الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
هِيَ شَامِلَةٌ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالتَّيَمُّمِ الْآتِيَةِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَبَدَأَ بِبَيَانِ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي آلَتِهَا مُفْتَتِحًا بِآيَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهِ كَمَا فَعَلُوا فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] أَيْ مُطَهِّرًا،
ــ
[حاشية قليوبي]
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
يُطْلَقُ الْكِتَابُ لُغَةً بِمَعْنَى الضَّمِّ وَالْجَمْعِ، أَيْ الْمَضْمُومِ وَالْمَجْمُوعِ أَوْ الضَّامِّ وَالْجَامِعِ، وَاصْطِلَاحًا بِمَعْنَى اسْمٍ لِجِنْسٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، أَوْ بِمَعْنَى اسْمٍ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ غَالِبًا، وَيُرَادِفُهُ الْكِتَابَةُ وَالْكُتُبُ، فَهِيَ مَصَادِرُ مُشْتَقٌّ مِنْهَا لَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَهُوَ مِنْ التَّرَاجِمِ كَالْبَابِ وَالْفَصْلِ وَنَحْوِهِمَا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي، وَقِيلَ: أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ، وَقِيلَ: لِلْمَعَانِي، وَقِيلَ: لِلنُّقُوشِ، وَقِيلَ: لِلِاثْنَيْنِ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: لِلثَّلَاثَةِ، فَهِيَ سَبْعُ احْتِمَالَاتٍ غَيْرُ الْأَوَّلِ الْمُخْتَارِ وَمَعَانِيهَا عُرْفًا مَا مَرَّ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ لُغَةً، فَالْبَابُ فُرْجَةٌ فِي سَاتِرٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَبِالْعَكْسِ. وَالْفَصْلُ الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وَالْفَرْعُ مَا بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ. وَالْأَصْلُ عَكْسُهُ.
وَالْمَسْأَلَةُ لُغَةً السُّؤَالُ وَعُرْفًا مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ، وَأَشَارُوا بِقَوْلِهِمْ غَالِبًا إلَى خُلُوِّ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ، وَالطَّهَارَةُ بِضَمِّ الطَّاءِ اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِمَا يُضَافُ إلَى الْمَاءِ مِنْ سِدْرٍ وَنَحْوِهِ، وَبِالْفَتْحِ الْمُرَادُ هُنَا لُغَةً النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ كَالنَّجَاسَاتِ، أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ مِنْ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالزِّنَا وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَنَحْوِهَا، فَهِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا، وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَقِيلَ: مَجَازٌ فِي أَحَدِهِمَا، وَقِيلَ: مُشْتَرَكَةٌ، وَعَطْفُ الْخُلُوصِ تَفْسِيرٌ وَعُرْفًا زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالْخُبْثِ.
قَالَهُ الْقَاضِي، أَوْ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ، قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ، وَأَشَارَ بِالْأَوَّلِ لِلثَّوْبِ، وَبِالثَّانِي لِلْمَكَانِ، وَبِالثَّالِثِ لِلشَّخْصِ، وَلَمْ يَقُلْ: أَوْ عَلَيْهِ لِيَشْمَلَ الْمَيِّتَ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ عِنْدَهُمْ بِالْغُسْلِ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَنَا، وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَرَاهُ أَنَّهَا لَا تُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى الْفِعْلِ وَلَا عَلَى الْمَنْدُوبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي تَعْرِيفِهِ لَهَا إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَنْدُوبِ حَقِيقَةً حَيْثُ قَالَ: هِيَ رَفْعُ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةُ نَجَسٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُمَا، وَعَلَى صُورَتِهِمَا كَالتَّيَمُّمِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ انْتَهَى. وَأَشَارَ بِالتَّيَمُّمِ لِمَا هُوَ فِي مَعْنَى رَفْعِ الْحَدَثِ بِوُجُودِ الْإِبَاحَةِ، وَمِثْلُهُ طَهَارَةُ الضَّرُورَةِ، وَفِي مَعْنَى إزَالَةِ النَّجَسِ حَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ كَذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ مَا فِي الْمَعْنَى عَلَى الصُّورَةِ أَيْضًا، وَبِالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ إلَى مَا هُوَ عَلَى صُورَةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ غُسْلٌ صُورَةً وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ التَّحْرِيرِ وَأَصْلِهِ أَنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ تَنَجُّسُ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ بَعْضِهِ مَعَ الِاشْتِبَاهِ، وَتَجْدِيدُ الْوُضُوءِ إلَى مَا هُوَ عَلَى صُورَةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَبِالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إلَى مَا هُوَ عَلَى صُورَةِ الْأُولَى فِي الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، فَهِيَ شَامِلَةٌ لِأَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ حَجَرٍ بِمَا يَعُمُّ ذَلِكَ أَيْضًا مَعَ زِيَادَةِ الِاخْتِصَارِ بِقَوْلِهِ: هِيَ فِعْلُ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إبَاحَةٌ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَوْ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ النَّجَاسَةَ قِسْمَانِ: إمَّا عَيْنِيَّةٌ وَهِيَ مَا لَا تَتَجَاوَزُ مَحَلَّ حُلُولِ مُوجِبِهَا كَالنَّجَاسَاتِ، وَإِمَّا حُكْمِيَّةٌ وَهِيَ مَا تَتَجَاوَزُهُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ أَوْ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَنُزُولِ الْمَنِيِّ، وَقَدْ تُطْلَقُ الْحُكْمِيَّةُ عَلَى مَا لَا وَصْفَ لَهَا، وَسَتَأْتِي فِي بَابِهَا.
(تَنْبِيهٌ) لَفْظُ لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا وَاصْطِلَاحًا مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ عَلَى الْأَرْجَحِ، وَقِيلَ: عَلَى الْحَالِ مِنْ نِسْبَةِ الثُّبُوتِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَمِنْ ضَمِيرِ مَفْعُولٍ حُذِفَ مَعَ فِعْلِهِ أَيْ أَعْنِي، وَقِيلَ: عَلَى التَّمْيِيزِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (هِيَ شَامِلَةٌ لِلْوُضُوءِ
ــ
[حاشية عميرة]
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]
وَهِيَ بِضَمِّ الطَّاءِ بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّذِي يَتَطَهَّرُ بِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ (طَهُورًا) نَقَلَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ابْنِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُطْلَقِ (يُشْتَرَطُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ) الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الطَّهَارَةِ (مَاءٌ مُطْلَقٌ وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ) وَإِنْ قُيِّدَ لِمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ كَمَاءِ الْبَحْرِ بِخِلَافِ مَا لَا يُذْكَرُ إلَّا مُقَيَّدًا كَمَاءِ الْوَرْدِ فَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] إلَخْ وَلَا الْمُنَجَّسَ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ: صُبُّوا عَلَيْهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
إلَخْ) أَيْ لِلْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ الْمَنْدُوبَ، وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهَا مَجَازٌ فِي الْمَنْدُوبِ وَتَقَدَّمَ رَدُّهُ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مَقَاصِدُ الطَّهَارَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَسْحَ الْخُفِّ لِأَنَّهُ مِنْ الْوُضُوءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ شُمُولَهَا لِلدَّابِغِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إحَالَةٌ، وَمَنْ ذَكَرَهُ فِيهَا أَرَادَ بِهَا مَا يَشْمَلُهُ كَانْقِلَابِ دَمِ الظَّبْيَةِ مِسْكًا وَالْخَمْرِ خَلًّا وَبُلُوغِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ قُلَّتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا) مِنْ الْمُوجِبَاتِ كَالْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ وَالنَّجَاسَةِ، وَمِنْ الْوَسَائِلِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الْمَاءُ وَالتُّرَابُ وَحَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ وَعَدُّ الِاجْتِهَادِ وَالْأَوَانِي مِنْ الْوَسَائِلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا وَسِيلَةٌ لِلْوَسِيلَةِ. قَوْلُهُ: (الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ) أَيْ الْغَالِبُ أَوْ الْأَكْثَرُ أَوْ الْمَتْبُوعُ لِأَنَّ غَيْرَهُ تَابِعٌ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الشَّطْرِيَّةِ أَوْ الشَّرْطِيَّةِ أَوْ النِّيَابَةِ.
قَوْلُهُ: (مُفْتَتِحًا بِآيَةٍ) أَيْ دَالَّةٍ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَقَدَّمَهَا، وَشَأْنُ الدَّلِيلِ التَّأْخِيرُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابِ كَمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَمَا فَعَلُوا، وَحِكْمَتُهُ أَنَّهَا كَالْقَاعِدَةِ وَالضَّابِطُ الَّذِي شَأْنُهُ التَّقْدِيمُ، وَاخْتَارُوا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى آيَةِ {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] لِلنَّصِّ فِيهَا عَلَى الطَّهُورِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ، وَالسَّمَاءُ الْجِرْمُ الْمَعْهُودُ حَقِيقَةً. وَالسَّحَابُ مَجَازًا أَنَّ الْمَاءَ يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءِ الدُّنْيَا قِطَعًا كِبَارًا عَلَى السَّحَابِ، ثُمَّ يَنْمَاعُ عَلَيْهِ وَيَنْزِلُ مِنْ عُيُونٍ فِيهِ كَالْغِرْبَالِ، وَقِيلَ: السَّمَاءُ السَّحَابُ حَقِيقَةً، لِمَا قِيلَ إنَّهُ يَغْتَرِفُ مِنْ الْبَحْرِ الْمِلْحِ كَالسَّفِنْجِ ثُمَّ يَصْعَدُ إلَى الْعُلُوِّ وَيَنْعَصِرُ فَيَنْزِلُ الْمَاءُ مِنْهُ، وَيَقْصُرُهُ الْهَوَاءُ وَالشَّمْسُ فَيَحْلُو. وَطَهُورًا تَأْكِيدٌ لِأَنَّ الْمَاءَ مُنْصَرِفٌ لِلْفَرْدِ الْكَامِلِ كَمَا يَأْتِي فِي الْحَدِيثِ، وَجَعْلُهُ فِي الْآيَةِ لِلْأَعَمِّ دُونَ الْحَدِيثِ تَحَكُّمٌ، وَذَكَرَ التَّأْكِيدَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْعُمُومِ وَكَوْنُ التَّأْسِيسِ أَوْلَى لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي كُلِّ مَحَلٍّ كَذَا قَالُوا: وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْآيَةِ لِلتَّأْسِيسِ، وَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى الْفَرْدِ الْكَامِلِ بِمَعُونَتِهَا فَتَأَمَّلْ.
وَتَفْسِيرُ الطَّهُورِ بِالْمُطَهِّرِ الْمُرَادِفِ لِلْمُطْلَقِ لِمُنَاسِبَةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ) عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ فَيُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ، بِخِلَافِ عَدَمِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَفَادَ الصِّحَّةَ بِهِ مَعَ الْحُرْمَةِ، وَعَدَمُ الصِّحَّةِ بِالْمُطْلَقِ الْمُحَرَّمِ كَالْمَاءِ الْمُسَبَّلِ لِلشُّرْبِ، أَوْ أَفَادَ عَدَمَ الْحُرْمَةِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ. وَالْحَدَثُ لُغَةً الشَّيْءُ الْحَادِثُ، وَشَرْعًا هُنَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ، وَالنَّجَسُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِفَتْحِهِمَا مَعًا لُغَةً الشَّيْءُ الْمُبْعَدُ أَوْ الْمُسْتَقْذَرُ، وَشَرْعًا هُنَا وَصْفٌ يَقُومُ بِالْمَحَلِّ عِنْدَ مُلَاقَاتِهِ لَعَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ مَعَ تَوَسُّطِ رُطُوبَةٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ. قَوْلُهُ:(الَّذِي هُوَ) أَيْ الرَّفْعُ الْأَصْلُ إذْ غَيْرُهُ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ كَالتَّيَمُّمِ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُحِيلٌ كَالدَّبْغِ.
قَوْلُهُ: (مَا يَقَعُ عَلَيْهِ) أَيْ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ فِي عُرْفِهِمْ، فَيَخْرُجُ الْمُسْتَعْمَلُ، وَيَدْخُلُ الْمُتَغَيِّرُ بِنَحْوِ مَقَرِّهِ لَا عِنْدَ الرَّائِيِّ لِئَلَّا يَنْعَكِسَ مَا ذَكَرَ، فَشَمِلَ مَا رَشَحَ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ الْمُغَلَّى بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ لِأَنَّهُ مَاءٌ بِنَاءً عَلَى انْقِلَابِ الْعَنَاصِرِ إلَى بَعْضِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي الْحِكْمَةِ، وَلِذَلِكَ يَنْقُصُ الْمَاءُ بِقَدْرِهِ، وَشَمِلَ الزُّلَالَ وَهُوَ صُورَةُ حَيَوَانٍ فِي دَاخِلِ الثَّلْجِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ صَارَ مَاءً، وَشَمِلَ مَا نَبَعَ مِنْ الْأَرْضِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ مِنْ الْخِلْقَةِ، وَشَمِلَ مَاءَ الْبَحْرِ الْمِلْحِ، وَيُقَالُ لَهُ الْمَالِحُ وَالْمَلِيحُ وَالْمَلَّاحُ، وَشَمِلَ مَا نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَفْضَلُ الْمِيَاهِ، ثُمَّ مَاءُ زَمْزَمَ، ثُمَّ الْكَوْثَرُ، ثُمَّ نِيلُ مِصْرَ، ثُمَّ بَاقِي الْأَنْهَارِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ بِقَوْلِهِ نَظْمًا:
وَأَفْضَلُ الْمِيَاهِ مَاءٌ قَدْ نَبَعْ
…
مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ الْمُتَّبَعْ
يَلِيهِ مَاءُ زَمْزَمَ فَالْكَوْثَرْ
…
فَنِيلُ مِصْرَ ثُمَّ بَاقِي الْأَنْهُرْ
وَخَرَجَ بِهِ مَا لَا يُسَمَّى مَاءً مِنْ جَامِدٍ أَوْ مَائِعٍ، فَذِكْرُ الْمَائِعِ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مُضِرٌّ أَوْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَبِذَلِكَ خَرَجَ الْخَلُّ وَنَحْوُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ جِنْسٍ. قَوْلُهُ:(اسْمُ مَاءٍ) هُوَ عَلَى الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ، وَأَطْلَقَ الْقَيْدَ لِأَنَّهُ اللَّازِمُ، حَيْثُ أُطْلِقَ وَالْمَاءُ
ــ
[حاشية عميرة]
أَنَّ فَعُولًا قَدْ يَكُونُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهِيَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى زِيَادَةٍ فِي مَعْنَى فَاعِلٍ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي التَّعَدِّي كَضَرُوبٍ أَوْ اللُّزُومِ كَصَبُورٍ، وَقَدْ يَكُونُ اسْمًا لِمَا يُفْعَلُ بِهِ الشَّيْءُ كَالْبَرُودِ لِمَا يُتَبَرَّدُ بِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الطَّهُورُ مِنْ الْأَوَّلِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّانِي اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ دَلَالَتَهُ عَلَى التَّطْهِيرِ وَقَالُوا لَا يَزِيدُ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِ فَاعِلِهِ، أَقُولُ: كَفَاك حُجَّةً قَاطِعَةً عَلَى فَسَادِهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» فَإِنَّ الطَّهُورَ هُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَى الْمُطَهَّرِ لَمْ يَسْتَقِمْ لِفَوَاتِ مَا اُخْتُصَّتْ بِهِ الْأُمَّةُ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَإِنْ قَيَّدَ لِمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْغَرَضُ أَنْ يَصِحَّ الْإِطْلَاقُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِخِلَافِ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا