الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فَلَا يُكْرَهُ، وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ
(وَيَجُوزُ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ
(الدَّفْنُ لَيْلًا
وَوَقْتَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ: حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِنَّ، وَأَنَّ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، وَذَكَرَ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ وَالطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ» مَحْمُولٌ كَمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي عَلَى تَحَرِّي ذَلِكَ وَقَصْدِهِ لِحِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَجَمَاعَةٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ الدَّفْنِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا. وَنَقْبُرُ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا نَدْفِنُ (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ اللَّيْلِ وَهُوَ النَّهَارُ وَغَيْرُ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ. (أَفْضَلُ) لِلدَّفْنِ مِنْهُمَا أَيْ فَاضِلٌ عَلَيْهِمَا، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ نَهَارًا، وَسَكَتَ فِيهَا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمَذْكُورُ فِيهِ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَنْ الْفَضِيلَةِ فِي الْآخَرِ لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ النَّهْيِ، وَذَكَرَ فِيهِ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَبْرِ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
(وَيُكْرَهُ
تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ) عَلَيْهِ (وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ)
هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَمَا بَعْدَهَا ذَكَرَهَا الرَّافِعِيُّ إلَّا مَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ، قَالَ جَابِرٌ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ «وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُوطَأَ» . وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالتَّجْصِيصُ التَّبْيِيضُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِيرُ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ التَّطْيِينَ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ بِنَاءُ قُبَّةٍ أَمْ بَيْتٍ أَمْ غَيْرِهِمَا، وَفِي الْمَكْتُوبِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(وَلَوْ بُنِيَ) عَلَيْهِ (فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ هُدِمَ) الْبِنَاءُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ، وَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِحُرْمَةِ الْبِنَاءِ فِيهَا.
ــ
[حاشية قليوبي]
وَالْأَرْضُ الَّتِي لَا تُبْلِي سَرِيعًا أَوْلَى كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ فَرَاجِعْهُ.
(فَائِدَةٌ) يُقَالُ: أَرَمَ الْبَيْتَ كَضَرَبَ إذَا بَلِيَ، وَأَرَمَّ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ كَذَلِكَ، وَأَصْلُهُ أَرْمَمَ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْمِيمِ الْأُولَى إلَى الرَّاءِ وَحُذِفَتْ أَوْ أُدْغِمَتْ. قَوْلُهُ:(وَتَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) أَيْ مَعَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ
. قَوْلُهُ: (لَيْلًا) نَعَمْ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ مَنْعُ الْكُفَّارِ مِنْ الدَّفْنِ نَهَارًا إنْ أَظْهَرُوهُ. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ) قَالَ شَيْخُنَا: سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِالزَّمَنِ أَوْ بِالْفِعْلِ، لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ، وَسَوَاءٌ حَرَمُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُ. وَيَحْرُمُ مَعَ التَّحَرِّي فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْفِعْلِ وَبِغَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ، إنَّمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْعِبْرَةُ بِتَحَرِّي مَنْ يَدْفِنُهُ. قَوْلُهُ:(وَقَصْدِهِ) هُوَ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى تَحَرِّي عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ. قَوْلُهُ: (لِحِكَايَةِ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مِنْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ نَهَارًا) فَيُنْدَبُ أَنْ يُؤَخَّرَ مَنْ مَاتَ لَيْلًا إلَّا لِعُذْرٍ كَتَغَيُّرٍ، وَذَكَرَ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَأْوِيلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ. قَوْلُهُ:(لِلْعِلْمِ) أَيْ بِنَفْيِهَا بِهَا مِنْ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (وَأَلْحَقَ
ــ
[حاشية عميرة]
الْكَرَاهَةِ كَوْنُهُ إضَاعَةَ مَالٍ مَعَ عَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ، وَأَيْضًا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
[الدَّفْنُ لَيْلًا]
. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَيْلًا) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَكَذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رضي الله عنهم دَفَنُوا كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: وَقْتُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ لَهُ سَبَبًا مُقَدَّمًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْوَقْتِ مِنْ قَوْلِهِ: وَوَقْتُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْأَمْرُ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِعْلِ كَبَعْدِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، قَالَ: فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَالْمَعْنَى وَكَلَامَ الْأَصْحَابِ دَالٌّ عَلَيْهِ، وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَقْتَضِي أَنَّ التَّحَرِّيَ حَرَامٌ كَتَحَرِّي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ:(وَهُوَ النَّهَارُ) الْمُتَّجَهُ إلْحَاقُ مَا قَبْلَ الشَّمْسِ مِنْهُ بِاللَّيْلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ نَازَعَ فِي اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ لِفَوَاتِ الْإِسْرَاعِ الْمَطْلُوبِ. وَقَالَ: إنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَوْلُهُ: (وَسَكَتَ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَذْكُرْ الْفَضْلَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ الْمَتْنُ وَحَاوَلَهُ الشَّارِحُ سَنُّ التَّأْخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ إلَى النَّهَارِ، وَمِنْ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ إلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ حَاوَلَ الْإِسْنَوِيُّ بَحْثًا خِلَافَ الْأَمْرَيْنِ نَظَرًا إلَى طَلَبِ الْمُبَادَرَةِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْآخَرِ) يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ: وَغَيْرُ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ، وَقَوْلُهُ: لِلْعِلْمِ بِهَا الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْفَضِيلَةِ مِنْ قَوْلِهِ: عَنْ الْفَضِيلَةِ. قَوْلُهُ: (وَذُكِرَ فِيهِ إلَخْ) وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدَّمَ دَلِيلَهَا وَهُوَ الْإِجْمَاعُ.
[تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاء عَلَيْهِ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْبِنَاءُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ بَيْتًا أَمْ قُبَّةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، انْتَهَى. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَالْكِتَابَةُ) قَالَ السُّبْكِيُّ: يَنْبَغِي عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إذَا كَتَبَ قَدْرَ الْحَاجَةِ لِلْإِعْلَامِ لِمَا
وَيُنْدَبُ أَنْ «يُرَشَّ الْقَبْرُ بِمَاءٍ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ بِقَبْرِ سَعْدٍ» ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ» ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَعْدٌ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ كَمَا فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ، قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَشَّ عَلَى الْقَبْرِ مَاءُ الْوَرْدِ، وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَرَاهَةَ هَذَا وَأَنْ يُطْلَى الْقَبْرُ بِالْخَلُوقِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَآخَرِينَ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. (وَيُوضَعُ عَلَيْهِ حَصًى) رَوَى الشَّافِعِيُّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ مَاءً وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ» وَهِيَ بِالْمَدِّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْحَصَى الصِّغَارُ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. (وَعِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ) رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ حَجَرًا أَيْ صَخْرَةً عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَالَ: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» وَأَتَعَلَّمُ بِمَعْنَى عَلَّمَ مِنْ الْعَلَامَةِ.
(وَجَمْعُ الْأَقَارِبِ فِي مَوْضِعٍ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ كَالرَّوْضَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَقَالَ فِيهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَبُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ
(وَ) تُنْدَبُ (زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ) رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِي ضَمِيرِ الرِّجَالِ. (وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ) لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنَّ (وَقِيلَ تَحْرُمُ) قَالَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَضَمَّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَى شَيْخِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَالدَّائِرُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ ضَمُّ زَايِ زَوَّارَاتِ جَمْعُ زُوَّارٍ جَمْعُ زَائِرَةٍ سَمَاعًا وَزَائِرٍ قِيَاسًا. (وَقِيلَ: تُبَاحُ) إذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَالْحَدِيثُ فِيمَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا بُكَاءٌ وَنَوْحٌ وَتَعْدِيدٌ كَعَادَتِهِنَّ، وَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ الْإِبَاحَةَ مِنْ حِكَايَةِ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَذَكَرَ فِيهِ حَمْلَ
ــ
[حاشية قليوبي]
بِهِ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ التَّطْيِينَ) الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْإِلْحَاقِ فَلَا يُكْرَهُ، كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قَوْلُهُ:(اسْمُ صَاحِبِهِ) نَعَمْ لَا كَرَاهَةَ فِي اسْمٍ صَالِحٍ، أَوْ مَنْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهِ. قَوْلُهُ:(مُسَبَّلَةً) وَهِيَ مَا جَرَّتْ عَادَةُ النَّاسِ بِالدَّفْنِ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَقْفِيَّتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْهَا الْمَوَاتُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ. قَوْلُهُ:(هُدِمَ) أَيْ وُجُوبًا إنْ عُلِمَ حَالُهُ وَقْتَ وَضْعِهِ، وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ وَضْعِهِ بِحَقٍّ كَمَا فِي الْبِنَاءِ الْمَوْجُودِ فِي سَوَاحِلِ الْأَنْهَارِ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنْ وُجُوبِ الْهَدْمِ مَشَاهِدَ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ. قَوْلُهُ:(بِحُرْمَةِ الْبِنَاءِ) وَلَوْ نَحْوَ بَيْتٍ لِيَأْوِيَ فِيهِ الزَّائِرُونَ، وَسَوَاءٌ بَاطِنُ الْأَرْضِ وَظَاهِرُهَا، وَمِنْهُ الْأَحْجَارُ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ.
قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ الْقَبْرُ) أَيْ حَالَ الدَّفْنِ بَعْدَ تَمَامِهِ. قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ) أَيْ طَاهِرٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بَارِدٍ، وَيَحْرُمُ بِالنَّجَسِ، وَيُكْرَهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ. نَعَمْ يُسْتَحَبُّ إنْ قُصِدَ بِهِ إكْرَامُ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا يَكْفِي الْمَطَرُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ لِعَدَمِ فِعْلِنَا. قَوْلُهُ:(عِنْدَ رَأْسِهِ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ. قَوْلُهُ: (أَخِي) أَيْ عُثْمَانَ، وَهُوَ أَوَّلُ مُهَاجِرٍ دُفِنَ فِي الْبَقِيعِ وَذَكَرَ الْأُخُوَّةَ فِيهِ لِلشَّفَقَةِ وَالْحُنُوِّ، أَوْ إخْوَةُ الْإِسْلَامِ.
وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَلَمْ أَرَهُ فَرَاجِعْهُ
. قَوْلُهُ: (جَمْعُ الْأَقَارِبِ) وَكَذَا مَحَارِمُ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ، وَالْأَصْدِقَاءِ، وَالْأَزْوَاجِ، وَالْأَرِقَّاءِ، وَالْعُتَقَاءِ، وَيُقَدَّمُونَ بِمَا فِي تَقْدِيمِ الدَّفْنِ إنْ أَمْكَنَ.
قَوْلُهُ: (وَتُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ) وَكَذَا الْخَنَاثَى، وَتَحْرُمُ عَلَى مُعْتَدَّةٍ وَلَوْ عَنْ وَفَاةٍ وَبِغَيْرِ إذْنِ حَلِيلٍ. نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُنَّ كَالرِّجَالِ يُزَارُ قَبْرُهُ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَالَ الْقَاضِي: وَيُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْمَيِّتِ لِمَنْ كَانَ يَزُورُهُ حَيًّا لِقَرَابَةٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ صَدَاقَةٍ، وَكَذَا لِقَصْدِ تَرَحُّمٍ عَلَيْهِ أَوْ اعْتِبَارٍ بِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
(فَرْعٌ) رُوحُ الْمَيِّتِ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِقَبْرِهِ لَا تُفَارِقُهُ أَبَدًا، لَكِنَّهَا أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِهِ مِنْ عَصْرِ الْخَمِيسِ إلَى شَمْسِ يَوْمِ السَّبْتِ، وَلِذَلِكَ اعْتَادَ النَّاسُ الزِّيَارَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي عَصْرِ الْخَمِيسِ، وَأَمَّا زِيَارَتُهُ صلى الله عليه وسلم لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ فَلِضِيقِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَمَّا يُطْلَبُ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْ الْمَدِينَةِ، انْتَهَى.
ــ
[حاشية عميرة]
سَيَأْتِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَضْعُ شَيْءٍ يُعْرَفُ بِهِ الْمَيِّتُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْجِيرُ) يُسَمَّى أَيْضًا الْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ، قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَحِكْمَةُ النَّهْيِ التَّزْيِينُ أَقُولُ: وَإِضَاعَةُ الْمَالِ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُنْدَبُ أَنْ يُرَشَّ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: حَضَرْت جِنَازَةً بِحَلَبِ فَوَقَعَ عَقِبَ دَفْنِهَا مَطَرٌ غَزِيرٌ، فَقُلْت لَهُمْ: هَذَا يَكْفِي عَنْ الرَّشِّ، انْتَهَى. قَالَ الْغَزِّيِّ: وَفِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِنْ غُسْلِ الْغَرِيقِ. قَوْلُهُ: (عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رضي الله عنه) هُوَ أَوَّلُ مَنْ دُفِنَ بِالْبَقِيعِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ. قَوْلُهُ: (وَأَتَعَلَّمُ بِمَعْنَى عَلَّمَ إلَخْ) هُوَ مَاضِي أَتَعَلَّمُ الَّذِي فِي
الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ لِلْعَجُوزِ تَرْكُ الزِّيَارَةِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ (وَلْيُسَلِّمْ الزَّائِرُ) فَيَقُولُ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَرَجَ إلَى الْمَقْبَرَةِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، زَادَ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ:«اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» وَإِسْنَادُهَا ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ: دَارَ، أَيْ أَهْلَ دَارٍ، وَنَصْبُهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوْ النِّدَاءِ، وَقَوْلُهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ. (وَيَقْرَأُ وَيَدْعُو) عَقِبَ قِرَاءَتِهِ وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ
(وَيَحْرُمُ نَقْلُ الْمَيِّتِ) قَبْلَ دَفْنِهِ مِنْ بَلَدِ مَوْتِهِ (إلَى بَلَدٍ آخَرَ) لِيُدْفَنَ فِيهِ (وَقِيلَ: يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) فَيُخْتَارُ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهَا لِفَضْلِ الدَّفْنِ فِيهَا (نَصَّ عَلَيْهِ) الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَلَفْظُهُ لَا أُحِبُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ بِالْكَرَاهَةِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ، وَبِالْحُرْمَةِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ فِي نَقْلِهِ تَأْخِيرَ دَفْنِهِ الْمَأْمُورِ بِتَعْجِيلِهِ، وَتَعْرِيضَهُ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَتَغَيُّرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ «عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا حَمَلْنَا الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ لِنَدْفِنَهُمْ فَجَاءَنَا مُنَادِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَدْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَضَاجِعِهِمْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، ذُكِرَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّقْلِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَنَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ حَرَامٌ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ) وَهُوَ وَاجِبُ الْغُسْلِ فَيَجِبُ نَبْشُهُ تَدَارُكًا لِغُسْلِهِ الْوَاجِبِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَلِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَالَ: فَإِنْ تَغَيَّرَ وَخُشِيَ فَسَادُهُ لَمْ يَجُزْ نَبْشُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ (أَوْ فِي أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ) فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ لِيُرَدَّ كُلٌّ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِبَقَائِهِ، وَفِي الثَّوْبِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّبْشُ لِرَدِّهِ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
فَرْعٌ) وَضْعُ نَحْوَ الْجَرِيدِ وَالرَّيْحَانِ مَنْدُوبٌ، وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ أَخْذُهُ مَا دَامَ رَطْبًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَيِّتِ بِهِ، وَإِذَا جَفَّ جَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَخْذُهُ، وَلَوْ كَانَ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ يُخَفِّفُ عَنْ الْمَيِّتِ بِوَضْعِهِ الْعَذَابَ مَا دَامَ رَطْبًا وَأَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ:(وَلِيُسَلِّمَ) أَيْ الزَّائِرُ لِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْكُفَّارِ، وَيُنْدَبُ اسْتِقْبَالُ وَجْهِ الْمَيِّتِ حَالَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ قَائِمًا، وَأَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ إلَى السَّمَاءِ. قَوْلُهُ:(وَيَقْرَأُ) أَيْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَيُهْدِي ثَوَابَهُ لِلْمَيِّتِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ أَهْلِ الْجَبَّانَةِ، وَمِمَّا وَرَدَ عَنْ السَّلَفِ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ إحْدَى عَشَرَةَ مَرَّةً، وَأَهْدَى ثَوَابَهَا إلَى الْجَبَّانَةِ غُفِرَ لَهُ ذُنُوبٌ بِعَدَدِ الْمَوْتَى فِيهَا. وَرَوَى السَّلَفُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ يُعْطَى لَهُ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ. قَوْلُهُ:(وَلَا تَفْتِنَّا) وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ، وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الدُّنْيَا، وَهِيَ بِك مُؤْمِنَةٌ أَنْزِلْ عَلَيْهَا رَحْمَةً مِنْك وَسَلَامًا مِنِّي
. قَوْلُهُ: (مِنْ بَلَدِ مَوْتِهِ) أَيْ مَحَلِّ مَوْتِهِ وَلَوْ بِصَحْرَاءَ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْبَلَدِ لِأَجْلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ:(إلَى بَلَدٍ آخَرَ) أَيْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِدَفْنِ أَهْلِهِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (بِقُرْبِ مَكَّةَ) الْمُرَادُ بِالْقُرْبِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فِي مُدَّةِ نَقْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ، وَبِالْمَدِينَةِ حَرَمُهَا أَيْضًا، وَبِبَيْتِ الْمَقْدِسِ مَقَابِرُهُ، وَيَتَّجِهُ جَوَازُ النَّقْلِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِلْأَشْرَافِ فِيهَا لَا عَكْسِهِ. قَوْلُهُ:(فَيُخْتَارُ أَنْ يُنْقَلَ) وَلَوْ شَهِيدًا، وَالشَّكُّ فِي غَيْرِهِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِهَا بِأَهْلِ مَحَلِّ مَوْتِهِ. قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَيُنْقَلُ أَيْضًا لِمَقَابِرِ الصُّلَحَاءِ، وَمِنْ دَارِ حَرْبٍ، وَأَهْلِ بِدْعَةٍ وَفِسْقٍ وَفَسَادِ أَرْضٍ، وَعُمُومِ سَيْلٍ. قَوْلُهُ:(وَنَبْشُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِلنَّقْلِ وَغَيْرِهِ حَرَامٌ) وَلَوْ لِنَحْوِ مَكَّةَ، وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ قَبْلَ الْبَلَاءِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ نَقْلٌ بَعْدَهُ فَلَا حُرْمَةَ، بَلْ تَحْرُمُ عِمَارَةُ الْقَبْرِ وَتَسْوِيَتُهُ كَذَا فِي الْمَنْهَجِ. قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: وَعَطْفُ التَّسْوِيَةِ تَفْسِيرٌ لِأَنَّ الْبِنَاءَ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذِكْرُ الصَّالِحِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَغَيَّرَ) وَلَوْ بِالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَرْضَ) شَامِلٌ لِمَا إذَا طَلَبَهُ أَوْ سَكَتَ. نَعَمْ يُكْرَهُ لَهُ طَلَبُهُ، وَإِذَا رَضِيَ حَرُمَ النَّبْشُ، وَمِثْلُ الطَّلَبِ مَا لَوْ
ــ
[حاشية عميرة]
الْحَدِيثِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلْيُسَلِّمْ الزَّائِرُ) فِي الْحَدِيثِ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عليه السلام» . رَوَاهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. قَوْلُهُ: (وَنَصْبُهُ) زَادَ الْإِسْنَوِيُّ جَوَازَ جَرِّهِ عَلَى الْبَدَلِ، وَقَوْلُهُ: لِلتَّبَرُّكِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا إلَى الْمَوْتِ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ، أَوْ الْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) لَيْسَ مِنْ الْمَحْكِيِّ بِقِيلِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى الْكَرَاهَةِ فَيَنْتَفِي التَّحْرِيمُ أَيْضًا بِالْأَوْلَى، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَيْهِمَا وَهُوَ أَوْلَى، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابُ نَصًّا وَفِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِلطَّبَرِيِّ: أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ إلْحَاقُ الْقَرْيَةِ الَّتِي فِيهَا صَالِحُونَ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثِ. قَوْلُهُ: (وَلِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: تَدَارُكًا لِغُسْلِهِ. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ نَبْشُهُ إلَخْ) لَوْ دُفِنَ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ
كَالتَّالِفِ فَيُعْطَى صَاحِبُهُ قِيمَتَهُ (أَوْ وَقَعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقَبْرِ (مَالٌ) خَاتَمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَيَجِبُ نَبْشُهُ لِأَخْذِهِ، قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هَكَذَا أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُهُ، وَلَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى التَّقْيِيدِ. (أَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ) فَيَجِبُ نَبْشُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَتَوْجِيهُهُ لِلْقِبْلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. (لَا لِلتَّكْفِينِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ السَّتْرُ وَقَدْ سَتَرَهُ التُّرَابُ، وَالِاكْتِفَاءُ بِهِ أَوْلَى مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ بِالنَّبْشِ، وَالثَّانِي يَقِيسُهُ عَلَى الْغُسْلِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ جَمَاعَةٌ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ قَبْرِهِ سَاعَةً يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ) رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» . وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ سَاعَةً يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَالرَّافِعِيُّ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْ يَقِفَ عَلَى الْقَبْرِ
ــ
[حاشية قليوبي]
كَانَ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ، لَوْ نُبِشَ غَيْرُ الثَّوْبِ الَّذِي كُفِّنَ فِيهِ لَمْ يَجُزْ نَبْشُهُ. قَوْلُهُ:(وَقَيَّدَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ قَيَّدَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ الْوُجُوبَ بِالطَّلَبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَعِنْدَ عَدَمِ الطَّلَبِ يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ، وَحَمْلُ الشَّارِحِ كَلَامَ الْمِنْهَاجِ عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ الْإِطْلَاقِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَلَوْ بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ حَرُمَ نَبْشُهُ، وَحَرُمَ شَقُّ جَوْفِهِ لِإِخْرَاجِهِ أَوْ مَالَ غَيْرِهِ، فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَطْلُبْهُ صَاحِبُهُ وَإِلَّا وَجَبَ أَوْ إنْ ضَمِنُوهُ لِصَاحِبِهِ، وَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مِنْ عَدَمِ النَّبْشِ مَعَ الضَّمَانِ لَمْ يُوَافِقْ هُوَ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ:(لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ) وَمِنْهُ الِاسْتِلْقَاءُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ دُفِنَ فِي مَسْجِدٍ نُبِشَ مُطْلَقًا وَأُخْرِجَ مِنْهُ، وَيَحْرُمُ نَبْشُ لَحْدِ مَيِّتٍ، أَوْ فَتْحُ فَسْقِيَّةٍ لِدَفْنِ مَيِّتٍ آخَرَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَيَحْرُمُ إزَالَةُ عِظَامِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ عَنْ مَحَلِّهَا كَذَلِكَ، أَمَّا بَعْدَ الِانْدِرَاسِ فَيَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَوْ ظَهَرَ عِظَامُ مَيِّتٍ قَبْلَ تَمَامِ حَفْرِ الْقَبْرِ وَجَبَ رَدْمُهُ وَسِتْرُهَا، أَوْ بَعْدَ تَمَامِهِ وُضِعَ مَعَهُ. قَوْلُهُ:(لَا لِلتَّكْفِينِ) أَيْ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ لَهُ وَلَا لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا لِدَفْنِهِ فِي الْحَرِيرِ وَإِنْ حَرُمَ.
(فَرْعٌ) قَدْ يُنْبَشُ الْمَيِّتُ فِي صُوَرٍ: كَحَامِلٍ رُجِيَ حَيَاةُ جَنِينِهَا فَتُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهَا مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ لَهَا مِنْ الْقَبْرِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَيُخْرَجُ الْجَنِينُ وَكَذَا قَبْلَ دَفْنِهَا، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ حَيَاتُهُ تُرِكَ دَفْنُهَا حَتَّى يَمُوتَ، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ: يُوضَعُ عَلَى بَطْنِهَا شَيْءٌ ثَقِيلٌ لِيَمُوتَ، وَكَتَعْلِيقِ طَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ أَوْ نَذْرٍ عَلَى مَوْلُودٍ بِذُكُورَةٍ أَوْ أُنُوثَةٍ، وَدُفِنَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا، وَكَدَعْوَى زَوْجِيَّةٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ عَلَى مَيِّتٍ دُفِنَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ فَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً، فَإِنْ ظَهَرَ خُنْثَى قُدِّمَتْ زَوْجِيَّةُ الرَّجُلِ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَرَائِضِ. وَكَلُحُوقِ نَدَاوَةٍ أَوْ سَيْلٍ، وَكَاخْتِلَافِ وَرَثَةٍ فِي ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ لِلْإِرْثِ، وَكَدَعْوَى جَانٍ شَلَلَ عُضْوٍ كَإِصْبَعٍ خِلْقَةً، وَكَتَدَاعِي اثْنَيْنِ مَجْهُولًا لِعَرْضِهِ عَلَى قَائِفٍ، وَكَزِيَادَةِ كَفَنٍ فِي الْعَدَدِ لَا فِي الصِّفَةِ إذَا طَلَبَهُ الْوَرَثَةُ، وَكَوَضْعِ الْأَمْوَاتِ عَلَى بَعْضِهَا كَالْأَمْتِعَةِ، وَلَا يُنْبَشُ لِشَهَادَةٍ عَلَى صُورَتِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
(تَنْبِيهَاتٌ) يَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْمَسْبُوقِ بِالْحُضُورِ مَعَهُ مِنْ مَحَلِّ مَوْتِهِ قِيرَاطٌ مِنْ الْأَجْرِ. وَفِي الْحَدِيثِ: " إنَّهُ كَجَبَلٍ " أُحُدٍ أَوْ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ، فَإِنَّ اسْتَمَرَّ مَعَهُ إلَى تَمَامِ الدَّفْنِ لَا الْمُوَارَاةِ فَقَطْ حَصَلَ لَهُ قِيرَاطٌ آخَرُ مِثْلُهُ، وَيَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ مَعَ الْحُضُورِ مَعَهُ إلَى تَمَامِ الدَّفْنِ مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ قَبْلَهَا قِيرَاطٌ فَقَطْ، وَلَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالْحُضُورِ بِغَيْرِ صَلَاةٍ. وَفِي بَعْضِ نُسَخِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا قِيرَاطٌ دُونَ قِيرَاطِ مَنْ حَضَرَ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ بَلْ نَقَلَ أَنَّ تِلْكَ النُّسْخَةَ مَرْجُوعٌ عَنْهَا.
وَفِي ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ مُوَافَقَةُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً تَعَدَّدَ الْقِيرَاطُ بِعَدَدِهِمْ، انْتَهَى. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ: وَمَحَلُّهُ إنْ شَيَّعَ كُلًّا مِنْهُمْ إلَى تَمَامِ دَفْنِهِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَاضِرِ لَا الْغَائِبِ وَالْقَبْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ.
(فَرْعٌ) لَا يُسْأَلُ غَيْرُ بَالِغٍ وَلَا شَهِيدٌ وَلَا نَبِيٌّ وَلَا مَجْنُونٌ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ تَكْلِيفٌ، وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ يُسْأَلُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ دَفْنِهِ) وَبَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَكَذَا التَّلْقِينُ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ عَلَى مَنْ يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً، وَإِعَادَتُهُ ثَلَاثًا مَنْدُوبَةٌ أَيْضًا.
ــ
[حاشية عميرة]
شَيْئًا وَلَا شَكَّ فِي نَبْشِهِ إنْ ضَيِّقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَنَحْوِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُضَيِّقْ فَفِيهِ احْتِمَالٌ وَالْأَقْرَبُ النَّبْشُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ إلَخْ) يُسَنُّ أَيْضًا التَّلْقِينُ فَيُقَالُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مِنْ فِي الْقُبُورِ،
وَيَسْتَغْفِرَ لِلْمَيِّتِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
(وَ) يُسَنُّ (لِجِيرَانِ أَهْلِهِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ) لِشُغْلِهِمْ بِالْحُزْنِ عَنْهُ (وَيُلَحُّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ) نَدْبًا لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ. (وَيَحْرُمُ تَهْيِئَتُهُ لِلنَّائِحَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَقَوْلُهُ لِجِيرَانِ أَهْلِهِ أَحْسَنُ كَمَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ لِجِيرَانِهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَلَدٍ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِهِ وَالْأَبَاعِدُ مِنْ قَرَابَتِهِ كَالْجِيرَانِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا جَاءَ خَبَرُ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَمُؤْتَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْكَرْكِ وَقُتِلَ جَعْفَرٌ فِي جُمَادَى سَنَةَ ثَمَانٍ.
ــ
[حاشية قليوبي]
وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا، وَيَجْلِسُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ، وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَمِنْ أَقَارِبِهِ أَوْلَى. وَنِسْبَتُهُ إلَى أُمِّهِ بِقَوْلِهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ دُونَ أَبِيهِ سَتْرًا عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا.
وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ دُعَاءُ النَّاسِ بِآبَائِهِمْ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَقَيَّدَهُ بِغَيْرِ وَلَدِ الزِّنَى وَالْمَنْفِيِّ قَالَ عَلِيٌّ: إنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٌ ابْنُ أَمَةِ اللَّهِ انْتَهَى.
وَفِي ذَلِكَ مَيْلٌ إلَى مَا قَالَهُ شَيْخُنَا أَوَّلًا نَظَرًا لِلسَّتْرِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّ اللَّهَ يَدْعُو النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأُمَّهَاتِهِمْ سَتْرًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ» ، انْتَهَى بِلَفْظِهِ، وَهَذَا مُعَارِضٌ لِمَا مَرَّ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِنَحْوِ دُعَاءِ بَعْضِ أَفْرَادٍ بِآبَائِهِمْ لِتَشْرِيفٍ أَوْ تَخْصِيصٍ أَوْ إكْرَامٍ أَوْ نَحْوِهَا
. قَوْلُهُ: (لِجِيرَانِ أَهْلِهِ) وَكَذَا لِمَعَارِفِهِ وَلَوْ غَيْرَ جِيرَانٍ. قَوْلُهُ: (يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ) أَيْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ. قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ الْمَكْرُوهِ فِعْلُهَا. كَمَا فِي الرَّوْضَةِ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِمَّا يُسَمَّى بِالْكَفَّارَةِ، وَمِنْ صُنْعِ طَعَامٍ لِلِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ بَعْدَهُ، وَمِنْ الذَّبْحِ عَلَى الْقَبْرِ، بَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ حَرَامٌ إنْ كَانَ مِنْ مَالٍ مَحْجُورٍ وَلَوْ مِنْ التَّرِكَةِ، أَوْ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[حاشية عميرة]
وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا، وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً، وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِيهِ، زَادَ فِي الرَّوْضَةِ الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ اُعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ، وَأَنَّ الْمُلَقِّنَ يَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ، وَأَنَّ الطِّفْلَ وَنَحْوَهُ لَا يُلَقَّنُ. زَادَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ عَنْ شَرْحِ الْوَسِيطِ لِفَخْرِ الدِّينِ بْنِ الْوَجِيهِ وَجْهَيْنِ: فِي أَنَّ التَّلْقِينَ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ أَوْ بَعْدَهَا قَالَ: وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: التَّلْقِينُ بِدْعَةٌ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ.
(فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ: يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ التَّلْقِينِ ثَلَاثًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ. قَوْلُ الْمَتْن: (وَلِجِيرَانِ أَهْلِهِ تَهْيِئَة إِلَخْ) عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَقِف.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلِجِيرَانِ أَهْلِهِ تَهْيِئَةُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَقِفَ.