الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْجَنَائِزِ
بِالْفَتْحِ جَمْعُ جِنَازَةٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ، مِنْ جَنَزَهُ أَيْ سَتَرَهُ، وَذُكِرَ هُنَا دُونَ الْفَرَائِضِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الصَّلَاةِ. (لِيُكْثِرَ) كُلُّ مُكَلَّفٍ (ذِكْرَ الْمَوْتِ) اسْتِحْبَابًا قَالَ صلى الله عليه وسلم:«أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ» يَعْنِي الْمَوْتَ، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، زَادَ النَّسَائِيّ:«فَإِنَّهُ مَا يُذْكَرُ فِي كَثِيرٍ إلَّا قَلَّلَهُ وَلَا قَلِيلٍ إلَّا كَثَّرَهُ» أَيْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَمَلِ وَالدُّنْيَا، وَقَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ. وَهَاذِمُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعُ. (وَيَسْتَعِدَّ) لَهُ (بِالتَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ) إلَى أَهْلِهَا بِأَنْ يُبَادِرَ إلَيْهِمَا فَلَا يَخَافُ مِنْ فَجْأَةِ الْمَوْتِ الْمُفَوِّتِ لَهُمَا، وَصَرَّحَ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ التَّوْبَةِ لِئَلَّا يَغْفُلَ عَنْهُ. (وَالْمَرِيضُ آكَدُ) بِمَا ذُكِرَ أَيْ أَشَدُّ طَلَبًا بِهِ مِنْ غَيْرِهِ (وَيُضْجَعُ الْمُحْتَضَرُ) أَيْ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ (لِجَنْبِهِ الْأَيْمَنِ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ لِضِيقِ مَكَان وَنَحْوِهِ) كَعِلَّةٍ بِجَنْبِهِ (أُلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ وَوَجْهُهُ وَأَخْمَصَاهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (لِلْقِبْلَةِ) بِأَنْ يُرْفَعَ رَأْسُهُ قَلِيلًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ الْإِلْقَاءُ الْمَذْكُورُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ. وَوَسَّطَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِضْجَاعِ عَلَى الْأَيْمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ بِالْإِضْجَاعِ عَلَى الْأَيْسَرِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا قِيلَ بِالْإِلْقَاءِ عَلَى الْقَفَا أَوَّلًا فَتَعَذَّرَ
ــ
[حاشية قليوبي]
[كِتَابُ الْجَنَائِزِ]
الْمُشْتَمِلُ عَلَى بَعْضِ إفْرَادِ الصَّلَوَاتِ، الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الصَّلَاةُ عَلَى الْمَقْتُولِ بِتَرْكِهَا. قَوْلُهُ:(اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ) وَقِيلَ بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِذَلِكَ، وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلنَّعْشِ، وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ نِيَّةُ الْمُصَلِّي إذَا قَالَ: أُصَلِّي عَلَى هَذِهِ الْجِنَازَةِ، فَعَلَى كَوْنِهَا اسْمًا لِلنَّعْشِ، لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ مُطْلَقًا، وَعَلَى كَوْنِهَا اسْمًا لَهُ فِي النَّعْشِ، لَا تَصِحُّ عَلَى مَيِّتٍ بِلَا نَعْشٍ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَقَدْ هَجَرَ فَالنِّيَّةُ صَحِيحَةٌ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (لِيُكْثِرَ نَدْبًا ذِكْرَ الْمَوْتِ) أَيْ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ بِاسْتِحْضَارِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ قَاطِعٌ) لِقَطْعِهِ مُدَّةَ الْحَيَاةِ، وَبِالْمُهْمَلَةِ مُزِيلُ الشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ، كَهَدْمِ الْجِدَارِ وَالْمَوْتُ عَدَمُ الْحَيَاةِ، عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ الْحَيَاةُ، وَقِيلَ: عَرَضٌ يُضَادُّ الْحَيَاةَ، وَنُقِضَ بِشُمُولِهِ لِلْجَمَادِ، وَقَبْلَ مُفَارِقَةِ الرُّوحِ الْجَسَدَ، وَنُقِضَ بِإِخْرَاجِهِ لِلْجَنِينِ، قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَالرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ سَارٍ فِي الْبَدَنِ، كَسَرَيَانِ الْمَاءِ فِي الْعُودِ الْأَخْضَرِ، وَقِيلَ كَسَرَيَانِ النَّارِ فِي الْفَحْمِ، وَقِيلَ الدَّمُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(وَيَسْتَعِدَّ) أَيْ وُجُوبًا بِالتَّوْبَةِ وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ، وَإِنْ أَتَى بِمُكَفِّرٍ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ، وَتَوْبَةُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مَجَازٌ. قَوْلُهُ:(وَرَدِّ الْمَظَالِمِ) أَيْ الْخُرُوجِ مِنْهَا فِي الْمَالِ، وَالْعِرْضِ وَالنَّفْسِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا، إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَرِيضُ آكَدُ) وَيُكْرَهُ لَهُ الْجَزَعُ وَالتَّضَجُّرُ مُطْلَقًا، وَالشَّكْوَى إلَّا لِنَحْوِ طَبِيبٍ وَصَدِيقٍ، وَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْأَنِينُ، -
ــ
[حاشية عميرة]
[تَتِمَّةٌ تَارِكُ الْجُمُعَةِ]
كِتَابُ الْجَنَائِزِ
قَوْلُهُ: (اسْتِحْبَابًا) وَأَمَّا الْمَعْطُوفُ الْآتِي فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ عَلَى عِبَارَةِ الْمَتْنِ نَوْعُ مُؤَاخَذَةٍ. قَوْلُهُ:(وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ) وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ نَقْلًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ مَعْنَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَشَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمَا لَا يُخَرِّجَانِ، لَا الْحَدِيثَ الْمُجْمَعَ عَلَى ثِقَةِ نَقْلَتِهِ إلَى الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ:(أَيْ قَاطِعٌ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَأَمَّا بِالْإِهْمَالِ فَهُوَ الْمُزِيلُ لِلشَّيْءِ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَوْلُ الْمَتْنِ وَرَدُّ الْمَظَالِمِ، أَوْلَى مِنْهُ أَنْ يَقُولَ وَالْخُرُوجَ مِنْ الْمَظَالِمِ، لِيَشْمَلَ إبْرَاءَ صَاحِبِهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ) أَيْ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَوْلُهُ: (وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ إلَخْ) أَيْ
يُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ. وَالْأَخْمَصَانِ هُمَا أَسْفَلُ الرِّجْلَيْنِ، وَحَقِيقَتُهُمَا الْمُنْخَفِضُ مِنْ أَسْفَلِهِمَا، قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ.
(وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ) أَيْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: الْمُرَادُ ذَكِّرُوا مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ. (بِلَا إلْحَاحٍ) لِئَلَّا يَضْجَرَ، وَلَا يُقَالُ لَهُ: قُلْ، بَلْ يَتَشَهَّدُ عِنْدَهُ، وَلْيَكُنْ غَيْرَ وَارِثٍ لِئَلَّا يَتَّهِمَهُ بِالِاسْتِعْجَالِ لِلْإِرْثِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ غَيْرُ الْوَرَثَةِ لَقَّنَهُ أَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ. وَإِذَا قَالَهَا مَرَّةً لَا تُعَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهَا. وَنُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُلَقَّنُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيْضًا. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. (وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ {يس} [يس: 1] قَالَ صلى الله عليه وسلم: «اقْرَءُوا عَلَى مَوْتَاكُمْ {يس} [يس: 1] » رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَقَالَ: الْمُرَادُ بِهِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ. (وَلْيُحْسِنْ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سبحانه وتعالى رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: «لَا يَمُوتَن أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» أَيْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ.
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ عِنْدَهُ تَحْسِينُ ظَنِّهِ وَتَطْمِيعُهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
(فَإِذَا مَاتَ غُمِّضَ) وَإِلَّا لَبَقِيَتْ عَيْنَاهُ مَفْتُوحَتَيْنِ وَقَبُحَ مَنْظَرُهُ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَخَصَ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: إنَّ الرُّوحَ إذَا
ــ
[حاشية قليوبي]
وَاشْتِغَالُهُ بِذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ أَوْلَى مِنْهُ، وَيُنْدَبُ لَهُ تَعَهُّدُ نَفْسِهِ بِتِلَاوَةٍ وَذِكْرٍ وَحِكَايَةِ الصَّالِحِينَ، وَوَصِيَّةِ أَهْلِهِ بِالصَّبْرِ وِتْرِك نَحْوِ نَوْحٍ وَنَدْبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَتَحْسِينُ خَلْقِهِ، وَاسْتِرْضَاءُ مَنْ لَهُ بِهِ عَلَاقَةٌ مِنْ خِدْمَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ، وَتَرْكُ الْمُنَازَعَةِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَتُنْدَبُ عِيَادَتُهُ، وَلَوْ مِنْ نَحْوِ رَمَدٍ، وَإِنَّ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلَوْ كَافِرًا رُجِيَ إسْلَامُهُ، أَوْ لَهُ قَرَابَةٌ أَوْ جِوَارٌ، إلَّا جَازَتْ وَتُكْرَهُ لِنَحْوِ مُبْتَدِعٍ، وَتُكْرَهُ إطَالَتُهَا وَتَكْرَارُهَا، إلَّا لِتَأَنُّسٍ وَنَحْوِهِ كَتَبَرُّكٍ، وَيُنْدَبُ أَمْرُهُ بِالصَّبْرِ وَوَعْدُهُ بِالْأَجْرِ، وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالشِّفَاءِ، وَمِنْهُ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، أَنْ يَشْفِيَك بِشِفَائِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَأَنْ يُرَغِّبُهُ عَائِدُهُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَالتَّوْبَةِ وَأَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْهُ، وَأَنْ يُوصِيَ خَادِمَهُ بِالرِّفْقِ بِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُضْجَعُ) أَيْ نَدْبًا بَعْدَ التَّلْقِينِ الْآتِي، إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فُعِلَا مَعًا.
قَوْلُهُ: (وَيُلَقَّنُ) نَدْبًا وَلَوْ صَبِيًّا هُنَا لَا بَعْدَ الدَّفْنِ وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) وَلَا يُنْدَبُ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى، كَمَا وَقَعَ لَهُ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ:(وَلَا يُقَالُ لَهُ قُلْ) وَلَا اشْهَدْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَوْنُهَا آخِرَ كَلَامِهِ، لِيَفُوزَ بِهَا مَعَ السَّابِقِينَ، أَوْ بِعَدَمِ الْحِسَابِ أَوْ بِتَقَدُّمِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ مِثْلَهُ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ. نَعَمْ يَجِبُ تَلْقِينُ الشَّهَادَتَيْنِ، لِكَافِرٍ رُجِيَ إسْلَامُهُ، وَيُقَالُ لَهُ قُلْ. قَوْلُهُ:(لِئَلَّا يَتَّهِمَهُ) أَيْ شَأْنُهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إرْثٌ، وَيَنْبَغِي تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالتُّهْمَةِ لِغَيْرِ الْوَارِثِ. قَوْلُهُ:(أَشْفَقُهُمْ) إنْ وُجِدَ وَإِلَّا تَرَكَهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهَا) وَلَوْ بِأُخْرَوِيٍّ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (لَا يَقْرَأُ عَلَيْهِ) أَيْ عَادَةً بَلْ يَقْرَأُ عِنْدَهُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الْأَوَّلِ كَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، وَيُنْدَبُ قِرَاءَةُ سُورَةِ الرَّعْدِ عِنْدَهُ أَيْضًا، لِتَسْهِيلِهَا خُرُوجَ الرُّوحِ، وَلِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ، أَنَّهُ يَمُوتُ رَيَّانًا، وَيَدْخُلُ قَبْرَهُ رَيَّانًا وَيَخْرُجُ مِنْهُ رَيَّانًا، وَيُنْدَبُ أَنْ يُجَرَّعَ مَاءً، خُصُوصًا لِمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ أَمَارَةُ طَلَبِهِ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِيهِ بِمَاءٍ، وَيَقُولُ لَهُ: قُلْ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا حَتَّى أَسْقِيَك. قَوْلُهُ: (بِثَلَاثٍ) أَيْ مِنْ الْأَيَّامِ. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ عِنْدَهُ) أَيْ لِلْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْمَرِيضِ مِنْ النَّاسِ.
(فَائِدَةٌ) قَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ يَحْضُرُ مَوْتَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، مَا لَمْ يَمُتْ جُنُبًا. قَوْلُهُ:(تَحْسِينُ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ) نَدْبًا، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى مِنْهُ يَأْسًا وَقُنُوطًا، وَالرَّجَاءُ لَهُ أَوْلَى كَالصَّحِيحِ إنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْيَأْسُ، وَإِلَّا فَالْخَوْفُ لَهُ أَوْلَى، وَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْأَمْنُ، وَإِلَّا اسْتَوَيَا. نَعَمْ الْأَوْلَى لِلْمَرِيضِ تَقْدِيمُ الرَّجَاءِ وَعَكْسُهُ.
ــ
[حاشية عميرة]
فَلَيْسَ الْخِلَافُ رَاجِعًا لِلِاسْتِقْبَالِ أَيْضًا، كَمَا يُوهِمُهُ الْمَتْنُ. قَوْلُهُ:(وَحَقِيقَتُهُمَا) أَيْ وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا
. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُلَقَّنُ الشَّهَادَةَ إلَخْ) قِيلَ عُمُومُ الْكَلَامِ يَشْمَلُ الصَّغِيرَ الْمُمَيِّزَ، لَكِنْ قِيَاسُ عَدَمِ تَلْقِينِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَدَمُهُ هُنَا، وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ هُنَا لِلْمَصْلَحَةِ فَيُفْعَلُ، وَهُنَاكَ لِلْفِتْنَةِ وَهُوَ لَا يُفْتَنُ، بَلْ بَحَثَ وُجُوبُهُ عَلَى الْوَلِيِّ كَتَعْلِيمِ الشَّرَائِعِ. قَوْلُهُ:(وَلْيَكُنْ غَيْرَ وَارِثٍ) لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَا شَيْءَ لَهُ فَالْوَجْهُ أَنَّ الْوَارِثَ كَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَتَكَلَّمَ بَعْدَهَا) لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنْ يَكُونَ آخَرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ: لَا يُعِيدُهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِكَلَامِ الدُّنْيَا أَيْ بِخِلَافِ التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ اهـ.
وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ نَظَرًا لِلْغَرَضِ السَّابِقِ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ» بَحَثَ فِي الْخَادِمِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالنَّفْسَانِيِّ، وَأَنَّهُ لَوْ نَطَقَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّوْحِيدِ يَكْفِي، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى» . قَوْلُهُ: (لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ) وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنْ يُلَقِّنَهُ الشَّهَادَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ يَقْتَصِرَ بَعْدَ ذَلِكَ، عَلَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
قَوْلُهُ: (رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ إلَخْ) زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، ثُمَّ قَالَ:
قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» قَالَ الْمُصَنِّفُ: نَاظِرٌ أَيْنَ تَذْهَبُ، وَقُبِضَ خَرَجَ مِنْ الْجَسَدِ، وَشَخَصَ بَصَرُهُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ شَخَصَ، أَيْ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْخَاءِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَيُسْتَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ حَالَ إغْمَاضِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. (وَشُدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ) عَرِيضَةٍ تُرْبَطُ فَوْقَ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَبْقَى فَمُهُ مُنْفَتِحًا فَتَدْخُلَهُ الْهَوَامُّ. (وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ) فَيُرَدُّ سَاعِدُهُ إلَى عَضُدِهِ وَسَاقُهُ إلَى فَخْذِهِ وَفَخِذُهُ إلَى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَمُدُّهَا وَيُلَيَّنُ أَصَابِعُهُ أَيْضًا وَذَلِكَ لِيُسْهِلَ غُسْلُهُ فَإِنَّ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ بَقِيَّةَ حَرَارَةٍ إذَا لُيِّنَتْ الْمَفَاصِلُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَانَتْ، وَإِلَّا لَمْ يُمْكِنْ تَلْيِينُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (وَسُتِرَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ) بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَيُجْعَلُ طَرَفُ الثَّوْبِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَطَرَفُهُ الْآخَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لِئَلَّا يَنْكَشِفَ، وَاحْتَرَزَ بِالْخَفِيفِ عَنْ الثَّقِيلِ فَإِنَّهُ يَحْمِيهِ فَيُغَيِّرُهُ. رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«سُجِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ مَاتَ بِثَوْبِ حِبَرَةٍ» ، هُوَ بِالْإِضَافَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهُوَ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ. وَسُجِّيَ: غُطِّيَ جَمِيعُ بَدَنِهِ.
(وَوُضِعَ عَلَى بَطْنِهِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ) كَمِرْآةٍ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدِيدٌ فَطِينٌ رَطْبٌ، وَيُصَانُ الْمُصْحَفُ عَنْهُ. (وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرٍ وَنَحْوِهِ) لِئَلَّا يُصِيبَهُ نَدَاوَةُ الْأَرْضِ فَتُغَيِّرَهُ. (وَنُزِعَتْ) عَنْهُ (ثِيَابُهُ) الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُرَى بَدَنُهُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَإِنَّهَا تُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادَ فِيمَا حُكِيَ. (وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ كَمُحْتَضَرٍ) وَقَدْ تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةُ تَوْجِيهِهِ (وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ) جَمِيعَهُ (أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ) بِهِ بِأَسْهَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءُ مِنْ النِّسَاءِ، فَإِنْ تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ مِنْ نِسَاءِ الْمَحَارِمِ، أَوْ النِّسَاءُ مِنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ جَازَ.
(وَيُبَادَرُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (بِغُسْلِهِ إذَا تَيَقَّنَ مَوْتُهُ) بِظُهُورِ أَمَارَاتِهِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ كَأَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا تَنْتَصِبَا أَوْ يَمِيلَ أَنْفُهُ أَوْ يَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ، وَإِنْ شَكَّ فِي مَوْتِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ، وَاحْتُمِلَ عُرُوضُ سَكْتَةٍ أَوْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ فَزَعٍ أَوْ غَيْرِهِ أُخِّرَ إلَى الْيَقِينِ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ أَوْ غَيْرِهِ.
(وَغُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ) فِي حَقِّ الْمَيِّتِ
ــ
[حاشية قليوبي]
(فَائِدَةٌ) الظَّنُّ أَقْسَامٌ وَاجِبٌ كَحُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ، وَحَرَامٌ كَسُوءِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ، وَبِالْمُسْلِمِ الظَّاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَمُبَاحٌ كَمَنْ يُخَالِطُ الرَّيْبَ، وَيَتَجَاهَرُ بِالْخَبَائِثِ، وَمِنْ الْجَائِزِ ظَنُّ الشُّهُودِ وَتَقْوِيمُ الْأَمْوَالِ وَأَرْشُ الْجِنَايَاتِ.
قَوْلُهُ: (نَاظِرٌ) وَلَوْ أَعْمَى وَبَقَاءُ النَّظَرِ بَعْدَ مُفَارِقَةِ الرُّوحِ، غَيْرُ بَعِيدٍ لِبَقَاءِ حَرَارَةِ الْبَدَنِ، خُصُوصًا فِي عُضْوٍ أَقْرَبَ إلَى مَحَلِّ خُرُوجِ الرُّوحِ، لِأَنَّهَا تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ مِنْ الْيَافُوخِ، وَالْعَيْنُ آخِرُ شَيْءٍ، تُنْزَعُ مِنْهُ الرُّوحُ وَأَوَّلُ شَيْءٍ تَحِلُّهُ الْحَيَاةُ، وَأَوَّلُ شَيْءٍ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ. قَوْلُهُ:(وَلُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ) وَلَوْ بِنَحْوِ دُهْنٍ تُوقَفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُغَسَّلْ وَالْعِلَّةُ لِلْأَغْلَبِ قَوْلُهُ:(جَمِيعِ بَدَنِهِ) إلَّا رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَ الْمُحْرِمَةِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ نَزْعِ ثِيَابِهِ) وَلَوْ نَبِيًّا وَشَهِيدًا وَالْعِلَّةُ لِلْغَالِبِ، وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، بِمَا فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُرَاجَعْ، وَتُرَدُّ ثِيَابُ الشَّهِيدِ إلَيْهِ، كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (عَلَى بَطْنِهِ) أَيْ فَوْقَ مَا سُتِرَ بِهِ بَدَنُهُ أَوْ تَحْتَهُ. قَوْلُهُ: (ثَقِيلٌ) نَحْوَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَأَكْثَرَ، وَكَوْنُهُ مِنْ الْحَدِيدِ أَوْلَى كَمَا ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ:(وَيُصَانُ الْمُصْحَفُ عَنْهُ) وُجُوبًا إنْ خِيفَ تَنَجُّسُهُ وَإِلَّا فَنَدْبًا، وَكُتُبُ الْعِلْمِ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى سَرِيرٍ) وَإِنَّ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى أَرْضٍ وَالْعِلَّةُ لِلْغَالِبِ. قَوْلُهُ: (وَنُزِعَتْ) أَيْ قَبْلَ سَتْرِهِ. قَوْلُهُ: (وَوُجِّهَ لِلْقِبْلَةِ) فَيُشَدُّ مَا ثَقُلَ بِهِ بَطْنُهُ بِنَحْوِ خِرْقَةٍ. قَوْلُهُ: (وَيَتَوَلَّى ذَلِكَ جَمِيعَهُ) أَيْ التَّغْمِيضَ وَمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَوَلَّاهُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالزَّوْجُ كَالْمُحْرِمِ، وَيَجُوزُ مِنْ الْأَجَانِبِ مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ بِلَامِسٍ، وَاسْتَبْعَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَيُبَادَرُ) أَيْ وُجُوبًا إنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ بِالتَّأْخِيرِ وَإِلَّا فَنَدْبًا.
قَوْلُهُ: (إذَا تَيَقَّنَ مَوْتَهُ) قَالَ شَيْخُنَا: هُوَ رَاجِعٌ إلَى التَّغْمِيضِ وَمَا بَعْدَهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ ظَاهِرُ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ:(كَأَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ) وَيَنْخَلِعَ كَفَّاهُ، وَتَتَقَلَّصَ خُصْيَتَاهُ وَتَسْتَرْخِيَ جِلْدَتَاهُمَا قَوْلُهُ:(أُخِّرَ) أَيْ وُجُوبًا.
قَوْلُهُ (فُرُوضُ كِفَايَةٍ) وَإِنْ تَكَرَّرَ مَوْتُهُ بَعْدَ حَيَاةٍ
ــ
[حاشية عميرة]
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَأَفْسِحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْهُ لَهُ. قَوْلُهُ (إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ إلَخْ) .
(فَائِدَةٌ) قِيلَ: إنَّ الْعَيْنَ آخِرُ شَيْءٍ تُنْزَعُ مِنْهُ الرُّوحُ وَأَوَّلُ شَيْءٍ يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَنُزِعَتْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ هَذَا عَلَى مَا سَلَفَ اهـ. أَقُولُ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا فِيمَا سَلَفَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَغُسْلُهُ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَسْقُطُ بِفِعْلِ
الْمُسْلِمِ بِالْإِجْمَاعِ. أَمَّا الْكَافِرُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي فَرْعِ الْأَوْلِيَاءِ. (وَأَقَلُّ الْغُسْلِ تَعْمِيمُ بَدَنِهِ) مَرَّةً (بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ) عَنْهُ إنْ كَانَ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَيْضًا فَلَا يَكْفِي لَهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَيِّ أَنَّ الْغَسْلَةَ لَا تَكْفِيهِ عَنْ النَّجَسِ وَالْحَدَثِ، وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تَكْفِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِدْرَاكَ هُنَا لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ هُنَاكَ.
(وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْغَاسِلِ) أَيْ لَا تُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْقَصْدَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ النَّظَافَةُ، وَهِيَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ. وَالثَّانِي يَجِبُ لِأَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَيَنْوِي عِنْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ الْغُسْلَ الْوَاجِبَ أَوْ غُسْلَ الْمَيِّتِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (فَيَكْفِي) عَلَى الْأَصَحِّ (غَرَقُهُ) عَنْ الْغُسْلِ (أَوْ غُسْلُ كَافِرٍ) لَهُ (قُلْت:) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وُجُوبُ غُسْلِ الْغَرِيقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنَّا إلَّا بِفِعْلِنَا.
(وَالْأَكْمَلُ وَضْعُهُ بِمَوْضِعٍ خَالٍ) مِنْ النَّاسِ (مَسْتُورٍ) عَنْهُمْ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يُعِينُهُ وَالْوَلِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَتِرُ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ فَيَسْتَتِرُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ بَدَنِهِ مَا يُكْرَهُ ظُهُورُهُ، وَقَدْ تَوَلَّى غُسْلَهُ صلى الله عليه وسلم عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ يُنَاوِلُ الْمَاءَ، وَالْعَبَّاسُ وَاقِفٌ، ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ. (عَلَى لَوْحٍ) أَوْ سَرِيرٍ هِيَ لِذَلِكَ وَلِيَكُنْ مَوْضِعُ رَأْسِهِ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ عَنْهُ وَلَا يَقِفُ تَحْتَهُ. (وَيُغَسَّلُ فِي قَمِيصٍ) يُلْبَسُ عِنْدَ غُسْلِهِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ، وَقَدْ «غُسِّلَ صلى الله عليه وسلم فِي قَمِيصٍ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَلِيَكُنْ الْقَمِيصُ سَحِيقًا أَوْ بَالِيًا، وَيُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي كُمِّهِ إنْ كَانَ وَاسِعًا يَغْسِلُهُ مِنْ تَحْتِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَتَقَ رُءُوسَ الدَّخَارِيصِ وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي مَوْضِعِ الْفَتْقِ، فَلَوْ لَمْ يُوجَدْ قَمِيصٌ أَوْ لَمْ يَتَأَتَّ غُسْلُهُ فِيهِ سُتِرَ مِنْهُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ نَظَرِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ. (بِمَاءٍ بَارِدٍ) لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ بِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ فَإِنَّهُ يُرْخِيهِ إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إلَيْهِ لِوَسَخٍ
ــ
[حاشية قليوبي]
حَقِيقَةٍ، وَيَحْرُمُ تَرْكُهَا عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ، وَغَيْرِ قَرِيبٍ، وَعَلَى جَارٍ قَصَّرَ فِي عِلْمِهِ بِعَدَمِ الْبَحْثِ عَنْهُ.
(تَنْبِيهٌ) مَشْرُوعِيَّةُ الْغُسْلِ وَالْحَنُوطِ وَالسِّدْرِ وَالْكَافُورِ، وَكَوْنِ الثِّيَابِ وِتْرًا وَالْحَفْرِ وَالصَّلَاةِ، بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَلَا تَعَارُضَ، أَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلَتْ آدَمَ، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ غَائِبًا النَّجَاشِيُّ. قَوْلُهُ:(بَدَنِهِ) وَمِنْهُ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ
. قَوْلُهُ: (أَيْ لَا تُشْتَرَطُ) أَفَادَ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ، الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ الْبُطْلَانُ. قَوْلُهُ:(نِيَّةُ الْغَاسِلِ) وَلَا مَنْ يَمَّمَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّا) مَعَاشِرَ الْآدَمِيِّينَ، وَلَوْ غَيْرَ الْمُكَلَّفِينَ، وَمِنْهُمْ الْمَيِّتُ لَوْ غَسَّلَ نَفْسَهُ كَرَامَةً، وَالْجِنُّ كَالْآدَمِيِّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ الْمَلَائِكَةِ، وَالصَّلَاةُ كَالْغُسْلِ. نَعَمْ يَكْفِي تَكْفِينُ الْمَلَائِكَةِ، وَدَفْنُهُمْ لِوُجُودِ السِّتْرِ. قَوْلُهُ:(مَسْتُورٍ) وَتَحْتَ سَقْفٍ كَمَا فِي الْأُمِّ، وَيُنْدَبُ كَمَا فِي وَقْتِ مَوْتِهِ، أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ فِي أَوَّلِ وَضْعِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الْإِمَامِ، وَيُنْدَبُ التَّبْخِيرُ عِنْدَهُ، مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ، وَبَعْدَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا. قَوْلُهُ:(وَالْوَلِيُّ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ عَدَاوَةٌ، وَإِلَّا فَالْأَجْنَبِيُّ أَوْلَى. قَوْلُهُ:(وَأُسَامَةُ يُنَاوِلُ الْمَاءَ) وَكَذَا شُقْرَانُ مَوْلَاهُ صلى الله عليه وسلم فَهُمْ خَمْسَةٌ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ، وَشُقْرَانُ وَأُسَامَةُ وَالْعَبَّاسُ، وَكَانَتْ أَعْيُنُهُمْ مَعْصُوبَةً، وَكَانَ مَوْتُهُ صلى الله عليه وسلم ضَحْوَةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، وَدُفِنَ لَيْلَةَ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَكَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَصَلُّوا عَلَيْهِ فُرَادَى خِلَافًا لِمَا فِي الْمَجْمُوعِ، لِأَنَّهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْدُ يُجْعَلُ إمَامًا وَجُمْلَةُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ سِتُّونَ أَلْفًا، وَمِنْ غَيْرِهِمْ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عَمُّهُ الْعَبَّاسُ، ثُمَّ بَنُو هَاشِمٍ ثُمَّ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ الْأَنْصَارُ ثُمَّ أَهْلُ الْقُرَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ، وَمَاتَ عَنْ مِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، كُلُّهُمْ لَهُ صُحْبَةٌ، خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُمْ صَلُّوا عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمَّى اللَّيْلَةَ يَوْمًا بِالتَّغْلِيبِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ الَّتِي تَلِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُهُ: (سَرِيرٍ) وَيُنْدَبُ رَفْعُهُ إنْ خِيفَ الرَّشَّاشُ. قَوْلُهُ: (وَقَدْ «غُسِّلَ صلى الله عليه وسلم فِي قَمِيصٍ» ) وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي تَجْرِيدِهِ، أَوْ
ــ
[حاشية عميرة]
الْمُمَيِّزِ، مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ، كَنَظِيرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى لَوْحٍ) رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غُسِّلَ عَلَى سَرِيرٍ، وَأَنَّهُ اسْتَمَرَّ إلَى أَنْ غُسِّلَ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(بِمَاءٍ بَارِدٍ) وَاسْتَحَبَّ
أَوْ بَرْدٍ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ، وَيُبْعَدُ عَنْ الْمُغْتَسَلِ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ رَشَّاشُهُ.
(وَيُجْلِسُهُ الْغَاسِلُ) بِرِفْقٍ. (عَلَى الْمُغْتَسَلِ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ، وَيَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ) لِئَلَّا يَمِيلَ رَأْسُهُ (وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَسَارَهُ عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ) مِنْ الْفَضَلَاتِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ حِينَئِذٍ مِجْمَرَةٌ مُتَّقِدَةٌ فَائِحَةُ الطِّيبِ، وَالْمُعِينُ يَصُبُّ عَلَيْهِ مَاءً كَثِيرًا لِئَلَّا تَظْهَرَ رَائِحَةُ مَا يَخْرُجُ. (ثُمَّ يُضْجِعُهُ لِقَفَاهُ وَيَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ) مَلْفُوفَةٌ بِهَا (سَوْأَتَيْهِ) أَيْ دُبُرَهُ وَقُبُلَهُ وَمَا حَوْلَهُ كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيُّ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْسِلُ كُلَّ سَوْأَةٍ بِخِرْقَةٍ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ، لَكِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ الْأَوَّلُ، وَيَتَعَهَّدُ مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ قَذَرٍ وَنَحْوِهِ. (ثُمَّ) بَعْدَ إلْقَاءِ الْخِرْقَةِ وَغَسْلِ يَدِهِ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ. (يَلُفُّ) خِرْقَةً (أُخْرَى) عَلَى الْيَدِ (وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فَمَهُ وَيُمِرُّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ) بِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ كَمَا يَسْتَاكُ الْحَيُّ وَلَا يَفْتَحُ فَاهُ. (وَيُزِيلُ مَا فِي مَنْخِرَيْهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ (مِنْ أَذًى) بِأُصْبُعِهِ مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ. (وَيُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ) ثَلَاثًا ثَلَاثًا بِمَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ، وَقِيلَ: يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا بِمَا تَقَدَّمَ، وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِيهِمَا لِئَلَّا يَصِلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ، وَلِخَوْفِ ذَلِكَ حَكَى الْإِمَامُ تَرَدُّدًا فِي أَنَّهُ يَكْفِي وُصُولُ الْمَاءِ مَقَادِيمَ الثَّغْرِ وَالْمَنْخِرَيْنِ، أَوْ يُوصَلُ الدَّاخِلَ، وَقَطَعَ بِأَنَّ أَسْنَانَهُ لَوْ كَانَتْ مُتَرَاصَّةً لَا تُفْتَحُ.
(ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ ثُمَّ لِحْيَتَهُ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ) أَيْ خِطْمِيٍّ (وَيُسَرِّحُهُمَا) إنْ تَلَبَّدَ شَعْرُهُمَا (بِمُشْطٍ وَاسِعِ الْأَسْنَانِ بِرِفْقٍ) لِيَقِلَّ الِانْتِتَافُ (وَيَرُدُّ الْمُنْتَتَفَ إلَيْهِ) بِأَنْ يُوضَعَ فِي كَفَنِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ بَابِ التَّكْفِينِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ (وَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ) الْمُقْبِلَيْنِ مِنْ عُنُقِهِ إلَى قَدَمِهِ (ثُمَّ يُحَرِّفُهُ) بِالتَّشْدِيدِ (إلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرِ إلَى الْقَدَمِ، ثُمَّ يُحَرِّفُهُ إلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ فَهَذِهِ) الْأَغْسَالُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ -
ــ
[حاشية قليوبي]
لَا فَغَشِيَهُمْ جَمِيعًا النُّعَاسُ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: لَا تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَرِيرُهُ الَّذِي غُسِّلَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَمَرَّ بَعْدَهُ مَوْجُودًا، إلَى أَنْ غُسِّلَ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. قَوْلُهُ:(بِمَاءٍ بَارِدٍ) وَأَوْلَاهُ الْمِلْحُ وَيُقَدَّمُ غَيْرُ مَاءِ زَمْزَمَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ) يُغْرَفُ مِنْهُ بِصَغِيرٍ إلَى مُتَوَسِّطٍ يَصُبُّ بِهِ فَالْآنِيَةُ ثَلَاثَةٌ. قَوْلُهُ: (وَيُجْلِسُهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَرْجِعُ هَذِهِ الضَّمَائِرِ. قَوْلُهُ: (بَلِيغًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ تَكْرَارُهُ لَا شِدَّتُهُ. قَوْلُهُ: (وَبِخِرْقَةٍ) مَلْفُوفَةٍ وُجُوبًا إلَّا فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ، فَنَدْبًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِجَوَازِ الْمَسِّ، وَالنَّظَرِ فِيهِمَا. قَوْلُهُ:(الْأَوَّلُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَغَسْلِ يَدَيْهِ) أَيْ إنْ تَلَوَّثَتْ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْيَدِ) أَيْ الْيُسْرَى. قَوْلُهُ: (أُصْبُعَهُ) أَيْ السَّبَّابَةَ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَسْتَاكُ الْحَيُّ) مِنْ حَيْثُ الْإِمْرَارُ إذْ الْأَوْلَى فِي الْحَيِّ أَنْ يَكُونَ بِعُودٍ، وَفِي بَاطِنِ الْأَسْنَانِ. قَوْلُهُ:(بِأُصْبُعِهِ) أَيْ الْخِنْصَرِ مِنْ الْيُسْرَى، وَيُزِيلُ مَا تَحْتَ أَظَافِيرِهِ إنْ لَمْ يُقَلِّمُهَا. قَوْلُهُ:(وَيُوَضِّئُهُ كَالْحَيِّ) يُفِيدُ وُجُوبَ النِّيَّةِ فِيهِ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ نَدْبَهَا، كَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَيَكْفِيهِ فِيهِ نِيَّةُ سُنَّةِ الْغُسْلِ. قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلَا يُنْدَبُ تَكْرِيرُ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَيُسَرِّحُهُمَا) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ. قَوْلُهُ: (إنْ تَلَبَّدَ) لَيْسَ قَيْدًا لِلْحُكْمِ قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: قَيْدٌ لِطَلَبِ التَّسْرِيحِ مُطْلَقًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا: قَيْدٌ فِي كَوْنِ الْمِشْطِ وَاسِعَ الْأَسْنَانِ. قَوْلُهُ: (فِي كَفَنِهِ) نَدْبًا وَدَفْنُهُ وَاجِبٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُحَرِّفُهُ) وَيَحْرُمُ كَبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ احْتِرَامًا لَهُ، وَإِنْ كُرِهَ لَهُ حَيًّا لِأَنَّهُ حَقُّهُ. قَوْلُهُ:(مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ إلَخْ) أَيْ فَالْمُرَادُ الْمَاءُ الْقَرَاحُ فِيهَا، كَمَا فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالسِّدْرُ، وَنَحْوَهُ الْمَذْكُورُ هُنَا مِنْ جُمْلَةِ الِاسْتِعَانَةِ الْآتِيَةِ، قَدَّمَهُ عَلَى مَحَلِّهِ كَمَا
ــ
[حاشية عميرة]
الْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ كَوْنَهُ مَالِحًا. قَوْلُهُ: (إنْ تَلَبَّدَ) وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَلَبَّدْ لِإِزَالَةِ مَا فِي أُصُولِهِ مِنْ السِّدْرِ، وَمَا عَسَاهُ يَكُونُ مِنْ الْوَسَخِ.
قَوْلُهُ: (بِمِشْطٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا، وَبِضَمِّهَا مَعَ الشِّينِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(الْأَيْمَنِ) أَيْ لِلْحَدِيثِ وَأَمَّا الشِّقَّانِ الْمُقْبِلَانِ فَلِشَرَفِهِمَا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَهَذِهِ غَسْلَةٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ لَك فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ كَيْفِيَّتَيْنِ، إحْدَاهُمَا غُسْلُهُ بِالسِّدْرِ ثُمَّ يُزَالُ، وَهَكَذَا ثَانِيًا وَثَالِثًا، ثُمَّ
عَنْ السِّدْرِ وَنَحْوِهِ فِيهَا غَسْلَةٌ (وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً) فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ النَّظَافَةُ زِيدَ حَتَّى تَحْصُلَ، فَإِنْ حَصَلَتْ بِشَفْعٍ اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ بِوَاحِدَةٍ. (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى بِسِدْرٍ أَوْ خِطْمِيٍّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا لِلتَّنْظِيفِ وَالْإِنْقَاءِ، وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. (ثُمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ خَالِصٍ (مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ) أَوْ نَحْوِهِ بِالْمَاءِ فَلَا تُحْسَبُ غَسْلَةُ السِّدْرِ وَلَا مَا أُزِيلَ بِهِ مِنْ الثَّلَاثِ لِتَغَيُّرِ الْمَاءِ بِهِ التَّغَيُّرِ السَّالِبِ لِلطَّهُورِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُحْسَبُ مِنْهَا غَسْلَةُ الْمَاءِ الْقَرَاحِ، فَيَكُونُ الثَّلَاثُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ فَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِأُولَاهَا.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ) مِنْ الثَّلَاثِ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ. (قَلِيلَ كَافُورٍ) بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ الْمَاءَ لِأَنَّ رَائِحَتَهُ تَطْرُدُ الْهَوَامَّ، وَهُوَ فِي الْأَخِيرَةِ آكَدُ وَيُلَيِّنُ مَفَاصِلَهُ بَعْدَ الْغُسْلِ ثُمَّ يُنَشَّفُ تَنْشِيفًا بَلِيغًا لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ فَيَسْرَعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِغَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ رضي الله عنها: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا وَاغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْأَخِيرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنْهُنَّ: وَمَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَفِي رِوَايَةٍ فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ، وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا» ، وَقَوْلُهُ:" أَوْ خَمْسًا " إلَى آخِرِهِ هُوَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فِي النَّظَافَةِ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ مَعَ رِعَايَةِ -
ــ
[حاشية قليوبي]
سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ زِيدَ، أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ. قَوْلُهُ:(وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى) أَيْ مَعَهَا قَبْلَ فِعْلِهَا لِأَنَّهَا هِيَ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ يَصُبُّ مَاءَ قَرَاحٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ إلَخْ) أَيْ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ لِعَدَمِ طَلَبِ التَّحْرِيفِ فِيهِ كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ:(ثُمَّ يَصُبُّ إلَخْ) أَيْ يَعُمُّ بَدَنَهُ بِهِ سَوَاءٌ مَعَ تَحْرِيفٍ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (فَلَا تُحْسَبُ إلَخْ) أَيْ فَهُمَا غَسْلَتَانِ قَبْلَ ثَلَاثَةِ الْمَاءِ، الْقَرَاحِ الَّتِي يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِأُولَاهَا كَمَا ذَكَرَهُ، فَجُمْلَةُ مَا فِي كَلَامِهِ خَمْسُ غَسَلَاتٍ هَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ، الَّذِي قَرَّرَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ قَرَّرَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، كَمَا يُرَاجَعُ وَيُعْرَفُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَيُنْدَبُ الْغَسْلَتَانِ بِالسِّدْرِ وَالْمُزِيلَةِ قَبْلَ الثَّانِيَةِ، مِنْ مَاءِ الْقَرَاحِ فَتَكُونُ الْغَسَلَاتُ سَبْعَةً، وَيُنْدَبَانِ قَبْلَ الثَّالِثَةِ أَيْضًا، فَتَكُونُ تِسْعَةً وَلَهُ تَأْخِيرُ ثَلَاثَةِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ عَنْ السِّتَّةِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(السَّالِبُ لِلطَّهُورِيَّةِ) أَيْ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (فَرْقِهِ) هُوَ وَسَطُ الرَّأْسِ، لِأَنَّهُ مَحَلُّ فَرْقِ الشَّعْرِ، -
ــ
[حاشية عميرة]
يُغَسَّلُ ثَلَاثًا بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ، وَاحِدَةٌ لِلْوَاجِبِ، وَثِنْتَانِ لِلتَّثْلِيثِ، فَالْجُمْلَةُ تِسْعَةٌ الثَّانِيَةُ وَاحِدَةٌ بِالسِّدْرِ، وَأُخْرَى مُزِيلَةٌ، وَأُخْرَى بِالْقَرَاحِ، ثُمَّ تُعَادُ الثَّلَاثُ هَكَذَا ثَانِيًا وَثَالِثًا، فَالْجُمْلَةُ تِسْعٌ أَيْضًا فَالْكَيْفِيَّةُ الْأُولَى فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْإِسْنَوِيُّ وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَالثَّانِيَةُ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا فِي الْمَنْهَجِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: وَكَلَامُ الْمِنْهَاجِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهَا بِأَنْ يُجْعَلَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ بِأَنْ يُقَالَ فَيَغْسِلُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ، ثُمَّ يُصَبُّ مَاءُ قَرَاحٍ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ، فَهَذِهِ غَسْلَةٌ وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً أَيْ كَذَلِكَ أَقُولُ، لَكِنْ يُنَافِيهِ وَأَنْ يُسْتَعَانَ فِي الْأُولَى إلَّا أَنْ يَحْمِلَ عَلَى الْأُولَى مِنْ كُلٍّ مِنْ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثِ، إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَسْلُكْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَهِمَ كَيْفِيَّةً أُخْرَى حَاوَلَ حَمْلَ الْمَتْنِ عَلَيْهَا، هِيَ أَنْ يُغَسَّلَ أَوَّلًا بِالسِّدْرِ ثُمَّ يُزِيلَهُ ثُمَّ ثَلَاثًا فَبِالْمَاءِ الْقَرَاحِ، فَقَوْلُهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ إلَخْ.
يُرِيدُ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِالْغَسْلَةِ، هُوَ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ السِّدْرِ وَمُزِيلِهِ، وَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ وَيُسْتَحَبُّ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً أَيْ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ، وَقَوْلُهُ وَأَنْ يُسْتَعَانَ إلَى قَوْلِهِ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ، تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ لِمَا هُوَ الْأَكْمَلُ فِي الْأُولَى، وَإِفَادَةٌ لِأَنَّ غَسْلَةَ السِّدْرِ وَالْمُزِيلَةَ، لَا تُحْسَبُ، وَإِنَّمَا تُحْسَبُ الَّتِي بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِنْتَاجِ، فِيمَا يَأْتِي فَتَكُونُ الثَّلَاثَةُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ، يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِأَوَّلِهَا ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَحَاوَلَهُ هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ بَلْ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ، وَكَذَا صَنَعَ فِي الْبَهْجَةِ وَالْإِرْشَادِ لَكِنْ شَارِحَاهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَا ذَلِكَ، نَبَّهَا عَلَى أَنَّ الْأَكْمَلَ، هُوَ الْكَيْفِيَّةُ الْأُولَى أَيْ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْإِسْنَوِيُّ. قَوْلُهُ:(عَنْ السِّدْرِ) أَيْ الَّذِي سَلَفَ ذِكْرُهُ فِي الرَّافِعِيِّ، وَاَلَّذِي سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الْمِنْهَاجُ، أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْبَدَنِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(ثَانِيَةً وَثَالِثَةً) أَيْ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ النَّظَافَةُ زِيدَ إلَخْ) صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي غَسْلَةِ السِّدْرِ، وَمُزِيلِهِ بِأَنْ يُكَرَّرَا مَعًا، وَيَكُونُ وِتْرًا إذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِشَفْعٍ، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِلْمَقْدِسِيِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْإِنْقَاءِ، إنَّمَا هِيَ فِي غَسْلَةِ السِّدْرِ وَمُزِيلَتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْحَدِيثِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافُ مَا يُوهِمُهُ الْإِرْشَادُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ غَسَلَاتِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ اهـ. قَوْلُهُ:(وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ إلَخْ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْأُولَى بَاقِي الْبَدَنِ غَيْرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ فَرْقِهِ) هُوَ وَسَطُ الرَّأْسِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ فَرْقِ الشَّعْرِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الْمَفْرِقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا.
الْوِتْرِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَقَوْلُهُ:" إنْ رَأَيْتُنَّ " أَيْ احْتَجْتُنَّ، وَكَافُ ذَلِكَ بِالْكَسْرِ خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ. وَمَشَطْنَا وَضَفَرْنَا بِالتَّخْفِيفِ وَثَلَاثَةَ قُرُونٍ أَيْ ضَفَائِرَ الْقَرْنَيْنِ وَالنَّاصِيَةَ.
(وَلَوْ خَرَجَ بَعْدَهُ) أَيْ الْغُسْلِ (نَجَسٌ وَجَبَ إزَالَتُهُ فَقَطْ) وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِمَا وُجِدَ (وَقِيلَ) تَجِبُ إزَالَتُهُ (مَعَ الْغُسْلِ إنْ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ) لِيُخْتَمَ أَمْرُهُ بِالْأَكْمَلِ (وَقِيلَ) يَجِبُ مَعَ (الْوُضُوءِ) لَا الْغُسْلِ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ كَمَا فِي الْحَيِّ. وَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ، وَأَشَارَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ إلَى تَخْصِيصِهِ بِالْخَارِجِ قَبْلَ الْإِدْرَاجِ فِي الْكَفَنِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُوَافِقُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ صَاحِبُ الْأَمَالِي: فَجَزَمُوا بِالِاكْتِفَاءِ بِغَسْلِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ الْإِدْرَاجِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِدْرَاجِ
(وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةَ الْمَرْأَةُ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَالْأَوَّلُ فِيهِمَا الْمَنْصُوبُ. (وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ وَزَوْجَتَهُ وَهِيَ زَوْجَهَا) أَيْ لَهُمْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَمَةِ لَا تُغَسِّلُ سَيِّدَهَا فِي الْأَصَحِّ لِانْتِقَالِهَا عَنْهُ وَالزَّوْجَةُ لَا تَنْقَطِعُ حُقُوقُهَا بِالْمَوْتِ بِدَلِيلِ التَّوَارُثِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ:«لَوْ مِتِّ قَبْلِي لَغَسَّلْتُك وَكَفَّنْتُك» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَسَوَاءٌ فِي الْأَمَةِ فِي الشِّقَّيْنِ الْقِنَّةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ.
أَمَّا الْمُكَاتَبَةُ فَلَهُ غُسْلُهَا أَيْضًا لِارْتِفَاعِ كِتَابَتِهَا بِمَوْتِهَا، وَلَيْسَ لَهَا غُسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ غُسْلُ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْمُسْتَبْرَأَةِ وَلَا لَهُنَّ غُسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحُرْمَةِ بُضْعِهِنَّ عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ فِي الزَّوْجَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ فِي الشِّقَّيْنِ إلَّا أَنَّ غُسْلَ الذِّمِّيَّةِ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ مَكْرُوهٌ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ كَالْمُهَذَّبِ عَنْ النَّصِّ، وَفِي شَرْحِهِ لِسَيِّدِ الذِّمِّيَّةِ غُسْلُهَا. (وَيَلُفَّانِ) أَيْ السَّيِّدُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ. (خِرْقَةً) عَلَى يَدِهِمَا (وَلَا مَسَّ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَيِّتِ، أَيْ يَنْبَغِي ذَلِكَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ صَحَّ الْغُسْلُ، وَلَا يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي انْتِقَاضِ طُهْرِ الْمَلْمُوسِ، وَأَمَّا وُضُوءُ الْغَاسِلِ فَيُنْتَقَضُ. (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَجْنَبِيٌّ) فِي الْمَيِّتِ الْمَرْأَةِ (أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ) فِي الرَّجُلِ. (يُمِّمَ فِي الْأَصَحِّ) إلْحَاقًا لِفَقْدِ الْغَاسِلِ بِفَقْدِ الْمَاءِ الثَّانِي بِغُسْلِ الْمَيِّتِ -
ــ
[حاشية قليوبي]
وَيُقَالُ لَهُ مَفْرَقٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ إلَخْ) وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ فِي الْمُحْرِمِ. قَوْلُهُ: (وَكَافٍ ذَلِكَ) أَيْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالْكَسْرِ، لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِمُؤَنَّثٍ، وَكَانَ الْأَنْسَبُ ذَلِكُنَّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَأَجَابَ عَنْهُ الشَّارِحُ، بِقَوْلِهِ: خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ، لِأَنَّ غَيْرَهَا تَبَعٌ لَهَا فَلَمْ يَحْتَجْ لِخِطَابِهِ.
قَوْلُهُ: (وَجَبَ إزَالَتُهُ) أَيْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، لِمَنْعِهِ مِنْ صِحَّتِهَا عَلَيْهِ، وَعَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وُجُوبُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَطْعُ الْخَارِجِ مِنْهُ صَلَّى عَلَيْهِ كَالْحَيِّ السَّلِسِ. قَوْلُهُ:(وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَرْجِ) لِعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهِ كَمَا لَا يُجَنَّبُ بِالْوَطْءِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ فِيهِمَا الْمَنْصُوبُ) أَيْ لِيَصِحَّ تَذْكِيرُ الْفِعْلِ فِي الثَّانِي، بِوُجُودِ الْفَاصِلِ وَالْمُرَادُ بِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى. نَعَمْ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ وَالْخُنْثَى وَلَوْ كَبِيرًا يُغَسِّلَانِ الْفَرِيقَيْنِ، وَيُغَسِّلُهُمَا الْفَرِيقَانِ قَالَ شَيْخُنَا، وَيَقْتَصِرُ فِيهِمَا عَلَى غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ:(وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ وَزَوْجَتَهُ) أَيْ وَإِنْ تَزَوَّجَ نَحْوَ أُخْتِهَا، وَهِيَ زَوْجُهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ غُسْلِهِ كَأَنْ، وَلَدَتْ عَقِبَ مَوْتِهِ وَالْكَلَامُ هُنَا مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ، وَسَتَأْتِي الْأَوْلَوِيَّةُ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ غَسْلُ الْمُزَوِّجَةِ) وَكَذَا الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَلَوْ مَسْبِيَّةً. قَوْلُهُ: (وَسَوَاءٌ فِي الزَّوْجَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ) وَكَذَا الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ، وَالضَّابِطُ فِي جَوَازِ الْغُسْلِ فِي الزَّوْجِ وَزَوْجَتِهِ، وَالسَّيِّدِ وَأَمَتِهِ حِلُّ الْبُضْعِ قَبْلَ الْمَوْتِ لِأَحَدِهِمَا، إلَّا فِي أَمَتِهِ الْمُكَاتَبَةِ لِمَا ذَكَرَ فِيهَا. قَوْلُهُ:(وَيَلُفَّانِ) أَيْ نَدْبًا كَمَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْغَاسِلُ مُتَطَهِّرًا. قَوْلُهُ:(يَنْبَغِي) أَيْ يُنْدَبُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ) أَيْ لَمْ -
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (كَافُورًا أَوْ شَيْئًا) يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا شَكًّا مِنْ الرَّاوِي. قَوْلُهُ: (خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ) أَيْ لِأَنَّ غَيْرَهَا تَبَعٌ لَهَا، وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى:{عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس: 83] .
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُغَسِّلُ الرَّجُلَ الرَّجُلُ) بَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ إلْحَاقَ الْأَمْرِ بِالْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ فِيهِمَا الْمَنْصُوبُ) حِكْمَةُ ذَلِكَ إفَادَةُ الِاخْتِصَاصِ هَذِهِ الْحَاشِيَةُ كَتَبْتهَا وَلَمْ أَرَ إلَى الْآنَ هَلْ لِي فِيهَا سَلَفٌ أَمْ لَا، وَفِيهَا إنَّ إفَادَةَ الِاخْتِصَاصِ إنَّمَا هِيَ فِي تَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ عَلَى عَامِلِهِ. وَأَمَّا كَوْنُهَا فِي تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفَاعِلِ فَلَمْ أَعْلَمْهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَيُغَسِّلُ أَمَتَهُ) قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجَةِ. قَوْلُهُ: (لِانْتِقَالِهَا عَنْهُ) قَدْ يَرِدُ أُمُّ الْوَلَدِ وَيُجَابُ بِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ عَنْهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّ عَلَقَتَهَا بَاقِيَةٌ. قَوْلُهُ: (لِحُرْمَةِ بُضْعِهِنَّ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الْمَجُوسِيَّةَ وَالْوَثَنِيَّةَ، وَكُلَّ أَمَةٍ يَحْرُمُ بُضْعُهَا عَلَيْهِ. قَوْلُهُ:(أَيْ السَّيِّدُ) أَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ أَيْ الْحَلِيلُ وَالزَّوْجَةُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ) لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ، وَهُنَاكَ
فِي ثِيَابِهِ، وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغُضُّ طَرْفَهُ مَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ اضْطَرَّ إلَى النَّظَرِ نَظَرَ لِلضَّرُورَةِ.
(وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهِ) أَيْ بِالرَّجُلِ فِي غُسْلِهِ (أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ وَهُمْ رِجَالُ الْعَصَبَاتِ مِنْ النَّسَبِ ثُمَّ الْوَلَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَنْظُرُ مِنْهُ إلَى مَا لَا يَنْظُرُونَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَبَعْدَهُمْ ذَوُو الْأَرْحَامِ، ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ. وَقِيلَ: تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَى الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ. (وَ) أَوْلَى النِّسَاءِ (بِهَا) أَيْ بِالْمَرْأَةِ فِي غُسْلِهَا (قَرَابَاتُهَا وَيُقَدَّمْنَ عَلَى زَوْجٍ فِي الْأَصَحِّ) وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ مِنْهَا إلَى مَا لَا يَنْظُرْنَ إلَيْهِ. (وَأَوْلَاهُنَّ ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ) وَهِيَ مَنْ لَوْ قُدِّرَتْ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا، فَإِنْ اسْتَوَتْ اثْنَتَانِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ فَالَّتِي فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ أَوْلَى كَالْعَمَّةِ مَعَ الْخَالَةِ وَاَللَّوَاتِي لَا مَحْرَمِيَّةَ لَهُنَّ يُقَدَّمُ مِنْهُنَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ. (ثُمَّ) بَعْدَ الْقَرَابَاتِ ذَوَاتُ الْوَلَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثُمَّ (الْأَجْنَبِيَّةُ ثُمَّ رِجَالُ الْقَرَابَةِ كَتَرْتِيبِ صَلَاتِهِمْ قُلْت إلَّا ابْنَ الْعَمِّ وَنَحْوَهُ) وَهُوَ قَرِيبٌ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ (فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَا حَقَّ لَهُ فِي غُسْلِهَا بِلَا خِلَافٍ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ: نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ وَأَهْمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ.
(وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى رِجَالِ الْقَرَابَةِ (الزَّوْجُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُمْ ذُكُورٌ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى مَا لَا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، وَالثَّانِي يُقَدَّمُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ تَدُومُ، -
ــ
[حاشية قليوبي]
يُوجَدُ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ فِيهِ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ بِسَمَاعِ النِّدَاءِ، أَوْ فِي مَحَلٍّ يُطْلَبُ الْمَاءُ مِنْهُ أَوْ بِمَحَلِّ الْغَيْبَةِ الْآتِي كُلٌّ مُحْتَمَلٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(فِي الْمَيِّتِ الْمَرْأَةِ) وَمِثْلُهَا الْأَمْرَدُ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ. قَوْلُهُ: (يَمَّمَ) بِنِيَّةٍ نَدْبًا كَالْغُسْلِ وَلَوْ صَرَفَ الْوُضُوءَ، أَوْ الْغُسْلَ أَوْ التَّيَمُّمَ لِغَيْرِهِ، عِنْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَنْصَرِفْ وَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ التَّيَمُّمِ وَيُقَدَّمُ غَسْلُهَا عَلَيْهِ، إنْ قَلَّ الْمَاءُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ إزَالَتُهَا دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ، فَإِنْ تَيَسَّرَ قَبْلَ دَفْنِهِ، وَجَبَ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا، وَقَالَ شَيْخُنَا فِي مَرَّةٍ يُنْبَشُ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَوْ وُجِدَ الْمَاءُ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ لِفَقْدِهِ، وَجَبَ غُسْلُهُ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ إنْ غَلَبَ وُجُودُ الْمَاءِ كَالْحَيِّ، وَوُجُودُ الْمُغَسِّلِ كَوُجُودِ الْمَاءِ فِيمَا ذَكَرَ.
(فَرْعٌ) لَوْ أَمْكَنَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْغُسْلُ بِلَا مَسٍّ، وَلَا نَظَرٍ وَجَبَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ.
قَوْلُهُ: (أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الدَّرَجَةُ، كَمَا فِي الْمَنْهَجِ لِيُخْرِجَ بِهِ الصِّفَةَ كَالسِّنِّ وَالْفِقْهِ. قَالَ شَيْخُنَا: كَشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَهَذَا التَّرْتِيبُ مَنْدُوبٌ إلَّا فِي التَّفْوِيضِ، لِغَيْرِ الْجِنْسِ فَوَاجِبٌ. قَوْلُهُ:(وَقِيلَ تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمْ) وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا بَعْدَهُمْ، وَذِكْرُ الشَّارِحُ لِهَذِهِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الرِّجَالِ لِفَهْمِهِ أَنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا قَيْدًا. قَوْلُهُ:(وَبَعْدَهُمْ ذَوُو الْأَرْحَامِ) أَيْ بَعْدَ بَيْتِ الْمَالِ إنْ انْتَظَمَ. قَوْلُهُ: (ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ اسْتَوَتْ اثْنَتَانِ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ تَقْدِيمُ مَنْ فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ، إنْ بَعُدَتْ عَلَى غَيْرِهَا. قَوْلُهُ:(ثُمَّ بَعْدَ الْقَرَابَاتِ) تَقَدَّمَ فِي الرَّجُلِ تَقْدِيمُ ذَوِي الْوَلَاءِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَقِيَاسُهُ هُنَا تَقْدِيمُ ذَوَاتِ الْوَلَاءِ عَلَى ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ فَرَاجِعْهُ.
وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْقَرَابَاتِ تَبَعًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ ذَلِكَ، صَرِيحٌ فِي صِحَّتِهِ لُغَةً خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ إلَخْ) وَيُؤَخَّرُ عَنْ
ــ
[حاشية عميرة]
كَافِرٌ وَامْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ غَسَّلَهُ الْكَافِرُ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (يُمِّمَ فِي الْأَصَحِّ) اُنْظُرْ لَوْ كَانَ عَلَى الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ نَجَاسَةٌ مَاذَا يَفْعَلُ؟ ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُزِيلُهَا لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهَا.
قَوْلُهُ: (وَأَوْلَى النِّسَاءِ) هَذَا الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّارِحُ هُوَ الْمُرَادُ وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ الْعِبَارَةِ، وَأَوْلَى الرِّجَالِ بِهَا قَرَابَاتُهَا، ثُمَّ التَّعْبِيرُ بِالْقَرَابَاتِ نَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُؤَلِّفَ تَوَهَّمَ أَنَّ الْقَرَابَةَ خَاصَّةٌ بِالْأُنْثَى. الثَّانِي أَنَّ الْقَرَابَاتِ مِنْ كَلَامِ الْعَوَامّ، كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا اخْتَلَفَ نَوْعُهُ، وَأَيْضًا فَهِيَ مَصْدَرٌ، وَقَدْ أَطْلَقَهَا عَلَى الْأَشْخَاصِ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّهَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الرَّحِمِ، تَقُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ وَقُرْبٌ، وَتَقُولُ ذُو قَرَابَتِي، وَلَا تَقُولُ هُمْ قَرَابَتِي وَلَا هُمْ قَرَابَاتِي، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قُلْ: هُوَ قَرِيبِي، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ اهـ.
(فَائِدَةٌ) مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَوْتَ مُحَرِّمٌ لِلنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ دُونَ النَّظَرِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ أَوْلَى النِّسَاءِ يَنْدَفِعُ بِهِ إشْكَالُ الْإِسْنَوِيِّ الْأَوَّلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(ذَاتُ مَحْرَمِيَّةٍ) رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ عُمُومِهِ أَنَّ بِنْتَ الْعَمِّ الْبَعِيدَةَ إذَا كَانَتْ أُمًّا مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ أُخْتًا تُقَدَّمُ عَلَى بِنْتِ الْعَمِّ الْقَرِيبَةِ، وَلَكِنْ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَحْرَمِيَّةُ مِنْ حَيْثُ النَّسَبُ، وَلِذَا لَمْ يُعَبِّرْ بِالرَّضَاعِ هُنَا بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْلُهُ:(ثُمَّ بَعْدَ الْقَرَابَاتِ ذَوَاتُ الْوَلَاءِ إلَخْ) اقْتَضَى هَذَا أَنَّ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ يُقَدَّمْنَ هُنَا عَلَى ذَوَاتِ الْوَلَاءِ،