الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ بِالتَّنْوِينِ (صَلَاةُ النَّفْلِ) وَهُوَ مَا عَدَا الْفَرَائِضَ (قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ لِمُحَوَّلٍ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ، أَيْ لَا تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ، فَلَوْ صَلَّى جَمَاعَةً لَمْ يُكْرَهْ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. (فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ، وَهِيَ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَكَذَا بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية قليوبي]
بَابٌ بِالتَّنْوِينِ أَيْ بِالْإِضَافَةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابَيْنِ قَبْلَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفَلَ مُطْلَقًا لُغَةً: الزِّيَادَةُ، وَفِي فَائِهِ السُّكُونُ وَالتَّحْرِيكُ أَوْ التَّحْرِيكُ فِي الْأَمْوَالِ، وَشَرْعًا: مَا طَلَبَ الشَّارِعُ فِعْلُهُ وَجَوَّزَ تَرْكَهُ، وَيُرَادِفُهُ الْمَنْدُوبُ وَالْمُرَغَّبُ فِيهِ وَالْحَسَنُ اتِّفَاقًا وَكَذَا السُّنَّةُ. وَالْمُسْتَحَبُّ وَالتَّطَوُّعُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: السُّنَّةُ مَا وَاظَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى فِعْلِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ مَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا أَوْ أَمَرَ بِهِ، وَالتَّطَوُّعُ مَا يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَبِّرْ الْمُصَنِّفُ كَالْوَجِيزِ وَالتَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِمَا بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْحَسَنِ لِمَا قِيلَ: إنَّهُ يَشْمَلُ الْوَاجِبُ، وَلَا بِالْمُرَغَّبِ فِيهِ لِطُولِ عِبَارَتِهِ، وَلَا بِالْمَنْدُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ، إذْ أَصْلُهُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهِ وَأَصْلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ لِجَبْرِ خَلَلٍ يَحْصُلُ فِي الْعِبَادَاتِ الْأَصْلِيَّةِ غَيْرِ مُبْطِلٍ لَهَا، أَوْ تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ مَنْدُوبَاتِهَا كَتَرْكِ خُشُوعٍ وَتَدَبُّرِ قِرَاءَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَفِعْلٍ نَحْوَ غِيبَةٍ فِي الصَّوْمِ، وَلَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَرَائِضِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَا مَانِعَ مِنْ قِيَامِهِ عَنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا فَعَلَهُ مِنْهَا خَلَلٌ وَتُحْسَبُ بِقَدْرِ زِيَادَةِ فَضْلِهَا عَلَيْهِ، كَأَنْ يَجْعَلَ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا كُلَّ سَبْعِينَ رَكْعَةٍ مِنْهُ بِرَكْعَةٍ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ النَّفَلُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ مَا عَدَا الْفَرْضَ مِنْ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ إمَّا قَلْبِيَّةٌ كَالْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّوَكُّلِ، وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا، وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالطَّهَارَةِ مِنْ الرَّذَائِلِ وَأَفْضَلُهَا الْإِيمَانُ، وَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا، وَقَدْ تَكُونُ تَطَوُّعًا بِالتَّجْدِيدِ، وَإِمَّا بَدَنِيَّةٌ كَالْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَأَفْضَلُهَا الْإِسْلَامُ وَفِيهِ مَا مَرَّ فِي الْإِيمَانِ، ثُمَّ الصَّلَاةُ، ثُمَّ الصَّوْمُ، ثُمَّ الْحَجُّ، ثُمَّ الزَّكَاةُ، وَفَرْضُ كُلٍّ مِنْهَا أَفْضَلُ مِنْ نَفْلِهِ بِسَبْعِينَ دَرَجَةٍ، فَفَرْضُ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ الْفَرَائِضِ الْبَدَنِيَّةِ، وَنَفْلُهَا أَفْضَلُ النَّوَافِلِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ أَفْضَلَ أَعْمَالِ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ، وَلِبْسٍ وَطَهَارَةٍ، وَسَتْرٍ وَاسْتِقْبَالٍ، وَتَرْكِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَزَادَتْ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْكَلَامُ فِي الْإِكْثَارِ مِنْهَا مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْآكَدِ مِنْ غَيْرِهَا، أَوْ فِي شَغْلِ الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا وَهَذَا أَوْجَهُ وَأَدُقُّ، وَإِلَّا فَصَوْمُ يَوْمٍ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ، وَفِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ اخْتِلَافَ فَضِيلَةِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا كَمَا يُقَالُ: التَّصَدُّقُ بِالْخُبْزِ لِلْجَائِعِ أَفْضَلُ مِنْ الْمَاءِ، وَلِلْعَطْشَانِ عَكْسُهُ، وَالتَّصَدُّقُ بِدِرْهَمِ غَنِيٍّ شَدِيدِ الْبُخْلِ، أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ أَوْ صِيَامٍ يَوْمٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(قِسْمٌ لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) قَدَّمَهُ لِانْضِمَامِ بَعْضِهِ إلَى الْفَرْضِ، وَلِكَثْرَةِ وُقُوعِ أَفْرَادِهِ وَعُمُومِهَا، وَلِكَوْنِهِ كَالْبَسِيطِ، وَلِكَثْرَةِ تَكْرَارِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ النَّفَلَ الْمُطْلَقَ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي تَعْرِيفِهِ وَفَقْدِ الْقِسْمَيْنِ مَعًا فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (عَلَى التَّمْيِيزِ) أَيْ لَا عَلَى الْحَالِ لِفَسَادِهِ لِلُزُومِ عَدَمِ نَدْبِهِ، وَلَوْ فُعِلَ جَمَاعَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ:(لَمْ يُكْرَهْ) بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ، فَلَا يَرِدُ نَدْبُ الْجَمَاعَةِ فِي نَحْوَ وَتْرِ رَمَضَانَ. قَوْلُهُ:(فَمِنْهُ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ) يُطْلَقُ الرَّاتِبُ عَلَى التَّابِعِ لِغَيْرِهِ، وَعَلَى مَا يَتَوَقَّفُ فِعْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى مَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ فَقَوْلُهُ: مَعَ الْفَرَائِضِ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَيَّدَ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ التَّهَجُّدِ عَلَى الثَّانِي، وَفِيهِ تَجَوُّزٌ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاتِبِ الْمُقَدَّمِ، وَلِإِخْرَاجِ نَحْوِ الْعِيدِ عَلَى الثَّالِثِ.
قَوْلُهُ: (رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ) وَكَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَصَائِصِهِ كَمَا فِي الْعُبَابِ، وَيَسُنُّ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَهُمَا وَلَوْ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ أَخَّرَهُمَا عَنْ الصُّبْحِ، وَحِكْمَتُهُ تَذَكُّرُ ضَجْعَةِ الْقَبْرِ لِيُفْرِغَ وُسْعَهُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، فَإِنْ لَمْ يَضْطَجِعْ نُدِبَ أَنْ
ــ
[حاشية عميرة]
[بَاب صَلَاةُ النَّفْلِ]
ِ قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا عَدَا الْفَرْضَ) شَامِلٌ لِمَا وَاظَبَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَلِمَا فَعَلَهُ أَحْيَانًا أَوْ أَمَرَ بِهِ، وَلِمَا يُنْشِئُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْأَوْرَادِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالْأَخِيرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) لَوْ قَالَ: يُسَنُّ فُرَادَى كَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ) أَيْ لَا عَلَى الْحَالِيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى نَفْيَ سُنِّيَّتِهِ حَالَ كَوْنِهِ جَمَاعَةً وَهُوَ فَاسِدٌ. قَوْلُ
كَانَ يُصَلِّي مَا ذُكِرَ (وَقِيلَ: لَا رَاتِبَةَ لِلْعِشَاءِ) وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهَا فِي الْحَدِيثِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ. (وَقِيلَ) مِنْ الرَّوَاتِبِ (أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ» . (وَقِيلَ: وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا) لِحَدِيثِ «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّارِ» وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَقِيلَ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ» ، حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الرَّاتِبِ الْمُؤَكَّدِ) مِنْ حَيْثُ التَّأْكِيدِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ الْجَمِيعُ مُؤَكَّدٌ وَعَلَى الْأَوَّلِ الرَّاجِحُ الْمُؤَكَّدُ الْعَشْرُ الْأُوَلُ فَقَطْ. (وَ) قِيلَ مِنْ الرَّوَاتِبِ (رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ قُلْت هُمَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْرُ بِهِمَا) وَلَفْظُهُ (صَلَّوْا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) أَيْ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي لَفْظِ أَبِي دَاوُد، وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» وَاسْتَدَلَّ لِمُقَابِلِ الصَّحِيحِ بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«مَا رَأَيْت أَحَدًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَدَفَعَ بِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ «عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَنَسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ
ــ
[حاشية قليوبي]
يَفْصِلَ بِكَلَامٍ أَوْ نَحْوِهِ، لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الْعَوَامُّ أَنَّ الصُّبْحَ أَرْبَعٌ كَانْتِقَالٍ مِنْ مَحَلِّهِ لَا بِصَلَاةِ نَفْلٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَرَوَاتِبِهَا، وَفِي نِيَّتِهِمَا عَشْرُ، كَيْفِيَّاتٍ سُنَّةُ الصُّبْحِ، أَوْ رَكْعَتَيْ الصُّبْحِ، أَوْ الْفَجْرِ، أَوْ الْبَرْدِ بِسُكُونِ الرَّاءِ، أَوْ الْغَدَاةِ، أَوْ الْوُسْطَى عَلَى قَوْلٍ، وَلَا يَضُرُّ لَوْ قَالَ: رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ سُنَّةُ الصُّبْحِ، وَمَا قِيلَ: إنَّهُ يُطْلَبُ تَخْفِيفُهُمَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ، وَيُنْدَبُ فِيهِمَا قِرَاءَةُ آيَةِ الْبَقَرَةِ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] إلَى قَوْلِهِ {مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136] فِي الْأُولَى، وَآيَةِ آلِ عِمْرَانَ {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] إلَى قَوْلِهِ: {مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَافِرُونَ فِي الْأُولَى، وَالْإِخْلَاصِ فِي الثَّانِيَةِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَقِرَاءَةُ أَلَمْ نَشْرَحْ فِي الْأُولَى، وَأَلَمْ تَرَ كَيْفَ فِي الثَّانِيَةِ، لِمَا قِيلَ: إنَّ مَنْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأَلَمْ وَأَلَمْ، لَا يَمَسُّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَلَمٌ أَيْ وَجَعٌ أَوْ ضَرَرٌ مَثَلًا. قَوْلُهُ:(وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ) .
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَالْأَكْمَلُ تَطْوِيلُهُمَا، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ يُخَالِفُهُ. نَعَمْ إنْ حُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَنْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَالثَّانِي عَلَى مَنْ بَادَرَ بِهَا لَكَانَ وَجِيهًا لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَنْتَظِرُهُ إذَا بَادَرَ لَهَا لِتَرْفَعَهَا مَعَ عَمَلِ النَّهَارِ، فَلَا يَنْبَغِي التَّطْوِيلُ عَلَيْهِمْ بِانْتِظَارِهِمْ لَهُ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَالْعِشَاءِ) وَلَوْ لِلْحَاجِّ بِعَرَفَةَ وَيُنْدَبُ لَهُ تَرْكُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ. قَوْلُهُ: (كَانَ يُصَلِّي مَا ذُكِرَ) أَيْ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ كَانَ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمُضَارِعِ، وَالْمُوَاظَبَةُ الْمُلَازَمَةُ عَلَى الشَّيْءِ بِأَنْ لَا يَتْرُكَهُ إلَّا لِعُذْرٍ. قَوْلُهُ:(يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ) أَيْ فَانْتَفَتْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهِمَا الْمُقْتَضِيَةُ لِلتَّأْكِيدِ، فَقَوْلُهُ لَا رَاتِبَةَ لِلْعِشَاءِ أَيْ مُؤَكَّدَةً، فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ إلَخْ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ أَخْذًا مِنْ (كَانَ) الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمُضَارِعِ فِيهِ كَمَا مَرَّ، وَخُرُوجُ الْبَعْضِ عَنْ التَّأْكِيدِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ، لِمُعَارَضَتِهِ بِعَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ بِالْفِعْلِ، فَقَوْلُ الْمَنْهَجِ: وَزِيَادَةُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ إلَخْ مُرَادُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُؤَكَّدِ لَا مِنْهُ، بِدَلِيلِ رَفْعِ الْمَعْطُوفِ بَعْدَهُ، وَإِذَا أَحْرَمَ قَبْلَ الظُّهْرِ بِرَكْعَتَيْنِ انْصَرَفَتَا لِلْمُؤَكَّدَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُمَا وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْأَرْبَعِ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ وَكَذَا فِي الْمُتَأَخِّرِ، وَلَهُ إذَا أَخَّرَ الْمُتَقَدِّمَ أَنْ يُحْرِمَ بِالثَّمَانِيَةِ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ أَحْرَمَ حِينَئِذٍ بِأَرْبَعٍ انْصَرَفَ لِلْمُؤَكَّدَاتِ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةِ، وَلَا بُدَّ فِي إحْرَامِهِ مُطْلَقًا أَنْ يُعَيِّنَ الْقَبْلِيَّةَ أَوْ الْبَعْدِيَّةَ أَوْ هُمَا. قَوْلُهُ:(هُمَا سُنَّةٌ) أَفَادَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ سُنِّيَّتِهِمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ الْآتِي لَا فِي التَّأْكِيدِ
ــ
[حاشية عميرة]
الْمَتْنِ: (وَالْجَمِيعُ سُنَّةٌ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ رحمه الله فِي رَاتِبَةِ الْعِشَاءِ، وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ. قَوْلُهُ:(مِنْ حَيْثُ التَّأْكِيدِ) أَيْ فَفِي كَلَامِ الْمَتْنِ أَنَّ الْجَمِيعَ سُنَّةٌ رَوَاتِبُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ أَمْ لَا؟ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْجَمِيعُ مُؤَكَّدٌ لِظَاهِرِ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْعَشْرُ فَقَطْ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَخِيرِ الْجَمِيعُ مُؤَكَّدٌ) وَذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ قَائِلٌ بِمَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ كَمَا.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ الْمُتَّجَهُ بِدَلِيلِ حَدِيثِ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» انْتَهَى. قُلْت: فَلَوْ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِالْإِجَابَةِ يَمْنَعُ فِعْلَهُمَا قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تُرَاعَى الْإِجَابَةُ
يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَنْهَنَا»
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاسْتِحْبَابُهُمَا قَبْلَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ فَإِنْ شَرَعَ فِيهَا كُرِهَ الشُّرُوعُ فِي غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» .
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَيْسَتَا مِنْ الرَّوَاتِبِ الْمُؤَكَّدَةِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِهِمَا، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ لِلْعِلْمِ بِهِ. (وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ) وَكَذَا رَكْعَتَانِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا» وَالثَّانِي لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» . (وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ:«جَاءَ سُلَيْكُ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ: أَصَلَّيْت قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ؟ قَالَ لَا. قَالَ: فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» وَالثَّانِي بِالْقِيَاسِ عَلَى الظُّهْرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَيُسْتَأْنَسُ فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا» ، قَالَ: وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا.
(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً (الْوَتْرُ وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ) رَكْعَةً (وَقِيلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ) رَكْعَةً، وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ، وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَيَحْصُلُ بِكُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ:«أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ» وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهَا حَسَبَتْ فِيهِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
وَعَدَمِهِ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا جَوَابُ الْمُؤَذِّنِ لَوْ تَعَارَضَا إنْ أَمْكَنَ تَعَارُضُهُمَا، وَيُؤَخِّرُهُمَا لِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إنْ عَارَضَتَا نَحْوَ فَضِيلَةِ التَّحَرُّمِ مَعَ الْإِمَامِ. قَوْلُهُ:(وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ وَكَذَا رَكْعَتَانِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُمَا نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، وَيَنْوِي بِالْقَبَلِيَّةِ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُقُوعُهَا، وَكَذَا الْبَعْدِيَّةِ إنْ لَمْ يَشُكَّ فِي وُقُوعِهَا، وَإِذَا وَجَبَتْ الظُّهْرُ صَلَّاهَا بِسُنَنِهَا وَتَنْقَلِبُ سُنَّةُ الْجُمُعَةِ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَهَا نَفْلًا مُطْلَقًا، وَلَا تَنْقَلِبُ إلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ. قَوْلُهُ:(وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ) لَمْ يَقُلْ: وَقَبْلَهَا أَرْبَعٌ كَاَلَّتِي بَعْدَهَا إشَارَةً لِلْقِيَاسِ كَمَا ذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: (أَصَلَّيْت قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، بَلْ هُمَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ، فَيَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهِمَا بِقَصْدِ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ وَالتَّحِيَّةُ دَاخِلَةٌ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا وَهِيَ الْمُصَحِّحَةُ لَهُمَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ امْتَنَعَتَا أَصْلًا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ، مَعَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ الْقِسْمِ إلَخْ) أَيْ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ الرَّوَاتِبِ، وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ مِنْهَا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَنْهَجِ، وَحَمَلُوا الْأَوَّلَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ فِي النِّيَّةِ إلَى الْفَرَائِضِ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ مَثَلًا، وَالثَّانِي عَلَى أَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ رَاتِبَةِ الْعِشَاءِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى هَذَا التَّهَجُّدُ وَالتَّرَاوِيحُ، وَقَدْ يُعْتَذَرُ بِعَدَمِ طَلَبِهِمَا دَوَامًا مُؤَكَّدًا، أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَصْحِيحُ التَّسْمِيَةِ. قَوْلُهُ:(وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ) وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ لِلْخِلَافِ فِي جَوَازِهِ بِهَا، وَسَيَأْتِي. قَوْلُهُ:(وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ) .
قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ: وَعَلَيْهَا تُحْمَلُ نِيَّتُهُ الْمُطْلَقَةُ وَنَذْرُهُ الْمُطْلَقُ، فَلَوْ قَامَ الرَّابِعَةَ فِيهِمَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَوْ نَوَاهَا مَعَ الْفَرْضِ فِي الثَّانِي بَطَلَتْ نِيَّتُهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْخَطِيبُ كَالْعَلَّامَةِ السَّنْبَاطِيِّ: إنَّهُ فِي الْإِطْلَاقِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ مَا عَدَا الرَّكْعَةَ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَقْرَأَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ سُورَةَ (سَبِّحْ) ، وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْإِخْلَاصَ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ سَوَاءً اقْتَصَرَ عَلَيْهَا، أَوْ زَادَ عَلَيْهَا بِوَصْلٍ أَوْ فَصْلٍ، وَمَتَى صَلَّى الرَّكْعَةَ الْمُفْرَدَةَ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا سَوَاءً وَصَلَ أَمْ لَا، وَبَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ الْإِتْيَانُ بِهِ لِفَوَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا عِنْدَ شَيْخِنَا خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ، وَمَتَى صَلَّى شَيْئًا مِنْهُ غَيْرَهَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ كَوْنِهِ مِنْ الْوَتْرِ.
قَوْلُهُ: (وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهَا إلَخْ) أَيْ إنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمَّا «رَأَتْهُ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي
ــ
[حاشية عميرة]
لِإِمْكَانِ تَدَارُكِ الرَّكْعَتَيْنِ أَدَاءً بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ: (كُرِهَ الشُّرُوعُ) خَرَجَ الدَّوَامُ فَإِنَّهُ يُكْمِلُ النَّفَلَ مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَخْ) أَيْ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَك أَنَّ مَا يُفْهِمُهُ ظَاهِرُ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهَا مِنْ الرَّوَاتِبِ الْمُؤَكَّدَةِ لَيْسَ مُرَادًا، وَوَجْهُ الْإِفْهَامِ عَطْفُهَا عَلَيْهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ وَقَبْلَهَا مَا قَبْلَ الظُّهْرِ) هَذَا الصَّنِيعُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَرْبَعَ بَعْدَهَا رَوَاتِبُ مُؤَكَّدَةٌ، وَأَنَّ مَا قَبْلَهَا كَالظُّهْرِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَشَرْحُ الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّهَا كَالظُّهْرِ. قَوْلُهُ:(قَالَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا) إنْ قِيلَ مُحْتَمَلٌ أَنَّهُمَا التَّحِيَّةُ قُلْت: يَمْنَعُ مِنْهُ قَوْلُهُ: أَصَلَّيْت قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْقِسْمُ الَّذِي لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) فَاقْتَضَتْ عِبَارَةُ الْكِتَابِ أَنَّهُ قَسِيمٌ لِلرَّوَاتِبِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ قِسْمٌ
(وَلِمَنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ الْفَصْلُ) بَيْنَ الرَّكَعَاتِ بِالسَّلَامِ فَيَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مَثَلًا مِنْ الْوَتْرِ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ الْوَصْلِ الْآتِي لِزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ بِالسَّلَامِ وَغَيْرِهِ (وَالْوَصْلُ بِتَشَهُّدٍ) فِي الْآخِرَةِ (أَوْ تَشَهُّدَيْنِ فِي الْآخِرَتَيْنِ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ بِتَسْلِيمٍ» ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهَا» ، «وَقَالَتْ: لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ وَتْرِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ وَلَا يُسَلِّمُ، وَالتَّاسِعَةُ ثُمَّ يُسَلِّمُ» ، رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَلَا يَجُوزُ فِي الْوَصْلِ أَكْثَرُ مِنْ تَشَهُّدَيْنِ وَلَا فِعْلُ أَوَّلِهِمَا قَبْلَ الْآخِرَتَيْنِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم. (وَوَقْتُهُ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «إنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوَتْرُ فَجَعَلَهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ» وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ " وَقِيلَ وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ " (وَقِيلَ: شَرْطُ الْإِيثَارِ بِرَكْعَةٍ سَبْقُ نَفْلٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ) مِنْ سُنَّتِهَا أَوْ غَيْرِهَا لِيُوتِرَ النَّفَلَ (وَيُسَنُّ جَعْلُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنْ اللَّيْلِ وِتْرًا» فَمَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ أَيْ تَنَفُّلٌ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ نَوْمٍ يُؤَخِّرُ الْوَتْرَ لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ التَّهَجُّدِ وَمَنْ لَا تَهَجُّدَ لَهُ يُوتِرُ بَعْدَ رَاتِبَةِ الْعِشَاءِ، وَوِتْرُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ، كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ مَنْ
ــ
[حاشية قليوبي]
بَعْدَ الْعِشَاءِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ رَكْعَةً» ظَنَّتْ أَنَّهَا كُلَّهَا وَتْرٌ فَأَخْبَرَتْ بِهِ، وَعَلَى الرَّاجِحِ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا كَذَلِكَ بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ بَطَلَ الْجَمِيعُ، أَوْ بِرَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ بَطَلَ الْإِحْرَامُ السَّادِسُ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَقَعَ نَفْلًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ:(الْفَصْلِ) أَيْ فَصْلُ الْأَخِيرَةِ بِإِحْرَامٍ مُسْتَقِلٍّ سَوَاءً فَصَلَ مَا قَبْلَهَا أَوْ وَصَلَهُ، وَلَهُ فِيهِ حِينَئِذٍ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَهُ فِيهِ أَنْ يَنْوِيَ سُنَّةَ الْوَتْرِ أَوْ مُقَدِّمَةَ الْوَتْرِ أَوْ مِنْ الْوَتْرِ أَوْ الْوَتْرَ أَيْضًا، وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ الشَّفْعِ، وَلَا بِنِيَّةِ سُنَّةِ الْعِشَاءِ، وَلَا بِنِيَّةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَمَا قِيلَ: إنَّ وَصْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، رَدَّهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بِأَنَّ مَحَلَّ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُوقِعْ فِي حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ:(وَهُوَ) أَيْ الْفَصْلُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَصْلِ، قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: إنْ تَسَاوَيَا عَدَدًا فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (بِتَشَهُّدٍ) وَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ تَشْبِيهَ الْوَتْرِ بِالْمَغْرِبِ مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ: (الشَّفْعِ) أَيْ الزَّوْجُ الشَّامِلُ لِرَكْعَتَيْنِ، أَوْ أَرْبَعٍ، أَوْ سِتٍّ، أَوْ ثَمَانٍ، أَوْ عَشْرٍ، لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ زَادَ فِي إحْرَامٍ عَلَى رَكْعَتَيْنِ كَذَا قِيلَ، وَيَرُدُّهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَقِبَهُ بِقَوْلِهِ: خِلَافُ الْمَنْقُولِ إلَخْ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْوَتْرِ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثًا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَبِك مِنْك، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك. قَوْلُهُ:(وَلَا يَجُوزُ فِي الْوَصْلِ إلَخْ) فَلَوْ جَلَسَ وَتَشَهَّدَ، أَوْ جَلَسَ بِقَصْدِ التَّشَهُّدِ فِي ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَهُ شَيْخُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(صَلَاةِ الْعِشَاءِ) فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهَا وَلَوْ مَقْضِيَّةً أَوْ مَجْمُوعَةً تَقْدِيمًا، وَهَلْ وَإِنْ لَمْ تُغْنِ عَنْ الْقَضَاءِ؟ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(حُمْرِ) هُوَ بِسُكُونِ الْمِيمِ: جَمْعُ أَحْمَرَ لَا بِضَمِّهَا: جَمْعُ حَمَارٍ، وَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَمْوَالِ الْعَرَبِ عِنْدَهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ وَقْتُهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ) أَيْ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى فِعْلِهَا، وَهُوَ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَنِ. قَوْلُهُ:(تَهَجُّدٌ) هُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْيَقَظَةِ يُقَالُ: هَجَدَ: إذَا نَامَ، وَتَهَجَّدَ: إذَا زَالَ نَوْمُهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ تَنَفَّلَ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْفَرْضُ كَقَضَاءٍ، كَذَلِكَ حَيْثُ وَقَعَ بَعْدَ فِعْلِ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ نَوْمٍ وَلَوْ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَيَقَعُ الْوَتْرُ فِي هَذِهِ تَهَجُّدًا وَوَتْرًا لِوُجُودِ النَّوْمِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ:(إنَّ مَنْ لَا تَهَجُّدَ لَهُ إلَخْ)
ــ
[حاشية عميرة]
مِنْهَا وَأَفْضَلُهَا، وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى شَيْخُنَا فِي الْمَنْهَجِ رحمه الله.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِهِ حَتَّى صَاحِبَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ بِالسَّلَامِ وَغَيْرِهِ) مِنْهُ التَّكْبِيرُ وَالنِّيَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْوَصْلُ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَفْصُولُ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي اللَّطِيفِ مَجْزُومًا بِهِ أَنَّ الْوَصْلَ يُكْرَهُ، وَقِيلَ: الْأَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ الْفَصْلُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَقْتَدِي بِهِ الْمُخَالِفُ وَغَيْرُهُ، وَعَكَسَ الرُّويَانِيُّ فَقَالَ: أَنَا أُصَلِّي مُنْفَرِدًا وَأُفَضِّلُ إمَامًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ خَلَلٌ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَهُوَ ثَابِتٌ صَحِيحٌ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ فَإِذَا زَادَ فَالْفَصْلُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِتَشَهُّدٍ) أَيْ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التَّشَهُّدَيْنِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمُرَادُ التَّشَهُّدَانِ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ، وَإِلَّا فَهُوَ فَصْلٌ فَاضِلٌ عَلَى غَيْرِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(أَوْ تَشَهُّدَيْنِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ سَلَامٍ فِي الْأَوَّلِ وَإِلَّا لَخَرَجَ عَنْ الْوَصْلِ. قَوْلُهُ: (كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ بِتَسْلِيمٍ) اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ سَاقَ هَذَا دَلِيلًا لِلْفَصْلِ الْفَاضِلِ كَمَا فَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ رحمه الله. قَوْلُهُ: (لِيُوتِرَ النَّفَلَ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِي الرَّدِّ عَلَى هَذَا: يَكْفِي كَوْنُهُ وَتْرًا فِي نَفْسِهِ، أَوْ وَتْرًا لِمَا قَبْلَهُ فَرْضًا كَانَ أَوْ سُنَّةً. قَوْلُ الْمَتْنِ:(ثُمَّ تَهَجَّدَ) الْهُجُودُ فِي اللُّغَة النَّوْمُ، يُقَالُ: هَجَدَ إذَا نَامَ، وَتَهَجَّدَ: أَزَالَ النَّوْمَ كَأَثِمَ وَتَأَثَّمَ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ لَيْلًا
لَا تَهَجُّدَ لَهُ إذَا وَثِقَ بِاسْتِيقَاظِهِ أَوَاخِرَ اللَّيْلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوَتْرَ لِيَفْعَلَهُ آخِرَ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ» (فَإِنْ أَوْتَرَ ثُمَّ تَهَجَّدَ لَمْ يُعِدْهُ) لِحَدِيثِ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. (وَقِيلَ: يَشْفَعُهُ بِرَكْعَةٍ) بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا أَوَّلَ التَّهَجُّدِ. (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بَعْدَ تَمَامِ التَّهَجُّدِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ (وَيُنْدَبُ الْقُنُوتُ آخِرَ وَتْرِهِ) بِثَلَاثٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي الْوَتْرِ بِرَكْعَةٍ. (فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ) وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَنَتَ فِيهِ لَمَّا جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ أَيْ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ. (وَقِيلَ:) فِي (كُلِّ السَّنَةِ) لِإِطْلَاقِ مَا تَقَدَّمَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْنُتُ فِي وَتْرِ اللَّيْلِ وَعَلَّمَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قُنُوتَ الْوَتْرِ» .
(وَهُوَ كَقُنُوتِ الصُّبْحِ) فِي لَفْظِهِ وَمَحَلِّهِ وَالْجَهْرِ بِهِ وَاقْتِضَاءِ السُّجُودِ بِتَرْكِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهَا فِي الْمُحَرَّرِ وَفِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ. (وَيَقُولُ قَبْلَهُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك وَنَسْتَغْفِرُك إلَى آخِرِهِ) أَيْ: وَنَسْتَهْدِيك وَنُؤْمِنُ بِك وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك وَنُثْنِي عَلَيْك الْخَيْرَ كُلَّهُ نَشْكُرُك وَلَا نَكْفُرُك، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَك نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ أَيْ نُسْرِعُ نَرْجُو رَحْمَتَك وَنَخْشَى عَذَابَك إنَّ عَذَابَك الْجِدَّ بِالْكَفَّارِ مُلْحَقٌ. هَذَا مَا فِي الْمُحَرَّرِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِنَحْوِهِ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ
ــ
[حاشية قليوبي]
أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: صَلَاةُ اللَّيْلِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، وَفِعْلَ بَعْضِهِ آخِرَ اللَّيْلِ وَلَوْ فُرَادَى أَفْضَلُ مِنْ كُلِّهِ أَوْ لَهُ وَلَوْ جَمَاعَةً. قَوْلُهُ:(لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ لَمْ تَجُزْ إعَادَتُهُ فَيَبْطُلُ مِنْ الْعَالِمِ الْعَامِدِ، وَيَقَعُ لِغَيْرِهِ نَفْلًا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ:«لَا وَتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» ) أَيْ أَدَاءً وَلَوْ بِرَكْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا خِلَافَ الْأَوْلَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَصَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ» ، وَحُمِلَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ، وَيَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ قَضَاءً. قَوْلُهُ:(وَقِيلَ يَشْفَعُهُ إلَخْ) .
قَالَ شَيْخُنَا: فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ وَتْرًا إلَى النَّفْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يُنَازَعُ فِيهِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ يُعِيدُهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ يُعِيدُ صُورَتَهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْوَتْرِ بِرَكْعَةٍ) أَوْرَدَهَا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ آخِرُ رَكَعَاتِ وَتْرِهِ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى آخِرِ مَا يَقَعُ وَتْرًا لَشَمِلَهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ:(لَمَّا جَمَعَ عُمَرُ رضي الله عنه النَّاسَ) أَيْ جَمَعَ الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ التَّرَاوِيحَ، وَجَمَعَ النِّسَاءَ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ بِمُهْمَلَةٍ فَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ لِيُصَلِّيَ بِهِنَّ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ:(وَاقْتِضَاءُ السُّجُودِ) أَيْ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ، وَكَذَا بِفِعْلِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِعَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِهِ، كَمَا لَوْ قَنَتَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَإِنْ طَالَ بِهِ الِاعْتِدَالُ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا، وَتَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ بِتَطْوِيلِهِ. قَوْلُهُ:(وَنَحْفِدُ) الْحَفْدُ: هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ آخِرُ الْإِسْرَاعِ، وَالْجِدُّ: بِكَسْرِ الْجِيمِ الْحَقُّ أَوْ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ، وَالْمُلْحِقُ: بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى اللَّاحِقِ بِهِمْ، أَوْ الَّذِي أَلْحَقَهُ اللَّهُ بِهِمْ. قَوْلُهُ:(هَذَا مَا فِي الْمُحَرَّرِ) وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ زِيَادَةُ: اللَّهُمَّ عَذِّبْ الْكَفَرَةَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِك، وَيُكَذِّبُونَ رَسُولَك، وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَك، وَيَدِينُونَ دِينًا غَيْرَ دِينِك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَالْحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِك صلى الله عليه وسلم وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِك الَّذِي عَاهَدَتْهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّك وَعَدُوِّهِمْ إلَهَ الْحَقِّ فَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ، انْتَهَى.
وَالْحِكْمَةُ الْمُرَادَةُ هُنَا مَا يَمْنَعُ مِنْ الْقَبِيحِ، وَأَصْلُهَا وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ. وَمَعْنَى أَوْزِعْهُمْ: أَلْهِمْهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالْعَهْدِ الْقِيَامُ بِأَوَامِرِ
ــ
[حاشية عميرة]
بَعْدَ النَّوْمِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، قَالَ: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنْ تَرْكِ النَّوْمِ فَهُوَ مِنْ بَابِ قَصْرِ الْعَامِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ: تَهَجَّدَ إذَا سَهِرَ وَتَهَجَّدَ إذَا نَامَ، انْتَهَى. أَقُولُ: وَقَوْلُهُ: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ ظَاهِرُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْهُجُودِ وَيَأْبَاهُ قَوْلُهُ، فَهُوَ مِنْ بَابِ قَصْرِ الْعَامِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَلَوْ جَعَلَ مَرْجِعَ الْإِشَارَةِ التَّهَجُّدَ لَاسْتَقَامَ. قَوْلُهُ:(كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ) يُسَمَّى هَذَا نَقْضُ الْوَتْرِ.
قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ نَقْضِ الْوَتْرِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْوَتْرِ بِرَكْعَةٍ) أَشَارَ بِهَذَا الصَّنِيعِ إلَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَوْلُهُ: (رَوَى أَبُو دَاوُد إلَخْ) أَيْ وَحَيْثُ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ رضي الله عنه وَلَمْ يُخَالَفْ فَهُوَ إجْمَاعٌ. قَوْلُهُ: (لِإِطْلَاقِ مَا تَقَدَّمَ إلَخْ) لِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ.
وَقَالَ فِي التَّحْقِيقِ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ. أَقُولُ: وَقِصَّةُ عُمَرَ رضي الله عنه، قَدْ يُقَالُ لَا تُخَصِّصُهُ لِأَنَّهَا مِنْ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: لِإِطْلَاقِ مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. قَوْلُهُ:(وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْك) التَّوَكُّلُ هُوَ الِاعْتِمَادُ وَإِظْهَارُ الْعَجْزِ، وَقَوْلُهُ: نَحْفِدُ هُوَ مِنْ حَفَدَ وَأَحْفَدَ لُغَةٌ فِيهِ، وَالْجِدُّ مَعْنَاهُ الْحَقُّ قَالَ ابْنُ مَالِك: هُوَ
- رضي الله عنه. (قُلْت: الْأَصَحُّ) يَقُولُهُ (بَعْدَهُ) .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّ قُنُوتَ الصُّبْحِ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْوَتْرِ أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَنُوتَيْنِ لِلْمُنْفَرِدِ وَلِإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ وَأَنَّ غَيْرَهُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى قُنُوتِ الصُّبْحِ.
(وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي الْوَتْرِ) الْمَأْتِيِّ بِهِ. (عَقِبَ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِنَاءً عَلَى نَدْبِهَا فِي التَّرَاوِيحِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ الْآتِي. وَقَوْلُهُ عَقِبَ وَجَمَاعَةً جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَلَا مَفْهُومَ لَهُ لِيُوَافِقَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا إذَا اسْتَحْبَبْنَا الْجَمَاعَةَ فِي التَّرَاوِيحِ نَسْتَحِبُّهَا فِي الْوَتْرِ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ مَعَ فِعْلِهَا جَمَاعَةً وَفُرَادَى وَمَعَ كَوْنِ الْوَتْرِ عَقِبَهَا وَمُتَرَاخِيًا عَنْهَا وَلَوْ أَرَادَ تَهَجُّدًا بَعْدَ التَّرَاوِيحِ أَخَّرَ الْوَتْرَ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالتَّنْبِيهِ، وَوَتْرُ غَيْرَ رَمَضَانَ لَا يُنْدَبُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ.
(وَمِنْهُ) أَيْ الْقِسْمُ الَّذِي لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً (الضُّحَى وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا ثَنَتَا عَشْرَةَ) رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ:«صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَرِيبٌ مِنْهُ. وَالسُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ الصَّلَاةُ، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنْ صَلَّيْت الضُّحَى عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ لَك ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ، وَإِنْ صَلَّيْتهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَك بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ فِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَضَعَّفَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ فِيهِ: أَكْثَرُهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَرْبَعٌ، وَأَفْضَلُ مِنْهُ سِتٌّ، ثُمَّ وَقْتُهَا فِيمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى الِاسْتِوَاءِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ إلَى الزَّوَالِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَقْتُ الضُّحَى مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إلَى ارْتِفَاعِهَا.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ إذَا مَضَى رُبْعٌ
ــ
[حاشية قليوبي]
اللَّهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، وَلَا يُسَنُّ قِرَاءَةُ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَثَلًا لِكَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُنْدَبُ فِي الْوَتْرِ) أَيْ وَلَوْ قَضَاءً كَالتَّرَاوِيحِ قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْلَمُ مِنْ عَدَمِ طَلَبِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَقْضِيَّةِ مِنْ الْخَمْسِ فَهَذَا أَوْلَى فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَرَادَ إلَخْ) لَيْسَ قَيْدًا كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ وَلَوْ تَرَكَ التَّرَاوِيحَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (الضُّحَى) وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَصَلَاةُ الْإِشْرَاقِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيّ وَشَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ، وَقِيلَ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ: إنَّهَا صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ.
قَوْلُهُ: (رَكْعَتَانِ) وَقِرَاءَةُ سُورَتَيْ الْإِخْلَاصِ فِيهِمَا، أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ وَالشَّمْسِ وَالضُّحَى.
قَوْلُهُ: (وَأَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً) هَذَا وَجْهٌ مَرْجُوحٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَفْضَلُ يُسَلِّمُ إلَخْ) فِيهِ إشْعَارٌ بِجَوَازِ جَمْعِ أَرْبَعٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ ثَمَانٍ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ شَفْعٍ، فَإِنْ تَشَهَّدَ فِي وَتْرٍ فَفِيهِ مَا فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَسَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: «وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَيْقِظُ آخِرَ اللَّيْلِ فَيَفُوتُ وَقْتُهُ.
قَوْلُهُ: (وَضَعَّفَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ) فَسَقَطَ كَوْنُهُ دَلِيلًا.
قَوْلُهُ: (وَأَكْثَرُهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ) فَضْلًا وَعَدَدًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَكَمَا لَوْ زَادَ فِي الْوَتْرِ كَمَا مَرَّ، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الْأَقَلِّ عَلَى الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْقَصْرِ لِمَنْ بَلَغَ سَفَرُهُ ثَلَاثَ مَرَاحِلَ.
قَوْلُهُ: (مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَوْنُهُ إلَى الزَّوَالِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْضًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ: إلَى الِاسْتِوَاءِ وَهَذِهِ صَاحِبَةُ وَقْتٍ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا وَقْتُ الْكَرَاهَةِ.
قَوْلُهُ: (الْمُخْتَارُ) أَيْ الَّذِي يُخْتَارُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ لَا عَنْهُ.
قَوْلُهُ: النَّهَارُ، انْتَهَى وَكَأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ الْقَلَمِ لَفْظَةُ (بَعْضٍ) قَبْلَ أَصْحَابِنَا وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ حِكَايَةَ وَجْهٍ بِذَلِكَ كَالْأَصَحِّ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ
ــ
[حاشية عميرة]
بِالْفَتْحِ النَّسَبُ وَالْعَظَمَةُ وَالْحَظُّ، وَبِالْكَسْرِ: نَقِيضُ الْهَزْلِ، وَبِالضَّمِّ: الرَّجُلُ الْعَظِيمُ، انْتَهَى. وَمُلْحِقٌ بِالْكَسْرِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ.
قَوْلُهُ: (وَمُتَرَاخِيًا عَنْهَا) زَادَ بَعْضُهُمْ وَمَعَ تَرْكِ التَّرَاوِيحِ. قَوْلُهُ: (وَتْرُ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَخْ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمَتْنِ السَّابِقِ، وَمِنْهُ الْوَتْرُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (الضُّحَى) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} [ص: 18] أَيْ يُصَلِّينَ وَلَكِنْ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهَا غَيْرُهَا وَأَنَّ صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ رَكْعَتَانِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ زَوَالِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ.
قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ مِنْهُ سِتٌّ) زَادَ الْإِسْنَوِيُّ نَقْلًا عَنْ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ الضُّحَى، انْتَهَى. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ التَّسْلِيمَ الْمَذْكُورَ سُنَّةٌ، وَأَنَّ الْوَصْلَ جَائِزٌ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ
وَإِنْ لَمْ يَحْكِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ لِمَعْنَى الضُّحَى، وَهُوَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ حِينَ تُشْرِقُ الشَّمْسُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ، وَمِنْهُ قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ: وَوَقْتُهَا إذَا أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ إلَى الزَّوَالِ، أَيْ أَضَاءَتْ وَارْتَفَعَتْ بِخِلَافِ شَرَقَتْ فَمَعْنَاهُ طَلَعَتْ.
(وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) لِدَاخِلِهِ عَلَى وُضُوءٍ (رَكْعَتَانِ) قَبْلَ الْجُلُوسِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» .
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَإِنْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ وَكَانَتْ كُلُّهَا تَحِيَّةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ. (وَتَحْصُلُ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ) سَوَاءٌ نُوِيَتْ مَعَهُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَلَاةٍ قَبْلَ الْجُلُوسِ، وَقَدْ وُجِدَتْ بِمَا ذُكِرَ، وَلَا يَضُرُّهُ نِيَّةُ التَّحِيَّةِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ خِلَافَ نِيَّةِ فَرْضٍ وَسُنَّةٍ مَقْصُودَةٍ فَلَا تَصِحُّ. (لَا بِرَكْعَةٍ) أَيْ لَا تَحْصُلُ بِهَا التَّحِيَّةُ (عَلَى الصَّحِيحِ قُلْت:) كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ. (وَكَذَا الْجِنَازَةُ وَسَجْدَةُ تِلَاوَةٍ وَ) سَجْدَةُ (شُكْرٍ) أَيْ لَا تَحْصُلُ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَكَأَنَّهُ سَقَطَ) أَيْ مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ.
قَوْلُهُ: (وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) التَّحِيَّةُ مَا يُحَيَّا بِهِ الشَّيْءُ أَوْ يُعَظَّمُ بِهِ، وَهِيَ أَنْوَاعٌ: فَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِالصَّلَاةِ، وَتَحِيَّةُ الْبَيْتِ بِالطَّوَافِ، وَلَا يَفُوتُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الطَّوَافِ، وَتَحِيَّةُ الْحَرَمِ بِالْإِحْرَامِ، وَتَحِيَّةُ مِنًى بِالرَّمْيِ، وَتَحِيَّةُ عَرَفَةَ بِالْوُقُوفِ، وَتَحِيَّةُ الْمُسْلِمِ عِنْدَ لِقَائِهِ بِالسَّلَامِ، وَتَحِيَّةُ الْخَطِيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْخُطْبَةِ، وَتَفُوتُ التَّحِيَّةُ بِالْإِعْرَاضِ أَوْ بِطُولِ الْفَصْلِ وَلَوْ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا، أَوْ بِالْجُلُوسِ عَمْدًا لَا لِيَأْتِيَ بِهَا مِنْهُ وَلَوْ مُتَمَكِّنًا، وَلَا لِشُرْبٍ وَوُضُوءٍ وَنَحْوِهِمَا مُسْتَوْفِزًا، وَلَا سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ سَمِعَهَا عِنْدَ دُخُولِهِ وَمِثْلُهَا سُنَّةُ الْوُضُوءِ، وَشَمِلَ الْمَسْجِدُ الْمُشَاعَ وَالْمَنْقُولَ بَعْدَ إثْبَاتِهِ كَبَلَاطِهِ وَنَحْوَ رِدَاءٍ أَثْبَتَهُ وَوَقَفَهُ مَسْجِدًا ثُمَّ أَزَالَهُ، وَشَمِلَ الْمَظْنُونَ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالْقَرِينَةِ كَمَنَارَةٍ وَمِنْبَرٍ وَتَزْوِيقٍ وَشَرَارِيفٍ، فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَسْجِدِيَّةِ.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَتُسَنُّ التَّحِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الْمُتَلَاصِقَةِ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ لِأَنَّ لَهَا حُكْمَ الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَخَرَجَ بِهِ الرِّبَاطُ وَالْمَدْرَسَةُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ، وَمَا فِي حَرِيمِ النَّهْرِ، وَمَا أَرْضُهُ مُحْتَكَرَةٌ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٌ. نَعَمْ إنْ بَنَى فِي هَذَيْنِ دِكَّةٍ مَثَلًا وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا فَلَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ وَقْفُهُ مَسْجِدًا، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمَنْهَجِ (غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ نَفْسُ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ تَحِيَّتَهَا الطَّوَافُ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (لِدَاخِلِهِ) وَلَوْ زَحْفًا أَوْ حَبْوًا أَوْ مَحْمُولًا، وَإِنْ لَمْ يَرِدْ الْجُلُوسُ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. نَعَمْ إنْ خَافَ فَوْتَ جَمَاعَةٍ وَلَوْ فِي نَفْلٍ أَوْ غَيْرَ الْجَمَاعَةِ الْقَائِمَةِ، أَوْ كَانَ قَدْ صَلَّى جَمَاعَةً، أَوْ خَافَ فَوْتَ رَاتِبَةٍ مَثَلًا كُرِهَتْ لَهُ، كَخَطِيبٍ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ فَقَوْلُ الْمَنْهَجِ: يُرِيدُ الْجُلُوسَ فِيهِ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (عَلَى وُضُوءٍ) وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ عَلَى قُرْبٍ إنْ جَلَسَ لَهُ مُسْتَوْفِزًا كَمَا مَرَّ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يُكْرَهُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا، أَوْ لَمْ يُرِدْ التَّحِيَّةَ بِالصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي الْأَذْكَارِ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ: زَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَهِيَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَالْقَرْضُ الْحَسَنُ، وَالذِّكْرُ الْكَثِيرُ، وَصَلَاةُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْحِمَارَ وَالْكَلْبَ وَالْغُرَابَ الْأَبْقَعَ.
قَوْلُهُ: (أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ) شَفْعًا أَوْ وَتْرًا عَيَّنَ عَدَدًا أَوْ لَا وَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا فِي النَّفْلِ، وَانْظُرْ لَوْ نَوَى عَدَدًا، أَهَلْ لَهُ النَّقْصُ عَنْهُ أَوْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْقَلْبُ إلَى الْجَوَازِ أَمْيَلُ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْصُلُ إلَخْ) أَيْ تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ وَفَضْلُهَا مَا لَمْ تَنْفِ، وَإِلَّا سَقَطَ الطَّلَبُ فَقَطْ. وَرُدَّ فِي الْإِطْلَاقِ بِأَنَّ نِيَّةَ غَيْرِهَا مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ نِيَّةٌ لَهَا ضِمْنًا فَنِيَّتُهَا مَعَهُ تَصْرِيح بِهَا، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ لِلْعَامِدِ الْعَالِمِ، وَانْقَلَبَتْ نَفْلًا مُطْلَقًا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ نَوَى قَلْبَهَا نَفْلًا مُطْلَقًا بَطَلَتْ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ. قِيلَ: وَهُوَ وَجِيهٌ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا سُنَّةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ) وَمِثْلُهَا سُنَّةُ الْوُضُوءِ، وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ، وَالْإِحْرَامُ وَالِاسْتِخَارَةُ، وَقُدُومُ الْمُسَافِرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، مِمَّا سَيَأْتِي وَيُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ جَوَازُ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَيْضًا وَقِيَاسُ مَا مَرَّ جَوَازُ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فِيمَا نَوَاهُ فِيهَا فَلْيُرَاجَعْ.
قَوْلُهُ:
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (كَالْأَصَحِّ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ) يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى وُضُوءٍ) أَيْ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ الرَّفْعَةَ وَزَادَ: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ لَهُ شُغْلٌ يَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ إسْنَوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءً نَوَيْت مَعَهُ أَمْ لَا) نَظَرَ فِيهِ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَالَ لَوْ قِيلَ: بِأَنَّ الْأَمْرَ يَسْقُطُ وَلَا يَحْصُلُ ثَوَابُ التَّحِيَّةِ
بِهَا التَّحِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ. وَالثَّانِي تَحْصُلُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ لِحُصُولِ الْإِكْرَامِ بِهَا الْمَقْصُودِ مِنْ الْحَدِيثِ.
(وَتَتَكَرَّرُ) التَّحِيَّةُ (بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ عَلَى قُرْبٍ فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَالْبُعْدِ، وَالثَّانِي لَا لِلْمَشَقَّةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ زَادَهَا فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا. (وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الْفَرْضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ بِفِعْلِهِ وَيَخْرُجُ النَّوْعَانِ) أَيْ وَقْتُهُمَا (بِخُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ) فَفِعْلُ الْقَبْلِيَّةَ فِيهِ بَعْدَ الْفَرْضِ أَدَاءٌ.
(وَلَوْ فَاتَ النَّفَلُ الْمُؤَقَّتُ) كَصَلَاتَيْ الْعِيدِ وَالضُّحَى وَرَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ.
(نُدِبَ قَضَاؤُهُ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا تَقْتَضِي الْفَرَائِضُ بِجَامِعِ التَّأْقِيتِ، وَالثَّانِي لَا يُنْدَبُ قَضَاؤُهُ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّأْقِيتِ فِي الْعِبَادَةِ اشْتِرَاطُ الْوَقْتِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا خُولِفَ ذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ لِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَرَدَ فِيهَا كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَالثَّالِثُ يَقْضِي الْمُسْتَقِلَّ كَالْعِيدِ وَالضُّحَى لِمُشَابَهَتِهِ الْفَرَائِضَ فِي الِاسْتِقْلَالِ بِخِلَافِ رَوَاتِبِهَا.
وَكُلُّ هَذَا بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيَاسِ، وَاسْتُدِلَّ لِلْأَوَّلِ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَضَى رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمُتَأَخِّرَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ الشَّمْسِ لَمَّا نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ الصُّبْحِ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَفِي مُسْلِمٍ نَحْوُهُ، ثُمَّ عَلَى الْقَضَاءِ يَقْضِي أَبَدًا، وَفِي قَوْلٍ: يَقْضِي فَائِتَ النَّهَارِ مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمْسُهُ، وَفَائِتُ اللَّيْلِ مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُهُ. وَلَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ فِي غَيْرِ الْمُؤَقَّتِ مِمَّا لَهُ سَبَبٌ كَالتَّحِيَّةِ.
(وَقِسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةً كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ) لِمَا سَيَأْتِي فِي
ــ
[حاشية قليوبي]
لِحُصُولِ الْإِكْرَامِ بِهَا إلَخْ) لَكِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ.
قَوْلُهُ: (وَيَدْخُلُ وَقْتُ الرَّوَاتِبِ إلَخْ) هَذَا الْمَذْكُورُ فِي وَقْتِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا الْوَقْتُ الزَّمَانِيُّ فَيَدْخُلُ بِوَقْتِ الْفَرْضِ فِيهَا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ:(بِفِعْلِهِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْقَضَاءِ.
قَوْلُهُ: (بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ) لِشُمُولِهِ لِلنَّفْلِ وَالْفَرْضِ.
قَوْلُهُ: (قَضَى رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الظُّهْرِ إلَخْ) وَوَرَدَ أَنَّهُ وَاظَبَ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَبَدًا وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَدْخَلَ لِلْقَضَاءِ إلَخْ) وَإِنْ نَذَرَ ذَلِكَ وَإِنْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَمِنْهُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَفِعْلُهَا بَعْدَ السُّقْيَا لِلشُّكْرِ لَا قَضَاءً. نَعَمْ يُنْدَبُ قَضَاءُ نَفْلٍ مُطْلَقٍ أَبْطَلَهُ، أَوْ وِرْدٍ لَهُ فَاتَهُ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ لَفْظِ مِنْ فِي كَلَامِهِ أَوَّلًا أَنَّ أَفْرَادَ هَذَا الْقِسْمِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِيمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَأْتِي، وَيَنْوِي فِي إفْرَادِهِ أَسْبَابَهَا مُطْلَقًا وَلَهُ فِعْلُهَا وَلَوْ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ، إلَّا مَا تَأَخَّرَ سَبَبُهُ كَرَكْعَتِي الِاسْتِخَارَةِ، وَمِنْ أَفْرَادِهِ رَكْعَتَانِ بِمَنْزِلِهِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ، وَبَعْدَ قُدُومٍ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِ مَنْزِلِهِ وَكَوْنُهُمَا بِمَسْجِدٍ أَفْضَلُ، وَرَكْعَتَانِ عَقِبَ خُرُوجٍ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ مِنْ مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم لِلسَّفَرِ، أَوْ فِي أَرْضٍ لَا يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهَا، وَلِمَنْ زُفَّتْ لَهُ عَرُوسٌ قَبْلَ الْوَقَاعِ وَلَهَا أَيْضًا، وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْكَعْبَةِ مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا وَجْهَهَا، وَقَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَعِنْدَ حِفْظِ الْقُرْآنِ، وَبَعْدَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَحَلْقِ الرَّأْسِ.
قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَبَعْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عِنْدَ بَعْض الصُّوفِيَّةِ، وَلِلِاسْتِخَارَةِ وَلِلْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ، وَأَوْصَلَهَا فِي الْإِحْيَاءِ إلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَهُ فِي الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ لَا إلَى الْآدَمِيِّ فَرَاجِعْهُ. وَلِلْقَتْلِ وَلَوْ بِحَقٍّ، وَلِلتَّوْبَةِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَلَوْ مِنْ صَغِيرَةٍ، وَصَلَاةُ الْأَوَّابِينَ عِنْدَ غَيْرِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ الْمَعْرُوفَةُ بِصَلَاةِ الْغَفْلَةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا عِشْرُونَ رَكْعَةً، وَبَعْدَ الزَّوَالِ رَكْعَتَانِ أَوْ أَرْبَعٌ، وَصَلَاةُ التَّسْبِيحِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ إمَّا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ نَهَارًا أَفْضَلُ، أَوْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ أَفْضَلُ بِلَيْلٍ، يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، وَقَبْلَ الرُّكُوعِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، زَادَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ، وَالسُّجُودَيْنِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَهُمَا عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ مَرَّةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَثَلَاثمِائَةٍ فِي الرَّكَعَاتِ الْأَرْبَعِ. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ يُطْلَبُ فِعْلُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ أَوْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، أَوْ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، أَوْ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً، وَأَمَّا صَلَاةُ الرَّغَائِبِ وَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَصَلَاةُ مِائَةِ رَكْعَةٍ فِي لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ فَهُمَا بِدْعَتَانِ مَذْمُومَتَانِ قَبِيحَتَانِ سَوَاءً فُعِلَتَا جَمَاعَةً أَمْ فُرَادَى.
ــ
[حاشية عميرة]
لَاتَّجَهَ، قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . قَوْلُهُ: (فَفَعَلَ الْقَبْلِيَّةَ إلَخْ) هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جَعْلِ الْخُرُوجِ مُتَرَتِّبًا عَلَى الْخُرُوجِ، وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَةَ يَخْرُجُ وَقْتُهَا بِفِعْلِ الْفَرْضِ، وَوَجْهٌ أَنَّ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْمُتَأَخِّرَةِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ فِي سَائِرِ السُّنَنِ.
قَوْلُهُ: مِمَّا لَهُ سَبَبٌ يَرِدُ عَلَى هَذَا الِاسْتِسْقَاءُ فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفُوتُ بِالسُّقْيَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ: أَقُولُ: وَلَنَا أَنَّ نَقُولَ: هِيَ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ فَلَا اسْتِثْنَاءَ وَلَا وُرُودَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقِسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةً) يَأْتِي فِي نَصْبِهِ مَا سَلَفَ
أَبْوَابِهَا (وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً) لِتَأَكُّدِهِ بِسِنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهِ (لَكِنَّ الْأَصَحَّ تَفْضِيلُ الرَّاتِبَةِ) لِلْفَرَائِضِ (عَلَى التَّرَاوِيحِ) بِنَاءً عَلَى سَنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّاتِبَةِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَدِلَّتِهَا السَّابِقَةِ دُونَ التَّرَاوِيحِ لِمَا سَيَأْتِي فِيهَا، وَالثَّانِي تَفْضِيلُ التَّرَاوِيحِ عَلَى الرَّاتِبَةِ لِسَنِّ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، فَإِنْ قُلْنَا لَا تُسَنُّ فِيهَا فَالرَّاتِبَةُ أَفْضَلُ مِنْهَا جَزْمًا. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ) وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا مَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةِ رضي الله عنها «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ لَيَالِيَ مِنْ رَمَضَانَ وَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى النَّاسُ بِصَلَاتِهِ فِيهَا وَتَكَاثَرُوا فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ فِي الرَّابِعَةِ. وَقَالَ لَهُمْ صَبِيحَتَهَا: خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجَزُوا عَنْهَا» وَرَوَى ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ، فَلَمَّا كَانَتْ الْقَابِلَةُ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا» ، الْحَدِيثُ.
وَكَأَنَّ جَابِرًا إنَّمَا حَضَرَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً» كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَانْقَطَعَ النَّاسُ عَنْ فِعْلِهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ إلَى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَفَعَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى
ــ
[حاشية قليوبي]
تَنْبِيهٌ) أَفْضَلُ هَذَا الْقِسْمِ الْوَتْرُ، ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ عَقِبَهُ، ثُمَّ الرَّوَاتِبُ الْمُؤَكَّدَةُ، ثُمَّ الضُّحَى، ثُمَّ مَا تَعَلَّقَ بِفِعْلٍ أَوْ سَبَبٍ غَيْرِ فِعْلٍ كَالزَّوَالِ، ثُمَّ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ وَالتَّحِيَّةِ وَسُنَّةِ الْوُضُوءِ، ثُمَّ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَقِسْمٌ يُسَنُّ جَمَاعَةً) سَكَتَ عَنْ إعْرَابِهِ لِعِلْمِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّا لَا يُسَنُّ جَمَاعَةً أَيْ مِنْ حَيْثُ مُقَابِلَةِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ، فَلَا يُنَافِي مَا بَعْدَهُ، وَأَفْضَلُ هَذَا الْقِسْمِ صَلَاةُ عِيدِ الْأَضْحَى، ثُمَّ الْفِطْرِ، ثُمَّ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءِ، ثُمَّ التَّرَاوِيحِ، وَإِذَا جُمِعَ مَعَ الْقَسْمِ الْأَوَّلِ فَهُمَا عَلَى تَرْتِيبِهِمَا إلَّا أَنَّ مَرْتَبَةَ التَّرَاوِيحِ عَقِبَ الرَّوَاتِبِ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ.
قَوْلُهُ: (كَالْعِيدِ إلَخْ) قِيلَ: هَذِهِ الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّرَاوِيحَ وَالْوَتْرَ هُنَا.
قَوْلُهُ: (عَلَى الرَّاتِبَةِ) أَيْ عَلَى جِنْسِهَا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَدِلَّتِهَا السَّابِقَةِ) مِنْ دُخُولِ كَانَ عَلَى الْمُضَارِعِ غَالِبًا كَمَا مَرَّ آنِفًا.
قَوْلُهُ: (دُونَ التَّرَاوِيحِ) أَيْ دُونَ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى جَمَاعَةِ التَّرَاوِيحِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ فِي تَفْضِيلِهَا، فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي، وَصَلَاتُهَا بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ عِشْرُونَ رَكْعَةً) قِيلَ: وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الرَّوَاتِبَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ عَشْرٌ، فَضُوعِفَتْ فِيهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اجْتِهَادٍ وَتَشْمِيرٍ، وَكَانَتْ لَيْلًا لِقُوَّةِ الْأَبْدَانِ فِيهِ بِالْفِطْرِ، وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ عَدَمِ الرِّيَاءِ.
قَوْلُهُ: (خَرَجَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ) أَيْ فِيهِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ وَالْمُرَادُ أَوَّلُهُ.
قَوْلُهُ: (لَيَالِيَ) أَيْ ثَلَاثًا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ فِي الرَّابِعَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: «وَاسْتَمَرَّ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ فُرَادَى إلَى آخِرِ الشَّهْرِ» .
(تَنْبِيهٌ) هَذَا يُشْعِرُ كَمَا تَرَى أَنَّ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا فِي آخِرِ سِنِي الْهِجْرَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ صَلَّاهَا مَرَّةً ثَانِيَةٍ، وَلَا وَقَعَ عَنْهَا سُؤَالٌ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ إلَخْ) أَيْ خَشِيت الْمَشَقَّةَ عَلَيْكُمْ بِتَوَهُّمِ فَرْضِيَّتِهَا أَوْ فَرْضِيَّةِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا بِسَبَبِ الْمُلَازَمَةِ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ كَانَ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ إنْ لَازَمَ عَلَى جَمَاعَتِهَا فُرِضَتْ هِيَ أَوْ جَمَاعَتُهَا أَوْ هُمَا، أَوْ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا فَرْضًا فَيُلَازِمَ عَلَيْهَا أَوْ لَا فَلَا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (حَضَرَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ) أَيْ وَكَانَ الْبَاقِي مِنْهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَضْعِيفِ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَيْثُ مُعَارَضَتِهَا فِي الْعَدَدِ.
قَوْلُهُ: (فَفَعَلَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ) أَيْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: (فَجَمَعَهُمْ) أَيْ جَمَعَ عُمَرُ رضي الله عنه الرِّجَالَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ قُرْآنًا، وَالنِّسَاءَ عَلَى
ــ
[حاشية عميرة]
فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ رحمه الله اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا سَلَفَ رَوْمًا لِلِاخْتِصَارِ.
قَوْلُهُ: (يُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهِ) حَكَى فِي الْكِفَايَةِ وَجْهًا أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْمَذْكُورَاتِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (الرَّاتِبَةِ لِلْفَرَائِضِ) ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُؤَكَّدَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُحْتَمَلُ التَّخْصِيصُ بِالْمُؤَكَّدَةِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الصَّوَابُ، ثُمَّ رَأَيْته صَرَّحَ بِهِ فِي مَتْنِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (تُسَنُّ فِي التَّرَاوِيحِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ خَتْمَ الْقُرْآنِ فِي مَجْمُوعِهَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَفِي مِنْهَاجِ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ السَّنَةَ فِي وَقْتِهَا رَبْعُ اللَّيْلِ فَصَاعِدًا، وَأَنَّ فِعْلَهَا بِالْعِشَاءِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مِنْ بِدَعِ الْكُسَالَى وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَامِ الْمَسْنُونِ، إنَّمَا الْقِيَامُ مَا كَانَ فِي وَقْتِ النَّوْمِ عَادَةً، وَلِذَا سُمِّيَ فِعْلُهَا قِيَامًا.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَخْرُجْ لَهُمْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ: إنَّهُ صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ. قَوْلُهُ: (خَشِيت أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ)
بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَنَامُوا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةٍ. وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ أَرْبَعٍ مِنْهَا تَرْوِيحَةً لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّحُونَ عَقِبَهَا أَيْ يَسْتَرِيحُونَ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، بَلْ يَنْوِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ قَالَ: وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ تَصِحَّ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّ الِانْفِرَادَ بِهَا أَفْضَلُ كَغَيْرِهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ لِبُعْدِهِ عَنْ الرِّيَاءِ وَرُجُوعِ النَّبِيِّ إلَيْهِ بَعْدَ اللَّيَالِي السَّابِقَةِ.
(وَلَا حَصْرَ لِلنَّفْلِ الْمُطْلَقِ) وَهُوَ مَا لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ، «قَالَ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ذَرٍّ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ اسْتَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ مِنْ رَكْعَةٍ وَأَكْثَرَ، سَوَاءً عَيَّنَ ذَلِكَ فِي نِيَّتِهِ أَمْ أَطْلَقَهَا، وَيَتَشَهَّدُ فِي الرَّكْعَةِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا.
(فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ فَلَهُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) فِي الْعَدَدِ الشَّفْعِ كَمَا فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَفِي الْعَدَدِ الْوَتْرِ يَأْتِي بِتَشَهُّدٍ فِي الْآخِرَةِ (وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ) لِجَوَازِ التَّطَوُّعِ بِهَا
ــ
[حاشية قليوبي]
سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَيْثَمَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: عَلَى تَمِيمٍ الدَّارِيِّ.
قَوْلُهُ (أَيْ يَسْتَرِيحُونَ) أَيْ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَيَطُوفُونَ طَوَافًا كَامِلًا بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ طَوَافٌ جَعَلُوا بَدَلَ كُلِّ طَوَافٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَصَارَتْ عِنْدَهُمْ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً يَنْوِي بِهَا كُلِّهَا التَّرَاوِيحَ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ حُدُوثِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ فَصَارَ إجْمَاعًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: الْعِشْرُونَ فِي حَقِّهِمْ أَحَبُّ إلَيَّ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ لِغَيْرِهِمْ لِشَرَفِهِمْ بِهِجْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَدَفْنِهِ وَوَطَنِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ وُجِدَ فِيهَا أَوْ فِي مَزَارِعِهَا وَنَحْوِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا بِهَا وَالْعِبْرَةُ فِي قَضَائِهَا بِوَقْتِ الْأَدَاءِ فَمَنْ فَاتَتْهُ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ فَلَهُ قَضَاؤُهَا وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ سِتًّا وَثَلَاثِينَ، أَوْ وَهُوَ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ قَضَاهَا وَلَا فِي الْمَدِينَةِ عِشْرِينَ، وَلَوْ أَدْرَكَ بَعْضَ رَمَضَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَبَعْضَهُ فِي غَيْرِهَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَهَلْ يَكْفِي فِي إدْرَاكِ الْيَوْمِ جُزْءٌ مِنْ لَيْلَتِهِ أَوْ نَهَارِهِ أَوْ مِنْهُمَا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَيَظْهَرُ الِاكْتِفَاءُ بِكُلِّ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ) فَتَبْطُلُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَإِلَّا فَهِيَ نَفْلٌ مُطْلَقٌ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ) أَيْ مَعَ تَأَكُّدِ هَذِهِ بِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ فِيهَا فَأَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ، فَلَا تُغَيَّرُ عَنْ الْإِجْمَاعِ الْوَارِدِ فِيهَا، وَبِذَلِكَ فَارَقَتْ جَوَازَ جَمْعِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ) يُقَالُ: لَا قِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ بِأَنَّ هَذِهِ أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَرُجُوعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَيْهِ) وَيُرَدُّ بِأَنَّ رُجُوعَهُ كَانَ لِخَوْفِ الْمَشَقَّةِ، لَا الْأَفْضَلِيَّةِ فَتَأَمَّلْ.
(تَنْبِيهٌ) مَا يَقَعُ عِنْدَ فِعْلِ التَّرَاوِيحِ مِنْ الْوَقُودِ وَالتَّنَافُسِ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ رِيعِ وَقْفٍ عَلِمَ الْوَاقِفُ بِهِ فِي زَمَنِهِ، أَوْ مِنْ مَالٍ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ وَفِيهِ نَفْعٌ جَازَ، وَإِلَّا فَحَرَامٌ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ مَا لَا يَتَقَيَّدُ، أَيْ مَا لَيْسَ مَحْدُودًا بِوَقْتٍ، وَلَا مُعَلَّقًا بِسَبَبٍ.
قَوْلُهُ: (خَيْرُ مَوْضُوعٍ) بِإِضَافَةِ مَوْضُوعٍ إلَيْهِ أَيْ أَفْضَلُ عِبَادَةٍ وَرَدَتْ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِتَنْوِينِهِمَا وَيَلْزَمُهُ مُسَاوَاةُ الصَّلَاةِ لِغَيْرِهَا، وَفَوَاتُ التَّرْغِيبِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: اسْتَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ وَكُلٌّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُصْرِ الْمَذْكُورِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ فِي نِيَّتِهِ، لَا الْمُقَابِلَ لِمَا لَا تَنْحَصِرُ أَفْرَادُهُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ رَكْعَةٍ) بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَا خِلَافِ الْأَوْلَى بِخِلَافِهَا فِي الْوَتْرِ، لِلْخِلَافِ فِي جَوَازِهَا فِيهِ. قَوْلُهُ:(فَلَهُ التَّشَهُّدُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) أَوْ كُلِّ ثَلَاثٍ أَوْ
ــ
[حاشية عميرة]
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مَعْنَاهُ خَشِيت أَنْ تُتَوَهَّمُوا فَرْضَهَا.
قَوْلُهُ: (ذَلِكَ) يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ جَمَاعَةً.
قَوْلُهُ: (عَقِبَهَا) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ: كُلُّ أَرْبَعٍ. قَوْلُهُ: (أَمْ أَطْلَقَهَا) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هَذِهِ الْحَالَةُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِلْأُولَى وَلَمْ يَسْتَوْفِهَا، يَعْنِي تَعَرَّضَ لِلْأُولَى بِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ إلَخْ، وَبِقَوْلِهِ: وَإِذَا نَوَى عَدَدًا، وَعَدَمُ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِعَدَدٍ، وَكَانَ الشَّارِحُ رحمه الله حَاوَلَ اسْتِفَادَةَ ذَلِكَ مِنْ صَدْرِ الْمَتْنِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) كَذَا لَهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ وَكُلِّ أَرْبَعٍ كَمَا قَالَهُ فِي التَّحْقِيقِ، فَإِنْ قُلْت: صَنِيعُ الشَّارِحِ رحمه الله فِي هَذَا الْمَحَلِّ لَا يَفِي بِذَلِكَ وَمَا مُرَادُهُ رحمه الله؟ قُلْت: مُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَيَانُ مُرَادِ الرَّافِعِيِّ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ حَيْثُ قَالَ رحمه الله: ثُمَّ إنْ تَطَوَّعَ بِرَكْعَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّشَهُّدِ فِيهَا، وَإِنْ زَادَ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَلَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ اثْنَتَيْنِ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ الرُّبَاعِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ الْعَدَدُ وَتْرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّشَهُّدِ فِي الْأَخِيرَةِ أَيْضًا، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: فِيهِ احْتِمَالٌ لَا بِالْأَنْجُدِ فِي الْفَرَائِضِ صَلَاةٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، لَكِنَّ الْأَظْهَرَ الْجَوَازُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَيَتَحَلَّلَ عَنْهَا فَيَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ مِنْهَا إلَى أُخْرَى، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ رحمه الله -
ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ مَا يَقْتَضِي مَنْعَهُ. (قُلْت: الصَّحِيحُ مَنْعُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ لَا عَهْدَ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفَرِيضَةِ لَجَازَ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ قَرَأَ السُّورَةَ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ أَتَى بِتَشَهُّدَيْنِ فَفِي قِرَاءَتِهَا بَعْدَ الْأَوَّلِ الْقَوْلَانِ فِي الرَّوْضَةِ.
(وَإِذَا نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ) عَلَيْهِ (وَ) أَنْ (يَنْقُصَ) عَنْهُ (بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَهُمَا) أَيْ قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ. (وَإِلَّا) بِأَنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ قَبْلَ التَّغْيِيرِ عَمْدًا (فَتَبْطُلُ) صَلَاتُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا نَوَاهُ (فَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا) فَتَذَكَّرَ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ لِلزِّيَادَةِ إنْ شَاءَ) هَا، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِزِيَادَةِ الْقِيَامِ، وَالثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقُعُودِ فِي إرَادَةِ الزِّيَادَةِ، بَلْ يَمْضِي
ــ
[حاشية قليوبي]
كُلِّ أَرْبَعٍ وَهَكَذَا، وَإِنْ كَانَ مَا أَحْرَمَ بِهِ فَرْدًا وَفَارَقَ الْوَتْرَ بِتَعَيُّنِ الْوَارِدِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (مَنَعَهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) بِأَنْ يَتَشَهَّدَ عَقِبَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ إحْرَامِهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، أَوْ أَنْ يُوقِعَ رَكْعَةٍ بَيْنَ تَشَهُّدَيْنِ وَلَمْ يَرِدْ الِاقْتِصَارُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَتَبْطُلُ بِشُرُوعِهِ فِي التَّشَهُّدِ، حَتَّى لَوْ قَصَدَ ذَلِكَ فِي نِيَّتِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ.
قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ كَشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَيَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ فِي غَيْرِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ مِنْ النَّوَافِلِ وَالْفَرَائِضِ، وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَرَائِضِ لِأَنَّهَا لِاسْتِقْرَارِ أَمْرِهَا لَا يَضُرُّ فِيهَا مَا ذُكِرَ، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ نَفْلٌ مَطْلُوبٌ قَوْلِيٌّ لِغَيْرِ مَحَلِّهِ وَهُوَ وَجِيهٌ حِينَئِذٍ، وَعَلَى كَلَامِ شَيْخِنَا لَوْ تَشَهَّدَ فِي الثَّالِثَةِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ دُونَ الثَّانِيَةِ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ نَظَرًا لِلتَّشَهُّدِ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ لَا؟ نَظَرًا لِفِعْلِهِ فَرَاجِعْهُ.
(تَنْبِيهٌ) نَوَى رَكْعَةً وَتَشَهَّدَ عَقِبَهَا، ثُمَّ قَصَدَ زِيَادَةَ رَكْعَةٍ يَأْتِي بِهَا وَتَشَهَّدَ عَقِبَهَا ثُمَّ قَصَدَ أُخْرَى وَهَكَذَا، هَلْ ذَلِكَ مِنْ الْمَمْنُوعِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْقَلْبُ إلَى الصِّحَّةِ أَمْيَلُ لِأَنَّ كُلَّ تَشَهُّدٍ مَطْلُوبٌ مِنْهُ حَالَةَ فِعْلِهِ حَرِّرْهُ، وَلَوْ قَصَدَ النَّقْصَ فِي أَثْنَاءِ رَكْعَةٍ بِتَرْكِ بَاقِيهَا، فَهَلْ تَصِحُّ وَيَتْرُكُ بَاقِيهَا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِجَوَازِ تَرْكِ النَّفْلِ أَوْ تَبْطُلُ وَيَخْتَصُّ قَصْدُ النَّقْصِ بِرَكْعَةٍ كَامِلَةٍ؟ حَرِّرْهُ أَيْضًا وَالْقَلْبُ إلَى الْبُطْلَانِ أَمْيَلُ، وَيُصَرِّحُ بِهِ إيرَادُ الشَّارِحِ الرَّكْعَةَ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي النَّقْصِ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا عَهْدَ بِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ لَمْ يُعْهَدْ لَنَا صَلَاةٌ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ يَقَعُ فِيهَا رَكْعَةٌ غَيْرُ الْأَخِيرَةِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَفِي قِرَاءَتِهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ مَتَى أَتَى بِتَشَهُّدٍ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ فِيمَا بَعْدَهُ، وَعَدَمُ التَّشَهُّدِ أَوْلَى لِكَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ، وَيُكْرَهُ مَا فِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْمَغْرِبِ بِأَنْ تَقَعَ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ بَيْنَ تَشَهُّدَيْنِ، وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ فَقَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْوَتْرِ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ الرَّكْعَةِ هُنَا، وَفَارَقَ قِرَاءَةُ السُّورَةِ هُنَا عَمْدَ قِرَاءَتِهَا فِي الْفَرَائِضِ بَعْدَ الْأُولَتَيْنِ وَإِنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ لِطَيِّهِ بَعْدَهُمَا بِخُصُوصِهِ، وَلِذَلِكَ يَسْجُدُ لِتَرْكِهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ) إلَّا لِمَانِعٍ كَرُؤْيَةِ مَا قَبْلَ الزِّيَادَةِ. قَوْلُهُ: (فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ) بِمُجَرَّدِ شُرُوعِهِ فِي النَّقْصِ كَهَوِيٍّ مِنْ قِيَامٍ، أَوْ تَشَهُّدٍ فِي جُلُوسٍ، أَوْ فِي الزِّيَادَةِ كَشُرُوعِهِ فِي الْقِيَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ شُرُوعٌ فِي الْمُبْطِلِ. قَوْلُهُ:(فَقَامَ) أَيْ أَوْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ لَمْ يَسْجُدْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ مَا نَوَاهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِنْ قَامَ لِغَيْرِهِ بِلَا نِيَّةِ زِيَادَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ يَقْعُدُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقُعُودُ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَقُومُ) أَيْ إنْ شَاءَ الْقِيَامَ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الزِّيَادَةَ مِنْ قُعُودٍ لِأَنَّهَا نَفْلٌ، وَيُمْكِنُ رُجُوعُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ شَاءَ إلَى هَذِهِ أَيْضًا وَإِنْ خَالَفَهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إلَخْ) أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ النِّيَّةَ لَغْوٌ لِوُقُوعِهَا فِي
ــ
[حاشية عميرة]
وَيَتَشَهَّدُ فِي الرَّكْعَةِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ الْمَتْنِ: فَإِنْ أَحْرَمَ بِأَكْثَرَ إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ، وَلَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ أَيْضًا فَقَوْلُ الْمِنْهَاجِ: بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ شَامِلٌ لِلشَّفْعِ وَالْوَتْرِ كَمَا فَصَّلَهُ الشَّارِحُ رحمه الله فِي الْعَدَدِ الشَّفْعِ، وَفِي الْعَدَدِ الْوَتْرِ.
وَقَوْلُ الشَّارِحِ رحمه الله: يَأْتِي بِتَشَهُّدٍ فِي الْأَخِيرَةِ يَعْنِي بَعْدَ التَّشَهُّدِ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَلَوْ قَالَ عَقِبَ الْآخِرَةِ أَيْضًا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكَانَ أَوْضَحَ، وَقَوْلُ الْمَتْنِ: وَفِي كُلٍّ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ رحمه الله ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُوَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ إلَخْ؟ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ: وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ مُرَادُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَدَدُ شَفْعًا أَوْ وَتْرًا، وَقَوْلُ الشَّارِحِ رحمه الله: إلَى آخِرِهِ لَيْسَ فِي الْكَبِيرِ فَلَعَلَّهُ فِي الصَّغِيرِ، وَقَوْلُهُ أَعْنِي الشَّارِحَ: رحمه الله آخِرًا وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَدَدُ شَفْعًا أَوْ وَتْرًا هُوَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ أَوَّلًا وَإِنْ زَادَ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْمَقَامُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ أَتَى بِتَشَهُّدَيْنِ إلَخْ) شَامِلٌ لِمَا إذَا تَشَهَّدَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ الْمُتَّجَهُ وَمُقْتَضَى تَعْلِيلٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنُ انْتَهَى
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ نَوَى عَدَدَ إلَخْ) لَوْ نَوَى خَمْسَةً مِنْ
فِيهَا كَمَا لَوْ نَوَاهَا قَبْلَ الْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ الزِّيَادَةَ قَعَدَ وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ نَوَى رَكْعَةً فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ كَمَا سَبَقَ. (قُلْت: نَفْلُ اللَّيْلِ) أَيْ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فِيهِ (أَفْضَلُ) مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي النَّهَارِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» . (وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ) مِنْ طَرَفَيْهِ (ثُمَّ آخِرُهُ) أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ النِّصْفُ الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثُّلُثُ الْأَوْسَطُ أَفْضَلُ الْأَثْلَاثِ، وَأَفْضَلُ مِنْهُ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ «سُئِلَ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ فَقَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ» وَقَالَ: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُد، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ» وَقَالَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي: فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» . رَوَى الْأَوَّلَ مُسْلِمٌ وَالثَّانِيَيْنِ الشَّيْخَانِ، وَمَعْنَى يَنْزِلُ رَبُّنَا يَنْزِلُ أَمْرُهُ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ بِأَنْ يَنْوِيَهُمَا أَوْ يُطْلِقَ النِّيَّةَ، قَالَ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ. (وَيُسَنُّ التَّهَجُّدُ) هُوَ التَّنَفُّلُ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ نَوْمٍ قَالَ تَعَالَى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} [الإسراء: 79](وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِمًا) «قَالَ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ
ــ
[حاشية قليوبي]
فِعْلٍ لَاغٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَوَى رَكْعَةً) أَوْرَدَهَا عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَدَدًا وَلِعَدَمِ وُجُودِ النَّقْصِ فِيهَا عَلَى مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ آخِرُهُ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ) أَيْ نِصْفُهُ الْآخِرُ أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِهِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الرَّوْضَةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَإِنْ كَانَا أَفْضَلَ مِنْ بَقِيَّتِهِ، وَمَا قِيلَ بِخِلَافِ هَذَا غَيْرُ وَاضِحٍ، وَيَتَّجِهُ أَنَّ السُّدُسَ الْخَامِسَ أَفْضَلُ مِنْ السَّادِسِ، وَالْمُرَادُ بِاللَّيْلِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ جَوْفُهُ الْمُتَقَدِّمُ.
قَوْلُهُ: (أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ إلَخْ) فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي السُّؤَالِ أَوْ فِي الْجَوَابِ، بِمَعْنَى أَيِّ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ أَوْ صَلَاةُ جَوْفِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ . قَوْلُهُ:(يَنْزِلُ أَمْرُهُ) أَيْ حَامِلُ أَمْرِهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي إلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَنْوِيَهُمَا) فَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْهُمَا فَالْأَفْضَلُ الْإِتْيَانُ بِهِ، وَلَا يُنْدَبُ التَّنَفُّلُ بِالْأَوْتَارِ، وَلَا يُكْرَهُ التَّشْبِيهُ بِالْمَغْرِبِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يُطْلِقُ) أَيْ الْأَفْضَلُ لِمَنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ لِمَا شَاءَ. قَوْلُهُ: (مَثْنَى) أَيْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ إرَادَةِ اثْنَيْنِ فَقَطْ.
(تَنْبِيهٌ) لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَلَا النَّقْصُ فِي غَيْرِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ فِيهِمَا. نَعَمْ مَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ مُنْفَرِدًا أَتَمَّ رَأَى جَمَاعَةً يُدْرِكُهَا، فَلَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ رَكْعَتَيْنِ أَنْ يَنْوِيَ قَلْبُهُ نَفْلًا وَيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمَا وَيُسَلِّمَ وَيُدْرِكَ الْجَمَاعَةَ.
قَوْلُهُ: (أَيْ التَّنَفُّلُ) وَلَوْ بِالْوَتْرِ فَهُوَ حِينَئِذٍ وَتْرٌ وَتَهَجُّدٌ كَمَا مَرَّ، وَالْفَرْضُ وَلَوْ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا كَالنَّفْلِ. قَوْلُهُ:(بَعْدَ نَوْمٍ) وَلَوْ قَبْلَ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ فِعْلِهَا وَلَوْ مَجْمُوعَةً تَقْدِيمًا كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ) أَيْ بِالْقُرْآنِ أَيْ صَلِّ بِاللَّيْلِ صَلَاةً تُسَمَّى بِالتَّهَجُّدِ، أَوْ سُمِّيَتْ الصَّلَاةُ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ) أَيْ سَهَرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ صَلَاةٍ، أَمَّا بَعْضُهُ فَيُكْرَهُ إنْ حَصَلَ بِهِ ضَرَرٌ وَإِلَّا
ــ
[حاشية عميرة]
الْوَتْرِ مَثَلًا فَهَلْ لَهُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ أَوْ لَا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ شَاءَ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ يَقُومُ.
قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَخْ) عَلَّلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْقِيَامَ فِي النَّافِلَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. قَوْلُهُ: (قَعَدَ وَتَشَهَّدَ) لَا يُقَالُ: لَوْ تَرَكَ قَعَدَ لَاسْتَغْنَى عَنْهُ، لِأَنَّا نَقُولُ: يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي الْقُعُودِ وَهُوَ فَاسِدٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قُلْت: نَفْلُ اللَّيْلِ إلَخْ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَحَادِيثُ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الرَّوَاتِبُ اللَّيْلِيَّةُ أَفْضَلَ مِنْ النَّهَارِيَّةِ، قُلْت: مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُهُمْ بِتَفْضِيلِ سُنَّةِ الْفَجْرِ، انْتَهَى. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَأَوْسَطُهُ أَفْضَلُ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هَذَا إذَا قَسَمَهُ إلَى أَثْلَاثٍ مُتَسَاوِيَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِثُلُثٍ مَا فَالْأَفْضَلُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِحَدِيثِ صَلَاةِ دَاوُد عليه الصلاة والسلام. قَوْلُهُ:(كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ) عِبَارَتُهَا فَإِنْ أَرَادَ نِصْفَيْ اللَّيْلِ فَالنِّصْفُ الثَّانِي أَفْضَلُ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدَ أَثْلَاثِهِ فَالْأَوْسَطُ، وَأَفْضَلُ مِنْهُ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ، انْتَهَى.
وَعِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ: فَإِنْ أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِسُدُسٍ مَا فَالْأَفْضَلُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ، انْتَهَى. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَأَفْضَلُ مِنْهُ إلَخْ) عَلَّلَ هَذَا بِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَ الْقِيَامِ أَكْثَرُ، فَيَكُونُ أَنْشَطَ مَعَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ صَلَاةِ دَاوُد، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْآتِي بِهَذَا أَفْضَلُ مُطْلَقًا، وَيَلِيه الثُّلُثُ الْأَوْسَطُ، وَيَلِيهِمَا إحْيَاءُ النِّصْفِ الثَّانِي أَيْ وَلَوْ جَمِيعَهُ كَمَا هُوَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَفْضَلُ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ مَحَلَّ هَذَا النُّزُولِ آخِرُ الثُّلُثَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَا نَفْسَ الثُّلُثِ الثَّالِثِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ النُّزُولَ فِي هَذَا الْوَقْتِ ثُمَّ يَسْتَمِرُّ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(كُلِّ اللَّيْلِ إلَخْ) بِخِلَافِ صِيَامِ كُلِّ الدَّهْرِ، لِأَنَّ مَا يَفُوتهُ مِنْ الْمَأْكَلِ نَهَارًا، يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ