المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ التَّيَمُّمِ هُوَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشُرُوطٍ كَمَا - حاشيتا قليوبي وعميرة - جـ ١

[القليوبي]

فهرس الكتاب

- ‌أحمد سلامة القليوبي

- ‌أحمد البرلسي عميرة

- ‌[المقدمة]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌[الْمَاء الْمُشْمِس]

- ‌[الْمَاء الْمُسْتَعْمَل فِي الطَّهَارَة]

- ‌[حُكْمُ الْمَاءِ الْجَارِي]

- ‌ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ)

- ‌[اشْتَبَهَ مَاءٌ وَبَوْلٌ]

- ‌ اسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ) الطَّاهِرَ مِنْ الْمَاءَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

- ‌(فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ)

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ

- ‌[سُنَن الْوُضُوء]

- ‌بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ

- ‌[مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[وَشَرْط الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ]

- ‌بَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ]

- ‌[وَأَقَلّ الْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ]

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌[المولاة فِي الْغُسْل]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌(فَصْلٌ) : (يُتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ طَاهِرٍ)

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّمِ]

- ‌(بَابُ الْحَيْضِ)

- ‌(وَأَقَلُّ النِّفَاسِ)

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌(وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ)

- ‌[فَصْلٌ عَلَى مَنْ تَجِبُ الصَّلَاةُ]

- ‌[فَصْلُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَة]

- ‌(فَصْلُ: اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ)

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[سُنَن الصَّلَاة]

- ‌[الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح]

- ‌[الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ]

- ‌[جلسة الِاسْتِرَاحَة]

- ‌[بَاب شُرُوطُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ مُبْطِلَات الصَّلَاةُ]

- ‌ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَاب سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌بَابٌ فِي سُجُودَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

- ‌[بَاب صَلَاةُ النَّفْلِ]

- ‌(تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ)

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[فَصْلٌ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ]

- ‌[قُدْوَةُ أُمِّيٍّ بِمِثْلِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌فَصْلٌ (لَا يَتَقَدَّمُ) الْمَأْمُومُ (عَلَى إمَامِهِ

- ‌ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ وَعَكْسُهُ

- ‌(فَصْلٌ شَرْطُ الْقُدْوَةِ)

- ‌ تَعْيِينُ الْإِمَامِ) فِي النِّيَّةِ

- ‌(فَصْلٌ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ

- ‌(تَتِمَّةٌ) إذَا رَكَعَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ

- ‌(فَصْلٌ) إذَا (خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ) بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌(فَصْلٌ طَوِيلُ السَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً)

- ‌[فَصْلٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ فِي السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَ الْجُمُعَةَ]

- ‌[فَصْلٌ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ إلَى أَنْ سَلَّمَ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌(فَصْلٌ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ)

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌(فَصْلٌ: يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ)

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[بَابٌ تَرَكَ الْمُكَلَّفُ الصَّلَاةَ الْمَعْهُودَةَ الصَّادِقَةَ بِإِحْدَى الْخَمْسِ جَاحِدًا وُجُوبَهَا]

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌[تَتِمَّةٌ تَارِكُ الْجُمُعَةِ]

- ‌(فَصْلٌ: يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا)

- ‌[فَصْلٌ أَرْكَانٌ صَلَاة الْجِنَازَةُ]

- ‌الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌[فَرْعٌ الْوَلِيَّ أَوْلَى بِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ الْوَالِي]

- ‌(فَصْلٌ: أَقَلُّ الْقَبْرِ

- ‌ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌ طَلَبُ الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ)

- ‌[الْأَحَقّ بِتَغْسِيلِ الْكَافِر]

- ‌(وَالدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ

- ‌ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ) عِنْدَ الدَّفْنِ

- ‌[الدّفن فِي تَابُوت]

- ‌(الدَّفْنُ لَيْلًا

- ‌ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ) عَلَيْهِ (وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ)

الفصل: ‌ ‌بَابُ التَّيَمُّمِ هُوَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشُرُوطٍ كَمَا

‌بَابُ التَّيَمُّمِ

هُوَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِشُرُوطٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا سَيَأْتِي. (يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ) وَمِثْلُهُمَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ (لِأَسْبَابٍ أَحَدُهَا فَقْدُ الْمَاءِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] إلَى قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]

ــ

[حاشية قليوبي]

تَنْبِيهٌ) يَتَّجِهُ عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ حَامِلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إذْ لَا ضَرُورَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ عَلَى نَظِيرِ قَوْلِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ حَامِلِ الْخُبْزِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ.

(فَرْعٌ) مَا تَنَجَّسَ مِنْ الْمَائِعِ تَجِبُ إرَاقَتُهُ مَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي شُرْبِ دَوَابَّ أَوْ وُقُودٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ عَسَلٌ تَنَجَّسَ فَيُسْقَى لِلنَّحْلِ وَلَا يَتَنَجَّسُ عَسَلُهَا بَعْدَهُ.

بَابُ التَّيَمُّمِ وَهُوَ الْمَقْصِدُ الرَّابِعُ، وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَمَمْته وَتَأَمَّمْته وَتَيَمَّمْتُهُ قَصَدْته، فَهُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا مَا ذَكَرَهُ وَهُوَ يَنُوبُ عَنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ لَا عَنْ غَسْلِ نَجَاسَةٍ. وَفُرِضَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ الْآتِي، وَهُوَ رُخْصَةٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ صُعُوبَةٍ إلَى سُهُولَةٍ، وَإِنَّمَا جَازَ بِالتُّرَابِ الْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَا سَبَبٌ مُجَوِّزٌ وَوُجُوبُهُ عَلَى الْعَاصِي لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَقِيلَ: عَزِيمَةٌ لِمَا ذُكِرَ، وَالرُّخْصَةُ فِي إسْقَاطِ الْقَضَاءِ، وَقِيلَ رُخْصَةٌ فِي الْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ دُونَ الْحِسِّيِّ، وَدَلِيلُهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا» فَضَمِيرُ " لَنَا " عَائِدٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم " وَلِأُمَّتِهِ، وَتَأْكِيدُ الْأَرْضِ كُلِّهَا لِلرَّدِّ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ حَيْثُ خَصُّوا جَوَازَ الْعِبَادَةِ بِالْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، وَلَفْظُ التُّرْبَةِ دَلِيلٌ لِتَخْصِيصِ التَّيَمُّمِ بِالتُّرَابِ، وَبِهَا تُقَيَّدُ كُلُّ رِوَايَةٍ لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا، وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ صِحَّتِهِ بِغَيْرِ التُّرَابِ، وَمَا قِيلَ إنَّ لَفْظَ التُّرْبَةِ لَقَبٌ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ فَلَا يُخَصِّصُهُ.

وَلِذَلِكَ جَوَّزَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ بِمَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ كَالشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبُهُ مُحَمَّدٌ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالزِّرْنِيخِ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا لَا غُبَارَ فِيهِ كَالْحَجَرِ الصَّلْدِ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعَامِّ، بَلْ مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ كَمَا فِي تَقْيِيدِ الرَّقَبَةِ وَإِطْلَاقِهَا فِي الْكَفَّارَاتِ، وَبِأَنَّ الْآيَةَ الشَّرِيفَةَ دَالَّةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ " مِنْ " إلَّا التَّبْعِيضُ نَحْوُ مَسَحْت الرَّأْسَ مِنْ الدُّهْنِ وَالْغُبَارِ، وَالْغَالِبُ أَنْ لَا غُبَارَ لِغَيْرِ التُّرَابِ فَتَعَيَّنَ، وَجَعْلُ " مِنْ " لِلِابْتِدَاءِ خِلَافُ الْحَقِّ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ مِنْ الْمِرَاءِ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَأُجِيبَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ مِنْ مَحَلِّهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْجُنُبُ) عَطْفُهُ عَلَى الْمُحْدِثِ مُغَايِرٌ بِحَمْلِ الْحَدَثِ عَلَى الْأَصْغَرِ أَوْ خَاصٍّ بِحَمْلِهِ عَلَى الْأَعَمِّ، وَصَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ هُوَ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ: وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَمِثْلُهُ كُلُّ غُسْلٍ مَأْمُورٍ بِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَمَأْمُورٌ بِغُسْلٍ لَا يُرَادُ الْمَيِّتُ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهُ لِمُنَاسِبَةِ مَا قَبْلَهُ، وَأَوْلَى مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ: وَطُهْرٌ مَأْمُورٌ بِهِ، لِيَدْخُلَ الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ، وَخَرَجَ بِالْوُضُوءِ أَبْعَاضُهُ الْمَنْدُوبَةُ نَحْوُ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ أَوْ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ إذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِيهَا لِمَرَضٍ أَوْ قِلَّةِ مَاءٍ بِحَيْثُ يَكْفِي لِلْفَرْضِ فَقَطْ، فَلَا يُسَنُّ التَّيَمُّمُ عَنْهَا خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ:(لِأَسْبَابٍ) أَيْ لِأَحَدِ أَسْبَابٍ، وَتَرَكَ ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ أَنَّ السَّبَبَ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا، وَغَيْرُهُ أَسْبَابٌ لَهُ حَقِيقَةً، وَلِلتَّيَمُّمِ تَجَوُّزًا، وَعَدَّهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا ثَلَاثَةً، وَفِي الرَّوْضَةِ سَبْعَةٌ، وَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ الْأَسْبَابَ السَّبْعَةَ الْمَذْكُورَةَ بِقَوْلِهِ:

يَا سَائِلِي أَسْبَابَ حِلِّ تَيَمُّمٍ

هِيَ سَبْعَةٌ بِسَمَاعِهَا تَرْتَاحُ

فَقْدٌ وَخَوْفٌ حَاجَةٌ إضْلَالُهُ

مَرَضٌ يَشُقُّ جَبِيرَةٌ وَجِرَاحُ

ــ

[حاشية عميرة]

[بَابُ التَّيَمُّمِ]

ِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَتَيَمَّمُ الْمُحْدِثُ وَالْجُنُبُ) قِيلَ حِكْمَةُ تَخْصِيصِهِمَا كَوْنُهُمَا مَحَلُّ النَّصِّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:

ص: 88

(فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَإِنْ تَوَهَّمَهُ) أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهِ أَيْ ذِهْنِهِ وُجُودُهُ أَيْ جُوِّزَ ذَلِكَ. (طَلَبَهُ) بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وُجُوبًا مِمَّا تَوَهَّمَهُ فِيهِ (مِنْ رَحْلِهِ) بِأَنْ يُفَتِّشَ فِيهِ (وَرُفْقَتِهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مُسْتَوْعِبًا لَهُمْ كَأَنْ يُنَادِيَ فِيهِمْ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَجُودُ بِهِ (وَ) إنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي ذَلِكَ (نَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ كَانَ بِمُسْتَوٍ) مِنْ الْأَرْضِ أَيْ يَمِينًا وَشِمَالًا وَخَلْفًا وَأَمَامًا (فَإِنْ احْتَاجَ إلَى تَرَدُّدٍ) بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ وَهْدَةٌ أَوْ جَبَلٌ (تَرَدَّدَ قَدْرَ نَظَرِهِ) فِي الْمُسْتَوَى، وَهُوَ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ غَلْوَةُ سَهْمٍ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ إلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ غَوْثُ الرِّفَاقِ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ التَّشَاغُلِ بِشُغْلِهِمْ، قِيلَ: وَمَا هُنَا كَالْمُحَرَّرِ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ (فَإِنْ لَمْ

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَيَقَّنَ) أَوْ ظَنَّ بِخَبَرِ عَدْلٍ وَلَوْ رِوَايَةً وَتَصْدِيقَ مُخْبِرٍ، وَقَيَّدَ شَيْخُنَا الْإِخْبَارَ بِكَوْنِهِ مُسْتَنِدًا إلَى طَلَبٍ فَرَاجِعْهُ قَوْلُهُ:(الْمُسَافِرُ) هُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، فَالْمُقِيمُ مِثْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ مَا سَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (فَقْدَهُ) أَيْ الْمَاءَ فِي حَدِّ الْغَوْثِ أَوْ الْقُرْبِ مَا سَيَأْتِي، وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُوبِ مَاءٍ مُسَبَّلٍ لِلشُّرْبِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَلَوْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ كَالسِّقَايَاتِ عَلَى الطُّرُقِ. قَوْلُهُ:(تَوَهَّمَهُ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ضَمِيرُهُ عَائِدٌ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ:(جَوَّزَ ذَلِكَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوَهُّمِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ وَلَوْ بِرَاجِحِيَّةٍ، وَيَخْرُجُ يَقِينُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا مَرَّ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: التَّجْوِيزُ يَشْمَلُ يَقِينَ الْوُجُودِ وَهْمٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ) أَيْ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ مَا دَامَ التَّوَهُّمُ، وَلَا يَجِبُ الطَّلَبُ قَبْلَهُ إنْ عُلِمَ اسْتِغْرَاقُ الْوَقْتِ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ فِي شَرْحِهِ، وَفَارَقَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ بِخِلَافِهَا، وَبِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ قَطَعَ الطَّلَبَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى. نَعَمْ لَوْ طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِعَطَشٍ أَوْ فَائِتَةٍ كَفَى، وَخَرَجَ بِالطَّلَبِ الْإِذْنُ فِيهِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا قَبْلَ الْوَقْتِ، وَفَارَقَ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِذْنِ فِي الْقِبْلَةِ بِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَا يَقُومُ اجْتِهَادُ شَخْصِ عَنْ آخَرَ.

قَوْلُهُ: (مِنْ رَحْلِهِ) وَهُوَ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ أَمْتِعَتِهِ وَأَوْعِيَتِهِ وَزَادِهِ وَمَرْكَبِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَرُفْقَتِهِ) وَهُمْ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ الْمُوَافِقُونَ لَهُ عَادَةً فِي الْحَطِّ وَالتَّرْحَالِ وَالْمُسَاعَدَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إنْ كَثُرُوا، وَلَزِمَ عَلَى اسْتِيعَابِهِمْ خُرُوجُ الْوَقْتِ، لَكِنْ يُقْطَعُ الطَّلَبُ مِنْهُمْ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ كَمَا مَرَّ، وَمَا زَادَ عَلَى الرُّفْقَةِ دَاخِلٌ فِيمَا بَعْدَهُ فَيَكْفِي فِيهِ النَّظَرُ وَلَوْ بِلَا سُؤَالٍ. قَوْلُهُ:(يَجُودُ بِهِ) إنْ ظَنَّ مِنْهُمْ السَّمَاحَ بِهِ وَإِلَّا فَيُنَادِي بِالْبَيْعِ إنْ قَدَرَ عَلَى الثَّمَنِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (حَوَالَيْهِ) وَيُقَالُ: حَوَالَيْهِ وَحَوْلَهُ وَحَوَالَهُ. قَوْلُهُ: (تَرَدَّدَ) أَيْ فِي الْجِهَةِ الْمُحْتَاجِ إلَى التَّرَدُّدِ فِيهَا. قَوْلُهُ: (يَتَرَدَّدُ إنْ لَمْ يَخَفْ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الطَّلَبِ مِنْ رَحْلِهِ وَرُفْقَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ فَيَأْتِي هُنَا وَسَوَاءٌ وُجِدَ الطَّلَبُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ تَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(عَلَى نَفْسِهِ) ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً وَالْعُضْوُ كَذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَالِهِ) وَإِنْ قَلَّ وَكَذَا اخْتِصَاصُهُ وَالْمُرَادُ الْمُحْتَرَمُ مِنْ ذَلِكَ لَا نَحْوُ قَاطِعِ طَرِيقٍ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ وَلَا عُضْوٍ مُسْتَحَقِّ الْقَطْعِ فِي نَحْوِ سَرِقَةٍ، وَلَوْ قَالَ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ وَأَوْلَى لِيَشْمَلَ نَفْسَ غَيْرِهِ وَمَالَ غَيْرِهِ الْمُحْتَرَمَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الذَّبُّ عَنْهُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ، وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَخَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ رُفْقَةٍ أَيْضًا وَلَوْ لِمُجَرَّدِ الْوَحْشَةِ، وَفَارَقَتْ الْوَحْشَةُ هُنَا مَا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا مَقْصِدٌ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَالْمُرَادُ بِالْوَحْشَةِ أَنْ يَسْتَوْحِشَ إذَا ذَهَبَ لِطَلَبِ الْمَاءِ فَلَهُ تَرْكُ الطَّلَبِ وَالتَّيَمُّمِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَحْشَةِ بِرَحِيلِهِمْ عَنْهُ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: لَهُ أَنْ يَرْحَلَ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَحْشَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ إذْ لَيْسَ لِصَلَاتِهِ مَحَلٌّ يَلْزَمُهُ وُقُوعُهَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (إلَى حَدٍّ يَلْحَقُهُ فِيهِ غَوْثُ الرِّفَاقِ) وَهُوَ قَدْرُ مَا يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ الْمُعْتَدِلَ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ

ــ

[حاشية عميرة]

فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ) قِيلَ التَّقْيِيدُ بِهِ لِلْغَالِبِ قُلْت لِأَنَّ أَنْ تَقُولَ، قَدْ جَعَلَ أَحْوَالَ الْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً تَيَقُّنُ الْفَقْدِ وَتَوَهُّمُ الْوُجُودِ وَتَيَقُّنُ، الْوُجُودِ كَمَا يُعْلَمُ بِالنَّظَرِ فِي كَلَامِهِ رحمه الله، وَحِينَئِذٍ فَالْحَالُ الثَّالِثُ لَأَنْ تَتَوَقَّفَ فِي كَوْنِ الْمُقِيمِ فِيهَا كَالْمُسَافِرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُقِيمَ يَقْصِدُ الْمَاءَ الْمُتَيَقَّنَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ. قَوْلُهُ أَيْضًا:(فَإِنْ تَيَقَّنَ الْمُسَافِرُ فَقْدَهُ) قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: هُوَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هُوَ لِلْغَالِبِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ وَقَعَ فِي وَهْمِهِ أَيْ ذِهْنِهِ إلَخْ) يَعْنِي لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّوَهُّمِ فِي الْمَتْنِ مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَهُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ رَاجِحًا أَوْ مَرْجُوحًا أَوْ مُسْتَوِيًا وُقُوعُهُ وَعَدَمُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(طَلَبُهُ) إنَّمَا وَجَبَ الطَّلَبُ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ مَعَ إمْكَانِ الْمَاءِ، وَقَوْلُهُ مَنْ رَحْلِهِ هُوَ مَسْكَنُ الشَّخْصِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ الْأَثَاثِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَرُفْقَتِهِ) هُمْ الْجَمَاعَةُ

ص: 89

يَجِدْ تَيَمَّمَ) لِظَنِّ فَقْدِهِ (فَلَوْ مَكَثَ مَوْضِعَهُ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الطَّلَبِ لِمَا يَطْرَأُ) كَأَنْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى مَاءٍ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَمَّ مَاءٌ لَظَفِرَ بِهِ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ وَلَوْ حَدَثَ مَا يُحْتَمَلُ مَعَهُ وُجُودُ الْمَاءِ كَطُلُوعِ رَكْبٍ وَإِطْبَاقِ غَمَامَةٍ وَجَبَ الطَّلَبُ قَطْعًا، وَلَوْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان آخَرَ فَكَذَلِكَ، لَكِنْ كُلُّ مَوْضِعٍ تُيُقِّنَ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَمْ يُحْتَمَلْ حُدُوثُهُ فِيهِ لَمْ يَجِبْ الطَّلَبُ مِنْهُ

(فَلَوْ عَلِمَ مَاءً يَصِلُهُ الْمُسَافِرُ لِحَاجَتِهِ) كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ، وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ السَّابِقِ (وَجَبَ قَصْدُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) بِخِلَافِ مَا إذَا خَافَ ذَلِكَ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قَدْرًا يَجِبُ بَذْلُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً، أَيْ فَيَجِبُ الْقَصْدُ مَعَ خَوْفِ ضَرَرِهِ. (فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ تَيَمَّمَ) وَلَا يَجِبُ قَصْدُ الْمَاءِ لِبُعْدِهِ، وَلَوْ انْتَهَى إلَى الْمَنْزِلِ فِي آخَرِ الْوَقْتِ وَالْمَاءُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، وَلَوْ قَصَدَهُ خَرَجَ الْوَقْتُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَجَبَ قَصْدُهُ، وَالْمُصَنِّفُ لَا يَجِبُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا نَقَلَ مَا قَالَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ.

(وَلَوْ

ــ

[حاشية قليوبي]

حَدَثَ الْغَوْثِ، وَأَوَّلُهُ مِنْ مَحَلِّهِ، وَقِيلَ مِنْ آخِرِ رَحْلِهِ، وَقِيلَ مِنْ آخِرِ رُفْقَتِهِ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(قِيلَ وَمَا هُنَا إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ فَمَسَافَةُ قَدْرِ نَظَرِهِ فِي الْمُسْتَوَى هِيَ قَدْرُ مَسَافَةِ غَلْوَةِ السَّهْمِ، أَيْ غَايَةُ رَمْيِهِ، وَقَدْرُ الْمَسَافَةِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِيهَا غَوْثُ الرِّفَاقِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ فِي الْمُسْتَوَى مُتَعَلَّقًا بِقَدْرٍ لَا بِتَرَدُّدٍ، وَخَرَجَ بِالتَّرَدُّدِ فِي وُجُودِ الْمَاءِ فِي " هَذَا الْحَدِّ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ إلَّا لِمَانِعٍ وَلَوْ حِسِّيًّا كَسَبُعٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَتَأَمَّلْهُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) وَلَوْ حُكْمًا كَعَدَمِ الْأَمْنِ عَلَى مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لِظَنِّ فَقْدِهِ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِتَيَقُّنِهِ أَوْ بِالْأَوْلَى، وَاعْتُبِرَ بِالظَّنِّ هُنَا لِكَوْنِهِ مُسْتَنِدًا إلَى طَلَبٍ وَمِنْهُ إخْبَارُ عَدْلٍ بِعَدَمِهِ، أَوْ غَيْرِ عَدْلٍ وَاعْتَقَدَ صَفْقَهُ كَمَا مَرَّ، وَلَا عِبْرَةَ بِإِخْبَارِ فَاسِقٍ بِوُجُودِ الْمَاءِ لِمُخَالَفَتِهِ لِأَصْلِ الْعَدَمِ إلَّا إنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، وَمِثْلُ الْفَقْدِ خَوْفُ الْغَرَقِ لِمَنْ فِي سَفِينَةٍ لَوْ اسْتَقَى وَعِلْمُهُ أَنَّ نَوْبَتَهُ فِي نَحْوِ بِئْرٍ لِمُزْدَحِمَيْنِ لَا تَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِيهِمَا لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا يَغْلِبُ وُجُودُ الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِغَيْرِ مَا حَصَلَ فِيهِ الْحَيْلُولَةُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ وُجُودَ الْبِئْرِ يَجْعَلُ الْمَحَلَّ مِمَّا يَغْلِبُ فِيهِ الْوُجُودُ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَدْ يُوجَدُ فِيهَا الْمَاءُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ مَثَلًا فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وُجُوبُ الطَّلَبِ) أَيْ تَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ وَيَسْقُطُ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا أَمْعَنَ النَّظَرَ الْأَوَّلَ لَمْ يَجِبْ الطَّلَبُ بَعْدَهُ لِمَا ذُكِرَ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ، لَكِنْ كُلُّ مَوْضِعٍ إلَخْ. قَوْلُهُ:(صَلَاةٌ أُخْرَى) أَيْ وَاجِبَةٌ وَلَوْ جَمْعًا أَوْ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا. قَوْلُهُ: (فَكَذَلِكَ) أَيْ يَجِبُ الطَّلَبُ قَطْعًا.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ عَلِمَ) أَوْ ظَنَّ بِخَبَرِ عَدْلٍ أَوْ فَاسِقٍ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ كَمَا مَرَّ لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ السَّابِقِ) وَيُسَمَّى حَدَّ الْقُرْبِ، وَأَوَّلُهُ مِنْ آخِرِ حَدِّ الْغَوْثِ، وَمِنْ ضَبْطِهِ بِنِصْفِ فَرْسَخٍ أُدْخِلَ فِيهِ حَدُّ الْغَوْثِ السَّابِقُ. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ مَا إذَا خَافَ ذَلِكَ) وَكَذَا لَوْ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُهَا وَتَيَمُّمَهَا، أَوْ خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ الرُّفْقَةِ كَمَا مَرَّ، وَصَرَّحَ بِهِمَا شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ. قَوْلُهُ:(إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَإِنْ كَثُرَ. قَوْلُهُ: (لِبُعْدِهِ) أَيْ لِبُعْدِ الْمَاءِ فِي نَفْسِهِ، فَلَوْ ذَهَبَ لِلِاحْتِطَابِ مَثَلًا إلَى آخِرِ الْأَمْنِ حَدِّ الْقُرْبِ فَرَأَى الْمَاءَ قَرِيبًا مِنْهُ لَكِنَّهُ فِي حَدِّ الْبُعْدِ مِنْ مَحَلِّهِ أَوْ مِنْ رَحْلِهِ لَمْ يَجِبْ طَلَبُهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي آخِرِ حَدِّ الْغَوْثِ وَتَوَهَّمَهُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِوُجُوبِ الطَّلَبِ فِي ذَلِكَ لِقُرْبِهِ بِالْفِعْلِ فِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ) أَيْ يَقِينًا. قَوْلُهُ: (بِحَسَبِ مَا

ــ

[حاشية عميرة]

يَنْزِلُونَ مَعًا وَيَرْحَلُونَ مَعًا سُمُّوا بِذَلِكَ لِارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مُسْتَوْعِبًا لَهُمْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ: إلَّا أَنْ يَخْشَى فَوْتَ الْوَقْتِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (ضَرَرَ نَفْسٍ إلَخْ) مِثْلُهُ مُجَرَّدُ الْوَحْشَةِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْجُمُعَةِ وَتَنْكِيرُ النَّفْسِ وَالْمَالِ لِإِفَادَةِ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ خَوْفَ خُرُوجِ الْوَقْتِ مِثْلُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ قَوْلُ الشَّارِحِ:(قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَخْ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الطَّلَبِ مِنْ حَدِّ الْغَوْثِ السَّابِقِ، وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ، وَفَرَّقَ بِحُصُولِ الْيَقِينِ هُنَا، وَالظَّنِّ هُنَاكَ، وَجَعَلَ الِاخْتِصَاصَاتِ تُغْتَفَرُ هُنَا وَلَا تُعْتَفَرُ هُنَاكَ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ تَيَمَّمَ) اُنْظُرْ هَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْمُقِيمِ أَوْ لَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَازِمٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ الْمُقِيمَ يَجِبُ قَصْدُهُ الْمَاءَ الْمُتَيَقَّنَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ نَافِلًا لَهُ عَنْ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَعَلَّلَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الرَّوْضَةِ مَسْطُورًا كَمَا قَالَ، وَحِينَئِذٍ فَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ الَّتِي قَالُوا فِيهَا لَا يَجِبُ الصَّبْرُ إلَى بَعْدِ الْوَقْتِ إذَا كَانَتْ النَّوْبَةُ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يَتَعَيَّنُ فَرْضُهَا فِي السَّفَرِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَلَوْ انْتَهَى

ص: 90

تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) مِنْ تَعْجِيلِ التَّيَمُّمِ لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ الْفَاضِلَةِ عَلَى الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، (أَوْ ظَنَّهُ) آخِرَ الْوَقْتِ (فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ) مِنْ انْتِظَارِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُحَقَّقِ فَضِيلَتُهَا. وَالثَّانِي انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ لِمَا تَقَدَّمَ.

قَالَ الْإِمَامُ: الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَبِالْوُضُوءِ آخِرَهُ فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ، وَتَبِعْهُ الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ لَا تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِالْوُضُوءِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الرُّويَانِيَّ نَقَلَهُ أَيْضًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْمَاءَ بَعْدُ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ، وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ فَتَعْجِيلُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ مُسْتَحَبٌّ قَطْعًا، وَلَوْ اسْتَوَى عِنْدَهُ احْتِمَالُ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَتَعْجِيلُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَفْضَلُ قَطْعًا. وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ نَقْلُ

ــ

[حاشية قليوبي]

فَهِمَهُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: فَهِمَ الرَّافِعِيُّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ فَأَوْجَبَ الطَّلَبَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَفَهِمَ النَّوَوِيُّ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ فَلَمْ يُوجِبْهُ، وَفِي هَذَا الْجَمْعِ فَسَادُهُ مِنْ وُجُوهٍ، مِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ذِكْرُ الْمُسَافِرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَمِنْهَا عَدَمُ صِحَّةِ عُمُومِ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرهَا بَعْدَهُ، وَمِنْهَا عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلهمْ: بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا اقْتِضَاؤُهُ أَنَّ الْحُدُودَ الثَّلَاثَةَ خَاصَّةٌ بِمَنْ فِي مَحَلِّ الْفَقْدِ، وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِي لَا تَسْتَقِيمُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْخِلَافَ فِي مَحَلِّ الْفَقْدِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ، وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الرَّافِعِيَّ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَدَمَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ لِعَدَمِ تَصْرِيحِهِمْ بِهِ، وَأَنَّ النَّوَوِيَّ فَهِمَ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِي غَيْرِهَا مِنْ مُرَاعَاتِهِ وَاشْتِرَاطِ الْأَمْنِ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْمُتَيَمِّمِ أَحْوَالًا فِي حُدُودٍ ثَلَاثَةٍ، أَوَّلُهَا: حَدُّ الْغَوْثِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ فَقْدَ الْمَاءِ فِيهِ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ، وَإِنْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ فِيهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ، وَلَا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، إنْ تَرَدَّدَ فِيهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ أَيْضًا بِشَرْطِ الْأَمْنِ عَلَى مَا مَرَّ، وَمِنْهُ الْأَمْنُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَالْوَقْتُ ثَانِيهَا حَدُّ الْقُرْبِ فَإِنْ عَلِمَ فَقْدَ الْمَاءِ فِيهِ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ فِيهِ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ عَلِمَ وُجُودَهُ فِيهِ وَجَبَ طَلَبُهُ بِشَرْطِ الْأَمْنِ كَمَا مَرَّ وَمِنْهُ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ لَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْمَالِ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ الطَّهَارَةِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ لَمْ يَجِبْ طَلَبُهُ مُطْلَقًا. ثَالِثُهَا: حَدُّ الْبَعْدِ وَهُوَ مَا فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ الطَّلَبُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَمَحَلُّ الْفَقْدِ أَوْ الْوُجُودِ وَمَا فِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ مَتَى لَزِمَ الْمُتَيَمِّمَ الْقَضَاءُ لَزِمَهُ طَلَبُ الْمَاءِ إذَا عَلِمَهُ وَلَوْ فِي حَدِّ الْبُعْدِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، بَلْ لَا يَسْتَقِيمُ كَمَا عَلِمْته مِنْ اللَّوَازِمِ السَّابِقَةِ

قَوْلُهُ: (آخِرَ الْوَقْتِ) بِزَمَنٍ يَسَعُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ كَامِلَةً. قَوْلُهُ: (فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَاءَ يَأْتِي إلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ، وَيُمْكِنُ شُمُولُهُ لِذَلِكَ وَلِعَكْسِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مَرْجُوحٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُجَابُ إلَخْ) اعْتَمَدَ شَيْخُنَا هَذَا الْجَوَابَ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِحَمْلِ عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ فِيهِ عَلَى الْإِعَادَةِ مُنْفَرِدًا فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ:(مُسْتَحَبٌّ) لَمْ يَقُلْ أَفْضَلُ لِعَدَمِ الْفَضِيلَةِ فِي التَّأْخِيرِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَأَمَّلْ.

(تَنْبِيهٌ) مَتَى اشْتَمَلَتْ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ عَلَى فَضِيلَةٍ خَلَتْ عَنْهَا الْأُخْرَى فَهِيَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا كَجَمَاعَةٍ وَسِتْرٍ وَخُلُوٍّ مِنْ حَدَثٍ.

(فَرْعٌ) يُقَدَّمُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَتُقَدَّمُ هِيَ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ إدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ عَلَى آدَابِ الْوُضُوءِ كَالتَّثْلِيثِ،

ــ

[حاشية عميرة]

إلَى الْمَنْزِلِ فِي آخَرِ الْوَقْتِ وَالْمَاءُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ) الظَّاهِرُ أَنَّ حَدَّ الْغَوْثِ لِذَلِكَ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ إذَا عُلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَجَبَ قَصْدُهُ) هُوَ مَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَالْمُصَنِّفُ لَا يَجِبُ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ مَا يَشْمَلُ عَدَمَ الْجَوَازِ.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ الْفَاضِلَةِ عَلَى الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ) يَعْنِي أَنَّ فَضِيلَةَ التَّأْخِيرِ نَاشِئَةٌ عَنْ هَذَا كَمَا أَنْ مَفْضُولِيَّةَ التَّعْجِيلِ نَاشِئَةٌ عَمَّا بَعْدَهَا وَعِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ رحمه الله لِأَنَّ التَّقْدِيمَ مُسْتَحَبٌّ وَالْوُضُوءُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَرْضٌ، فَثَوَابُهُ أَفْضَلُ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ) هَذَا قَدْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ لِمَنْ رَجَا زَوَالَ عُذْرِهِ الْمُسْقِطِ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُفْعَلُ أَوَّلَ الْوَقْتِ غَالِبًا وَتَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى فَوَاتِهَا لَيْسَ بِفَاحِشٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ رَاجِيَ الْمَاءِ لَا حَدَّ لِتَأْخِيرِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَيَخَافُ مَعَهُ فَوَاتَ الصَّلَاةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَالثَّانِي انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِمَا تَقَدَّمَ) وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ مَأْمُورٌ

ص: 91

الْقَوْلَيْنِ فِيهِ، وَلَا وُثُوقَ بِهَذَا النَّقْلِ، وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِتَصْرِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَآخَرِينَ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ.

(وَلَوْ وُجِدَ مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ) فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ مُحْدِثًا كَانَ أَوْ جُنُبًا وَنَحْوَهُ. (وَيَكُونُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ) عَنْ الْبَاقِي لِئَلَّا يَتَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ. وَالثَّانِي لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ، وَيَعْدِلُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ قَطْعًا. وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ قَطْعًا، وَقِيلَ فِيهِ الْقَوْلَانِ.

(وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ) أَيْ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ (بِثَمَنِ مِثْلِهِ) فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلَا يَجِبُ الشِّرَاءُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَإِنْ قَلَّتْ:(إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إلَيْهِ) أَيْ الثَّمَنُ (لِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ مُؤْنَةِ سَفَرِهِ) فِي ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ (أَوْ نَفَقَةِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ) مَعَهُ

ــ

[حاشية قليوبي]

وَيَجِبُ تَرْكُ الْآدَابِ لِضِيقِ الْمَاءِ أَوْ الْوَقْتِ أَوْ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ.

قَوْلُهُ (وَلَوْ وُجِدَ مَاءٌ) وَهُوَ مَمْدُودٌ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَالْمُرَادُ بِوُجُودِهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِحَفْرٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (لَا يَكْفِيهِ) أَيْ لِلْوَاجِبِ وَقِيلَ لَهُ مَعَ الْمَنْدُوبِ. قَوْلُهُ: (فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ) وَيَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي الْأَصْغَرِ، وَيُنْدَبُ تَقْدِيمُ مَا يُطْلَبُ تَقْدِيمُهُ فِي الْغُسْلِ فِي الْأَكْبَرِ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبٍ تَعَذَّرَ نَزْعُهُ عَلَى التَّيَمُّمِ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهِ عَلَى إزَالَتِهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُقِيمُ وَالْمُسَافِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ ثَلْجٍ أَوْ بَرَدٍ لَا يَذُوبُ.

قَالَ شَيْخُنَا إنْ كَانَ فِي الرَّأْسِ بَعْدَ غَسْلِ مَا قَبْلَهَا فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَغَيْرُ مُعْتَمَدٍ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْبَاقِي) يُفِيدُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ بَقِيَّةِ أَعْضَائِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَا بُدَّ لِهَذَا التَّيَمُّمِ مِنْ نِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَلَا يَكْفِي عَنْهُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ قَبْلَهُ لِأَنَّ نِيَّتَهُ مَعَ النَّقْلِ وَهُوَ مَسْحٌ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ لَمْ يَجِدْ تُرَابًا إلَى آخِرِهِ) قَيْدٌ لِنَوْعِ الْخِلَافِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا تُرَابًا إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَاءِ وَمِثْلُهُ التُّرَابُ، وَلَوْ جُعِلَتْ مَا مَوْصُولَةً لَشَمِلَتْهُمَا مَعًا.

قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ شِرَاؤُهُ) وَكَذَا اسْتِئْجَارُهُ.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْمَاءِ) وَكَذَا التُّرَابُ وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ هُمَا مَعًا وَلَوْ بِمَحَلٍّ يَجِبُ فِيهِ الْقَضَاءُ، وَلَوْ وُجِدَ مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ وَتُرَابًا يَكْفِيهِ قُدِّمَ التُّرَابُ لِكَمَالِ الطَّهَارَةِ فِيهِ، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فَانْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ قَرِيبًا، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ، وَكَالْمَاءِ آلَةُ اسْتِقَاءٍ كَالدَّلْوِ وَالرِّشَاءِ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ. قَوْلُهُ:(بِثَمَنِ مِثْلِهِ) أَوْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَمِنْهُ مُؤَجَّلٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْحَالِ تَلِيقُ بِالْأَجَلِ فَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَائِهِ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ) أَيْ عَلَى الْعَادَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِحَالَةِ الِاضْطِرَارِ فَقَدْ تُسَاوِي الشَّرْبَةُ فِيهَا دَنَانِيرَ كَثِيرَةً. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ الشِّرَاءُ بِزِيَادَةٍ) بَلْ يُسَنُّ إنْ قَدَرَ، وَلَا يَجِبُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَبِ، بَلْ يُسَنُّ أَيْضًا. قَوْلُهُ:(وَإِنْ قُلْت) وَلَوْ تَافِهَةً. نَعَمْ يَجِبُ شِرَاءُ الْآلَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ بِقَدْرِ ثَمَنِ الْمَاءِ لَوْ اشْتَرَاهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُعْتَمَدٌ.

(فَرْعٌ) يَجِبُ قَطْعُ ثَوْبِهِ مَثَلًا لِيَجْعَلَهُ رِشَاءً إنْ لَمْ يَزِدْ نَقْصُهُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ أَوْ أُجْرَتِهِ. قَوْلُهُ: (لِدَيْنٍ) أَيْ يَلْزَمُهُ وَفَاؤُهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا إلَّا إنْ امْتَدَّ الْأَجَلُ إلَى مَحَلٍّ يَجِدُ فِيهِ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ. قَوْلُهُ: (مُسْتَغْرِقٍ) هُوَ مُسْتَدْرِكٌ لِأَنَّ الزَّائِدَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (مُؤْنَةِ) مِنْهَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ وَالْمَرْكُوبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَائِقًا بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِهِ فِي الْحَجِّ لِوُجُودِ الْبَدَلِ هُنَا. قَوْلُهُ: (سَفَرِهِ) أَيْ الَّذِي يُرِيدُهُ

ــ

[حاشية عميرة]

بِهِ عِنْدَ شِدَّةِ الْحَرِّ مُحَافَظَةً عَلَى الْخُشُوعِ الْمَسْنُونِ، فَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ مُحَافَظَةٌ عَلَى الْوُضُوءِ الْمَفْرُوضِ أَوْلَى، وَالْفَرْقُ لَائِحٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِالْوُضُوءِ) اعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَمْ تَشْمَلْهُ فَضِيلَةُ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَمُدْرَكُ الْقَائِلِ بِالتَّأْخِيرِ أَدَاءُ الْفَرْضِ بِالْمَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إنَّ الرُّويَانِيَّ نَقَلَهُ أَيْضًا عَنْ الْأَصْحَابِ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ نَقَلَهُ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ لَا يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ وَجَدَ مَاءً لَا يَكْفِيه) الْأَحْسَنُ قِرَاءَتُهُ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزُ لِيُحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ وَجَدَ شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْمَسْحِ خَاصَّةً كَبَرْدٍ أَوْ ثَلْجٍ لَا يَذُوبُ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ يَكْفِيه وَيَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِ دُونَ الْمُسَافِرِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.

(فَرْعٌ) لَوْ كَانَ جُنُبًا وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ لِلنَّجَاسَةِ فَيَغْسِلُهَا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ، وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ غَسْلِهَا جَازَ فِي الْأَصَحِّ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَالثَّانِي لَا يَجِبُ) أَيْ كَمَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ ثُمَّ تَصْوِيرِهِمْ يَشْعُرُ بِالْجَوَازِ جَزْمًا حَتَّى إذَا اسْتَعْمَلَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْبَاقِي فَيُكْمِلُ، كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِثَمَنِ مِثْلِهِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ الْمِقْدَارُ الَّذِي تَنْتَهِي إلَيْهِ الرَّغَبَاتُ فِي الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَالثَّانِي كَالْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ تِلْكَ الْحَالَةَ بَلْ غَالِبَ الْحَالَاتِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَلَا يَجِبُ الشِّرَاءُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ وَإِنْ قَلَّتْ) مِثْلُ ذَلِكَ آلَةُ

ص: 92

كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ وَبَهِيمَتِهِ، فَيُصْرَفُ الثَّمَنُ إلَى مَا ذُكِرَ وَيَتَيَمَّمُ، وَاحْتُرِزَ بِالْمُحْتَرَمِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ.

(وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ أَوْ أُعِيرَ دَلْوًا) أَوْ رِشَاءً (وَجَبَ الْقَبُولُ فِي الْأَصَحِّ) وَلَوْ وُهِبَ ثَمَنَهُ فَلَا يَجِبُ قَبُولَهُ قَطْعًا لِعِظَمِ الْمِنَّةِ فِيهِ وَخِفَّتِهَا فِيمَا قَبْلَهُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِيهِ يَنْظُرُ إلَى أَصْلِ الْمِنَّةِ فِي الْهِبَةِ، وَيَقُولُ فِي الْعَارِيَّةِ: إذَا زَادَتْ قِيمَةُ الْمُعَارِ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهَا لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ فَيَضْمَنُهُ، وَلَوْ وُهِبَ آلَةَ الِاسْتِقَاءِ لَمْ يَجِبْ قَبُولُهَا، وَلَوْ أُقْرِضَ الْمَاءَ وَجَبَ قَبُولُهُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْقَبُولِ فِيمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَجِبُ سُؤَالُ الْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ، وَمِثْلُهُمَا الْقَرْضُ وَالْأَوْلَى فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بَذْلُهُ لِطَهَارَةِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ قَرْضٍ فِي الْأَصَحِّ

(وَلَوْ نَسِيَهُ) أَيْ الْمَاءَ (فِي رَحْلِهِ أَوْ أَضَلَّهُ فِيهِ فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ الطَّلَبِ) هَذَا تَفْسِيرُ إضْلَالِهِ لَهُ (فَتَيَمَّمَ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَصَلَّى، ثُمَّ تَذَكَّرَهُ وَوَجَدَهُ (قَضَى) الصَّلَاةَ (فِي الْأَظْهَرِ)

ــ

[حاشية قليوبي]

وَلَوْ مَآلًا وَسَفَرُ غَيْرِهِ إذَا لَزِمَهُ كَسَفَرِهِ وَمِنْهُ أَجْنَبِيٌّ خِيفَ انْقِطَاعُهُ عَنْ رُفْقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَنَفَقَتِهِ عِنْدَ خَوْفِ ضَرَرِهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُقِيمِ مُؤْنَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.

(فَرْعٌ) يُقَدِّمُ سُتْرَةَ الصَّلَاةِ ثَمَنًا وَأُجْرَةً عَلَى شِرَاءِ الْمَاءِ وَيَعْدِلُ إلَى التَّيَمُّمِ لِأَنَّهَا آكَدُ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَفَقَةِ) أَيْ مُؤْنَةٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (مَعَهُ) أَوْ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ الْمُرَادُ الْقَافِلَةُ مَثَلًا. قَوْلُهُ: (كَالْمُرْتَدِّ) وَمِثْلُهُ تَارِكُ الصَّلَاةِ بِشَرْطِهِ وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ. نَعَمْ يُقَدَّمُ شُرْبُ نَفْسِهِ عَلَى تَيَمُّمِهِ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ عَلَى نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ أَنَّ غَيْرَ الزَّانِي مِثْلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا فِي شَرْحِهِ، فَيُقَدِّمُونَ شُرْبَهُمْ عَلَى طَهَارَتِهِمْ لِمَا ذُكِرَ. نَعَمْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ إنْ تُبْتُمْ تَرَكْت الْمَاءَ لَكُمْ وَتَيَمَّمْت وَإِلَّا تَوَضَّأْت بِهِ وَتَرَكْتُكُمْ تَمُوتُونَ، وَفِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّوْبَةُ فِي الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ عَلَى الْعَاصِي بِالسَّفَرِ الشُّرْبُ وَالتَّيَمُّمُ قَبْلَ تَوْبَتِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ:(وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ) لَا غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ، وَأَجَازَ وَالِدُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ قَتْلَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه الْأَمْرُ بِقَتْلِهِ كَمَا مَرَّ، لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ نُسِخَ.

(تَنْبِيهٌ) شَمِلَتْ الْحَاجَةُ لِلْعَطَشِ وَلَوْ مَآلًا، وَكَذَا لِلطَّبْخِ وَبَلِّ الْكَعْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَيَّدَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ الْحَاجَةَ لِبَلِّ الْكَعْكِ فِي الْمَاءِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ تَنَاوُلُهُ دُونَ الْمَاءِ وَشَيْخُنَا لَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرَ الْعَطَشِ وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا مَا يُوَافِقُهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا يُمْكِنُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَاءِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ وَصَلَ إلَى مَاءٍ أَوْ فَضْلٍ مِمَّا ادَّخَرَهُ شَيْءٌ لَمْ يُعْتَبَرْ إنْ كَانَ بِسَبَبِ تَقْتِيرٍ أَوْ سُرْعَةِ سَيْرٍ وَإِلَّا وَجَبَ قَضَاءُ كُلِّ صَلَاةٍ صَحِبَهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ) وَاجِبُ الْقَبُولِ، وَكَذَا لَوْ أُعِيرَهُ لِصِحَّةِ إعَارَتِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا قَرْضُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ:(أَوْ أُعِيرَ دَلْوًا) لَا إنْ أُقْرِضَهُ أَوْ وُهِبَهُ أَوْ ثَمَنَهُ. نَعَمْ لَا يَسْتَعِيرُ وَلِيٌّ لِمَحْجُورِهِ عَارِيَّةً مُضَمَّنَةً بَلْ غَيْرَ مُضَمَّنَةٍ كَالْإِعَارَةِ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ يَجِبُ سُؤَالُ الْهِبَةِ إلَخْ) فَالْمُرَادُ فِي جَمِيعِ مَا وَجَبَ مَا يَعُمُّ الْقَبُولَ وَالسُّؤَالَ. قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى) .

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: هِيَ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: هِيَ سُؤَالُ الْهِبَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَاءِ الْهِبَةُ وَالْقَرْضُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِجَارَةُ وَالْإِعَارَةُ، وَفِي الْآلَةِ الْإِجَارَةُ وَالشِّرَاءُ وَالْإِعَارَةُ فَقَطْ، وَلَا يَجِبُ فِي الثَّمَنِ شَيْءٌ، وَيَتَضَيَّقُ الْوُجُوبُ بِضِيقِ الْوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ سَعَتُهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ حَتَّى يَسْأَلَ. قَوْلُهُ:(لَوْ لَمْ يَقْبَلْ) أَوْ لَمْ يَسْأَلْ. قَوْلُهُ: (إنَّهُ لَا يَجِبُ إلَخْ) دُفِعَ بِهِ تَوَهُّمُ وُجُوبِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْمَالِكِ بِسُؤَالِ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ بِالطَّهَارَةِ الْعَطَشُ وَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (أَيْ الْمَاءُ) وَمِثْلُهُ ثَمَنٌ وَآلَتُهُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَذَكَّرَهُ)

ــ

[حاشية عميرة]

الِاسْتِقَاءِ لَكِنْ بَحَثَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا اغْتِفَارَ الزِّيَادَةِ الَّتِي يَجِبُ بَذْلُهَا فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ، قَالَ لِأَنَّ الْآلَةَ تَبْقَى لَهُ، وَالْمَاءُ يَجِبُ تَحْصِيلُهُ فَيُغْتَفَرُ ثَمَنُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ مُؤْنَةِ سَفَرِهِ) لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَوْلُ الْمَتْنِ (لِدَيْنٍ) وَلَوْ مُؤَجَّلًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُؤْنَةُ سَفَرِهِ) أَيْ وَلَوْ مُبَاحًا وَمِثْلُهُ سَفَرُ غَيْرِهِ لِمَنْ يَخَافُ انْقِطَاعَهُ عَنْهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ مَعَهُ) قَيَّدَ الشَّارِحُ بِالْمَعِيَّةِ هُنَا وَتَرَكَ ذَلِكَ فِي الْعَطَشِ الْآتِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَقَوْلُ الْمَتْنِ مُحْتَرَمٌ أَيْ وَلَوْ كَافِرًا، وَقَوْلُ الشَّارِحِ مَعَهُ، هَذِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيمَا يَظْهَرُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ وَهَبَ) يُقَالُ وَهَبَ لَهُ وَوَهَبَ مِنْهُ وَبَاعَ لَهُ وَبَاعَ مِنْهُ فَالْأَوْلَى لُغَةُ الْقُرْآنِ، وَالثَّانِيَةُ جَاءَتْ بِهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَجَبَ الْقَبُولُ) أَيْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالْأَوْلَى فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا) يُرِيدُ بِالْأَوْلَى قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ، وَبِالثَّانِيَةِ سُؤَالُ ذَلِكَ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ) أَيْ مَا دَامَ إمْكَانُ الْوُضُوءِ بَاقِيًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِالرُّجُوعِ

ص: 93

لِوُجُودِ الْمَاءِ مَعَهُ وَنِسْبَتُهُ فِي إهْمَالِهِ لَهُ حَتَّى نَسِيَهُ أَوْ أَضَلَّهُ إلَى التَّقْصِيرِ، وَالثَّانِي لَا يَقْضِي لِعُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ وَعَدَمِ الْوِجْدَان.

(وَلَوْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فِي رِحَالٍ) فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ وَفِيهِ الْمَاءُ (فَلَا يَقْضِي) لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَالَ الصَّلَاةِ مَاءٌ، وَقِيلَ فِي قَضَائِهِ الْقَوْلَانِ:

(الثَّانِي) مِنْ الْأَسْبَابِ (أَنْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ) أَيْ الْمَاءِ (لِعَطَشِ) حَيَوَانٍ (مُحْتَرَمٍ) مِنْ نَفْسِهِ أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ (مَآلًا) أَيْ فِي الْمَآلِ أَيْ الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ صِيَانَةً لِلرُّوحِ أَوْ غَيْرِهَا

ــ

[حاشية قليوبي]

فِي النِّسْيَانِ وَوَجَدَهُ فِي الْإِضْلَالِ قَوْلُهُ: (قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَنَّهُ إنْ أَمْعَنَ فِي النَّظَرِ وَإِلَّا قَضَى قَطْعًا. قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ الْمَاءِ مَعَهُ) أَيْ حَالَةَ تَيَمُّمِهِ وَلَوْ احْتِمَالًا فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ تَلِفَ يَقِينًا قَبْلَ تَيَمُّمِهِ فَلَا قَضَاءَ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَقْضِي) أَيْ إنْ أَمْعَنَ فِي النَّظَرِ وَإِلَّا قَضَى قَطْعًا، وَفَارَقَ مَا هُنَا إضْلَالَهُ فِي رَحْلِهِ أَنَّ مُخَيَّمَ الرُّفْقَةِ أَوْسَعُ مِنْ مُخَيَّمِهِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: شَأْنُهُ ذَلِكَ وَإِنْ اتَّسَعَ مُخَيَّمُهُ أَوْ ضَاقَ مُخَيَّمُ رُفْقَتِهِ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا خِلَافَهُ تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَأَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَالَ الصَّلَاةِ مَاءٌ) أَيْ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ حَالَةَ التَّيَمُّمِ وَعِلْمُهُ بِكَوْنِهِ مَعَهُ قَبْلَ الْإِضْلَالِ لَا يَضُرُّ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَجَ فِي رَحْلِهِ أَوْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ بِئْرٌ هُنَاكَ، أَوْ غُصِبَ مِنْهُ، أَوْ تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ فِي الْوَقْتِ، أَوْ ضَلَّ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ الْقَافِلَةِ أَوْ عَنْ الْمَاءِ كَالْبِئْرِ، أَوْ حَالَ نَحْوُ سَبُعٍ، أَوْ عُلِمَ انْتِهَاءُ نَوْبَتِهِ بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ فَلَا قَضَاءَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي ثَمَنِهِ أَوْ آلَتِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَيَلْزَمُهُ اسْتِرْدَادُهُ، وَيَصِحُّ قَبْلَ الْوَقْتِ مُطْلَقًا. نَعَمْ إنْ أَمْكَنَ عَوْدُهُ فِي الْوَقْتِ كَبَيْعٍ بِخِيَارٍ أَوْ هِبَةٍ لِفَرْعِهِ وَجَبَ الْفَسْخُ وَالرُّجُوعُ، وَفَارَقَ مَا هُنَا صِحَّةَ بَيْعِ نَحْوِ عَبْدٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِنَحْوِ دَيْنٍ أَوْ كَفَّارَةٍ بِأَنَّ الدُّيُونَ وَالْكَفَّارَاتِ مُتَعَلَّقُهَا الذِّمَّةُ، وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ.

(فَرْعٌ) يَحْرُمُ الْحَدَثُ عَلَى مُتَطَهِّرٍ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مَاءَ مَعَهُ.

قَوْلُهُ: (يَحْتَاجُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ، وَضَبَطَهُ غَيْرُهُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِيَشْمَلَ حَاجَةَ غَيْرِ مَنْ هُوَ مَعَهُ وَلَوْ فِي قَافِلَةٍ كَبِيرَةٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْرُمُ الْوُضُوءُ فِي رَكْبِ الْحَاجِّ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ عَطْشَانَ، وَقَوَّاهُ ابْنُ حَجَرٍ وَفِيهِ نَظَرٌ بِقَوْلِهِمْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَطَشِ الْمُبِيحِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَرَضِ مَنْقُولُ الْأَطِبَّاءِ، وَالْمُرَادُ بِالِاحْتِيَاجِ وَقْتُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ فَلَا يَضُرُّ طُرُوءُ عَدَمِ الْحَاجَةِ بَعْدَهُمَا كَحُدُوثِ مَطَرٍ، فَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ أَوْ إلَى بَعْضِهِ وَلَوْ لِمَاءٍ يَكْفِي صَلَاةً وَاحِدَةً وَجَبَ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ وُجِدَتْ مَعَ بَقَاءِ غَيْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ.

(فَرْعٌ) يَجِبُ جَمْعُ الْمَاءِ بَعْدَ التَّطَهُّرِ بِهِ عَنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ لِسَقْيِ دَابَّةٍ وَغَيْرِ مُمَيِّزٍ، وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا، فَلِمَنْ مَعَهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ وَطَهُورٌ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ الطَّهُورَ وَيَتَيَمَّمَ. قَوْلُهُ:(إلَيْهِ) أَيْ الْمَاءِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْمَاءِ أَوْ ثَمَنِهِ أَوْ آلَتِهِ لَا يُنَاسِبُ مَا بَعْدَهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّكْرَارِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ:(لِعَطَشِ) قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِهِ وَلَوْ مَآلًا لِأَنَّ غَيْرَهُ فِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (رَفِيقُهُ) بِالْفَاءِ وَالْقَافِ بَعْدَ الرَّاءِ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ كُلِّ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَلَوْ فِي الْقَافِلَةِ كَمَا مَرَّ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْحَاجَةِ لِلْعَطَشِ مَا يَأْتِي فِي خَوْفِ الْمَرَضِ مِنْ قَوْلِ طَبِيبٍ عَدْلٍ عَلَى مَا يَأْتِي، وَمُقْتَضِي ذَلِكَ عَدَمُ جَوَازِهِ وَلَوْ مَعَ مَشَقَّةٍ لَا تَحْتَمِلُ عَادَةً خُصُوصًا مَعَ عَدَمِ وُجُودِ طَبِيبٍ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، وَمَحَاسِنُ الشَّرِيعَةِ تَأْبَى ذَلِكَ صِيَانَةً لِلرُّوحِ، فَهُوَ كَالِاضْطِرَارِ، وَلِذَلِكَ

ــ

[حاشية عميرة]

أَوْ التَّلَفِ فَلَا، مَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَاءَ الَّذِي مَعَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلَوْ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ، قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَكَذَا لَوْ بَلَغَ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ

قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الْمَاءُ) مِثْلُ الْمَاءِ ثَمَنُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ الطَّلَبِ) فِي الرَّافِعِيِّ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَجِدْهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْعَدَمُ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا تَحَقَّقَ بَقَاءَهُ وَلَكِنْ الْتَبَسَ عَلَيْهِ وَضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى الطَّلَبِ إلَى أَنْ يَجِدَهُ كَنَظِيرِهِ مِنْ الِازْدِحَامِ عَلَى الْبِئْرِ انْتَهَى. قُلْت: قَدْ قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ لَوْ عُلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَنْتَهِي إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ تَيَمَّمَ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَوَجَدَ كَذَا هُوَ فِي الرَّافِعِيِّ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِعَدَمِ الْقَضَاءِ فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ عَدَمُ الْوِجْدَانِ وَقَوْلُ الْمَتْنِ قَضَى مُرَادَهُ مَا يَشْمَلُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ، أَيْ فَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَهُ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَخِلَافُهُ بَعِيدٌ جِدًّا.

(تَنْبِيهٌ) قَيَّدَ الْإِسْنَوِيُّ مَحَلَّ الْقَوْلِ فِي الثَّانِيَةِ بِمَا إذَا أَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ نَاقِلًا ذَلِكَ عَنْ تَصْوِيرِ الرَّافِعِيِّ رحمه الله. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَقِيلَ فِي قَضَائِهِ الْقَوْلَانِ) مَحَلُّهُ إذَا أَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ مَآلًا) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ

ص: 94

عَنْ التَّلَفِ. وَخَرَجَ بِالْمُحْتَرَمِ غَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

(الثَّالِثُ) مِنْ الْأَسْبَابِ (مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمَاءِ (عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ أَنْ تَذْهَبَ كَأَنْ يَحْصُلَ بِاسْتِعْمَالِهِ عَمًى أَوْ خَرَسٌ أَوْ صَمَمٌ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ الْخَوْفُ عَلَى الرُّوحِ أَوْ الْعُضْوِ أَيْضًا. (وَكَذَا بُطْءُ الْبُرْءِ) أَيْ طُولُ مُدَّتِهِ. (أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٌ فِي الْأَظْهَرِ) وَالْأَصْلُ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَرَضِ قَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [المائدة: 6] إلَى {فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] إلَى آخِرِهِ أَيْ حَيْثُ خِفْتُمْ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَا ذُكِرَ. وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ يَقُولُ لَيْسَ فِي الْبُطْءِ وَالشَّيْنِ الْمَذْكُورِ كَبِيرُ ضَرَرٍ، وَالشَّيْنُ الْأَثَرُ الْمُنْكَرُ مِنْ تَغَيُّرِ لَوْنٍ أَوْ نُحُولٍ أَوْ اسْتِحْشَافٍ وَثُغْرَةٍ تَبْقَى وَلَحْمَةٍ تَزِيدُ.

قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ الدِّيَاتِ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلٍ. وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ. وَالظَّاهِرُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ هُنَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ غَالِبًا كَالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ. وَقَالَ فِي الْجِنَايَاتِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ مَا لَا يَكُونُ كَشْفُهُ هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ. وَقِيلَ: مَا عَدَا الْعَوْرَةَ. وَسَكَتَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَاحْتَرَزُوا بِالْفَاحِشِ عَنْ الْيَسِيرِ كَقَلِيلِ سَوَادٍ وَبِالتَّقْيِيدِ بِالظَّاهِرِ عَنْ الْفَاحِشِ فِي الْبَاطِنِ، فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ، وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَيُعْتَمَدُ فِي خَوْفِ مَا ذُكِرَ قَوْلُ عَدْلٍ فِي الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ (وَشِدَّةُ الْبَرْدِ كَمَرَضٍ) فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَهَا إذَا خِيفَ مِنْ

ــ

[حاشية قليوبي]

جَازَ لِلْعَطْشَانِ وَلِغَيْرِهِ لِأَجْلِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ مِنْ مَالِكِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَطْشَانَ وَلَا مَعَهُ عَطْشَانُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَمُقَاتَلَتَهُ، وَلَا ضَمَانَ لَوْ تَلِفَ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِمَنْعِهِ، بَلْ الطَّالِبُ مَضْمُونٌ لَوْ أَتْلَفَهُ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ كَمَا فِي الصَّائِلِ وَالْمَصُولِ عَلَيْهِ، وَكَالْعَطْشَانِ مَنْ مَعَهُ حَيَوَانٌ عَطْشَانُ، وَيُقَدِّمُ حَاجَةَ الْعَطْشَانِ الْحَالِيَّةِ عَلَى حَاجَةِ مَالِكِهِ الْمَالِيَّةِ.

(فَرْعٌ) يُقَدَّمُ فِي الْحَاجَةِ إلَى الْمَاءِ الْعَطْشَانُ، ثُمَّ الْمَيِّتُ، ثُمَّ أَسْبَقُ الْمَيِّتِينَ، ثُمَّ الْمُتَنَجِّسُ، ثُمَّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، ثُمَّ الْجُنُبُ، ثُمَّ الْمُحْدِثُ. نَعَمْ إنْ كَفَى الْمُحْدِثَ دُونَ الْجُنُبِ قُدِّمَ، وَإِذَا اسْتَوَى اثْنَانِ قُدِّمَ بِالرَّحِمِ ثُمَّ بِالْأَفْضَلِيَّةِ ثُمَّ بِالْقُرْعَةِ، نَعَمْ إنْ كَفَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُدِّمَ الْأَوَّلُ عَلَى نَظِيرِ مَا قَبْلَهُ، وَيَحْرُمُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ:(غَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ) وَمِنْهُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ فَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ قَبْلَ تَوْبَتِهِ فِي الْعَطَشِ وَالْمَرَضِ الْآتِي.

قَوْلُهُ: (مَنْفَعَةِ عُضْوٍ) أَيْ مُحْتَرَمٍ كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا كَابْنِ حَجَرٍ، وَمِثْلُ الْعُضْوِ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(أَنْ تَذْهَبَ) أَوْ تَقِلَّ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبِلِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُحَرَّرِ إلَخْ) وَهُوَ مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (بُطْءُ الْبُرْءِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا فِيهِمَا وَمِثْلُهُ زِيَادَةُ الْأَلَمِ. قَوْلُهُ: (أَيْ طُولِ مُدَّتِهِ) .

قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَبْعُدُ ضَبْطُ أَقَلِّ الطُّولِ بِقَدْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَالشَّيْنُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ هُوَ. قَوْلُهُ: (الْمِهْنَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا. قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ إلَخْ) أَيْ فَهُمَا وَاحِدٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَشْكَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) فَقَالَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَلَوْ تَافِهَةً تُجَوِّزُ الْعُدُولَ إلَى التَّيَمُّمِ، وَمَا هُنَا يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ رَقِيقًا يَنْقُصُ قِيمَتُهُ نَقْصًا فَاحِشًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الثَّمَنِ مُحَقَّقَةٌ. وَفِيهَا تَفْوِيتٌ حَاصِلٌ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الرَّقِيقِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْصِ الْقِيمَةِ نَقْصُ الثَّمَنِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي الْجَوَابِ، وَغَيْرُ مَنْقُودٍ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (عَدْلٍ فِي الرِّوَايَةِ) وَهُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الَّذِي لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً وَلَمْ يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَكَالْعَدْلِ فَاسِقٌ وَلَوْ كَافِرًا اُعْتُقِدَ صِدْقُهُ، وَيَعْمَلُ بِمَعْرِفَتِهِ لِنَفْسِهِ إنْ عَرَفَ الطِّبَّ مُطْلَقًا، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّجْرِبَةِ، وَاكْتَفَى بِهَا الْإِسْنَوِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُمَا، وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَهُوَ الْوَجْهُ كَمَا فِي جَوَازِ الْعُدُولِ إلَى الْمَيْتَةِ مَعَ الْخَوْفِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الطَّاهِرِ فِي الْمُضْطَرِّ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ لُزُومَ الصَّلَاةِ مُحَقَّقٌ لَا يُجْدِي نَفْعًا، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْخَوْفِ اتِّفَاقًا، وَلَا بُدَّ مِنْ سُؤَالِ الطَّبِيبِ

ــ

[حاشية عميرة]

لُقْيَا الْمَاءِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ لَوْ اسْتَعْمَلَ مَاءً مَعَهُ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ مَقَالَةٌ، فَفِي الرَّوْضَةِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّدَهُ وَإِنْ كَانَ يَرْجُو الْمَاءَ فِي الْغُدُوِّ لَا يَتَحَقَّقُهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ) مِثْلُهُ الْخَوْفُ مِنْ حُدُوثِ الْمَرَضِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى مَنْفَعَةِ عُضْوٍ) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ طُولُ مُدَّتِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْأَلَمُ وَمِثْلُ ذَلِكَ زِيَادَةُ الْمَرَضِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ، وَعِلَّةُ الْأَظْهَرِ أَنَّ الضَّرَرَ بِهَذَا أَشَدُّ مِنْ بَذْلِ الزِّيَادَةِ الْيَسِيرَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ، وَقَدْ جَوَّزُوا التَّيَمُّمَ لِأَجْلِهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ إلَخْ) اسْتَنَدَ قَائِلُهُ أَيْضًا إلَى مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ تَفْسِيرِ الْمَرَضِ بِاَلَّذِي يَخَافُ مَعَهُ التَّلَفَ، وَلِأَنَّ الشَّيْنَ الْمَذْكُورَ فَوَاتُ جَمَالٍ فَقَطْ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(فَلَا أَثَرَ لِخَوْفِ ذَلِكَ) الْإِشَارَةُ تَرْجِعُ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ: قَلِيلُ سَوَادٍ، وَقَوْلِهِ: عَنْ الْفَاحِشِ قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَاسْتَشْكَلَهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَوَجْهُ الِاسْتِشْكَالِ مَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي مَمْلُوكٍ نَفِيسٍ فَإِنَّ الْخُسْرَانَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ، الْخُسْرَانِ الْحَاصِلِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَأُجِيبَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ

ص: 95

اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمَعْجُوزِ عَنْ تَسْخِينِهِ مَا ذُكِرَ مِنْ ذَهَابِ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ

(وَإِذَا امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ الْمَاءِ (فِي عُضْوٍ) لِعِلَّةٍ (إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَاتِرٌ وَجَبَ التَّيَمُّمُ، وَكَذَا غَسْلُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَذْهَبِ) وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ وَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا لَا يَكْفِيهِ، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَذُكِرَ فِي الدَّقَائِقِ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْمُحَرَّرِ غَسْلُ الصَّحِيحِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ إلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ لِأَنَّهُ الصَّوَابُ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ وَاجِبٌ قَطْعًا، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ لِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعَ الْكَسْرِ بِلَا طَهَارَةٍ، وَقَالَ: لَمْ أَرَ خِلَافًا فِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَيَتَلَطَّفُ فِي غَسْلِ الصَّحِيحِ الْمُجَاوِرِ لِلْعَلِيلِ بِوَضْعِ خِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ بِقُرْبِهِ، وَيَتَحَامَلُ عَلَيْهَا لِيَنْغَسِلَ بِالْمُتَقَاطِرِ مِنْهَا مَا حَوَالَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ إلَيْهِ (وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغَسْلِ (لِلْجُنُبِ) وُجُوبًا، وَالْأَوْلَى لَهُ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ لِيُزِيلَ الْمَاءُ أَثَرَ التُّرَابِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ فِي الْمُحْدِثِ

(فَإِنْ كَانَ) مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ (مُحْدِثًا فَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ) رِعَايَةً لِتَرْتِيبِ الْوُضُوءِ، وَالثَّانِي يَتَيَمَّمُ مَتَى شَاءَ كَالْجُنُبِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَالتَّرْتِيبُ إنَّمَا يُرَاعَى فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ. (فَإِنْ جُرِحَ عُضْوَاهُ) أَيْ الْمُحْدِثِ (فَتَيَمُّمَانِ) عَلَى الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ، وَعَلَى الثَّانِي تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَكُلٌّ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَيُنْدَبُ أَنْ

ــ

[حاشية قليوبي]

فِي كُلِّ وَقْتٍ اُحْتُمِلَ فِيهِ عَدَمُ الضَّرَرِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الطَّبِيبَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لَزِمَهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُ بِجَوَازِهِ.

قَالَهُ شَيْخُنَا فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ) كَالْوَصِيَّةِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ، وَمُقْتَضَاهُ اعْتِبَارُ كَوْنِهِمَا عَدْلَيْ شَهَادَةٍ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ كَالْقَاضِي. قَوْلُهُ:(الْمَعْجُوزِ عَنْ تَسْخِينِهِ) وَيَجْرِي هُنَا فِيمَا يُسَخَّنُ بِهِ مَا مَرَّ فِي طَلَبِ الْمَاءِ مِنْ الْحُدُودِ السَّابِقَةِ وَأَحْوَالِهَا.

قَوْلُهُ: (وَإِذَا امْتَنَعَ) أَيْ حَرُمَ وَلَوْ فِي بُطْءِ الْبُرْءِ وَالشَّيْنِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَقَيَّدَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ الْحُرْمَةَ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الضَّرَرُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى امْتَنَعَ الْوُجُوبُ فَلَا حُرْمَةَ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إلَّا فِي قِنٍّ مَنَعَهُ سَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: (فِي عُضْوٍ) وَمِنْهُ الْوَجْهُ فَيَتَيَمَّمُ عَلَى الْيَدَيْنِ بِنِيَّةٍ عِنْدَهُمَا. قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَكُنْ سَاتِرٌ) وَكَذَا إنْ كَانَ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا. قَوْلُهُ: (غَسَلَ الصَّحِيحَ) أَيْ مِنْ بَاقِي الْعُضْوِ الْعَلِيلِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا خِلَافَ فِي غَسْلِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَبَدَنُ الْجُنُبِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. قَوْلُهُ:(وَاجِبٌ قَطْعًا) فَذَكَرَ الْمُحَرَّرُ الْخِلَافَ فِيهِ مُعْتَرِضٌ وَسَكَتَ عَنْ تَعْبِيرِهِ بِالصَّحِيحِ عَنْ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ لَا اصْطِلَاحَ لَهُ فَلَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (لِيَنْغَسِلَ إلَخْ) فَهُوَ غَسْلٌ حَقِيقَةً فَإِنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ غَسْلًا خَفِيفًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَمَسَّهُ مَاءً بِلَا إفَاضَةٍ، وَلَا يَكْفِي مَسْحُهُ بِالْمَاءِ، وَمَا قِيلَ إنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ مَسَحَهُ بِمَاءٍ فَهُوَ خَطَأٌ وَتَحْرِيفٌ فِي عِبَارَةِ الْإِمَامِ السَّابِقَةِ، وَفَارَقَ الِاكْتِفَاءَ بِمَسْحِ الْجَبِيرَةِ عَنْهُ لِأَنَّ مَسْحَهَا بَدَلٌ عَنْ غَسْلِهِ، وَمَا هُنَا أَصْلٌ، وَلَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَنْهُ لِأَنَّ الْغَسْلَ أَقْوَى، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِ مَحَلِّ الْعِلَّةِ غَسْلًا خَفِيفًا لَمْ يَكْفِ عَنْ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ، وَتَجِبُ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا، فَإِنْ تَعَذَّرَ وَجَبَ الْقَضَاءُ، وَلَا يَجِبُ نَزْعُ سَاتِرٍ خِيفَ مِنْ نَزْعِهِ وَإِلَّا وَجَبَ النَّزْعُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تَرْتِيبَ إلَخْ) لَكِنَّ الْأَوْلَى كَوْنُ التَّيَمُّمِ وَقْتَ طَلَبِ غَسْلِ مَحَلِّ الْعِلَّةِ، وَيَجِبُ إمْرَارُ التُّرَابِ عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّة وَلَوْ عَلَى أَفْوَاهِ الْعُرُوقِ. قَوْلُهُ:(وَفِي الْمُحْدِثِ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ.

قَوْلُهُ: (فَتَيَمُّمَانِ) أَيْ إنْ وَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا كَمَا لَوْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ الْوَجْهَ

ــ

[حاشية عميرة]

الضَّرَرِ مَا لَا يُغْتَفَرُ بِسَبَبِ التَّحْصِيلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ يَسْتَعْمِلُهُ فِي الْمَفَازَةِ وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَضْعَافَ ثَمَنِ مَاءِ الطَّهَارَةِ، وَبِأَنَّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ غَيْرُ مُحَقَّقٍ بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِأَنَّ الْخُسْرَانَ فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ يَرْجِعُ إلَى الْمُسْتَعْمَلِ بِخِلَافِ هَذِهِ أَيْ فَإِنَّ الْخُسْرَانَ فِيهَا يَرْجِعُ إلَى مَالِكِ الرَّقِيقِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (غَسْلُ الصَّحِيحِ) الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوُ الْجَرِيحُ، أَمَّا بَاقِي الْأَعْضَاءِ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهِ وَعَلَّلَ وُجُوبَ غَسْلِ بَاقِي الْعُضْوِ الْجَرِيحِ بِالْقِيَاسِ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ بَاقِي الْأَعْضَاءِ عِنْدَ فَقْدِ أَحَدِهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ:(قَوْلُ الْمُحَرَّرِ غَسْلُ الصَّحِيحِ) هُوَ اقْتِصَارٌ مِنْهُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ لِأَنَّهَا الرَّاجِحَةُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِيَنْغَسِلَ بِالْمُتَقَاطِرِ مِنْهَا إلَخْ) لَوْ تَعَذَّرَ بِنَفْسِهِ وَجَبَتْ الِاسْتِنَابَةُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يَقْضِي لِنُدُورِهِ، وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَوْضِعِ الْعِلَّةِ بِالْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الْغَسْلُ، كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ، انْتَهَى، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْجَبِيرَةَ إذَا تَعَذَّرَ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا مِنْ الصَّحِيحِ يَجِبُ مَسْحُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، فَأَنْتَ قَدْ تُفَرِّقُ بِأَنَّ وَاجِبَ الْجَبِيرَةِ الْمَسْحُ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الصَّحِيحِ الَّذِي تَحْتَهَا، فَحَيْثُ أَمْكَنَ مَسْحُ الصَّحِيحِ اُتُّجِهَ وُجُوبُهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ جُرِحَ عُضْوَاهُ إلَخْ) لَا يُقَالُ إذَا جُرِحَ بَعْضُ وَجْهِهِ وَيَدِهِ مَثَلًا ثُمَّ غَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ

ص: 96

يُجْعَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ كَعُضْوٍ

(وَإِنْ كَانَ) بِالْعُضْوِ سَاتِرٌ (كَجَبِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا) بِأَنْ يَخَافَ مِنْهُ، مَحْذُورٌ مِمَّا سَبَقَ (غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ كَمَا سَبَقَ) بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ، وَفِي التَّيَمُّمِ هُنَا قَوْلٌ إنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ وُجُوبِ غَسْلِ الصَّحِيحِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الصَّحِيحِ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ اكْتِفَاءً بِهِ، وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ حَكَى فِي قِسْمِ السَّاتِرِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الصَّحِيحِ الطَّرِيقَيْنِ، وَفِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ فِي قِسْمِ عَدَمِ السَّاتِرِ غَسَلَ الصَّحِيحَ، وَفِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَالْجَبِيرَةُ أَلْوَاحٌ تُهَيَّأُ لِلْكَسْرِ وَالِانْخِلَاعِ تُجْعَلُ عَلَى مَوْضِعِهِ. وَاللَّصُوقُ بِفَتْحِ اللَّامِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجِرَاحَةُ مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ قُطْنَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَهُ وَلِمَحَلِّهِ حُكْمُ الْجَبِيرَةِ وَمَحَلُّهَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا سَيَأْتِي.

(وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ مَسْحُ كُلِّ جَبِيرَتِهِ بِمَاءٍ) اسْتِعْمَالًا لِلْمَاءِ مَا أَمْكَنَ. (وَقِيلَ بَعْضُهَا) كَالْخُفِّ، وَلَا يَتَأَقَّتُ مَسْحُهَا، وَيَمْسَحُ الْجُنُبَ مَتَى شَاءَ وَالْمُحْدِثُ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ، وَاحْتَرَزَ بِمَاءٍ عَنْ التُّرَابِ فَلَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِهِ إذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا لِيَكْتَفِيَ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ وَجَبَ بِأَنْ يَضَعَ خِرْقَةً مَبْلُولَةً عَلَيْهِ وَيَعْصِرُهَا لِيَنْغَسِلَ بِالْمُتَقَاطَرِ مِنْهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْجَبِيرَةَ

ــ

[حاشية قليوبي]

وَالْيَدَيْنِ فَيَكْفِي لَهُمَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ عَمَّتْ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ.

قَوْلُهُ: (سَاتِرٌ) أَيْ عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ وَأَخَذَ مِنْ الصَّحِيحِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَمِنْهُ عِصَابَةُ الْفَصْدِ. قَوْلُهُ: (لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا) هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْمَسْحِ وَصِحَّتُهُ لَا لِتَسْمِيَتِهَا وَلَا لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا سَبَقَ) لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِاقْتِضَائِهِ الْقَطْعَ فِي غَسْلِ الصَّحِيحِ، وَلَا لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ لِاقْتِضَائِهِ الْقَطْعَ فِي التَّيَمُّمِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ إلَى تَمْهِيدِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ. قَوْلُهُ:(وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ) مِنْ التَّرْتِيبِ فِي غَيْرِ الْجُنُبِ وَعَدَمِهِ فِيهِ وَمَا لَوْ جُرِحَ عُضْوَاهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَفِي التَّيَمُّمِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ عِنْدَهُ كَافٍ عَمَّا تَحْتَهَا مِنْ الصَّحِيحِ وَالْعَلِيلِ مَعًا. قَوْلُهُ: (اكْتِفَاءً بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ عَنْ الْعَلِيلِ وَالصَّحِيحِ مَعًا. قَوْلُهُ: (وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ) هُوَ ظَاهِرٌ فِي تَقْرِيرِ الِاعْتِرَاضِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ وَلِمَحَلِّهِ إلَخْ) هُوَ مُسْتَدْرَكٌ لِدُخُولِهِ فِي السَّاتِرِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (وَمَسْحُ كُلِّ جَبِيرَتِهِ) إنْ كَانَتْ كُلُّهَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ مَسْحُ مَا حَاذَى الْخَارِجَ عَنْهُ، وَيُعْفَى عَنْ الدَّمِ عَلَيْهَا، وَإِنْ اخْتَلَطَ بِمَاءِ الْمَسْحِ قَصْدًا لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَيَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ.

قَالَ شَيْخُنَا: فَلَوْ جَمَدَ الدَّمُ عَلَى الْعِلَّةِ حَتَّى صَارَ كَالْجَبِيرَةِ وَجَبَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَكَفَى. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَأَقَّتُ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ التَّأْقِيتِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْخُفِّ، فَالْمُرَادُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ الْبَعْضِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَتَأَقَّتُ مَسْحُهَا بِإِمْكَانِ النَّزْعِ. قَوْلُهُ:(فَلَا يَجِبُ) أَيْ بَلْ يُنْدَبُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَسْحٌ بِالْمَاءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ إلَخْ) جَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ ذَلِكَ شَرْطًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَالْمَسْحُ عَلَيْهَا وَاقِعٌ عَمَّا أَخَذَتْهُ مِنْ الصَّحِيحِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ بِأَخْذِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ، وَبِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا وَأَتْبَاعُهُ، وَيُمْكِنُ تَنْزِيلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ لِيَكْتَفِيَ أَيْ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ يَقَعْ

ــ

[حاشية عميرة]

عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدِ، وَيَكُونُ التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرًا فِيمَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ سَاقِطًا فِيمَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّا نَقُولُ: أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُضْوَ الْوَاحِدَ لَا تَتَجَزَّأُ طَهَارَتُهُ تَرْتِيبًا وَعَدَمَهُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَجَبِيرَةٍ إلَخْ) إيضَاحُهُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ رحمه الله الْمُعْتَبَرُ فِي حَاجَةِ الْإِلْقَاءِ أَنْ يَخَافَ شَيْئًا مِنْ الْمَضَارِّ السَّابِقَةِ لَوْ لَمْ يَلْقَهَا، قَالَ: وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَضْعُ بِحَيْثُ لَا يَخَافُ مِنْهُ إيصَالَ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الِانْجِبَارَ؛ انْتَهَى. وَقَوْله: لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْأَوْلَى وَلَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا لِأَنَّ الْعِبَارَةَ تُوهِمُ أَنَّ الْمُمْكِنَ النَّزْعِ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا، قُلْت: يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ كَانَ نَاقِصَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُ الشَّارِحِ:(بِأَنْ يُخَافَ مِنْهُ مَحْذُورٌ مِمَّا سَبَقَ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَجِبُ نَزْعُهَا وَإِنْ وُضِعَتْ عَلَى طُهْرٍ مَا لَمْ يُخْشَ الْمَحْذُورُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا إنْ وُضِعَتْ عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَفِي التَّيَمُّمِ هُنَا قَوْلٌ إنَّهُ لَا يَجِبُ إلَخْ) عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ بَدَلٌ عَنْ الصَّحِيحِ الَّذِي تَحْتَهَا دُونَ الْجَرِيحِ فَالتَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ نَعَمْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَنْ جَمِيعِ مَا تَحْتَهَا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُعَضِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ، وَلَا يَتَأَقَّتُ مَسْحُهَا، أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمُقَابِلُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ.

قَالَ الْإِمَامُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَمْكَنَ الرَّفْعُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِاسْتِدَامَةِ انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ يُرَاجَعُ مِنْ الْإِسْنَوِيِّ قَوْلُ الشَّارِحِ:(فَلَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِهِ) لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ السَّاتِرِ فَيُسْتَحَبُّ مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ وَجَبَ) لَوْ تَعَذَّرَ

ص: 97

إنْ وُضِعَتْ عَلَى طُهْرٍ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ أَوْ عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ. (فَإِذَا تَيَمَّمَ) الْمَذْكُورُ (لِفَرْضٍ ثَانٍ) بِأَنْ أَدَّى بِطَهَارَتِهِ فَرْضًا إذْ التَّيَمُّمُ وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ غَسْلُ الصَّحِيحِ لَا يُؤَدَّى بِهِ غَيْرُ فَرْضٍ وَنَوَافِلَ كَمَا سَيَأْتِي.

(وَلَمْ يُحْدِثْ لَمْ يُعِدْ الْجُنُبُ غَسْلًا) لِمَا غَسَلَهُ (وَيُعِيدُ الْمُحْدِثُ) غَسْلَ (مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ) حَيْثُ كَانَ رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ (وَقِيلَ يَسْتَأْنِفَانِ) الْغَسْلَ وَالْوُضُوءَ وَيَأْتِي الْمُحْدِثُ بِالتَّيَمُّمِ فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلٍ قُدِّمَ فِي مَاسِحِ الْخُفِّ أَنَّهُ إذَا نَزَعَهُ أَوْ انْتَهَتْ الْمُدَّةُ، وَهُوَ بِطُهْرِ الْمَسْحِ تَوَضَّأَ، وَجْهُ التَّخْرِيجِ أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ أَصْلٍ وَبَدَلٍ، وَقَدْ بَطَلَ الْأَصْلُ بِبُطْلَانِ الْبَدَلِ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا. (وَقِيلَ: الْمُحْدِثُ كَجُنُبٍ) فَلَا يُعِيدُ غَسْلَ مَا بَعْدَ عَلِيلِهِ لِبَقَاءِ طَهَارَتِهِ إذْ يَتَنَفَّلُ بِهَا، وَإِنَّمَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ لِضَعْفِهِ عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ. (قُلْت: هَذَا الثَّالِثُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا ذُكِرَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُحْدِثْ عَمَّا إذَا أَحْدَثَ، فَإِنَّهُ كَمَا سَبَقَ يَغْسِلُ الصَّحِيحَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَيَتَيَمَّمُ عَنْ الْعَلِيلِ مِنْهَا وَقْتَ غُسْلِهِ، وَيَمْسَحُ الْجَبِيرَةَ بِالْمَاءِ إنْ كَانَتْ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ مَعَ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ.

ــ

[حاشية قليوبي]

عَنْ الْجُزْءِ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ بَلْ إنْ قَدَرَ عَلَى نَزْعِ السَّاتِرِ عَنْهُ وَغَسَلَهُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى عَدَمِ الطَّهَارَةِ فَصَلَاتُهُ مَعَهُ كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ لِذَلِكَ لَا لِعَدَمِ وَضْعِ الْجَبِيرَةِ عَلَى طُهْرٍ فَتِلْكَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ وَسَيَأْتِي إلَخْ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْعَلِيلِ فَقَطْ، وَأَنَّ الْمَسْحَ بَدَلٌ عَمَّهُ تَحْتَ الْجَبِيرَةِ مِنْ الصَّحِيحِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهِ عَلَى مَا مَرَّ وَأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ الصَّحِيحِ شَيْئًا سَقَطَ الْمَسْحُ، وَأَنَّ الْمَسْحَ رَافِعٌ كَالْغَسْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ، وَأَنَّهُ إذَا سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ وَلِأَعْضَاءٍ مُتَوَالِيَةٍ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ كَفَى عَنْهَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ عَمَّتْ الْجَبِيرَةُ الرَّأْسَ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِمَّا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ شَيْءٌ وَجَبَ التَّيَمُّمُ عَنْ الْوَاجِبِ أَوْ عَنْ كُلِّهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْوَاجِبِ، وَسَقَطَ الْمَسْحُ وَلَا يُكْتَفَى بِهِ عَنْ التَّيَمُّمِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَاجِبِ شَيْءٌ بِقَدْرِ اسْتِمْسَاكِ الْجَبِيرَةِ وَجَبَ الْمَسْحُ، وَلَا بُدَّ مِنْ مَسْحِ كُلِّ الْجَبِيرَةِ وَإِنْ كَانَ مَا تَحْتَهَا أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ لِأَنَّ مَسْحَ كُلِّهَا شَرْطٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِمَسْحِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا، وَسَقَطَ التَّيَمُّمُ بَلْ لَا يُكْتَفَى بِهِ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا، وَالْمَسْحُ أَفْضَلُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَكْمَلُ، وَلَوْ امْتَنَعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي بَعْضِ الْوَجْهِ أَوْ بَعْضِ الْيَدَيْنِ أَوْ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا تَعَدَّدَ التَّيَمُّمُ فِي الثَّالِثَةِ وَوَجَبَ مَسْحُ مَحَلِّ الْعِلَّةِ بِالتُّرَابِ فِي الْكُلِّ إنْ لَمْ يَكُنْ سَاتِرٌ، وَنُدِبَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ، وَلَوْ عَمَّتْ الْعِلَّةُ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ أَوْ أَعْضَاءَ التَّيَمُّمِ وَعَمَّتْ الْجَبِيرَةُ أَعْضَاءَ التَّيَمُّمِ سَقَطَ الْمَسْحُ.

وَالتَّيَمُّمُ كَالْغَسْلِ، كَمَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: إنَّ التُّرَابَ ضَعِيفٌ لَا يُؤَثِّرُ فَوْقَ حَائِلٍ فَيُصَلِّي كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَيُعِيدُ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ وُجُوبُ الْمَسْحِ هُنَا، قَالَ: وَلَوْ عَمَّتْ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَجَبَ الْوُضُوءُ مَسْحًا، وَعَنْ بَعْضِهِمْ هُنَا وُجُوبُ التَّيَمُّمِ فَوْقَ الْجَبِيرَةِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْ عُضْوِ التَّيَمُّمِ شَيْءٌ صَحِيحٌ بِقَدْرِ الِاسْتِمْسَاكِ تَحْتَ الْجَبِيرَةِ وَجَبَ مَسْحُهَا، وَفِي التَّيَمُّمِ مَا عَلِمْت، وَعَنْ بَعْضِهِمْ نُدِبَ التَّيَمُّمُ هُنَا وَلَا يَجِبُ. قَوْلُهُ:(وَإِنَّمَا يُعِيدُ التَّيَمُّمَ) وَيَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَعَدَّدَ فِي الْأَوَّلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ سُقُوطُ التَّرْتِيبِ فِي التَّيَمُّمِ مَعَ تَعَدُّدِ مَحَالِّ الْعِلَّةِ، وَمِنْهُ جُنُبٌ بِهِ عِلَّةٌ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَعِلَّةٌ فِي غَيْرِهَا، فَيَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا، وَلَهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى غَسْلِ الصَّحِيحِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ وَتَوَسُّطُهُ، فَلَوْ أَحْدَثَ وَأَرَادَ فَرْضًا آخَرَ فَكَذَلِكَ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ الْمِقْدَارِ وَلَا نَظَرَ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ، وَمِنْهُ جُنُبٌ فِي ظَهْرِهِ جَبِيرَةٌ فَغَسَلَ الصَّحِيحَ مِنْ بَدَنِهِ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْعَلِيلِ وَمَسَحَهَا بِالْمَاءِ وَصَلَّى فَرْضًا، ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ جُرِحَتْ يَدُهُ، ثُمَّ أَرَادَ الصَّلَاةَ فَيَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِمَا مَرَّ، وَالْقَوْلُ بِلُزُومِ تَيَمُّمَيْنِ فِي ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ فِيهِ نَظَرٌ خُصُوصًا إذَا تَيَمَّمَ وَقْتَ غَسْلِ يَدِهِ.

قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ) لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ، وَلَهُ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ عَلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَصْغَرُ تَبَعًا، كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَاعْتَمَدَهُ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ، وَمَنْ أَحْدَثَ وَجَبَ عَلَيْهِ

ــ

[حاشية عميرة]

غَسْلُهُ وَلَكِنْ أَمْكَنَ مَسْحُهُ بِالْمَاءِ وَجَبَ أَيْضًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (عَلَى طُهْرٍ) أَيْ كَامِلٍ كَالْخُفِّ لَا طَهَارَةَ الْعُضْوِ فَقَطْ وَبَحَثَ فِي الْخَادِمِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ لَوْ وَضَعَهَا فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثُمَّ أَجْنَبَ فَهُوَ وَضْعٌ عَلَى طُهْرٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَمْ يُعِدْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَقَوْلُهُ غَسْلًا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (غَسْلُ) هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ عَلَى أَنَّ اسْتِئْنَافَ الْغُسْلِ غَيْرُ وَاجِبٍ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: فِيهِ خِلَافٌ كَمَا فِي الْوُضُوءِ، قَالَ: وَاَلَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ أَوْ مَتْرُوكٌ انْتَهَى.

ص: 98