الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْعِتْقِ
بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَهُوَ لُغَةً مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَتَقَ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَ وَعَتَقَ الْفَرْخُ إذَا طَارَ وَاسْتَقَلَّ فَكَأَنَّ الْعَبْدَ إذَا فُكَّ مِنْ الرِّقِّ تَخَلَّصَ وَاسْتَقَلَّ وَشَرْعًا إزَالَةُ مِلْكٍ عَنْ آدَمِيٍّ لَا إلَى مَالِكٍ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَخَرَجَ بِالْآدَمِيِّ الْبَهِيمَةُ فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُمَا. كَمَا فِي زَوَايَا الْخَبَايَا عَنْ الرَّافِعِيِّ لَوْ مَلَكَ طَائِرًا وَأَرَادَ إرْسَالَهُ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّوَائِبِ. وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37]
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ الْعِتْقِ]
ِ خَتَمَ الْمُصَنِّفُ كِتَابَهُ بِالْعِتْقِ رَجَاءَ أَنَّ اللَّهَ يُعْتِقُهُ مِنْ النَّارِ، وَأَخَّرَ عَنْهُ كِتَابَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْعِتْقَ بِهِ يَسْتَعْقِبُ الْمَوْتَ الَّذِي هُوَ خَاتِمَةُ أَمْرِ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَيَتَرَتَّبُ الْعِتْقُ فِيهِ عَلَى عَمَلٍ عَمِلَهُ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ، وَالْعِتْقُ فِيهِ قَهْرِيٌّ مَشُوبٌ بِقَضَاءِ أَوْطَارٍ وَهُوَ قُرْبَةٌ فِي حَقِّ مَنْ قَصَدَ بِهِ حُصُولَ وَلَدٍ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعِتْقَ بِاللَّفْظِ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِيلَادِ لِتَرَتُّبِ سَبَبِهِ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَتَأَخُّرِهِ فِي الِاسْتِيلَادِ وَلِحُصُولِ الْمُسَبَّبِ بِالْقَوْلِ قَطْعًا بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ لِجَوَازِ مَوْتِ الْمُسْتَوْلَدَةِ أَوَّلًا شَرْحُ م ر وع ش. وَالْعِتْقُ بِالْقَوْلِ: مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، بِدَلِيلِ عِتْقِ ذِي الْكُرَاعِ الْحِمْيَرِيِّ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَبِدَلِيلِ عِتْقِ أَبِي لَهَبٍ ثُوَيْبَةَ لَمَّا بَشَّرَتْهُ بِوِلَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا الْعِتْقُ بِالِاسْتِيلَادِ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْقَوْلِ مِنْ الْمُسْلِمِ قُرْبَةٌ سَوَاءٌ الْمُنْجَزُ وَالْمُعَلَّقُ وَأَمَّا صِيغَتُهُ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ فَلَيْسَتْ قُرْبَةً وَإِلَّا كَانَتْ قُرْبَةً كَإِنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ حُرٌّ مَثَلًا، وَأَمَّا الْعِتْقُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِاسْتِيلَادُ فَلَيْسَ قُرْبَةً لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَضَاءِ أَوْطَارٍ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ حُصُولُ عِتْقٍ أَوْ وَلَدٍ فَيَكُونُ قُرْبَةً وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ قُرْبَةٌ حَتَّى مِنْ الْكَافِرِ فَيُخَفَّفُ بِهِ عَنْهُ عَذَابُ غَيْرِ الْكُفْرِ كَمَا فِي م د عَلَى التَّحْرِيرِ وَالْعِتْقُ: اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَعْتَقَ وَالْمَصْدَرُ الْإِعْتَاقُ وَالْمُرَادُ بِالْعِتْقِ مَا يَشْمَلُ مَا كَانَ بِصِيغَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَا كَانَ بِغَيْرِ صِيغَةٍ كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَتْنُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ فِيهِ قُصُورٌ عَلَى مَا كَانَ بِصِيغَةٍ فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْمِيمُ. كَذَا قِيلَ: وَقَالَ الْعَنَانِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ: بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ التَّعْرِيفَ. وَهُوَ قَوْلُهُ: إزَالَةُ الْمِلْكِ إذْ الْعِتْقُ زَوَالُ الْمِلْكِ. وَهُوَ أَثَرُ الْإِعْتَاقِ، وَالرِّقُّ عَجْزٌ حُكْمِيٌّ سَبَبُهُ ذِلَّةُ الْكُفْرِ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْعِتْقَ مَجَازٌ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْمُسَبَّبِ، وَإِرَادَةِ السَّبَبِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ لَازِمٌ مُطَاوِعٌ لِأَعْتَقَ إذْ يُقَالُ: أَعْتَقَ الْعَبْدَ فَعَتَقَ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ اسْتِعْمَالَهُ: مُتَعَدِّيًا فَيُقَالُ: عَتَقْت الْعَبْدَ.
قَوْلُهُ: (مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ لُغَةً الِاسْتِقْلَالُ وَالْإِطْلَاقُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ غَيْرُهُ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَزِيدَ السَّبْقَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَقَلَّ) تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: (تَخَلَّصَ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ: إذَا سَبَقَ لِأَنَّ الْفَرَسَ إذَا سَبَقَ غَيْرَهُ فَكَأَنَّهُ تَخَلَّصَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (إزَالَةُ مِلْكٍ) الْمُرَادُ بِالْإِزَالَةِ مَا تَشْمَلُ الزَّوَالَ لِيَدْخُلَ فِيهِ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِرْثُهُ لَهُ وَقَوْلُهُ: لَا إلَى مِلْكٍ أَيْ خَاصٍّ فَخَرَجَ الْوَقْفُ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَمَنْ قَالَ: أَزَالَ الرِّقَّ عَنْ آدَمِيٍّ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ. وَقَالَ شَيْخُنَا: قَوْلُهُ: لَا إلَى مَالِكٍ دَخَلَ فِيهِ الْوَقْفُ. وَالْجَوَابُ: أَنْ يُقَالَ: إزَالَةُ الْمِلْكِ ذَاتًا وَمَنْفَعَةً فَالْمَنَافِعُ فِي الْوَقْفِ مِلْكٌ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (تَقَرُّبًا) هُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْقُيُودِ، لَا لِلِاحْتِرَازِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ عِتْقُهُمَا) وَهُوَ حَرَامٌ نَعَمْ إنْ أَرْسَلَ مَأْكُولًا بِقَصْدِ إبَاحَتِهِ لِمَنْ يَأْخُذُهُ جَازَ وَلِآخِذِهِ أَكْلُهُ فَقَطْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (فِي مَعْنَى السَّوَائِبِ) جَمْعُ سَائِبَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي كَانَتْ تُسَيَّبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
أَيْ بِالْإِسْلَامِ: {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] أَيْ بِالْعِتْقِ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً كَانَتْ فِدَاءَهُ مِنْ النَّارِ» وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ بِالذِّكْرِ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ الرَّقِيقَ كَالْغُلِّ فِي رَقَبَتِهِ فَهُوَ مُحْتَبَسٌ بِهِ كَمَا تُحْبَسُ الدَّابَّةُ بِالْحَبْلِ فِي عُنُقِهَا فَإِذَا أَعْتَقَهُ أَطْلَقَهُ مِنْ ذَلِكَ الْغُلِّ الَّذِي كَانَ فِيهِ رَقَبَتُهُ وَقَوْلُهُ: «حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ إمَّا لِأَنَّ ذَنْبَهُ فَاحِشٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ مِنْ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ. فَائِدَةٌ أَعْتَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نَسَمَةً وَعَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَعْتَقَتْ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - تِسْعًا وَسِتِّينَ وَعَاشَتْ كَذَلِكَ وَأَعْتَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَلْفًا وَأَعْتَقَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِائَةً مُطَوَّقِينَ بِالْفِضَّةِ وَأَعْتَقَ ذُو الْكُرَاعِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَتَسْرَحُ لَا تُمْنَعُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعًى وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا.
قَوْلُهُ: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] أَيْ مِنْ الرِّقِّ بِأَنْ أَعْتَقَهَا فَيُقْرَأُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ وَمِثْلُهُ: أَطْعَمَ، وَفِي قِرَاءَةٍ أُخْرَى فَالْأَوْلَى بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ فِيهِمَا مَرْفُوعَيْنِ لَكِنْ بِإِضَافَةِ الْأَوَّلِ وَتَنْوِينِ الثَّانِي، فَعَلَى الْقِرَاءَةِ وَهِيَ قِرَاءَتُهُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: اقْتَحَمَ أَوْ بَيَانٌ لَهُ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَلَا فَكَّ رَقَبَةً وَلَا أَطْعَمَ وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ قِرَاءَتُهُ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ. فَفَكُّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ وَتَكُونُ أَوْ لِلْإِبَاحَةِ وَيَكُونُ الْمُبْتَدَأُ الْمُقَدَّرُ وَهُوَ لَفْظُ هُوَ عَائِدًا عَلَى مُضَافٍ مُقَدَّرٍ فِي قَوْلِهِ:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} [البلد: 12] . أَيْ مَا اقْتِحَامُهَا هُوَ أَيْ اقْتِحَامُهَا فَكُّ إلَخْ وَاحْتِيجَ إلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْمُضَافِ لِأَجْلِ أَنْ يُفَسِّرَ الْمَصْدَرَ وَهُوَ الِاقْتِحَامُ بِالْمَصْدَرِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ إعْرَابِ السَّمِينِ. وقَوْله تَعَالَى أَيْ فِي حَقِّ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، لَمَّا أَعْتَقَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ:(وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ) أَيْ وقَوْله تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] . قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحِيحَيْنِ) عِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى الْفَرْجَ بِالْفَرْجِ» اهـ وَلَعَلَّ الرِّوَايَةَ مُخْتَلِفَةٌ اهـ. أج وَحَتَّى يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ هُنَا الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى، فَإِنَّ الْغَايَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَتَحْتَمِلُ الْأَدْنَى لِشَرَفِ أَعْضَاءِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ، كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْأَعْلَى فَإِنَّ حِفْظَهُ أَشَدُّ عَلَى النَّفْسِ قَالَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ:. اهـ. شَوْبَرِيٌّ وَالْفَرْجُ يَشْمَلُ الدُّبُرَ وَالْقُبُلَ وَسُمِّيَ فَرْجًا لِانْفِرَاجِهِ أَيْ انْفِتَاحِهِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْعِتْقَ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ لِأَنَّ مَعْصِيَةَ الْفَرْجِ الزِّنَا وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلْعِتْقِ مَزِيَّةً عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْوُضُوءِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَلِذَلِكَ كَانَ الْحَجُّ أَيْضًا يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ. اهـ. عَنَانِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (مُؤْمِنَةً) لِلْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (كَالْغُلِّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ الْحَبْلِ وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَهُوَ الْحِقْدُ فِي الصَّدْرِ، شَبَّهَ التَّخَلُّصَ مِنْ الرِّقِّ بِفَكِّ الْحَبْلِ مِنْ الرَّقَبَةِ وَاسْتَعَارَ الْفَكَّ لِلتَّخَلُّصِ فَتَكُونُ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً أَصْلِيَّةً.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُحْتَبَسٌ) أَيْ مَحْبُوسٌ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِالْمِلْكِ قَوْلُهُ: (قَدْ يَخْتَلِفُ) كَعِتْقِ الْأَمَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَعِتْقِ الْعَبْدِ مِنْ الْمَرْأَةِ. وَانْظُرْ لَوْ كَانَ الْعَتِيقُ وَاضِحًا وَالْمُعْتِقُ خُنْثَى هَلْ يُعْتَقُ الْعُضْوُ الزَّائِدُ مِنْهُ تَبَعًا أَمْ لَا رَاجِعْهُ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: بِأَنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ الْخُنْثَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد، ثُمَّ إنَّ الْجَوَابَ الثَّانِيَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ لِنَقْضِ الْأَوَّلِ بِاللِّسَانِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْكُفْرُ الَّذِي هُوَ أَفْحَشُ الْكَبَائِرِ حَتَّى مِنْ الزِّنَا م د. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ ذَنْبَ الْفَرْجِ الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بِخِلَافِ اللِّسَانِ فَإِنَّهُ إذَا كَفَرَ بِهِ وَتَابَ بِأَنْ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ.
قَوْلُهُ: (نَسَمَةً) أَيْ إنْسَانًا. جَوْهَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَعَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً) لَوْ قَالَ: وَعَاشَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَخْصَرَ كَمَا قَالَ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (حَكِيمٌ) بِوَزْنِ أَمِيرٍ وَحِزَامٌ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ بِوَزْنِ كِتَابٍ
الْحِمْيَرِيُّ فِي يَوْمٍ ثَمَانِيَةَ آلَافٍ وَأَعْتَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثَلَاثِينَ أَلْفًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَحَشَرَنَا مَعَهُمْ، آمِينَ.
وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُعْتِقٌ وَعَتِيقٌ وَصِيغَةٌ؛ وَقَدْ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (وَيَصِحُّ الْعِتْقُ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ) لِلرَّقَبَةِ (جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ) أَهْلٍ لِلتَّبَرُّعِ وَالْوَلَاءِ مُخْتَارٍ وَمِنْ وَكِيلٍ أَوْ وَلِيٍّ فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ مُوَلِّيَهُ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ بِلَا إذْنٍ وَلَا مِنْ غَيْرِ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ وَمُكَاتَبٍ وَمُكْرَهٍ، بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَيَصِحُّ مِنْ سَكْرَانَ وَمِنْ كَافِرٍ وَلَوْ حَرْبِيًّا وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ عَلَى عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ أَعْتَقَهُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ بَقِيَّةِ الْبُطُونِ. وَيَصِحُّ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ مُحَقَّقَةِ الْوُقُوعِ وَغَيْرِهَا كَالتَّدْبِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ لِتَحْصِيلِ الْقُرْبَةِ وَإِذَا عَلَّقَ الْإِعْتَاقَ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِالْقَوْلِ. وَيَمْلِكُهُ بِالتَّصَرُّفِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَمْ تُعَدَّ الصَّفْقَةُ وَلَوْ عَلَّقَهُ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ لَمْ تَبْطُلْ الصِّفَةُ وَيَصِحُّ مُؤَقَّتًا وَيَلْغُو التَّأْقِيتُ.
وَالرُّكْنُ الثَّانِي الْعَتِيقُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
مِصْبَاحٌ.
قَوْلُهُ: (ذُو الْكُرَاعِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ الْحِمْيَرِيُّ، نِسْبَةٌ إلَى حِمْيَرَ بِوَزْنِ دِرْهَمٍ اسْمُ قَبِيلَةٍ وَهُوَ أَيْ الْكُرَاعُ اسْمٌ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْخَيْلِ أَيْ صَاحِبُ الْخَيْلِ.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ الْعِتْقُ) أَيْ الْإِعْتَاقُ. قَوْلُهُ: (جَائِزُ التَّصَرُّفِ) أَيْ نَافِذُ التَّصَرُّفِ.
قَوْلُهُ: (أَهْلٌ لِلتَّبَرُّعِ) هُوَ بِمَعْنَى، الْمَتْنِ لَكِنَّهُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَتْنِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَخْرُجُ لِمُكَاتَبٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ مَعَ كَوْنِهِ جَائِزَ التَّصَرُّفِ. قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: نَعَمْ لَوْ أَوْصَى بِهِ السَّفِيهُ أَوْ أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ. أَوْ الْإِمَامُ قِنَّ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مَا يَأْتِي، أَوْ الْوَلِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ فِي كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ رَاهِنٌ مُوسِرٌ لِمَرْهُونٍ أَوْ وَارِثٌ مُوسِرٌ لِقِنِّ التَّرِكَةِ صَحَّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ وَكِيلٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ: لَزِمَتْ مُوَلِّيَهُ أَيْ بِسَبَبِ قَتْلٍ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ) هَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَأَهْلِيَّةُ تَبَرُّعٍ وَقَوْلُهُ: وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: وَالْوَلَاءُ. قَوْلُهُ: (وَمَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ) أَيْ بِالْقَوْلِ الْمُنْجَزِ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَيَنْفُذُ مَالُهُ، وَأَمَّا الْمُعَلَّقُ كَالتَّدْبِيرِ فَكَذَلِكَ يَنْفُذُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمُفْلِسُ، فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقَوْلِ الْمُنْجَزِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ كَالتَّدْبِيرِ فَيَصِحُّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مِنْ مُبَعَّضٍ) : أَيْ بِالْقَوْلِ الْمُنْجَزِ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَيَنْفُذُ وَكَذَا الْمُعَلَّقُ كَالتَّدْبِيرِ، لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يَزُولُ عَنْهُ الرِّقُّ، فَيَصِيرُ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَمُكَاتَبٌ) أَيْ لَا بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ وَلَا مُعَلَّقًا وَلَا مُنْجَزًا. قَوْلُهُ: (وَيُتَصَوَّرُ الْإِكْرَاهُ) مُرْتَبِطٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ أَمَّا الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَيَصِحُّ وَيُتَصَوَّرُ إلَخْ وَكَذَا يُتَصَوَّرُ فِي كَفَّارَةٍ لَزِمَتْ الصَّبِيَّ، فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْ الْعِتْقِ فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ وَأَعْتَقَ فَيَصِحُّ؛ أَيْ عِتْقُ الْوَلِيِّ عَنْ كَفَّارَةِ الصَّبِيِّ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَبِشَرْطِ الْعِتْقِ) أَيْ الْإِعْتَاقِ: قَوْلُهُ: (وَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ) : وَفَائِدَةُ ثُبُوتِهِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَسْلَمَ. وَرِثَهُ بِالْوَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (مُسْلِمًا) حَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ عِتْقُ مَوْقُوفٍ) : كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَتِيقُ. إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِلْمَحَلَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْعِتْقَ قَوْلُهُ: (يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ وَقْفَ تَرْتِيبٍ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْمَوْقُوفِ فِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَرْتِيبٌ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (وَيَصِحُّ مُعَلَّقًا بِصِفَةٍ) وَهُوَ أَيْ التَّعْلِيقُ غَيْرُ قُرْبَةٍ إنْ قُصِدَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ وَإِلَّا فَقُرْبَةٌ حَيْثُ كَانَ مِنْ مُسْلِمٍ وَيَجْرِي فِي التَّعْلِيلِ هُنَا مَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ مِنْ كَوْنِ الْمُعَلَّقِ بِفِعْلِهِ مُبَالِيًا أَوْ لَا. وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ. أَيْ التَّعْلِيقِ مِنْ نَحْوِ رَاهِنٍ مُعْسِرٍ وَمُفْلِسٍ وَمُرْتَدٍّ شَرْحُ م ر. لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي التَّعْلِيقِ بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ. وَقَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ التَّعْلِيقُ غَيْرُ قُرْبَةٍ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْعِتْقَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ يَكُونُ قُرْبَةً وَيَقْتَضِي ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَهُوَ قُرْبَةٌ إجْمَاعًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (كَالتَّدْبِيرِ) مِثَالُ الْمُحَقَّقَةِ الْوُقُوعِ وَمِثَالُ غَيْرِهَا كَدُخُولِ الدَّارِ.
قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) : أَيْ فِي التَّعْلِيقِ أَيْ فِي صِحَّتِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ) كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَكَسْبُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ لِلْوَارِثِ، وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعِتْقِ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَالِكُ، فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ نَافِذٌ وَالشَّارِعُ مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الْوَارِثُ. اهـ. . وَسَيَأْتِي فِي التَّدْبِيرِ لِلشَّارِحِ التَّصْرِيحُ
يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ عِتْقٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ كَمُسْتَوْلَدَةٍ وَمُؤَجَّرٍ بِخِلَافِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ كَرَهْنٍ عَلَى تَفْصِيلٍ مَرَّ بَيَانُهُ. وَهَذَا الرُّكْنُ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الصِّيغَةُ وَهِيَ إمَّا صَرِيحٌ وَإِمَّا كِنَايَةٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ:(وَيَقَعُ الْعِتْقُ) أَيْ يَنْفُذُ (بِصَرِيحِ) لَفْظِ (الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا كَأَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مُتَكَرِّرَيْنِ وَيَسْتَوِي فِي أَلْفَاظِهِمَا: الْهَازِلُ وَاللَّاعِبُ لِأَنَّ هَزْلَهُمَا جِدٌّ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَكَذَا: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ كَمَفْكُوكِ الرَّقَبَةِ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ. فُرُوعٌ لَوْ كَانَ اسْمُ أَمَتِهِ قَبْلَ إرْقَاقِهَا حُرَّةَ فَسُمِّيَتْ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ لَهَا يَا حُرَّةُ عَتَقَتْ إنْ لَمْ يَقْصِدْ النِّدَاءَ بِاسْمِهَا الْقَدِيمِ فَإِنْ كَانَ اسْمُهَا فِي الْحَالِ حُرَّةَ لَمْ تَعْتِقْ إلَّا إنْ قَصَدَ الْعِتْقَ. وَلَوْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّةِ رَقِيقِهِ خَوْفًا مِنْ أَخْذِ الْمَكْسِ عَنْهُ إذَا طَالَبَهُ الْمَكَّاسُ بِهِ وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ بِهِ لَمْ يَعْتِقْ بَاطِنًا وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ زَاحَمَتْهُ تَأَخَّرِي يَا حُرَّةُ فَبَانَتْ أَمَتَهُ لَمْ تَعْتِقْ وَلَوْ قَالَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِمَا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ إلَخْ أَيْ إنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ وَامْتَنَعَ مِنْهُ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَيْهِ اهـ شَرْحُ م ر وأ ج.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَبْطُلْ الصِّفَةُ) هَذَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَطْلَقَهُ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّهُ كَمَا قَيَّدَ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ صَارَتْ وَصِيَّةً وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ سم عَلَى حَجّ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(وَيَصِحُّ مُؤَقَّتًا) كَأُعْتِقُكَ شَهْرًا مَثَلًا. وَقَوْلُهُ: وَيَلْغُو التَّأْقِيتُ أَيْ وَيَعْتِقُ حَالًا. اهـ. م ر.
قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ إلَخْ) هَذَا النَّفْيُ صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ بِأَنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ أَصْلًا أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ جَائِزٌ كَالْعَارِيَّةِ، أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ هُوَ الْعِتْقُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ عِتْقٍ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ كَالْإِجَارَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْطُوقُ، وَأَمَّا الْمَفْهُومُ فَصُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ غَيْرُ عِتْقٍ يَمْنَعُ بَيْعَهُ وَذَلِكَ كَالرَّهْنِ اهـ.
قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ بَيْعَهُ) صِفَةٌ لِحَقٍّ.
قَوْلُهُ: (كَمُسْتَوْلَدَةٍ) مِثَالٌ لِمَا يَصِحُّ عِتْقُهُ وَقَوْلُهُ: وَمُؤَجَّرٌ مِثَالٌ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ ع ش.
قَوْلُهُ: (عَلَى تَفْصِيلٍ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا صَحَّ عِتْقُهُ كَاسْتِيلَادِهِ. قَالَ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ: وَلَا يَنْفُذُ إلَّا إعْتَاقُ مُوسِرٍ، وَإِيلَادُهُ أَيْ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ وَتَكُونُ قِيمَتُهُمَا رَهْنًا مَكَانَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَالتَّحْرِيرُ) أَيْ وَفَكُّ الرَّقَبَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ: بِصَرِيحِ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ وَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ: أَيْ مَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا. وَعِبَارَةُ سم، وَهُوَ مَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا كَأَنْتَ عَتِيقٌ اهـ. وَأَمَّا نَفْسُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ كَأَنْتَ إعْتَاقٌ أَوْ تَحْرِيرٌ. فَكِنَايَةٌ كَمَا فِي أَنْتِ طَلَاقٌ.
قَوْلُهُ: (لِوُرُودِهِمَا فِي الْقُرْآنِ) فِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِتْقِ فَلْيُنْظَرْ فِي أَيِّ آيَةٍ وَرَدَ فِيهَا. اهـ. ق ل. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ وُرُودُ مَجْمُوعِهِمَا فِيهِمَا فَالتَّحْرِيرُ وَرَدَ فِيهِمَا، وَالْعِتْقُ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
قَوْلُهُ: (كَمَفْكُوكِ الرَّقَبَةِ) أَوْ فَكَكْت رَقَبَتَك. اهـ. سم.
قَوْلُهُ: (فُرُوعٌ) : أَيْ سَبْعَةٌ وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ.
قَوْلُهُ: (لَوْ كَانَ اسْمُ أَمَتِهِ إلَخْ) هَذَا خَارِجٌ بِاشْتِرَاطِ قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَقْصِدْ النِّدَاءَ) بِأَنْ قَصَدَ الْعِتْقَ أَوْ أَطْلَقَ وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً بِهَذَا الِاسْمِ حَالَةَ النِّدَاءِ. فَإِنْ كَانَ قَدْ هُجِرَ وَتُرِكَ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَهُ سم: قَوْلُهُ: (لَمْ تَعْتِقْ) سَوَاءٌ قَصَدَ النِّدَاءَ أَوْ أَطْلَقَ قَوْلُهُ: (وَقَصَدَ الْإِخْبَارَ) أَيْ كَاذِبًا. اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَإِنْ قَصَدَ الْإِنْشَاءَ أَوْ أَطْلَقَ عَتَقَ مَرْحُومِيٌّ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَعْتِقْ بَاطِنًا، أَمَّا ظَاهِرًا فَيَعْتِقُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا فِي شَرْحِ م ر. فَإِنْ اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَيَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَفِي س ل. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَكَذَا لَا يَعْتِقُ ظَاهِرًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، فِي أَنْتِ طَالِقٌ لِمَنْ أَرَادَ حَلَّهَا مِنْ وَثَاقٍ بِجَامِعِ وُجُودِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (فَبَانَتْ أَمَتَهُ) بِنَصْبِ أَمَتِهِ إلْحَاقًا لِبَانَتْ ب كَانَتْ وَقَوْلُهُ: لَمْ تَعْتِقْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هُنَا مُعَارِضًا قَوِيًّا وَهُوَ غَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ حُرَّةٍ فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْعَفِيفَةِ عَنْ الزِّنَا، وَلَا كَذَلِكَ ثَمَّ وَلَوْ قِيلَ لَهُ أَمَتُك زَانِيَةٌ فَقَالَ: بَلْ حُرَّةٌ وَأَرَادَ عَفِيفَةً قُبِلَ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِيمَا يَظْهَرُ لِلْقَرِينَةِ الْقَوِيَّةِ هُنَا اهـ أج.
قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ) فَهُوَ صَرِيحٌ فِيهِمَا، كَطَلَّقَك اللَّهُ وَيُفَارِقُ
لِعَبْدِهِ: افْرَغْ مِنْ عَمَلِك وَأَنْتَ حُرٌّ. وَقَالَ: أَرَدْت حُرًّا مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيَدِينُ وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ أَعْتَقَك عَتَقَ أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ فَكَذَلِكَ. كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ مِثْلَ هَذَا الْعَبْدِ وَأَشَارَ إلَى عَبْدٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يَعْتِقْ ذَلِكَ الْعَبْدُ كَمَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِالْعَبْدِ يَمْنَعُ عِتْقَهُ وَيَعْتِقُ الْمُخَاطَبُ فَإِنْ قَالَ: مِثْلَ هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ: الْعَبْدِ، عَتَقَا كَمَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ. وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّمَا يَعْتِقُ الْأَوَّلُ فَقَطْ.
وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِرَجُلٍ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ لَا إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى، وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِتَقْوِيَتِهِ بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّ هَزْلَهُ جِدٌّ كَمَا مَرَّ فَيَقَعُ الْعِتْقُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ، أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ لِمَعْنَاهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ أَعْجَمِيٌّ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَةُ بِقَوْلِهِ. (وَ) يَقَعُ الْعِتْقُ أَيْضًا بِلَفْظِ (الْكِنَايَةِ) وَهُوَ مَا احْتَمَلَ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ كَقَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لَا خِدْمَةَ لِي عَلَيْك أَنْتَ سَائِبَةٌ أَنْتَ مَوْلَايَ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَأَزَلْتُ مِلْكِي أَوْ حُكْمِي عَنْك لِإِشْعَارِ مَا ذُكِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعَ النِّيَّةِ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ وَإِنْ احْتَفَّ بِهَا قَرِينَةٌ لِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ الْعِتْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِتْقِ التَّمْيِيزَ كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ. تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ لَفْظِ الْكِنَايَةِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا سَيِّدِي هَلْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
نَحْوُ بَاعَك اللَّهُ، حَيْثُ كَانَ كِنَايَةً لِضَعْفِهَا بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ دِينِك. اهـ. شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا.
أَيْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ الْقَبُولِ فَهُوَ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الْإِنْسَانُ إذَا أَسْنَدَهُ لِلَّهِ كَانَ صَرِيحًا وَمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِنْسَانُ كَالْبَيْعِ إذَا أَسْنَدَهُ لِلَّهِ كَانَ كِنَايَةً. وَقَدْ نَظَمَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
مَا فِيهِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْشَاءِ
…
وَكَانَ مُسْنَدًا لِذِي الْآلَاءِ
فَهْوَ صَرِيحٌ ضِدُّهُ كِنَايَهْ
…
فَكُنْ لِذَا الضَّابِطِ ذَا دِرَايَهْ
قَوْلُهُ: (ذَلِكَ الْعَبْدُ) أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَعْتِقُ أَوَّلُ فَقَطْ) ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (لَا إنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى) أَيْ إنَّ عَبْدِي حُرٌّ. فَلَا يَعْتِقُ وَيُفَارِقُ الْأُولَى بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا فِيهَا لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِعِلْمِهِ وَالظَّنُّ وَنَحْوُهُ، بِخِلَافِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي اسْتِفْسَارُهُ فِي صُورَتَيْ تَظُنُّ وَتَرَى وَيُعْمَلُ بِتَفْسِيرِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ مَرْحُومِيٌّ. فَإِنْ قَالَ مُرَادُهُ بِالظَّنِّ وَالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِهِ) لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: لِإِيقَاعِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا احْتَمَلَ إلَخْ) وَعِبَارَةُ ق ل: وَأَمَّا أَنْتَ ابْنِي أَوْ بِنْتِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي وَهَذِهِ أُمِّي أَوْ بِنْتِي فَتَعْتِقُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَوْ فِي خَوْفٍ مِنْ مَكْسٍ بِشَرْطِ إمْكَانِهِ حِسًّا وَإِنْ عُرِفَ نَسَبُهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُلَاطَفَةَ فَلَا عِتْقَ صَرِيحًا بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك) أَيْ لِكَوْنِي أَعْتَقْتُك وَيَحْتَمِلُ لِكَوْنِي بِعْتُك وَمِنْهُ، مَا إذَا قَالَ لَهُ: وَهَبْتُك نَفْسَك نَاوِيًا الْعِتْقَ. فَيَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَوْ نَاوِيًا التَّمْلِيكَ، فَيَعْتِقُ إنْ قَبِلَ فَوْرًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُك نَفْسَك وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ وَلَمْ يَحْتَجْ لِقَبُولٍ أَوْ التَّمْلِيكِ عَتَقَ، إنْ قَبِلَ فَوْرًا كَمَا فِي مَلَّكْتُك نَفْسَك قَالَ سم: وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ) أَيْ وُجِدَتْ بِهَا قَرِينَةٌ بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ أَعْتِقْنِي. فَقَالَ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك مَثَلًا. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ) . فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعَادَةَ وَالْعِبَادَةَ وَلَا يُمَيَّزُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِنِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ) :
هُوَ كِنَايَةٌ أَوْ لَا وَجْهَانِ رَجَّحَ الْإِمَامُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَهُوَ الظَّاهِرُ وَرَجَّحَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَغْوٌ لِأَنَّهُ مِنْ السُّؤْدُدِ وَتَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ، وَصِيغَةُ طَلَاقٍ أَوْ ظِهَارٍ صَرِيحَةً كَانَتْ أَوْ كِنَايَةً كِنَايَةٌ هُنَا أَيْ فِيمَا هُوَ صَالِحٌ فِيهِ خِلَافٌ، قَوْلِهِ لِلْعَبْدِ اعْتَدَّ أَوْ اسْتَبْرِئْ رَحِمَك، أَوْ لِرَقِيقِهِ أَنَا مِنْك حُرٌّ فَلَا يَنْفُذُ بِهِ الْعِتْقُ وَلَوْ نَوَاهُ وَلَا يَضُرُّ خَطَأٌ بِتَذْكِيرٍ أَوْ تَأْنِيثٍ فَقَوْلُهُ لِعَبْدِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ وَلِأَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ صَرِيحٌ.
وَتَصِحُّ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى جُزْءٍ مِنْ الرَّقِيقِ كَمَا قَالَ: فَإِذَا أَعْتَقَ الْمَالِكُ (بَعْضَ عَبْدٍ) مُعَيَّنٍ كَيَدِهِ أَوْ شَائِعٍ مِنْهُ كَرُبْعِهِ (عَتَقَ جَمِيعُهُ) سِرَايَةً كَنَظِيرِهِ فِي الطَّلَاقِ وَسَوَاءٌ الْمُوسِرُ وَغَيْرُهُ. لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا مِنْ غُلَامٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَجَازَ عِتْقَهُ وَقَالَ: لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» هَذَا إذَا كَانَ بَاقِيهِ لَهُ. فَإِنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ أَيْ نَصِيبًا مُشْتَرَكًا (لَهُ فِي عَبْدٍ) سَوَاءٌ كَانَ شَرِيكُهُ مُسْلِمًا أَمْ لَا كَثُرَ نَصِيبُهُ أَمْ قَلَّ (وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى الْعِتْقُ) مِنْهُ بِمُجَرَّدِ تَلَفُّظِهِ بِهِ (إلَى بَاقِيهِ) مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى أَدَاءِ الْقِيمَةِ. تَنْبِيهٌ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مُوسِرًا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فَاضِلًا ذَلِكَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ فِي جُزْءٍ مِنْ اللَّفْظِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) : مُعْتَمَدٌ. قَوْلِهِ: (مِنْ السُّؤْدُدِ) : أَيْ لَا مِنْ السِّيَادَةِ بِمَعْنَى الشَّرَفِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ السِّيَادَةِ يَعْتِقُ لِأَنَّ السِّيَادَةَ الْكَامِلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْحُرِّ. وَفِيهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى إلَّا إذَا كَانَ الِاشْتِقَاقُ خَاصًّا بِكَوْنِهِ مِنْ السُّؤْدُدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ السِّيَادَةِ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ السُّؤْدُدِ أَوْ مِنْ السِّيَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً. وَالسُّؤْدُدُ بِالْهَمْزِ مِثْلُ قُنْفُذٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَهُوَ بِضَمِّ السِّينِ لَا غَيْرُ وَيَجُوزُ إبْدَالُ الْهَمْزَةِ فِيهِ وَاوًا وَالدَّالُ الْأُولَى يَجُوزُ ضَمُّهَا وَفَتْحُهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ شَارِحُ لَامِيَّةِ ابْنِ مَالِكٍ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ اهـ.
قَوْلُهُ:
(وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ)، عَطْفُ تَفْسِيرٍ فَمَعْنَى يَا سَيِّدِي يَا مُدَبِّرَ مَنْزِلِي بِمَعْنَى أَنَّهُ قَائِمٌ بِمَصَالِحِهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي الرَّقَبَةَ. وَقَوْلُهُ: وَتَدْبِيرُ الْمَنْزِلِ أَيْ مِنْ كَوْنِ الْإِنْسَانِ يُدَبِّرُ أَحْوَالَ مَنْزِلِهِ فِيمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ كَوْنِهِ يَكْفِيهِ فِي مَعَاشِهِ كَذَا وَكَذَا وَمَلْبَسِهِ كَذَا وَكَذَا وَيُغْنِي عَنْ الضَّأْنِ اللَّحْمَ الْخَشِنَ مَثَلًا أَوْ غَيْرَهُ، مِنْ طَبِيخِ لَحْمٍ فِيهِ مَثَلًا، فَالتَّدْبِيرُ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ فِيمَا هُوَ صَالِحٌ فِيهِ) : أَيْ فِي الْعِتْقِ.
قَوْلُهُ: (أَنَا مِنْك حُرٌّ) : كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَاعْتَرَضَهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَنَا مِنْك طَالِقٌ وَهُوَ مَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مِنْهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي صِيغَةِ الطَّلَاقِ، وَأَنَا مِنْك حُرٌّ لَا صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةٌ، لَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا هُنَا أَيْ فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: أَنَا مِنْك طَالِقٌ الْكِنَايَةُ فِي الْعِتْقِ إنْ كَانَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي يَنْحَلُّ بِالطَّلَاقِ يَقُومُ بِكُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ خَامِسَةً، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّ الرِّقَّ لَا يَقُومُ بِالسَّيِّدِ كَمَا يَقُومُ بِالْعَبْدِ تَأَمَّلْ ع ش. نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ غَيْرَ كِنَايَةٍ هُنَا مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إزَالَةَ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَقِيقِهِ وَهِيَ عَدَمُ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا، بِحَيْثُ صَارَ مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا كَانَ كِنَايَةً ع ش.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَنْفُذُ بِهِ الْعِتْقُ) أَيْ فَيَكُونُ لَغْوًا.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَعْتَقَ الْمَالِكُ) : لَعَلَّ الْأَوْلَى الْوَاوُ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ غَيْرُ ظَاهِرٍ. قَوْلُهُ: (مُعَيَّنٌ) : الْأَوْلَى مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِبَعْضِ، فَكَانَ الصَّوَابُ نَصْبَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ نَعْتٌ مَقْطُوعٌ. أَيْ هُوَ مُعَيَّنٌ أَوْ أَنَّهُ مَجْرُورٌ لِلْمُجَاوَرَةِ أَوْ أَنَّهُ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ، الَّذِينَ يَرْسُمُونَ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَجْرُورِ.
قَوْلُهُ: (عَتَقَ جَمِيعُهُ) : أَيْ إنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ لِعِتْقِهِ الْمَالِكَ أَوْ شَرِيكَهُ بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ وَكِيلًا أَجْنَبِيًّا فَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا شَائِعًا مُعَيَّنًا كَنِصْفٍ عَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ ق ل. وَعِبَارَةُ أج فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ شَرِيكًا عَتَقَ مَا أَعْتَقَهُ وَسَرَى. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ عَنْ نَفْسِهِ، نَزَلَ فِعْلُهُ مَنْزِلَةَ شَرِيكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ فَيَقْتَصِرُ فِيهِ عَلَى مَا أَعْتَقَهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ) أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ عَتَقَ الشِّقْصُ الَّذِي أَعْتَقَهُ فَقَطْ، كَانَ هَذَا الشِّقْصُ الْمُعْتَقُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالشِّقْصُ الْبَاقِي مِلْكًا لَهُ فَكَانَ شَرِيكًا لِلَّهِ فِي مِلْكِ هَذَا الْعَبْدِ.
قَوْلُهُ: (مُشْتَرَكًا) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ
يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَدَسْتُ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ وَسُكْنَى يَوْمٍ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْفَلَسِ وَيُصْرَفُ إلَى ذَلِكَ كُلُّ مَا يُبَاعُ وَيُصْرَفُ فِي الدُّيُونِ. (وَكَانَ عَلَيْهِ) بِمُجَرَّدِ السِّرَايَةِ (قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) يَوْمَ الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِتْلَافِ فَإِنْ أَيْسَرَ بِبَعْضِ حِصَّتِهِ سَرَى إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ مِنْ نَصِيبِ شَرِيكِهِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ:«مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا عَتَقَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ فَهُوَ عَتِيقٌ» وَاحْتَرَزَ بِقَيْدِ يَسَارِهِ عَنْ إعْسَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي بَلْ الْبَاقِي مِلْكٌ لِشَرِيكِهِ وَيَعْتِقُ نَصِيبُهُ فَقَطْ.
وَالِاعْتِبَارُ بِالْيَسَارِ بِحَالَةِ الْإِعْتَاقِ، فَلَوْ أَعْتَقَ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ فَلَا تَقْوِيمَ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ التَّقْوِيمِ شُمُولُهُ لِمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذٌ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ نَفَذَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ السِّرَايَةِ مَا لَوْ كَانَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ مُسْتَوْلَدًا، بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ فَلَا سِرَايَةَ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَتَضَمَّنُ النَّقْلَ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ اسْتَوْلَدَهَا الْآخَرُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ حِصَّةُ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ مَوْقُوفَةً لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ إلَيْهَا قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
النَّصِيبَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا وَإِنَّمَا الْمُشْتَرَكُ الْعَبْدُ بِتَمَامِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُصْرَفُ فِي الدُّيُونِ) : لِأَنَّ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ تَصِيرُ كَالدَّيْنِ لِتَنَزُّلِ الْإِعْتَاقِ مَنْزِلَةَ الْإِتْلَافِ شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْإِعْتَاقِ) : أَيْ وَقْتَهُ وَهُوَ ظَرْفٌ لِلْقِيمَةِ. وَظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: مُوسِرٌ وَلَوْ كَانَ يَسَارُهُ بِمَالٍ غَائِبٍ، لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْعِتْقِ دَفْعُ الْقِيمَةِ بِالْفِعْلِ.
قَوْلُهُ: (سَرَى إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ إلَخْ) : وَلِلشَّرِيكِ مُطَالَبَةُ الْمُعْتِقِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَإِجْبَارُهُ عَلَيْهَا فَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ طَالَبَهُ الْقَاضِي وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ حَاضِرًا أَوْ قَرُبَ الْعَهْدُ رُوجِعَ أَهْلُ التَّقْوِيمِ، أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ، أَوْ طَالَ الْعَهْدُ، صُدِّقَ الْمُعْتِقُ فِي الْأَظْهَرِ، لِأَنَّهُ غَارِمٌ. اهـ. سم ز ي.
قَوْلُهُ: (شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ أَيْ جُزْءًا مَمْلُوكًا لَهُ. قَوْلُهُ (وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ) . فِيهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا بِجَمِيعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ مَعَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى كَوْنِهِ مُوسِرًا بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَقَطْ. أُجِيبَ: بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَالتَّقْدِيرُ يَبْلُغُ ثَمَنَ بَاقِي الْعَبْدِ. شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ) أَيْ ثَمَنَ مَا يَخُصُّ شَرِيكَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمُرَادُ بِالثَّمَنِ هُنَا الْقِيمَةُ وَإِطْلَاقُ الثَّمَنِ عَلَى الْقِيمَةِ فِيهِ تَسَامُحٌ. قَوْلُهُ: (قِيمَةَ عَدْلٍ) : مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَالْعَدْلُ بِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ أَيْ لَا زِيَادَةَ وَلَا نَقْصَ فِيهَا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ شَخْصٌ عَادِلٌ لَا جَوْرَ عِنْدَهُ وَلَا ظُلْمَ عِنْدَهُ، وَقَالَ ع ش: أَيْ بِتَقْوِيمِ عَدْلٍ. قَوْلُهُ: (فَأَعْطَى) : وَلَيْسَ الْإِعْطَاءُ قَيْدًا فِي الْعِتْقِ بَلْ يَعْتِقُ حَالًا وَإِنْ تَأَخَّرَ الْإِعْطَاءُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ. وَقَوْلُهُ: (حِصَصُهُمْ) أَيْ قِيمَةُ حِصَصِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ) يَقْتَضِي أَنَّ الْعِتْقَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ التَّقْوِيمِ وَإِعْطَاءُ الشُّرَكَاءِ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا وَلَا تَعْقِيبًا.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ.
قَوْلُهُ: (فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ مَا عَتَقَ) : قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ: عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ: هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ فِي الثَّانِي وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ: بِأَنَّهُ انْتَقَدَهُ غَيْرُهُ. وَإِنَّمَا يُقَالُ: عَتَقَ بِالْفَتْحِ وَأُعْتِقَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَلَا يُعْرَفُ عُتِقَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (قِيمَةُ الْعَبْدِ) أَيْ بَاقِيهِ.
قَوْلُهُ: (فَهُوَ عَتِيقٌ) : أَيْ مُعْتَقٌ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ اسْمُ مَفْعُولٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ التَّقْوِيمِ) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ. وَقَوْلُهُ: شُمُولُهُ أَيْ التَّقْوِيمِ. وَقَوْلُهُ:
لِمَا أَيْ النَّصِيبِ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهِ أَيْ الشَّرِيكِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ لَوْ كَانَ وَقَوْلُهُ: بِقَدْرِهِ أَيْ الْمُقَوَّمِ الْمَفْهُومِ مِنْ التَّقْوِيمِ.
قَوْلُهُ:
(وَهُوَ كَذَلِكَ) : أَيْ فَلَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ، شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ) : أَيْ بِمَا فِي يَدِهِ عَبْدًا إلَخْ.
قَوْلُهُ:
(وَيُسْتَثْنَى مِنْ السِّرَايَةِ) أَيْ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَتْنِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ اسْتَوْلَدَهَا) أَيْ الشَّرِيكُ. أَيْ ثُمَّ أَعْتَقَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ.
قَوْلُهُ:
(فَلَا سِرَايَةَ) أَيْ عَلَى الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْمُسْتَوْلَدِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ السِّرَايَةَ تَتَضَمَّنُ النَّقْلَ) : أَيْ نَقْلَ الْمِلْكِ، أَيْ: وَالْمُسْتَوْلَدَةِ لَا تَقْبَلُهُ. قَوْلُهُ: (وَيَجْرِي الْخِلَافُ إلَخْ) وَالْأَصَحُّ عَدَمُ السِّرَايَةِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَعْتَقَهَا) أَيْ نَجَّزَ
قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ لَا تَقْوِيمَ فِيهِمَا عَلَى الْعِتْقِ مَعَ يَسَارِهِ: الْأُولَى مَا إذَا وَهَبَ الْأَصْلُ لِفَرْعِهِ شِقْصًا مِنْ رَقِيقٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَعْتَقَ الْأَصْلُ مَا بَقِيَ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى نَصِيبِ الْفَرْعِ مَعَ الْيَسَارِ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاجِحِ. وَالثَّانِيَةُ:
مَا لَوْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ رَقِيقٍ ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ نَصِيبَهُ فَإِنَّهُ يَسْرِي إلَى الْبَاقِي الَّذِي لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ بِشَرْطِ الْيَسَارِ وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ عِتْقَهُ صَادَفَ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ
وَلَوْ كَانَ رَقِيقٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ فَأَعْتَقَ اثْنَانِ مِنْهُمْ نَصِيبَهُمَا مَعًا وَأَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ وَالْآخَرُ مُوسِرٌ قُوِّمَ جَمِيعُ نَصِيبِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْ عَلَى هَذَا الْمُوسِرِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ فَإِذَا أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ رَقِيقٍ مُشْتَرَكٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنْ خَرَجَ جَمِيعُ الْعَبْدِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ وَعَتَقَ جَمِيعُهُ. وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا نَصِيبُهُ عَتَقَ بِلَا سِرَايَةٍ وَلَا تَخْتَصُّ السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ وَحِينَئِذٍ اسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْمُوسِرِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَهُمَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى مِنْهُ بِالنُّفُوذِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ عِتْقِهِمَا وَإِيلَادُ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِعْتَاقُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَخَرَجَ بِالْمُوسِرِ الْمُعْسِرُ فَلَا يَسْرِي اسْتِيلَادُهُ كَالْعِتْقِ. نَعَمْ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْمُسْتَوْلِدُ أَصْلًا لِشَرِيكِهِ سَرَى كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ الَّتِي كُلُّهَا لَهُ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ لِلْإِتْلَافِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ أَيْضًا حِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ لَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَهَذَا إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ كَمَا هُوَ لِلْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عِتْقَهَا. وَقَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا أَيْ أَحَدُ الْمُسْتَوْلَدَيْنِ، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ نَصِيبُ الْآخَرِ، بِالتَّنْجِيزِ أَوْ بِالْمَوْتِ. قَوْلُهُ:(وَلَا قِيمَةَ عَلَيْهِ) : أَيْ تَنْزِيلًا لِإِعْتَاقِهِ، مَنْزِلَةَ رُجُوعِهِ، فِي الْهِبَةِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ، تَتَضَمَّنُ نَقْلَ مَا سَرَى إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي) . أَيْ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ.
قَوْلُهُ: (فَأَعْتَقَ الْبَائِعُ نَصِيبَهُ) : أَيْ الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ. قَوْلُهُ: (بِشَرْطِ الْيَسَارِ) : هُوَ قَيْدٌ لِلسِّرَايَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمٌ لِتَوَقُّفِ السِّرَايَةِ عَلَى الْيَسَارِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ الْغُرْمُ لِعَارِضٍ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ لِبَاقِيهِ فِيهِمَا فَسَقَطَ. تَوَقَّفَ الْمَرْحُومِيُّ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّ عِتْقَهُ) : رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ لُزُومِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا أَيْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَبَائِعِ الْفَلْسِ الرُّجُوعُ، وَنَزَلَ عِتْقُهُ مَنْزِلَةَ رُجُوعِهِ فَكَأَنَّهُ مَا أَعْتَقَ إلَّا مِلْكَهُ فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْقِيمَةُ.
قَوْلُهُ: (وَأَحَدُهُمَا مُعْسِرٌ) : فَإِنْ أَيْسَرَا، قُوِّمَ عَلَيْهِمَا حِصَّةُ الشَّرِيكِ عَلَى قَدْرِ الرُّءُوسِ لَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا مِنْ فَوَائِدِ الْمِلْكِ، وَسَبِيلُ السِّرَايَةِ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ وَعِبَارَةُ س ل. وَقَوْلُهُ: لَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ لِأَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفِ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَاتِهِمَا الْمُخْتَلِفَةِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ مِنْ فَوَائِدِ الْمِلْكِ وَثَمَرَتِهِ، فَوُزِّعَ بِحَسَبِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ إلَخْ) : غَرَضُهُ بِذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى التَّعْمِيمِ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ: وَهُوَ مُعْسِرٌ أَيْ فَكَأَنَّهُ قَالَ مُوسِرٌ: إمَّا بِكُلِّ مَالِهِ أَوْ بِثُلُثِهِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ.
قَوْلُهُ:
(وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ) أَيْ بِسَفَهٍ أَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فَلَا يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَسْرِي اسْتِيلَادُهُ) أَيْ وَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ الْمَهْرِ وَمِنْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ وَمِنْ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ رِقَّ حِصَّتِهِ مِنْهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ) : اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَلَا يَسْرِي أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ الْمُعْسِرِ لَا يَسْرِي اسْتِيلَادُهُ مَا لَمْ يَكُنْ أَصْلًا اسْتَوْلَدَ أَمَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَدِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَيَسْرِي كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَمَةَ الَّتِي كُلَّهَا مِلْكٌ لِوَلَدِهِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ اسْتَوْلَدَ الْجَارِيَةَ) : أَيْ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا. قَوْلُهُ:
(الَّتِي كُلُّهَا لَهُ) : أَيْ لِفَرْعِهِ قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ إلَخْ) : رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: يَسْرِي إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ كَالْعِتْقِ بَلْ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (حِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ) أَيْ مَهْرِ ثَيِّبٍ. وَقَوْلُهُ: مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ أَيْ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ) : بِخِلَافِ قِيمَةِ حِصَّةِ الْوَلَدِ لِأَنَّ أُمَّهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ حَالًا فَيَكُونُ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْمُوَلِّدِ فَلَا تَجِبُ الْقِيمَةُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا) : أَيْ لُزُومُ الْحِصَّةِ مِنْ الْمَهْرِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ.
قَوْلُهُ: (إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ) : وَلَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) : بِأَنْ تَقَدَّمَ الْإِنْزَالُ أَوْ قَارَنَ، فَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْمَهْرِ. وَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ الْقِيمَةِ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ حِصَّةُ
مَهْرٍ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ. وَشُرُوطُ سِرَايَةِ الْعِتْقِ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ إعْتَاقُ الْمَالِكِ وَلَوْ بِنَائِبِهِ بِاخْتِيَارِهِ كَشِرَائِهِ جُزْءَ أَصْلِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ مُقَابِلَ الْإِكْرَاهِ بَلْ الْمُرَادُ السَّبَبُ فِي الْإِعْتَاقِ وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِالِاخْتِيَارِ عَنْ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَعْتِقُ فِيهِ الشِّقْصُ وَالْإِكْرَاهُ لَا عِتْقَ فِيهِ وَخَرَجَ بِالِاخْتِيَارِ مَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ فَرْعِهِ أَوْ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْرِ عَلَيْهِ الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ سَبِيلُهُ سَبِيلُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَعِنْدَ انْتِفَاءِ الِاخْتِيَارِ لَا صُنْعَ مِنْهُ يُعَدُّ إتْلَافًا. الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ مَالٌ يَفِي بِقِيمَةِ الْبَاقِي أَوْ بَعْضِهِ كَمَا مَرَّ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهَا قَابِلًا لِلنَّقْلِ فَلَا سِرَايَةَ فِي نَصِيبٍ حُكِمَ بِالِاسْتِيلَادِ فِيهِ وَلَا إلَى الْحِصَّةِ الْمَوْقُوفَةِ وَلَا إلَى الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ. الشَّرْطُ الرَّابِعُ أَنْ يُعْتِقَ نَصِيبَهُ لِيُعْتِقَ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْرِي الْعِتْقُ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ لَغَا إذْ لَا مِلْكَ وَلَا تَبَعِيَّةَ فَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَرَى إلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَلَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ الْمُشْتَرَكِ وَأَطْلَقَ حُمِلَ عَلَى مِلْكِهِ فَقَطْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَعْتِقُ مَا يَمْلِكُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ
(وَمَنْ مَلَكَ وَاحِدًا مِنْ وَالِدِيهِ أَوْ مَوْلُودِيهِ) مِنْ النَّسَبِ بِكَسْرِ الدَّالِ فِيهِمَا مِلْكًا قَهْرِيًّا كَالْإِرْثِ أَوْ اخْتِيَارِيًّا كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ. (وَعَتَقَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَهْرٍ. هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِصَّةُ أَرْشِ الْبَكَارَةِ مُطْلَقًا وَالْوَجْهُ أَنَّهُ كَالْمَهْرِ مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ الْمَذْكُورُ. فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ وَعَنْ إزَالَةِ الْبَكَارَةِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، لَكَانَ أَنْسَبَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ع ش عَلَى م ر. وَفِيهِ: أَيْضًا وَلَوْ تَنَازَعَا فَزَعَمَ الْوَاطِئُ تَقَدُّمَ الْإِنْزَالِ وَالشَّرِيكُ تَأَخُّرَهُ صُدِّقَ الْوَاطِئُ فِيمَا يَظْهَرُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَهْرِ. وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ تَأَخُّرَ الْإِنْزَالِ وَيَحْتَمِلُ تَصْدِيقَ الشَّرِيكِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ تَعَدَّى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ: الضَّمَانُ. حَتَّى يُوجَدَ مُسْقِطٌ وَلَمْ نَتَحَقَّقْهُ وَهَذَا أَقْرَبُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي أَحْبَلَ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ إنْ كَانَ مُوسِرًا غَرِمَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْهُمَا مُطْلَقًا، وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا حِصَّتُهُ مِنْ الْمَهْرِ وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ فَيَلْزَمُهُ، إنْ تَأَخَّرَ الْإِنْزَالُ عَنْ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
قَوْلُهُ: (إعْتَاقُ الْمَالِكِ) : الْمُرَادُ بِالْإِعْتَاقِ مَا يَشْمَلُ الْعِتْقَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (بِاخْتِيَارِهِ) : الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ مِلْكَهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ اخْتِيَارِيٌّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعِتْقَ بِاخْتِيَارِهِ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ الْمُكْرَهُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عِتْقِ الْحُرِّ مَعَ السِّرَايَةِ لِلْبَاقِي وَالْمُكْرَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا لَا جُزْءٌ وَلَا غَيْرُهُ، حَتَّى يُحْتَرَزَ عَنْهُ بِقَيْدِ الِاخْتِيَارِ فَيَكُونَ قَوْلُهُ: بِالِاخْتِيَارِ مُتَعَلِّقًا بِمَالِكٍ أَيْ كَانَ مِلْكُهُ بِالِاخْتِيَارِ كَالشِّرَاءِ لَا بِالْقَهْرِ كَالْإِرْثِ.
قَوْلُهُ: (السَّبَبُ) : أَيْ التَّسَبُّبُ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ فَرْعِهِ) صُورَتُهُ أَنَّ زَوْجَتَهُ مَالِكَةٌ لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجِهَا وَأَخِيهَا فَيَرِثُ زَوْجُهَا النِّصْفَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْرِي، وَمِثْلُ الْإِرْثِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ. مِثَالُ ذَلِكَ: مَا لَوْ بَاعَ بَعْضَ ابْنِ أَخِيهِ ثُمَّ مَاتَ فَوَرِثَ أَخُوهُ الَّذِي هُوَ أَبُو الْوَلَدِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ فَرَدَّهُ وَاسْتَرْجَعَ بَعْضَ ابْنِهِ الْمَبِيعِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْرِي إنْ كَانَ مُوسِرًا كَمَا ذَكَرَهُ ع ش وس ل. قَوْلُهُ:(فَإِنَّهُ لَمْ يَسْرِ) : الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ لَا يَسْرِي. قَوْلُهُ: (الشَّرْطُ الثَّالِثُ إلَخْ) : تَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا وَهُوَ الصُّورَةُ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا مِنْ السِّرَايَةِ قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهَا) أَيْ السِّرَايَةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ مَلَكَ وَاحِدًا إلَخْ) هَذَا مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمَالِكُ حُرًّا كَامِلًا فَيَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ وَالْمُبَعَّضُ حَتَّى لَوْ مَلَكَ الْمُبَعَّضُ بِنْتَه، أَوْ أُمَّهُ، لَا تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ بَلْ تُورَثُ عَنْهُ. لَا يُقَالُ: إنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّهُ لَا رِقَّ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ لِلْوَارِثِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ، وَلَا مِلْكَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى يُقَالَ: تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ اهـ دَيْرَبِيٌّ م د. وَقَوْلُهُ: مِنْ وَالِدِيهِ أَيْ أَحَدِ أُصُولِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ النَّسَبِ) : فِيهِمَا وَلَوْ حَمْلًا أَوْ اخْتَلَفَا دِينًا أَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ، بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ فَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ الْحَامِلَ مِنْهُ عَتَقَ حَمْلُهَا. وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا عَمِيرَةُ: وَلَوْ قَالَ: لِمَنْ يَمْلِكُ بَعْضَهُ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ، فَفَعَلَ لَمْ يَعْتِقْ فَرَاجِعْهُ. اهـ. ق ل وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ إلَى تَعَدِّي ذَلِكَ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. اهـ. سم. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ عَاصِبٍ يُجْبِرُ الْقَاصِرَ عَلَى النِّكَاحِ وَلَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَالْبَالِغُ الْبِكْرُ عِنْدَهُ لَا تُزَوَّجَ إلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانِهَا.
قَوْلُهُ: (كَالْإِرْثِ) : بِأَنْ وَرِثَ أُمَّهُ مِنْ أَخِيهِ لِأَبِيهِ، أَوْ وَرِثَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ مِنْ عَمِّهِ.
قَوْلُهُ: (لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ) بِفَتْحِ الْيَاءِ
عَلَيْهِ) أَمَّا الْأُصُولُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] وَلَا يَتَأَتَّى خَفْضُ الْجَنَاحِ مَعَ الِاسْتِرْقَاقِ وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ الشِّرَاءُ، لَا أَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْمُعْتِقُ بِإِنْشَائِهِ الْعِتْقَ كَمَا فَهِمَهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ: فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92]{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: 93]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وُالْعَبْدِيَّةِ. تَنْبِيهٌ شَمَلَ قَوْلُهُ: وَالِدِيهِ أَوْ مَوْلُودِيهِ الذُّكُورَ مِنْهُمَا وَالْإِنَاثَ عَلَوْا أَوْ سَفَلُوا اتَّحَدَ دِينُهُمَا أَمْ لَا لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَرَابَةِ فَاسْتَوَى فِيهِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَخَرَجَ مَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْتِقُونَ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ عَنْهُ وَأَمَّا خَبَرُ: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ فَقَدْ عَتَقَ عَلَيْهِ» فَضَعِيفٌ بَلْ قَالَ النَّسَائِيُّ إنَّهُ مُنْكَرٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا مِنْ النَّسَبِ أَصْلُهُ أَوْ فَرْعُهُ مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ. تَتِمَّةٌ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْوَلِيِّ لِطِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ قَرِيبِهِ الَّذِي يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ بِالْغِبْطَةِ وَلَا غِبْطَةَ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَوْ وُهِبَ لِمَنْ ذُكِرَ أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِ وَلَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ كَأَنْ كَانَ هُوَ مُعْسِرًا أَوْ فَرْعُهُ كَسُوبًا فَعَلَى الْوَلِيِّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ يُكَافِئَ ح ل وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 12] . قَوْلُهُ: (فَيُعْتِقَهُ أَيْ الشِّرَاءُ) . قَالَ م ر فِي حَوَاشِيهِ: ظَنَّ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِنَصَبِ فَيَعْتِقَهُ عَطْفٌ عَلَى فَيَشْتَرِيَهُ. فَيَكُونُ الْوَلَدُ هُوَ الْمُعْتِقَ وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ رَفْعُهُ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ تَقْدِيرُهُ: فَيُعْتِقُهُ الشِّرَاءُ لِأَنَّ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ حَصَلَ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى لَفْظٍ وَعَلَى النَّصْبِ يَنْعَكِسُ الْمَعْنَى
وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَتَقَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَهُوَ حُرٌّ. وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا: مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِعْتَاقِ التَّسَبُّبُ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ لَا نَفْسُ التَّلَفُّظِ بِهِ. وَالْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِي سم مَا يُوَافِقُهُ اهـ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} [مريم: 88] أَيْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خُزَاعَةَ اسْمِ قَبِيلَةٍ، حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأَضَافُوا إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى صَاهَرَ الْجِنَّ عَلَى مَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ:{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] . ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: سُبْحَانَهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ شَبِيهًا بِالْوَالِدِ وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَدٌ لَأَشْبَهَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يُخَالِفَهُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَمَا بِهِ الْمُشَارَكَةُ غَيْرُ مَا بِهِ الْمُمَايَزَةُ، فَيَقَعُ التَّرْكِيبُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ مُرَكَّبٍ مُمْكِنٌ، فَاِتِّخَاذُهُ لِلْوَلَدِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُمْكِنًا غَيْرَ وَاجِبِ الْوُجُودِ، وَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْإِلَهِيَّةِ وَيُدْخِلُهُ فِي حَدِّ الْعُبُودِيَّةِ، وَلِذَلِكَ نَزَّهَ تَعَالَى نَفْسَهُ عَنْهُ فَلَمَّا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ الْوَلَدِ، أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ عِبَادُهُ وَالْعُبُودِيَّةُ تُنَافِي الْوِلَادَةَ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ تَفْسِيرِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ وَالْعُبُودِيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْعِبَادَةِ، لِأَنَّهَا تَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الْعُبُودِيَّةِ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ حَتَّى بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي غَايَةِ الذُّلِّ وَالْعَجْزِ وَالْخُضُوعِ، حَتَّى فِي الْآخِرَةِ إلَى الْمَوْلَى الْكَرِيمِ وَذَلِكَ عَيْنُ الْعُبُودِيَّةِ. قَوْلُهُ:(بِالْقَرَابَةِ) أَيْ الْخَاصَّةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ) أَيْ فِي عِتْقِهِمْ بِالْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (بَلْ قَالَ النَّسَائِيُّ إلَخْ) أَيْ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَبِفَرْضِ دَلَالَتِهِ يُرَادُ بِذِي الرَّحِمِ، الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ، حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ق ل.
قَوْلُهُ: (لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْوَلِيِّ) أَيْ يَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ ح ل.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَهَبَ) أَيْ الْقَرِيبُ الْمَذْكُورُ لِمَنْ ذُكِرَ أَيْ لِلطِّفْلِ، أَوْ الْمَجْنُونِ، أَوْ السَّفِيهِ.
قَوْلُهُ: (بِهِ) أَيْ بِقَرِيبِهِ، أَيْ بِجَمِيعِهِ فَإِنْ كَانَ لِجُزْءٍ مِنْهُ لَمْ يَقْبَلْهُ مُطْلَقًا لِضَرَرِهِ بِالسِّرَايَةِ وَلُزُومِ الْقِيمَةِ ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ
قَبُولُهُ وَيَعْتِقُ عَلَى مُوَلِّيهِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ وَحُصُولِ الْكَمَالِ لِلْبَعْضِ فَإِنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يَجُزْ لِلْوَلِيِّ قَبُولُهُ وَلَوْ مَلَكَ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مَجَّانًا كَأَنْ وَرِثَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ أَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ ثُلُثٍ وَإِنْ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يَرِثُهُ، لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ لَكَانَ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا عَلَى الْوَرَثَةِ فَيَبْطُلُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى إرْثِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى عِتْقِهِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهَا فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْ إجَازَتِهِ وَإِرْثِهِ عَلَى الْآخَرِ فَيَمْتَنِعُ إرْثُهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لِمَالِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ بِيعَ لِلدَّيْنِ، وَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ عِتْقَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهَبَ لَهُ أَيْ جَمِيعَهُ فَلَوْ وَهَبَ لَهُ بَعْضَهُ، وَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُوسِرٌ لَمْ يَجُزْ لِلْوَلِيِّ قَبُولُهُ، وَإِنْ كَانَ كَاسِبًا لِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَهُ لَمَلَكَهُ وَعَتَقَ عَلَيْهِ وَسَرَى فَتَجِبُ قِيمَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَبُولِ الْعَبْدِ بَعْضَ قَرِيبِ سَيِّدِهِ وَإِنْ سَرَى بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ مَصْلَحَةِ سَيِّدِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَصَحَّ قَبُولُهُ. إذَا لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ الْمُؤْنَةُ وَإِنْ سَرَى لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ وَالْوَلِيُّ تَلْزَمُهُ رِعَايَةُ مَصْلَحَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّسَبُّبُ فِي سِرَايَةٍ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا اهـ. وَفِيهِ: أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ عَدَمُ السِّرَايَةِ لِكَوْنِهِ دَخَلَ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ قَهْرًا وَعَلَيْهِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: بِوُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْوَلِيِّ وَعَدَمِ السِّرَايَةِ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: فَعَلَى الْوَلِيِّ لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الصَّبِيِّ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ فِعْلِ الصَّبِيِّ فَكَأَنَّهُ مَلَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (كَأَنْ كَانَ هُوَ) أَيْ الْمَوْلَى الْمَوْهُوبَ لَهُ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ، أَمَّا الذِّمِّيُّ فَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ لَكِنْ قَرْضًا كَمَا قَالَاهُ: فِي مَوْضِعٍ وَذَكَرَا فِي آخَرَ أَنَّهُ تَبَرُّعٌ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (أَوْ فَرْعُهُ كَسُوبًا) أَيْ أَوْ كَانَ فَرْعُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ كَسُوبًا أَيْ فِي صُورَةِ الْمَجْنُونِ أَيْ إذَا وُهِبَ لِلْمَجْنُونِ فَرْعُهُ الْكَسُوبُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: أَوْ فَرْعُهُ كَسُوبًا الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ قَرِيبُهُ، أَيْ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ. قَوْلُهُ:
(فَعَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُهُ) : فَإِنْ أَبَى قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ أَبَى قَبِلَ هُوَ الْوَصِيَّةَ إذَا بَلَغَ دُونَ الْهِبَةِ لِبُطْلَانِهَا، بِتَرَاخِي الْقَبُولِ سم. قَوْلُهُ:(لَمْ يَجُزْ) : أَيْ وَلَا يَصِحُّ ح ل. قَوْلُهُ: (عَتَقَ عَلَيْهِ) وَيَرِثُهُ ع ش.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَهُ) أَيْ فَلَا ضَرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا قَوْلُهُ: (بِلَا مُحَابَاةٍ) بِأَنْ كَانَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ حَبَوْت الرَّجُلَ حِبَاءً بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ أَعْطَيْته الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ قَالَ وَحَابَاهُ مُحَابَاةً سَامَحَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ حَبَوْته إذَا أَعْطَيْته ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَالِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِثُهُ) : أَيْ لَوْ خَرَجَ كُلُّهُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَوَهَّمُ إرْثُهُ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ عَتَقَ، مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، إذْ لَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى إجَارَتِهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ) إشَارَةٌ إلَى قِيَاسٍ اسْتِثْنَائِيٍّ اسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضَ التَّالِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَيَبْطُلُ فَيُنْتِجُ نَقِيضَ الْمُقَدَّمِ. كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَيَمْتَنِعُ إرْثُهُ وَالنَّتِيجَةُ هِيَ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يَرِثُهُ.
قَوْلُهُ: (لَكَانَ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا عَلَى الْوَرَثَةِ) : الْأَوْلَى عَلَى الْوَارِثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَمْلُوكُ بِالْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ وَارِثٌ فَيَكُونُ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا عَلَيْهِ نَفْسِهِ، وَالتَّبَرُّعُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِوَارِثٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ لَهُ، أَيْ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِرِضَا الْوَرَثَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمُتَبَرِّعِ عَلَيْهِ. مَعَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إجَازَةُ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: لَكَانَ عِتْقُهُ تَبَرُّعًا عَلَى الْوَارِثِ اهـ. وَهِيَ أَوْلَى وَيُمْكِنُ أَنَّ أَلْ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ لِلْجِنْسِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْوَارِثِ: أَيْ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِثَمَنِهِ عَلَى وَارِثٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ: إجَازَةُ الْوَارِثِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْوَارِثُ وَقْتَ الشِّرَاءِ حُرًّا حَتَّى يَصِحَّ إجَازَتُهُ فَالْمُرَادُ بِالْوَارِثِ مَنْ سَيَصِيرُ وَارِثًا وَهُوَ الْعَتِيقُ. قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ) : أَيْ هَذَا الْوَارِثِ الَّذِي مَلَكَ بِعِوَضٍ، أَيْ إجَازَةِ نَفْسِ الْعَتِيقِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ كَغَيْرِهِ هُنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ نَفْسِهِ. أَيْ إجَازَةِ الْمُوصَى لَهُ كَبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ مَعَ أَنَّ عِبَارَتَهُمْ هُنَاكَ وَهِيَ وَتَصِحُّ لِوَارِثٍ إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ صَرِيحَةٌ، فِي خِلَافِ ذَلِكَ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَيَقْرُبُ مَا ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (الْمُتَوَقِّفُ) أَيْ الْإِرْثُ وَقَوْلُهُ: الْمُتَوَقِّفُ أَيْ الْعِتْقُ وَقَوْلُهُ: عَلَيْهَا أَيْ الْإِجَازَةِ لَكِنَّ الْإِجَازَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْإِرْثِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا بِوَاسِطَةِ الْعِتْقِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مَدِينًا) : تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ. وَقَوْلُ م د: إنَّهُ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ: عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فِيهِ مُسَامَحَةٌ.
قَوْلُهُ: (بِدَيْنٍ