الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِجَرِّهِ عَلَى الْجُوَارِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى التَّرْتِيبِ بِتَقْدِيمِ الْمَسْحِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَدَلَّ عَلَى دُخُولِ الْكَعْبَيْنِ فِي الْغَسْلِ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي الْيَدَيْنِ: وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ هُوَ الْأَصْلُ، وَسَيَأْتِي جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَدَلَهُ.
(السَّادِسُ: تَرْتِيبُهُ هَكَذَا) أَيْ كَمَا ذُكِرَ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الرِّجْلَيْنِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ وَغَيْرِهِ. (فَلَوْ اغْتَسَلَ مُحْدِثٌ) بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ بَدَلَهُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ تَرْتِيبٍ بِأَنْ غَطَسَ وَمَكَثَ) قَدْرَ التَّرْتِيبِ (صَحَّ) لَهُ الْوُضُوءُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَقْدِيرُ التَّرْتِيبِ فِيهِ بِأَنْ غَطَسَ وَخَرَجَ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ (فَلَا) يَصِحُّ لَهُ وُضُوءٌ (قُلْت: الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ بِلَا مُكْثٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْغُسْلَ يَكْفِي لِلْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى وَقِيلَ لَا يَصِحُّ فِي الْمُكْثِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ تَقْدِيرِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ.
(وَسُنَنُهُ) أَيْ الْوُضُوءِ (السِّوَاكُ عَرْضًا) لِحَدِيثِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ، رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَحَدِيثِ «إذَا اسْتَكْتُمْ فَاسْتَاكُوا عَرْضًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ. وَالْمُرَادُ عَرْضُ الْأَسْنَانِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَرِهَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الِاسْتِيَاكَ طُولًا أَيْ لِأَنَّهُ يَجْرَحُ اللِّثَةَ (بِكُلِّ خَشِنٍ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَأَوْلَاهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
تَنْبِيهٌ) الْمُرَادُ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ انْغِسَالُهَا سَوَاءٌ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا، لَكِنْ مَعَ مُلَاحَظَتِهِ فِي الثَّانِي، وَيَكْفِي ظَنُّ غَسْلِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْيَقِينُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْحَسَنُ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْوَادِي تَوَضَّأَ وُضُوءًا لَمْ يَبُلَّ مِنْهُ الثَّرَى.
(فَائِدَةٌ) فِي ذِكْرِ حُكْمِهِ لِجَمْعِ الْمَرَافِقِ وَتَثْنِيَةِ الْكَعْبَيْنِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ، مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَكْسُ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنَّ لِكُلِّ مِرْفَقٍ ثَلَاثَةُ عِظَامٍ، فَجُمْلَةُ الْمِرْفَقَيْنِ سِتَّةُ أَعْظُمَ، أَرْبَعَةٌ مِنْ رَأْسِ الْعَضُدَيْنِ، وَاثْنَانِ مِنْ السَّاعِدَيْنِ، فَلَوْ ذَكَرَ التَّثْنِيَةَ فِيهِمَا لَتُوُهِّمَ إخْرَاجُ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى وَأَنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ كَعْبَيْنِ، وَلَوْ ذَكَرَهُمَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ ثَلَاثَةَ كُعُوبٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (تَرْتِيبُهُ) وَلَا يَسْقُطُ بِجَهْلٍ وَلَا نِسْيَانٍ وَلَا إكْرَاهٍ، فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَنْكِيسِهِ حَصَلَ لَهُ الْوَجْهُ فَقَطْ، وَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ غُصِبَ مَاؤُهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(اغْتَسَلَ) وَلَوْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ. قَوْلُهُ: (غَطَسَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ يَغْطِسُ بِكَسْرِهَا كَضَرَبَ يَضْرِبُ. قَوْلُهُ: (بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ) أَيْ بِنِيَّةٍ مِنْ نِيَّاتِهِ أَوْ بِنِيَّةٍ مِنْ نِيَّاتِ الْغُسْلِ غَلَطًا، وَلَا بُدَّ مِنْ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ لِجُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ عِنْدَ النِّيَّةِ لِإِتْمَامِ الِانْغِمَاس وَلَوْ مُنَكَّسًا. قَوْلُهُ:(بَدَلَهُ) بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْغُسْلَ يَكْفِي إلَخْ) فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَكْبَرُ كَفَاهُ أَيْضًا نِيَّتُهُ عَنْ نِيَّةِ الْأَصْغَرِ، وَإِنْ نَفَاهُ لِاضْمِحْلَالِهِ مَعَهُ، وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَغْفَلَ لَمْعَةً مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ عَنْ الْأَصْغَرِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لَمْ يَضُرَّ، أَوْ فِيهَا وَجَبَ غَسْلُهَا. وَغَسْلُ مَا بَعْدَهَا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ إلَّا أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَرَادَ غَسْلَهَا وَلَوْ بَعْدَ حَدَثٍ أَصْغَرَ قَبْلَ غَسْلِهَا لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهَا، وَلَوْ اغْتَسَلَ إلَّا رِجْلَيْهِ مَثَلًا ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ غَسَلَهُمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا، وَيُقَالُ هَذَا وُضُوءٌ خَالٍ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ بِلَا عِلَّةٍ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَخَالٍ عَنْ التَّرْتِيبِ أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَهَلْ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ كَالرِّجْلَيْنِ؟ رَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (فَلِلْأَصْغَرِ أَوْلَى) لِأَنَّ قِيَامَ غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ مَقَامَ غَسْلِ بَعْضِهِ أَقْوَى وَأَحَقُّ بِالِاعْتِبَارِ.
[سُنَن الْوُضُوء]
قَوْلُهُ: (وَسُنَنُهُ إلَخْ) قَدْ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ الْخَمْسِينَ سُنَّةً، فَالْحَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَعْرِيفِ الْجُمْلَةِ بِالنَّظَرِ لِلْمَذْكُورِ هُنَا. قَوْلُهُ:(أَيْ الْوُضُوءِ) وَكَذَا التَّيَمُّمُ وَالْغُسْلُ وَإِنْ اسْتَاكَ لِلْوُضُوءِ قَبْلَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (السِّوَاكُ) أَيْ الِاسْتِيَاكُ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى آلَةِ الدَّلْكِ وَلَوْ بِغَيْرِ سِوَاكٍ، وَعَلَى اسْتِعْمَالِ الْآلَةِ وَلَوْ فِي غَيْرِ الْفَمِ. وَالْمُرَادُ هُنَا اسْتِعْمَالُهَا فِي الْفَمِ، وَلِذَلِكَ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ آلَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي أَجْزَاءِ الْفَمِ، وَأَصْلُهُ النَّدْبُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَنْهُ لِعَارِضٍ مِنْ حَيْثُ وَصْفُهُ فَيَحْرُمُ لِنَحْوِ ضَرَرٍ أَوْ عَدَمِ إذْنٍ فِي سِوَاكِ غَيْرِهِ، وَيُكْرَهُ كَمَا يَأْتِي، وَيَجِبُ لِنَحْوِ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا حَدِيثٌ فِي الزَّيْتُونِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ، وَلَفْظُهُ:«هَذَا سِوَاكِي وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي وَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ» انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ. قَوْلُهُ: (عَرْضًا) هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، فَلَوْ عَطَفَهُ بِالْوَاوِ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ (عَرْضُ الْأَسْنَانِ) سَوَاءٌ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا وَيُسَنُّ التَّيَامُنُ
ــ
[حاشية عميرة]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْأَرَاكُ. «قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: كُنْت أَجْتَنِي لِرَسُولِ اللَّهِ سِوَاكًا مِنْ أَرَاكٍ» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ (لَا أُصْبُعُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى اسْتِيَاكًا، وَالثَّانِي يَكْفِي، وَاخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَيَكْفِي بِأُصْبُعِ غَيْرِهِ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ، وَنَبَّهَ فِيهَا عَلَى زِيَادَتِهِ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ. (وَيُسَنُّ لِلصَّلَاةِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ (وَتَغَيُّرِ الْفَمِ) بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ» ، أَيْ يُدَلِّكُهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَرَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا، أَيْ آلَةٌ تُنَظِّفُهُ مِنْ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ (وَلَا يُكْرَهُ إلَّا لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» . وَالْخُلُوفُ بِضَمِّ الْخَاءِ التَّغَيُّرُ وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ لِحَدِيثِ «أُعْطِيت أُمَّتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خَمْسًا قَالَ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُمْ يُمْسُونَ وَخُلُوفُ أَفْوَاهِهِمْ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ فِي أَمَالِيهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
فِيهَا بِأَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَوَّلِ الْأَضْرَاسِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ إلَى وَسَطِ الْأَسْنَانِ، ثُمَّ مِنْ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ وَأَقَلُّهُ مَرَّةً.
قَوْلُهُ: (كَرِهَ جَمَاعَاتٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْكَيْفِيَّةُ، إذْ هُوَ مَنْدُوبٌ فِي كُلِّ حَالٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ وَإِنْ حَرُمَ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ:(وَيُكْرَهُ طُولًا) أَيْ فِي غَيْرِ اللِّسَانِ، فَيُسَنُّ فِيهِ طُولًا ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ. قَوْلُهُ:(بِكُلِّ خَشِنٍ) أَيْ طَاهِرٍ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ وَإِنْ كَانَ الْوَجْهُ الْوَجِيهُ مَعَهُ كَمَا مَرَّ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوَافِقُهُ. نَعَمْ يُغْتَفَرُ دَمُ لِثَتِهِ لِلْمَشَقَّةِ. قَوْلُهُ:(وَأَوْلَاهُ الْأَرَاكُ) ثُمَّ جَرِيدُ النَّخْلِ، ثُمَّ الزَّيْتُونُ، ثُمَّ ذُو رِيحٍ طَيِّبٍ، ثُمَّ مَا لَا رِيحَ لَهُ، وَرَطْبُ كُلِّ نَوْعٍ أَوْلَى مِنْ يَابِسِهِ، ثُمَّ الْمُنَدَّى بِالْمَاءِ، ثُمَّ بِنَحْوِ مَاءِ الْوَرْدِ، ثُمَّ بِالرِّيقِ، فَالْمُنَدَّى بِالرِّيقِ مِنْ الْأَرَاكِ أَوْلَى مِنْ رَطْبِ الْجَرِيدِ وَهَكَذَا، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْلَعَ رِيقَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيُكْرَهُ بِعُودِ الْمُرْسِينَ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُورَثُ الْجُذَامَ. قَوْلُهُ:(لَا أُصْبُعِهِ) .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: الْمُتَّصِلَةُ فَيَكْفِي بِالْمُنْفَصِلَةِ وَبِأُصْبُعِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا أَنَّ أُصْبُعَهُ لَا تَكْفِي مُطْلَقًا، وَأَنَّ أُصْبُعَ غَيْرِهِ تَكْفِي إنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مِنْ حَيٍّ وَإِلَّا فَلَا، وَيَحْرُمُ بِالْمُنْفَصِلَةِ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ إذْنِ صَاحِبِهَا لِانْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْهَا بِقَطْعِهَا وَكَالْأُصْبُعِ غَيْرُهَا كَالشَّعْرِ وَيُجْزِئُ بِجُزْءِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي حِكْمَةُ تَخْصِيصِ الْأُصْبُعِ بِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهَا مِنْهُ أَبْلَغُ فِي الْمُرَادِ، وَكَوْنُهَا مِنْ أَجْزَائِهِ لَا يَظْهَرُ بِهِ الْمَنْعُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلصَّلَاةِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ لَهَا وَلَوْ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ قُبَيْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا لَا بَعْدَهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: يُطْلَبُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا إذَا لَمْ يُوجَدْ قَبْلَهَا بِفِعْلٍ خَفِيفٍ وَخَالَفَهُ الْخَطِيبُ.
(تَنْبِيهٌ) مَتَى كَانَ السِّوَاكُ مُسْتَقِلًّا نُدِبَ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنٍ مِنْ عِبَادَةٍ فَلَا، كَذَا قَالُوا، وَفِيهِ بَحْثٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ:(وَتَغَيُّرِ الْفَمِ) أَيْ يَتَأَكَّدُ لَهُ وَلَوْ بِلَوْنٍ أَوْ رِيحٍ سَوَاءٌ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَكْلٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ تَغَيُّرٌ كُرِهَ لِلصَّائِمِ كَمَا يَأْتِي، وَيَتَأَكَّدُ طَلَبُهُ أَيْضًا لِقِرَاءَةِ وَذِكْرٍ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فِيهِمَا، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى التَّعَوُّذِ لِلْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَيَتَأَكَّدُ لِتَعَلُّمٍ أَوْ تَعْلِيمٍ أَوْ سَمَاعِ حَدِيثٍ أَوْ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ آلَتِهِ، وَلِسُجُودِ تِلَاوَةٍ، وَلِقِرَاءَةٍ بَعْدَهُ، وَلِسُجُودِ شُكْرٍ، وَلِدُخُولِ مَسْجِدٍ أَوْ مَنْزِلٍ وَلَوْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ أَوْ خَالِيًا. قَوْلُهُ:(آلَةٌ تُنَظِّفُهُ) فَمُطَهِّرٌ بِمَعْنَى مُزِيلٍ وَلَوْ لِغَيْرِ الرِّيحِ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ قَيْدًا، وَتَفْسِيرُهُ بِذَلِكَ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ نَجَسًا كَمَا.
قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَتَقَدَّمَ خِلَافُهُ عَنْ شَيْخِنَا. قَوْلُهُ:(وَلَا يُكْرَهُ) أَيْ الِاسْتِيَاكُ فَخَرَجَ مَا لَا يُسَمَّى بِهِ كَالْأُصْبُعِ الَّتِي لَا تُجْزِئُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِلصَّائِمِ) خَرَجَ الْمُمْسِكُ وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ فِيهِ كَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ ارْتِكَابُ الْمُحَرَّمِ، وَرُدَّ بِأَنَّ سَبَبَ الْكَرَاهَةِ الْخُلُوفُ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِ. قَوْلُهُ:(بَعْدَ الزَّوَالِ) وَلَوْ تَقْدِيرًا، وَلَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ غَيْرِهِمَا إلَّا لِتَغَيُّرِ الْفَمِ بِغَيْرِ الْخُلُوفِ وَلَوْ مَعَهُ فَيُسَنُّ لَهُ، فَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ تَغَيُّرٌ كُرِهَ رُجُوعًا لِأَصْلِهِ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (أَطْيَبُ) أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمُرَادُ كَثْرَةُ الثَّوَابِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَهُ تَعَالَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَبِذَلِكَ فُضِّلَ كَمِدَادِ الْعُلَمَاءِ عَلَى دَمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ كَرِيحِ الْمِسْكِ. قَوْلُهُ:(وَالْمُرَادُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَسَاءِ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ مُبِينٌ لِلْإِطْلَاقِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى، فَتُحْمَلُ عَلَيْهَا، فَهُوَ مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ لَا مِنْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ، إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ تَقْيِيدُ أَحَادِيثِ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ وَنَحْوِهِمَا بِهِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ، وَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ فِيهِ مِنْ أَثَرِ الصَّوْمِ وَقَبْلَهُ مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ غَالِبًا، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ طَعَامٌ يُحَالُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ كَالْمُوَاصِلِ وَالْمَجَامِعِ عَادَتْ الْكَرَاهَةُ بِالْفَجْرِ أَخْذًا بِالْحِكْمَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَاعْتَمَدَهُ، وَفِيهِ بَحْثٌ مَعَ قَوْلِهِمْ غَالِبًا كَمَا مَرَّ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَأَمَّا الثَّانِيَةُ إلَخْ)
ــ
[حاشية عميرة]
لِلصَّائِمِ بَعْدَ الزَّوَالِ) اُنْظُرْ هَلْ فِي مَعْنَاهُ الْمُمْسِكُ لِتَرْكِ النِّيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالْمُرَادُ الْخُلُوفُ إلَخْ) لَك أَنْ تَسْتَشْكِلَ فِي هَذَا بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ، وَهُوَ لَا يُخَصَّصُ إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّخْصِيصُ وَاقِعٌ بِالْمَفْهُومِ، نَظِيرُهُ مَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» مَعَ حَدِيثِ الْإِفْضَاءِ، ثُمَّ تَأَمَّلْ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ أَحَادِيثِ طَلَبِ السِّوَاكِ لِلصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ
وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ. وَالْمَسَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَطْيَبِيَّةُ الْخُلُوفِ تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ فَتُكْرَهُ إزَالَتُهُ
(وَالتَّسْمِيَةُ أَوَّلُهُ) لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «طَلَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَضُوءًا فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ ثُمَّ قَالَ: تَوَضَّئُوا بِسْمِ اللَّهِ فَرَأَيْت الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّئُوا وَكَانُوا نَحْوَ سَبْعِينَ» . وَالْوَضُوءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَوْلُهُ: " بِسْمِ اللَّهِ " أَيْ قَائِلِينَ ذَلِكَ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ وَأَكْمَلُهَا كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» مِنْ جُمْلَةِ رِوَايَاتِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَقْطَعُ أَيْ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ (فَإِنْ تَرَكَ) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (فَفِي أَثْنَائِهِ) يَأْتِي بِهَا تَدَارُكًا لَهَا وَلَا يَأْتِي بِهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا، وَقَالَ فِيهِ: إذَا أَتَى بِهَا فِي أَثْنَائِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ. وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ أَوَّلَهُ لِيُثَابَ عَلَى سُنَنِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ فَيَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَصَدْرُ الْحَدِيثِ «أَمَّا الْأُولَى فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ نَظَرَ اللَّهُ إلَيْهِمْ وَمَنْ نَظَرَ اللَّهُ إلَيْهِ لَا يُعَذِّبُهُ أَبَدًا» وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، «وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَمَّا الرَّابِعَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ جَنَّتَهُ فَيَقُولُ لَهَا اسْتَعِدِّي وَتَزَيَّنِي لِعِبَادِي أَوْشَكَ أَنْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ تَعَبِ الدُّنْيَا إلَى دَارِ كَرَامَتِي وَأَمَّا الْخَامِسَةُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ جَمِيعًا فَقَالَ رَجُلٌ: أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: لَا أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْعُمَّالَ يَعْمَلُونَ فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وُفُّوا أُجُورَهُمْ» .
قَوْلُهُ: (تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ) أَيْ طَلَبًا مُؤَكَّدًا أَخْذًا مِنْ الْأَطْيَبِيَّةِ فَصَحَّ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ: فَتُكْرَهُ إزَالَتُهُ، وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْغُرُوبِ وَلَوْ لِلْمُوَاصِلِ لِعَدَمِ الصَّوْمِ بَعْدَهُ. نَعَمْ إنْ أَزَالَهُ غَيْرُهُ نَهَارًا بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ كَمَا فِي دَمِ الشَّهِيدِ، وَإِذَا مَاتَ بَطَلَ صَوْمُهُ، فَلَا تُكْرَهُ الْإِزَالَةُ، وَفَارَقَ حُرْمَةَ تَطَيُّبِ الْمُحْرِمِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الْإِحْرَامِ بَعْدَهُ، وَمِثْلُهُ دَمُ الشَّهِيدِ، وَإِنَّمَا لَمْ تُكْرَهْ الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهَا لَا تُزِيلُ الرِّيحَ بِخِلَافِ السِّوَاكِ.
(فُرُوعٌ) يُنْدَبُ أَنْ يَسْتَاكَ بِيَمِينِهِ لِبُعْدِهَا عَنْ مُبَاشَرَةِ الْقَذَرِ وَغَسْلُ السِّوَاكِ إنْ حَصَلَ فِيهِ قَذَرٌ وَوَضْعُهُ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى وَإِلَّا فَعَلَى الْأَرْضِ مَنْصُوبًا بِالْأَمْرِ مَيًّا، وَغَسْلُهُ قَبْلَ وَضْعِهِ، وَأَنْ لَا يَسْتَاكَ بِطَرَفِهِ الْآخَرِ، وَوَضْعُهُ فَوْقَ إبْهَامِهِ وَخِنْصَرِهِ وَتَحْتَ بَقِيَّةِ الْأَصَابِعِ، وَكَوْنُهُ طُولَ شِبْرٍ، وَعَدَمُ امْتِصَاصِهِ، وَتَقَدَّمَتْ نِيَّتُهُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ لَهُ فَوَائِدَ تَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ مِنْهَا أَنَّهُ يُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ، وَيُزِيلُ الْقَلَحَ عَنْهَا وَحَفْرَهَا، وَيُثَبِّتُهَا، وَيُزِيلُ بَلَّةَ اللِّثَةِ وَرَخَاوَتِهَا وَالرَّائِحَةَ الْكَرِيهَةَ وَيُحَمِّرُ اللَّوْنَ وَيَدْفَعُ فَسَادَهُ وَيُقِيمُ الصُّلْبَ وَيُصَلِّبُ اللَّحْمَ وَيُرْضِي الرَّبَّ وَيُزِيدُ ثَوَابَ الصَّلَاةِ وَيُذَكِّرُ الشَّهَادَةَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَكْسَ الْحَشِيشَةِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ فِيهَا مِائَةً وَعِشْرِينَ مَضَرَّةً دِينِيَّةً وَبَدَنِيَّةً تُرَاجَعْ مِنْ مَحَلِّهَا كَالْمَوَاهِبِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّسْمِيَةُ) وَيُنْدَبُ قَبْلَهَا الِاسْتِعَاذَةُ {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: 97] وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ طَهُورًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَنِعْمَتِهِ. وَهِيَ سُنَّةُ عَيْنٍ لِلْمُنْفَرِدِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، وَكِفَايَةٍ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْجِمَاعِ. وَوُضُوءُ جَمَاعَةٍ مِنْ إنَاءٍ صَغِيرٍ عُرْفًا لَا شَيْءَ يُطَهِّرُهُ أَوْ قَنَاةٍ، وَيُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَالْحَرَامِ عِنْدَ الْعَلَّامَةِ الْبُرُلُّسِيِّ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: تَحْرُمُ عَلَى الْحَرَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَطَعَامٍ مَغْصُوبٍ وَإِنْ اخْتَلَطَ بِمِلْكِهِ وَوُضُوءٌ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ كَذَلِكَ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي نَحْوِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ لَا لِذَاتِهِ، وَبِهِ قَالَ الْعَبَّادِيُّ. قَوْلُهُ:(الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِهِ) أَيْ الَّذِي يَصِحُّ مِنْهُ الْوُضُوءُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَا مَا أُعِدَّ لَهُ خَاصَّةً. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ، فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَحَمْلُهَا عَلَى الْأَقَلِّ لِأَجْلِ الدَّلِيلِ، وَزَادَ عَلَيْهِ الْأَكْمَلُ، وَيُمْكِنُ شُمُولُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلُهَا أَفْضَلُ) وَلَوْ لِلْجُنُبِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (ذِي بَالٍ) أَيْ حَالٍ يَهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا وَتَقَدَّمَ مُحْتَرِزُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَرَكَ) أَيْ الْمُتَوَضِّئُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ وَضَمِيرُهُ لِلْإِتْيَانِ الْمَعْلُومِ يَرُدُّ قَوْلَ الشَّارِحِ يَأْتِي بِهَا وَلَمْ يَقُلْ يُؤْتَى بِهِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ:(فَفِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الْوُضُوءِ وَمِثْلُهُ غَيْرُهُ إلَّا نَحْوَ الْجِمَاعِ مِمَّا يُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي أَثْنَائِهِ. قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْفَرَاغِ) وَلَيْسَ مِنْهُ التَّشَهُّدُ الْمَطْلُوبُ عَقِبَهُ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ، وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا، وَفَارَقَ الْأَكْلَ حَيْثُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ رَغْمَ أَنْفِ الشَّيْطَانِ حَيْثُ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ. وَهَلْ يَتَقَايَأُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ خَارِجِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ. قَوْلُهُ:(يُسْتَحَبُّ إلَخْ) أَيْ الْأَكْمَلُ ذَلِكَ وَمِنْهُ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ بِغَيْرِ لَفْظِ عَلَى، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ كَفَى. قَوْلُهُ:(فَيَنْوِي) بِقَلْبِهِ وَيُسَمِّي بِلِسَانِهِ ثُمَّ يَنْوِي بِلِسَانِهِ بِنِيَّةٍ مِنْ نِيَّاتِ الْوُضُوءِ، وَلَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ وَيَسْتَاكُ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ فَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِيَّةِ تَقَدُّمُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى فَرَاغِ غُسْلِ
ــ
[حاشية عميرة]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْإِقْلِيدِ.
(وَغَسْلُ كَفَّيْهِ) فَحَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَكْفَأَ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا إلَى آخِرِهِ» . (فَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ طُهْرَهُمَا) بِأَنْ تَرَدَّدَ فِيهِ (كُرِهَ غَمْسُهُمَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهِمَا) لِحَدِيثِ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْسِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ إلَّا قَوْلَهُ ثَلَاثًا فَمُسْلِمٌ أَشَارَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ إلَى احْتِمَالِ نَجَاسَةِ الْيَدِ فِي النَّوْمِ، كَأَنْ تَقَعَ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ التَّرَدُّدُ، وَيُلْحَقُ بِالتَّرَدُّدِ بِالنَّوْمِ التَّرَدُّدُ بِغَيْرِهِ، وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِغَسْلِهِمَا ثَلَاثًا، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لِلْحَدِيثِ، وَالْقَصْدُ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ تَتْمِيمُ الطَّهَارَةِ.
قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: احْتَرَزَ بِالْإِنَاءِ عَنْ الْبِرْكَةِ وَنَحْوِهَا، وَالْمُرَادُ إنَاءٌ فِيهِ دُونَ قُلَّتَيْنِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ طُهْرَهُمَا لَمْ يُكْرَهْ غَمْسُهُمَا، وَلَا يُسْتَحَبُّ الْغَسْلُ قَبْلَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ.
(وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ السَّابِقِ وَغَيْرِهِ، وَيَحْصُلَانِ بِإِيصَالِ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فَصْلَهُمَا أَفْضَلُ) مِنْ جَمْعِهِمَا، وَسَيَأْتِي. (ثُمَّ الْأَصَحُّ) عَلَى الْفَصْلِ (يَتَمَضْمَضُ بِغَرْفَةٍ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِأُخْرَى ثَلَاثًا) وَمُقَابِلُهُ يَفْعَلُهُمَا بِسِتِّ غَرَفَاتٍ، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ كَمَا أَفَادَهُ، ثَمَّ (وَيُبَالِغُ فِيهِمَا غَيْرُ الصَّائِمِ) لِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ «أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلدُّولَابِيِّ فِي جَمْعِهِ لِحَدِيثِ الثَّوْرِيِّ «إنْ تَوَضَّأْت فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
ــ
[حاشية قليوبي]
الْكَفَّيْنِ أَوْ عَلَى الْمَضْمَضَةِ، فَلَا مُعَارَضَةَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى دَفْعِهَا بِقَوْلِهِمْ إنَّ السِّوَاكَ أَوَّلُ سُنَنِهِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي فِيهِ لَا مِنْهُ وَإِنَّ الْبَسْمَلَةَ أَوَّلُ سُنَنِهِ الْقَوْلِيَّةِ الَّتِي مِنْهُ، وَكَذَا النِّيَّةُ وَإِنَّ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ، أَوَّلُ سُنَنِهِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي مِنْهُ أَيْضًا، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ ذَلِكَ سَقَطَ الطَّلَبُ وَفَاتُهُ الثَّوَابُ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَرَدَّدَ) أَخْرَجَ بِهِ يَقِينَ النَّجَاسَةِ الَّتِي شَمِلَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْغَمْسَ مَعَهُ مُحَرَّمٌ لِلتَّضَمُّخِ بِهَا. قَوْلُهُ: (فِي الْإِنَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ وَلَوْ فِي غَيْرِ إنَاءٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (إلَى احْتِمَالِ إلَخْ) وَالِاحْتِمَالُ شَامِلٌ لِلِاسْتِوَاءِ وَالرُّجْحَانِ الْمُسَاوِي لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (إلَّا بِغُسْلِهِمَا ثَلَاثًا) أَيْ إلَّا بِإِتْمَامِ الثَّلَاثِ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَطْلُوبَةٌ خَارِجَ الْإِنَاءِ فِي هَذَا الْفَرْدِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ حَالَةُ الشَّكِّ، وَأَلْحَقُوا بِهِ حَالَةَ الْيَقِينِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: إنَّهُ لَوْ سَبَقَ غَسْلُهُمَا عَنْ النَّجَاسَةِ مَرَّتَيْنِ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِوَاحِدَةٍ خَارِجَ الْإِنَاءِ، أَوْ مَرَّةً زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِمَرَّتَيْنِ خَارِجَ الْإِنَاءِ أَيْضًا، فَلَيْسَ طَلَبُهَا لِأَجْلِ طَهَارَةِ الْيَدِ، وَلَا لِكَوْنِ الشَّارِعِ إذَا غيا حُكْمًا إلَخْ كَمَا قِيلَ ثُمَّ هَذَا الْغُسْلُ يَكْفِي عَنْ الْغُسْلِ الْمَطْلُوبِ أَوَّلِ الْوُضُوءِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثَّلَاثَةِ شَيْءٌ فَلَهُ فِعْلُهُ دَاخِلَ الْإِنَاءِ أَوْ خَارِجَهُ، وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ خَارِجَ الْإِنَاءِ مُغَلَّظَةٌ لَمْ تَزُلْ الْكَرَاهَةُ إلَّا بِغُسْلِهِمَا خَارِجَ الْإِنَاءِ سَبْعًا مَعَ التَّرْتِيبِ.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَهَذِهِ السَّبْعُ مَقَامُ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَطْلُوبَةِ لِلْوُضُوءِ، وَيُنْدَبُ اثْنَانِ أَيْضًا خَارِجَ الْإِنَاءِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الطَّبَلَاوِيُّ: لَهُ فِعْلُهُمَا دَاخِلَ الْإِنَاءِ، وَالْمَانِعُ فِي الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ كَالْمَاءِ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ تَيَقَّنَ طُهْرُهُمَا) أَيْ مُسْتَنِدًا لِلْغُسْلِ ثَلَاثًا كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِنْشَاقُ) وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَضْمَضَةِ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَكَسَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّ الْفَمَ مَحَلُّ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(فَصْلَهُمَا) وَهُوَ أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْوَصْلُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا فِيهَا. قَوْلُهُ: (بِسِتِّ غَرَفَاتٍ) مَعَ التَّخَلُّلِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ) أَيْ مُسْتَحَقٌّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَمُقَابِلُهُ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ قَدَّمَ بَعْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ الِاسْتِنْشَاقَ عَلَى الْمَضْمَضَةِ أَوْ هُمَا عَلَى غَسْلِ الْكَفَّيْنِ حُسِبَ الْمُؤَخَّرُ دُونَ الْمُقَدَّمِ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَلَى قَوْلِ الِاسْتِحْقَاقِ كَتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ، وَحُسِبَ الْجَمِيعُ عَلَى قَوْلِ الِاسْتِحْبَابِ كَتَقْدِيمِ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى الْيَدِ الْيُمْنَى، فَقَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ كَوَالِدِهِ بِحُصُولِ الْمُقَدَّمِ وَفَوَاتِ الْمُؤَخَّرِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ تَبَعًا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ خِلَافُ الصَّوَابِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَعَلَّ تَعْبِيرَ الشَّارِحِ بِالشَّرْطِيَّةِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ وَاحِدًا مِنْ الْقَوْلَيْنِ.
نَعَمْ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فَقَطْ اتَّجَهَ حُسْبَانُهُ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ فَوَاتِ الْجَمِيعِ.
ــ
[حاشية عميرة]
وَنَحْوِ ذَلِكَ تَجِدُهُمَا مُتَعَارِضَيْنِ، فَمَا الْمُرَجِّحُ لِحَدِيثِ الْخُلُوفِ؟ .
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَغَسْلُ كَفَّيْهِ) قِيلَ فِي غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ الْإِحَاطَةُ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِ الْمَاءِ مِنْ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ.
مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا» وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ كَمَا.
قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يَبْلُغَ بِالْمَاءِ أَقْصَى الْحَنَكِ وَوَجْهَيْ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَاتِ. وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يُصْعِدَ الْمَاءَ بِالنَّفَسِ إلَى الْخَيْشُومِ. أَمَّا الصَّائِمُ فَتُكْرَهُ لَهُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا ذَكَرَهُ، فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (قُلْت: الْأَظْهَرُ تَفْضِيلُ الْجَمْعِ) بَيْنَهُمَا (بِثَلَاثِ غُرَفٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْ كُلٍّ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ السَّابِقِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ «تَمَضْمَضْ وَاسْتَنْشِقْ وَاسْتَنْثِرْ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ» وَقِيلَ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَةٍ يُمَضْمِضُ مِنْهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا، وَدَلِيلُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِمَا فِي أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى تَطْهِيرِ عُضْوٍ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِمَّا قَبْلَهُ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدِيثَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَصَلَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» لَكِنْ فِيهِ رَاوٍ ضَعِيفٌ. وَرَوَى ابْنُ السَّكَنِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالسُّنَنِ الصِّحَاحِ الْمَأْثُورَةِ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ تَوَضَّآ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَفْرَدَا الْمَضْمَضَةَ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ ثُمَّ قَالَا: هَكَذَا تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»
(وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» ، وَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا» .
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَابْنِ الصَّلَاحِ: إسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ» ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ السَّابِقِ «أَنَّهُ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً» . (وَيَأْخُذُ الشَّاكُّ بِالْيَقِينِ) مِنْ الثَّلَاثِ فَيُتِمُّهَا، وَقِيلَ بِالْأَكْثَرِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ، وَقِيلَ مُحَرَّمَةٌ، وَقِيلَ خِلَافُ الْأَوْلَى.
(وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ
ــ
[حاشية قليوبي]
(فَائِدَةٌ) حِكْمَةُ تَقْدِيمِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ بِهَا تَظْهَرُ أَوْصَافُ الْمَاءِ الثَّلَاثَةُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا الصَّائِمُ) وَمِثْلُهُ الْمُمْسِكُ هُنَا. قَوْلُهُ: (فَتُكْرَهُ إلَخْ) وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ كَقُبْلَتِهِ لِأَنَّ الْمَنِيَّ سَبَّاقٌ، فَلَوْ عَلِمَ سَبْقَ الْمَاءِ هُنَا حَرُمَ أَيْضًا قِيلَ، وَلِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ هُنَا مَطْلُوبَةٌ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْقُبْلَةِ، وَلِأَنَّ الْقُبْلَةَ رُبَّمَا تُؤَدِّي إلَى فِطْرِ شَخْصَيْنِ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى الْمُبَالَغَةِ لِإِزَالَةِ نَجَسٍ وَجَبَتْ، وَلَا يَفْطُرُ إنْ سَبَقَهُ الْمَاءُ مِنْهَا لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ وَإِلَّا أَفْطَرَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ. قَوْلُهُ:(ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ) أَوْ يُخَلِّلُ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (الْقِيَاسُ إلَخْ) قَدَّمَهُ عَلَى النَّصِّ لِعَدَمِ صَرَاحَتِهِ فِي الْفَصْلِ. قَوْلُهُ: (تَوَضَّآ) هُوَ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَمِثْلُهُ أَفْرَدَا.
قَوْلُهُ: (وَتَثْلِيثُ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ) لَوْ أَسْقَطَهُمَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ السِّوَاكَ وَالنِّيَّةَ وَالتَّسْمِيَةَ وَالدُّعَاءَ وَالذِّكْرَ عَقِبَهُ وَغَيْرَهَا، وَيَشْمَلُ الْمَسْحُ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ وَالْعِمَامَةِ لَا مَسْحَ الْخُفِّ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيَحْصُلُ التَّثْلِيثُ بِتَرْدِيدِ مَاءِ الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ يَخْتَلِطْ بِمَاءِ الْأُولَى وَبِتَحْرِيكِ عُضْوِهِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَا قَلِيلٍ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَفَارَقَ مَاءَ الِانْغِمَاسِ لِقُوَّتِهِ بِكَثْرَتِهِ وَنَظَرٍ فِيهِ، وَلَيْسَ مِنْ التَّثْلِيثِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ثُمَّ ثَانِيَةً كَذَلِكَ ثُمَّ ثَالِثَةً كَذَلِكَ بَلْ، هُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ تَجْدِيدٌ قَبْلَ صَلَاةٍ بِالْأَوَّلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ خُرُوجِ إسَاءَتِهِ بِالنَّقْصِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا لِعَدَمِ حُصُولِ التَّثْلِيثِ، فَالْوَجْهُ الْحُرْمَةُ، وَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ إذَا جَدَّدَ بَعْدَ الثَّلَاثِ قَطْعًا لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ، وَقَدْ يُطْلَبُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ نَدْبًا كَخَوْفِ فَوْتِ جَمَاعَةٍ لَا يَرْجُو غَيْرَهَا، أَوْ وُجُوبًا كَضِيقِ وَقْتٍ أَوْ قِلَّةِ مَاءٍ أَوْ احْتِيَاجِهِ لِشُرْبِهِ أَوْ كَانَ مُسَبَّلًا أَوْ مَغْصُوبًا وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ يَكْفِي لِوَاجِبٍ فِي مَنْدُوبٍ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ) إنْ كَانَتْ فِي مَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ، وَيَحْرُمُ فِي الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ وَلَوْ لِلطَّهَارَةِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْوَجْهُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ، وَقِيلَ مُحَرَّمَةٌ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ وَقَوْلُهُمْ: تَرْكُ سُنَّةٍ أَوْلَى مِنْ الْوُقُوعِ فِي بِدْعَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى بِدْعَةٍ مُتَيَقِّنَةٍ كَالْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ مِمَّا ذَكَرَ كَذَا قَالُوهُ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ بِالْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الشَّارِعِ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ) وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ مَسْحِ نَاصِيَتِهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ مَسْحِ رُبُعِ رَأْسِهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَقَلَّ مِنْهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْخُنْثَى وَالْمَرْأَةُ وَيَقَعُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ الْوَاجِبِ فَرْضًا وَالْبَاقِي تَطَوُّعًا لِإِمْكَانِ التَّجَزِّي عَلَى الْقَاعِدَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَسْحُ
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (تَفْضِيلُ الْجَمْعِ) أَيْ وَأَمَّا أَصْلُ السُّنَّةِ فَيَحْصُلُ بِكُلِّ كَيْفِيَّةٍ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا أَصْرَحُ مِنْ حَدِيثِهِ السَّابِقِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا سَبَقَ فِعْلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا إنْ كَانَ مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ إدْخَالَ الْيَدِ وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَانَتْ تِلْكَ الرِّوَايَةُ مُقَيِّدَةً لِلْغَرْفَاتِ الثَّلَاثِ كَمَا هُنَا، وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُهَا مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَدَلِيلُ الْفَصْلِ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِمَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا قَدْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْكَيْفِيَّةُ الثَّانِيَةُ مِنْ كَيْفِيَّتَيْ الْوَصْلِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ.
السَّابِقِ. وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّتِهِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيُلْصِقَ مُسَبِّحَتَهُ بِالْأُخْرَى وَإِبْهَامَيْهِ عَلَى صُدْغَيْهِ، ثُمَّ يَذْهَبُ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إلَى الْمَبْدَأِ، وَهَذَا لِمَنْ لَهُ شَعْرٌ يَنْقَلِبُ بِالذَّهَابِ وَالرَّدِّ لِيَصِلَ الْبَلَلُ إلَى جَمِيعِهِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ إلَى الرَّدِّ، فَلَوْ رَدَّ لَمْ تُحْسَبْ ثَانِيَةً.
(ثُمَّ) مَسْحُ (أُذُنَيْهِ) ظَاهِرُهُمَا وَبَاطِنُهُمَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ لَا بِبَلَلِ مَاءِ الرَّأْسِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ يَأْخُذُ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَهُ لِرَأْسِهِ وَيَمْسَحُ صِمَاخَيْهِ أَيْضًا بِمَاءٍ جَدِيدٍ ثَلَاثًا» ، وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِثُمَّ اشْتِرَاطَ تَأْخِيرِ الْأُذُنَيْنِ عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ خِلَافَ تَعْبِيرِ الْمُحَرَّرِ بِالْوَاوِ.
(فَإِنْ عَسُرَ رَفْعُ الْعِمَامَةِ) أَوْ لَمْ يُرِدْ نَزْعَهَا (كَمَّلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» . وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ النَّاصِيَةِ.
(وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ) بِالْمُثَلَّثَةِ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ» ، صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَانَتْ كَثَّةً، وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ، فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ: هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» . وَالتَّخْلِيلُ بِالْأَصَابِعِ مِنْ أَسْفَلِ اللِّحْيَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَقَالَ: يُسْتَدَلُّ لَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ
(وَ) تَخْلِيلُ (أَصَابِعِهِ) لِحَدِيثِ لَقِيطٍ السَّابِقِ فِي الْمُبَالَغَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الدَّقَائِقِ أَصَابِعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ تَخْلِيلَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ، وَاسْتَحَبَّهُ ابْنُ كَجٍّ وَفِيهِ حَدِيثٌ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا تَوَضَّأْت فَخَلِّلْ أَصَابِعَ يَدَيْك وَرِجْلَيْك» وَالتَّخْلِيلُ فِي الْيَدَيْنِ بِالتَّشْبِيكِ بَيْنَهُمَا وَفِي الرِّجْلَيْنِ مِنْ أَسْفَلِ الْأَصَابِعِ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى يَبْتَدِئُ بِخِنْصَرِ الرِّجْلِ الْيُمْنَى، وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ «عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ بَيْنَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ، وَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا فَعَلْت» .
(وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى) مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَلَى الْيَسَارِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ التَّيَامُنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ فِي طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ» . وَالتَّرَجُّلُ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
أُذُنَيْهِ)
وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ رَأْسِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَيُسَنُّ مَسْحُهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَمَعَ الرَّأْسِ وَالِاسْتِظْهَارُ أَيْضًا فَهِيَ اثْنَتَا عَشَرَةَ مَرَّةً.
قَوْلُهُ: (لَا بِبَلَلِ الرَّأْسِ) أَيْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ عَسُرَ) لَيْسَ قَيْدًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ فَالْعِبْرَةُ بِإِرَادَتِهِ. قَوْلُهُ: (كَمُلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا) فَلَا يَبْتَدِئُ بِهَا خِلَافًا لِلْخَطِيبِ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهَا وَلَا يَمْسَحُ مِنْهَا مَا يُحَاذِي مَا مَسَحَهُ مِنْ الرَّأْسِ، وَيَكْفِي الْمَسْحُ فَوْقَ طَيْلَسَانٍ عَلَيْهَا، وَلَا يَرْفَعُ يَدَهُ قَبْلَ تَمَامِ مَسْحِهَا لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ، وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ التَّحْجِيلَ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى مَا عَلَيْهَا نَحْوَ دَمِ بَرَاغِيثَ وَلَا مَا حَرُمَ لُبْسُهَا لِذَاتِهِ كَمُحَرَّمٍ بِلَا عُذْرٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَغْصُوبَةِ.
قَوْلُهُ: (وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ) إلَّا لِمُحْرِمٍ خَوْفَ إزَالَةِ الشَّعْرِ لِقُرْبِهِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْمَضْمَضَةَ لِلصَّائِمِ، وَتَخْلِيلُ كُلِّ مَرَّةٍ قَبْلَهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْرَافِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ التَّخْلِيلِ مِنْ حَيْثُ طَلَبُ التَّثْلِيثِ فِيهِ. قَوْلُهُ:(مِنْ أَسْفَلِ اللِّحْيَةِ) أَيْ عَلَى الْأَفْضَلِ، وَيَحْصُلُ بِأَيِّ كَيْفِيَّةٍ كَانَتْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ الْآتِي.
قَوْلُهُ: (بِالتَّشْبِيكِ) لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ أَوْ الْجَائِي إلَيْهَا، وَخَرَجَ بِهِ وَضْعُ الْأَصَابِعِ بَيْنَ بَعْضِهَا فَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ:(بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى) هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (فَيَطْهُرَانِ دَفْعَةً) إلَّا لِنَحْوِ أَقْطَعَ، وَلَا يَضُرُّ فِي التَّيَامُنِ غَسْلُ كَفَّيْهِ مَعًا بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ لِدَفْعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَمُخَالَفَةُ التَّيَامُنِ خِلَافُ الْأَوْلَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا جَمِيعُ مَا بَعْدَهُ قَوْلُهُ:(بِأَعْلَى الْوَجْهِ) وَفِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْأَصَابِعِ وَفِي صَبِّ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِالْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ، وَمِنْهُ الْحَنَفِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ. قَوْلُهُ:(فِي طُهْرِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ) هُوَ بَيَانُ الشَّأْنِ وَتَفْصِيلُهُ وَلَيْسَ الْمَذْكُورُ كُلَّ الشَّأْنِ
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَمُلَ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهَا كَالرَّأْسِ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ بِرَفْعِ الْيَدِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَلَوْ مَسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ وَرَفَعَ يَدَهُ ثُمَّ أَعَادَهَا عَلَى الْعِمَامَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَسْحِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِانْفِصَالِهِ عَنْ الرَّأْسِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ يَغْفُلُ عَنْهُ كَثِيرٌ عِنْدَ التَّكْمِيلِ عَلَى الْعِمَامَةِ، ثُمَّ ذَلِكَ الْقَدْرُ الْمَمْسُوحُ مِنْ الرَّأْسِ هَلْ يُمْسَحُ مَا يُحَاذِيهِ مِنْ الْعِمَامَةِ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ؟ لَا.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: الْيُسْرَى وَالْيُمْنَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى) .
قَالَ الْقَفَّالُ فِي مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ: الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِهَا التَّيَمُّنُ إذْ
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ» فَإِنْ قَدَّمَ الْيُسْرَى كُرِهَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. أَمَّا الْكَفَّانِ وَالْخَدَّانِ وَالْأُذُنَانِ فَيَطْهُرَانِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتُسَنُّ الْبُدَاءَةُ بِأَعْلَى الْوَجْهِ لِلِاتِّبَاعِ الْمَذْكُورِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ
(وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ وَتَحْجِيلِهِ) وَهِيَ غَسْلُ مَا فَوْقَ الْوَاجِبِ مِنْ الْوَجْهِ فِي الْأَوَّلِ وَمِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فِي الثَّانِي لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنْتُمْ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إسْبَاغِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ» وَغَايَةُ التَّحْجِيلِ اسْتِيعَابُ الْعَضُدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ وَيَغْسِلُ فِي الْغُرَّةِ صَفْحَةَ الْعُنُقِ مَعَ مُقَدَّمَاتِ الرَّأْسِ.
(وَالْمُوَالَاةُ وَأَوْجَبَهَا الْقَدِيمُ) وَهِيَ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ فِي التَّطْهِيرِ بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْأَوَّلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الثَّانِي مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَالْمِزَاجِ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَيُقَدَّرُ الْمَمْسُوحُ مَغْسُولًا دَلِيلُ الْقَدِيمِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمَيْهِ لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» . وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّهُ ضَعِيفٌ.
(وَتَرْكُ الِاسْتِعَانَةِ) فِي الصَّبِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَرَفُّهٌ لَا تَلِيقُ بِالْمُتَعَبِّدِ فَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَقِيلَ مَكْرُوهَةٌ. وَالِاسْتِعَانَةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مَكْرُوهَةٌ قَطْعًا، وَفِي إحْضَاءِ الْمَاءِ لَا بَأْسَ بِهَا وَلَا يُقَالُ إنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِعَانَةِ مُطْلَقًا.
(وَ) تَرْكُ (النَّفْضِ) لِلْمَاءِ لِأَنَّ النَّفْضَ كَالتَّبَرِّي مِنْ الْعِبَادَةِ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ الْأَوْلَى، وَالرَّاجِحُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَفِعْلُهُ سَوَاءٌ.
(وَكَذَا التَّنْشِيفُ) بِالرَّفْعِ أَيْ تَرْكُهُ (فِي الْأَصَحِّ)«لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ غُسْلِهِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَتَتْهُ مَيْمُونَةُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَجَعَلَ يَقُولُ بِالْمَاءِ هَكَذَا يَنْفُضُهُ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالثَّانِي تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ سَوَاءٌ.
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الطَّهُورَ إشَارَةٌ إلَى كُلِّ الطِّهَارَاتِ، وَالتَّرَجُّلَ إشَارَةٌ إلَى كُلِّ الشُّعُورِ، وَالتَّنَعُّلَ إشَارَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْضَاءِ كَاكْتِحَالٍ وَنَتْفِ إبْطٍ وَقَصِّ شَارِبٍ وَحَلْقِ رَأْسٍ وَتَقْلِيمِ ظُفْرٍ وَمُصَافَحَةٍ وَلُبْسِ نَحْوِ ثَوْبٍ وَنَعْلٍ لَا خَلْعِهِمَا فَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ الشَّأْنِ قَوْلُهُ:(كُرِهَ إلَخْ) أَيْ كَرَاهَةً غَيْرَ شَدِيدَةٍ، وَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ غَسْلُ إلَخْ) لِأَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ اسْمٌ لِمَحَلِّ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ مَعًا وَتَسْقُطُ إطَالَةُ الْغُرَّةِ بِسُقُوطِ غَسْلِ الْوَجْهِ لَا التَّحْجِيلُ بِسُقُوطِ مَحَلِّ الْفَرْضِ لِتَبَعِيَّةِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ:(أُمَّتِي) أَيْ أُمَّةَ الْإِجَابَةِ. قَوْلُهُ (غُرًّا مُحَجَّلِينَ) أَيْ بِيضَ الْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ. قَوْلُهُ: (مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ) فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ أَوْ بَدَلِهِ وَهَلْ يَدْخُلُ مَنْ وَضَّأَهُ الْمُغَسِّلُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: نَعَمْ، بَلْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ إنَّ ذَلِكَ شَأْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِيَشْمَلَ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ، وَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ فِي عُمْرِهِ وَلَا فِي مَوْتِهِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْأَعْضَاءِ) أَيْ أَفْرَادِهَا وَأَجْزَائِهَا. قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ) وَاسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا عَدَمَ الْحُصُولِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْجَفَافُ بِالْفِعْلِ وَلَا عَدَمُهُ. قَوْلُهُ: (الْهَوَاءِ) وَالزَّمَانِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (الْمَمْسُوحُ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَنَحْوِ مَسْحِ إبْرَةٍ. قَوْلُهُ: (ضَعِيفٌ) أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ إذْ الْوَاقِعَةُ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ التَّمَامِ وَالْقَدِيمُ فِي الشُّرُوعِ. قَوْلُهُ: (وَتَرْك الِاسْتِعَانَةِ) أَيْ التَّمْكِينِ مِنْهَا وَلَوْ بِلَا طَلَبٍ وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ أَوْ نَحْوِ قِرْدٍ، وَهَلْ مِنْهَا الْحَنَفِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ رَاجِعْهُ، وَيُنْدَبُ وُقُوفُ الْمُعَيَّنِ عَنْ يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ وَمِثْلُهُ نَحْوُ الْإِبْرِيقِ، وَوُقُوفُ حَامِلِ الْمِنْدِيلِ عَنْ يَمِينه وَمِثْله إنَاءُ الِاغْتِرَافِ، وَبَعْضُهُمْ بَحَثَ تَحْوِيلَ الْإِبْرِيقِ إلَى يَمِينِهِ عِنْدَ غَسْلِ يَسَارِهِ لِيَصُبَّ فِي كَفِّهِ مِنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالْغُسْلُ فِي ذَلِكَ كَالْوُضُوءِ، وَفِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: يَقِفُ الْمُعِينُ فِي الْغُسْلِ عَنْ يَمِينِ الْمُغْتَسِلِ مَحَلُّهُ إنْ صَبَّ لَهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَتَحَوَّلُ إلَى يَسَارِهِ فِي الْأَيْسَرِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(فَهِيَ خِلَافُ الْأَوْلَى) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي غَيْرِ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَإِلَّا فَتُكْرَهُ اتِّفَاقًا. قَوْلُهُ: (وَحَيْثُ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فَلَا بَأْسَ) بَلْ تَجِبُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهَا وَلَوْ بِأُجْرَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا بِمَا فِي الْفِطْرَةِ فَإِنْ عَجَزَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَأَعَادَ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ خِلَافُ الْأَوْلَى) هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (بِالرَّفْعِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُضَافِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَمَا قِيلَ خِلَافُ هَذَا فَهُوَ كَلَامٌ سَخِيفٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ:(يَنْفُضُهُ) بَيَانٌ لِيَقُولَ بِمَعْنَى يَفْعَلُ وَالْمُرَادُ
ــ
[حاشية عميرة]
الْيَمِينُ مِنْ الْيَمِينِ وَهُوَ حُصُولُ الْخَيْرِ، وَالشِّمَالُ تُسَمَّى الشَّوْمَاءُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ اتِّصَالُهُمَا بِالْوَاجِبِ وَأَنَّهُ إنْ شَاءَ قَدَّمَهُمَا وَإِنْ شَاءَ قَدَّمَهُ؛ انْتَهَى. قَوْلُ الشَّارِحِ وَهِيَ أَيْ الْإِطَالَةُ لَكِنْ عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ