الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَالْجَمَلِ وَالْحِمَارِ اللَّذَيْنِ عُرِفَا بِعَقْرِ الدَّوَابِّ وَإِتْلَافِهَا. أَمَّا إذَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْهَا إتْلَافُ مَا ذُكِرَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُ مَا ذُكِرَ عَنْهَا لَا رَبْطُهَا. فَائِدَةٌ: سُئِلَ الْقَفَّالُ عَنْ حَبْسِ الطُّيُورِ فِي أَقْفَاصٍ لِسَمَاعِ أَصْوَاتِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ إذَا تَعَهَّدَهَا صَاحِبُهَا بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْبَهِيمَةِ تُرْبَطُ. وَلَوْ كَانَ بِدَارِهِ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ دَابَّةٌ جُمُوحٌ وَدَخَلَهَا شَخْصٌ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِالْحَالِ، فَعَضَّهُ الْكَلْبُ، أَوْ رَمَحَتْهُ الدَّابَّةُ ضَمِنَ وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ بَصِيرًا أَوْ دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ أَوْ أَعْلَمَهُ بِالْحَالِ. فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ.
فَصْلٌ: فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ
جَمْعُ بَاغٍ وَالْبَغْيُ الظُّلْمُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِظُلْمِهِمْ وَعُدُولِهِمْ عَنْ الْحَقِّ وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَةُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَرْعٌ: لَوْ حَمَلَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا وَأَشْرَفَ عَلَى أَنْ يَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَدَفَعَهُ مِنْ الْهَوَاءِ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ بَصِيرًا) غَايَةٌ لِقَوْلِهِ: ضَمِنَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ: أَوْ دَخَلَهَا بِلَا إذْنٍ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: دَخَلَهَا شَخْصٌ بِإِذْنِهِ ثُمَّ إنَّ مَا هُنَا لَا يُنَافِي قَوْلَ الرَّوْضِ فِي الْجِنَايَاتِ: وَإِنْ رَبَطَ بِبَابِهِ كَلْبًا عَقُورًا وَدَعَا إلَيْهِ رَجُلًا فَعَقَرَهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي كَلْبٍ فِي الدَّارِ وَمَا هُنَاكَ فِي كَلْبٍ خَارِجَهَا كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. اهـ. .
[فَصْلٌ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ]
ِ هَذَا شُرُوعٌ فِي طَوَائِفَ ثَلَاثَةٍ جَوَّزَ الشَّارِعُ لَنَا قِتَالَهُمْ: الْبُغَاةِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَالْكُفَّارِ. وَذَكَرَ الْبُغَاةَ بَعْدَ الصِّيَالِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى الطَّاعَةِ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يَبْعَثَ. . . إلَخْ وَقَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَمُسْتَنَدُهُ فِعْلُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ فَإِنَّهُ قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ بِالْبَصْرَةِ وَقَاتَلَ أَهْلَ صِفِّينَ بِالشَّامِّ وَأَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَأُخِذَ قِتَالُ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَأُخِذَ قِتَالُ الْكُفَّارِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَوْلُهُ: (جَمْعُ بَاغٍ) وَأَصْلُ بُغَاةٍ بُغَيَةٌ تَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا وَيُنْصَبُ بِالْفَتْحَةِ عَلَى التَّاءِ كَقُضَاةٍ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ لِانْقِلَابِهَا عَنْ أَصْلٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ) أَيْ مَا حَدَّهُ اللَّهُ وَشَرَعَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ لِخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ لُغَةً كَذَلِكَ. فَفِي الْمُخْتَارِ الْبَغْيُ التَّعَدِّي وَبَغَى عَلَيْهِ اسْتَطَالَ وَبَابُهُ رَمَى وَكُلُّ مُجَاوَزَةٍ وَإِفْرَاطٍ عَلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي هُوَ حَدُّ الشَّيْءِ فَهُوَ بَغْيٌ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: وَمِنْ كَوْنِ الْبَغْيِ مُجَاوَزَةَ الْحَدِّ سُمِّيَتْ الزَّانِيَةُ بَغِيَّةً. اهـ. ع ش عَلَى م ر مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فَصْلُ الْبُغَاةِ أَيْ فِي الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فِيهِ يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ وَإِلَّا فَالْآيَةُ لَا تُثْبِتُ كُلَّ الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: 9] تَثْنِيَةُ طَائِفَةٍ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ. «نَزَلَتْ فِي رَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَرَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ لَمَّا اقْتَتَلَا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ فَقَرَأَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ. اهـ. دَمِيرِيٌّ.
قَوْلُهُ: " اقْتَتَلُوا " لَمْ يَقُلْ اقْتَتَلَتَا بَلْ جَمَعَ مُرَاعَاةً لِأَفْرَادِ الطَّائِفَتَيْنِ وَمَعْنَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] الْأَوَّلُ إبْدَاءُ الْوَعْظِ وَالنَّصِيحَةِ، وَالثَّانِي الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْقَضَاءِ الْعَدْلِ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ:(وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ) هَذَا الْكَلَامُ يُوهِمُ أَنَّ الْبَغْيَ مُنْحَصِرٌ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْبَيْعَةُ وَنَحْوُهَا وَإِلَّا فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمُرَادَ الْخُرُوجُ وَلَوْ بِمَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ كَمَا سَيَجِيءُ، وَهَؤُلَاءِ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَرَافَعُوا إلَى الْإِمَامِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَحَيْثُ اسْتَقَلُّوا بِالْقِتَالِ مُعْرِضِينَ عَنْ الْإِمَامِ فَقَدْ امْتَنَعُوا مِنْ الْحَقِّ
، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ صَرِيحًا، لَكِنَّهَا تَشْمَلُهُ بِعُمُومِهَا أَوْ تَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ الْقِتَالَ لِبَغْيِ طَائِفَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ فَلِلْبَغْيِ عَلَى الْإِمَامِ أَوْلَى، وَهُمْ مُسْلِمُونَ مُخَالِفُو إمَامٍ وَلَوْ جَائِرًا بِأَنْ خَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ كَزَكَاةٍ بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ:(وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ) وُجُوبًا كَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا بُغَاةً لِهَذَا. اهـ. سم. قَوْلُهُ: (تَشْمَلُهُ) أَيْ تَشْمَلُ الْخُرُوجَ عَنْ الْإِمَامِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ.
قَوْلُهُ: (لِعُمُومِهَا) أَيْ لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَقْتَضِيهِ) أَيْ تَسْتَلْزِمُهُ وَتُفِيدُهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَوَجْهُ هَذَا التَّرْدِيدِ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ تَعُمُّ أَوْ لَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تَشْمَلُهُ بِجَعْلِ الْإِمَامِ طَائِفَةً، وَالْبَاغِينَ عَلَيْهِ طَائِفَةً.
وَعَلَى الثَّانِي لَا تَشْمَلُهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ طَائِفَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَيُقَاسُ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ بِالْخُرُوجِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْقِتَالُ بِالْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَهُمْ) أَيْ شَرْعًا مُسْلِمُونَ وَلَوْ فِيمَا مَضَى فَيَشْمَلُ الْمُرْتَدِّينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَفِي سم نَقْلًا عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الْبُغَاةِ الْإِسْلَامَ فَالْمُرْتَدُّونَ إذَا نَصَبُوا الْقِتَالَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ فِي الْأَصَحِّ وَهَذَا الشَّرْطُ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُحَرَّرِ فَلَا وَجْهَ لِإِهْمَالِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقُيُودَ سِتَّةٌ: أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ وَأَنْ يُخَالِفُوا الْإِمَامَ وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ. وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ بَاطِلًا ظَنًّا وَأَنْ تَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَأَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُطَاعٌ. وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ الشَّوْكَةَ تَسْتَلْزِمُ الْمُطَاعَ فَلَا تَغْفُلْ. اهـ م د وَعِبَارَةُ ح ل فِي سِيرَتِهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ قَوْلًا بِلَعْنِ يَزِيدَ تَلْوِيحًا وَتَصْرِيحًا وَكَذَا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ وَكَذَا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَنَا قَوْلٌ بِذَلِكَ فِي مَذْهَبِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ وَكَانَ يَقُولُ بِذَلِكَ الْأُسْتَاذُ الْبَكْرِيُّ.
وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِ أَتْبَاعِهِ فِي حَقِّ يَزِيدَ مَا لَفْظُهُ زَادَهُ اللَّهُ خِزْيًا وَمَنَعَهُ وَفِي أَسْفَلِ سِجِّينَ وَضَعَهُ وَفِي شَرْحِ عَقَائِدِ السَّعْدِ يَجُوزُ لَعْنُ يَزِيدَ اهـ. وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ لَعْنَ الشَّخْصِ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ اللَّعْنُ بِالْوَصْفِ تَأَمَّلْهُ.
قَالَ ح ل قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: أَجَازَ الْعُلَمَاءُ الْوَرِعُونَ لَعْنَ يَزِيدَ وَصَنَّفَ فِي إبَاحَةِ لَعْنِهِ مُصَنَّفًا اهـ. وَقَالَ: وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ جَوَازِ لَعْنِ الْكَافِرِ الْمُعَيَّنِ بِالشَّخْصِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ بَعْدَ أَنْ قَالَ: إنِّي لَا أَشُكُّ فِي عَدَمِ إسْلَامِهِ بَلْ وَلَا فِي عَدَمِ إيمَانِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ اهـ كَلَامُ السَّعْدِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ جَائِرًا) ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ فَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَى الْجَائِرِ إجْمَاعًا وَيُجَابُ عَنْ خُرُوجِ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ بِأَنَّ الْمُرَادَ إجْمَاعُ الطَّبَقَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
وَسَيَأْتِي قَوْلُ الشَّارِحِ: وَتَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا فِيمَا يَجُوزُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. . . إلَخْ.
قَوْلُهُ: (بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ) سَوَاءً سَبَقَ مِنْهُمْ انْقِيَادٌ أَمْ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ لَهُ وَلَوْ فِي مُبَاحٍ حَيْثُ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (كَزَكَاةٍ) هِيَ حَقُّ اللَّهِ وَمِثْلُهُ حَقُّ الْآدَمِيِّ بِالْأَوْلَى ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (بِالشُّرُوطِ الْآتِيَةِ) مُتَعَلِّقٌ ب خرجوا أَوْ بِقَوْلِهِ: مُخَالِفُو. . . إلَخْ فَوُجُودُهَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي تَحَقُّقِ الْبَغْيِ وَوُجُودِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَاتَلُ أَهْلُ الْبَغْيِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَغْيَ يُوجَدُ بِدُونِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ لِلْقِتَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ يُقَاتَلُونَ فَلَوْ قَالَ: وَشَرَطَ فِي الْبَاغِي كَذَا وَكَذَا. كَانَ أَوْلَى وَلِذَا قَالَ فِي الْمَنْهَجِ: هُمْ مُسْلِمُونَ. . . إلَخْ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُقَاتِلُهُمْ الْإِمَامُ. وَاعْلَمْ أَنَّ وَصْفَ الْبَغْيِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ وَصْفَ ذَمٍّ وَلَا يَقْتَضِي الْفِسْقَ وَلَا الْعِصْيَانَ وَلَا يَزُولُ مَعَهُ وَصْفُ الْإِيمَانِ خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ فَإِنَّهُمْ اعْتَقَدُوا زَوَالَ الْإِيمَانِ مَعَهُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ بِالْآيَةِ، وَلِأَنَّهُمْ إنَّمَا خَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ بِتَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ أَيْ بِتَأْوِيلٍ غَيْرِ قَطْعِيِّ الْبُطْلَانِ كَمَا فِي م ر.
قَوْلُهُ: (كَمَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} [الحجرات: 9] قَالَ السُّبْكِيُّ
وَعَلَيْهَا عَوَّلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي قِتَالِ صِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانَ. (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) : الْأَوَّلُ: (أَنْ يَكُونُوا فِي مَنَعَةٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ شَوْكَةٍ بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ، وَلَوْ بِحِصْنٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَعَهَا مُقَاوَمَةُ الْإِمَامِ فَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ لِكُلْفَةٍ مِنْ بَذْلِ مَالٍ وَتَحْصِيلِ رِجَالٍ وَهِيَ لَا تُحَصَّلُ إلَّا بِمُطَاعٍ أَيْ مَتْبُوعٍ يُحَصِّلُ بِهِ قُوَّةً لِشَوْكَتِهِمْ يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ. إذْ لَا قُوَّةَ لِمَنْ لَا تُجْمَعُ كَلِمَتُهُمْ بِمُطَاعٍ فَالْمُطَاعُ شَرْطٌ لِحُصُولِ الشَّوْكَةِ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ آخَرُ غَيْرُ الشَّوْكَةِ كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ إمَامٌ مَنْصُوبٌ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ وَلَا إمَامَ لَهُمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِالدُّرِّ النَّظِيمِ مَا حَاصِلُهُ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ حُكْمَانِ عَظِيمَانِ: أَحَدُهُمَا وُجُوبُ قِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ قَوْلِهِ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] . فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَعَلَيْهِ عَوَّلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَالصَّحَابَةُ فِي قِتَالِ صِفِّينَ وَالنَّهْرَوَانِ وَقَدْ قُتِلَ عَمَّارٌ مَعَهُ يَوْمَ صِفِّينَ «وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَمَّارٍ: تَقْتُلُك الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» وَهَذَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ هَذَا الْحَدِيثَ حَتَّى إنَّ الْمُقَاتِلِينَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه لَمْ يُنْكِرُوهُ وَإِنَّمَا عَدَلُوا إلَى تَأْوِيلٍ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: إنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ يَعْنُونَ عَلِيًّا أَيْ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ لِقِتَالِ مُعَاوِيَةَ. وَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ ازْدَادَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ يَقِينًا وَإِقْدَامًا عَلَى الْقِتَالِ وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ الَّذِينَ عَنَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ سَاقَ الْقِصَّةَ أَحْسَنَ سِيَاقٍ. الْحُكْمُ الثَّانِي فِي الْآيَةِ أَنَّ اسْمَ الْإِيمَانِ بَاقٍ مَعَ الْبَغْيِ وَالْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ الْخَوَارِجُ وَالْآيَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي بَقَاءِ الْإِيمَانِ حِينَ الْبَغْيِ وَلَوْلَا ذَلِكَ أَيْ بَقَاءُ الْإِيمَانِ لَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى} [الحجرات: 9] وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] إنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْأُخُوَّةِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْإِيمَانِ بِأَنْ يَكُونَ وَصْفُ الْإِيمَانِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ لَكِنْ قَوْله تَعَالَى: {بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى ثُبُوتِ الْإِيمَانِ لَهُمْ فِي حَالِ بَغْيِهِمْ اهـ. وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَجِبُ قِتَالُ الْبُغَاةِ وَلَا يُكَفَّرُونَ بِالْبَغْيِ وَإِذَا رَجَعَ الْبَاغِي إلَى الطَّاعَةِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَتُرِكَ قِتَالُهُ. اهـ. شَرْحُ الْمَنُوفِيِّ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ.
قَوْلُهُ: (صِفِّينَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ الْمُهْمَلَةِ وَثَانِيهِ الْفَاءُ الْمُشَدَّدَةُ اسْمُ بَلَدٍ أَوْ إقْلِيمٍ وَكَذَا النَّهْرَوَانُ الْمَذْكُورُ مَعَهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مُؤَنَّثٌ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرَائِطِ الشُّرُوطُ.
قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ النُّونِ) قَدْ تُسَكَّنُ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (أَيْ شَوْكَةٍ بِكَثْرَةٍ أَوْ قُوَّةٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَعَةَ وَالشَّوْكَةَ وَالْقُوَّةَ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَيْ قُوَّةٍ بِكَثْرَةٍ أَوْ تَحَصُّنٍ بِحِصْنٍ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الشَّوْكَةُ الَّتِي لَا يَتَحَقَّقُ الْبَغْيُ بِدُونِهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُطَاعٍ وَأَمَّا أَصْلُ الشَّوْكَةِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى مُطَاعٍ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي الْمِنْهَاجِ شَوْبَرِيٌّ فَقَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَحْصُلُ أَيْ فَذِكْرُهَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِهِ الَّذِي سَلَكَهُ الْمِنْهَاجُ.
قَوْلُهُ: (يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ) أَيْ تَصْدُرُ أَفْعَالُهُمْ عَنْ رَأْيِهِ.
قَوْلُهُ: (قَاتَلَ أَهْلَ الْجَمَلِ) أَيْ أَهْلَ الْوَقْعَةِ الَّتِي أَهَمَّ فِيهَا جَمَلُ عَائِشَةَ.
وَسَبَبُ خُرُوجِهَا مَعَ مُعَاوِيَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي زَمَنِ الْإِفْكِ مَا رَأَيْنَا عَلَى نِسَائِك إلَّا خَيْرًا وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ: النِّسَاءُ غَيْرُهَا كَثِيرٌ وَهَذَا سَبَبُ طُلُوعِهَا مَعَ مُعَاوِيَةَ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ وَكَانَ النَّاسُ إذَا دَعَاهُمْ لِلْخُرُوجِ مُعَاوِيَةُ يَمْتَنِعُونَ وَيَقُولُونَ: لَا نَخْرُجُ مَعَك إلَّا إذَا خَرَجَتْ عَائِشَةُ كَمَا فِي السِّيَرِ وَمِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ تِلْكَ الْوَقْعَةِ سَيِّدُنَا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَيَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ وَمَاتَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعُقِرَ جَمَلُ عَائِشَةَ حَتَّى سَقَطَتْ مِنْ عَلَيْهِ وَحَصَلَ مَا حَصَلَ، وَلَمَّا سَقَطَتْ كَانَ أَخُوهَا مُحَمَّدٌ عِنْدَهَا فَحَمَلَ هَوْدَجَهَا مَعَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانُوا حَاضِرِينَ حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ فَأَمَرَ بِهَا فَأُدْخِلَتْ بَيْتًا سِتْرًا عَلَيْهَا ثُمَّ طَيَّبَ خَاطِرَهَا وَأَكْرَمَهَا وَاعْتَذَرَ لَهَا وَكَانَ أَخُوهَا مَعَ عَلِيٍّ فِي الْقِتَالِ وَالْوَاقِعَةُ كَانَتْ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ وَقْتَ مَوْتِ عُثْمَانَ فِي الشَّامِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ فَلَمَّا أُخْبِرَ بِمَوْتِهِ جَاءَ يُنَازِعُ عَلِيًّا فِي الْخِلَافَةِ.
قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَكَانَ اسْمُ
وَأَهْلَ صِفِّينَ قَبْلَ نَصْبِ إمَامِهِمْ. (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَخْرُجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ) أَيْ عَنْ طَاعَتِهِ بِانْفِرَادِهِمْ بِبَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنْ الصَّحْرَاءِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَنْ جَمْعٍ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ.
(وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ لَهُمْ) فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ (تَأْوِيلٌ سَائِغٌ) ، أَيْ مُحْتَمَلٌ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ، يَسْتَنِدُونَ إلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ خَالَفَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَانَ مُعَانِدًا لِلْحَقِّ.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لَا يُقْطَعُ بِفَسَادِهِ بَلْ يَعْتَقِدُونَ بِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ كَتَأْوِيلِ الْخَارِجِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، بِأَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمْ لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ وَتَأْوِيلِ بَعْضِ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّهُمْ لَا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَّا لِمَنْ صَلَاتُهُ سَكَنٌ لَهُمْ أَيْ دُعَاؤُهُ رَحْمَةٌ لَهُمْ وَهُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ فُقِدَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنْ خَرَجُوا بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَانِعِي حَقِّ الشَّرْعِ كَالزَّكَاةِ عِنَادًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ يُقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ، كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ بِأَنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ الظَّفَرُ بِهِمْ أَوْ لَيْسَ فِيهِمْ مُطَاعٌ فَلَيْسُوا بُغَاةً لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهِمْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِهِمْ مُقْتَضَاهَا عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذِي الشَّوْكَةِ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي حَتَّى لَوْ تَأَوَّلُوا بِلَا شَوْكَةٍ وَأَتْلَفُوا شَيْئًا ضَمِنُوهُ مُطْلَقًا كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ.
وَأَمَّا الْخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ يُكَفِّرُونَ مُرْتَكِبَ كَبِيرَةٍ وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ فَلَا يُقَاتِلُونَ وَلَا يُفَسَّقُونَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ، تَعَرَّضْنَا لَهُمْ حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرُ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْجَمَلِ الَّذِي رَكِبَتْهُ عَائِشَةُ يَوْمَ وَقْعَتِهِ عَسْكَرًا أَعْطَاهُ لَهَا يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ اشْتَرَاهُ لَهَا بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ يَوْمَ الْخَمِيسِ الْعَاشِرِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى أَوْ الْأَخِيرَةِ وَقِيلَ فِي خَامِسَ عَشَرَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَتْ الْوَقْعَةُ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى قَرِيبِ الْعَصْرِ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِانْفِرَادِهِمْ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ. قَالَ م ر: وَلَا يُشْتَرَطُ انْفِرَادُهُمْ بِبَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَوْلُهُ: (كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ) تَبَرَّأَ مِنْهُ لِضَعْفِهِ. قَوْلُهُ: (تَأْوِيلٌ سَائِغٌ) أَيْ جَائِزٌ وَالْمُرَادُ بِالتَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شُبْهَةٌ تُسَوِّغُ لَهُمْ مَا هُمْ فِيهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ مُحْتَمِلٌ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ لِلصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ، أَيْ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَوْ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ مُحْتَمَلٌ صِدْقُهُ وَكَذِبُهُ فَلَا وَجْهَ لِاقْتِصَارِ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى قَوْلِهِ: اسْمُ مَفْعُولٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (لِمُوَاطَأَتِهِ إيَّاهُمْ) أَيْ لِمُوَافَقَتِهِ فَقَالَ لَهُمْ عَلِيٌّ رضي الله عنه: وَاَللَّهِ مَا قَاتَلْت وَلَا مَالَأْت أَيْ وَلَا جَمَعْت لِلْقِتَالِ وَإِنَّمَا نَهَيْت. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ ارْتَدُّوا بَعْدَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: لَا يَجِبُ الْإِيمَانُ إلَّا فِي حَيَاتِهِ لِانْقِطَاعِ شَرْعِهِ بِمَوْتِهِ كَبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ لِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى بَقَاءِ دِينِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ قَوْلُهُ: كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْمَحْدُودِ الْإِسْلَامُ وَأَخْذُهُ جِنْسًا وَإِذَا لَمْ يَشْمَلْهُمْ الْجِنْسُ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمْ بِفُصُولِ التَّعْرِيفِ. اهـ. عَمِيرَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسُوا بُغَاةً) أَيْ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُمْ وَلَا يُعْتَدُّ بِحَقٍّ اسْتَوْفُوهُ وَيَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مُطْلَقًا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (عَلَى تَفْصِيلٍ. . . إلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ سَرَتْ إلَيْهِ مِنْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ لَمْ يُذْكَرْ هُنَا أَصْلًا وَالتَّفْصِيلُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُرْتَدًّا ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا. وَمَعَ ذَلِكَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي هُوَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِهِ مُسْلِمًا أَوْ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَنْهَجِ بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ.
وَأَمَّا الَّذِي يَأْتِي فِي الشَّرْحِ هُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ شَوْكَةٌ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهُوَ كَالْبَاغِي وَإِنْ كَانَ لَهُ تَأْوِيلٌ مِنْ غَيْرِ الشَّوْكَةِ فَلَيْسَ كَالْبَاغِي وَهَذَا غَيْرُ الَّذِي أَرَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذِي الشَّوْكَةِ كَمَا عَلِمْت فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ: فِي ذِي الشَّوْكَةِ وَيَقُولُ: عَلَى تَفْصِيلٍ فِيمَا إذَا فُقِدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَيْ الشَّوْكَةُ وَالتَّأْوِيلُ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (ضَمِنُوهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَقْتَ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرَهُ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْخَوَارِجُ) وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ قَائِلُونَ: بِأَنَّ مَنْ أَتَى كَبِيرَةً كَفَرَ وَحَبِطَ عَمَلُهُ وَخُلِّدَ فِي النَّارِ وَأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ بِظُهُورِ الْكَبَائِرِ فِيهَا تَصِيرُ دَارَ كُفْرٍ وَإِبَاحَةٍ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ) أَيْ لَا يُصَلُّونَ وَرَاءَ الْأَئِمَّةِ. كَمَا قَرَّرَهُ الْعَزِيزِيُّ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ أَيْ لَمْ يَحْضُرُوا مَعَ الْإِمَامِ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ مَعْصُومٍ
فَإِنْ قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا قُوتِلُوا، وَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُ الْقَاتِلِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي شَهْرِ السِّلَاحِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ وَهَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَفِيهِمَا عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمِنْهَاجِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ فَإِنْ قُيِّدَ بِمَا إذَا قَصَدُوا إخَافَةَ الطَّرِيقِ فَلَا خِلَافَ
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِفَسَقَةٍ لِتَأْوِيلِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ كَالْخَطَّابِيَّةِ وَهُمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
اهـ.
وَقَالَ م ر وَيَتْرُكُونَ الْجَمَاعَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمَّا أَقَرُّوا عَلَى الْمَعَاصِي كَفَرُوا بِزَعْمِهِمْ فَلَمْ يُصَلُّوا خَلْفَهُمْ اهـ. فَإِنْ قِيلَ: تَرْكُ الْجَمَاعَاتِ يُوجِبُ الْقِتَالَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَاتِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَيُقَاتَلُ تَارِكُهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَاتِ. قُلْت يُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ الشِّعَارُ بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ وَإِنْ قُوتِلُوا مِنْ حَيْثُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ اهـ ز ي.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُقَاتَلُونَ) أَيْ لَا يُقَاتَلُونَ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ: عَدَمُ قِتَالِهِمْ لَنَا. وَالثَّانِي: كَوْنُهُمْ فِي قَبْضَتِنَا. الثَّالِثُ عَدَمُ تَضَرُّرِنَا بِهِمْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَقَوْلُهُ: وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي فَلَا يُقَاتَلُونَ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ: مَا لَمْ يُقَاتَلُوا فَعَدَمُ قِتَالِهِمْ مَشْرُوطٌ بِمَا ذُكِرَ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ فِي قَبْضَتِنَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُفَسَّقُونَ) بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ ذَمِّهِمْ وَوَعِيدِهِمْ الشَّدِيدِ كَكَوْنِهِمْ كِلَابَ أَهْلِ النَّارِ الْحُكْمُ بِفِسْقِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا وَأَثِمُوا بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَقَّ فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَاحِدٌ قَطْعًا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ اقْتِضَاءُ أَكْثَرِ تَعَارِيفِ الْكَبِيرَةِ فِسْقَهُمْ لِوَعِيدِهِمْ الشَّدِيدِ وَقِلَّةِ اكْتِرَاثِهِمْ أَيْ مُبَالَاتِهِمْ بِالدِّينِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يَفْعَلُوا مُحَرَّمًا عِنْدَهُمْ اهـ شَرْحُ م ر بِاخْتِصَارٍ.
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُقَاتِلُوا) فَإِنْ قَاتَلُوا فُسِّقُوا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ وَبِتَقْدِيرِهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ قَطْعًا. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: سَوَاءٌ كَانُوا بَيْنَنَا أَوْ امْتَازُوا بِمَوْضِعٍ عَنَّا لَكِنَّهُمْ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ طَاعَتِهِ. اهـ. ز ي. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إنْ تَضَرَّرْنَا بِهِمْ) أَيْ بِأَنْ أَظْهَرُوا بِدْعَتَهُمْ أَوْ دَعَوَا إلَيْهَا. اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (تَعَرَّضْنَا لَهُمْ) وَلَوْ بِالْقَتْلِ. قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا وَلَمْ يَكُونُوا فِي قَبْضَتِنَا قَالَ سم: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَهُمْ فِي قَبْضَتِنَا لَيْسَ قَيْدًا لِقَوْلِهِ: فَلَا يُقَاتَلُونَ مَا لَمْ يُقَاتِلُوا. . . إلَخْ بَلْ، وَهُوَ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: فَلَا يُقَاتَلُونَ. . . إلَخْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَحَتَّمْ. . . إلَخْ) لَوْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ عَنْ الْقَاتِلِ سَقَطَ الْقَتْلُ.
قَوْلُهُ: (فِي شَهْرِ السِّلَاحِ) أَيْ إظْهَارِهِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ حُكْمَهُمْ كَحُكْمِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ) فَفِي رِوَايَةٍ «إذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ الْجَزَاءَ لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَقَدْ قَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَقَدْ سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَوَارِجِ أَهُمْ كُفَّارٌ؟ فَقَالَ: " مِنْ الْكُفْرِ فَرُّوا فَقِيلَ أَمُنَافِقُونَ؟ فَقَالَ: إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلَّا قَلِيلًا وَهَؤُلَاءِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا فَقِيلَ مَا هُمْ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْهُمْ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا " فَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كُفَّارًا؛ لِأَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ وَالْخَوَارِجُ قَوْمٌ يُكَفِّرُونَ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ وَيَحْكُمُونَ بِحُبُوطِ عَمَلِ مُرْتَكِبِهَا وَتَخْلِيدِهِ فِي النَّارِ وَيَحْكُمُونَ بِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ تَصِيرُ بِظُهُورِ الْكَبَائِرِ فِيهَا دَارَ كُفْرٍ وَلَا يُصَلُّونَ جَمَاعَةً اهـ ح ل فِي السِّيرَةِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قُيِّدَ) أَيْ مَا فِي الْمِنْهَاجِ فَلَا خِلَافَ أَيْ فِي أَنَّهُمْ قُطَّاعُ طَرِيقٍ زِيَادَةً عَلَى كَوْنِهِمْ خَوَارِجَ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَهَذَا التَّقْيِيدُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعِبَارَةُ ع ش: فَلَا خِلَافَ أَيْ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ) شُرُوعٌ فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ شَهَادَتَهُمْ مَقْبُولَةٌ بِشَرْطَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ. . . إلَخْ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَسْتَحِلُّوا دِمَاءَنَا أَوْ أَمْوَالَنَا بِلَا تَأْوِيلٍ وَقَضَاؤُهُمْ مَقْبُولٌ بِشَرْطَيْنِ أَيْضًا الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ قَضَاءُ قَاضِينَا فَيَخْرُجُ بِهِ مَا إذَا قَضَوْا بِمَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا.
الثَّانِي أَنْ لَا يَسْتَحِلُّوا. . . إلَخْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَشْهَدُونَ) صَنِيعُ م ر يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ شَهَادَتِهِمْ وَقَضَائِهِمْ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَقَضَاؤُهُمْ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِمُوَافِقِيهِمْ) أَيْ فِي الِاعْتِقَادِ بِتَصْدِيقِهِمْ كَذَا فِي صِحَاحِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِتَصْدِيقِهِ وَلَا يُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالْجَمْعِ قَبْلَهُ، كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ: بِتَصْدِيقِهِمْ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيْ يَشْهَدُونَ لِمَنْ يُوَافِقُهُمْ فِي الْعَقِيدَةِ بِسَبَبِ تَصْدِيقِهِمْ
صِنْفٌ مِنْ الرَّافِضَةِ يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ وَيَقْضُونَ لِمُوَافِقِيهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ قَاضِيهِمْ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْبُغَاةِ نَعَمْ إنْ بَيَّنُوا السَّبَبَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ وَيُقْبَلُ قَضَاءُ قَاضِيهِمْ بَعْدَ اعْتِبَارِ صِفَاتِ الْقَاضِي فِيهِ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ قَضَاءُ قَاضِينَا؛ لِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ شَاهِدُ الْبُغَاةِ أَوْ قَاضِيهمْ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا قَضَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَشَرْطُ الشَّاهِدِ وَالْقَاضِي الْعَدَالَةُ هَذَا مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ.
وَأَصْلُهَا هُنَا عَنْ الْمُعْتَبَرِينَ وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَقَضَاءِ قَاضِيهِمْ بَيْنَ مَنْ يَسْتَحِلُّ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ أَمْ لَا لِأَنَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ بِلَا تَأْوِيلٍ وَمَا هُنَاكَ عَلَى مَنْ اسْتَحَلَّهُ بِتَأْوِيلٍ
وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ لِضَرُورَتِهِ، بِأَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَوْ فِيهِ لَا لِضَرُورَتِهِ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَتْلَفَهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ جَرْيًا عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِإِتْلَافِ الْمَالِ إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ لَمْ يَضْمَنُوا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
فَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ فِي قِتَالٍ لِضَرُورَتِهِ فَلَا ضَمَانَ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ؛ لِأَنَّ الْوَقَائِعَ الَّتِي جَرَتْ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ كَوَقْعَةِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ لَمْ يَطْلُبْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِضَمَانِ نَفْسٍ وَلَا مَالٍ وَهَذَا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشَّوْكَةِ وَالتَّأْوِيلِ، فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ حَالَانِ: الْأَوَّلُ الْبَاغِي الْمُتَأَوِّلُ بِلَا شَوْكَةٍ يَضْمَنُ النَّفْسَ وَالْمَالَ وَلَوْ حَالَ الْقِتَالِ كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ. وَالثَّانِي لَهُ شَوْكَةٌ بِلَا تَأْوِيلٍ وَهَذَا كَبَاغٍ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الضَّمَانِ فِي الْبَاغِينَ لِقَطْعِ الْفِتْنَةِ وَاجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَهُوَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَهُ أَيْ اعْتِقَادِهِمْ صِدْقَهُ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مِنْهُمْ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ ظَاهِرُ التَّأْوِيلِ يُفِيدُ أَنَّهُ مُضَافٌ لِلْفَاعِلِ فَحَرِّرْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (يَشْهَدُونَ بِالزُّورِ) أَيْ بِمَا يَرَوْهُ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونُوا. . . إلَخْ أَيْ لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْبُغَاةِ أَيْ قَبُولُ الشَّهَادَةِ بَلْ كُلُّ مُبْتَدِعٍ لَا يَفْسُقُ بِبِدْعَتِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. كَمَا قَالَهُ ع ش: وَعِبَارَةُ م د وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا أَيْ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَقَضَاءِ قَاضِيهِمْ. قَوْلُهُ: (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ بَيَّنُوا السَّبَبَ فَيَقُولُونَ رَأَيْنَاهُ بَاعَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لَهُمْ تَأْوِيلًا) تَعْلِيلٌ لِقَبُولِ قَضَاءِ قَاضِيهِمْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ) أَيْ بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يُكَفَّرُونَ بِاسْتِحْلَالِ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْعَدَالَةَ دُونَ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّهُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَلَمْ يَقُلْ لِكُفْرٍ لِإِمْكَانِ التَّأْوِيلِ أَيْ لِإِمْكَانِ وُجُودِ التَّأْوِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَهُ الْآنَ.
قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ شَاهِدُ الْبُغَاةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا اسْتَحَلُّوهُ بِالْبَاطِلِ عُدْوَانًا لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إلَى إرَاقَةِ دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا. وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِحْلَالٌ خَارِجَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَكُلُّ الْبُغَاةِ يَسْتَحِلُّونَهَا حَالَةَ الْحَرْبِ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ مُسْتَحِلِّ الدَّمِ وَالْمَالِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْقَاضِي كَالشَّاهِدِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُؤَوِّلِ لِذَلِكَ تَأْوِيلًا مُحْتَمَلًا. وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (أَهْلِ الْأَهْوَاءِ) أَيْ الْبِدَعِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا أَتْلَفَهُ) مُبْتَدَأٌ وَعَكْسُهُ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: ضَمِنَ كُلٌّ. . . إلَخْ. خَبَرٌ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ. . . إلَخْ اعْتِرَاضٌ أَوْ أَنَّ قَوْلَهُ: ضَمِنَ. . . إلَخْ جَوَابُ الشَّرْطِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَلَا يَتَّصِفُ إتْلَافُهُمْ بِإِبَاحَةٍ وَلَا تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يُتْلِفُهُ الْكُفَّارُ حَالَ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ ز ي.
وَعِبَارَةُ ق ل. فَلَا يُوصَفُ إتْلَافُهُمْ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِهِمْ. وَبِذَلِكَ فَارَقَ حُرْمَةَ إتْلَافِ الْحَرْبِيِّ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا وَعَكْسُهُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ) وَهُوَ الضَّمَانُ.
قَوْلُهُ: (إضْعَافُهُمْ) أَيْ عَنْ الْقِتَالِ. قَوْلُهُ: (اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَمَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْبُغَاةِ وَعَكْسُهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُتْلِفُ وَغَيْرُهُ فِي أَنَّ الْمُتْلَفَ وَقَعَ فِي الْقِتَالِ أَوْ فِي غَيْرِهِ صُدِّقَ الْمُتْلِفُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَلَهُ) أَيْ لِلْفَاقِدِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: فَقَدْ.
قَوْلُهُ: (كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ. قَوْلُهُ: (كَبَاغٍ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ) أَيْ فَلَا يَضْمَنُ حَالَ الْقِتَالِ لِضَرُورَتِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ.
مَوْجُودٌ هُنَا.
وَلَا يُقَاتِلُ الْإِمَامُ الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ لَهُمْ أَمِينًا فَطِنًا إنْ كَانَ الْبَعْثُ لِلْمُنَاظَرَةِ نَاصِحًا لَهُمْ يَسْأَلُهُمْ عَمَّا يَكْرَهُونَ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ رضي الله عنه فَإِنَّهُ بَعَثَ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى أَهْلِ النَّهْرَوَانِ فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَمَةً أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِقِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إلَى الطَّاعَةِ، فَإِنْ أَصَرُّوا نَصَحَهُمْ وَوَعَظَهُمْ، فَإِنْ أَصَرُّوا أَعْلَمَهُمْ بِالْقِتَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَوَّلًا بِالْإِصْلَاحِ ثُمَّ بِالْقِتَالِ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ طَلَبُوا مِنْ الْإِمَامِ الْإِمْهَالَ اجْتَهَدَ، وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا
(وَلَا يُقْتَلُ) مُدْبِرُهُمْ وَلَا مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ الْقِتَالِ وَلَا (أَسِيرُهُمْ وَلَا يُذَفَّفُ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يُسْرَعُ (عَلَى جَرِيحِهِمْ) بِالْقَتْلِ (وَلَا يُغْنَمُ مَالُهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَالْفَيْئَةُ الرُّجُوعُ عَنْ الْقِتَالِ بِالْهَزِيمَةِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَرَ مُنَادِيَهُ يَوْمَ الْجَمَلِ فَنَادَى: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَلِأَنَّ قِتَالَهُمْ شُرِعَ لِلدَّفْعِ عَنْ مَنْعِ الطَّاعَةِ وَقَدْ زَالَ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهَمُ مِنْ مَنْعِ قَتْلِ هَؤُلَاءِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ بِقَتْلِهِمْ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَرْبُ. وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ وَلَا يُتَوَقَّعَ عَوْدُهُمْ إلَّا أَنْ يُطِيعَ الْأَسِيرُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقَاتِلُ الْإِمَامُ) هَذَا شُرُوعٌ فِي حُكْمِ قِتَالِ الْبُغَاةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْكُفَّارِ بَلْ كَالصَّائِلِ. وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ لَيْسَ كَقِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ هَذَا بِخِلَافِ الْكُفَّارِ، فَيُقَاتَلُونَ مِنْ غَيْر بَعْثٍ. الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يُقَاتَلُونَ بِمَا يَعُمُّ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ لَا يُحَاصَرُونَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُقَاتِلُ أَيْ لَا يَجُوزُ فَيَحْرُمُ حَتَّى يَبْعَثَ فَيَجُوزُ أَيْ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَنْعٍ فَعُلِمَ أَنَّ قِتَالَهُمْ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَكَذَا الْبَعْثُ وَيَجِبُ فِي قِتَالِهِمْ مَا فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ مِنْ صَبْرِ وَاحِدٍ مِنْ الِاثْنَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْعَثَ) أَيْ وُجُوبًا.
وَقَوْلُهُ: أَمِينًا فَطِنًا أَيْ نَدْبًا إنْ بَعَثَ لِمُجَرَّدِ السُّؤَالِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُنَاظَرَةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأَهُّلِهِ لِذَلِكَ كَذَا فِي ز ي وَح ل.
قَوْلُهُ: (أَمِينًا) أَيْ بَالِغًا عَاقِلًا عَدْلًا عَارِفًا بِالْعُلُومِ أَيْ وَبِالْحُرُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِفَاسِقٍ وَلَوْ كَافِرًا حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَنْقُلُ خَبَرَهُمْ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَأَنَّهُمْ يَثِقُونَ بِهِ فَيَقْبَلُونَ كُلَّ مَا يَقُولُ: كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَفَائِدَةُ الْبَعْثِ أَنَّهُ يُنَبِّهُهُمْ عَلَى مَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَرْبِ وَطُرُقِهِ لِيُوقِعَ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (النَّهْرَوَانُ) قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَغْدَادَ خَرَجَتْ عَلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ ع ش. قَوْلُهُ: (مَظْلَمَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ إنْ كَانَتْ مَصْدَرًا مِيمِيًّا فَإِنْ كَانَ اسْمًا لِمَا يُظْلَمُ بِهِ فَبِالْكَسْرِ فَقَطْ. اهـ. ز ي. قَالَ الْمُرَادِيُّ: الْفَتْحُ هُوَ الْقِيَاسُ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ وَالْقِيَاسُ فِيهَا الْفَتْحُ وَمَا جَاءَ مَكْسُورًا فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَرُّوا) أَيْ بَعْدَ الْإِزَالَةِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ أَصَرُّوا أَعْلَمَهُمْ بِالْقِتَالِ) أَيْ وُجُوبًا وَحِينَئِذٍ يُقَاتِلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُوا بِهِ وَقَبْلَ ذَلِكَ مُرَتَّبَةً ذَكَرَهَا فِي الْمَنْهَجِ وَهِيَ فَإِنْ أَصَرُّوا أَعْلَمَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ أَيْ الْمُبَاحَثَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي إبْطَالِ شُبَهِهِمْ أَوْ إثْبَاتِهَا. وَقَوْلُهُ: أَعْلَمَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ أَيْ وُجُوبًا.
قَوْلُهُ: (وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا) بِأَنْ يُؤَخِّرَ قِتَالَهُمْ إنْ كَانَ اسْتِمْهَالُهُمْ لِلتَّأَمُّلِ فِي رُجُوعِهِمْ وَلَا يَتَقَيَّدُ الْإِمْهَالُ بِمُدَّةٍ وَلَا يُؤَخِّرُهُ إنْ ظَهَرَ أَنَّ اسْتِمْهَالَهُمْ لِأَجْلِ مَدَدٍ أَوْ عَدَدٍ يَسْتَعِينُونَ بِهِمْ عَلَى قِتَالِنَا.
قَوْلُهُ: (مُدْبِرُهُمْ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ ق ل. لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدُّهُمْ لِلطَّاعَةِ، وَيُقَاتِلُهُمْ بِالْأَسْهَلِ، فَالْأَسْهَلِ؛ لِأَنَّهُمْ كَالصَّائِلِ كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (فَنَادَى لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ) وَقَدْ اسْتَثْنَى الْإِمَامُ مَا إذَا أَيِسَ مِنْ صُلْحِهِمْ لِتَمَكُّنِ الضَّلَالِ مِنْهُمْ وَخَشِيَ عَوْدَهُمْ عَلَيْهِ بِشَرٍّ. فَيَجُوزُ الْإِتْبَاعُ وَالتَّذْفِيفُ كَمَا فَعَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِالْخَوَارِجِ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَنْعِ قَتْلِ هَؤُلَاءِ) أَيْ الْمُدْبِرِ وَالْأَسِيرِ وَالْجَرِيحِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَجِبُ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ ق ل. وَهَذَا فِي خُصُوصِ الْمُدْبِرِينَ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمْ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَقْسَامِ فَفِيهِمْ الْقِصَاصُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ. قَوْلُهُ: (لِشُبْهَةِ أَبِي حَنِيفَةَ) فَإِنَّهُ يَرَى قَتْلَ مُدْبِرِهِمْ
بِاخْتِيَارِهِ فَيُطْلَقُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الْحُرِّ. وَكَذَا فِي الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إنْ كَانُوا مُقَاتِلِينَ وَإِلَّا أُطْلِقُوا بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَيُرَدُّ لَهُمْ بَعْدَ أَمْنِ شَرِّهِمْ بِعَوْدِهِمْ إلَى الطَّاعَةِ أَوْ تَفَرُّقِهِمْ وَعَدَمِ تَوَقُّعِ عَوْدِهِمْ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنْ سِلَاحٍ وَخَيْلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِمْ وَخَيْلِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا إذَا خِفْنَا انْهِزَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَلَمْ نَجِدْ غَيْرَ خُيُولِهِمْ فَيَجُوزُ لِأَهْلِ الْعَدْلِ رُكُوبُهَا
وَلَا يُقَاتَلُونَ بِمَا يَعُمُّ كَنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَسْلِيطُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَثُرُوا وَأَحَاطُوا بِنَا فَيُقَاتَلُونَ بِمَا يَعُمُّ وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ لِعَدَاوَةٍ أَوْ اعْتِقَادٍ كَالْحَنَفِيِّ، وَالْإِمَامُ لَا يَرَى ذَلِكَ إبْقَاءً عَلَيْهِمْ.
وَلَا يَجُوزُ إحْصَارُهُمْ بِمَنْعِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي أَهْلِ قَلْعَةٍ وَلَا يَجُوزُ عَقْرُ خُيُولِهِمْ إلَّا إذَا قَاتَلُوا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيَتَفَرَّقُ جَمْعُهُمْ) أَيْ تَفَرُّقًا لَا عَوْدَ بَعْدَهُ ق ل قَوْلُهُ: (فَيُطْلَقُ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَسِيرَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ رَقِيقًا وَلَمْ يُقَاتِلْ أُطْلِقَ بِمُجَرَّدِ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ كَامِلًا وَأَطَاعَ بِاخْتِيَارِهِ أُطْلِقَ، وَإِنْ بَقِيَتْ الْحَرْبُ وَإِلَّا أُطْلِقَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَتَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ وَعَدَمِ تَوَقُّعِ عَوْدِهِمْ. قَوْلُهُ:(وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الْحُرِّ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَهَذَا التَّقْيِيدُ رَاجِعٌ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ يُوهِمُ رُجُوعَهُ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَقَطْ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يُطْلَقُ أَسِيرُهُمْ إنْ كَانَ فِيهِ مَنَعَةٌ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ قِنًّا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ تَفَرُّقًا لَا يُتَوَقَّعُ جَمْعُهُمْ بَعْدَهُ وَهَذَا فِي الرَّجُلِ الْحُرِّ. . . إلَخْ ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنْ يُطِيعَ الْحُرُّ الْكَامِلُ الْإِمَامَ بِمُتَابَعَتِهِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيُطْلَقُ وَإِنْ بَقِيَتْ الْحَرْبُ لِأَمْنِ ضَرَرِهِ. قَوْلُهُ: (مَا أُخِذَ مِنْهُمْ) نَائِبُ فَاعِلِ يُرَدُّ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ. . . إلَخْ) أَيْ وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْهُ وَلَوْ لِضَرُورَةِ الْقِتَالِ لِأَجْلِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ لِعَدَمِ وُجُودِ وَضْعِ يَدٍ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ إتْلَافِهِ. قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ مِنْ مَلْبُوسِهِمْ وَأَوَانِيهمْ. قَوْلُهُ: (لِضَرُورَةٍ) أَيْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ اهـ ز ي وَهَلْ الْأُجْرَةُ لَازِمَةٌ لِلْمُسْتَعْمِلِ أَوْ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالَ
لِمَصْلَحَةِ
الْمُسْلِمِينَ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ خُيُولِهِمْ) وَتَجِبُ أُجْرَةُ مِثْلِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ كَمَا يَلْزَمُ الْمُضْطَرَّ قِيمَةُ طَعَامِ غَيْرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي تَمْشِيَتِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ م ر ز ي.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَحْرُمُ تَسْلِيطُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ) وَكَذَا يَحْرُمُ جَعْلُهُ جَلَّادًا يُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. أَقُولُ: وَكَذَا يَحْرُمُ نَصْبُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ نَعَمْ إنْ اقْتَضَتْ
الْمَصْلَحَةُ
تَوْلِيَتَهُ شَيْئًا لَا يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ظَهَرَ مِمَّنْ يَقُومُ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خِيَانَةٌ وَأُمِنَتْ فِي ذِمِّيٍّ وَلَوْ لِخَوْفِهِ مِنْ الْحَاكِمِ مَثَلًا فَلَا يَبْعُدُ جَوَازُ تَوْلِيَتِهِ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يُنَصِّبُهُ مُرَاقَبَتُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمَا فِيهِ اسْتِيلَاءٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ: نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ بِهِ أَعْنِي بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ فِيهِمْ أَعْنِي فِيمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ جَرَاءَةً وَحُسْنَ إقْدَامٍ. وَأَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ مَنْعِهِمْ لَوْ اتَّبَعُوا أَهْلَ الْبَغْيِ بَعْدَ هَزِيمَتِهِمْ فَتَأَمَّلْ م د. وَقَوْلُهُ: جَرَاءَةً بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ وَفِعْلُهُ جَرُؤَ بِضَمِّ الرَّاءِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَعُولَةٌ فَعَالَةٌ لِفَعُلَا
كَسَهُلَ الْأَمْرُ وَزَيْدٌ جَزُلَا
قَوْلُهُ: (أَوْ اعْتِقَادٍ كَالْحَنَفِيِّ) اُسْتُشْكِلَ بِجَوَازِ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِلْحَنَفِيِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ هُنَا أَيْ فِيمَا إذَا اسْتَعَانَ بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافٍ لَهُ يَنْفَرِدُ بِرَأْيِهِ وَهُنَاكَ أَيْ فِيمَا إذَا اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ حَنَفِيًّا تَحْتَ يَدِ الْإِمَامِ وَرَأْيِهِ فَفِعْلُهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ قَتْلُهُ مُدْبِرِينَ. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (وَالْإِمَامُ) أَيْ إمَامُ الْجَيْشِ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ وَقَوْلُهُ: إبْقَاءً عَلَيْهِمْ أَيْ إبْقَاءً لِلْحَيَاةِ عَلَيْهِمْ أَوْ مَعْنَى إبْقَاءً شَفَقَةٌ عَلَيْهِمْ. أَوْ بِجَعْلِ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ وَلَا تَأْوِيلَ. وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ وَعِبَارَةُ ق ل. إبْقَاءً عَلَيْهِمْ أَيْ لَهُمْ وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ إشْفَاقًا عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ) أَيْ
عَلَيْهَا وَلَا قَطْعُ أَشْجَارِهِمْ أَوْ زُرُوعِهِمْ وَيَلْزَمُ الْوَاحِدَ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ مُصَابَرَةُ اثْنَيْنِ مِنْ الْبُغَاةِ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَصْبِرَ لِكَافِرَيْنِ فَلَا يُوَلِّي إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ لِلْعَادِلِ أَنْ يَعْمِدَ إلَى قَتْلِ ذِي رَحِمِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ.
وَحُكْمُ دَارِ الْبَغْيِ كَحُكْمِ دَارِ الْإِسْلَامِ. فَإِذَا جَرَى فِيهَا مَا يُوجِبُ إقَامَةَ حَدٍّ أَقَامَهُ الْإِمَامُ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهَا، وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ طَائِفَةً مِنْ الْبُغَاةِ وَقَدَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ.
تَتِمَّةٌ: فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَفِي بَيَانِ طُرُقِ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. كَالْقَضَاءِ فَشُرِطَ لِإِمَامٍ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قُرَشِيًّا لِخَبَرِ: «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» شُجَاعًا لِيَغْزُوَ بِنَفْسِهِ وَتُعْتَبَرُ سَلَامَتُهُ مِنْ نَقْصٍ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
إمَامِ الْحَرَمَيْنِ.
قَوْلُهُ: (فِي أَهْلِ قَلْعَةٍ) أَيْ لَا فِي إقْلِيمٍ فَلَا يَجُوزُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ عَقْرُ خُيُولِهِمْ) ثُمَّ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَوْ فِيهِ لَا لِضَرُورَةٍ ضَمِنُوا مَا لَمْ يَقْصِدُوا إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَ فِي الْقِتَالِ لِضَرُورَتِهِ فَلَا ضَمَانَ، كَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَمَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْنَا أَوْ عَكْسُهُ لِضَرُورَةِ حَرْبٍ، هَدَرٌ اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْحَرْبِ فَلَا نَضْمَنُ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ أَوْ فِيهَا لَا لِضَرُورَتِهَا فَمَضْمُونٌ عَلَى الْأَصْلِ فِي الْإِتْلَافَاتِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ قَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. بِمَا إذَا قَصَدَ أَهْلُ الْعَدْلِ التَّشَفِّيَ وَالِانْتِقَامَ لَا إضْعَافَهُمْ وَهَزِيمَتَهُمْ وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَازُ عَقْرِ دَوَابِّهِمْ، إذَا قَاتَلُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّا إذَا جَوَّزْنَا إتْلَافَ أَمْوَالِهِمْ خَارِجَ الْحَرْبِ لِإِضْعَافِهِمْ فَهَذَا أَوْلَى اهـ شَرْحُ م ر. قَوْلُهُ:(إلَّا إذَا قَاتَلُوا عَلَيْهَا) أَيْ فَيَجُوزُ وَلَا ضَمَانَ إنْ كَانَ لِضَرُورَةِ الْقِتَالِ أَوْ لِقَصْدِ هَزِيمَتِهِمْ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُوَلِّي) أَيْ الْمُسْلِمُ.
قَوْلُهُ: (إقَامَةَ) جَوَابُ إذَا
قَوْلُهُ: (فِي شُرُوطِ. . . إلَخْ) عَقَّبَ الْبُغَاةَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَغْيَ هُوَ الْخُرُوجُ عَلَى الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ الْقَائِمِ بِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي إقَامَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ) وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْإِمَامِ الْخَلِيفَةُ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُقَالُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَلَا خَلِيفَةُ اللَّهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. اهـ. ز ي. وَعَلَّلُوهُ: بِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَخْلِفُ مَنْ يَغِيبُ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ لِأَبِي بَكْرٍ يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ فَقَالَ: لَسْت بِخَلِيفَةِ اللَّهِ بَلْ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ} [فاطر: 39] اهـ. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْجَوَازِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَهَذِهِ الشُّرُوطُ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ أَيْضًا إلَّا الْفِسْقَ وَزَوَالَ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَإِلَّا إذَا كَانَ الْجُنُونُ مُتَقَطِّعًا وَزَمَنُ الْإِفَاقَةِ أَغْلَبَ سم عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (فَشَرْطُ الْإِمَامِ) وَهَذَا فِي الِابْتِدَاءِ فَلَا يَضُرُّ طُرُوُّ الْفِسْقِ أَوْ الْجُنُونِ إذَا كَانَتْ الْإِفَاقَةُ أَكْثَرَ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: فِي شُرُوطِ الْإِمَامِ.
قَوْلُهُ: (كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا ذَكَرًا حُرًّا عَدْلًا ذَا رَأْيٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَنُطْقٍ وَهَذَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ فَلَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى تَوْلِيَةِ فَاسِقٍ جَازَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْوَصَايَا وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: إذَا تَعَذَّرَتْ الْعَدَالَةُ فِي الْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ قَدَّمْنَا أَقَلَّهُمْ فِسْقًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى تَرْكِ النَّاسِ فَوْضَى أَيْ لَا إمَامَ لَهُمْ وَقَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَيْ لِيُرَاعِيَ مَصْلَحَةَ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ. وَقَوْلُهُ: بَالِغًا أَيْ لِيَلِيَ أَمْرَ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّ غَيْرَهُ فِي وِلَايَةِ غَيْرِهِ وَحِجْرِهِ فَكَيْفَ يَلِي أَمْرَ الْأُمَّةِ وَرَوَى أَحْمَدُ خَبَرَ «تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ إمَارَةِ الصَّبِيَّانِ» وَقَوْلُهُ: حُرًّا أَيْ لِيَكْمُلَ وَيُهَابَ وَيَتَفَرَّغَ وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ» مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَثِّ فِي بَذْلِ الطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ أَوْ عَلَى الْمُتَغَلِّبِ الْآتِي اهـ ز ي مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ق ل. وَقَوْلُهُ: مُجَدَّعُ الْأَطْرَافِ ضَبَطَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَتِهِ بِالْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَمَعْنَاهُ عَلَى كِلَيْهِمَا مُقَطَّعُ الْأَطْرَافِ. قَوْلُهُ: (شُجَاعًا) بِتَثْلِيثِ الشِّينِ قَامُوسٌ (ع ش) .
قَوْلُهُ: (اسْتِيفَاءَ الْحَرَكَةِ) بِأَنْ تَكُونَ الْحَرَكَةُ ضَعِيفَةً وَهَذَا غَيْرُ
النُّهُوضِ كَمَا دَخَلَ فِي الشَّجَاعَةِ
وَتَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ: الْأُولَى بِبَيْعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَوُجُوهِ النَّاسِ الْمُتَيَسِّرِ اجْتِمَاعُهُمْ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا عَدَدٌ وَيُعْتَبَرُ اتِّصَافُ الْمُبَايِعِ بِصِفَةِ الشُّهُودِ. وَالثَّانِيَةُ بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ مِنْ عَيْنِهِ فِي حَيَاتِهِ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ رضي الله عنهما وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فِي حَيَاتِهِ. كَجَعْلِهِ الْأَمْرَ فِي الْخِلَافَةِ تَشَاوُرًا بَيْنَ جَمْعٍ، كَمَا جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ، وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةَ فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ. وَالثَّالِثَةُ بِاسْتِيلَاءِ شَخْصٍ مُتَغَلِّبٍ عَلَى الْإِمَامَةِ وَلَوْ غَيْرَ أَهْلٍ لَهَا. نَعَمْ الْكَافِرُ إذَا تَغَلَّبَ لَا تَنْعَقِدُ إمَامَتُهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
سُرْعَةِ النُّهُوضِ قَوْلُهُ: (كَمَا دَخَلَ فِي الشَّجَاعَةِ) أَيْ الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ.
قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ قَوْلُهُ: (بِبَيْعَةِ) أَيْ بِمُعَاقَدَتِهِمْ وَمُوَافَقَتِهِمْ كَأَنْ يَقُولُوا بَايَعْنَاك الْخِلَافَةَ فَيَقْبَلَ. اهـ. شَيْخُنَا. وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ الرَّدِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ إلَّا أَنْ لَا يَصْلُحَ غَيْرُهُ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ) أَيْ حَلِّ الْأُمُورِ وَعَقْدِهَا.
قَوْلُهُ: (وَوُجُوهُ النَّاسِ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ فَإِنَّ وُجُوهَ النَّاسِ عُظَمَاؤُهُمْ بِإِمَارَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَفِي الْمُخْتَارِ وَجُهَ الرَّجُلُ صَارَ وَجِيهًا أَيْ ذَا جَاهٍ وَقَدْرٍ وَبَابُهُ ظَرْفٌ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (الْمُبَايِعِ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ.
قَوْلُهُ: (بِصِفَةِ الشُّهُودِ) مِنْ عَدَالَةٍ وَغَيْرِهَا لَا اجْتِهَادٍ.
قَوْلُهُ: (بِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ) خَرَجَ بِالْإِمَامِ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأُمَرَاءِ فَلَا يَصْلُحُ اسْتِخْلَافُهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ مَنْ يَكُونُ أَمِيرًا بَعْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ فِي ذَلِكَ اهـ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ) حَاصِلُهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا ثَقُلَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ دَعَا جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَاسْتَخْبَرَ عَنْ حَالِ عُمَرَ، مِنْهُمْ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانَ " أَنْ يَكْتُبَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا عَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ فِي آخِرِ عَهْدِهِ بِالدُّنْيَا خَارِجًا مِنْهَا وَعِنْدَ أَوَّلِ عَهْدِهِ بِالْآخِرَةِ دَاخِلًا فِيهَا حَيْثُ يُؤْمِنُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيَتَّقِي فِيهَا الْفَاجِرُ، وَيَصْدُقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، إنِّي اسْتَخْلَفْت عَلَيْكُمْ بَعْدِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا فَإِنْ عَدَلَ فَذَاكَ ظَنِّي وَعِلْمِي بِهِ وَإِنْ بَدَّلَ فَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ وَالْخَيْرَ أَرَدْت، وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " ثُمَّ أَمَرَ وَاحِدًا بِخَتْمِ الْكِتَابِ فَخَتَمَهُ ثُمَّ أَمَرَ عُثْمَانَ فَخَرَجَ بِالْكِتَابِ مَخْتُومًا فَبَايَعَ النَّاسُ وَرَضُوا بِهِ ثُمَّ دَعَا أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ خَالِيًا فَأَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَاهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ وَدَعَا لَهُ بِدَعَوَاتٍ مَذْكُورَةٍ فِي الصَّوَاعِقِ لِابْنِ حَجَرٍ.
وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ: كَمَا لِلتَّمْثِيلِ وَفِي قَوْلِهِ: كَجَعْلِهِ لِلتَّنْظِيرِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: كَمَا عَهِدَ. . . إلَخْ. أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ الْمَذْكُورَ يُسَمَّى عَهْدًا.
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) أَيْ عَدَمُ الرَّدِّ وَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ، بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ وَلَوْ غَابَ الْمَعْهُودُ لَهُ وَتَضَرَّرُوا بِغَيْبَتِهِ فَلَهُمْ إقَامَةُ نَائِبٍ عَنْهُ مَكَانَهُ لِيُعْزَلَ بِقُدُومِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ شُورَى) فَإِنْ قِيلَ: كَانَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ وَكَانَ رَأْيُ عُمَرَ أَنَّ الْأَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ أَفْضَلُهُمْ. وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وِلَايَةُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْأَفْضَلِ مِنْهُمْ لَكَانَ قَدْ نَصَّ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ، وَهُوَ قَصَدَ أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ الْعَهْدَ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ مُتَقَارِبِينَ فِي الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ وَأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْهُمْ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْفَاضِلِ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي مَنْزِلَةٍ وَغَيْرُهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ. وَعُلِمَ رِضَا الْأُمَّةِ بِمَنْ رَضِيَ بِهِ السِّتَّةُ شَوْبَرِيٌّ. وَقَوْلُهُ: أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ الْعَهْدَ جَعَلَ الْعَهْدَ كَالْقِلَادَةِ فِي عُنُقِهِ.
قَوْلُهُ: (شُورَى) أَيْ تَشَاوُرًا بَيْنَهُمْ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِغَيْرِهِمْ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (بَيْنَ سِتَّةٍ) . وَقَدْ نَظَمَهُمْ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ:
أَصْحَابُ شُورَى سِتَّةٌ فَهَاكَهَا
…
لِكُلِّ شَخْصٍ مِنْهُمُو قَدْرٌ عَلِيٍّ
عُثْمَانُ طَلْحَةُ وَابْنُ عَوْفٍ يَا فَتَى
…
سَعْدُ بْنُ وَقَّاصٍ زُبَيْرٌ مَعَ عَلِيٍّ
قَوْلُهُ: (فَاتَّفَقُوا عَلَى عُثْمَانَ) ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَلِيمًا رضي الله عنه أَيْ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَتَّفِقُوا فِي