الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي يُغَسَّلُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي غُسْلٍ وَجَبَ بِالْمَوْتِ وَهَذَا الْغُسْلُ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَهُ، قُلْنَا: وَسَقَطَ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَالْوَجْهَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ الشَّهِيدَ (تُزَالُ نَجَاسَتُهُ غَيْرُ الدَّمِ) أَيْ دَمِ الشَّهَادَةِ بِأَنْ تُغْسَلَ، وَالثَّانِي لَا تُزَالُ سَدًّا لَبَابِ الْغُسْلِ عَنْهُ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَلَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَا بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُغْسَلُ، وَالثَّانِي لَا، وَالثَّالِثُ إنْ أَدَّى غُسْلُهَا إلَى إزَالَةِ أَثَرِ الشَّهَادَةِ لَمْ تُغْسَلْ وَإِلَّا غُسِلَتْ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا اُسْتُشْهِدَ كَغَيْرِهِ، وَأَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي أَصَابَتْهُ لَا بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ تُزَالُ وَهِيَ تَصْدُقُ بِمَا إذَا أَدَّتْ إزَالَتُهَا إلَى إزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ. (وَيُكَفَّنُ فِي ثِيَابِهِ الْمُلَطَّخَةِ بِالدَّمِ) نَدْبًا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَوْبُهُ سَابِغًا تُمِّمَ) وَإِنْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ نَزْعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ وَتَكْفِينَهُ فِي غَيْرِهَا جَازَ، أَمَّا الدِّرْعُ وَالْجُلُودُ وَالْفِرَاءُ وَالْخِفَافُ فَتُنْزَعُ مِنْهُ.
(فَصْلٌ: أَقَلُّ الْقَبْرِ
حُفْرَةٌ تَمْنَعُ) إذَا رُدِمَتْ (الرَّائِحَةَ) أَنْ تَظْهَرَ مِنْهُ فَتُؤْذِيَ الْحَيَّ (وَالسَّبُعَ) أَنْ يَنْبُشَ لِيَأْكُلَ الْمَيِّتَ فَتُنْتَهَكَ حُرْمَتُهُ، وَفِي ذِكْرِ الرَّائِحَةِ وَالسَّبْعِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ مَنْعِ أَحَدِهِمَا مَنْعُ الْآخَرِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ. (وَيُنْدَبُ أَنْ يُوَسَّعَ وَيُعَمَّقَ قَامَةً وَبَسْطَةً) بِأَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مُعْتَدِلٌ وَيَبْسُطُ يَدَيْهِ مَرْفُوعَةً، «قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي قَتْلَى أُحُدٍ احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَوْصَى عُمَرُ رضي الله عنه أَنْ يُعَمَّقَ قَبْرُهُ قَامَةً وَبَسْطَةً
. (وَاللَّحْدُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّقِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ
ــ
[حاشية قليوبي]
نَحْوَ حَائِضٍ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يُغَسَّلُ) أَيْ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَعَلَيْهِ هَلْ تَجِبُ نِيَّةُ الْجَنَابَةِ عَنْهُ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَأَمَّا سُقُوطُ غُسْلِ الْمَوْتِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ. قَوْلُهُ:(تُزَالُ نَجَاسَتُهُ) أَيْ وُجُوبًا. قَوْلُهُ: (غَيْرُ الدَّمِ) أَيْ دَمِ الشَّهَادَةِ، أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ غَسْلُهُ وَلَوْ بِمَاءٍ نَحْوَ الْوَرْدِ، وَأَمَّا حَكُّهُ بِنَحْوِ عُودٍ فَمَكْرُوهٌ مُطْلَقًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: إنْ أَزَالَ الْأَثَرَ فَكَالْمَاءِ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الشَّهِيدِ إزَالَةُ دَمِ شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ حَقُّهُ. قَوْلُهُ:(بِأَنْ تُغْسَلَ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْهِيًّا عَنْ إزَالَتِهَا، وَلَيْسَتْ أَثَرَ عِبَادَةٍ بِخِلَافِ دَمِ الشَّهَادَةِ. قَوْلُهُ:(فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُغْسَلُ) أَيْ وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ إزَالَةُ دَمِ الشَّهَادَةِ أَخْذًا مِنْ التَّفْصِيلِ بَعْدَهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ مُسَاوِيَةٌ لَهَا، بَلْ هِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا لِشُمُولِهَا إزَالَةَ غَيْرِ دَمِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ:(الْمُلَطَّخَةِ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ يُنْدَبُ تَكْفِينُهُ فِي ثِيَابِهِ مُطْلَقًا، لَكِنْ الْمُلَطَّخَةُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (تُمِّمَ) أَيْ إلَى سَتْرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وُجُوبًا وَمَا زَادَ نَدْبًا، وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ كَمَا فِي غَيْرِهِ إنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ، وَدَخَلَ فِي ثِيَابِهِ مَا لَوْ كَانَتْ حَرِيرًا، وَقَدْ مَرَّ جَوَازُهُ عَنْ شَيْخِنَا كَشَيْخِهِ وَمَا فِي الْمَنْهَجِ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيِهِ الْمَرْجُوحِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ:(أَمَّا الدِّرْعُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِثِيَابِهِ فِيمَا مَرَّ مَا اُعْتِيدَ التَّكْفِينُ فِيهَا. قَوْلُهُ: (فَتُنْزَعُ) أَيْ نَدْبًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ مَثَلًا، وَإِلَّا فَوُجُوبًا.
(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتْبَعُهُ. قَوْلُهُ: (أَقَلُّ الْقَبْرِ) وَمِثْلُ الْقَبْرِ أَنْ يُوضَعَ مَنْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْبَرِّ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَيُلْقَى فِيهِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُثَقَّلَ لِيَصِلَ إلَى الْقَرَارِ. قَوْلُهُ:(حُفْرَةٌ) خَرَجَ بِهَا وَضْعُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِي بِنَاءٍ كَالْفَسَاقِيِ الْمَعْهُودَةِ، فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِعُذْرٍ كَانْهِيَارِ الْأَرْضِ. قَوْلُهُ:(وَإِنْ لَزِمَ) الصَّوَابُ إسْقَاطُ الْوَاوِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ) أَيْ بَيَانُ مَا أَرَادَهُ الشَّارِعُ مِنْ الدَّفْنِ، وَقَدْ عُلِمَ عَدَمُ اللُّزُومِ بِنَحْوِ الْفَسَاقِيِ فَإِنَّهَا قَدْ لَا تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ بِنَحْوِ رَدْمِ تُرَابٍ بِلَا بِنَاءٍ، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَمْنَعُ السَّبْعَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَيُعَمَّقُ) هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْمُعْجَمَةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (قَامَةً وَبَسْطَةً) وَهُمَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ، وَنِصْفٌ بِالذِّرَاعِ
ــ
[حاشية عميرة]
يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ وَهَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ أَمْ لَا؟ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ هُوَ مُحْتَمَلٌ.
[فَصْلٌ أَقَلُّ الْقَبْرِ]
ِ إلَخْ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَنْ يُوَسَّعَ) هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَالتَّعْمِيقُ الزِّيَادَةُ فِي النُّزُولِ وَهُوَ مِنْ مَادَّةِ قَوْله تَعَالَى:{مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] . وَحَكَى ابْنُ مَكِّيٍّ أَنَّهُ يُقَالُ بِالْغَيْنِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ قُرِئَ بِهِ شَاذًّا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَاللَّحْدُ) يُقَالُ:
(إنْ صَلُبَتْ الْأَرْضُ) بِخِلَافِ الرَّخْوَةِ، فَالشَّقُّ فِيهَا أَفْضَلُ، وَهُوَ أَنْ يُحْفَرَ فِي وَسَطِهَا كَالنَّهْرِ وَيُبْنَى الْجَانِبَانِ بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ بَيْنَهُمَا، وَيُسَقَّفُ عَلَيْهِ بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَيُرْفَعُ السَّقْفُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ.
وَاللَّحْدُ أَنْ يُحْفَرَ فِي أَسْفَلِ حَائِطِ الْقَبْرِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: أَلْحِدُوا لِي لَحَدًّا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَيُوضَعُ رَأْسُهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ) أَيْ مُؤَخَّرِهِ الَّذِي سَيَكُونُ عِنْدَ أَسْفَلِهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ. (وَيُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ) رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ الصَّحَابِيَّ أَدْخَلَ الْحَارِثَ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَقَالَ: هَذَا مِنْ السُّنَّةِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» . (وَيُدْخِلُهُ الْقَبْرَ الرِّجَالُ) وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً بِخِلَافِ النِّسَاءِ لِضَعْفِهِنَّ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا (وَأَوْلَاهُمْ) بِذَلِكَ (الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ (قُلْت:) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً مُزَوَّجَةً فَأَوْلَاهُمْ) بِهِ (الزَّوْجُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَيَلِيهِ الْأَحَقُّ بِهَا مِنْ الْمَحَارِمِ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ، وَفِي تَقْدِيمِ مَنْ يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الصَّلَاةِ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَذَكَرَ فِيهِ بَعْدَ الْعَمِّ الْمَحْرَمَ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَأَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ وَالْعَمِّ لِلْأُمِّ.
وَيُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ الْأَخَ لِلْأُمِّ يَلِي أَبَا الْأُمِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ الْمَحَارِمِ فَعَبِيدُهَا، وَهُمْ أَحَقُّ مِنْ بَنِي الْعَمِّ لِأَنَّهُمْ كَالْمَحَارِمِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَبِيدٌ فَالْخُصْيَانُ الْأَجَانِبُ، لِضَعْفِ شَهْوَتِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَذَوُو الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَا مَحْرَمِيَّةَ لَهُمْ كَبَنِي الْعَمِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْ الْأَجَانِبِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ قُدِّمَ أَفْقَهُهُمَا وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَسَنَّ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَالْمُرَادُ بِالْأَفْقَهِ الْأَعْلَمُ بِإِدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ وَبِقَوْلِهِمْ الْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ الْأَوْلَى فِي الدَّرَجَاتِ لَا فِي الصِّفَاتِ أَيْضًا، أَيْ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ الْأَفْقَهِ عَلَى الْأَسَنِّ.
ــ
[حاشية قليوبي]
الْمَعْرُوفِ، أَوْ أَرْبَعٌ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْيَدِ. قَوْلُهُ:(احْفِرُوا) أَيْ وُجُوبًا وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ، وَأَوْسَعُوا نَدْبًا، وَأَعْمِقُوا كَذَلِكَ. قَوْلُهُ:(وَأَوْصَى عُمَرَ رضي الله عنه) أَيْ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَهُوَ إجْمَاعٌ، وَذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ قَدْرِ التَّعْمِيقِ.
قَوْلُهُ: (وَيَبْنِي) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ عَلَى أَنَّهَا مَانِعَةُ خُلُوٍّ قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ مِمَّا لَمْ تَمَسُّهُ النَّارُ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُ) أَيْ وُجُوبًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتُ. قَوْلُهُ: (الرِّجَالُ) أَيْ هُمْ أَوْلَى مِنْ النِّسَاءِ «لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلْحَةَ بِإِدْخَالِ ابْنَتِهِ أُمِّ كُلْثُومٍ» عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ وُجُودِ مَحَارِمِهَا كَفَاطِمَةَ. نَعَمْ يَنْدُبُ أَنْ يَلِيَ النِّسَاءُ حَمْلَهَا مِنْ مَحَلِّ مَوْتِهَا إلَى الْمُغْتَسَلِ، وَمِنْهُ إلَى النَّعْشِ، وَمِنْهُ إلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ وَحَلُّ الشِّدَادِ فِيهِ. قَوْلُهُ:(وَذَكَرَ فِيهِ إلَخْ) أَيْ فَمَا شَمِلَهُ عُمُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَوْلَادِ الْعَمِّ لَيْسَ مُرَادًا. قَوْلُهُ: (مِنْ الْمَحَارِمِ) أَيْ وَيُقَدَّمُ مَحَارِمُ النَّسَبِ، ثُمَّ مَحَارِمُ الرَّضَاعِ، ثُمَّ مَحَارِمُ الْمُصَاهَرَةِ. قَوْلُهُ:(فَالْخُصْيَانُ) وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ الْمَمْسُوحُ، ثُمَّ الْمَجْبُوبُ، ثُمَّ الْعِنِّينُ.
قَوْلُهُ: (فَأَهْلُ الصَّلَاحِ إلَخْ) وَبَعْدَهُمْ الْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ، وَقِيلَ: بِاسْتِوَائِهِمَا. وَيُقَدَّمْنَ بِتَرْتِيبِ الْغُسْلِ، وَالسَّيِّدُ فِي أَمَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ كَالزَّوْجِ، وَفِي غَيْرِهَا يُقَدَّمُ عَلَى الْأَجَانِبِ كَعَبْدِهِ، وَلَا حَقَّ لِلْوَالِي مَعَ الْقَرِيبِ جَزْمًا. وَجَمِيعُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ مُسْتَحَبٌّ. قَوْلُهُ:(الْأَفْقَهُ عَلَى الْأَسَنِّ) أَيًّ مَا اتِّحَادُ الدَّرَجَةِ لِأَنَّهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّرَجَاتِ لَا تُعْتَبَرُ الصِّفَاتُ، وَمَعَ اتِّحَادِهَا تُعْتَبَرُ فَهُوَ بِعَكْسِ صِفَاتِ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ، وَعَلَى هَذَا تُنَزَّلُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ فَتَأَمَّلْ. وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ عَلَى الْأَقْرَبِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ،
ــ
[حاشية عميرة]
الْحَدَثُ وَفِي اللُّغَةِ: الْحَدَثُ وَأَصْلُهُ الْمَيْلُ. قَوْلُ الْمَتْنِ (الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ) نَبَّهَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى أَنَّ الْأَفْقَهَ هُنَا مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَسَنِّ وَالْأَقْرَبِ. قَالَ: فَأَمَّا تَقْدِيمُهُ عَلَى الْأَسَنِّ فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَمَّا تَقْدِيمُهُ عَلَى الْأَقْرَبِ فَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَرَأَيْته أَيْضًا فِي نَصِّ الْأُمِّ وَلَمْ يُصَرِّحْ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا حَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى تَقْدِيمِ الْبَعِيدِ الْفَقِيهِ عَلَى الْأَقْرَبِ الَّذِي لَيْسَ بِفَقِيهٍ، وَنَبَّهَ الْإِسْنَوِيُّ عَلَى أَنَّ الْوَالِيَ لَا يُقَدَّمُ هُنَا قَطْعًا، وَإِنْ قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَوْلٍ. قَوْلُهُ:(فَعَبِيدُهَا) بَحَثَ بَعْضُهُمْ تَقْدِيمَ مَحَارِمِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ عَلَى الْعَبِيدِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لِلْقِبْلَةِ) لَوْ جُعِلَ الْقَبْرُ مُبْتَدَأً مِنْ
(وَيَكُونُونَ وِتْرًا) ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَفَنَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ. (وَيُوضَعُ فِي اللَّحْدِ عَلَى يَمِينِهِ) نَدْبًا (لِلْقِبْلَةِ) وُجُوبًا، فَلَوْ دُفِنَ مُسْتَدْبِرًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا نُبِشَ وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَإِنْ تَغَيَّرَ لَمْ يُنْبَشْ، وَلَوْ وُضِعَ عَلَى الْيَسَارِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ كُرِهَ وَلَمْ يُنْبَشْ وَيُقَاسُ بِاللَّحْدِ فِيمَا ذُكِرَ جَمِيعُهُ الشَّقُّ، وَيَشْمَلُهُمَا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَيَجِبُ أَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ لِلْقِبْلَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوضَعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ.
(وَيُسْنَدُ وَجْهُهُ إلَى جِدَارِهِ) أَيْ الْقَبْرِ (وَظَهْرُهُ بِلَبِنَةٍ وَنَحْوِهَا) حَتَّى لَا يَنْكَبَّ وَلَا يَسْتَلْقِيَ، وَيُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِهِ لَبِنَةٌ أَوْ حَجَرٌ وَيُفْضِي بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ إلَيْهِ أَوْ إلَى التُّرَابِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بِأَنْ يُنَحَّى الْكَفَنُ عَنْ خَدِّهِ وَيُوضَعَ عَلَى التُّرَابِ.
(وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ (بِلَبِنٍ) وَطِينٍ مَثَلًا حَتَّى لَا يَدْخُلَهُ تُرَابٌ (وَيَحْثُو مَنْ دَنَا ثَلَاثَ حَثَيَاتِ تُرَابٍ) بِيَدَيْهِ جَمِيعًا، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَثَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا» ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55]، وَمَعَ الثَّانِيَةِ:{وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55]، وَمَعَ الثَّالِثَةِ:{وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] . وَقَوْلُهُ حَثَيَاتٍ مِنْ يَحْثِي لُغَةٌ فِي يَحْثُو (ثُمَّ يُهَالُ) أَيْ يُرْدَمُ التُّرَابُ (بِالْمَسَاحِي) إسْرَاعًا بِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ
(وَيُرْفَعُ الْقَبْرُ شِبْرًا فَقَطْ) لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ قَبْرَهُ عليه الصلاة والسلام رُفِعَ نَحْوًا مِنْ شِبْرٍ. وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَلْ يُخْفَى لِئَلَّا يَتَعَرَّضُوا لَهُ إذَا رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَسْطِيحَهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ) كَمَا فُعِلَ بِقَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ، رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ
ــ
[حاشية قليوبي]
كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةً) أَيْ أَوْ أَقَلَّ وَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَمَا فَوْقَهَا لِضَرُورَةِ الْجَمْعِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (دَفَنَهُ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ) وَفِي رِوَايَةٍ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَمَعَهُمْ خَامِسٌ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ وَشُقْرَانُ مَوْلَاهُ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُمْ خَامِسٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَعَلَّ الْخَامِسَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ الْعَبَّاسُ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى. قَوْلُهُ: (لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ، وَيُوَجَّهُ الْكَافِرُ لِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ. نَعَمْ يَجِبُ اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ بِكَافِرَةٍ حَامِلَةٍ بِمُسْلِمٍ إذَا بَلَغَ أَوَانُ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، كَمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ لِأَنَّ وَجْهَهُ إلَى ظَهْرِهَا وَتُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ. قَوْلُهُ:(أَوْ مُسْتَلْقِيًا نُبِشَ) وُجُوبًا وَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ مَرْفُوعًا وَرِجْلَاهُ لِلْقِبْلَةِ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ) أَيْ وَلَوْ بِالرَّائِحَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْنَدُ) أَيْ نَدْبًا. قَوْلُهُ: (وَجْهُهُ) وَرِجْلَاهُ. قَوْلُهُ: (حَتَّى لَا يَنْكَبَّ إلَخْ) وَلَا يَجِبُ نَبْشُهُ لَوْ انْكَبَّ أَوْ اسْتَلْقَى بَعْدَ الدَّفْنِ، وَكَذَا لَوْ انْهَالَ الْقَبْرُ أَوْ التُّرَابُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ وَإِصْلَاحُهُ، أَوْ نَقْلُهُ لِمَحَلٍّ آخَرَ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. نَعَمْ لَوْ انْهَالَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَقَبْلَ طَمِّهِ وَجَبَ إصْلَاحُهُ
. قَوْلُهُ: (وَيُسَدُّ فَتْحُ اللَّحْدِ) أَيْ نَدْبًا إنْ لَمْ يَصِلْ التُّرَابُ الْمُهَالُ إلَى الْمَيِّتِ وَإِلَّا وَجَبَ وَلَوْ بِمِلْكٍ غَائِبٍ، وَلَا يُنْدَبُ الْأَذَانُ عِنْدَ الدَّفْنِ كَمَا قِيلَ. قَوْلُهُ:(بِلَبِنٍ) أَيْ نَدْبًا، وَكَانَ عَدَدُ لَبِنَاتِ لَحْدِهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ لَبِنَاتٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ. قَوْلُهُ:(وَيَحْثُو مَنْ دَنَا) فَالدُّنُوُّ لَازِمٌ لَهُ وَهُوَ مَنْدُوبٌ أَيْضًا. نَعَمْ لَا يُنْدَبُ الدُّنُوُّ إنْ حَصَلَ فِيهِ مَشَقَّةٌ، وَلَا الْحَثْوُ فِي التُّرَابِ إنْ لَزِمَ مِنْهُ نَجَاسَةٌ لِرُطُوبَتِهِ مَثَلًا. قَوْلُهُ:(لُغَةً فِي يَحْثُو) أَيْ وَالْمُصَنِّفُ جَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ، وَالْيَاءُ أَفْصَحُ مِنْ الْوَاوِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الشَّارِحِ. وَالْحَثْوُ الْأَخْذُ بِالْكَفَّيْنِ مَعًا قِيلَ أَوْ بِأَحَدِهِمَا. قَوْلُهُ:(تُرَابٍ) وَكَوْنُهُ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ جِهَةِ رَأْسِ الْقَبْرِ أَوْلَى. قَوْلُهُ:(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى إلَخْ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى: اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حُجَّتَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ، وَفِي الثَّالِثَةِ: اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جُثَّتِهِ.
(فَائِدَةٌ) قِرَاءَةُ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: 1] عَلَى شَيْءٍ مِنْ تُرَابٍ مِنْ دَاخِلِ الْقَبْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَوَضْعُهُ عَلَى صَدْرِهِ تَحْتَ الْكَفَنِ أَمَانٌ مِنْ الْفِتَانِ.
قَوْلُهُ: (بِالْمَسَاحِي) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمْسَحُ الْأَرْضَ، وَهِيَ جَمْعُ مِسْحَاةٍ مِنْ الْحَسْوِ أَيْ الْكَشْفِ فَمِيمُهَا زَائِدَةٌ، وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ فَهِيَ مِنْ خَشَبٍ
. قَوْلُهُ: (شِبْرًا) أَيْ قَدْرَهُ تَقْرِيبًا، وَرَفْعُ الْقَبْرِ فَوْقَ شِبْرٍ مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ:(فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ) وَكَذَا لَوْ خِيفَ نَبْشُهُ لِعَدَاوَةٍ أَوْ أَخْذِ كَفَنٍ
. قَوْلُهُ: (فِي قَبْرٍ) أَيْ شَقٍّ أَوْ لَحْدٍ، أَمَّا لَوْ فِي لَحْدَيْنِ وَلَوْ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا.
ــ
[حاشية عميرة]
قَبْلِي إلَى بَحَرِي، وَأُضْجَعَ عَلَى ظَهْرِهِ وَأَخْمَصَاهُ لِلْقِبْلَةِ، وَرُفِعَتْ رَأْسُهُ قَلِيلًا كَمَا يُفْعَلُ فِي الْمُحْتَضَرِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ يَحْرُمُ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَالظَّاهِرُ التَّحْرِيمُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَحْثُو مَنْ دَنَا إلَخْ) عِبَارَةُ الْكِفَايَةِ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الدَّفْنَ، وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ لِمَنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ. قَوْلُهُ:(مِنْ يَحْثِي إلَخْ) أَيْ فَالْمُصَنِّفُ رحمه الله كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى
صَحِيحٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ رَآهَا كَذَلِكَ، وَالثَّانِي تَسْنِيمُهُ أَوْلَى لِأَنَّ التَّسْطِيحَ صَارَ شِعَارًا لِلرَّوَافِضِ فَيُتْرَكُ مُخَالَفَةً لَهُمْ وَصِيَانَةً لِلْمَيِّتِ وَأَهْلِهِ عَنْ الِاتِّهَامِ بِالْبِدْعَةِ، وَدُفِعَ بِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تُتْرَكُ لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فِيهَا
(وَلَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هِيَ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ، وَصَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُدْفَنَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِقَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: يُسْتَحَبُّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ. أَيْ فَيَكُونُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فِيهِ مَكْرُوهًا (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَأَنْ كَثُرَ الْمَوْتَى لِوَبَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَسُرَ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَبْرٍ. (فَيُقَدَّمُ) فِي دَفْنِ اثْنَيْنِ (أَفْضَلُهُمَا) إلَى جِدَارِ اللَّحْدِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ» ، وَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ، وَكَذَا تُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إلَّا عِنْدَ تَأَكُّدِ الضَّرُورَةِ، وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ. وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الرَّوْضَةِ. وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ (وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ) وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ (وَلَا يُوطَأُ) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا لِحَاجَةٍ بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَى قَبْرِ مَيِّتِهِ إلَّا بِوَطْئِهِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَكَذَا يُكْرَهُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُوطَأَ الْقَبْرُ» ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي بِطُولِهِ فِي التَّجْصِيصِ. (وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ) مِنْهُ (كَقُرْبِهِ مِنْهُ) فِي زِيَارَتِهِ (حَيًّا) أَيْ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَسَيَأْتِي نَدْبُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ.
(وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ دَفْنِهِ وَبَعْدَهُ) أَيْ هُمَا سَوَاءٌ فِي أَصْلِ السُّنِّيَّةِ، وَتَأْخِيرُهَا أَحْسَنُ لِاشْتِغَالِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إلَّا أَنْ يَرَى مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ جَزَعًا شَدِيدًا فَيُخْتَارُ تَقْدِيمُهَا لِيُصَبِّرَهُمْ. (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) تَقْرِيبًا فَلَا تَعْزِيَةَ بَعْدَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزِّي أَوْ الْمُعَزَّى غَائِبًا، وَفِي
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ) أَيْ لَا يُبَاحُ. قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فِيهِ مَكْرُوهًا) وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ، وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَوْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، أَوْ الْمَحْرَمِيَّةِ، أَوْ الصِّغَرِ، فَلَوْ دُفِنَ لَمْ يُنْبَشْ. قَوْلُهُ:(جِدَارِ اللَّحْدِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ. قَوْلُهُ: (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَرَفٍ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَوْ قُطِّعَ لَمْ يَسَعْهُمَا، وَذَلِكَ لِفَقْدِ الثِّيَابِ الْفَاضِلَةِ عَنْ الْكِفَايَةِ، فَهُوَ عُذْرٌ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْبِنْتِ) فَالْخُنْثَى يُقَدَّمُ عَلَى أُمِّهِ كَابْنِهَا الذَّكَرِ، وَالْوَجْهُ إلْحَاقُ الْخُنْثَى بِالْأُنْثَى، لِتَحَقُّقِ الْأَصْلِيَّةِ دُونَ الذُّكُورَةِ، وَيُقَدَّمُ الصَّبِيُّ عَلَى الْخُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالذَّكَرُ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَهَذَا قَبْلَ وَضْعِ الْمَفْضُولِ فِي اللَّحْدِ وَلَوْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، وَإِلَّا فَلَا يُنَحَّى عَنْ مَكَانِهِ لِأَنَّهُ إزْرَاءٌ، وَيُقَدَّمُ فِي الْكَافِرِينَ أَخَفُّهُمَا كُفْرًا أَوْ عِصْيَانًا. قَوْلُهُ:(وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ) نَدْبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَسٌّ وَإِلَّا وَجَبَ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْلَسُ عَلَى الْقَبْرِ) أَيْ عَلَى مَا حَاذَى الْمَيِّتَ مِنْهُ، وَكَذَا مَا بَعْدَهُ. وَكُلُّ ذَلِكَ فَيُقْبَرُ الْمُسْلِمُ وَلَوْ مُهْدَرًا أَوْ بَعْدَ انْدِرَاسِهِ، وَإِنْ جَازَ الدَّفْنُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ لِلْحَاجَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَلَوْ مُرْتَدًّا لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، فَلَا يُكْرَهُ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ. نَعَمْ يَنْبَغِي تَرْكُهُ فِي الذِّمِّيِّ دَفْعًا لِأَذَى الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْمُكْثُ فِي مَقَابِرِهِمْ. قَوْلُهُ:(وَلَا يُوطَأُ) خَرَجَ بِهِ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقُبُورِ وَلَوْ بِالنَّعْلِ وَبِلَا حَاجَةٍ، فَلَا يُكْرَهُ. نَعَمْ يَحْرُمُ إنْ حَصَلَ تَنْجِيسٌ كَمَنْبُوشَةٍ مَعَ الْمَشْيِ حَافِيًا مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ عَلَى الْقَبْرِ، وَيُكْرَهُ الزَّرْعُ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَوْلُهُ:(بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَخْ) تَخْصِيصُ الْحَاجَةِ بِالْوَطْءِ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (أَيْ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ) أَيْ يُنْدَبُ. نَعَمْ إنْ كَانَ بُعْدُهُ عَنْهُ فِي الْحَيَاةِ لِخَوْفٍ كَالظُّلْمَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ، وَلَوْ أَوْصَى بِقُرْبِهِ لِمَنْ كَانَ بَعِيدًا طُلِبَ قُرْبُهُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّعْزِيَةُ سُنَّةٌ) وَلَوْ فِي الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ أَوْ فِي مَالٍ مِنْ كُلِّ مَا يَعِزُّ عَلَى الْمُصَابِ وَيَدْعُو بِمَا يُنَاسِبُ. وَتَعْزِيَةُ الشَّابَّةِ لَأَجْنَبِيٍّ حَرَامٌ ابْتِدَاءً وَرَدًّا، وَيُكْرَهُ لَهُ ابْتِدَاءً وَرَدًّا كَالسَّلَامِ، وَيُكْرَهُ تَعْزِيَةُ تَارِكِ صَلَاةٍ وَمُحَارِبٍ وَمُبْتَدِعٍ وَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَلَوْ بِمُسْلِمٍ وَعَكْسُهُ، لَا تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ وَعَكْسُهُ، فَلَا يُكْرَهُ بَلْ مَنْدُوبَةٌ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ. قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ
ــ
[حاشية عميرة]
اللُّغَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: يَحْثُو وَقَالَ: حَثَيَاتٍ. قَوْلُهُ: (بِالْمَسَاحِي) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَمْسَحُ الْأَرْضَ.
قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ دَفْنُ اثْنَيْنِ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ تَرَتُّبِ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا سَلَفَ. قَوْلُهُ: (كَانَ يَجْمَعُ إلَخْ) الْحَامِلُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ كَافِيًا فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ كَثْرَةُ الْمَوْتَى، وَالْحَاجَةُ إلَى تَكْفِينِ اثْنَيْنِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لِفَقْدِ الثِّيَابِ الْفَاضِلَةِ عَنْ الْكِفَايَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (قَبْلَ دَفْنِهِ وَبَعْدَهُ) الْمَعْنَى إمَّا قَبْلَهُ وَإِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَخْذًا مِنْ مُدَّةِ الْإِحْدَادِ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (وَمَعْنَاهَا) أَيْ اصْطِلَاحًا،