكَ أُمُورًا لَا يَعْتَقِدُهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَلْتَزِمُهَا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ خَارِجٌ بِمُلْتَزِمِ الْأَحْكَامِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُهَا وَهُوَ لَا يَلْتَزِمُ جَمِيعَهَا.

وَيُجَابُ بِمَا ذُكِرَ عَنْ تَنْظِيرِ ق ل. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ فِيهِ نَظَرٌ. اهـ ق ل أَيْ فِي خُرُوجِهِ بِالْمُلْتَزِمِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُلْتَزِمَ لِلْأَحْكَامِ يَشْمَلُ الذِّمِّيَّ فَكَيْفَ يَخْرُجُ بِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي مِنْهَا تَرْكُ الْمُسْكِرِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ الْجَمِيعَ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَالْمُكْرَهُ) أَيْ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ. قَوْلُهُ: غَصَّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ بِمَعْنَى شَرِقَ أَيْ وَخَشِيَ هَلَاكَهُ مِنْهَا إنْ لَمْ تَنْزِلْ جَوْفَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهَا وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ وَاجِبَةٌ قَالَ م ر: وَظَاهِرٌ أَنَّ خُصُوصَ الْهَلَاكِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ لَا لِمُجَرَّدِ الْإِبَاحَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَاتَ شَهِيدًا لِجَوَازِ تَنَاوُلِهِ بَلْ وُجُوبِهِ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَالسَّلَامَةُ) مُبْتَدَأٌ، " قَطْعِيَّةُ " خَبَرٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ لَا مَحَلَّ لَهَا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ الدَّوَاءِ) فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهَا صِرْفَةً لِلتَّدَاوِي لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِنَفْعِهَا فِيهِ بَلْ نَفْعُ الدَّوَاءِ مَوْهُومٌ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ بِهَا الشِّفَاءُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ نَفْعِهَا. قَوْلُهُ: (وَهَذِهِ) أَيْ الْإِسَاغَةُ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ قَالَ الشَّيْخُ م ر: وَظَاهِرٌ أَنَّ خُصُوصَ الْهَلَاكِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ لَا لِمُجَرَّدِ الْإِبَاحَةِ أَخْذًا مِنْ حُصُولِ الْإِكْرَاهِ الْمُبِيحِ لَهَا، بِنَحْوِ ضَرْبٍ شَدِيدٍ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَوْلًا) وَإِنْ كَانَ مِنْ مُغَلَّظٍ ق ل قَوْلُهُ: (وَوَجَبَ حَدُّهُ) مَرْجُوحٌ وَالْمُعْتَمَدُ لَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَكَذَا

ص: 189

وَبِعَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ مَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا فَشَرِبَهَا ظَانًّا كَوْنَهَا شَرَابًا لَا يُسْكِرُ لَمْ يُحَدَّ لِلْعُذْرِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ مُدَّةَ السُّكْرِ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.

، وَلَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْدَ الْإِصْحَاءِ: كُنْتُ مُكْرَهًا، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الَّذِي شَرِبْتُهُ مُسْكِرًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ: جَهِلْتُ تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ نَشَأَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا وَلَوْ قَالَ: عَلِمْتُ تَحْرِيمَهَا وَلَكِنْ جَهِلْتُ الْحَدَّ بِشُرْبِهَا حُدَّ، لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَيُحَدُّ بِدُرْدِيٍّ مُسْكِرٍ وَلَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ فِيمَا اسْتَهْلَكَ فِيهِ، وَلَا بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ عَيْنَ الْمُسْكِرِ أَكَلَتْهُ النَّارُ وَبَقِيَ الْخُبْزُ مُتَنَجِّسًا، وَلَا مَعْجُونٍ هُوَ فِيهِ لِاسْتِهْلَاكِهِ، وَلَا بِأَكْلِ لَحْمٍ طُبِخَ بِهِ بِخِلَافِ مَرَقِهِ إذَا شَرِبَهُ أَوْ غَمَّسَ فِيهِ، أَوْ ثَرَدَ بِهِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ.

وَيُحَرَّمُ تَنَاوُلُ الْخَمْرِ، لِدَوَاءٍ وَعَطَشٍ أَمَّا تَحْرِيمُ الدَّوَاءِ بِهَا:«فَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سُئِلَ عَنْ التَّدَاوِي بِهَا قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى سَلَبَ الْخَمْرَ مَنَافِعَهَا حِينَ حَرَّمَهَا. وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ فِيهَا مَنَافِعَ لِلنَّاسِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا، وَإِنْ سُلِّمَ بَقَاءُ الْمَنْفَعَةِ، فَتَحْرِيمُهَا مَقْطُوعٌ بِهِ، وَحُصُولُ الشِّفَاءِ بِهَا مَظْنُونٌ فَلَا يَقْوَى عَلَى إزَالَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُهَا لِلْعَطَشِ فَلِأَنَّهُ لَا يُزِيلُهُ بَلْ يَزِيدُهُ، لِأَنَّ طَبْعَهَا حَارٌّ يَابِسٌ. كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الطِّبِّ، وَشُرْبُهَا لِدَفْعِ الْجُوعِ كَشُرْبِهَا لِدَفْعِ الْعَطَشِ هَذَا إذَا تَدَاوَى بِصِرْفِهَا. أَمَّا

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُقَالُ فِي الدَّوَاءِ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا لَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا حُرِّمَتْ وَلَا حَدَّ، وَالْكَلَامُ فِي شُرْبِهَا صِرْفَةً، وَإِلَّا فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِمَا هِيَ فِيهِ كَصَرْفِ غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ ق ل. وَانْظُرْ هَلْ قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا لَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ مُنَافٍ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ إطْلَاقِ حُرْمَةِ تَنَاوُلِهَا لِلتَّدَاوِي اهـ م د.

قَوْلُهُ: (مَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَنْ جَهِلَ الْحُرْمَةَ وَكَانَ مَعْذُورًا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ لَا يُنَاسِبُ إلَّا لَوْ قَالَ: عَالِمًا بِهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ، وَإِذَا سَكِرَ بِمَا شَرِبَهُ لِتَدَاوٍ، أَوْ عَطَشٍ، أَوْ إسَاغَةِ لُقْمَةٍ قَضَى مَا فَاتَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، لِأَنَّهُ تَعَمَّدَ الشُّرْبَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضِ اهـ.

قَوْلُهُ: (مُسْكِرًا) الْأَوْلَى مُسْكِرٌ، لِأَنَّهُ خَبَرُ أَنَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ هُوَ الْخَبَرُ تَقْدِيرُهُ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الَّذِي شَرِبْتُهُ يَكُونُ مُسْكِرًا اهـ أج وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّكَلُّفِ، لِأَنَّهُ لُغَةٌ كَمَا فِي:

إنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدًا

وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ أَعْلَمْ كَوْنَ إلَخْ لَكِنَّهَا مَصْلَحَةٌ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يُحَدَّ) قَالَ ق ل: وَلَمْ يُحَرَّمْ اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ، لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْجَهْلِ وَلَوْ كَاذِبًا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي دَعْوَى الْحَدِّ، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ وَعَدَمُهَا فَتُبْنَى عَلَى صِدْقِهِ وَعَدَمِ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. اهـ. م د. قَوْلُهُ:(بِدُرْدِيٍّ) وَهُوَ مَا يَبْقَى أَسْفَلَ إنَاءِ مَا يُسْكِرُ ثَخِينًا.

قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ) أَيْ الْمُسْكِرِ فِيمَا بِالْقَصْرِ لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْمَاءِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ عَطْفُ قَوْلِهِ: وَلَا بِخُبْزٍ إلَخْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَائِعَاتِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِخُبْزٍ) أَيْ وَلَا بِأَكْلِ خُبْزٍ إلَخْ قَوْلُهُ: (أَكَلَتْهُ النَّارُ) نَظَرَ فِيهِ ق ل بَلْ قَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ اللُّبَابَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَيْنِ الْمُسْكِرِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا مَعْجُونٍ هُوَ) أَيْ الْمُسْكِرُ فِيهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَرَقِهِ) أَيْ مَرَقِ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِالْخَمْرِ فَمَرَقُهُ هُوَ الْخَمْرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ عَيْنِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غَمَّسَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَفِي الْمِصْبَاحِ غَمَسَهُ فِي الْمَاءِ غَمْسًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ فَانْغَمَسَ هُوَ اهـ فَالْمِيمُ مُخَفَّفَةٌ.

قَوْلُهُ: (أَوْ ثَرَدَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ يُقَالُ ثَرَدْتُ الْخُبْزَ ثَرْدًا مِنْ بَابِ قَتَلَ أَيْ فَتَّ مِصْبَاحٌ وَقَوْلُهُ: بِهِ أَيْ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَيُحَرَّمُ تَنَاوُلُ الْخَمْرِ) أَيْ الصِّرْفَةِ لِدَوَاءٍ أَوْ عَطَشٍ أَيْ وَلَا يُحَدُّ لِذَلِكَ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ لِشُبْهَةِ قَصْدِ التَّدَاوِي شَرْحَ الْمَنْهَجِ قَالَ سم: وَمَحَلُّ حُرْمَةِ شُرْبِهِ لِلْعَطَشِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ. وَإِلَّا جَازَ بَلْ وَجَبَ كَمَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْحَقَ بِالْهَلَاكِ نَحْوُ تَلَفِ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ. اهـ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَمَّ الصَّغِيرُ رَائِحَةَ الْمُسْكِرِ، وَخِيفَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُسْقَ مِنْهُ جَوَازُ سَقْيِهِ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ عَنْهُ الضَّرَرَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ: وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: فَرْعٌ شَمَّ صَغِيرٌ رَائِحَةً، وَخِيفَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُسْقَ مِنْهَا هَلْ يَجُوزُ سَقْيُهُ مِنْهَا مَا يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا قَالَ م ر: إنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، أَوْ مَرَضٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ جَازَ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ، سم الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَجَبَ. أَقُولُ: لَوْ قِيلَ يَكْفِي مُجَرَّدُ ضَرَرٍ تَحْصُلُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ وَلَا سِيَّمَا إنْ غَلَبَ امْتِدَادُهُ بِالطِّفْلِ، لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا اهـ.

قَوْلُهُ: (مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) أَيْ مِنْ

ص: 190

التِّرْيَاقُ الْمَعْجُونُ بِهَا وَنَحْوُهُ مِمَّا تُسْتَهْلَكُ فِيهِ فَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِهِ عِنْدَ فَقْدِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي مِنْ الطَّاهِرَاتِ كَالتَّدَاوِي بِنَجِسٍ كَلَحْمِ حَيَّةٍ وَبَوْلٍ. وَلَوْ كَانَ التَّدَاوِي بِذَلِكَ لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ عَدْلٍ بِذَلِكَ أَوْ مَعْرِفَتِهِ لِلتَّدَاوِي بِهِ، وَالنَّدُّ بِالْفَتْحِ الْمَعْجُونُ بِخَمْرٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِنَجَاسَتِهِ.

وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ لِقَطْعِ عُضْوٍ مُتَآكِلٍ، أَمَّا الْأَشْرِبَةُ فَلَا يَجُوزُ تَعَاطِيهَا لِذَلِكَ.

وَأَصْلُ الْجَلْدِ أَنْ يَكُونَ بِسَوْطٍ، أَوْ يَدٍ، أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم: كَانَ يَضْرِبُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ» (وَيَجُوزُ) لِلْإِمَامِ (أَنْ يَبْلُغَ بِهِ) أَيْ الشَّارِبِ الْحُرِّ (ثَمَانِينَ) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: «جَلَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ} [البقرة: 219] إلَخْ. قَوْلُهُ: (هَذَا إذَا تَدَاوَى بِصِرْفِهَا) لَمْ تَظْهَرْ هَذِهِ الْمُقَابَلَةُ، لِأَنَّ حُكْمَ التَّدَاوِي بِهَا صِرْفَةً كَحُكْمِهِ مَخْلُوطَةً وَهُوَ إنْ وَجَدَ غَيْرَهُ حُرِّمَ وَلَا حَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَا حُرْمَةَ وَلَا حَدَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. وَظَاهِرُ الشَّارِحِ أَنَّ التَّدَاوِيَ بِهَا صِرْفَةً حَرَامٌ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهَا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا حُكْمُ الْعَطَشِ فَيُحَرَّمُ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهَا، إلَّا إنْ أَدَّى عَدَمُ الشُّرْبِ إلَى تَلَفِ نَفْسٍ، أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ فَيَجِبُ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْ الشَّارِحِ بِأَنَّ بَيْنَ الصِّرْفِ وَالْمَخْلُوطِ فَرْقًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ صِرْفَةً وَوَجَدَ غَيْرَهَا يُحَرَّمُ وَلَا حَدَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: يُحَدُّ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَخْلُوطَةً وَوَجَدَ غَيْرَهَا وَتَدَاوَى بِالْمَخْلُوطِ فَلَا حَدَّ اتِّفَاقًا، وَأَيْضًا إذَا وَجَدَ غَيْرَهَا وَهِيَ صِرْفَةٌ تَكُونُ الْحُرْمَةُ حُرْمَةَ الْخَمْرِ، وَإِذَا كَانَتْ مَخْلُوطَةً وَوَجَدَ غَيْرَهَا تَكُونُ الْحُرْمَةُ حُرْمَةَ الْمُتَنَجِّسِ وَهِيَ أَقَلُّ مِنْ حُرْمَةِ الْخَمْرِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ: بَعْدَ مَسْأَلَةِ إسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ بِهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا أَيْ وَجَدَ غَيْرَهَا أَوْ لَا. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: وَالسَّلَامَةُ بِذَلِكَ قَطْعِيَّةٌ أَيْ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ فَإِنَّهُ مَظْنُونٌ. قَوْلُهُ: (أَمَّا التِّرْيَاقُ إلَخْ) لَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ سَابِقًا وَلَا مَعْجُونٍ هُوَ فِيهِ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا فِي مَقَامِ جَوَازِ التَّدَاوِي بِهِ وَمَا مَرَّ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ بِهِ فَانْدَفَعَ مَا فِي الْحَاشِيَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَيُقَالُ: فِيهِ دَرَّاقٌ وَطَرَّاقٌ فَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ وَأَوَّلُهَا مَكْسُورٌ أَوْ مَضْمُومٌ فَالْمَجْمُوعُ سِتَّةٌ قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ التَّدَاوِي إلَخْ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَمْنَعُ التَّدَاوِيَ لِلتَّعْجِيلِ وَهِيَ غَايَةٌ فِي قَوْلِهِ: يَجُوزُ وَعِبَارَةُ زي: وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِصِرْفِ النَّجِسِ إلَّا الْمُسْكِرَ وَلَوْ بِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ بِشَرْطِ إخْبَارِ عَدْلٍ عَارِفٍ، أَوْ مَعْرِفَةِ نَفْسِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (بِذَلِكَ) أَيْ بِالتِّرْيَاقِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَعْجُونٍ بِالْخَمْرِ قَوْلُهُ: (وَالنَّدُّ) نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) كَذَا فِي الرَّوْضِ قَالَ شَارِحُهُ: قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ) : بِنَحْوِ بَنْجٍ لِقَطْعِ عُضْوٍ اهـ قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ لِمَنْ أَخَذَ بِكْرًا وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ افْتِضَاضُهَا إلَّا بِإِطْعَامِهَا مَا يُغَيِّبُ عَقْلَهَا مِنْ نَحْوِ بَنْجٍ، أَوْ حَشِيشٍ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مِثْلُهُ، لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى تَمْكِينِ الزَّوْجِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ وَطْئِهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ لَهَا أَذًى لَا يَحْتَمِلُ مِثْلَهُ فِي إزَالَةِ الْبَكَارَةِ. اهـ.

قَوْلُهُ: (وَأَصْلُ الْجَلْدِ) أَيْ الْغَالِبُ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ الْمَرِيضُ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ بِكَنِعَالٍ. اهـ. شَيْخُنَا. وَكَتَبَ أج عَلَى قَوْلِهِ: وَأَصْلُ الْجَلْدِ إلَخْ شَامِلٌ لِحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالسَّوْطُ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْمُتَّخَذُ مِنْ سُيُورٍ تُلْوَى وَتُلَفُّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَوِّطُ اللَّحْمَ بِالدَّمِ أَيْ يَخْلِطُهُ بِهِ سم زي.

قَوْلُهُ: (أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ) أَيْ وَلَا بُدَّ مِنْ شَدِّ طَرَفِ الثَّوْبِ وَفَتْلِهِ حَتَّى يُؤْلِمَ. اهـ. م ر هـ م د. قَوْلُهُ: (أَيْ الشَّارِبِ) لَمْ يَقُلْ أَيْ بِحَدِّ الشَّارِبِ لِلْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الثَّمَانِينَ كُلَّهَا حَدٌّ أَوْ الزَّائِدَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ تَعْزِيرٌ اهـ. ق ل بِإِيضَاحٍ.

قَوْلُهُ: (وَكُلٌّ سُنَّةٌ) أَيْ طَرِيقَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ)

ص: 191

إلَيَّ، لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ» وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ فِي الْحُرِّ وَعَلَى الْعِشْرِينَ فِي غَيْرِهِ. (عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ)، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَدًّا لَمَا جَازَ تَرْكُهَا. وَقِيلَ: حَدٌّ، لِأَنَّ التَّعْزِيرَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جِنَايَةٍ مُحَقَّقَةٍ، وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَاتٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ وَلِهَذَا اُسْتُحْسِنَ تَعْبِيرُ الْمِنْهَاجِ بِتَعْزِيرَاتٍ عَلَى تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِتَعْزِيرٍ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ شَافِيًا فَإِنَّ الْجِنَايَاتِ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَتَّى يُعَزَّرَ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلْتَجْزِ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَقَدْ مَنَعُوهَا قَالَ: وَفِي قِصَّةِ تَبْلِيغِ الصَّحَابَةِ الضَّرْبَ ثَمَانِينَ أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْكُلَّ حَدٌّ، وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشَّارِبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ يَتَحَتَّمَ بَعْضُهُ وَيَتَعَلَّقَ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَعْزِيرَاتٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تُجْزِئْ الزِّيَادَةُ اقْتِصَارًا عَلَى مَا وَرَدَ.

(وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ الشَّارِبِ الْمُقَيَّدِ بِمَا تَقَدَّمَ (الْحَدُّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ) إمَّا (بِالْبَيِّنَةِ) وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا، أَوْ شَرِبَ مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ غَيْرُهُ فَسَكِرَ مِنْهُ. (أَوْ الْإِقْرَارِ) بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَا يُحَدُّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ نَاقِصَةٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ وَلَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ شَرِبَ غَالِطًا، أَوْ مُكْرَهًا. وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَسْتَوْفِيهِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. نَعَمْ سَيِّدُ الْعَبْدِ يَسْتَوْفِيهِ بِعِلْمِهِ لِإِصْلَاحِ مِلْكِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ تَفْصِيلٌ بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِي إقْرَارٍ مِنْ شَخْصٍ بِأَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا وَفِي شَهَادَةٍ بِشُرْبِ مُسْكِرٍ: شَرِبَ فُلَانٌ خَمْرًا، وَلَا يُحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: وَهُوَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ. وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الشَّارِبِ عِلْمُهُ بِمَا يَشْرَبُهُ فَنَزَلَ الْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ مِنْ حَقِّ آدَمِيٍّ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ.

تَتِمَّةٌ: لَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ. لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ وَالتَّنْكِيلُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ مَعَ السُّكْرِ بَلْ يُؤَخَّرُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهِ أَرْبَعِينَ، لِأَنَّهُ هُوَ الصَّادِرُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ وَفِيهِ أَنَّ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا فَمَا وَجْهُ الْمُخَالَفَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ لَا عَلَى نَفْسِهَا ح ل فَالظَّاهِرُ رُجُوعُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِلثَّمَانِينَ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ الرَّاوِي وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ وَهَذَا أَيْ الثَّمَانُونَ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ: وَرَآهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَرَآهُ عَلِيٌّ لَكِنْ رَجَعَ عَنْهُ فَكَانَ يَجْلِدُ فِي خِلَافَتِهِ أَرْبَعِينَ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلشَّخْصِ. اهـ. زي لَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِمَا بَعْدَهُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ: وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَيَكُونَ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعًا لِلثَّمَانِينَ.

قَوْلُهُ: (هَذَى) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ خَلَطَ وَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ هَذَى يَهْذِي هَذْيًا وَهَذَيَانًا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَعْقُولٍ لِمَرَضٍ، أَوْ غَيْرِهِ. اهـ وَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الْقَامُوسِ.

قَوْلُهُ: (افْتَرَى) أَيْ كَذَبَ وَقَذَفَ.

قَوْلُهُ: (وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ) أَيْ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَرْكُ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّمَانِينَ حَدَّ الْقَذْفِ فَلَا يَنْتِجُ الدَّلِيلُ الْمُدَّعَى كَذَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا اهـ.

قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ) الْأَوْلَى عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرَاتِ قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: حَدٌّ) وَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَنَّهَا تَعْزِيرٌ الضَّمَانُ بِالتَّلَفِ وَعَلَى أَنَّهَا حَدٌّ عَدَمُ الضَّمَانِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَاعْتُرِضَ الْأَوَّلُ) هُوَ كَوْنُهَا تَعْزِيرًا.

قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشَّارِبِ) هَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ) لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ، وَإِنْ كَانَتْ كَالْإِقْرَارِ إلَّا أَنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِمَنْزِلَةِ رُجُوعِهِ، وَرُجُوعَهُ مَقْبُولٌ وَهُوَ حَسَنٌ. اهـ. طَبَلَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: وَحَدٌّ بِإِقْرَارِهِ أَيْ الْحَقِيقِيِّ زي وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَلَعَلَّ صُورَتَهَا أَنْ يَرْمِيَ غَيْرَهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَمَاهُ بِذَلِكَ وَيُرِيدَ تَعْزِيرَهُ فَيَطْلُبَ السَّابُّ الْيَمِينَ مِمَّنْ نَسَبَ إلَيْهِ شُرْبَهَا فَيَمْتَنِعَ وَيَرُدَّهَا عَلَيْهِ فَيَسْقُطَ عَنْهُ التَّعْزِيرُ وَلَا يَجِبَ الْحَدُّ عَلَى الرَّادِّ لِلْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ قَوْلُهُ:(لِمَا مَرَّ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ لَكِنَّ الْأَوْلَى لِمَا يَأْتِي فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ، وَعُذْرُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ نَقَلَ عِبَارَةَ غَيْرِهِ. وَاتُّفِقَ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ قَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّرِقَةِ عَلَى الشُّرْبِ اهـ أج

قَوْلُهُ: (بَلْ يُؤَخَّرُ

ص: 192

وُجُوبًا إلَى إفَاقَتِهِ لِيَرْتَدِعَ فَإِنْ حُدَّ قَبْلَهَا فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَسَوْطُ الْحُدُودِ، أَوْ التَّعَازِيرِ بَيْنَ قَضِيبٍ وَهُوَ الْغُصْنُ وَعَصًا غَيْرِ مُعْتَدِلَةٍ وَبَيْنَ رَطْبٍ وَيَابِسٍ بِأَنْ يَكُونَ مُعْتَدِلَ الْجِرْمِ وَالرُّطُوبَةِ لِلْإِتْبَاعِ، وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِوُجُوبِ هَذَا وَلَا بِنَدْبِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ: الْوُجُوبُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ عَلَى الْأَعْضَاءِ فَلَا يَجْمَعُهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَيَجْتَنِبُ الْمَقَاتِلَ وَهِيَ مَوَاضِعُ يُسْرِعُ الْقَتْلُ إلَيْهَا بِالضَّرْبِ كَقَلْبٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَفَرْجٍ وَيَجْتَنِبُ الْوَجْهَ أَيْضًا فَلَا يَضْرِبُهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ:«إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» . وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ، بِخِلَافِ الرَّأْسِ فَإِنَّهَا مُغَطَّاةٌ غَالِبًا فَلَا يُخَافُ تَشْوِيهُهُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ الْوَجْهِ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ اضْرِبْ الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ. وَلَا تُشَدَّ يَدُ الْمَجْلُودِ وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ الْخَفِيفَةُ. أَمَّا مَا يَمْنَعُ كَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ فَتُنْزَعُ عَنْهُ مُرَاعَاةً لِمَقْصُودِ الْحَدِّ وَيُوَالَى الضَّرْبُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ عَلَى الْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ الْمَقْصُودِ فِي الْحُدُودِ، وَبِمَ يُضْبَطُ التَّفْرِيقُ الْجَائِزُ وَغَيْرُهُ؟ قَالَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وُجُوبًا) فِيهِ أَنَّهُ يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ السَّكْرَانِ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ بِضَرْبِهِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ نَوْعُ إحْسَاسٍ وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ ضُرِبَ بَعْدَ إفَاقَتِهِ. قَوْلُهُ:(الِاعْتِدَادِ بِهِ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ نَوْعُ إحْسَاسٍ وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَسَوْطُ الْحُدُودِ) هَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ وَيُحَدُّ الرَّجُلُ قَائِمًا وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَيُجْعَلُ عِنْدَ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ أَوْ امْرَأَةٌ تَلُفُّ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا إذَا انْكَشَفَتْ وَيُجْعَلُ عِنْدَ الْخُنْثَى مَحْرَمٌ لَا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ: يُفْعَلُ بِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَحْدُودُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْفَضِيحَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْمَأْثُورِ كَمَا قَالَهُ ح ل: وَيُحَدُّ ذُو الْهَيْئَةِ فِي مَحَلٍّ خَالٍ وَاسْتَحْسَنَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا أَحْدَثَهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ مِنْ جَلْدِ الْمَرْأَةِ فِي نَحْوِ غِرَارَةٍ، لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَلَا يَتَوَلَّى الْجَلْدَ إلَّا الرِّجَالُ وَلَوْ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى، لِأَنَّ الْجَلْدَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْغُصْنُ) أَيْ الرَّقِيقُ قَوْلُهُ: (وَيُفَرِّقُ الضَّرْبَ) أَيْ وُجُوبًا فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ فَإِنْ خَالَفَ حُرِّمَ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْمَحْدُودُ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ مَشْرُوطًا بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ الْمُعَزَّرِ فَإِنَّ التَّالِفَ بِالتَّعْزِيرِ مَضْمُونٌ وَمَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ بِالْحَدِّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، فَإِنْ زَادَ وَتَلِفَ بِهِ وَبِمَا زَادَ ضَمِنَ بِالْقِسْطِ أج.

قَوْلُهُ: (وَيَجْتَنِبُ الْمَقَاتِلَ) أَيْ وُجُوبًا فَيُحَرَّمُ ضَرْبُهُ عَلَيْهَا فَإِنْ ضَرَبَهُ عَلَى مَقْتَلٍ فَمَاتَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ: كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ جَلَدَهُ فِي حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ: وَمُقْتَضَاهُ نَفْيُ الضَّمَانِ اهـ م ر. وَكَتَبَ ح ل عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ: وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ أَيْ وُجُوبًا فَلَوْ مَاتَ لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ مَشْرُوطًا بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ. قَوْلُهُ:(وَثُغْرَةِ) نَحْرٍ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَهِيَ النُّقْرَةُ الَّتِي فِي وَسَطِهِ وَالْجَمْعُ ثُغَرٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ فَالثُّغْرَةُ بِالْمُثَلَّثَةِ كَالنُّقْرَةِ بِالنُّونِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَجَمْعًا.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الرَّأْسِ) أَيْ فَلَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ فَيَجُوزُ الضَّرْبُ عَلَيْهِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ بِقَوْلِ طَبِيبٍ ثِقَةٍ، وَإِلَّا حُرِّمَ جَزْمًا لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَحَيْثُ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لِقَرَعٍ، أَوْ حَلْقٍ اجْتَنَبَهُ قَطْعًا وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِنْ أَمْرِهِ الْجَلَّادَ بِضَرْبِهِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ فِيهِ شَيْطَانًا ضَعِيفٌ وَمُعَارَضٌ بِمَا مَرَّ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا فِي م ر.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا مُغَطَّاةٌ) كَذَا فِي خَطِّ الْمُؤَلِّفِ، وَالْأَوْلَى فَإِنَّهُ مُغَطًّى؛ إذْ الرَّأْسُ مُذَكَّرٌ لَكِنْ رَأَيْتُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الرَّأْسَ تُؤَنَّثُ فِي قُوَيْلَةٍ لِأَهْلِ اللُّغَةِ أج.

قَوْلُهُ: (اضْرِبْ الرَّأْسَ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِهَا شَعْرٌ وَلَمْ يَحْصُلْ مَحْذُورُ تَيَمُّمٍ، أَوْ هُوَ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ التَّفْصِيلِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُشَدُّ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُرْمَةُ ذَلِكَ أَيْ إنْ تَأَذَّى بِذَلِكَ، وَإِلَّا كُرِهَ. اهـ. ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ أَيْ الْمَحْدُودِ وَلَوْ أُنْثَى وَالْيَدُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَشْمَلُ الْيَدَيْنِ مَعًا فَيُحَرَّمُ شَدُّهُمَا عِنْدَ شَيْخِنَا م ر. وَيُكْرَهُ فَقَطْ عِنْدَ خ ط وَالْأَوَّلُ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَا يُؤْلِمُهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ الْخَفِيفَةُ) أَيْ الَّتِي لَا تَمْنَعُ أَثَرَ الضَّرْبِ، وَتَظْهَرُ كَرَاهَةُ ذَلِكَ بِخِلَافِ نَحْوِ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بَلْ يُتَّجَهُ وُجُوبُ نَزْعِهَا إنْ مَنَعَتْ وُصُولَ الْأَلَمِ الْمَقْصُودِ اهـ قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ مُزْرٍ كَعَظِيمٍ أُرِيدَ الِاقْتِصَارُ مِنْ ثِيَابِهِ عَلَى مَا يُزْرِي كَقَمِيصٍ لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ إزَارٍ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (وَبِمَا يُضْبَطُ) هُوَ الَّذِي فِي خَطِّ

ص: 193