الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ)
.
(يُقَدِّمُ دَاخِلُ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ وَالْخَارِجُ يَمِينَهُ) لِمُنَاسِبَةِ الْيَسَارِ لِلْمُسْتَقْذَرِ وَالْيَمِينِ لِغَيْرِهِ، وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي نُقِلَ إلَى الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عُرْفًا (وَلَا يَحْمِلُ) فِي الْخَلَاءِ (ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مَكْتُوبَ ذِكْرٍ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَحَمْلُهُ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، وَالصَّحْرَاءُ كَالْبُنْيَانِ فِي هَذَيْنِ الْأَدَبَيْنِ. (وَيَعْتَمِدُ) فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ (جَالِسًا يَسَارَهُ)
ــ
[حاشية قليوبي]
فَائِدَةٌ) قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُرْفَعُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: الشَّكُّ فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَيُصَلُّونَ ظُهْرًا. الثَّانِيَةُ: الشَّكُّ فِي بَقَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فَيَغْسِلُ. الثَّالِثَةُ: الشَّكُّ فِي وُصُولِ مَقْصِدِهِ فَيُتِمُّ. الرَّابِعَةُ: الشَّكُّ فِي نِيَّةِ الْإِتْمَامِ فَيُتِمُّ أَيْضًا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ هَذِهِ رُخَصٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْيَقِينِ وَحِينَئِذٍ فَكُلُّ رُخْصَةٍ كَذَلِكَ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَذْكُورَاتِ بَلْ إنَّ غَيْرَ الرُّخَصِ يَقَعُ فِيهَا ذَلِكَ كَمَا مَرَّ آنِفًا فِي اللَّمْسِ وَالْمَسِّ، وَانْظُرْ الْيَقِينَ الْمُقَابِلَ لِلشَّكِّ فِي الْأَخِيرَةِ مَا هُوَ فَتَأَمَّلْ.
[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ]
(فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ) حَقِيقَةً وَشُرُوطًا وَآدَابًا. وَالْآدَابُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَدَبٍ، وَهُوَ مَا يُطْلَبُ الْإِتْيَانُ بِهِ نَدْبًا أَصَالَةً، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يُطْلَبُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا لِأَجْلِ غَيْرِهِ صِحَّةً أَوْ كَمَالًا، وَقَدَّمَ هَذَا الْفَصْلَ عَلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ الْأَكْمَلُ، وَأَخَّرَهُ فِي الرَّوْضَةِ إشْعَارًا بِجَوَازِهِ فِي حَقِّ السَّلِيمِ، وَأَعَادَ الْعَامِلَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ إرَادَةِ آدَابِهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ:(دَاخِلُ الْخَلَاءِ) أَيْ مَنْ أَرَادَ دُخُولَهُ وَلَوْ صَغِيرًا بِأَمْرِ وَلِيِّهِ أَوْ حَامِلًا لِغَيْرِهِ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَوَضْعِ مَاءٍ وَإِزَالَةِ قَذَرٍ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ بِقَاضِي الْحَاجَةِ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا أَعَمُّ لِشُمُولِهِ الصَّحْرَاءَ قَدْ يُرَدُّ بِأَنْ يُرَادَ بِالْخَلَاءِ مَا يَشْمَلُهُ، وَسَيَأْتِي مَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ تَعْمِيمَ الْحُكْمِ دُونَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(يَسَارَهُ) أَوْ بَدَلَهَا وَكَذَا الْيَمِينُ.
قَوْلُهُ: (وَالْيَمِينِ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُسْتَقْذِرِ وَشَمِلَ مَا لَا شَرَفَ فِيهِ وَلَا خِسَّةَ فَيُقَدِّمُ يَمِينَهُ كَالشَّرِيفِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ شَرْحِهِ خِلَافَهُ، لَكِنْ فِي تَصْوِيرِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ إمَّا مِنْ مَكَان لِمَا دُونَهُ فَيُقَدِّمُ الْيَسَارَ، أَوْ لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فَيُقَدِّمُ الْيَمِينَ، أَوْ لِمَا يُسَاوِيهِ فَيَتَخَيَّرُ كَأَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْهُ صُعُودُ الْخَطِيبِ إلَى الْمِنْبَرِ، أَوْ نَحْوَ بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ. نَعَمْ يُقَدِّمُ يَمِينَهُ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ إلَى الْمَسْجِدِ كَعَكْسِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.
(فَرْعٌ) يَحْرُمُ دُخُولُ الصَّاغَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَمْكِنَةِ الْمَعَاصِي إلَّا لِحَاجَةٍ بِقَدْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْخَلَاءُ) بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي أَيْ لُغَةً. قَوْلُهُ: (نُقِلَ) أَيْ عُرْفًا. قَوْلُهُ: (إلَى الْبِنَاءِ) لَوْ قَالَ إلَى الْمَكَانِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَكَانَ أَعَمَّ، وَكَانَ يُسْتَغْنَى عَنْ إيرَادِ الصَّحْرَاءِ فِيمَا يَأْتِي، وَلَعَلَّهُ رَاعَى الظَّاهِرَ وَسُمِّيَ بِاسْمِ شَيْطَانٍ يَسْكُنُهُ. قَوْلُهُ:(مَكْتُوبَ) قَدَّرَهُ لِصِحَّةِ نِسْبَةِ الْحَمْلِ إلَى الذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَكِنْ فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ مَعِيبٌ، فَلَوْ أَخَّرَ لَفْظَ مَكْتُوبٍ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(أَوْ غَيْرِهِ) كَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ وَتَوْرَاةٍ لَمْ تُبَدَّلْ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ بِهِ أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ بِقَصْدِهِ بِمَا فِي التَّمَائِمِ وَأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلَوْ عَوَامَّهُمْ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَا أَسْمَاءُ صُلَحَاءِ الْمُؤْمِنِينَ كَالصَّحَابَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ، فَإِنْ دَخَلَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيَّبَهُ فِي نَحْوِ عِمَامَتِهِ وَيَحْرُمُ تَنْجِيسُهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ الِاسْتِنْجَاءِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(مَكْرُوهٌ) وَلَوْ نَحْوَ مُصْحَفٍ وَإِنْ حَرُمَ مِنْ حَيْثُ الْحَدَثُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ بِالْحُرْمَةِ.
(تَنْبِيهٌ) مَا نُقِلَ عَنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ مِنْ حُرْمَةِ نَقْشِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى الْخَاتَمِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْلٍ فِي الْكُنْيَةِ أَوْ عَلَى زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْلٍ فِيهَا أَيْضًا، أَوْ عَلَى إرَادَةِ الْمُضَاهَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّحْرَاءُ كَالْبُنْيَانِ) أَوْرَدَهَا نَظَرًا لِلظَّاهِرِ وَإِنْ أَمْكَنَ شُمُولُ الْمَكَانِ لَهَا كَمَا مَرَّ. نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَيْنِ الْأَدَبَيْنِ: فِيهِمَا
ــ
[حاشية عميرة]
وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَرَاهَةُ الْحَرْقِ لَا غَيْرُ.
(فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ) قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالصَّحْرَاءُ كَالْبُنْيَانِ) نَظِيرُ ذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الصَّحْرَاءِ فَيُقَدِّمُ الْيَمِينَ عِنْدَ قَصْدِ الْمَكَانِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَالْيَسَارَ عِنْدَ قَصْدِ الِانْصِرَافِ عَنْهُ.
(فَائِدَةٌ) مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يُطِيلَ الْقُعُودَ عَلَى الْخَلَاءِ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ مِنْهُ الْبَاسُورُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:
دُونَ يَمِينِهِ فَيَنْصِبُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَلَوْ بَالَ قَائِمًا فَرَّجَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتَمِدُهَا (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا) أَدَبًا فِي الْبُنْيَانِ (وَيَحْرُمَانِ بِالصَّحْرَاءِ) قَالَ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَرَوَيَا أَيْضًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ» . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ أَوَقَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ» فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِ أَوَّلِهَا الْمُفِيدِ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهَا لِسَعَتِهَا لَا يَشُقُّ فِيهَا اجْتِنَابُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ بِخِلَافِ الْبُنْيَانِ فَقَدْ يَشُقُّ فِيهِ اجْتِنَابُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ. نَعَمْ يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا اسْتَتَرَ بِمُرْتَفَعٍ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ وَقَرُبَ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ فِي الْبُنْيَانِ إذَا لَمْ يَسْتَتِرْ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْبِنَاءِ الْمُهَيَّأِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ بَعُدَ السَّاتِرُ، وَقَصَرَ ذِكْرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَرْخَى
ــ
[حاشية قليوبي]
خِلَافٌ، فَهُمَا وَارِدَانِ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ بَالَ قَائِمًا إلَخْ) اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ مُخَالِفًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ فِي عِبَارَتِهِ الْجَلَالُ وَالشَّارِحُ، وَخَرَجَ بِالْبَوْلِ الْغَائِطُ قَائِمًا فَهُوَ كَالْجَالِسِ فِي اعْتِمَادِ يَسَارِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَامُ مَكْرُوهًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. نَعَمْ إنْ خَشِيَ التَّنْجِيسَ فِي حَالَةِ تَعَيُّنِ خِلَافِهَا. قَوْلُهُ:(الْقِبْلَةَ) أَيْ عَيْنَ الْكَعْبَةِ وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ لَا جِهَتِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَخَرَجَ بِهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ، فَاسْتِقْبَالُهُ وَاسْتِدْبَارُهُ مَكْرُوهٌ مَعَ عَدَمِ السَّاتِرِ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقَمَرَيْنِ، لَا اسْتِدْبَارُهُمَا.
قَوْلُهُ: (بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ) هُوَ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ، لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ جَعْلُ الشَّيْءِ قِبَالَةَ الْوَجْهِ، وَالِاسْتِدْبَارَ جَعْلُ الشَّيْءِ جِهَةَ دُبُرِهِ أَيْ خَلْفَهُ، فَلَوْ اسْتَقْبَلَ وَتَغَوَّطَ أَوْ اسْتَدْبَرَ وَبَالَ لَمْ يَحْرُمْ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْبَلَ وَلَوَى ذَكَرَهُ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا بِخِلَافِ عَكْسِهِ لِوُجُودِ الِاسْتِقْبَالِ بِالْعَوْرَةِ وَالْخَارِجِ مَعًا فِي الْعَكْسِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ سُقُوطُ مَا شَنَّعَ بِهِ بَعْضُ أَكَابِرِ الْفُضَلَاءِ وَالْعُلَمَاءِ عَلَى بَعْضِ الطَّلَبَةِ حِينَ تَوَقَّفَ فِي حِكْمَةِ تَعَارُضِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُمَا مَعًا فَضْلًا عَنْ تَعَارُضِهِمَا، فَذِكْرُ شَيْخِنَا لَهُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ غَفْلَةٌ عَنْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا لَوْ نَزَلَا مَعًا فَلَيْسَ مِنْ التَّعَارُضِ، بَلْ يُقَالُ أَيُّهُمَا أَشَدُّ حُرْمَةً فَيَتَجَنَّبُهُ إذَا تَعَذَّرَ اجْتِنَابُهُمَا مَعًا، فَرَاجِعْ وَحَرِّرْ وَافِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) أَيْ مِيلُوا عَنْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَوْ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ خِطَابٌ خَاصٌّ بِمَنْ قِبْلَتُهُمْ الْجَنُوبُ كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ أَوْ الشَّمَالُ كَأَهْلِ عَدَنٍ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ عَيْنِ الْقِبْلَةِ لَوْ شَرَّقُوا أَوْ غَرَّبُوا بِخِلَافِ نَحْوِ أَهْلِ مِصْرَ مِمَّنْ قِبْلَتُهُمْ الْمَشْرِقُ، أَوْ أَهْلِ السِّنْدِ مِمَّنْ قِبْلَتُهُمْ الْمَغْرِبُ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يُؤْخَذُ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا كَمَا فِي الْخِطَابِ فِي صَدْرِهِ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ يَرُدُّهُ التَّعْبِيرُ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ حَقِيقَةً إلَّا فِي بَلَدٍ مُسَاوٍ لِمَكَّةَ فِي الطُّولِ أَوْ الْعَرْضِ كَمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي عَدَمِ السَّاتِرِ وَيُنْدَبُ مَعَهُ.
قَوْلُهُ: (فَعَلُوهَا) أَيْ الْكَرَاهَةَ بِمَعْنَى اعْتَقَدُوهَا أَوْ بِمَعْنَى فَعَلُوا مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، أَوْ بِمَعْنَى وَقَعَتْ مِنْهُمْ، فَهُوَ تَوْبِيخٌ لَهُمْ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ إلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا كَرِهُوا مَا نُقِلَ عَنْهُمْ اعْتِمَادًا عَلَى فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جَعْلِهِ مَقْعَدَتَهُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَهُوَ تَأْكِيدٌ فِي رَدِّ مَا فَهِمُوهُ. وَالْمَقْعَدَةُ اسْمٌ لِنَحْوِ حَجَرَيْنِ يَجْلِسُ قَاضِي الْحَاجَةِ عَلَيْهِمَا، وَبَيْنَهُمَا مُنْخَفَضٌ. قَوْلُهُ:(فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ) فَنِسْبَةُ الْجَمْعِ لِلْأَصْحَابِ كَمَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ كَالْمَنْهَجِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّجَوُّزِ.
قَوْلُهُ: (أَوَّلِهَا) وَهُوَ حَدِيثُ: " لَا تَسْتَقْبِلُوا " إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (كَمَا فَعَلَهُ) أَيْ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ وَهُوَ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لَكِنَّهُ مَعَ السَّاتِرِ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُعَدِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " حَوِّلُوا " إلَخْ لِعِلْمِهِ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَرْكَهُ حَيْثُ سَهُلَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(نَعَمْ إلَخْ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّحْرَاءِ مَا لَيْسَ بِسَاتِرٍ مُعْتَبَرٍ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُنْيَانِ وَعَكْسِهِ، وَالسَّاتِرُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ لِلْبَوْلِ يَكُونُ أَمَامَهُ وَفِي الْمُسْتَدْبِرِ لِلْغَائِطِ يَكُونُ مِنْ خَلْفِهِ.
قَوْلُهُ: (بِمُرْتَفَعٍ) وَلَوْ مِنْ زُجَاجٍ وَمَاءٍ صَافٍ إنْ أَمْكَنَ، أَوْ بِذَيْلِهِ كَمَا يَأْتِي، وَتَقْدِيرُهُ بِثُلُثَيْ ذِرَاعٍ نَظَرًا لِلْغَالِبِ، فَلَوْ كَفَاهُ دُونَهُمَا فَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، أَوْ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ وَجَبَتْ، فَلَوْ بَالَ قَائِمًا وَجَبَ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَمَا تَحْتَهَا إلَى آخِرِ قَدَمَيْهِ لِكَوْنِهِ مِنْ حَرِيمِ الْعَوْرَةِ، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِهِ، وَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا حَاذَى الْعَوْرَةَ لِمَا مَرَّ، وَقَالَ أَيْضًا لَا بُدَّ فِي السَّاتِرِ أَنْ يَكُونَ عَرِيضًا يَسْتُرُ جَوَانِبَ الْعَوْرَةِ فَلَا يَكْفِي نَحْوُ الْعَنَزَةِ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ وِفَاقًا لِابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
قَوْلُهُ: (الْمُهَيَّأِ) أَيْ الْمُعَدِّ وَهُوَ يَحْصُلُ
ــ
[حاشية عميرة]
وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) أَيْ إذَا كَانَ قَاضِي الْحَاجَةِ فِي الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَمَا سَامَتَهَا وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ التَّشْرِيقُ وَالتَّغْرِيبُ عَلَى سَمْتِ الْكَعْبَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِمُرْتَفَعٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ السَّاتِرَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَرِيضًا بِحَيْثُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ. قَوْلُ الشَّارِحِ:
ذَيْلَهُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ حَصَلَ بِهِ السَّتْرُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ (وَيَبْعُدُ) عَنْ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ لَهُ رِيحٌ. (وَيَسْتَتِرُ) عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ وَنَحْوِهَا بِمُرْتَفَعِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ وَلَوْ أَرْخَى ذَيْلَهُ حَصَلَ بِهِ السِّتْرُ. (وَلَا يَبُولُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ فَقَالَ وَاقِدٌ عَنْ جَابِرٍ «إنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» . وَالنَّهْيُ فِيهِ لِلْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ. أَمَّا الْجَارِي فَنُقِلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمَاعَةٍ الْكَرَاهَةُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ الْبَوْلُ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ. (وَ) لَا يَبُولُ فِي (جُحْرٍ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ» ، وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الثَّقْبُ. وَأُلْحِقَ بِهِ السَّرَبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ وَهُوَ الشَّقُّ. وَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ مَا قِيلَ إنَّ الْجِنَّ تَسْكُنُ ذَلِكَ فَقَدْ تُؤْذِي مَنْ يَبُولُ فِيهِ. (وَمَهَبِّ رِيحٍ) لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُ رَشَّاشُ الْبَوْلِ (وَمُتَحَدَّثٍ وَطَرِيقٍ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «اتَّقُوا
ــ
[حاشية قليوبي]
بِأَنْ يُهَيَّأَ لِذَلِكَ أَوْ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ مَعَ قَصْدِ الْعَوْدِ إلَيْهِ بِغَيْرِ بِنَاءٍ، أَوْ يَتَكَرَّرُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ مَرَّاتٍ يَعُدُّهُ الْعُرْفُ فِيهَا مُعَدًّا وَهَلْ نَحْوُ الْمَكَانِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عَلَيْهَا مِنْ الْمُعَدِّ مَالَ شَيْخُنَا إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(فَلَا يَحْرُمُ) وَلَا يُكْرَهُ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا مَرَّ، وَكَذَا إلَّا حُرْمَةً مَعَ الْعُذْرِ بِعَجْزِهِ عَنْ السَّاتِرِ وَلَوْ بِذَيْلِهِ كَمَا مَرَّ، وَتَعَذَّرَ تَرْكُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ بِنَحْوِ رِيحٍ هَبَّتْ عَنْ جَانِبَيْ الْقِبْلَةِ إنْ أَمْكَنَهُ لِأَنَّ خَشْيَةَ التَّنْجِيسِ أَشَدُّ.
(تَنْبِيهٌ) خَرَجَ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِجِمَاعٍ أَوْ بِدَمِ فَصْدٍ أَوْ حِجَامَةٍ أَوْ إخْرَاجِ قَيْحٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ مَنِيٍّ أَوْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ نَجَاسَةً فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكُهُ تَعْظِيمًا لَهَا نَعَمْ لِلثُّقْبَةِ الْمُنْفَتِحَةِ فِي الِانْسِدَادِ الْخِلْقِيِّ حُكْمُ الْأَصْلِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
(فَرْعٌ) هَلْ الْمَذْيُ كَالْبَوْلِ فِيمَا ذُكِرَ رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَوْ أَرْخَى ذَيْلَهُ) وَمِثْلُهُ سِلْعَةٌ فَوْقَ عَوْرَتِهِ وَشَعْرٌ كَذَلِكَ كَلِحْيَتِهِ. قَوْلُهُ: (وَيَبْعُدُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَعُدَ اللَّازِمِ كَحَسُنَ لَا مِنْ أَبْعَدَ الْمُعْتَدِي وَالْكَلَامُ حَيْثُ أَمْكَنَ الْبُعْدُ وَسَهُلَ عَلَيْهِ وَأَمِنَ وَأَرَادَهُ، وَإِلَّا سُنَّ لِغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ الْبُعْدُ عَنْهُ بِقَدْرِ بُعْدِهِ عَنْهُمْ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَغِيبَ شَخْصُهُ عَنْهُمْ أَيْضًا وَالْأَبْنِيَةُ الْوَاسِعَةُ فِي هَذَا كَالصَّحْرَاءِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَا لِإِخْرَاجِ الْأَبْنِيَةِ الْمُعَدَّةِ. قَوْلُهُ (وَيَسْتَتِرُ) لَا بِزُجَاجٍ وَمَاءٍ صَافٍ بِخِلَافِ سَاتِرِ الْقِبْلَةِ كَمَا مَرَّ، وَيُقَدَّمُ السِّتْرُ عَلَى الْبُعْدِ وَغَيْرِهِ لَوْ عَارَضَهُ، وَالسِّتْرُ مَنْدُوبٌ عَنْ أَعْيُنِ مَنْ لَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَى عَوْرَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ احْتَمَلَ مُرُورُهُ عَلَيْهِ، وَوَاجِبٌ فِي غَيْرِهِ كَذَلِكَ، وَوُجُوبُ الْغَضِّ لَا يُسْقِطُ وُجُوبَ السِّتْرِ. نَعَمْ إنْ عُلِمَ غَضُّ الْبَصَرِ بِالْفِعْلِ لَمْ يَجِبْ السِّتْرُ.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّحْرَاءِ مَا يَحْصُلُ فِيهِ النَّظَرُ وَلَوْ احْتِمَالًا سَوَاءٌ كَانَ فِي بِنَاءٍ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ أَوْ لَا. وَالتَّقْيِيدُ بِثُلُثَيْ ذِرَاعٍ وَبِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ تَوَهُّمِ اتِّحَادِ سَاتِرِ الْقِبْلَةِ وَإِلَّا عَيَّنَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا نَعَمْ لَا يَحْرُمُ التَّكَشُّفُ عَلَى مَحْبُوسٍ بَيْنَ جَمَاعَةٍ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ السِّتْرُ، وَلَا لِمَنْ خَافَ خُرُوجَ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ خَوْفِ خُرُوجِ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ لِاتِّسَاعِ الْوَقْتِ مَعَ وُجُودِ الْبَدَلِ فِيهَا كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَبُولُ فِي مَاءٍ) وَالْغَائِطُ كَالْبَوْلِ وَصَبُّهُمَا فِيهِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (لِلْكَرَاهَةِ) إنْ كَانَ مُبَاحًا أَوْ مِلْكًا لَهُ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِلطَّهَارَةِ بِهِ وَإِلَّا حُرِّمَ مُطْلَقًا.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: مَا لَمْ يَسْتَبْحِرْ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ إلَخْ) هُوَ مَرْجُوحٌ إلَّا إنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ مَعَهُ نَحْوَ تَضَمُّخِ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا) تَقَدَّمَ جَوَابُهُ بِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْمُكَاثَرَةِ.
قَوْلُهُ: (فَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَسْتَبْحِرْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَحْوَ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ مَكْرُوهٌ بِاللَّيْلِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مَأْوَى الْجِنِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ كَتَنَجُّسِ الْعَظْمِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَتَنَجَّسُ هُنَا أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنَجُّسِ مَا يَتَنَاوَلُونَهُ بِخِلَافِ الْمَاءِ، وَيُكْرَهُ بِالنَّهَارِ إلَّا فِي رَاكِدٍ مُسْتَبْحَرٍ وَجَارٍ كَثِيرٍ. قَوْلُهُ:(وَلَا فِي جُحْرٍ) أَعَادَ الْعَامِلَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَطْفِ جُحْرٍ عَلَى رَاكِدٍ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي مَاءِ جُحْرٍ وَلَيْسَ مُرَادًا فَتَأَمَّلْهُ، وَكَلَامُهُ فِي الْبَوْلِ وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ:(نَهَى أَنْ يُبَالَ إلَخْ) وَصَرْفُهُ عَنْ الْحُرْمَةِ عَدَمُ الْمُقْتَضِي لَهَا وَلِذَلِكَ لَوْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ إيذَاءً لَهُ بِمَا فِيهِ أَوْ لِمَا فِيهِ بِهِ حَرُمَ إلَّا فِي حَيَوَانٍ يُنْدَبُ قَتْلُهُ وَلَا تَعْذِيبَ. قَوْلُهُ: (الثَّقْبُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجُحْرَ وَالثَّقْبَ مُتَرَادِفَانِ، وَهُوَ مَا فِيهِمَا اسْتِدَارَةٌ وَأَنَّ السَّرْبَ وَالشَّقَّ مَا فِيهِمَا اسْتِطَالَةٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَهَمُّ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (مَا قِيلَ إنَّ الْجِنَّ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَرَضِيٍّ، فَغَيْرُ الْجِنِّ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ:(وَمَهَبِّ رِيحٍ) أَيْ جِهَةِ هُبُوبِهَا حَالَةَ هُبُوبِهَا سَوَاءٌ مِنْ الْأَعْلَى أَوْ الْجَوَانِبِ أَوْ الْأَسْفَلِ. قَوْلُهُ: (رَشَّاشُ الْبَوْلِ) وَكَذَا رَشَّاشُ الْغَائِطِ الْمَائِعِ، أَمَّا الْجَامِدُ فَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ تَبَعًا لِوَالِدِهِ عَدَمُ
ــ
[حاشية عميرة]
يَحْصُلُ لَهُ رَشَّاشُ الْبَوْلِ) أَيْ فَيَخْتَصُّ بِالِاسْتِقْبَالِ، وَهَذَا مَا فِي الرَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِيمَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَمْخِرُ الرِّيحَ» مَعْنَاهُ
اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ قَالَ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» تَسَبُّبًا بِذَلِكَ فِي لَعْنِ النَّاسِ لَهُمَا كَثِيرًا عَادَةً فَنُسِبَ إلَيْهِمَا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ. وَالْمَعْنَى احْذَرُوا اللَّعْنَ الْمَذْكُورَ. وَأُلْحِقَ بِظِلِّ النَّاسِ فِي الصَّيْفِ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ وَشَمِلَهَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مُتَحَدَّثٍ بِفَتْحِ الدَّالِ اسْمُ مَكَانِ التَّحَدُّثِ، وَكَلَامُهُ فِي الْبَوْلِ. وَصَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ بِكَرَاهَتِهِ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَمِثْلُهَا الْمُتَحَدَّثُ. أَمَّا التَّغَوُّطُ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ فِي الطَّرِيقِ مَكْرُوهٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَنُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَأَقَرَّهُ. وَمِثْلُ الطَّرِيقِ فِي ذَلِكَ الْمُتَحَدَّثُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ هُنَا كَأَصْلِهَا، وَمِنْهَا أَيْ الْآدَابِ أَنْ لَا يَتَخَلَّى فِي مُتَحَدَّثِ النَّاسِ.
(وَتَحْتَ مُثْمِرَةٍ) صِيَانَةً لِلثَّمَرَةِ الْوَاقِعَةِ عَنْ التَّلْوِيثِ فَتَعَافُّهَا الْأَنْفُسُ، وَالتَّغَوُّطُ كَالْبَوْلِ فَيُكْرَهَانِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَقْتِ الثَّمَرَةِ وَغَيْرِهِ قَالَ: وَلَمْ يَقُولُوا بِالتَّحْرِيمِ لِأَنَّ التَّنَجُّسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ. (وَلَا يَتَكَلَّمُ) فِي بَوْلٍ أَوْ تَغَوُّطٍ بِذِكْرٍ أَوْ غَيْرِهِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ التَّحَدُّثِ عَلَى الْغَائِطِ. (وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ) بَلْ يَنْتَقِلُ عَنْهُ لِئَلَّا يَحْصُلَ لَهُ رَشَّاشٌ يُنَجِّسُهُ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إلَّا فِي الْأَخْلِيَةِ الْمُعَدَّةِ لِذَلِكَ فَلَا يَنْتَقِلُ لِأَنَّهُ لَا يَنَالُهُ فِيهَا رَشَّاشٌ، وَلَا يَنْتَقِلُ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى
ــ
[حاشية قليوبي]
الْكَرَاهَةِ، وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا لِحُصُولِ رِيحِ الْغَائِطِ، وَسَوَاءٌ فِي الْمُعَدِّ وَغَيْرِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّعَارُضِ هُنَا بِهُبُوبِ الرِّيحِ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا مُمْكِنٌ عَقْلًا لَا عَادَةً فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ:(تَسَبُّبًا إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ كَوْنِهِمَا يَلْعَنَانِ أَنْفُسَهُمَا كَثِيرًا الْمَفْهُومُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَسَكَتَ عَنْ جَوَابِ التَّثْنِيَةِ لِعِلْمِهَا مِنْ تَعَدُّدِ الْمَكَانِ بِالطَّرِيقِ وَالظِّلِّ. قَوْلُهُ:(وَالْمَعْنَى إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ مُضَافًا مَحْذُوفًا وَهُوَ التَّخَلِّي أَيْ اتَّقُوا التَّخَلِّيَ إلَخْ وَالتَّخَلِّي يَشْمَلُ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ فَهُمَا مَكْرُوهَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الشَّارِحِ، وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمُبَاحِ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَجِبُ إنْ لَزِمَ عَلَيْهِ دَفْعُ مَعْصِيَةٍ.
قَوْلُهُ: (مِنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ) وَدُفِعَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ، وَالْمُرَادُ بِالطَّرِيقِ مَحَلُّ مُرُورِ النَّاسِ الْجَائِزِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا مَرَّ. نَعَمْ لَا كَرَاهَةَ فِي مَمْلُوكٍ لَهُ. قَوْلُهُ:(إنَّهُ حَرَامٌ) هُوَ مَرْجُوحٌ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ نَظَرٌ إذْ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ لَعْنِ آكِلِ الْبَصَلِ وَنَحْوِهِ كَالثُّومِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (صِيَانَةً لِلثَّمَرَةِ الْوَاقِعَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ لِشَمٍّ أَوْ نَحْوِ تَدَاوٍ كَوَرَقِ وَرْدٍ وَقَرَظٍ لِدَبْغٍ وَسِدْرٍ لِغُسْلٍ وَغَيْرِهَا.
(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَسَقْيُ الشَّجَرِ بِالْمَاءِ النَّجَسِ كَالْبَوْلِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَيُكْرَهَانِ) مِنْ حَيْثُ الْبَوْلُ وَإِنْ حُرِّمَا مِنْ كَوْنِ الْأَرْضِ مِلْكًا لِغَيْرِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَالْغَائِطُ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(وَقْتِ الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ) مِمَّا قَبْلَ إثْمَارِهِ حَيْثُ ظَنَّ بَقَاءَ النَّجَاسَةِ إلَى وَقْتِهِ وَلَوْ نَحْوَ وَدْيٍ، فَإِنْ ظَنَّ وُجُودَ مَاءٍ يَطْهُرُ بِهِ الْمَحَلُّ قَبْلَ وَقْتِ الثَّمَرِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْبَوْلِ فَتَأَمَّلْهُ.
(فَرْعٌ) يُكْرَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ وَمِنًى وَعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَقُزَحٍ وَمَحَلِّ الرَّمْيِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَمَاكِنِ اجْتِمَاعِ الْحَاجِّ، وَالْقَوْلُ بِالْحُرْمَةِ مَرْجُوحٌ، وَيَحْرُمُ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ وَلَوْ فِي إنَاءٍ بِخِلَافِ الْقَصْدِ فِيهِ، لِلْعَفْوِ عَنْ جِنْسِ الدَّمِ، وَيَحْرُمُ فِي مَقْبَرَةٍ مَنْبُوشَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنَجُّسِ أَجْزَاءِ الْمَيِّتِ وَلَوْ صَدِيدًا وَعَلَى قَبْرٍ مُطْلَقًا، وَبِقُرْبِ قَبْرِ نَبِيٍّ، وَيُكْرَهُ بِقُرْبِ قَبْرِ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَكَلَّمُ) عَطْفٌ عَلَى يُقَدِّمُ بِأَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ بِالْفِعْلِ وَلَوْ كَانَ سَمْعُهُ مُعْتَدِلًا. قَوْلُهُ: (فِي بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ) أَيْ فِي مَحَلِّهِمَا سَوَاءٌ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَحَالَيْهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِالظَّرْفِيَّةِ دُونَ عَلَى خِلَافًا لِلْخَطِيبِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ. قَوْلُهُ: (بِذِكْرٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَقُرْآنٍ وَكَلَامٍ عُرْفِيٍّ. قَوْلُهُ: (إلَّا لِضَرُورَةٍ) فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يَجِبُ أَوْ لِحَاجَةٍ فَيُنْدَبُ. قَوْلُهُ: (حَمِدَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ) وَمِثْلُهُ الذِّكْرُ الْمَطْلُوبُ لَوْ نَسِيَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَذْكَارُ الْوُضُوءِ لَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ، وَالذِّكْرُ بَعْدَهُ وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ الذِّكْرَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْخَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْتَقِلُ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ) أَيْ نَدْبًا، بَلْ لَا يَجِبُ لِمُتَيَمِّمٍ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيهِ أَوْ عَلِمَ عَدَمَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ. قَوْلُهُ:
ــ
[حاشية عميرة]
يَنْظُرُ أَيْنَ مَجْرَاهَا فَلَا يَسْتَقْبِلُهَا لِئَلَّا يَعُودَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ، لَكِنْ يَسْتَدْبِرُهَا انْتَهَى، وَنَازَعَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي ذَلِكَ لِمَا فِي الِاسْتِدْبَارِ مِنْ عَوْدِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا مُفْرَدٌ وَاللَّعَّانَانِ مَثْنًى، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلٍ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مَثْنًى فِي الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَتَحْتَ مُثْمِرَةٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُبَاحَةُ وَالْمَمْلُوكَةُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يُكْرَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِرَدِّ السَّلَامِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَسْتَبْرِئُ) .
الْمَذْكُورِ. (وَيَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ) عِنْدَ انْقِطَاعِهِ بِالتَّنَحْنُحِ وَنَتْرِ الذَّكَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وُجُوبَهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ الْقَبْرَيْنِ لَا يَسْتَبْرِئُ (وَيَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ، وَعِنْدَ خُرُوجِهِ: غُفْرَانَك الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
وَقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» زَادَ ابْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُهُ فِي أَوَّلِهِ: «بِسْمِ اللَّهِ» وَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَك» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي» وَالْخُبُثُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ. وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ ذُكُورُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ. وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُمْ فِي الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ مَأْوَاهُمْ، وَفِي الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَأْوًى لَهُمْ بِخُرُوجِ الْخَارِجِ.
(وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ (بِمَاءٍ) عَلَى الْأَصْلِ (أَوْ حَجَرٍ) لِأَنَّ الشَّارِعَ جَوَّزَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا
ــ
[حاشية قليوبي]
وَيَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ) .
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَكَذَا مِنْ الْغَائِطِ. قَوْلُهُ: (وَنَتْرِ) هُوَ بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ بَعْدَ النُّونِ وَمَعْنَاهُ الْجَذْبُ، وَالْمُرَادُ مَسَحَ بِهِ ذَكَرَهُ بِإِبْهَامِهِ وَسَبَّابَتِهِ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَاهُ، وَفِي الْمَرْأَةِ بِعَصْرِ عَانَتِهَا. قَوْلُهُ:(وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْهُ الْمَشْيُ أَوْ أَقَلُّهُ كَمَا قِيلَ سَبْعُونَ خُطْوَةً وَعِبَارَةُ الْخَطِيبِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَأَكْثَرَ مَا قِيلَ فِيهِ سَبْعُونَ خُطْوَةً انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ بَلْ بِمَا يَغْلِبُ بِهِ عَلَى الظَّنِّ انْقِطَاعُهُ بِهِ. قَوْلُهُ:(وُجُوبُهُ) حُمِلَ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى مَا فِي ظَنِّهِ عَدَمُ انْقِطَاعِهِ. قَوْلُهُ: (عِنْدَ دُخُولِهِ) أَيْ قُبَيْلَ دُخُولِ مَا يُنْسَبُ لَهُ وَلَوْ مِنْ أَوَّلِ دِهْلِيزٍ طَوِيلٍ وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِسْمِ اللَّهِ) وَيُكْرَهُ إتْمَامُهَا.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك) أَيْ أَسْتَجِيرُ وَأَعْتَصِمُ بِك فَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ بِطِفْلٍ قَالَ إنَّهُ يَعُوذُ أَوْ إنِّي أُعِيذُهُ، وَقُدِّمَتْ الْبَسْمَلَةُ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ هُنَا عَكْسُ الْقِرَاءَةِ لِمُنَاسِبَةِ مَا بَعْدَهُمَا. قَوْلُهُ:(خُرُوجِهِ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ وَإِنْ بَعُدَ كَدِهْلِيزٍ طَوِيلٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (غُفْرَانَك) وَيُنْدَبُ تَكَرُّرُهُ ثَلَاثًا، وَسَبَبُ سُؤَالِهِ خَوْفُ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ ثُمَّ هَضَمَهُ، ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ أَوْ لِتَرْكِهِ الذِّكْرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنْ طُلِبَ تَرْكُهُ خُصُوصًا إنْ صَحِبَهُ تَرْكٌ قَلْبِيٌّ، وَغُفْرَانَك مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ. قَوْلُهُ:(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ) هَذَا لِقَاضِي الْحَاجَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَقُولُ مَا يُنَاسِبُ. قَوْلُهُ:(بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ) .
قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْبَاءِ، وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ إنَّهُ بِالضَّمِّ خَاصٌّ بِمَا هُنَا، وَبِالْإِسْكَانِ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا وَعَلَى الشِّدَّةِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْكُفْرِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ، وَالْمُرَادُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِيَّةِ، وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِالْوُجُوبِ مُرَاعَاةً لِرَدِّ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ مِنْ أَئِمَّتِنَا بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، وَهُوَ بِالْمَاءِ يُقَالُ لَهُ اسْتِطَابَةٌ وَبِالْحَجَرِ اسْتِجْمَارٌ، وَقِيلَ الِاسْتِطَابَةُ كَالِاسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ لُغَةً الْقَطْعُ مِنْ نَجَوْت الشَّيْءَ قَطَعْته لِقَطْعِ الْمُسْتَنْجِي الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ بِهِ، وَعُرْفًا إزَالَةُ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ عَنْ الْفَرْجِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ بِشَرْطِهِ أَيْ الْمَاءِ بِكَوْنِهِ مُطْلَقًا وَالْحَجَرُ بِمَا يَأْتِي، أَوْ بِشَرْطِ الْحَجَرِ الْمَذْكُورِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَتُعْتَبَرُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، أَيْ بِحَسَبِ عَوَارِضِهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْإِبَاحَةُ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى الْوُجُوبِ، وَقَدْ يُنْدَبُ كَجَمْعِ الْحَجَرِ مَعَ الْمَاءِ، كَذَا قَالَ، وَفِيهِ بَحْثٌ، وَالْوَجْهُ تَمْثِيلُهُ بِغَيْرِ الْمُلَوَّثِ كَمَا يَأْتِي، وَقَدْ يُكْرَهُ كَمَا فِي نَحْوِ مَاءِ زَمْزَمَ، وَسَيَأْتِي عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالْأَوْلَى تَمْثِيلُ الْكَرَاهَةِ
ــ
[حاشية عميرة]
(فَائِدَةٌ) يُكْرَهُ حَشْوُ الذَّكَرِ بِقُطْنٍ وَنَحْوِهِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ) زَادَ فِي الْكِفَايَةِ أَيْضًا: وَلِأَنَّ الْمَاءَ يَقْطَعُ الْبَوْلَ عَلَى مَا قَدْ قِيلَ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالْخُبُثُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ، فَقِيلَ: هُوَ الْمَكْرُوهُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: الشَّرُّ، وَقِيلَ: الْكُفْرُ، وَقِيلَ: الشَّيْطَانُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ (وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ) خَالَفَ فِي هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ قِيَاسًا عَلَى الْأَثَرِ الْبَاقِي بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الْحَجَرِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إلَى أَنَّ الْحَجَرَ لَا يُجْزِئُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى تَعَيُّنِ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَرَ بِفِعْلِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: «وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» الْمُوَافِقُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ «نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» ، فَكَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا مِنْ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ (وَجَمْعُهُمَا) بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ (أَفْضَلُ) مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ بِخِلَافِ الْحَجَرِ.
(وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ) الْوَارِدِ (كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ) كَالْخَشَبِ وَالْخَزَفِ وَالْحَشِيشِ، فَيُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ.
وَاحْتَرَزَ بِالْجَامِدِ الَّذِي زَادَهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ عَنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ وَبِالطَّاهِرِ عَنْ النَّجِسِ كَالْبَعْرِ، وَبِالْقَالِعِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ، وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ عَنْهُ كَالْمَطْعُومِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ» زَادَ مُسْلِمٌ «فَإِنَّهُ طَعَامُ
ــ
[حاشية قليوبي]
بِالِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الرِّيحِ عَلَى وَجْهٍ كَمَا يَأْتِي، وَقَدْ يَحْرُمُ كَمَا فِي النَّقْدِ الْمَطْبُوعِ، وَقَدْ لَا يُجْزِئُ كَمَا فِي الْمَطْعُومِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مِنْ خَارِجٍ مُلَوَّثٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ آخِرِ الْفَصْلِ وَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ. وَخَرَجَ بِالْمُلَوَّثِ خُرُوجُ الرِّيحِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بَلْ يُكْرَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى الرَّاجِحِ، بَلْ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ) فَهُوَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْإِثْمُ عِنْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهَا فَقَطْ. نَعَمْ يَجِبُ الْفَوْرُ لِعُذْرٍ أَوْ عَلَى مَنْ عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ، وَيَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ بِإِرَادَةِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَمُوجِبُهُ الْخُرُوجُ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوُضُوءِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ وَعَلَى الْمُتَيَمِّمِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ:(بِمَاءٍ) شَمِلَ مَاءَ زَمْزَمَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْخَطِيبِ وَابْنِ حَجَرٍ.
وَقَالَ شَيْخُنَا خِلَافَ الْأَوْلَى لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْبَاسُورَ، وَيُلْحَقُ بِهِ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى وَالْكَرَاهَةِ مَا نَبَعَ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَاءُ الْكَوْثَرِ وَالْمَاءُ الْمَغْضُوبُ عَلَى أَهْلِهِ. قَوْلُهُ:(أَوْ حَجَرٍ) .
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ: وَهُوَ رُخْصَةٌ وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا وَرَدَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهْلَ قُبَاءَ بِمَاذَا أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ {فِيهِ رِجَالٌ} [التوبة: 108] فَقَالُوا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَعْرِفُ شَيْئًا إلَّا أَنَّنَا كُنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ بِالْمَاءِ» ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْخُصُوصِيَّةَ مِنْ حَيْثُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. وَشَمِلَ حِجَارَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ حَرُمَ بِالْمُهَيَّأِ مِنْهُمَا، وَشَمِلَ حِجَارَةَ الْحَرَمِ وَيُكْرَهُ بِهَا.
وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا كَرَاهَةَ، وَشَمِلَ الْمَوْقُوفَةَ غَيْرَ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا، وَيُجْزِئُ بِهَا لَكِنْ مَعَ الْحُرْمَةِ فِيهَا، وَسَيَأْتِي مَا فِي الْمَسْجِدِ، وَشَمِلَ نَحْوَ الْجَوَاهِرِ.
قَوْلُهُ: (الْمُوَافِقِ) هُوَ مَجْرُورٌ نَعْتٌ لِمَا وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَالثَّانِي دَلِيلُ الْوُجُوبِ، وَالثَّالِثُ دَلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ النَّقْصِ عَنْ الثَّلَاثِ، وَمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ دَافِعٌ لِتَوَهُّمِ الْخُصُوصِيَّةِ بِهِ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ:(بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ) هُوَ تَصْوِيرٌ لِلْجَمْعِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَمْعِ طَهَارَةُ الْحَجَرِ وَلَا كَوْنُهُ ثَلَاثًا، فَيَكْفِي بِالنَّجَسِ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، قَالَ: وَلَا يُسَنُّ جَمْعُ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ فِي غَيْرِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيُقَدِّمُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ قُبُلَهُ، وَفِي الْحَجَرِ وَلَوْ مَعَ الْجَمْعِ دُبُرَهُ لِسُرْعَةِ جَفَافِهِ، وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ النَّجَاسَةِ بِهِ وَعَلَامَتُهُ زَوَالُ النُّعُومَةِ، وَلَا يُنْدَبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِنَحْوِ أُشْنَانٍ وَلَا شَمِّ الْيَدِ بَعْدَهُ، فَإِنْ شَمَّهَا فَوَجَدَ رِيحَ النَّجَاسَةِ لَمْ يَضُرَّ إنْ كَانَ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ، وَيَضُرُّ إنْ كَانَ مِنْ الْمُلَاقِي لِلْمَحَلِّ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَائِهَا فَتَجِبُ إعَادَتُهُ. قَوْلُهُ:(وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَيْهِ بِجَامِعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَفِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الرُّخَصِ، وَهُوَ صَحِيحٌ حَيْثُ اُسْتُنْبِطَ لَهَا مَعْنًى كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ:(الْوَارِدِ) دُفِعَ بِهِ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ جَامِدٍ) دَخَلَ فِيهِ الْحَرِيرُ كَالدِّيبَاجِ وَلَوْ لِلرِّجَالِ فَيَحِلُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ عَنْهُ) أَيْ الْمُحْتَرَمِ فَيَحْرُمُ وَلَا يُجْزِئُ وَمِنْهُ تَوْرَاةٌ وَإِنْجِيلٌ لَمْ يُبَدَّلَا، وَكُلُّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَآلَتُهُ كَالْمَنْطِقِ الْآنَ لَا مَا كَانَ لِأَنَّهُ كَانَ فَلْسَفَةً، وَمِنْهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ مُتَّصِلٍ مُطْلَقًا وَلَوْ نَحْوَ صُوفٍ، أَوْ مُنْفَصِلٍ مِنْ آدَمِيٍّ وَلَوْ مُهْدَرًا كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ، وَمِنْهُ جُزْءُ مَسْجِدٍ وَإِنْ انْفَصَلَ وَجَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا بِصِحَّتِهِ فِيمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَمِنْهُ حِجَارَةُ الْكَعْبَةِ بِالْأَوْلَى مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا نَظَرَ لِمَنْ تَرَدَّدَ فِيهَا، وَمِنْهُ جِلْدُ مُصْحَفٍ وَلَوْ مُنْفَصِلًا حَيْثُ نُسِبَ إلَيْهِ، وَجِلْدُ عِلْمٍ حَالَ اتِّصَالِهِ. قَوْلُهُ:(كَالْمَطْعُومِ) وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا، وَمِنْهُ جِلْدُ حُوتٍ جَفَّ وَخَشُنَ بِحَيْثُ لَوْ بُلَّ أُكِلَ، فَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ جَازَ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ التَّنَاقُضُ. قَوْلُهُ:(فَإِنَّهَا الرِّوَايَةُ) الْأَوْلَى فَإِنَّهُ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى.
قَوْلُهُ:
ــ
[حاشية عميرة]
الْحَجَرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَجَمْعُهُمَا إلَى آخِرِهِ) وَمَا فِي قِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ مِنْ أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ لِجَمْعِهِمْ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا أَصْلَ لَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: بَلْ وَجْهُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ اسْتِعْمَالُهُمْ الْمَاءَ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقْتَصِرُ عَلَى الْحَجَرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ إلَخْ) نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْخَطَّابِيِّ جَوَازَ اسْتِعْمَالِ النُّخَالَةِ وَدَقِيقِ الْبَاقِلَّا فِي غَسْلِ الْأَيْدِي وَنَحْوِهَا.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ اسْتِعْمَالِ الْمَطْعُومِ لَا يَتَعَدَّى الِاسْتِنْجَاءَ إلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمِلْحِ مَعَ
إخْوَانِكُمْ» يَعْنِي الْجِنَّ فَمَطْعُومُ الْإِنْسِ كَالْخُبْزِ أَوْلَى، فَلَا يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ وَيَعْصِي بِهِ فِي الْمُحْتَرَمِ. (وَجِلْدٌ دُبِغَ دُونَ غَيْرِهِ فِي الْأَظْهَرِ) فِيهِمَا وَجْهُ الْإِجْزَاءِ فِي الْمَدْبُوغِ أَنَّهُ انْتَقَلَ بِالدَّبْغِ عَنْ طَبْعِ اللُّحُومِ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤْكَلُ وَوَجْهُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي غَيْرِ الْمَدْبُوغِ أَنَّهُ مَطْعُومٌ وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ هُوَ قَيْدٌ فَيُلْحَقُ بِالثِّيَابِ.
(وَشَرْطُ الْحَجَرِ) لَأَنْ يُجْزِئَ (أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجَسُ) الْخَارِجُ (وَلَا يَنْتَقِلَ) عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ (وَلَا يَطْرَأَ أَجْنَبِيٌّ) مِنْ النَّجَاسَاتِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَفَّ الْخَارِجُ أَوْ انْتَقَلَ أَوْ طَرَأَ نَجَسٌ آخَرُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ. (وَلَوْ نَدُرَ) الْخَارِجُ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ (أَوْ انْتَشَرَ فَوْقَ الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَتَهُ) فِي الْغَائِطِ (وَحَشَفَتَهُ) فِي الْبَوْلِ (جَازَ الْحَجَرُ فِي الْأَظْهَرِ) فِي ذَلِكَ إلْحَاقًا لَهُ لِتَكَرُّرِ وُقُوعِهَا بِالْمُعْتَادِ وَالثَّانِي لَا بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِيهِ لِأَنَّ جَوَازَ الْحَجَرِ تَخْفِيفٌ مِنْ الشَّارِعِ وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ. أَمَّا الْمُجَاوِزُ لِمَا ذُكِرَ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ جَزْمًا، وَكَذَا غَيْرُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ (وَيَجِبُ) فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ لِيُجْزِئَ (ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ) بِفَتْحِ السِّينِ جَمْعُ مَسْحَةٍ بِسُكُونِهَا (وَلَوْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ) أَيْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ
ــ
[حاشية قليوبي]
كَالْخُبْزِ) أَيْ مَا لَمْ يُحْرَقْ وَإِلَّا جَازَ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَطْعُومِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ الْعَظْمَ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِحَرْقِهِ عَنْ كَوْنِهِ مَطْعُومًا لِلْجِنِّ، وَيَحْرُمُ حَرْقُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ حَرْقُ الْعَظْمِ، وَهَلْ نَفْسُ الْعَظْمِ هُوَ الْمَطْعُومُ لَهُمْ، أَوْ يَعُودُ لَهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ اللَّحْمِ، وَهَلْ يَأْكُلُونَ عِظَامَ الْمَيْتَةِ أَيْضًا؟ رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَيَعْصِي بِهِ فِي الْمُحْتَرَمِ) مِنْ حَيْثُ الِاحْتِرَامُ وَيَعْصِي بِهِ فِي غَيْرِهِ إنْ قَصَدَ الْعِبَادَةَ لِفَسَادِهَا، وَحُرْمَةُ الْمَطْعُومِ خَاصَّةٌ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِخِلَافِ زَوَالِ نَجَاسَةٍ بِهِ أَوْ غَسْلِ الْأَيْدِي فَجَائِزٌ حَيْثُ اُحْتِيجَ إلَيْهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ: (وَجِلْدِ) هُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَا قَبْلَهُ وَخَصَّهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَهُوَ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى جَامِدٍ أَوْ مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى كُلٍّ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهُ انْتَقَلَ) أَيْ فَجَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُؤْكَلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَالْأَقْوَالُ فِي جِلْدِ الْمُذَكَّاةِ، أَمَّا جِلْدُ مَيْتَتِهَا إذَا دُبِغَ فَالْقَدِيمُ مَنْعُ أَكْلِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَمَّا جِلْدُ مَا لَا يُذَكَّى كَالْحِمَارِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ بَعْدَ دَبْغِهِ قَطْعًا.
قَوْلُهُ: (مِنْ النَّجَاسَاتِ) وَلَوْ مِنْهُ بَعْدَ انْفِصَالِهَا، وَكَذَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ الرَّطْبَةِ، وَلَا تَضُرُّ الْجَامِدَةُ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ جَفَّ) أَيْ وَلَمْ يَخْرُجْ بَعْدَهُ خَارِجٌ وَيَصِلُ إلَيْهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ شَيْخُنَا وَإِلَّا كَفَى الْحَجَرُ فِيهِ. قَوْلُهُ:(أَوْ انْتَقَلَ) أَيْ بِانْفِصَالٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْخَطِيبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الصَّفْحَةَ وَالْحَشَفَةَ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ بِأَنْ سَالَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ مَعَ الِاتِّصَالِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي الْمُنْفَصِلِ فَقَطْ، وَعَلَى الثَّانِي فِي الْجَمِيعِ، وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ. قَوْلُهُ:(أَوْ طَرَأَ) وَكَذَا لَوْ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ الْخَارِجِ، وَقَيَّدَهُ بِالنَّجَسِ لِعُمُومِهِ فِي الرُّطَبِ وَالْجَامِدِ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ مِنْ الطَّاهِرَاتِ الرَّطْبَةِ كَبَلَلٍ مِنْ أَثَرِ نَحْوِ اسْتِنْجَاءٍ. نَعَمْ لَا يَضُرُّ الْعَرَقُ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ.
قَوْلُهُ: (كَالدَّمِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ: (وَكَالْمَذْيِ) تَبَعٌ فِي كَوْنِهِ مِنْ النَّادِرِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ وَالْوَدْيَ وَدَمَ الْحَيْضِ مِنْ الْمُعْتَادِ عَلَى الرَّاجِحِ فِيهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالنُّدُورِ قِلَّةَ وُجُودِهِ فَلَيْسَ كَالْبَوْلِ مَثَلًا وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (أَوْ انْتَشَرَ) وَلَوْ بِعَرَقٍ وَيُعْفَى عَمَّا يُلَاقِيهِ غَالِبًا مِنْ مَلْبُوسِهِ. قَوْلُهُ: (وَحَشَفَتَهُ) أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا أَوْ مِنْ أَمْثَالِهِ مِنْ فَاقِدِهَا وَفِي الْمَرْأَةِ وَلَوْ بِكْرًا أَنْ لَا يَدْخُلَ مَدْخَلَ الذَّكَرِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُجَاوِزُ لِمَا ذَكَرَ) قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَإِنْ اُبْتُلِيَ بِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَفِي شَرْحِهِ مُوَافَقَةُ ابْنِ حَجَرٍ، وَحَمَلَهُ شَيْخُنَا عَلَى مَنْ فَقَدَ الْمَاءَ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ:(دُونَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُجَاوِزِ، وَهُوَ مَا فِي دَاخِلِ الصَّفْحَةِ وَالْحَشَفَةِ سَوَاءٌ تَقَطَّعَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ انْتَقَلَ أَوْ لَا، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ آنِفًا. وَالْوَجْهُ الْأَخْذُ بِهَذَا الْعُمُومِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُنْفَصِلَ عَنْ الْمَخْرَجِ لَا يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ مُطْلَقًا وَأَنَّ الْمُتَّصِلَ بِهِ يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ مَا ذَكَرَ، سَوَاءٌ انْتَقَلَ أَوْ لَا، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِمَا زَادَهُ فِي الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: أَوْ تَقَطَّعَ، فَتَأَمَّلْ.
(فَرْعٌ) لَا يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِي فَرْجِي الْمُشَكَّلِ وَلَا فِي أَحَدِهِمَا إلَّا إنْ اتَّضَحَ بِهِ أَوْ كَانَ لَهُ ثُقْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَتَقَدَّمَ إجْزَاؤُهُ فِي الثُّقْبَةِ الْمُنْفَتِحَةِ فِي الِانْسِدَادِ الْخِلْقِيِّ دُونَ الْعَارِضِ. قَوْلُهُ:(أَيْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إلَخْ) دَفَعَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إيهَامَ أَنَّ كُلَّ مَسْحَةٍ بِثَلَاثَةِ
ــ
[حاشية عميرة]
الْمَاءِ فِي غَسْلِ الدَّمِ، قَالَ: وَظَاهِرُهُ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْخُبْزِ وَنَحْوِهِ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَجِلْدٌ) قِيلَ: إنْ كَانَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ فَلَا خَبَرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى كُلٍّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَسِيمًا مَعَ أَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ كُلِّ جَامِدٍ إلَخْ، وَكَذَا إذَا عُطِفَ عَلَى جَامِدٍ يَلْزَمُ مِثْلُ