الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ
أَيْ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْأَصْغَرُ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِنَوَاقِضِ الْوُضُوءِ (هِيَ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ (أَوْ دُبُرِهِ) قَالَ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] :.
ــ
[حاشية قليوبي]
(تَنْبِيهٌ) قَدْ أَوْصَلَ بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ الضَّبَّةِ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً خَارِجًا عَنْ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ فَرَاجِعْهُ.
بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ هِيَ جَمْعُ سَبَبٍ، وَهُوَ لُغَةً مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَعُرْفًا مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ، وَإِضَافَتُهَا إلَى الْحَدَثِ بَيَانِيَّةٌ، وَلَامُهُ لِلْجِنْسِ، كَذَا قَالُوا، وَالْوَجْهُ بَقَاءُ الْإِضَافَةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا لِأَنَّهَا أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ، وَلَيْسَ الْفَائِتُ فِيهَا إلَّا تَسْمِيَةُ الْأَسْبَابِ حَدَثًا، وَلَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ أَمْرٍ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ، وَفِي اسْمِهَا وَجْهُ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْوُضُوءِ، وَلِمُوَافَقَةِ الْوُجُودِ وَالطَّبْعِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ الْأَصْغَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَكَذَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ إلَّا لِقَرِينَةٍ كَنِيَّةِ الْجُنُبِ رَفْعَ الْحَدَثِ، فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَكْبَرِ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ الَّذِي عَلَيْهِ، وَيُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا الْأَسْبَابُ الَّتِي شَأْنُهَا أَنْ يَنْتَهِيَ بِهَا الطُّهْرُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَثَانِيهَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَثَالِثُهَا الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا الْمُرَتَّبُ عَلَى الْأَسْبَابِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ اعْتِبَارًا لِأَنَّهُ نَتِيجَةٌ لَهُ وَإِلَّا فَهُمَا مُتَقَارِنَانِ، بَلْ الثَّلَاثَةُ مُتَقَارِنَةٌ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.
وَالْمُرَادُ بِالْأَعْضَاءِ مَا يُغْسَلُ وُجُوبًا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَهُوَ فِي الرَّأْسِ جُزْءٌ مُبْهَمٌ يَتَعَيَّنُ بِوُقُوعِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ وَدُخُولِ الْمَنْدُوبِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ شُمُولُ اسْمِ الْوُضُوءِ لَهُ، وَقِيلَ: يَقُومُ بِجَمِيعِهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْدُوبُ مِنْهَا، وَقِيلَ: بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، وَيَرْتَفِعُ بِغَسْلِ الْوَاجِبِ مِنْهَا وَمَنْعِ مَسِّ نَحْوِ الْمُصْحَفِ بِغَيْرِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا وَلَوْ بَعْدَ غَسْلِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ غَسْلُ كُلِّهَا، وَقَوْلُهُمْ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الطُّهْرُ، أَيْ لَوْ كَانَ وَإِلَّا فَهِيَ أَسْبَابٌ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَلِذَلِكَ صَحَّتْ النِّيَّةُ الْمُضَافَةُ إلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ مِنْهَا مَثَلًا. قَوْلُهُ:(بِنَوَاقِضِ الْوُضُوءِ) ذَكَرَهُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ نَقْضٌ فِيمَا يَأْتِي، إذْ أَصْلُ النَّاقِضِ مَا يُزِيلُ الشَّيْءَ مِنْ أَصْلِهِ اللَّازِمِ عَلَيْهِ بُطْلَانُ مَا مَضَى بِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ كَالْعِبَادَةِ هُنَا، وَلَيْسَ مُرَادًا.
قَوْلُهُ: (هِيَ) أَيْ الْأَسْبَابُ الَّتِي تَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا قِيَامُ الْحَدَثِ بِجَمِيعِ الْأَعْضَاءِ فِيمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ) الْحَصْرُ فِيهَا تَعَبُّدِيٌّ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا خَامِسٌ، وَشِفَاءُ دَائِمِ الْحَدَثِ غَيْرُ نَاقِضٍ، لِأَنَّ حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ، كَذَا قَالُوهُ، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ، فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ وَلَا بَعْدَهُ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهُ بِشِفَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَبُطْلَانُهَا بِشِفَائِهِ بَعْدَ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مَنْسُوبٌ إلَى ذَلِكَ الْخَارِجِ الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ زَالَتْ فَتَأَمَّلْ، وَبُطْلَانُ مَسْحِ الْخُفِّ لِلْمُتَطَهِّرِ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ عَلَى أَنَّهُ بِسَبَبِ الْحَدَثِ السَّابِقِ فَتَأَمَّلْ، وَأَمَّا أَفْرَادُهَا فَغَيْرُ الْخَارِجِ مِنْهَا مَعْقُولُ الْمَعْنَى مُقَاسٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا، وَإِلْحَاقُ النَّادِرِ فِيهِ بِالْمُعْتَادِ مِنْ حَيْثُ عُمُومُ الْخَارِجِ بِشُمُولِهِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (خُرُوجُ شَيْءٍ) فَهُوَ
ــ
[حاشية عميرة]
الْإِسْنَوِيُّ هَذَا بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى تَحْرِيمِ تَحْلِيَةِ السِّكِّينِ وَالْمُقَلِّمَةِ وَنَحْوِهِمَا مُطْلَقًا وَاتِّخَاذِ سِنِّ الْخَاتَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي تَضْبِيبِ الْأَوَانِي لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَمْوِيهُ السَّيْفِ وَالْخَاتَمِ وَنَحْوِهِمَا بِالذَّهَبِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ التَّمْوِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُلْبَسُ بِخِلَافِ هَذَا، أَوْ يُحْمَلُ ذَاكَ عَلَى نَفْسِ الْفِعْلِ، وَهَذَا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ، قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: الِاسْتِعْمَالُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الِاتِّخَاذِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ.
[بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ]
ِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (هِيَ أَرْبَعَةٌ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: عِلَّةُ النَّقْضِ بِهَا غَيْرُ مَعْقُولَةٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرُهَا، وَلَك أَنْ تَقُولَ: التَّعَالِيلُ الْآتِيَةُ فِي مَسَائِلِ اللَّمْسِ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ قُبُلِهِ) قِيلَ: هَذَا التَّعْبِيرُ مِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ مَا يَخْرُجُ مِنْ
وَالْغَائِطُ: الْمَكَانُ الْمُطَمْئِنُ مِنْ الْأَرْضِ تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ، سُمِّيَ بِاسْمِهِ الْخَارِجُ لِلْمُجَاوَرَةِ. وَسَوَاءٌ فِي النَّقْضِ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ كَالْبَوْلِ وَالنَّادِرُ كَالدَّمِ. (إلَّا الْمَنِيَّ) فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَأَنْ احْتَلَمَ النَّائِمُ قَاعِدًا عَلَى وُضُوءٍ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ الْأَعَمَّ مِنْ الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا نَقَضَ الْحَيْضُ مَعَ إيجَابِهِ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِبَقَاءِ الْوُضُوءِ مَعَهُ. (وَلَوْ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ) مَخْرَجٌ (تَحْتَ مَعِدَتِهِ) وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَى الْمُنْخَسِفِ تَحْتَ الصَّدْرِ، أَيْ انْفَتَحَ تَحْتَ السُّرَّةِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ (فَخَرَجَ) مِنْهُ (الْمُعْتَادُ نُقِضَ، وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُنْسَدِّ فِي الْمُعْتَادِ ضَرُورَةً، فَكَذَا فِي
ــ
[حاشية قليوبي]
الْمُوجِبُ وَالْمُرَادُ تَيَقُّنُ خُرُوجِهِ فَلَا نَقْضَ بِالشَّكِّ كَمَا يَأْتِي، وَالِانْقِطَاعُ شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ وَالْقِيَامُ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا شَرْطٌ لِضِيقِ الْوَقْتِ، وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ مَا يَعُمُّ خُرُوجَ الشَّيْءِ وَبَعْضَهُ وَإِنْ عَادَ أَوْ اسْتَمَرَّ، وَمِنْهُ مَا لَوْ سَلَّ عُودًا أَدْخَلَهُ فِي نَحْوَ قَصَبَةِ ذَكَرِهِ مَعَ بَقَائِهَا، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِالدُّخُولِ إنْ لَمْ يَعُدْ مِنْ الدَّاخِلِ شَيْءٌ. قَوْلُهُ:(مِنْ قُبُلِهِ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ مَخْرَجَ الْبَوْلِ وَالْحَيْضِ وَقُبُلَيْ الْخُنْثَى، وَيَشْمَلُ الْمُتَعَدِّدَ إلَّا زَائِدًا يَقِينًا عَلَى غَيْرِ سَمْتِ الْأَصْلِيِّ. نَعَمْ فِي النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ الشَّكِّ بَحْثٌ يُعْلَمُ مِنْ الْخُنْثَى وَغَيْرِهِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ عَدَمُ النَّقْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي اللَّمْسِ كَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْهُ. وَيُعْتَبَرُ مِنْ ذَكَرَيْنِ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا وَيُمْنِي مِنْ الْآخِرِ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (الْمُتَوَضِّئِ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ فَرْضًا فَهُوَ تَقْرِيبٌ، وَالْمُرَادُ الْحَيُّ الْوَاضِحُ، فَلَا بُدَّ فِي الْخُنْثَى مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ قُبُلَيْهِ جَمِيعًا. قَوْلُهُ:(الْمُطَمْئِنُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَأَصْلُهُ الْمُطَمْأَنُ فِيهِ، فَحُذِفَ الْجَارُّ فَاتَّصَلَ الضَّمِيرُ وَاسْتَكَنَّ. قَوْلُهُ:(وَالْخَارِجُ) .
قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ: مِنْ الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ نَادِرًا كَالدَّمِ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا قِيَاسَ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (كَالدَّمِ) وَلَوْ مِنْ الْبَاسُورِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، وَيَنْقُضُ خُرُوجُ نَفْسِ الْبَاسُورِ أَوْ زِيَادَةُ خُرُوجِهِ، وَكَذَا مَقْعَدَةُ الْمَزْحُورِ، وَلَا يَضُرُّ دُخُولُهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ وَلَوْ بِقُطْنَةٍ، وَلَا يَضُرُّ فَصْلُ شَيْءٍ عَلَى الْقُطْنَةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُنْفَصِلِ قَبْلَ الدُّخُولِ. قَوْلُهُ:(إلَّا الْمَنِيَّ) أَيْ مَنِيُّهُ الْمُوجِبُ لِلْغُسْلِ فَخَرَجَ مَنِيُّ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِمَنِيِّهِ وَمَنِيُّهُ الْخَارِجُ بَعْدَ اسْتِدْخَالِهِ، وَخَرَجَ بِالْمَنِيِّ الْوَلَدُ وَلَوْ عَلَقَةً وَمُضْغَةً فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَعَ إيجَابِهِ الْغُسْلَ مُطْلَقًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: لَا يَنْقُضُ لَوْ كَانَ جَافًّا كَالْمَنِيِّ، وَلِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا عَقِبَهُ قَبْلَ الْغُسْلِ، وَتُفْطِرُ بِهِ لَوْ كَانَتْ صَائِمَةً، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَفِي ذَلِكَ تَبْعِيضُ الْأَحْكَامِ فَرَاجِعْهُ. وَأَمَّا خُرُوجُ بَعْضِ الْوَلَدِ فَيَنْقُضُ وَلَا يَلْزَمُهَا بِهِ غُسْلٌ حَتَّى يَتِمَّ جَمِيعُهُ.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلَا تُعِيدُ مَا فَعَلَتْهُ مِنْ الْعِبَادَةِ قَبْلَ تَمَامِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْغُسْلُ بِكُلِّ جُزْءٍ لِانْعِقَادِهِ مِنْ مَنِيِّهِمَا، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ: تَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي كُلِّ جُزْءٍ.
قَوْلُهُ: (الْأَعَمَّ) أَيْ لِشُمُولِهِ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ مَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ بِخُصُوصِهِ لَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا مَعَهُ بِعُمُومِهِ، كَزِنَا الْمُحْصِنِ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الرَّجْمُ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ زِنَا مُحْصِنٍ، فَلَا يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا وَهُوَ الْجَلْدُ بِعُمُومِ كَوْنِهِ زِنًى، فَهُنَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ مَنِيًّا، فَلَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِعُمُومِ كَوْنِهِ خَارِجًا، وَلَا يَرِدُ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ بِخُصُوصِ كَوْنِهِ جِمَاعًا مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ لِعُمُومِ كَوْنِهِ مُفَطِّرًا، وَلَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ بِخُصُوصِ كَوْنِهَا غَمُوسًا مَعَ التَّعْزِيرِ بِعُمُومِ كَوْنِهَا مَعْصِيَةً لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: الْأَعَمَّ الْمُفِيدَ أَنَّ الْأَدْوَنَ بَعْضُ الْأَعْظَمِ، وَلَا يَرِدُ مَا لَوْ كَفَّرَ فِي رَمَضَانَ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ وَلَمَّا كَانَ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ، أَجَابَ عَنْهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا نَقَضَ الْحَيْضُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (لَا فَائِدَةَ لِبَقَاءِ الْوُضُوءِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِخِلَافِهِ فِي الْمَنِيِّ فَلِبَقَائِهِ فَائِدَةٌ فِي سَلَسٍ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ قَطْعًا أَوْ بِأَنَّهُ يَنْوِي بِوُضُوئِهِ فِيهِ سُنَّةَ الْغُسْلِ لَا رَفْعَ الْحَدَثِ، لَا يُقَالُ: قَدْ يُتَصَوَّرُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النِّفَاسِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا نَادِرٌ عَلَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ سَلَسٌ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَصْلًا: نَعَمْ يَصِحُّ غُسْلُ الْحَائِضِ وَوُضُوءُهَا لِذَلِكَ الْغُسْلِ فِي نَحْوِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبِيحٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ النَّظَافَةُ.
قَوْلُهُ: (انْسَدَّ) بِأَنَّ صَارَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ. قَوْلُهُ: (مَخْرَجُهُ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ مَا لَوْ انْسَدَّ كُلٌّ مِنْ قُبُلِهِ وَدُبُرِهِ. قَوْلُهُ: (وَانْفَتَحَ) يُفِيدُ طُرُوُّ انْفِتَاحِهِ، وَعَطْفُهُ بِالْوَاوِ يُفِيدُ شُمُولَهُ لِمَا لَوْ كَانَ الِانْفِتَاحُ قَبْلَ الِانْسِدَادِ، أَوْ كَانَ بِفِعْلٍ، أَوْ كَانَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِهِ الْمَنَافِذُ الْأَصْلِيَّةُ كَأُذُنِهِ وَفَمِهِ فَلَا نَقْضَ بِالْخَارِجِ مِنْهَا خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا. قَوْلُهُ:(مَخْرَجٌ) فَإِنْ تَعَدَّدَ وَكَانَ بَعْضُهُ أَقْرَبَ فَيَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (وَهِيَ مِنْ السُّرَّةِ إلَخْ) هَذَا حَقِيقَتُهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَاللُّغَوِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مِنْ حَيْثُ الْأَحْكَامُ نَفْسُ السُّرَّةِ وَمَا حَاذَاهَا مِنْ خَلْفِهِ وَجَوَانِبِهِ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِمَا فِي الدَّقَائِقِ. قَوْلُهُ:(الْمُعْتَادُ) أَيْ لِلشَّخْصِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَا لِلْمُنْسَدِّ وَمِنْهُ الرِّيحُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَلَعَلَّ تَخْصِيصَهُ بِغَيْرِ الرِّيحِ لِاعْتِبَارِهِ النَّقْضَ بِالْخَارِجِ مِنْ الْمَنَافِذِ الَّتِي مِنْهَا الْفَمُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَأَلْحَقَ غَيْرَهُ بِهِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَمِنْ الْمُعْتَادِ الْمَذْيُ وَالْوَدْيُ وَالْمَنِيُّ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيِّ وَغَيْرُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِبَعْضِ كُتُبِ النَّوَوِيِّ أَنَّهَا مِنْ النَّادِرِ مُرَادُهُ مَا لَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ كَالْبَوْلِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْمُنْفَتِحِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ ذَلِكَ لِمَا يَأْتِي فِي الْغُسْلِ
ــ
[حاشية عميرة]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النَّادِرِ.
وَالثَّانِي يَقُولُ: لَا ضَرُورَةَ فِي قِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي النَّادِرِ فَلَا يَنْقُضُ (أَوْ) انْفَتَحَ (فَوْقَهَا) أَيْ فَوْقَ الْمَعِدَةِ بِأَنْ انْفَتَحَ فِي السُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا، كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ (وَهُوَ) أَيْ الْأَصْلِيُّ (مُنْسَدٌّ أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلَا) يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْمُعْتَادُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ مِنْ فَوْقِهَا بِالْقَيْءِ أَشْبَهُ إذْ مَا تُحِيلُهُ الطَّبِيعَةُ تَدْفَعُهُ إلَى أَسْفَلَ وَمِنْ تَحْتِهَا لَا ضَرُورَةَ إلَى مَخْرَجِهِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيُّ الْخُرُوجِ تَحَوَّلَ مَخْرَجُهُ إلَى مَا ذُكِرَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَنْقُضُ النَّادِرُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ انْفَتَحَ فَوْقَهَا وَالْأَصْلِيُّ مُنْفَتِحٌ فَلَا نَقْضَ كَالْقَيْءِ، وَفِيهِ وَجْهٌ وَحَيْثُ قِيلَ بِالنَّقْضِ فِي الْمُنْفَتِحِ فَقِيلَ لَهُ حُكْمُ الْأَصْلِيِّ مِنْ إجْزَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ فِيهِ بِالْحَجَرِ، وَإِيجَابِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ، وَالْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ، وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَوْقَ الْعَوْرَةِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ وَخُرُوجِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ عَنْ الْقِيَاسِ، فَلَا يَتَعَدَّى الْأَصْلِيُّ، أَمَّا الْأَصْلِيُّ فَأَحْكَامُهُ بَاقِيَةٌ. وَلَوْ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مَسْدُودَ الْأَصْلِيِّ فَمُنْفَتِحُهُ كَالْأَصْلِيِّ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالْخَارِجِ مِنْهُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ كَانَ أَوْ فَوْقَهَا. وَالْمَسْدُودُ كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى لَا يَجِبُ بِمَسِّهِ وُضُوءٌ وَلَا بِإِيلَاجِهِ أَوْ الْإِيلَاجُ فِيهِ غُسْلٌ.
قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ.
(الثَّانِي زَوَالُ الْعَقْلِ) أَيْ التَّمْيِيزِ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ سُكْرٍ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ انْفَتَحَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِفَوْقِهَا مَا فَوْقَ تَحْتِهَا، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، أَوْ أَنَّهُ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنْ الْمُضَافِ، وَفِي نُسْخَةٍ فَوْقَهُ وَهِيَ وَاضِحَةٌ، وَفَوْقَهَا مَعْطُوفٌ عَلَى تَحْتَهَا لَا بِقَيْدِ الِانْسِدَادِ فَلَا يُخَالِفُ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهُ ضَرُورِيُّ الْخُرُوجِ) أَيْ فِي نَفْسِهِ تَحَوَّلَ مَخْرَجُهُ أَيْ صَارَ لَهُ مَخْرَجٌ آخَرُ، فَالْعِلَّةُ صَالِحَةٌ لِمُقَابِلِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ، وَفَارَقَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّهُ لَا حُكْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَخْرَجٌ قَطْعًا لِلْمُنَاسِبِ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مَخْرَجًا لِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ:(وَعَلَى هَذَا لَا يَنْقُضُ) بِإِثْبَاتِ لَا عَلَى الصَّوَابِ الْمُتَعَيَّنِ لِفَقْدِ عِلَّةِ الضَّعِيفِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ: الصَّوَابُ حَذْفُهَا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَحَيْثُ قِيلَ) أَيْ عَلَى الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ صَحِيحُهَا وَضَعِيفُهَا. قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ) فَأَحْكَامُ الْأَصْلِيِّ بَاقِيَةٌ لَهُ مَا عَدَا النَّقْضَ بِالْخَارِجِ، وَمِثْلُهُ النَّوْمُ مُمَكِّنًا إنْ أَمْكَنَ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ، وَلَوْ لَمْ يَنْفَتِحْ لَهُ مَخْرَجٌ أَصْلًا مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ فَفِي النَّقْضِ بِنَوْمِهِ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:(وَلَوْ خُلِقَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ، وَهَذَا فِي الْخِلْقِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالِانْسِدَادِ مَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (فَمُنْفَتِحُهُ) وَلَوْ فَوْقَ الْمَعِدَةِ أَوْ فِيهَا أَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْأَصْلِيِّ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِالْخَارِجِ مِنْهُ) وَلَوْ نَادِرًا. قَوْلُهُ (كَعُضْوٍ زَائِدٍ مِنْ الْخُنْثَى) فَجَمِيعُ أَحْكَامِ الْأَصْلِيِّ انْتَقَلَتْ عَنْهُ إلَيْهِ، وَمِنْهَا الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِالْحَجَرِ وَمِنْهَا سَتْرُهُ عَنْ الْأَجَانِبِ وَفِي الصَّلَاةِ وَلَوْ حَالَ السُّجُودُ لَوْ كَانَ فِي الْجَبْهَةِ مَثَلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ، وَكَشْفُهَا يُبْطِلُهَا خِلَافًا لِلْخَطِيبِ، وَانْظُرْ قَدْرَ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ وَيُبْطِلُ كَشْفُهُ فِي الْجَبْهَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: وَحَيْثُ أُقِيمَ إلَخْ هُوَ فِي الِانْسِدَادِ الْعَارِضِ خِلَافًا لِمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَتُهُ.
(تَنْبِيهٌ) سَيَأْتِي حُكْمُ خُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الْمُنْفَتِحِ فِي الِانْسِدَادِ الْخِلْقِيِّ وَالْعَارِضِ فَرَاجِعْهُ مِنْ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (الْعَقْلِ) هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَنْعِهِ صَاحِبَهُ مِنْ الْفَوَاحِشِ وَشَرْعًا يُطْلَقُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ صِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَهَذَا يُزِيلُهُ الْإِغْمَاءُ وَنَحْوُهُ، وَعَلَى الْغَرِيزِيِّ، وَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ غَرِيزَةٌ يَتْبَعُهَا الْعِلْمُ بِالضَّرُورِيَّاتِ. أَيْ ضَرُورَةً بِمَعْنَى قَهْرًا عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْآلَاتِ أَيْ الْحَوَاسِّ، وَهَذَا لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْجُنُونُ وَمَحَلُّهُ الْقَلْبُ، وَلَهُ شُعَاعٌ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ، فَهُوَ مُطْلَقًا زَوَالُ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ ثُمَّ إنْ كَانَ مَعَ قُوَّةِ حَرَكَةِ الْأَعْضَاءِ بِلَا طَرِبٍ فَهُوَ الْجُنُونُ، أَوْ مَعَ طَرِبٍ فَهُوَ السُّكْرُ، أَوْ مَعَ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ فَهُوَ الْإِغْمَاءُ، أَوْ مَعَ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ فَهُوَ النَّوْمُ، وَيُعَرَّفُ النَّوْمُ بِأَنَّهُ رِيحٌ لَطِيفَةٌ تَأْتِي مِنْ الدِّمَاغِ إلَى الْقَلْبِ فَتُغَطِّي الْعَيْنَ، فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إلَى الْقَلْبِ فَهُوَ النُّعَاسُ وَلَا نَقْضَ بِهِ، وَمِنْ عَلَامَتِهِ سَمَاعُ كَلَامِ الْحَاضِرِينَ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ، وَمِنْ عَلَامَةِ النَّوْمِ الرُّؤْيَا، لَكِنْ لَوْ وُجِدَتْ الرُّؤْيَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ نَوْمًا أَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ أَوْ نَعَسَ فَلَا نَقْضَ فِيهِمَا، وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا مِنْ النَّقْضِ فِي الثَّانِيَةِ تَبَعًا لِشَرْحِ الرَّوْضِ فِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ.
(فَائِدَةٌ) نَوْمُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُمْ لَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (كَجُنُونٍ إلَخْ) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى
ــ
[حاشية عميرة]
مَدْخَلِ ذَكَرِ الزَّوْجِ فِي الْمَرْأَةِ وَمَخْرَجِ بَوْلِهَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ كَغَيْرِهِ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَعَلَى هَذَا لَا يَنْقُضُ النَّادِرُ فِي الْأَظْهَرِ) كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ التَّمْيِيزُ) ، أَيْ فَالِاسْتِثْنَاءُ الْآتِي فِي الْمَتْنِ مُتَّصِلٌ.
قَوْلُ الشَّارِحِ:
«الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ، فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَغَيْرُ النَّوْمِ مِمَّا ذُكِرَ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي الذُّهُولِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الدُّبُرِ، كَمَا أَشْعَرَ بِهَا الْحَدِيثُ إذْ السَّهُ الدُّبُرُ، وَوِكَاؤُهُ حِفَاظُهُ عَنْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ شَيْءٌ لَا يَشْعُرُ بِهِ، وَالْعَيْنَانِ كِنَايَةٌ عَنْ الْيَقِظَةِ. (إلَّا نَوْمَ مُمَكِّنِ مَقْعَدِهِ) أَيْ أَلْيَتَيْهِ مِنْ مَقَرِّهِ فَلَا يَنْقُضُ لِأَمْنِ خُرُوجِ شَيْءٍ فِيهِ مِنْ دُبُرِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ خُرُوجِ رِيحٍ مِنْ الْقُبُلِ لِنُدْرَتِهِ وَلَا تَمْكِينَ لِمَنْ نَامَ عَلَى قَفَاهُ مُلْصِقًا مَقْعَدَهُ بِمَقَرِّهِ، وَلَا لِمَنْ نَامَ قَاعِدًا وَهُوَ هَزِيلٌ بَيْنَ بَعْضِ مَقْعَدِهِ وَمَقَرِّهِ تَجَافٍ.
(الثَّالِثُ: الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ، وَاللَّمْسُ الْجَسُّ بِالْيَدِ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما. وَالْمَعْنَى فِي النَّقْضِ بِهِ أَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِلِالْتِذَاذِ الْمُثِيرِ لِلشَّهْوَةِ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بَاقِي صُوَرِ الِالْتِقَاءِ، فَأُلْحِقَ بِهِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ اللَّمْسُ تَوَسُّعًا (إلَّا مَحْرَمًا) فَلَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ، وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِعُمُومِ النِّسَاءِ فِي الْآيَةِ، وَالْأَوَّلُ اسْتَنْبَطَ مِنْهَا مَعْنًى خَصَّصَهَا، وَالْمَحْرَمُ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
إدْخَالِ الْمَذْهُولِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمَطْبُوبِ، أَيْ الْمَسْحُورِ. قَوْلُهُ:(وِكَاءُ السَّهِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَأَصْلُ الْوِكَاءِ الْخَيْطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ فَمُ نَحْوِ الْقِرْبَةِ لِمَنْعِ خُرُوجِ مَا فِيهَا فَشُبِّهَتْ الْيَقِظَةُ بِهِ. قَوْلُهُ:(غَيْرُ النَّوْمِ أَبْلَغُ مِنْهُ) وَجْهُ الْأَبْلَغِيَّةِ أَنَّهُ أَقْوَى فِي زَوَالِ الشُّعُورِ مِنْ الْقَلْبِ كَمَا مَرَّ وَأَنَّهُ يَنْقُضُ مَعَ التَّمْكِينِ. وَالْمَظِنَّةُ بِمَعْنَى الظَّنِّ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ، فَلِذَلِكَ بَطَلَ اسْتِصْحَابُ يَقِينِ الطَّهَارَةِ، ثُمَّ انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى النَّوْمِ فَصَارَ نَاقِضًا وَإِنْ كَانَ مَسْدُودَ الْمَخْرَجِ أَوْ تَيَقَّنَ عَدَمَ خُرُوجِ شَيْءٍ كَإِخْبَارِ مَعْصُومٍ بِعَدَمِهِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ لَهُ الْمَعْصُومُ تَوَضَّأْ أَوْ قَالَ لَهُ لَا تَتَوَضَّأْ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ فِيهِمَا سَوَاءٌ نَامَ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (إلَّا نَوْمَ مُمَكَّنِ) وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ طَالَ وَلَوْ فِي رُكْنٍ قَصِيرٍ، وَخَالَفَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي الرُّكْنِ الْقَصِيرِ لِأَنَّ تَعَاطِيَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَهُوَ كَالْعَمْدِ، وَفِيهِ بَحْثٌ يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي عَنْهُ فِي مَسْحِ الْخُفِّ. قَوْلُهُ:(أَيْ أَلْيَتَيْهِ) وَلَوْ مُحْتَبِيًا أَوْ رَاكِبًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ مَادًّا رِجْلَيْهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَلَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَتَيْهِ عَنْ مَقَرِّهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ انْتِبَاهِهِ يَقِينًا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَلَا، كَمَا لَا يَنْتَقِضُ لَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ مُتَمَكِّنًا أَوْ لَا. نَعَمْ لَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا لِأَنَّ اسْتِصْحَابَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ أَقْوَى مِنْهُ، وَفَارَقَ اعْتِمَادَهُ فِي تَنَجُّسِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ. قَوْلُهُ:(لِنُدْرَتِهِ) فَلَوْ اعْتَادَهُ وَلَوْ بِمَرَّةٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِنَوْمِهِ إلَّا إنْ مَكَّنَهُ وَأَمْكَنَ. قَوْلُهُ: (وَلَا تَمْكِينَ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ. نَعَمْ لَوْ جَلَسَ الْهَزِيلُ عَلَى نَحْوَ قُطْنٍ مِمَّا يَمْنَعُ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ فَلَا نَقْضَ، وَالسِّمَنُ الْمُفْرِطُ كَالْهُزَالِ.
قَوْلُهُ: (الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) يَقِينًا لَا مَعَ الشَّكِّ وَلَوْ مِنْ الْجِنِّ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيِّ، حَيْثُ عُلِمَتْ الْمُخَالَفَةُ، كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا هُنَا فِي حَاشِيَتِهِ، وَسَيَأْتِي عَنْهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِجِنِّيَّةٍ جَازَ لَهُ وَطْؤُهَا وَهِيَ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُهَا وُضُوءَهُ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْجِنِّيِّ أَنْ يَكُونَ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّ، وَكَذَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ بِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ عَدَمُ النَّقْضِ هُنَا إجْرَاءً لِلْأَبْوَابِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَلِعَدَمِ الِاسْمِ كَالْمَمْسُوخِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ آخِرًا، وَاعْتَمَدَهُ، وَشَمِلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ مَا لَوْ كَانَا مُلْتَصِقَيْنِ فَيَنْقُضُ إلَّا فِيمَا يَشُقُّ، وَشَمِلَ بَعْضَ كُلٍّ حَيْثُ سُمِّيَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، فَعُلِمَ أَنَّ لَمْسَ الْمَيِّتِ يَنْقُضُ وُضُوءَ الْحَيِّ، وَلَا يَنْقُضُ الْمَمْسُوخُ وَلَوْ حَيَوَانًا لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ، فَلَوْ مُسِخَ بَعْضُهُ وَبَقِيَ الِاسْمُ عَلَى الْبَاقِي نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا، وَالصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ كَالرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ بِشَرْطِهِ الْآتِي، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْلَى، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ، فَعُدُولُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إلَى التَّعْبِيرِ بِذَكَرٍ وَأُنْثَى لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ إلَخْ) هُوَ تَصْحِيحٌ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَالْمَلْمُوسُ كَلَامِسٍ. قَوْلُهُ: (إلَّا مَحْرَمًا) وَلَوْ احْتِمَالًا فَلَوْ اسْتَلْحَقَ أَبُوهُ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ شَكَّ فِي رَضَاعِ امْرَأَةٍ أَوْ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمُهُ بِغَيْرِ مَحْصُورَاتٍ، فَلَا نَقْضَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَبْلَ نِكَاحِهِ أَوْ بَعْدَهُ، خِلَافًا لِلْخَطِيبِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ فِي الْجَمِيعِ. نَعَمْ لَوْ لَمَسَ مِنْ الْمُخْتَلِطَاتِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ مَحْرَمِهِ فِي طَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ نَقَضَ، وَلَا تَنْقُضُ الْمَنْفِيَّةُ بِاللِّعَانِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ. قَوْلُهُ:(مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا إلَخْ) فَتَنْقُضُ بِنْتُ الزَّوْجَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِأُمِّهَا،
ــ
[حاشية عميرة]
وَالْأَوَّلُ اسْتَنْبَطَ مِنْهَا مَعْنًى خَصَّصَهَا) اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ بِعَدَمِ تَعَدِّيهِ لِلْمَيْتَةِ، أَيْ مَعَ أَنَّهَا لَا تُشْتَهَى وَتَنْقُضُ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَالْمَحْرَمُ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا) أَيْ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَا تَرِدُ أُخْتُ الزَّوْجَةِ، وَخُرُوجُ أُصُولِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَفُرُوعِهَا بَيِّنٌ وَكَذَا لَا يَرِدُ
(وَالْمَلْمُوسُ) وَهُوَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اللَّمْسُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً (كَلَامِسٍ) فِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي لَذَّةِ اللَّمْسِ كَالْمُشْتَرَكِينَ فِي لَذَّةِ الْجِمَاعِ، وَالثَّانِي لَا يَنْقُضُ وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى اللَّامِسِ. (وَلَا تَنْقُضُ صَغِيرَةٌ) أَيْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدًّا تُشْتَهَى، (وَشَعْرٌ وَسِنٌّ وَظُفْرٌ فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى فِي لَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّ أَوَّلَهَا لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ وَبَاقِيَهَا لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهِ وَإِنْ الْتَذَّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، وَالثَّانِي يَنْقُضُ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ فِي عُمُومِهَا لِلصَّغِيرَةِ وَلِلْأَجْزَاءِ الْمَذْكُورَةِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ صَغِيرًا لَا يُشْتَهَى؛ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الدَّارِمِيِّ، وَلَا نَقْضَ بِالْتِقَاءِ بَشَرَتَيْ الرَّجُلَيْنِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالْخُنْثَيَيْنِ، وَالْخُنْثَى وَالرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ.
(الرَّابِعُ: مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ (بِبَطْنِ الْكَفِّ) الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَتَنْقُضُ أُخْتُهَا وَعَمَّتُهَا مُطْلَقًا، وَكَذَا تَنْقُضُ أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتُهَا وَإِنْ حُرِّمَتَا أَبَدًا عَلَيْهِ، لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يَتَّصِفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ، فَلَا تَثْبُتُ بِهِ الْمَحْرَمِيَّةُ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، وَهُمَا الْمُرَادُ بِالسَّبَبِ الْمَذْكُورِ فِي الضَّابِطِ الْآتِي، وَيَنْقُضُ زَوْجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلِذَلِكَ ضَبَطُوا الْمَحْرَمَ بِمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْيِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا. قَوْلُهُ:(وُقُوفًا إلَخْ) تَقَدَّمَ جَوَابُهُ بِقَوْلِهِ: وَأَطْلَقَ إلَخْ، مَعَ أَنَّ الْآيَةَ ظَاهِرَةٌ فِي الذُّكُورِ، وَلَمْ يَقْصُرْهَا الثَّانِي عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ (صَغِيرَةٌ) وَلَوْ لِزَوْجِهَا كَعَكْسِهِ.
قَوْلُهُ: (تُشْتَهَى) أَيْ لِلطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِسَبْعِ سِنِينَ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ حَدُّ الشَّهْوَةِ يُوجَدُ فِيمَا دُونَهَا أَوْ لَا يُوجَدُ إلَّا فِيمَا فَوْقَهَا؟ رَاجِعْهُ، وَعَلَى ذَلِكَ فَمَا مِقْدَارُهُ فِيهِمَا حَرِّرْهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ الْتَذَّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ) أَوْ بِلَمْسِهِ، وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا قَالُوهُ فِي النِّكَاحِ مِنْ حُرْمَةِ نَظَرِهِ وَلَمْسِهِ. قَوْلُهُ:(وَلَا نَقْضَ بِالْتِقَاءِ إلَخْ) وَلَا بِالْعُضْوِ الْمُبَانِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِجِلْدِهِ، حَيْثُ وَجَبَ قَطْعُهَا، فَإِنْ الْتَصَقَ بِحَرَارَةِ الدَّمِ وَحَلَّتْهُ الْحَيَاةُ فَلَهُ حُكْمُ مَا الْتَصَقَ بِهِ، فَيَنْقُضُ عُضْوُ بَهِيمَةٍ اتَّصَلَ بِآدَمِيٍّ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالِالْتِقَاءِ اللَّمْسُ مَعَ الْحَائِلِ وَلَوْ رَقِيقًا، وَمِنْهُ الْقَشَفُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِلْدِ بِخِلَافِ الْعَرَقِ وَمِنْهُ الزُّجَاجُ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ اللَّوْنَ، وَلَا يَنْقُضُ لَمْسُ نَحْوَ أُصْبُعٍ مِنْ نَحْوَ نَقْدٍ وَإِنْ وَجَبَ غَسْلُهُ عَنْ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ:(وَالْخُنْثَيَيْنِ إلَخْ) نَعَمْ لَوْ اتَّضَحَ الْخُنْثَى بِمَا يَقْتَضِي النَّقْضَ عُمِلَ بِهِ وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَنْ لَامَسَهُ. قَوْلُهُ:(وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدِ) وَيُلْحَقُ بِهَا لَحْمُ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانُ وَسَقْفُ الْحَلْقِ وَدَاخِلُ الْعَيْنِ وَالْأَنْفِ، وَكَذَا الْعَظْمُ إذَا وَضَحَ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ كَالظُّفْرِ، قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: وَالْبَشَرَةُ مَا عَدَا الشَّعْرَ وَالسِّنَّ وَالظُّفْرَ أَيْ مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْجِلْدِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْبَدَنُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إلْحَاقٍ، وَكَانَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْأَنْوَارِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (مَسُّ قُبُلِ الْآدَمِيِّ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ، فَيَشْمَلُ مَا لَوْ تَعَدَّدَ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا زَائِدًا يَقِينًا غَيْرَ مُسَامِتٍ لِلْأَصْلِيِّ، كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا، لَكِنْ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ مِنْ الْخُنْثَى، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ بِعَدَمِ النَّقْضِ فِيهِ، وَيَشْمَلُ الْمُنْفَصِلَ إنْ سُمِّيَ فَرْجًا وَإِلَّا فَلَا، وَالْجِنُّ كَالْآدَمِيِّ عَلَى مَا مَرَّ فِي اللَّمْسِ، وَفِي النَّقْضِ بِقُبُلِ الْخُنْثَى تَفْصِيلٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ ضَابِطُهُ أَنَّهُ مَتَى مَسَّ الْأَلْيَتَيْنِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ وَاضِحٍ أَوْ مُشْكِلٍ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا فَإِنْ احْتَمَلَ عَدَمَ النَّقْضِ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ فَرْضِهِ فَلَا نَقْضَ لِأَنَّ يَقِينَ الطَّهَارَةِ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ فِي نَقْضِهَا. قَوْلُهُ:(بِبَطْنِ الْكَفِّ) وَهُوَ مَا يَسْتَتِرُ عِنْدَ وَضْعِ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ، وَقَيَّدَ بِالْيَسِيرِ لِيَقِلَّ غَيْرُ النَّاقِضِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ، وَفِي ذَلِكَ قُصُورٌ بِالنِّسْبَةِ لِبَاطِنِ الْإِبْهَامَيْنِ وَشَمِلَ الْكَفُّ مَا لَوْ تَعَدَّدَ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا زَائِدًا يَقِينًا لَيْسَ عَلَى سَمْتِ الْأَصْلِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ كَانَ الْجَمِيعُ عَلَى مِعْصَمٍ أَوْ أَكْثَرَ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ، وَفِي النَّقْضِ بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَشَمِلَ الْأَصَابِعَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا وَالزَّائِدَ وَالْمُسَامِتَ وَغَيْرَهُ، وَمَا فِي دَاخِلِ الْكَفِّ أَوْ فِي ظَهْرِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ شَيْخِنَا، وَقِيلَ: يَنْقُضُ مَا فِي دَاخِلِ الْكَفِّ مُطْلَقًا، وَلَا يَنْقُضُ مَا فِي خَارِجِهِ مُطْلَقًا كَالسِّلْعَةِ فِيهِمَا، وَرُدَّ بِالْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ:(حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ) قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ أَصَحُّ وَمُخَرِّجِيهِ أَكْثَرُ وَمَا بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ لَهُ.
قَوْلُهُ: (لِحَدِيثِ) أَيْ لِمَنْطُوقِهِ وَصَحَّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ بِكَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ مَثَلًا، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، لَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ الْمُعْتَرَضِ بِأَنَّ ذِكْرَ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ لِأَنَّهُ يُرَدُّ بِأَنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ حَيْثُ
ــ
[حاشية عميرة]
عَلَيْهِ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهن. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَظُفْرٌ) فِيهِ لُغَاتٌ ضَمُّ الظَّاءِ مَعَ سُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرُ الظَّاءِ مَعَ سُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا وَأُظْفُورٌ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِبَطْنِ الْكَفِّ) خَرَجَ بِهِ ظَهْرُ الْكَفِّ فَلَا يَنْقُضُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ رضي الله عنه، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ كَفًّا لِأَنَّهَا تَكُفُّ الْأَذَى عَنْ الْبَدَنِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ إلَخْ) إنْ قُلْت لِمَ قَدَّمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ
وَغَيْرِهِمَا «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْمُرَادُ الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى فَرْجِهِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَالْإِفْضَاءُ لُغَةً الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ. وَمَسُّ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِهِ أَفْحَشُ مِنْ مَسِّهِ مِنْ نَفْسِهِ لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى النَّقْضُ إلَيْهِ، وَقِيلَ فِيهِ خِلَافُ الْمَلْمُوسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ: وَقُبُلُ الْمَرْأَةِ النَّاقِضُ مَسُّهُ مُلْتَقَى شُفْرَيْهَا، وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، قَالَ: فَإِنْ مَسَّتْ مَا وَرَاءَ الشُّفْرَيْنِ لَمْ يُنْتَقَضْ بِلَا خِلَافٍ. (وَكَذَا فِي الْجَدِيدِ حَلْقَةُ دُبُرِهِ) أَيْ الْآدَمِيِّ قِيَاسًا عَلَى قُبُلِهِ بِجَامِعِ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ مِنْهُمَا، وَالْقَدِيمُ لَا نَقْضَ بِمَسِّهَا وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْقُبُلِ. وَعَبَّرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالدُّبُرِ وَقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ مُلْتَقَى الْمَنْفَذِ. أَمَّا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا يَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ، انْتَهَى. وَلَامُ حَلْقَةٍ سَاكِنَةٌ (لَا فَرْجُ بَهِيمَةٍ) أَيْ لَا يَنْقُضُ مَسُّهُ فِي الْجَدِيدِ إذْ لَا حُرْمَةَ لَهَا فِي ذَلِكَ، وَالْقَدِيمُ، وَحَكَاهُ جَمْعٌ جَدِيدًا أَنَّهُ يَنْقُضُ كَفَرْجِ الْآدَمِيِّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ حَكَى الْخِلَافَ فِي قُبُلِهَا وَقَطَعَ فِي دُبُرِهَا بِعَدَمِ النَّقْضِ، وَتَعَقَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ فَلَمْ يَخُصُّوا بِهِ الْقُبُلَ (وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ وَمَحَلُّ الْجَبِّ وَالذَّكَرُ الْأَشَلُّ وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَحَلَّ الْجَبِّ فِي مَعْنَى الذَّكَرِ لِأَنَّهُ أَصْلُهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
الْأَشْخَاصِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ الْأَوْصَافُ، وَالْعَمَلُ فِيهَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: سِتْرٌ وَلَا حِجَابٌ، وَعَطْفُهُ تَفْسِيرٌ بِالْأَعَمِّ لِيَشْمَلَ نَحْوَ الزُّجَاجِ فَإِنَّهُ حَاجِبٌ لَا سَاتِرٌ، وَسَتْرٌ بِفَتْحِ السِّينِ إنْ أُرِيدَ الْمَصْدَرُ، وَبِكَسْرِهَا إنْ أُرِيدَ السَّاتِرُ، وَحِجَابٌ تَفْسِيرٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ:(وَالْإِفْضَاءُ) أَيْ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا مَرَّ، فَفِي الْقَامُوسِ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ مَسَّهَا بِرَاحَتِهِ، وَإِلَى الْمَرْأَةِ اخْتَلَى بِهَا وَإِنْ لَمْ يُجَامِعْهَا، وَأَفْضَى الْمَرْأَةَ خَلَطَ مَسْلَكَيْهَا.
قَوْلُهُ: (بِبَطْنِ الْكَفِّ) وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: بِجَمِيعِهَا ظَهْرًا وَبَطْنًا، وَلَعَلَّهُ مَهْجُورٌ، فَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ:(أَفْحَشُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَوْ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (لِهَتْكِهِ إلَخْ) هُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ أَفْحَشُ، فَعِلَّةُ النَّقْضِ فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ الْفُحْشُ، وَكَانَ بِقِيَاسِ الْفَحْوَى فِي غَيْرِهِ لِلْهَتْكِ لَا لِلَّذَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ لِانْتِفَائِهَا فِي مَسِّ نَفْسِهِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ التَّعْلِيلَ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَلِأَنَّهُ أَشْهَى لَهُ غَيْرُ لَائِقٍ بَلْ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، قِيلَ: وَلَعَلَّهَا عِبَارَةُ مَنْ يَعْتَبِرُ اللَّذَّةَ جَرَتْ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ. قَوْلُهُ:(وَلِهَذَا) أَيْ الْهَتْكِ، أَيْ يَكْفِيهِ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَسِّ الْهَتْكُ، فَلَا نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ أَيْضًا. قَوْلُهُ:(وَقِيلَ فِيهِ خِلَافُ الْمَلْمُوسِ) نَظَرُ الْأَصْلِ اللَّذَّةُ، وَفِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ.
قَوْلُهُ: (مُلْتَقَى شَفْرَيْهَا) لَمْ يَقُلْ كَغَيْرِهِ عَلَى الْمَنْفَذِ لِيَعُمَّ مَا يَلْتَقِي عَلَى مَا بَيْنَ الْمَنْفَذَيْنِ وَمَا فَوْقَهُمَا كَالْبَظْرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّ الْبَظْرَ قَبْلَ قَطْعِهِ وَمَحَلَّهُ بَعْدَ قَطْعِهِ نَاقِضٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ، وَإِنْ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِهِ، وَالنَّاقِضُ فِي الرَّجُلِ جَمِيعُ الذَّكَرِ لَا مَا نَبَتَ عَلَيْهِ الشَّعْرُ، وَفِي الدُّبُرِ مَا يَنْضَمُّ مِنْ دَائِرِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ:(قِيَاسًا) قَدَّمَهُ لِعَدَمِ النِّزَاعِ فِيهِ الَّذِي سَلَكَهُ الْقَدِيمُ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ. قَوْلُهُ: (وَلَامُ حَلْقَةٍ سَاكِنَةٌ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَحَلْقَةِ الْعِلْمِ وَنَحْوِ الْحَدِيدِ.
قَوْلُهُ (لَا فَرْجَ بَهِيمَةٍ) وَمِنْهَا الطُّيُورُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعَدَمِ نُطْقِهَا، وَسَوَاءٌ الْأَصْلِيَّةُ وَالْعَارِضَةُ كَالْمَسْخِ وَمَا تَطَوَّرَ مِنْ الْجِنِّ كَمَا مَرَّ، وَلِذَلِكَ مَالَ شَيْخُنَا إلَى حُرْمَةِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الْمَمْسُوخَةِ حَيَوَانًا لِأَنَّهُ كَالطَّلَاقِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْعَدَدِ وَهُوَ وَجِيهٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(فِي ذَلِكَ) لَعَلَّ مَرْجِعَ الْإِشَارَةِ هَتْكُ الْحُرْمَةِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ بِوُجُوبِ سَتْرِهِ وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وَحَكَاهُ جَمْعٌ جَدِيدًا) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ الْقَدِيمِ السَّابِقِ فِي دُبُرِ الْآدَمِيِّ، فَسَقَطَ مَا هُنَا مِنْ الِاعْتِرَاضِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْهُ. قَوْلُهُ:(وَيَنْقُضُ فَرْجُ الْمَيِّتِ) قُبُلًا أَوْ دُبُرًا. قَوْلُهُ: (وَمَحَلُّ الْجَبِّ) وَهُوَ هُنَا فِي الذَّكَرِ مَا حَاذَى الْمَقْطُوعَ إلَى جِهَةِ الدَّاخِلِ لَا مِنْ الْجَوَانِبِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. قَوْلُهُ: (فِي مَعْنَى الذَّكَرِ) قَيَّدَ بِالذَّكَرِ لِتَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالْجَبِّ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْفَرْجِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَحَلَّ قَطْعِ قُبُلِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ مَا حَاذَى الشُّفْرَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا مِنْ الدَّاخِلِ وَلَا مِنْ الْخَارِجِ، وَيَشْمَلُ الدُّبُرَ وَهُوَ مَا حَاذَى مَا كَانَ يَنْضَمُّ مِنْ دَائِرِهِ. قَوْلُهُ:(وَبِالْيَدِ الشَّلَّاءِ) خَرَجَ بِهَا الْمَقْطُوعَةُ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِبَعْضِ جِلْدِهَا إلَّا إنْ كَانَتْ الْجِلْدَةُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ انْفِصَالُهَا كَمَا مَرَّ فَرَاجِعْهُ، وَخَرَجَ بِهَا الْيَدُ مِنْ نَحْوِ نَقْدٍ فَلَا نَقْضَ بِمَسِّهَا أَيْضًا.
قَوْلُهُ (وَلِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ
ــ
[حاشية عميرة]
مَعَ أَنَّ الَّذِي بَعْدَهُ أَنَصُّ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِفْضَاءَ هُوَ الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ بِخِلَافِ الْمَسِّ؟ قُلْت: كَأَنَّهُ لِكَثْرَةِ مَخْرَجَيْهِ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَلِهَذَا لَا يَتَعَدَّى النَّقْضُ إلَيْهِ) أَيْ بِخِلَافِ اللَّمْسِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالْقَدِيمُ وَحَكَاهُ جَمْعٌ جَدِيدًا أَنَّهُ يَنْقُضُ كَفَرْجِ الْآدَمِيِّ) أَيْ بِجَامِعِ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.
وَلِشُمُولِ الِاسْمِ فِي غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ، وَالثَّانِي لَا تَنْقُضُ الْمَذْكُورَاتُ لِانْتِفَاءِ الذَّكَرِ فِي مَحَلِّ الْجَبِّ وَلِانْتِفَاءِ مَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ فِي غَيْرِهِ (وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ وَمَا بَيْنَهَا) وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ لِخُرُوجِهَا عَنْ صَمْتِ الْكَفِّ، وَقِيلَ: تَنْقُضُ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ بَشَرَةِ بَاطِنِ الْكَفِّ.
(وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ الصَّلَاةُ) إجْمَاعًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» وَمِنْهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ (وَالطَّوَافُ) .
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «الطَّوَافُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ النُّطْقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقْ إلَّا بِخَيْرٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، (وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ وَمَسُّ وَرَقِهِ) قَالَ تَعَالَى:{لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]
ــ
[حاشية قليوبي]
الشَّهْوَةِ) لَمْ يَقُلْ لِعَدَمِ هَتْكِ الْحُرْمَةِ الْمُنَاسِبِ لِمَا عَلَّلَ بِهِ أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ هُنَا إذْ الثَّانِي لَا يُنْكِرُهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ الرَّدُّ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (رَأْسُ) وَفِي نُسْخَةٍ: رُءُوسُ الْأَصَابِعِ وَلَوْ زَائِدَةً وَبِبَطْنِ الْكَفِّ كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ:(وَمَا بَيْنَهَا) وَهُوَ مَا يَسْتَتِرُ مِنْ جَوَانِبِهَا عِنْدَ ضَمِّهَا وَحَرْفِهَا، وَهُوَ مَا لَا يَسْتَتِرُ الَّذِي هُوَ جَانِبُ السَّبَّابَةِ وَالْخِنْصَرِ وَجَانِبَا الْإِبْهَامِ وَحَرْفُ الْكَفِّ بِمَعْنَى جَوَانِبِ الرَّاحَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ، أَوْ هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ، فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ الْمُرَادَ بِحَرْفِهَا مَا يَسْتَتِرُ مِنْهَا وَبِمَا بَيْنَهَا النُّقَرُ الَّتِي فِي أَسْفَلِهَا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ وَخُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ إلَخْ) وَقِيَاسًا عَلَى الْخُفِّ حَيْثُ أَلْحَقَ جَوَانِبَهُ بِبَاطِنِهِ وَرُدَّ بِالرُّجُوعِ إلَى الْأَصْلِ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخُفِّ عَدَمُ صِحَّةِ الْمَسْحِ إلَّا مَا ثَبَتَتْ الرُّخْصَةُ فِيهِ، وَالْأَصْلَ فِي الْبَدَنِ عَدَمُ النَّقْضِ إلَّا مَا ثَبَتَ النَّصُّ بِالنَّقْضِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ) الْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَلَوْ سَهْوًا، وَفِي غَيْرِهِمَا إثْمُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا، وَتَعَمُّدُ الصَّلَاةِ مَعَهُ كَبِيرَةٌ، وَاسْتِحْلَالُهَا مَعَهُ كُفْرٌ، وَتَرَدَّدَ شَيْخُنَا فِي الطَّوَافِ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدَثِ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ فَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ صَحِيحَةٌ، إذْ لَا يَقُولُ أَحَدٌ بِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَهُ، وَلَا يَرِدُ صَاحِبُ الضَّرُورَةِ وَالْمُتَيَمِّمُ وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ لِوُجُودِ الرُّخْصِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَنْعُ لِتَهَافُتِ الْعِبَارَةِ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى: وَيَمْتَنِعُ بِالْمَنْعِ وَهُوَ فَاسِدٌ، وَتَعْبِيرُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِالْأَحْدَاثِ مُرَادُهُ بِهَا الْأَسْبَابُ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا تَعَدُّدَ فِيهِ، وَيُصَرِّحُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا، قِيلَ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فِيهَا لَا يُرَادُ نَحْوُ اللَّمْسِ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ أَوْ الْمَجْمُوعُ لَا يَصِحُّ مَعَ الْكُلِّيَّةِ وَالْوَجْهُ أَنَّ الْكُلِّيَّةَ صَحِيحَةٌ مِنْ حَيْثُ الْحَدِيثُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى حُرْمَةِ نَحْوِ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ سَبَبٍ مِنْهَا حَيْثُ كَانَ حَدَثًا أَوْ حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ مَعَ أَنَّ ذِكْرَ الْكُلِّيَّةِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ تَوَقُّفِ الْحُرْمَةِ عَلَى وُجُودِ جَمِيعِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَ الْإِشْكَالُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ إلَى الْأَفْرَادِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَرَتُّبِ الْحَدَثِ عَلَيْهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ وَاضِحٌ جَلِيٌّ.
قَوْلُهُ: (الصَّلَاةُ) سَوَاءٌ الْفَرْضُ وَالنَّفَلُ، وَكَذَا الطَّوَافُ. قَوْلُهُ:(لَا يَقْبَلُ اللَّهُ) أَيْ قَبُولَ صِحَّةٍ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا قَبُولَ كَمَالٍ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى صَارِفٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. قَوْلُهُ:(وَمِنْهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ) نَصَّ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَا تَشْمَلُهَا الصَّلَاةُ عُرْفًا، وَلِذَلِكَ لَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَرَدًّا عَلَى الشَّعْبِيِّ وَالطَّبَرِيِّ الْقَائِلَيْنِ بِصِحَّتِهَا مَعَ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ (سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ) وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ.
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: صُورَةُ الرُّكُوعِ الْوَاقِعَةُ مِنْ الْعَوَامّ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ حَرَامٌ وَيَأْثَمُ فَاعِلُهَا وَلَوْ بِطَهَارَةٍ وَإِلَى الْقِبْلَةِ، وَهِيَ مِنْ الْعَظَائِمِ، وَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ كُفْرًا، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:{وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] أَيْ رُكَّعًا إمَّا مَنْسُوخٌ أَوْ أَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ:(وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ) وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَكْتُوبِ فِيهِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُسَمَّى مُصْحَفًا عُرْفًا وَلَوْ قَلِيلًا كَحِزْبٍ، وَلَا عِبْرَةَ فِيهِ بِقَصْدِ غَيْرِ الدِّرَاسَةِ. قَوْلُهُ:(وَمَسُّ وَرَقِهِ)
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالصَّغِيرُ) أَيْ لِشُمُولِ الِاسْمِ وَهَتْكِ الْحُرْمَةِ بِخِلَافِ لَمْسِ الصَّغِيرَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يَنْقُضُ رَأْسُ الْأَصَابِعِ) .
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: لَوْ نَبَتَتْ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ فِي ظَاهِرِ الْكَفِّ فَلَا نَقْضَ بِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَبَتَتْ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَصَابِعِ فِي بَاطِنِ الْكَفِّ، كَذَا رَأَيْته عَلَى هَامِشِ الْقِطْعَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ) لَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا إلْحَاقُ حَرْفِ الرِّجْلِ بِالْأَسْفَلِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا بَقَاءُ الطَّهَارَةِ، وَهُنَاكَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَى الظَّاهِرِ فَاسْتُصْحِبَ الْأَصْلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ اللَّحْمِيَّةُ الْفَاصِلَةُ بَيْنَ أُصُولِ الْأَصَابِعِ، وَالْمُرَادُ بِحَرْفِ الْأَصَابِعِ مَا يَسْتَتِرُ إذَا انْضَمَّ الْأُصْبُعَانِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْأَفْهَامِ تَفْسِيرُ مَا بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْأَخِيرِ، قُلْت: سَبَبُ هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ رحمه الله وَحَرْفُهَا وَحَرْفُ الْكَفِّ فَإِنَّ حَرْفَ الْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ يَدْخُلَانِ فِي حَرْفِ الْكَفِّ لِأَنَّهُ الرَّاحَةُ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ، قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِحُرُوفِ الْأَصَابِعِ جَوَانِبَهَا الْمُسْتَطِيلَةَ الَّتِي تَلِي ظَهْرَ الْكَفِّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَسُّ وَرَقِهِ) أَيْ كَانَ لِبَاطِنِ الْكَفِّ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ
هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَالْحَمْلُ أَبْلَغُ مِنْ الْمَسِّ وَالْمُطَهَّرُ بِمَعْنَى الْمُتَطَهِّرِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَكَذَا جِلْدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ.
وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ لِأَنَّهُ وِعَاءٌ لَهُ كَكِيسِهِ (وَخَرِيطَةٌ وَصُنْدُوقٌ فِيهِمَا مُصْحَفٌ وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ كَلَوْحٍ فِي الْأَصَحِّ) لِشَبَهِ الْأَوَّلَيْنِ الْمُعَدَّيْنِ لِلْمُصْحَفِ بِالْجِلْدِ،
ــ
[حاشية قليوبي]
الْمُرَادُ وَمَسُّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْوَرَقِ لِدَفْعِ إيهَامِ خُصُوصِ جُمْلَتِهِ، وَلِإِدْخَالِ هَوَامِشِهِ وَمَا بَيْنَ سُطُورِهِ، وَحَمْلِ بَعْضِهِ مِنْ أَفْرَادِ مَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا حُرِّمَ عَلَى الْمُحْرِمِ مَسُّ الطِّيبِ دُونَ حَمْلِهِ نَظَرًا لِلتَّرَفُّهِ الْمَفْقُودِ فِي الْحَمْلِ، وَلَوْ قُطِعَتْ الْهَوَامِشُ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهَا مُطْلَقًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْرِي فِيهَا تَفْصِيلُ الْجِلْدِ الْآتِي، وَخَرَجَ بِحَمْلِهِ وَمَسِّهِ حَمْلُ حَامِلِهِ وَمَسُّهُ فَلَا يَحْرُمَانِ مُطْلَقًا عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَفِي ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ فِي حَمْلِهِ التَّفْصِيلُ فِي حَمْلِ الْمَتَاعِ الْآتِي، وَكَلَامُ الْخَطِيبِ يُوَافِقُهُ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ أَنَّ مَحَلَّ الْحِلِّ إنْ كَانَ الْمَحْمُولُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْحَمْلُ لَا نَحْوَ طِفْلٍ.
نَعَمْ يَجُوزُ حَمْلُهُ لِخَوْفِ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ تَنَجُّسٍ أَوْ وُقُوعٍ فِي يَدِ كَافِرٍ أَوْ ضَيَاعٍ أَوْ سَرِقَةٍ، بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَيْنِ. وَتَوَسُّدُهُ كَحَمْلِهِ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لَا لِنَحْوِ الضَّيَاعِ، وَيَجِبُ عِنْدَ إرَادَةِ حَمْلِهِ التَّيَمُّمُ إنْ أَمْكَنَ وَدَخَلَ فِي مَسِّهِ مَا لَوْ كَانَ بِحَائِلٍ وَلَوْ ثَخِينًا حَيْثُ يُعَدُّ مَاسًّا عُرْفًا.
(فَائِدَةٌ) حَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَجْهًا غَرِيبًا بِعَدَمِ حُرْمَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا، وَحَكَى فِي التَّتِمَّةِ وَجْهًا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الْمَكْتُوبِ وَحْدَهُ لَا الْهَامِشِ، وَلَا مَا بَيْنَ السُّطُورِ.
قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ: (فَرْعٌ) يَجُوزُ تَوَسُّدُ كُتُبِ الْعِلْمِ لِخَوْفِ الضَّيَاعِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ خَبَرٌ) أَيْ لَفْظًا لِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ. قَوْلُهُ: (وَالْمُطَهَّرُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ بِمَعْنَى الْمُتَطَهِّرِ لِإِيقَاعِهِ الطَّهَارَةَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى التَّأْوِيلِ لِيَصِحَّ النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ إذْ لَا يَكُونَانِ إلَّا فِيمَنْ لَهُ الْحَالَتَانِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ الطَّهَارَةَ الْمُقَابِلَةَ لِلنَّجَاسَةِ فِي الْأَبَدَانِ وَلَا الْمَلَائِكَةَ مَعَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَإِنَّمَا جَازَ تَعْلِيمُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ لِأَنَّهُ لَا إهَانَةَ فِيهِ مَعَ احْتِمَالِ رَجَاءِ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ:(وَكَذَا جِلْدُهُ) أَيْ يَحْرُمُ مَسُّهُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُقَابِلِ، وَسَكَتَ عَنْ حَمْلِهِ لِدُخُولِهِ فِي حَمْلِ الْمُصْحَفِ إذْ الْكَلَامُ فِي جِلْدِهِ الْمُتَّصِلِ بِهِ. أَمَّا الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ فَيَحْرُمُ حَمْلُهُ وَمَسُّهُ مَا دَامَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَوْ جُعِلَ. جِلْدًا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ بَقِيَتْ النِّسْبَةُ فَلَا حُرْمَةَ وَيَصِحُّ بَيْعُهُ لِلْكَافِرِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ:(وَالثَّانِي إلَخْ) هُوَ مَرْجُوحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَرْجُوحٍ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (وَخَرِيطَةٍ وَصُنْدُوقٍ فِيهِمَا مُصْحَفٌ) وَهُمَا بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى وَرَقِهِ أَوْ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى جِلْدِهِ، وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ فِي حُرْمَةِ الْمَسِّ، وَاسْتَغْنَى عَنْ الْحَمْلِ فِيهِمَا بِمَا مَرَّ مِنْ حَمْلِهِ لِأَنَّهُ فِيهِمَا، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ فِيهِمَا إنْ كَانَا لَائِقَيْنِ بِهِ وَعُدَّ لَهُ عُرْفًا، لَا نَحْوَ خَلْوَةٍ وَغِرَارَةٍ وَإِنْ عُدَّتَا لَهُ، وَلَا نَحْوَ صُنْدُوقِ أَمْتِعَةٍ هُوَ فِيهِ، وَيَحْرُمُ مَسُّ عِلَاقَتِهِ فِي نَحْوَ كِيسِهِ، وَكَذَا مَا زَادَ مِنْهَا عَنْهُ، أَوْ مَا زَادَ مِنْ الْخَرِيطَةِ إنْ كَانَ مُنَاسِبًا، وَلَا يَحْرُمُ مَسُّ الزَّائِدِ إنْ كَانَ مِنْهُمَا مُفْرِطًا فِي الطُّولِ، وَالْكُرْسِيُّ كَالصُّنْدُوقِ فَيَحْرُمُ مَسُّ جَمِيعِهِ.
قَالَهُ شَيْخُنَا، وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ: لَا يَحْرُمُ مَسُّ شَيْءٍ مِنْهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَيْضًا وَلِي بِهِ أُسْوَةٌ، وَلَعَلَّهُ أَجَابَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا سَنَحَ لَهُ وَقْتَ سُؤَالِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْرُمُ مَسُّ مَا حَاذَى الْمُصْحَفَ مِنْهُ، لَا مَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ، وَلَعَلَّ حُرْمَةَ الْمَسِّ عِنْدَ هَذَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَاسًّا لِلْمُصْحَفِ بِحَائِلٍ، لَا مِنْ حَيْثُ مَسُّ الْكُرْسِيِّ، وَخَرَجَ بِكُرْسِيِّ الْمُصْحَفِ كُرْسِيُّ الْقَارِئِ فِيهِ كَالْكَرَاسِيِّ الْكِبَارِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْخَزَائِنِ، فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ شَيْءٍ مِنْهَا. نَعَمْ الدَّفَّتَانِ الْمُنْطَبِقَتَانِ عَلَى الْمُصْحَفِ يَحْرُمُ مَسُّهُمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ الصُّنْدُوقِ الْمُتَقَدِّمِ. قَوْلُهُ:(وَمَا كُتِبَ) عَطْفٌ عَلَى خَرِيطَةٍ لِجَمْعِهِ مَعَهَا فِي الْخِلَافِ، فَكَلَامُهُ فِي حُرْمَةِ مَسِّ ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَ حَمْلَهُ مَقِيسًا عَلَى مَسِّهِ، وَسُلُوكُ غَيْرِ هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (لِدَرْسِ قُرْآنٍ) أَيْ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَوْ حَرْفًا وَاحِدًا، وَخَرَجَ بِهِ مَا قُصِدَ لِلتَّمِيمَةِ وَلَوْ مَعَ الْقُرْآنِ كَمَا مَرَّ، فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهَا وَلَا حَمْلُهَا وَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى سُوَرٍ، بَلْ قَالَ الشَّيْخُ الْخَطِيبُ: وَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى جَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِ الْكَاتِبِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِلَا أُجْرَةٍ وَلَا أَمْرٍ، وَإِلَّا فَقَصْدُ الْمَكْتُوبِ لَهُ وَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْقَصْدِ مِنْ التَّمِيمَةِ إلَى الدِّرَاسَةِ وَعَكْسُهُ. قَوْلُهُ:(كَلَوْحٍ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اعْتِبَارِ مَا يُعَدُّ لِلْكِتَابَةِ عُرْفًا لَا نَحْوَ عَمُودٍ، فَلَا يَحْرُمُ فِيهِ إلَّا مَسُّ الْأَحْرُفِ وَحَرِيمُهَا عُرْفًا، وَلَوْ مُحِيَتْ أَحْرُفُ الْقُرْآنِ مِنْ اللَّوْحِ وَالْوَرَقِ بِحَيْثُ لَا تُقْرَأُ لَمْ يَحْرُمْ مَسُّهُمَا وَلَا حَمْلُهُمَا لِأَنَّ شَأْنَهُ انْقِطَاعُ النِّسْبَةِ عُرْفًا وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْجِلْدَ.
(فُرُوعٌ) يَحْرُمُ لَزْقُ أَوْرَاقِ الْقُرْآنِ بِنَحْوِ النِّشَاءِ وَالرَّسْرَاسِ وَجَعْلُهَا وِقَايَةً وَلَوْ لِعِلْمٍ، وَوَضْعُ مَأْكُولٍ عَلَيْهَا مَعَ أَكْلِهِ وَإِلَّا فَلَا
ــ
[حاشية عميرة]
كَانَ بِحَائِلٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَالثَّالِثِ بِالْمُصْحَفِ وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ مَسُّهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ كَالْوِعَاءِ لِلْمُصْحَفِ، وَالثَّالِثَ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَحَمْلُ الثَّالِثِ كَمَسِّهِ وَمَسُّ الْأَوَّلَيْنِ وَحَمْلُهُمَا وَلَا مُصْحَفَ فِيهِمَا جَائِزٌ (وَالْأَصَحُّ حِلُّ حَمْلِهِ فِي أَمْتِعَةٍ) تَبَعًا لَهَا (وَ) فِي (تَفْسِيرٍ وَدَنَانِيرَ) كَالْأَحْذِيَةِ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ دُونَهُ، وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِإِخْلَالِهِ بِالتَّعْظِيمِ، وَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مِنْ التَّفْسِيرِ حَرُمَ قَطْعًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَصَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَالْمَسُّ فِي الْأَخِيرَيْنِ كَالْحَمْلِ (لَا قَلْبُ وَرَقِهِ بِعُودٍ) فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَمْلِ، لِانْتِقَالِ الْوَرَقِ بِفِعْلِ الْقَالِبِ مِنْ جَانِبٍ إلَى آخِرِهِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُحْدِثَ لَا يُمْنَعُ) مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ وَحَمْلِهِمَا لِحَاجَةِ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَبَلْعُهَا بِلَا مَضْغٍ وَوَضْعُ نَحْوَ دَرَاهِمَ فِيهَا، وَوَضْعُهَا عَلَى نَجَسٍ، وَمَسُّهَا بِشَيْءٍ نَجَسٍ وَلَوْ مِنْ بَدَنِهِ لَا حَرْقُهَا بَالِيَةً، بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَسْلِهَا، وَيَجِبُ غَسْلُ مُصْحَفٍ تَنَجَّسَ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَلَفِهِ وَكَانَ لِمَحْجُورٍ وَلَا ضَمَانَ. نَعَمْ لَا تَحْرُمُ الْوِقَايَةُ بِوَرَقَةٍ مَكْتُوبٍ عَلَيْهَا نَحْوَ الْبَسْمَلَةِ، وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِالْمُصْحَفِ إلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ إنْ خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ، وَيَحْرُمُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بِنَجَسٍ وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهُ كَمَسِّهِ بِهِ، لَا قِرَاءَتُهُ بِفَمٍ نَجَسٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَيَجُوزُ كِتَابَتُهُ لَا قِرَاءَتُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَهَا حُكْمُ الْمُصْحَفِ فِي الْمَسِّ وَالْحَمْلِ، وَيَجُوزُ مَا لَا يُشْعِرُ بِالْإِهَانَةِ كَالْبُصَاقِ عَلَى اللَّوْحِ لِمَحْوِهِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ، وَنَحْوُ مَدِّ رِجْلِهِ، أَيْ وَكَوْنُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فِي نَوْمٍ أَوْ جُلُوسٍ لَا بِقَصْدِ إهَانَةٍ فِي ذَلِكَ، وَكَوَضْعِ الْمُصْحَفِ فِي رَفِّ خِزَانَةٍ، وَوَضْعِ نَحْوَ تَرْجِيلٍ فِي رَفٍّ أَعْلَى مِنْهُ، وَيَجُوزُ ضَمُّ مُصْحَفٍ إلَى كِتَابِ عِلْمٍ مَثَلًا فِي جِلْدٍ وَاحِدٍ، وَلِكُلِّ جَانِبٍ حُكْمُهُ، وَلِمَا قَابَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الْكَعْبِ حُكْمُهُ، وَكَذَا اللِّسَانُ إنْ كَانَ مَطْبُوقًا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا وَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْمُصْحَفِ حَرُمَ كُلُّهُ، أَوْ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى حَلَّ كُلُّهُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ بِالْحُرْمَةِ مُطْلَقًا تَغْلِيبًا لِلْمُصْحَفِ.
(تَنْبِيهٌ) يَجْرِي فِي كُتُبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَآلَتِهِ مَا فِي الْمُصْحَفِ غَيْرُ تَحْرِيمِ الْمَسِّ وَالْحَمْلِ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِالْإِهَانَةِ. قَوْلُهُ: (حَلَّ حَمْلُهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَذْكُورِ مِنْ الْمُصْحَفِ، وَمَا كُتِبَ لِدَرْسِ قُرْآنٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَتَاعِ، وَرَاجِعٌ لِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْآنِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّفْسِيرِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَيَجُوزُ رُجُوعُهُ لِلْقُرْآنِ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(تَبَعًا) يُفِيدُ أَنَّ الظَّرْفِيَّةَ وَالْجَمْعِيَّةَ لَيْسَا لِلتَّقْيِيدِ، فَيَكْفِي مَتَاعٌ وَاحِدٌ وَلَوْ غَيْرَ ظَرْفٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَحْمِلَهُ مُعَلَّقًا فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ مَاسًّا لَهُ، أَوْ يُقَالُ لَا حُرْمَةَ مِنْ حَيْثُ الْحَمْلُ وَإِنْ حَرُمَ مِنْ حَيْثُ الْمَسُّ، إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا، وَقَيَّدَ الْخَطِيبُ الْمَتَاعَ بِأَنْ يَصْلُحَ لِلِاسْتِتْبَاعِ عُرْفًا لَا نَحْوَ إبْرَةٍ أَوْ خَيْطِهَا، وَعُلِمَ مِنْ التَّبَعِيَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ مَقْصُودًا، فَإِنْ قُصِدَ وَحْدَهُ حَرُمَ اتِّفَاقًا، أَوْ قُصِدَ مَعَ الْمَتَاعِ حَرُمَ عِنْدَ الْخَطِيبِ كَمَا فِي قِرَاءَةِ الْجُنُبِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِيمَا هُنَا، وَفَرَّقَ بِأَنَّ هُنَا جَرُّ مَا يَسْتَتْبِعُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ، وَلَا يَحْرُمُ فِي الْإِطْلَاقِ وَلَا قَصْدَ غَيْرَ الْقُرْآنِ وَحْدَهُ عِنْدَهُمَا كَغَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَفِي تَفْسِيرٍ) لَفْظُ تَفْسِيرٍ عَطْفٌ عَلَى أَمْتِعَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، فَهُوَ عَلَى الطَّرِيقِ الْجَادَّةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَشَمِلَ التَّفْسِيرُ مَا عَلَى هَوَامِشِ الْمُصْحَفِ.
قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، قَالَا: وَلَا نَظَرَ لِقَصْدِ دِرَاسَةٍ فِيهِ، وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ قَوِيٌّ. قَوْلُهُ:(وَدَنَانِيرَ) وَجُدْرَانَ وَسُقُوفٍ وَثِيَابٍ، وَيَحِلُّ النَّوْمُ فِيهَا وَلَوْ لِجُنُبٍ، وَكَذَا النَّوْمُ عَلَيْهَا فِي نَحْوِ الْبِسَاطِ لَا الْوَطْءِ عَلَيْهَا، وَقِيلَ بِجَوَازِ الْوَطْءِ أَيْضًا لَا بِقَصْدِ إهَانَةٍ، وَكَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ يُومِئُ إلَيْهِ، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْقَطْعِ فَإِنْ تَسَاوَيَا حَرُمَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي الْكَثْرَةِ، وَفَارَقَ الشَّكَّ فِي الضَّبَّةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقُرْآنِ الْحُرْمَةُ، وَفِي الْإِنَاءِ الْحِلُّ، فَعُلِمَ أَنَّ مَحَلَّ الْحِلِّ إذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ يَقِينًا.
قَالَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَالْعِبْرَةُ بِالْكَثْرَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُرُوفُ الرَّسْمِيَّةُ بِالرَّسْمِ الْعُثْمَانِيِّ فِي الْقُرْآنِ وَبِقَاعِدَةِ رَسْمِ الْخَطِّ فِي التَّفْسِيرِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِرَسْمِ الْخَطِّ مُطْلَقًا، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ: الْعِبْرَةُ بِاللَّفْظِ، وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْهُ، فَلَعَلَّهُ اخْتَلَفَ جَوَابُهُ وَكَلَامُهُ فِي الشَّرْحِ مُحْتَمَلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَالْمَسُّ فِي الْأَخِيرَيْنِ) وَهُمَا التَّفْسِيرُ وَالدَّنَانِيرُ كَالْحَمْلِ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّ الْحُرُوفِ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا ذُكِرَ مُطْلَقًا وَلَا فِي التَّفْسِيرِ كَذَلِكَ، هَذَا صَرِيحُ كَلَامِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ الْخَطِيبُ، وَهُوَ وَاضِحٌ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِالْحُرْمَةِ إلَّا إذَا كَانَ الَّذِي مَسَّهُ مُشْتَمِلًا عَلَى تَفْسِيرٍ أَكْثَرَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ حَمْلَ الْقُرْآنِ وَحْدَهُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ لَمْ يَحْرُمْ، وَكَذَا لَوْ قَصَدَ بِهِ الدِّرَاسَةَ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ:(لَا قَلْبِ) هُوَ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى حَمْلٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَنَّ الصَّبِيَّ) أَيْ الْمُمَيِّزَ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ تَمْكِينُهُ مِنْهُ لِفَقْدِ تَعَلُّمِهِ وَخَرَجَ بِالصَّبِيِّ الْبَالِغُ وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ دَوَامُ الطَّهَارَةِ كَمُؤَدِّبِ الْأَطْفَالِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ ابْنِ حَجَرٍ مِنْ جَوَازِ الْمَسِّ وَالْحَمْلِ لَهُ مَعَ التَّيَمُّمِ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عِنْدَ شَيْخِنَا. قَوْلُهُ:(الْمُحْدِثَ) وَلَوْ حَدَثًا أَكْبَرَ. قَوْلُهُ: (لَا يُمْنَعُ) أَيْ لَا يَجِبُ مَنْعُهُ فَيُنْدَبُ.
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الشَّارِحِ: (تَبَعًا لَهَا) أَيْ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ الْعِبَارَةِ فَتَأَمَّلْ.
تَعَلُّمِهِ مِنْهُمَا وَمَشَقَّةِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ. وَالثَّانِي عَلَى الْوَلِيِّ وَالْمُعَلِّمِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ (قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ قَلْبِ وَرَقِهِ بِعُودٍ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ. وَلَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَبَ بِهِ حَرُمَ قَطْعًا، وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ.
(وَمَنْ تَيَقَّنَ طُهْرًا أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ) هَلْ طَرَأَ عَلَيْهِ (عَمِلَ بِيَقِينِهِ) اسْتِصْحَابًا لِلْيَقِينِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا» وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّرَدُّدُ بِاسْتِوَاءٍ أَوْ رُجْحَانٍ كَمَا.
قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ، فَمَنْ ظَنَّ الضِّدَّ لَا يَعْمَلُ بِظَنِّهِ لِأَنَّ ظَنَّ اسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَقْوَى مِنْهُ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَعْمَلُ بِظَنِّ الطُّهْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ (فَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا) أَيْ الطُّهْرَ وَالْحَدَثَ بِأَنْ وُجِدَا مِنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مَثَلًا (وَجَهِلَ السَّابِقَ) مِنْهُمَا (فَضِدُّ مَا قَبْلَهُمَا) يَأْخُذُ بِهِ (فِي الْأَصَحِّ) فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْهَا. وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَأَخُّرِهِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ، وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَأَخُّرِهَا إنْ كَانَ يَعْتَادُ تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ تَجْدِيدَهَا فَالظَّاهِرُ تَأَخُّرُهَا عَنْ الْحَدَثِ فَيَكُونُ الْآنَ مُتَطَهِّرًا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا قَبْلَهُمَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لِتَعَارُضِ الِاحْتِمَالَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَنْظُرُ إلَى مَا قَبْلَهُمَا وَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ احْتِيَاطًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا.
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (مِنْ مَسِّ إلَخْ) وَلَا مِنْ الْقِرَاءَةِ بِالْأَوْلَى لِجَوَازِهَا لِلْمُحْدِثِ. قَوْلُهُ: (لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ) وَمِنْهَا حَمْلُهُ مِنْ الْبَيْتِ إلَى الْمَكْتَبِ وَعَكْسُهُ، وَخَرَجَ بِهَا تَعَلُّمُ غَيْرِهِ، وَمِنْهُ حَمْلُ خَادِمِهِ لَهُ مَعَهُ إلَى الْمَكْتَبِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْبَالِغِ وَعَلَى وَلِيِّ غَيْرِهِ تَمْكِينُهُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ) فَالْأَنْسَبُ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَمْلٍ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ انْفَصَلَتْ الْوَرَقَةُ عَلَى الْعُودِ حَرُمَ وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ) كَوْنُهُ عَلَى الْيَدِ قَيْدٌ لِلْقَطْعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ حَلَّ عِنْدَ الشَّيْخِ الْخَطِيبِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَلَوْ 8653 لَفَّ مِنْدِيلًا لَيْسَ مَلْبُوسًا لَهُ، وَقَلَبَ بِهِ لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْعُودِ. قَوْلُهُ:(حَرُمَ قَطْعًا) خِلَافًا لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه.
قَوْلُهُ: (اسْتِصْحَابًا لِلْيَقِينِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ الظَّنُّ الْمُسْتَنِدُ إلَى اسْتِصْحَابِهِ لَا هُوَ، لِأَنَّهُ لَا يُجَامِعُ الشَّكَّ. قَوْلُهُ:(شَيْئًا) أَيْ رِيحًا يَجُولُ فِي جَوْفِهِ يَطْلُبُ الْخُرُوجَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ) أَيْ لَا يُبْطِلُ صَلَاةَ نَفْسِهِ بِمَا وَجَدَ، وَيَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلْوُضُوءِ، أَوْ الْمُرَادُ لَا يَخْرُجُ مِنْ صَلَاتِهِ، وَسَمَّاهَا مَسْجِدًا مَجَازًا. قَوْلُهُ:(حَتَّى يَسْمَعَ إلَخْ) أَيْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ أَحْدَثَ بِسَمَاعٍ أَوْ بِغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ اسْتِصْحَابَ) وَفِي نُسْخَةٍ لِأَنَّ ظَنَّ اسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَيْ الظَّنَّ الْمُسْتَنِدَ إلَى الْيَقِينِ كَمَا مَرَّ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى يَقِينٍ وَإِنْ اسْتَنَدَ إلَى خَبَرِ عَدْلٍ كَمَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَعْمَلُ بِظَنِّ الطُّهْرِ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ) ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ، فَقِيلَ: هُوَ سَهْوٌ مِنْهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ لَفْظَةُ لَا، وَالْأَصْلُ لَا يَعْمَلُ، وَقِيلَ: إنَّهُ فِي ظَنِّ طَهَارَةِ أَحَدِ الْمَاءَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا مَرَّ، وَقِيلَ فِي النَّوْمِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ عَقِبَ هَذِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَمَا قَبْلَهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي ذَاتِهِ، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْمَقَامِ. قَوْلُهُ:(وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ إلَخْ) فَإِسْقَاطُهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاسْتُقْرِئَ كَلَامُ الشَّارِحِ فَوُجِدَ أَنَّهُ مَتَى أَطْلَقَ لَفْظَ الرَّوْضَةِ فَمُرَادُهُ زَوَائِدُهَا، وَمَتَى قَالَ أَصْلَ الرَّوْضَةِ فَهُوَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ النَّوَوِيُّ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَوْ زَادَهُ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ، وَمَتَى.
قَالَ الرَّوْضَةَ وَأَصْلَهَا فَهُوَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مَعْنًى أَوْ كَأَصْلِهَا فَهُوَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لَفْظًا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ) سَوَاءٌ اعْتَادَ التَّجْدِيدَ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ) أَيْ الرَّافِعَةَ لِلْحَدَثِ الَّذِي قَبْلَ الشَّمْسِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَلَا مُعَارَضَةَ بِالْمِثْلِ قَوْلُهُ:(وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ) أَيْ الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَ الشَّمْسِ. قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ يَعْتَادُ تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ) وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ وَلَوْ بِمَرَّةٍ فِي عُمْرِهِ الْمَاضِي. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا قَبْلَهُمَا) أَخَذَ بِمِثْلِ مَا قَبْلَ مَا قَبْلَهُمَا فَيَأْخُذُ فِي الْإِفْرَادِ بِالضِّدِّ وَفِي الْإِشْفَاعِ بِالْمِثْلِ. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ) أَيْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ، وَكَانَ يَعْتَادُ التَّجْدِيدَ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ دَائِمًا.
ــ
[حاشية عميرة]
(فَائِدَةٌ) لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مَنْقُوشًا عَلَى خَشَبَةٍ أَوْ طَعَامٍ امْتَنَعَ حَرْقُ الْخَشَبَةِ وَجَازَ أَكْلُ الطَّعَامِ، كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْقَاضِي