الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صِحَّتِهَا، وَالْبَابُ مَعْقُودٌ لِذَلِكَ مَعَ آدَابٍ تُشْرَعُ فِيهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ (إنَّمَا تَتَعَيَّنُ) أَيْ تَجِبُ وُجُوبَ عَيْنٍ. وَقِيلَ: وُجُوبُهَا وُجُوبُ كِفَايَةٍ (عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ) أَيْ بَالِغٍ عَاقِلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (حُرٍّ ذَكَرٍ مُقِيمٍ بِلَا مَرَضٍ وَنَحْوِهِ) فَلَا جُمُعَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَالْمَجْنُونِ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا ظُهْرًا كَغَيْرِهَا وَلَا عَلَى عَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ وَمَرِيضٍ لِحَدِيثِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إلَّا امْرَأَةٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ مَرِيضٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ وَأُلْحِقَ بِالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَتَى فَلَا يَلْزَمُهُ، وَبِالْمَرِيضِ نَحْوُهُ وَشَمِلَهُمَا
قَوْلُهُ (وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مَعْذُورٍ بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ) أَيْ يُتَصَوَّرُ فِي الْجُمُعَةِ وَتَقَدَّمَتْ الْمُرَخِّصَاتُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مِنْهَا الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ بِاللَّيْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْجُمُعَةِ (وَالْمُكَاتَبُ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ (وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ) لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الرِّقِّ، وَالثَّانِي عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ الْوَاقِعَةُ فِي نَوْبَتِهِ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّيِّدِ مُهَايَأَةٌ
(وَمَنْ صَحَّتْ ظُهْرُهُ) مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ
ــ
[حاشية قليوبي]
الْخَيْرَاتِ، أَوْ لِجَمْعِ خَلْقِ آدَمَ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِهَا أَوْ لِاجْتِمَاعِهِ بِحَوَّاءَ فِي عَرَفَةَ فِيهَا أَوْ لِأَنَّهُ جَامَعَهَا فِيهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَوْمُهَا أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا حَتَّى مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَلَيْلَتُهَا كَيَوْمِهَا فِي الْأَجْرِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ، وَفُرِضَتْ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَلَمْ تُقَمْ بِهَا كَمَا لَمْ تُقَمْ بِهَا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِخَفَاءِ الْإِسْلَامِ. وَأَقَامَهَا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِنَقِيعِ الْخَضِمَانِ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ فَقَافٍ مَكْسُورَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَخَاءٍ مَفْتُوحَةٍ مُعْجَمَةٍ فَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ فَمِيمٍ فَأَلْفٍ وَآخِرُهُ فَوْقِيَّةٌ، اسْمُ قَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا. قَوْلُهُ:(بِضَمِّ الْمِيمِ) وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا وَحُكِيَ كَسْرُهَا. قَوْلُهُ: (وَالْبَابُ مَعْقُودٌ لِذَلِكَ) أَيْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ذَلِكَ وَذِكْرُ غَيْرِهِ مَعَهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ السَّكْرَانِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ النَّفْيَ قَبْلَهُ شَامِلٌ لِعَدَمِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَهُوَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ مَعَ تَعَدِّيهِ نَعَمْ إنْ أَفَاقَ قَبْلَ فَوَاتِهَا لَزِمَهُ فِعْلُهَا، وَمِثْلُهُ فِي هَذَا الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. قَوْلُهُ:(وَمُسَافِرٍ) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَهْلِ مَحَلٍّ لَا يَسْمَعُ أَهْلُهُ النِّدَاءَ مِنْهَا وَلَهُ الِانْصِرَافُ، وَلَوْ بَعْدَ إقَامَتِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ:(إلَّا امْرَأَةٌ إلَخْ) هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى تَأْوِيلِ عَلَيْهِ بِمَعْنَى لَا يُتْرَكُ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ كَلَامٍ غَيْرِ مُوجَبٍ مَعْنًى. وَكَذَا يُقَالُ فِي حَدِيثِ إلَّا أَرْبَعَةٌ الْمَذْكُورِ فِي الْمَنْهَجِ. وَيَجُوزُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ الْمَحْذُوفِ إنْ صَحَّ
وَنُقِلَ عَنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَقَدِّمِينَ يَرْسُمُ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَجْرُورِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَعْذُورٍ إلَخْ) وَمِنْهُ الِاحْتِيَاجُ إلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا دُونَهُ، وَمِنْهُ الِاشْتِغَالُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَمِنْهُ إجَارَةُ الْعَيْنِ لِمَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ لَزِمَ فَسَادُ عَمَلِهِ، وَمِنْهُ حَبْسٌ لِمَنْ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ لَهَا وَإِنْ حَرُمَ مَنْعُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي خُرُوجِهِ مَصْلَحَةٌ، وَمِنْهُ مَرَضٌ يَشُقُّ مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، وَمِنْهُ الْعَمَى نَعَمْ لَوْ اجْتَمَعَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مَحَلِّهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُمْ فِيهِ، كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا. وَمِنْ الْعُذْرِ إبْرَارُ قَسَمٍ مِنْ حَلَفَ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ مَثَلًا لِخَوْفٍ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ أَيْضًا مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي خَلْفَ زَيْدٍ فَوَلِيَ زَيْدٌ إمَامًا فِي الْجُمُعَةِ. وَقِيلَ فِي هَذِهِ يُصَلِّي خَلْفَهُ وَلَا يَحْنَثُ مُكْرَهٌ شَرْعًا كَمَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ اللَّيْلَةَ فَإِذَا هِيَ حَائِضٌ. كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ ثَوْبَهُ فَأَجْنَبَ وَاحْتَاجَ إلَى نَزْعِهِ لِتَعَذُّرِ غُسْلِهِ فِيهِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ لِلْجُمُعَةِ بَدَلًا فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ:(الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ إلَخْ) نَعَمْ تُتَصَوَّرُ هُنَا فِيمَا بَعْدَ الْفَجْرِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُكَاتَبُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْذُورٍ مَعْنًى وَرَفَعَهُ اسْتِقْلَالًا لِتَنَافُرِ الْعَطْفِ. وَذَكَرَهُ مَعَ شُمُولِ الْعَبْدِ لَهُ لِلْخِلَافِ فِيهِ،
ــ
[حاشية عميرة]
[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]
ِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا أَوْ لِمَا جُمِعَ فِيهَا مِنْ الْخَيْرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَنَحْوِهِ) مِنْ ذَلِكَ الِاشْتِغَالُ بِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ، وَلَمَّا وَلِيَ خَطَابَةَ الْجَامِعِ الْعَتِيقِ بِمِصْرَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْمَوْتَى قَبْلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَقُولُ لِأَهْلِهَا وَحُمَّالِهَا: اذْهَبُوا فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْكُمْ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَدِيثِ: إلَّا امْرَأَةٌ إلَخْ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ بِالرَّفْعِ وَلَعَلَّ فِيهَا اخْتِصَارًا. وَالتَّقْدِيرُ إلَّا أَرْبَعَةً امْرَأَةٌ إلَخْ فَيَكُونُ أَرْبَعَةً هُوَ الْمُسْتَثْنَى، وَامْرَأَةٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ» إلَخْ قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَنْ بِمَعْنَى غَيْرِ نَحْوُ النَّاسُ كُلُّهُمْ هَلْكَى إلَّا الْعَالِمُونَ، وَنُوزِعَ بِأَنَّ فِيهِ وَصْفَ الْمَعْرِفَةِ بِالنَّكِرَةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْمُكَاتَبِ) عَطْفُهُ عَلَى مَا سَلَفَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مَعْذُورًا فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ
بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ (صَحَّتْ جُمُعَتُهُ) لِأَنَّهَا تَصِحُّ لِمَنْ تَلْزَمُهُ فَلِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ أَوْلَى، وَتُجْزِئُهُ عَنْ الظُّهْرِ وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُهَا لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيَّ وَالْعَجُوزِ (وَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ الْجَامِعِ) قَبْلَ فِعْلِهَا (إلَّا الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ) قَبْلَ فِعْلِهَا (إنْ دَخَلَ الْوَقْتُ) قَبْلَ انْصِرَافِهِ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ) فِعْلَهَا فَيَجُوزُ انْصِرَافُهُ قَبْلَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَانِعَ فِي الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ الْمَشَقَّةُ فِي حُضُورِ الْجَامِعِ وَقَدْ حَضَرُوا مُتَحَمِّلِينَ لَهَا، وَالْمَانِعُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهِمْ لَا تَزُولُ بِالْحُضُورِ
(وَتَلْزَمُ الشَّيْخَ الْهَرِمَ وَالزَّمِنَ إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا) مِلْكًا أَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ (وَلَمْ يَشُقَّ الرُّكُوبُ) عَلَيْهِمَا (وَالْأَعْمَى يَجِدُ قَائِدًا) مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ أَوْ مِلْكًا لَهُ أَخْذًا مِمَّا ذُكِرَ قَبْلَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ.
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْمَشْيَ بِالْعَصَا مِنْ غَيْرِ قَائِدٍ لَزِمَهُ.
(وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ) وَهُوَ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ كَمَا سَيَأْتِي (أَوْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ عَالٍ فِي هُدُوٍّ) لِلْأَصْوَاتِ وَالرِّيَاحِ (مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَلَا بَلَغَهُمْ الصَّوْتُ الْمَذْكُورُ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (صَحَّتْ جُمُعَتُهُ) أَيْ أَجْزَأَهُ عَنْ ظُهْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ. لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الصِّحَّةِ الْإِجْزَاءُ. وَعَلَيْهِ تَصِحُّ الْأَوْلَوِيَّةُ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ بِهَا الظُّهْرُ عَنْ الْكَامِلِينَ فَعَنْ غَيْرِهِمْ أَوْلَى. كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِجَعْلِ تُجْزِئُهُ عَطْفَ تَفْسِيرٍ عَلَى صَحَّتْ مَثَلًا فَلَا مُخَالَفَةَ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي. قَوْله: (وَتُجْزِئُهُ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مَعْنَى الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكِفَايَةُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ. قَوْلُهُ: (وَالْعَجُوزُ) أَيْ إنْ أَذِنَ الزَّوْجُ وَلَمْ تَكُنْ ذَاتَ هَيْئَةٍ أَوْ رِيحٍ. قَوْلُهُ: (قَبْلَ فِعْلِهَا) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ إقَامَتِهَا وَمِنْهُ مَنْ أَكَلَ مَا لَهُ رِيحٌ كَرِيهٌ لَا بِقَصْدِ إسْقَاطِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَمِنْهُ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ أَيْضًا وَنَحْوُهُمَا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ فِعْلِهَا مَا لَوْ شَرَعَ فِيهَا، فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَلَوْ بِقَلْبِهَا نَفْلًا. قَوْلُهُ:(وَنَحْوَهُ) أَيْ مِمَّنْ سَقَطَ عَنْهُ الْحُضُورُ لِلْمَشَقَّةِ كَالْأَعْمَى كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ حُضُورِهِ وَعَلَى الْحُرْمَةِ لَوْ انْصَرَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَوْدُ. قَوْلُهُ: (بِانْتِظَارِهِ فِعْلَهَا) أَيْ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا.
قَوْلُهُ: (مَرْكَبًا) أَيْ لَائِقًا وَلَوْ نَحْوَ قِرْدٍ. وَكَذَا قَائِدُ الْأَعْمَى. قَوْلُهُ: (بِإِجَارَةٍ) لِمِثْلِهِ زَائِدَةٍ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ فِي الْفِطْرَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ إعَارَةٍ) أَيْ لِمَا لَا مِنَّةَ فِيهِ، وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ فِي الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَظْهَرُ الْوُجُوبُ كَمَا فِي طَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بِوُجُودِ الْبَدَلِ هُنَا رَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَقَالَ الْقَاضِي إلَخْ) حَمَلَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ عَلَى مَنْ مَنْزِلُهُ قَرِيبٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بِحَيْثُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ أَصْلًا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إسْقَاطِهِ الْجُمُعَةَ عَنْ أَهْلِ الْقُرَى. قَوْلُهُ: (عَالٍ) أَيْ مُعْتَدِلٌ وَكَوْنُهُ بِالْأَذَانِ لَيْسَ قَيْدًا. قَوْلُهُ: (لَزِمَتْهُمْ) أَيْ الْجُمُعَةُ فِي مَحَلِّهِمْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَعْطِيلُهُ مِنْهَا، وَإِنْ فَعَلُوهَا فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِعْلَهَا فِيهِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَسَقَطَتْ عَنْ الْبَقِيَّةِ لِنَقْصِهِمْ.
وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ السَّعْيُ إلَى بَلَدِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْهُ وَتَلْزَمُهُمْ فِي بَلَدِ الْجُمُعَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، نَعَمْ
ــ
[حاشية عميرة]
كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تَصِحُّ إلَخْ) إيضَاحُهُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي حَقِّ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ إذَا حَضَرُوا انْعَقَدَتْ لَهُمْ وَأَجْزَأَتْهُمْ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَتْ أَخْصَرَ فِي الصُّورَةِ، وَإِذَا أَجْزَأَتْ عَنْ الْكَامِلِينَ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ فَلَأَنْ تُجْزِئَ أَصْحَابَ الْعُذْرِ بِالْأَوْلَى اهـ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ وَجَدَا مَرْكَبًا) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنْ لَا يَجِبَ قَبُولُ هِبَتِهِ. وَنُقِلَ عَنْ الشَّاشِيِّ عَدَمُ الْوُجُوبِ إذَا وَجَدَا مَنْ يَحْمِلُهُمَا.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: كَأَنَّهُ أَرَادَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ فَيَكُونَ مُتَّجِهًا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ) خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه فَخَصَّ الْوُجُوبَ بِأَهْلِ الْمَدَائِنِ.
(تَنْبِيهٌ) حُكْمُ أَهْلِ الْبَسَاتِينِ وَالْخِيَامِ كَأَهْلِ الْقُرَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ بَلَغَهُمْ) أَيْ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ، وَلَكِنْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ إلَخْ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(مِنْ طَرَفٍ يَلِيهِمْ) .
قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ سَكَتُوا عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ الْمُسْتَمِعُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَتِهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ يُفِيدُ أَنَّ أَهْلَ الْقَرْيَتَيْنِ إذَا نَقَصَ عَدَدُ كُلٍّ عَنْ الْوَاجِبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِمَاعُ فِي إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ.
(فَائِدَةٌ) إنَّمَا اُعْتُبِرَ طَرَفُ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَكَان صَالِحٍ لِلْجُمُعَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَلِيهِمْ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ) فِيهِ تَقْدِيمُ الْوَصْفِ
(فَلَا) تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ لِلْأُولَى. وَيَدُلُّ لِلثَّانِيَةِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ سَمَاعُ مَنْ أَصْغَى إلَيْهِ وَلَمْ يُجَاوِزْ سَمْعُهُ حَدَّ الْعَادَةِ وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَلُفَّ الْمُنَادِي عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ أَوْ سُوَرٍ، وَلَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ. وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَةً عَلَى قِمَّةِ جَبَلٍ يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِعُلُوِّهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ مَا سَمِعُوا أَوْ كَانَتْ فِي وَهْدَةٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِانْخِفَاضِهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءٍ لَسَمِعُوهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ فِي الْأُولَى وَتَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ. وَالثَّانِي وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَكْسُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِنَفْسِ السَّمَاعِ وَعَدَمِهِ
(وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ) الْجُمُعَةُ بِأَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا (السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِتَفْوِيتِهَا بِهِ (إلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ الْجُمُعَةُ فِي طَرِيقِهِ) أَوْ مَقْصِدِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ (أَوْ يَتَضَرَّرُ بِتَخَلُّفِهِ) لَهَا (عَنْ الرُّفْقَةِ) بِأَنْ يَفُوتَهُ السَّفَرُ مَعَهُمْ أَوْ يَخَافُ فِي لُحُوقِهِمْ بَعْدَهَا (وَقَبْلُ الزَّوَالِ كَبَعْدِهِ) فِي الْحُرْمَةِ (فِي الْجَدِيدِ) وَالْقَدِيمِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ
ــ
[حاشية قليوبي]
لَوْ صَلَّوْا فِيهِ الْعِيدَ جَازَ لَهُمْ الِانْصِرَافُ وَتَرْكُهَا إلَّا إنْ دَخَلَ وَقْتُهَا عَقِبَ فَرَاغِ الْعِيدِ وَقَبْلَ انْصِرَافِهِمْ قَوْلُهُ: (مَنْ أَصْغَى) أَيْ لَوْ أَصْغَى وَهُوَ بِطَرَفِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَيْضًا عَلَى مُسْتَوٍ مِنْهُ. وَالْمُرَادُ بِالطَّرَفِ آخِرُ مَحَلٍّ لَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ لِمَنْ سَافَرَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُجَاوِزْ إلَخْ) اعْتِبَارُ الِاعْتِدَالِ فِي الصَّوْتِ وَالسَّمَاعِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ تَمْيِيزُ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ، وَأَنَّهَا تَلْزَمُ ثَقِيلَ السَّمْعِ وَالْأَصَمَّ حَيْثُ سَمِعَ الْمُعْتَدِلُ، وَأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ مَنْ سَمِعَ لِحِدَّةِ سَمْعِهِ مَثَلًا. قَوْلُهُ:(اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ) فَإِنْ اُعْتُبِرَ هَذَا الْقَيْدُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَهُمَا مِنْ أَفْرَادِهِ وَإِلَّا فَهُمَا وَارِدَانِ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ شَيْخِنَا كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنْ يُفْرَضَ زَوَالُ الْجَبَلِ، وَارْتِفَاعُ الْمُنْخَفَضِ وَتُجْعَلُ الْقَرْيَةُ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي مُحَاذَاةِ مَحَلِّهَا الْأَصْلِيِّ.
وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا عَمِيرَةَ: يُفْرَضُ الصُّعُودُ أَوْ الْهُبُوطُ مُمْتَدًّا إلَى غَيْرِ جِهَةِ بَلَدِ الْجُمُعَةِ وَالْقَرْيَةُ عَلَى طَرَفِهِ لِأَنَّهُمْ يَقْطَعُونَ تِلْكَ الْمَسَافَةِ فِي الْوُصُولِ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إلَخْ) مَرْجُوحٌ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ النَّاسَ فِي الْجُمُعَةِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ بِاعْتِبَارِ اللُّزُومِ وَالصِّحَّةِ وَالِانْعِقَادِ أَحَدُهَا: مِنْ وُجِدَتْ فِيهِ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ، وَهُوَ الْكَامِلُ. ثَانِيهَا: مَنْ انْتَفَتْ كُلُّهَا فِيهِ كَالْمَجْنُونِ. ثَالِثُهَا: مَنْ وُجِدَ فِيهِ اللُّزُومُ وَالصِّحَّةُ وَهُوَ الْمُقِيمُ. رَابِعُهَا: مَنْ وُجِدَ فِيهِ الصِّحَّةُ وَالِانْعِقَادُ وَهُوَ الْمَعْذُورُ بِنَحْوِ الْمَرَضِ. خَامِسُهَا: مَنْ وُجِدَ فِيهِ اللُّزُومُ وَحْدَهُ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ. سَادِسُهَا: مَنْ وُجِدَ فِيهِ الصِّحَّةُ فَقَطْ وَهُوَ الْمَرْأَةُ وَالْمُسَافِرُ وَنَحْوُهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى إلَخْ) فَإِذَا سَافَرَ فَهُوَ عَاصٍ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ رُخَصُ السَّفَرِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا أَوْ إلَى الْيَأْسِ مِنْ إدْرَاكِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا اعْتِمَادُ هَذَا نَعَمْ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ جُنُونٌ أَوْ مَوْتٌ سَقَطَ عَنْهُ الْإِثْمُ مِنْ ابْتِدَائِهِ.
قَالَهُ شَيْخُنَا فَرَاجِعْهُ. فَإِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَخَرَجَ بِالسَّفَرِ النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا يَحْرُمُ، وَإِنْ عَلِمَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ بِهِ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النَّوْمِ الْفَوَاتُ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ وَيُكْرَهُ السَّفَرُ لَيْلَتَهَا بِأَنْ يُجَاوِزَ السُّورَ قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ جِدًّا أَنَّ مَنْ سَافَرَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ.
قَوْلُهُ: (يُمْكِنُهُ) أَيْ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ السَّفَرُ إلَّا إنْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ جُمُعَةُ بَلَدِهِ بِأَنْ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَتِهِ تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ فِي شَرْحِهِ بِعَدَمِ الْحُرْمَةِ فِي هَذِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَصْحِيحُ صَلَاةِ غَيْرِهِ مَمْنُوعٌ إذْ لَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ لِتَعْطِيلِهِ جُمُعَةَ بَلَدِهِ. فَتَأَمَّلْهُ وَقَدْ مَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا آخِرًا. قَوْلُهُ: (أَوْ يَتَضَرَّرُ) وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْوَحْشَةِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَيَتَكَرَّرُ كَثِيرًا. قَوْلُهُ: (بِتَخَلُّفِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ سَوَاءٌ فِي مَحَلِّهِ أَوْ بَعْدَ لُحُوقِهِ لَهُمْ كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (مُبَاحًا) أَيْ غَيْرَ مَطْلُوبٍ فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ. قَوْلُهُ: (وَاجِبًا) أَيْ غَيْرَ فَوْرِيٍّ وَإِلَّا كَالسَّفَرِ لِإِنْقَاذِ أَسِيرٍ وَإِدْرَاكِ عَرَفَةَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ. قَوْلُهُ: (وَمَا فِي نُسَخِ الْمُحَرَّرِ) الَّتِي عِبَارَتُهَا: وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بَعْدَ الزَّوَالِ إنْ كَانَ مُبَاحًا لِأَنَّهُ أَخَّرَ فِيهَا الشَّرْطَ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَمَحَلُّهُ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الزَّوَالِ) أَيْ مِنْ الْفَجْرِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَغَيْرِهِ. وَحَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ السَّفَرَ الْمُبَاحَ حَرَامٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَإِنَّ الطَّاعَةَ لَا تَحْرُمُ قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ) أَيْ وَهُمْ مِنْ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ. أَمَّا
ــ
[حاشية عميرة]
بِالْجُمْلَةِ عَلَى الْوَصْفِ بِالْجَارِ وَالْمَجْرُورِ، وَقَدْ مَنَعَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ لِلْأُولَى) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: دَلِيلُهَا عُمُومُ الْأَدِلَّةِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي مَنْعِهِمْ الْوُجُوبَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى قَالَ: وَلَوْ دَخَلَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الْبَلَدَ وَأَقَامُوا الْجُمُعَةَ مَعَ أَهْلِ الْبَلَدِ سَقَطَتْ عَنْهُمْ، وَأَسَاءُوا لِتَعْطِيلِهَا فِي بُقْعَتِهِمْ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْإِسَاءَةِ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَالرَّافِعِيِّ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمَدْلُولُهَا التَّحْرِيمُ إلَّا أَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَدْ صَرَّحُوا بِالْجَوَازِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِالتَّحْرِيمِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءٍ لَسَمِعُوهُ) الْمُرَادُ لَوْ
وَعُورِضَ بِأَنَّهَا مُضَافَةٌ إلَى الْيَوْمِ، وَلِذَلِكَ يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ، وَقَيَّدَ التَّشْبِيهَ الْمُفْهِمَ لِلْحُرْمَةِ بِقَوْلِهِ (إنْ كَانَ سَفَرًا مُبَاحًا) أَيْ كَالسَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ (وَإِنْ كَانَ طَاعَةً) وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا كَالسَّفَرِ لِلْحَجِّ بِقِسْمَيْهِ (جَازَ) قَطْعًا (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّ الطَّاعَةَ كَالْمُبَاحِ) فَيَحْرُمُ فِي الْجَدِيدِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ مَحْكِيَّةٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَرَجَّحَهَا فِيهَا أَيْضًا أَمَّا السَّفَرُ لِطَاعَةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ فَفِي الرَّوْضَةِ لَا يَجُوزُ، وَفِي أَصْلِهَا الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَيُوَافِقُهُمَا إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ الْحُرْمَةَ كَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ، وَمَا فِي نُسَخِ الْمُحَرَّرِ مِنْ تَقْيِيدِهَا بِالْمُبَاحِ مِنْ غَلَطِ النُّسَّاخِ بِتَقْدِيمِ الشَّرْطِ عَلَى مَحَلِّهِ
(وَمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ) وَهُمْ بِبَلَدِ الْجُمُعَةِ (تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي ظُهْرِهِمْ) وَقْتَهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْجَمَاعَةِ. وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ شِعَارًا الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانُوا بِغَيْرِ بَلَدِ الْجُمُعَةِ سُنَّتْ لَهُمْ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَيُخْفُونَهَا) اسْتِحْبَابًا (إنْ خَفِيَ عُذْرُهُمْ) لِئَلَّا يُتَّهَمُوا بِالرَّغْبَةِ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ
(وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَمْكَنَ زَوَالُ عُذْرِهِ) قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ كَالْعَبْدِ يَرْجُو الْعِتْقَ وَالْمَرِيضِ يَتَوَقَّعُ الْخِفَّةَ (تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ إلَى الْيَأْسِ مِنْ) إدْرَاكِ (الْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ عُذْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَأْتِي بِهَا كَامِلًا، وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ (وَ) يُنْدَبُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ لِمَنْ لَا يُمْكِنُ زَوَالُ عُذْرِهِ (كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ تَعْجِيلُهَا) أَيْ الظُّهْرِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ: هَذَا اخْتِيَارُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: يُسْتَحَبُّ لَهُ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَطُ لَهَا، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ كَوْنُهَا الْمُقَدَّمَةَ قَالَ: وَالِاخْتِيَارُ التَّوَسُّطُ فَيُقَالُ إنْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ تَمَكَّنَ أَوْ نَشِطَ حَضَرَهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّأْخِيرُ
(وَلِصِحَّتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (مَعَ شَرْطِ غَيْرِهَا) مِنْ الْخَمْسِ أَيْ كُلُّ شَرْطٍ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ
ــ
[حاشية قليوبي]
أَهْلُ قَرْيَةٍ دُونَ أَرْبَعِينَ فَالْجَمَاعَةُ فِي حَقِّهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ. قَوْلُهُ (فَلَا يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ) .
قَالَ شَيْخُنَا بَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِظْهَارُ. وَأَمَّا عَكْسُهُ الْمُتَقَدِّمُ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى إنْ كَانَ فِي أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ.
قَوْلُهُ: (تَأْخِيرُ ظُهْرِهِ) مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْجَوَازِ فَلَوْ لَمْ يُؤَخِّرُ وَزَالَ عُذْرُهُ بَعْدَ فِعْلِهِ الظُّهْرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا إلَّا إنْ كَانَ خُنْثَى، وَاتَّضَحَ بِالذُّكُورَةِ فَيَلْزَمُهُ فِعْلُهَا إنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ وَإِلَّا أَعَادَ الظُّهْرَ لِتَبَيُّنِ أَنَّهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ ظُهْرِ كُلِّ جُمُعَةٍ تَقَدَّمَتْ لِوُقُوعِ ظُهْرِ الَّتِي بَعْدَهَا قَضَاءً عَنْهَا. وَمِثْلُهُ عَبْدٌ تَبَيَّنَ عِتْقُهُ وَلَوْ اتَّضَحَ فِي أَثْنَاءِ ظُهْرِهِ بَطَلَتْ إنْ كَانَ قَدْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ عَتَقَ الْعَبْدُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ فِي أَثْنَاءِ ظُهْرِهِ فَلَهُ إتْمَامُهَا، وَتُجْزِئُهُ وَلَهُ قَلْبَهَا نَفْلًا وَيُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ إنْ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ مَعَ ذَلِكَ، إلَّا نُدِبَ قَطْعُهَا لِإِدْرَاكِهَا. قَوْلُهُ:(وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ إلَخْ) أَيْ لَا بِعَدَمِ التَّمَكُّنِ كَبَعِيدِ الدَّارِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ. وَيَجِبُ الظُّهْرُ فَوْرًا عَلَى مَنْ أَيِسَ مِنْهَا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (أَيْ كُلُّ شَرْطٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ،
ــ
[حاشية عميرة]
فُرِضَتْ مَسَافَةُ انْخِفَاضِهَا مُمْتَدَّةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَهِيَ عَلَى آخِرِهَا لَسُمِعَتْ. هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُفْهَمَ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَقِسْ عَلَيْهِ نَظِيرَهُ فِي الْأُولَى.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (إلَّا أَنْ تُمْكِنَهُ) الْمُرَادُ مِنْهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ. قَوْلُهُ: (وَقَيَّدَ التَّشْبِيهَ إلَخْ) أَيْ فَلَيْسَ الشَّرْطُ رَاجِعًا لِلْقِسْمَيْنِ كَمَا فَهِمَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِيُوَافِقَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ كَانَ سَفَرًا مُبَاحًا) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ سَاكِتًا عَنْ الْمَكْرُوهِ وَخِلَافُ الْأَوْلَى وَالْقِيَاسُ امْتِنَاعُ التَّرْكِ بِهِمَا اهـ. أَقُولُ: وَهَذَا ظَاهِرٌ غَنِيٌّ عَنْ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ إذَا حَرَّمَ الْمُبَاحَ حَرَّمَ الْمَكْرُوهَ وَخِلَافُ الْأَوْلَى بِالْأَوْلَى.
(فَرْعٌ) يُكْرَهُ السَّفَرُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي الصَّيْفِ الْيَمَنِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَارْتَضَاهُ
. قَوْلُ الْمَتْنِ: (تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ) قِيلَ الصَّوَابُ التَّعْبِيرُ بِالطَّلَبِ، ثُمَّ اُنْظُرْ هَذَا الْخِلَافَ هَلْ هُوَ جَارٍ عَلَى كُلِّ أَقْوَالِ طَلَبِ الْجَمَاعَةِ أَوْ هُوَ خَاصٌّ بِقَوْلِ السُّنَّةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (لِمَنْ أَمْكَنَ) عَبَّرَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ بِالتَّوَقُّعِ وَالرَّجَاءِ وَهُوَ أَوْلَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إلَى الْيَأْسِ) أُورِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا وَانْتَهَى الْوَقْتُ إلَى حَدِّ لَوْ أَخَذَ فِي السَّعْيِ لَمْ يُدْرِكْ فَإِنَّ الْيَأْسَ حَاصِلٌ، وَمَعَ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ
(شُرُوطٌ) خَمْسَةٌ (أَحَدُهَا وَقْتُ الظُّهْرِ) بِأَنْ تُفْعَلَ كُلُّهَا فِيهِ. رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ» ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ:«كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتْبَعُ الْفَيْءَ» (فَلَا تُقْضَى) إذَا فَاتَتْ (جُمُعَةً) بَلْ تُقْضَى ظُهْرًا (فَلَوْ ضَاقَ) الْوَقْتُ (عَنْهَا) بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسْعَ خُطْبَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ يُقْتَصَرُ فِيهِمَا عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ (صَلَّوْا ظُهْرًا وَلَوْ خَرَجَ) الْوَقْتُ (وَهُمْ فِيهَا وَجَبَ الظُّهْرُ بِنَاءً) عَلَى مَا فَعَلَ مِنْهَا فَيُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ (وَفِي قَوْلٍ اسْتِئْنَافًا) فَيَنْوِي الظُّهْرَ حِينَئِذٍ وَيَنْقَلِبُ مَا فَعَلَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ نَفْلًا أَوْ يَبْطُلُ قَوْلَانِ: أَصَحُّهُمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْأَوَّلُ: وَلَوْ شَكَّ هَلْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا أَتَمُّوهَا جُمُعَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ. وَقِيلَ: ظُهْرًا عَوْدًا إلَى الْأَصْلِ عِنْدَ الشَّكِّ فِي شَرْطِ الْجُمُعَةِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الْمُوَافِقَيْنِ (وَالْمَسْبُوقُ) الْمُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً (كَغَيْرِهِ) فِي أَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ظُهْرًا. (وَقِيلَ: يُتِمُّهَا جُمُعَةً) لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ
(الثَّانِي)
ــ
[حاشية قليوبي]
وَلَا يَمْنَعُهُ كَوْنُ غَيْرِ مُتَوَغِّلَةً فِي الْإِبْهَامِ. قَوْلُهُ: (شُرُوطٌ خَمْسَةٌ) وَعَدَّهَا فِي الْمَنْهَجِ سِتَّةً بِجَعْلِ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَرْبَعِينَ شَرْطًا لِلْجُمُعَةِ. قَوْلُهُ: (أَحَدُهَا وَقْتُ الظُّهْرِ) أَيْ ظُهْرُ يَوْمِهَا كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْرِيفُ وَكَوْنُهَا لَا تُقْضَى، وَجَوَّزَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَبْلَ الزَّوَالِ.
قَوْلُهُ: (كُلُّهَا) أَيْ مَعَ خُطْبَتَيْهَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (نُجَمِّعُ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَيْ نَخْطُبُ وَنُصَلِّي فَفِيهِ زِيَادَةُ كَوْنِ الْخُطْبَةِ فِي الْوَقْتِ.
قَوْلُهُ: (نَتْبَعُ الْفَيْءَ) أَيْ نَتَحَرَّى الْمَشْيَ فِي الظِّلِّ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُقْضَى) أَيْ وَلَوْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أُخْرَى أَوْ تَبَعًا لِجُمُعَةٍ أُخْرَى كَمَا يُفِيدُهُ التَّفْرِيعُ فَالتَّفْرِيعُ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ) أَيْ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَلَوْ بِخَبَرٍ عَدْلِ الرِّوَايَةِ. وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِيهِ وَلَهُمْ فِي هَذِهِ تَعْلِيقُ النِّيَّةِ قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (صَلَّوْا ظُهْرًا) أَيْ أَحْرَمُوا بِهَا فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُمْ بِالْجُمُعَةِ حَتَّى لَوْ تَبَيَّنَ ضِيقُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِمْ بِهَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْإِحْرَامِ بِهَا، وَلَا تَنْقَلِبُ ظُهْرًا فَقَوْلُهُ: وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا إلَخْ أَيْ وَكَانَ الْإِحْرَامُ فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ كَمَا عُلِمَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا بِضِيقِهِ عَمَّيْ بَقِيَ مِنْهَا لَمْ تَنْقَلِبْ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، وَفِي ابْنِ حَجَرٍ خِلَافُهُ. وَلَمْ يَعْتَمِدُهُ شَيْخُنَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ: لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا حَيْثُ لَا يَحْنَثُ بِتَلَفِهِ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (وَجَبَ الظُّهْرُ) وَإِنْ فَعَلُوا رَكْعَةً أَوْ أَكْثَرَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ قَوْلُهُ: (بِنَاءً) أَيْ وُجُوبًا. وَكَذَا اسْتِئْنَافًا. قَوْلُهُ: (فَيَنْوِي الظُّهْرَ) أَيْ بِإِحْرَامٍ وَتَكْبِيرٍ وَلَوْ تَبَيَّنَ سَعَةُ الْوَقْتِ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ، وَتَنْقَلِبُ الظُّهْرُ نَفْلًا مُطْلَقًا إنْ أَتَمُّوهَا قَبْلَ التَّبَيُّنِ وَإِلَّا بَطَلَتْ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْقَلِبُ إلَخْ) أَيْ بِلَا تَشَهُّدٍ وَسَلَامٍ وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ بِاسْتِوَاءٍ لِأَنَّهُمْ فِي ظَنِّ خُرُوجِهِ وَلَوْ بِخَبَرِ عَدْلٍ يَلْزَمُهُمْ الِاسْتِئْنَافُ. كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (قَبْلَ سَلَامِهِ) وَتَجِبُ الْمُفَارَقَةُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ مَعَهَا السَّلَامُ فِي الْوَقْتِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى أَخَفِّ مُمْكِنٍ. وَتَتِمُّ الْجُمُعَةُ لَهُمْ إنْ كَانُوا أَرْبَعِينَ وَإِلَّا لَزِمَهُمْ الظُّهْرُ اسْتِئْنَافًا. قَوْلُهُ: (وَالْمَسْبُوقُ) أَيْ الْمُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ كَغَيْرِهِ فِيمَا ذَكَرَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (يُتِمُّ صَلَاتَهُ ظُهْرًا) لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الْوَقْتَ حَقِيقَةً وَلَا
ــ
[حاشية عميرة]
إلَى رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (اُسْتُحِبَّ لَهُ التَّأْخِيرُ) أَيْ كَالضَّرْبِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقْتُ الظُّهْرِ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَا وَقْتٍ عَلَى الْبَدَلِ فَكَانَ وَقْتُ أَحَدِهِمَا وَقْتَ الْآخَرِ كَصَلَاةِ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَلِأَنَّ آخِرَ الْوَقْتِ فِيهِمَا وَاحِدٌ إجْمَاعًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كَذَلِكَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَا تُقْضَى) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ بِالْوَاوِ لَا بِالْفَاءِ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَضَاءِ لَا يُؤْخَذُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْوَقْتِ لِأَنَّ ثَمَّ وَاسِطَةٌ وَهِيَ الْقَضَاءُ فِي وَقْتِ ظُهْرِ يَوْمٍ آخَرَ كَمَا فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
قَوْلُهُ: (إذَا فَاتَتْ) لَوْ فَاتَتْهُ فَأَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَصَلَّى الْحَاضِرَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَدْرَكَ جُمُعَةً ثَانِيَةً فِي الْبَلَدِ فَأَرَادَ قَضَاءَ الثَّانِيَةِ مَعَهُمْ فَالظَّاهِرُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (الْوَقْتُ) بَلْ يَحْرُمُ فِعْلُ الظُّهْرِ وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ الضِّيقِ الْمَذْكُورِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَجَبَ الظُّهْرُ) أَيْ وَلَوْ فَعَلُوا فِي الْوَقْتِ غَالِبَهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةٌ لَنَا إنَّهَا عِبَادَةٌ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِهَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَتَنْقَطِعُ بِهِ كَالْحَجِّ، وَأَيْضًا الْوَقْتُ شَرْطُ ابْتِدَاءٍ فَيَكُونُ شَرْطَ دَوَامٍ، وَقَوْلُ الْمَتْنِ بِنَاءً أَيْ وُجُوبًا. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَفِي قَوْلٍ اسْتِئْنَافًا) .
قَالَ الرَّافِعِيُّ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَوْ مُسْتَقِلَّةٌ لَكِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الزَّوَائِدِ الثَّانِيَةَ مَعَ أَنَّ الرَّاجِحَ الْبِنَاءُ كَمَا سَلَفَ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ ظُهْرًا) أَيْ كَالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا.
(فَرْعٌ) لَوْ أَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ وَهُمْ فِيهَا بِخُرُوجِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ: أَتَمُّوا جُمُعَةً إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا اهـ.
وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الشَّارِحِ الْآتِيَةِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَقِيلَ: بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَغَيْرِهِ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الدَّلِيلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا إلَخْ) أَيْ
مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ تُقَامَ فِي خِطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجَمِّعِينَ) لِأَنَّهَا لَمْ تُقَمْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَّا فِي مَوَاضِعِ الْإِقَامَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَهِيَ مَا ذُكِرَ، سَوَاءٌ فِيهِ الْمَسْجِدُ وَالدَّارُ وَالْفَضَاءُ بِخِلَافِ الصَّحْرَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ مِنْ حَجَرٍ أَمْ طِينٍ أَمْ خَشَبٍ وَلَوْ انْهَدَمَتْ أَبْنِيَةُ الْبَلْدَةِ أَوْ الْقَرْيَةِ فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى الْعِمَارَةِ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فِيهَا لِأَنَّهَا وَطَنُهُمْ وَسَوَاءٌ كَانُوا فِي مَظَالَّ أَمْ لَا (وَلَوْ لَازِمَ أَهْلُ الْخِيَامِ الصَّحْرَاءَ) أَيْ مَوْضِعًا مِنْهَا كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ. (أَبَدًا فَلَا جُمُعَةَ) عَلَيْهِمْ (فِي الْأَظْهَرِ) إذْ لَيْسَ لَهُمْ أَبْنِيَةُ الْمُسْتَوْطِنِينَ فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ فَلَا تَلْزَمُهُمْ. وَالثَّانِي: تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فِي مَوْضِعِهِمْ لِأَنَّهُمْ اسْتَوْطَنُوهُ وَلَوْ لَمْ يُلَازِمُوهُ أَبَدًا بِأَنْ انْتَقَلُوا عَنْهُ فِي الشِّتَاءِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ جَزْمًا. وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِمْ وَعَلَى الْأَظْهَرِ فِي الْأَوْلَى لَوْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ (لَزِمَتْهُمْ الثَّالِثُ) مِنْ الشُّرُوطِ (أَنْ لَا يَسْبِقَهَا وَلَا يُقَارِنَهَا جُمُعَةٌ فِي بَلْدَتِهَا) لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِهَا فِي الْبَلْدَةِ إذْ لَمْ تُفْعَلْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْبَلْدَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (إلَّا إذَا كَبِرَتْ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان) وَاحِدٍ فَيَجُوزُ تَعَدُّدُهَا حِينَئِذٍ (وَقِيلَ لَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ) وَيُتَحَمَّلُ فِيهَا الْمَشَقَّةُ فِي الِاجْتِمَاعِ فِي مَكَان وَاحِدٍ.
(وَقِيلَ: إنْ حَالَ نَهْرٌ عَظِيمٌ بَيْنَ شِقَّيْهَا) كَبَغْدَادَ (كَانَا) أَيْ الشِّقَّانِ (كَبَلَدَيْنِ) فَيُقَامُ فِي كُلِّ شِقٍّ جُمُعَةٌ (وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ) الْبَلْدَةُ (قُرًى فَاتَّصَلَتْ) أَبْنِيَتُهَا (تَعَدَّدَتْ الْجُمُعَةُ بِعَدَدِهَا) فَيُقَامُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ جُمُعَةٌ كَمَا كَانَ وَمَنْشَأُ هَذَا الْخِلَافِ سُكُوتُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ عَلَى إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ بِهَا. وَقِيلَ: ثَلَاثٍ فَقَالَ الْأَوَّلُ الْأَصَحُّ
ــ
[حاشية قليوبي]
حُكْمًا وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ لِوُجُودِ الْعَدَدِ وَنِيَّةِ الْمُقْتَدِي الْجُمُعَةَ فِي التَّشَهُّدِ.
قَوْلُهُ: (الثَّانِي أَنْ تُقَامَ) أَيْ أَنْ تَقَعَ إقَامَتُهَا. قَوْلُهُ: (فِي خِطَّةٍ) هِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لُغَةً عَلَامَةُ الْبِنَاءِ. وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا بَيْنَ تَفْعَلُوا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ فِي مَحَلٍّ يَصِحُّ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ لَا اسْتِقْلَالًا وَلَا تَبَعًا.
وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ شَرْحُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ كَغَيْرِهِ. وَمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ صِحَّتِهَا لِمَنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْقَصْرُ فِي مَحَلِّ الْقَصْرِ تَبَعًا غَيْرُ مُتَّجِهٍ وَإِنْ مَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ. قَوْلُهُ: (وَهِيَ) أَيْ الْمَوَاضِعُ. قَوْلُهُ: (الصَّحْرَاءَ) أَيْ مَا يَجُوزُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلَاةِ وَلَوْ مَسْجِدًا وَلَوْ تَبَعًا كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ جَزْمًا) أَيْ مَا لَمْ يُقِيمُوا إقَامَةً تَقْطَعُ السَّفَرَ وَإِلَّا لَزِمَتْهُمْ فِيمَا يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (فَأَقَامَ أَهْلُهَا) وَهُمْ الْمُسْتَوْطِنُونَ بِهَا وَقْتَ الْخَرَابِ، وَإِنْ لَمْ تَلْزَمُهُمْ لِصِغَرٍ مَثَلًا. وَكَذَا ذُرِّيَّتُهُمْ بَعْدَهُمْ كَمَا مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَخَرَجَ بِأَهْلِهَا غَيْرُهُمْ كَالطَّارِئِينَ لِعِمَارَتِهَا فَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ. قَوْلُهُ:(عَلَى الْعِمَارَةِ) أَيْ عَلَى عَدَمِ التَّحَوُّلِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدُوا مَحَلَّ الْعِمَارَةِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَوْضِعًا مِنْهَا) قَيْدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (فِي الْأُولَى) وَمِثْلُهَا الثَّانِيَةُ حَيْثُ انْقَطَعَ سَفَرُهُمْ. قَوْلُهُ: (لَزِمَتْهُمْ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَوْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (الثَّالِثُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَسْبِقَهَا إلَخْ) أَيْ أَنْ لَا يَقَعَ فِيهَا سَبْقٌ عِنْدَ التَّعَدُّدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَعَسُرَ) أَيْ شَقَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ عَادَةً اجْتِمَاعَهُمْ أَيْ فِي مَكَان مِنْ الْأَمْكِنَةِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِفِعْلِهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَلَوْ غَيْرَ مَسْجِدٍ قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ كَابْنِ حَجَرٍ: وَالْعِبْرَةُ بِمَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَوْ لَمْ تَلْزَمْهُ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ: الْعِبْرَةُ بِمَنْ حَضَرَ بِالْفِعْلِ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ: الْعِبْرَةُ بِمَنْ تَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ. وَفِي شَرْحِهِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ مُوَافَقَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ. وَفِي شَرْحِهِ هُنَا مُوَافَقَةُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَنَفْيُهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ: لَا بِمَنْ تَلْزَمُهُ رَاجِعٌ لِمَنْ يَغْلِبُ حُضُورُهُ فَرَاجِعْهُ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: الْعِبْرَةُ بِمَنْ تَصِحُّ مِنْهُ.
كَذَلِكَ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَيُقَدَّمُ عِنْدَ جَوَازِ التَّعَدُّدِ مِنْ أَمَامِهَا أَفْضَلُ، ثُمَّ مِنْ مَسْجِدِهَا أَقْدَمُ ثُمَّ مِنْ مَحَلِّهَا أَقْرَبُ، ثُمَّ مِنْ جُمَعِهَا أَكْثَرُ وَمِنْ صُوَرِ جَوَازِ التَّعَدُّدِ بُعْدُ طَرَفَيْ الْبَلَدِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً، لِأَنَّهَا تُسْقِطُ السَّعْيَ عَنْ بَعِيدِ الدَّارِ،
ــ
[حاشية عميرة]
كَمَا يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ حُضُورُ الْخُطْبَةِ وَالْعَدَدُ وَفُرِّقَ بِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِحِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي خِطَّةٍ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: أَرَادَ بِهَا الرَّحْبَةَ الْمَعْدُودَةَ مِنْ الْبَلَدِ. قَالَ: وَالْخِطَّةُ هِيَ الَّتِي خُطَّ عَلَيْهَا أَعْلَامٌ بِأَنَّهَا اُخْتُبِرَتْ لِلْبِنَاءِ.
(فَرْعٌ) لَوْ أُقِيمَتْ فِي خِطَّةِ الْأَبْنِيَةِ بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا وَاقْتَدَى بِالْإِمَامِ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ لَكِنَّهُمْ خَارِجُونَ عَنْ الْخِطَّةِ الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ تَبَعًا لِمَنْ فِي الْخِطَّةِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَظْهَرِ فِي الْأَوَّلِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الَّذِينَ لَمْ يُلَازِمُوا مَكَانًا لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقِيلَ إنْ حَالَ نَهْرٌ إلَخْ) هَذَا الْوَجْهُ وَاَلَّذِي يَلِيهِ اعْتَرَضَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
سَكْتُهُ لِعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ فِي مَكَان. وَالثَّانِي لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُنْكِرُ عَلَى مُجْتَهِدٍ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله بِالتَّعَدُّدِ وَالثَّالِثُ لِحَيْلُولَةِ النَّهْرِ وَالرَّابِعُ لِأَنَّهَا كَانَتْ قُرًى فَاتَّصَلَتْ (فَلَوْ سَبَقَتْ جُمُعَةٌ) وَالْبِنَاءُ عَلَى امْتِنَاعِ التَّعَدُّدِ (فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ) مُطْلَقًا (وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَهِيَ الصَّحِيحَةُ) حَذَرًا مِنْ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ وَمِنْ تَفْوِيتِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُصَلِّينَ مَعَهُ بِإِقَامَةِ الْأَقَلِّ (وَالْمُعْتَبَرُ سَبْقُ التَّحَرُّمِ) وَهُوَ بِآخِرِ التَّكْبِيرِ.
وَقِيلَ: بِأَوَّلِهِ (وَقِيلَ) سَبْقُ (التَّحَلُّلِ وَقِيلَ) السَّبْقُ (بِأَوَّلِ الْخُطْبَةِ) نَظَرًا إلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ فَأُخْبِرُوا أَنَّ طَائِفَةً سَبَقَتْهُمْ بِهَا اُسْتُحِبَّ لَهُمْ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ، وَلَهُمْ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا. (فَلَوْ وَقَعَتَا مَعًا أَوْ شُكَّ) فِي الْمَعِيَّةِ (اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ) بِأَنْ وَسِعَهَا الْوَقْتُ لِتَدَافُعِ الْجُمُعَتَيْنِ فِي الْمَعِيَّةِ فَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ وَبَحَثَ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا تَقَدُّمُ إحْدَى الْجُمُعَتَيْنِ، فَلَا تَصِحُّ جُمُعَةٌ أُخْرَى فَيَنْبَغِي لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُمْ بِيَقِينٍ أَنْ يُصَلُّوا بَعْدَهَا الظُّهْرَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ
(وَإِنْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَمْ تَتَعَيَّنْ) كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضٌ أَوْ مُسَافِرٌ أَنَّ خَارِجَ الْمَسْجِدِ تَكْبِيرَتَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ فَأُخْبِرَا بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفَا الْمُتَقَدِّمَ مِنْهُمَا (أَوْ تَعَيَّنَتْ وَنَسِيَتْ صَلَّوْا ظُهْرًا) لِالْتِبَاسِ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَمِنْ جَوَازِهِ أَيْضًا وُقُوعُ خِصَامٍ وَعَدَاوَةٍ بَيْنَ أَهْلِ جَانِبَيْ الْبَلَدِ، إنْ لَمْ تَكُنْ مَشَقَّةٌ، وَعَلَيْهِ لَوْ نَقَصَ عَدَدُ جَانِبَيْهِ أَوْ كُلُّ جَانِبٍ عَنْ الْأَرْبَعِينَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ فِيهِ وَلَا فِي الْآخَرِ. قَوْلُهُ:(الْأَصَحُّ) هُوَ صِفَةٌ لِلْأَوَّلِ أَوْ مُبْتَدَأٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (فَالصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ) وَيَلْزَمُ الْمَسْبُوقِينَ الظُّهْرُ إنْ عَلِمُوا بَعْدَ سَلَامِ الْجُمُعَتَيْنِ فَإِنْ عَلِمُوا قَبْلَ سَلَامِ إمَامِ السَّابِقَةِ لَزِمَهُمْ الْإِحْرَامُ مَعَهُ وَلَوْ قَبْلَ سَلَامِهِ لِأَنَّ إحْرَامَهُمْ كَانَ بَاطِلًا. أَمَّا لَوْ عَلِمُوا بَعْدَ سَلَامِهِ وَقَبْلَ سَلَامِهِمْ فَقَالَ شَيْخُنَا فَلَهُمْ بِنَاءُ الظُّهْرِ عَلَى مَا فَعَلُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إحْرَامَهُمْ كَانَ بَاطِلًا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) يُقَابِلُهُ التَّفْصِيلُ بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (السُّلْطَانُ) وَمِثْلُهُ نَائِبُهُ وَإِمَامٌ وَلَّاهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُعْتَبَرُ) أَيْ فِي السَّبْقِ سَبْقُ التَّحَرُّمِ أَيْ تَمَامُهُ مِنْ أَحَدِ الْإِمَامَيْنِ قَبْلَ الْآخَرِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ أَحْرَمُوا بِهَا. قَوْلُهُ: (فَأُخْبِرُوا) أَيْ أَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ وَلَوْ رِوَايَةٌ فَأَكْثَرُ فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُهُمْ فِيهِ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ مَعَ السَّابِقِينَ.
قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي وَقْتٍ لَا يُدْرِكُونَ فِيهِ الْإِحْرَامَ مَعَ إمَامِ السَّابِقِينَ لِأَنَّ الْيَأْسَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِسَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (اُسْتُحِبَّ لَهُمْ إلَخْ) أَيْ لَزِمَهُمْ الظُّهْرُ إمَّا اسْتِئْنَافًا وَهُوَ أَفْضَلُ لِاتِّسَاعِ الْوَقْتِ أَوْ بِنَاءً عَلَى مَا فَعَلُوهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَاسْتَشْكَلَ الزَّرْكَشِيُّ صِحَّةَ الْبِنَاءِ مَعَ فَسَادِ إحْرَامِهِمْ. قَالَهُ الْعَلَّامَةُ السَّنْبَاطِيُّ: وَهُوَ إشْكَالٌ قَوِيٌّ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ظَنَّهُمْ الصِّحَّةَ عِنْدَ إحْرَامِهِمْ كَافٍ فِي صِحَّتِهِ. وَيَكْفِي فَقَالَ فِي فَسَادٍ إذَا تَبَيَّنَ، عَدَمُ صِحَّةِ جُمُعَةٍ. انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَرُدُّهُ مَا مَرَّ قَوْلُهُ:(كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ وَاجِبًا لِخُرُوجِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (اُسْتُؤْنِفَتْ الْجُمُعَةُ) أَيْ إنْ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُمْ.
قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَإِنْ أَيِسَ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ الظُّهْرُ وَجَمَاعَتُهَا حِينَئِذٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفِعْلُ رَوَاتِبِهَا جَمِيعِهَا وَمَا فُعِلَ مِنْ رَاتِبَةِ الْجُمُعَةِ يَنْقَلِبُ نَفْلًا مُطْلَقًا. .
قَوْلُهُ: (كَأَنْ سَمِعَ إلَخْ) دَفَعُوا مَا قِيلَ: إنْ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إذَا تَرَكَهَا يَكُونُ فَاسِقًا فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، وَإِنْ كَانَ دَفْعُهُ مُمْكِنًا بِقُرْبِ الْمَسْجِدَيْنِ مَثَلًا قَوْلُهُ:(صَلَّوْا ظُهْرًا) أَيْ وُجُوبًا اسْتِئْنَافًا. وَالْجَمَاعَةُ فِيهَا حِينَئِذٍ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَهُ شَيْخُنَا وَقَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ: تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِي هَذِهِ وَجَوَازُ الْبِنَاءِ فِيهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْبُطْلَانِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، إذْ لَا وَجْهَ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ عَلَى الْكَامِلِينَ مَعَ سَنِّ جَمَاعَتِهَا وَلَا لِبِنَاءِ الظُّهْرِ مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلَانِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِيهِ. وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي كَوْنِهِ فِي أَيِّ الطَّائِفَتَيْنِ بَلْ مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْبُطْلَانِ وُجُوبُ إتْمَامِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: يُسَنُّ فِعْلُ الظُّهْرِ لِمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ السَّابِقِينَ أَوْ أَنَّ التَّعَدُّدَ لِحَاجَةٍ بِقَصْدِ الْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ التَّعَدُّدَ مُطْلَقًا. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْمَسْبُوقِينَ أَوْ أَنَّ التَّعَدُّدَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ انْتَهَى. وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ
ــ
[حاشية عميرة]
بِأَنَّهُ يَلْزَمُ قَائِلَهُمَا جَوَازُ الْقَصْرِ إذَا قُطِعَ النِّدَاءُ، وَجَاوَزَ قَرْيَةً مِنْ تِلْكَ الْقُرَى فَالْتَزَمَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ. قَوْلُهُ:(وَالثَّانِي لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إلَخْ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْمُتَّجِهُ أَنَّ الْخَطِيبَ الْمَنْصُوبَ مِنْهُ مِثْلُهُ. قَوْلُهُ: (سَبْقُ التَّحَلُّلِ) أَيْ آخِرُهُ وَعِلَّتُهُ حُصُولُ الْأَمْنِ مِنْ عُرُوضِ فَسَادٍ يَطْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَمَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ) نَظِيرُ قَوْلِهِ وَلَهُمْ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ) هَذَا جَعَلَهُ النَّوَوِيُّ جَوَابًا عَنْ بَحْثِ الْإِمَامِ الْآتِي.
قَوْلُهُ: (كَأَنْ سَمِعَ مَرِيضًا إلَخْ) أَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَفَاسِقٌ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ.
قَوْلُ
الصَّحِيحَةِ بِالْفَاسِدَةِ (وَفِي قَوْلٍ جُمُعَةً) وَالِالْتِبَاسُ يَجْعَلُ الصَّحِيحَةَ كَالْعَدَمِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَرْجِيحُ طَرِيقَةٍ قَاطِعَةٍ فِي الثَّانِيَةِ بِالْأَوَّلِ. وَأَشَارَ فِي الْمُحَرَّرِ إلَى ذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ فِي الْأُولَى بِأَقْيَسِ الْقَوْلَيْنِ. وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ فِي إحْدَى الْجُمُعَتَيْنِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَقُلْنَا فِيمَا قَبْلَهَا إنَّ جُمُعَتَهُ هِيَ الصَّحِيحَةُ مَعَ تَأَخُّرِهَا فَهَاهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لِحُضُورِهِ.
(الرَّابِعُ) مِنْ الشُّرُوطِ (الْجَمَاعَةُ) لِأَنَّهَا لَمْ تُفْعَلْ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا كَذَلِكَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (وَشَرْطُهَا) أَيْ الْجَمَاعَةِ فِيهَا (كَغَيْرِهَا) أَيْ كَشَرْطِهَا فِي غَيْرِهَا كَنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَالْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ وَعَدَمِ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجَمَاعَةِ (وَ) زِيَادَةٌ (أَنْ تُقَامَ بِأَرْبَعِينَ مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا» وَالصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ مَعَ الْإِقَامَةِ الدَّاخِلَةِ فِي الِاسْتِيطَانِ تَقَدَّمَ اعْتِبَارُهَا فِي الْوُجُوبِ، وَاعْتُبِرَتْ هُنَا فِي الِانْعِقَادِ (مُسْتَوْطِنًا) بِمَحَلِّ الْجُمُعَةِ الْمَعْلُومِ مِنْ الشَّرْطِ الثَّانِي (لَا يَظْعَنُ) عَنْهُ (شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا لِحَاجَةٍ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُجَمِّعْ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَيَّامًا لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ، وَكَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ فِيهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ كَمَا
ــ
[حاشية قليوبي]
كَذَلِكَ، لِأَنَّ فِعْلَ الظُّهْرِ مِمَّنْ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ السَّابِقِينَ مَثَلًا إعَادَةٌ لِلْجُمُعَةِ ظُهْرًا وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا. وَالْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ لَا يُرَاعَى إذَا كَانَ يُوقِعُ فِي خِلَافٍ آخَرَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَا ذُكِرَ بَلْ يُوجَدُ مَعَ تَعَيُّنِ الْحَاجَةِ لِلتَّعَدُّدِ فَتَأَمَّلْ. وَيَجُوزُ فِعْلُ رَاتِبَةِ الْجُمُعَةِ الْقَبْلِيَّةَ مَعَ احْتِمَالِ صِحَّتِهَا، وَلَا يَجُوزُ فِعْلُ رَوَاتِبِهَا الْبَعْدِيَّةِ إلَّا لِمَنْ ظَنَّ صِحَّتَهَا.
قَوْلُهُ (الرَّابِعُ الْجَمَاعَةُ) وَلَوْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ وَلَا يَكْفِي دُونَ رَكْعَةٍ وَسَوَاءٌ الْمَسْبُوقُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (كَنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ) أَيْ مَعَ التَّحَرُّمِ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَالْمُرَادُ بِهَا نِيَّةُ الْجَمَاعَةِ. قَوْلُهُ: (بِأَرْبَعِينَ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ قَدْرُ زَمَنِ بَعْثِ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْرُ مِيقَاتِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم، وَالْجُمُعَةُ مِيقَاتُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْرُ الْعَدَدِ الَّذِي كَمَا قِيلَ لَمْ يَجْتَمِعْ إلَّا وَفِيهِمْ وَلِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَشَرْطُهُمْ صِحَّةُ إمَامَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ لِلْبَاقِينَ وَدَوَامُهُمْ إلَى تَمَامِ الرَّكْعَتَيْنِ بِأَنْ لَا تَبْطُلَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ سَلَامِهِمْ فَلَا تَصِحُّ، وَفِيهِمْ نَحْوُ حَنَفِيٍّ تَارِكٍ لِنَحْوِ الْبَسْمَلَةِ مَثَلًا وَلَا أُمِّيٍّ. قَوْلُهُ:(وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا) وَلَمْ تَثْبُتْ إقَامَتُهَا بِدُونِ ذَلِكَ الْعَدَدِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَخُرُوجُ الْجُمُعَةِ عَنْ الْقِيَاسِ جَعَلَهَا كَالرُّخْصَةِ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ وَجَوَّزَهَا أَبُو حَنِيفَةَ بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَالْإِمَامُ مَالِكٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ، وَشَرَطَ كَوْنَ الْخَطِيبِ مِنْ الْمُسْتَوْطِنِينَ. قَوْلُهُ:(الْمَعْلُومِ) هُوَ مَجْرُورٌ صِفَةٌ لِمَحَلٍّ لِدَفْعِ إرَادَةِ مُطْلَقِ الِاسْتِيطَانِ الشَّامِلِ لِلْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ مُسْتَوْطِنٌ بِبَلَدِهِ. وَقِيلَ مَنْصُوبٌ صِفَةٌ لِمُسْتَوْطِنًا لِدَفْعِ اعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيِّ وَهُوَ مَرْدُودٌ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَظْعَنُ إلَخْ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الِاسْتِيطَانِ، وَلَوْ اسْتَوْطَنَ بَلَدَيْنِ اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ثُمَّ مَا فِيهِ أَهْلُهُ ثُمَّ إقَامَتُهُ فِيهِ أَكْثَرَ فَإِنْ اسْتَوَيَا انْعَقَدَتْ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ:(مَعَ عَزْمِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ الْحَقَّ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ أَنْ يُقَالَ فِي تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ إنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَزْمُ عَلَى الْإِقَامَةِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلتَّجَمُّعِ اقْتَضَى أَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ذَاتِهَا، فَلَا اعْتِرَاضَ بِمَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يُجَمِّعْ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إقَامَةً تَقْطَعُ السَّفَرَ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ «اسْتَمَرَّ يَقْصُرُ وَيُجَمِّعُ
ــ
[حاشية عميرة]
الْمَتْنِ: (الْجَمَاعَةُ) لَمْ يُقَيِّدْهُ الشَّارِحُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْمُقْرِي وَغَيْرُهُ، كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهَا إذَا حَصَلَتْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِهِ فَقَدْ حَصَلَتْ الْجَمَاعَةُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ حُكْمًا. وَإِنْ تَخَلَّفَ الثَّوَابُ فِيمَا إذَا فَارَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(بِأَرْبَعِينَ) لَوْ كَانَ فِيهِمْ أُمِّيٌّ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ: لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ لَوْ كَانَ فِيهِمْ مُخِلٌّ بِخِلَافِ تَرْكِ الْبَسْمَلَةِ مَثَلًا. وَقَيَّدَ شَارِحُ الرَّوْضِ مَسْأَلَةَ الْأُمِّيِّ بِأَنْ يَكُونَ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ وَإِلَّا فَتَصِحُّ إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا.
(فَرْعٌ) مِنْ زِيَادَةِ صَاحِبِ الرَّوْضِ لَوْ كَانَ فِي الْمَأْمُومِينَ خُنْثَى زَائِدٌ عَلَى الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ انْفَضَّ بَعْضُهُمْ، وَكَمُلَ الْعَدَدُ بِالْخُنْثَى لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّا نَشُكُّ فِي الْمَانِعِ مِنْ الصِّحَّةِ.
وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ إحْرَامُ مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ قَالَ الشَّارِحُ: وَلَا يُشْكِلُ بِصِحَّتِهَا خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَتْبُوعٌ وَتَقَدُّمُ إحْرَامِهِ ضَرُورِيٌّ فَاغْتُفِرَ اهـ. وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَيْضًا بِأَرْبَعِينَ) خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَجَوَّزَهَا بِإِمَامٍ وَمَأْمُومَيْنِ وَحُكِيَ عِنْدَنَا عَنْ الْقَدِيمِ، وَقَوْلُهُ مَعَ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ مُكَلَّفًا إلَخْ. قَوْلُهُ:(الْمَعْلُومُ مِنْ الشَّرْطِ الثَّانِي) خَالَفَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ وَصْفٌ لِلْمَكَانِ، وَهَذَا لِلْأَشْخَاصِ، أَقُولُ: الْحَقُّ مَعَ الشَّارِحِ رحمه الله نَظَرًا إلَى إضَافَةِ الْأَوْطَانِ فِيمَا سَلَفَ لِلْمُجْمِعِينَ. فَتَأَمَّلْ هَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْمَعْلُومِ بِالْجَرِّ صِفَةً لِمَحَلِّ الْجُمُعَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَا يَظْعَنُ إلَخْ) خَرَجَ الْمُتَفَقِّهَةُ مَثَلًا إذَا أَقَامُوا بِبَلَدٍ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَكِنْ عَلَى عَزْمِ الرُّجُوعِ إلَى بِلَادِهِمْ، وَقَوْلُهُ لَا يَظْعَنُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. قَوْلُهُ:(مَعَ عَزْمِهِ عَلَى الْإِقَامَةِ أَيَّامًا إلَخْ) هَذَا مَا قَالَهُ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ تَقْدِيمًا كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ. (وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهَا بِأَرْبَعِينَ) وَتَنْعَقِدُ بِالْمَرْضَى لِكَمَالِهِمْ وَعَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفٌ. وَالثَّانِي لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ كَالْمُسَافِرِينَ. وَحَكَاهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا قَوْلًا (وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ) وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ لِإِشْعَارِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ بِزِيَادَتِهِ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَحَكَى الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ أَيْضًا ثَانِيهِمَا قَدِيمٌ
(وَلَوْ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ) الْحَاضِرُونَ (أَوْ بَعْضُهُمْ فِي الْخُطْبَةِ فَلَمْ يُحْسَبْ الْمَفْعُولُ) مِنْ أَرْكَانِهَا (فِي غَيْبَتِهِمْ) لِعَدَمِ سَمَاعِهِمْ لَهُ الْمُشْتَرَطِ كَمَا سَيَأْتِي (وَيَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى) مِنْهَا (إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ) وَمَرْجِعُهُ الْعُرْفُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (وَكَذَا بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ إنْ انْفَضُّوا بَيْنَهُمَا) أَيْ يَجُوزُ إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ (فَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِهِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ) فِيهِمَا لِلْخُطْبَةِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِانْتِفَاءِ الْمُوَالَاةِ فِي ذَلِكَ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ فِيهَا، وَالثَّانِي يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي ذَلِكَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَهُ
ــ
[حاشية قليوبي]
مُدَّةَ دَوَامِهِ بِمَكَّةَ» وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَا بِمَا قِيلَ: إنَّ عَدَمَ تَجَمُّعِهِ بِعَرَفَةَ لِعَدَمِ الْأَبْنِيَةِ، وَلَا بِمَا قِيلَ: إنَّ عَزْمَهُ وَهُوَ بِعَرَفَةَ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ لَا يَجْعَلُهُ مُقِيمًا بِعَرَفَةَ، وَلَا بِمَا قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَتَنْعَقِدُ بِالْمَرْضَى) وَتَنْقَلِبُ ظُهْرُهُمْ لَوْ كَانُوا فَعَلُوهَا نَفْلًا مُطْلَقًا. كَذَا قَالُوا وَلَعَلَّهُ حَذَرًا مِنْ إعَادَةِ الظُّهْرِ جُمُعَةً. وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الِانْعِقَادِ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اللُّزُومِ فَالْوَجْهُ أَنَّ الْمَحْسُوبَ لَهُمْ ظُهْرُهُمْ الَّتِي صَلَّوْهَا أَوَّلًا لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّهَا، وَأَنَّ هَذِهِ الْجُمُعَةَ هِيَ الَّتِي كَالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَلَيْسَتْ مُعَادَةً وَلَا مَانِعَةً مِنْ الِانْعِقَادِ وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا مِنْ عَدَمِ لُزُومِهَا لَهُمْ. فَرَاجِعْهُ وَشَمِلَ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ الْأَرْبَعُونَ مَرْضَى وَهُوَ كَذَلِكَ.
وَيَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ ظُهْرِهِمْ جُمُعَةً وَيَجِبُ عَلَيْهِ إقَامَتُهَا إذَا انْفَرَدُوا كَمَا مَرَّ. وَمِثْلُهُمْ الْأُجَرَاءُ وَالْمَحْبُوسُونَ وَالْخُرْسُ حَيْثُ خَطَبَ لَهُمْ نَاطِقٌ، وَصَحَّ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ طَارِئُ الْخَرَسِ وَلَا أَصَمُّ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِمِنْ فِيهِمْ أَصَمُّ، وَمِثْلُهُمْ الْأُمِّيُّونَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ اتَّفَقَتْ أُمِّيَّتُهُمْ وَلَا تَقْصِيرَ مِنْهُمْ فِي التَّعْلِيمِ. وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا مِنْ صِحَّتِهَا مِنْهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أُمِّيَّتُهُمْ حَيْثُ لَا تَقْصِيرَ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا لِمَا مَرَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ اقْتِدَائِهِمْ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَتَنْعَقِدُ بِالْجِنِّ حَيْثُ عُلِمَتْ ذُكُورَتُهُمْ.
قَالَ شَيْخُنَا وَهُمْ عَلَى صُوَرِ الْآدَمِيِّينَ خِلَافًا لِمَا قِيلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (كَالْمُسَافِرِينَ) لَمْ يَقُلْ كَالْعَبِيدِ مَثَلًا لِقُوَّةِ شَبَهِ الْمَرِيضِ بِالْمُسَافِرِ بِطُرُوِّ الْمُسْقِطِ.
قَوْلُهُ: (إنْ عَادُوا إلَخْ) وَيَجِبُ إعَادَةُ مَا فُعِلَ مِنْ أَرْكَانِهَا فِي غَيْبَتِهِمْ. قَوْلُهُ: (وَمَرْجِعُهُ الْعُرْفُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَضَبَطَهُ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ بِمَا بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجُمَعِ وَغَيْرِهِ بِمَا فِي صِيَغِهِ الْبَيْعِ.
قَوْلُهُ: (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ وَإِحْرَامِ الْإِمَامِ إذَا عَادُوا فَوْرًا أَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ وَلَوْ بَعْدَ إحْرَامِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا فَإِنْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ فَوْرًا وَطَالَ الْفَصْلُ قَبْلَ عَوْدِهِمْ أَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ أَيْضًا إنْ قَرَءُوا الْفَاتِحَةَ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّهُ مِنْ التَّبَاطُؤِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ الِاسْتِئْنَافُ هُنَا بِخِلَافِ
ــ
[حاشية عميرة]
وَغَيْرِهِ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الشُّرَّاحُ وَهُوَ لَا يَحْسُنُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِهَا بِالْمُقِيمِ غَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ إلَيْهَا» وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ «بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَبِعَرَفَاتٍ وَبِمِنًى وَبِالْمُحَصَّبِ» .
وَفِي كُلِّ ذَلِكَ لَمْ تَبْلُغْ إقَامَتُهُ أَرْبَعًا وَلَمْ يَنْقَطِعْ سَفَرُهُ وَأَيْضًا فَعَرَفَاتٌ لَمْ يَكُنْ بِهَا خِطَّةُ أَبْنِيَةٍ تَصِحُّ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ كَشَفَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَوَجَدَ فِيهَا صَاحِبَ الْمُهَذَّبِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ فَاعْتَرَضَهُ الشَّارِحُ وَمَنَعَ مِنْ صِحَّةِ الدَّلِيلِ لِمَا قُلْنَا فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيَّ رحمه الله فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ قَالَ لَمْ يَصِحَّ عِنْدِي دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِهَا بِالْمُقِيمِ. ثُمَّ قَضِيَّةُ شَرْطِ الِاسْتِيطَانِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا فِي بَلَدٍ سِنِينَ كَثِيرَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِيطَانٍ وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُهُمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ قَضِيَّةُ الْمُهَذَّبِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ انْفَضَّ الْأَرْبَعُونَ) قَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله الْعَدَدُ الْمَشْرُوطُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ الْأَرْبَعُونَ يُشْتَرَطُ أَيْضًا فِي سَمَاعِ الْوَاجِبِ مِنْ الْخُطْبَةِ. وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَاكْتَفَى بِالْخُطْبَةِ مُنْفَرِدًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْأَرْبَعُونَ) لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا عَلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْإِمَامِ زَائِدًا عَلَيْهِمْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَمْ يُحْسَبْ الْمَفْعُولُ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ وَأَجْرَوْا خِلَافًا فِي الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ الْإِمَامُ: الْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يُتَسَامَحَ فِي الْعَدَدِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُطْبَةِ إسْمَاعُ النَّاسِ فَلَمْ يَحْتَمِلُوا نَقْصَ الْعَدَدِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَجَبَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِانْفِضَاضُ بِعُذْرٍ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُمْ
(وَإِنْ انْفَضُّوا) أَيْ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ (فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ) نَظَرًا إلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي دَوَامِهَا كَالْوَقْتِ فَيُتِمُّهَا مَنْ بَقِيَ ظُهْرًا (وَفِي قَوْلٍ لَا) تَبْطُلُ (إنْ بَقِيَ اثْنَانِ) مَعَ الْإِمَامِ اكْتِفَاءً بِدَوَامِ مُسَمَّى الْجَمْعِ.
وَفِي قَدِيمٍ يَكْفِي وَاحِدٌ مَعَهُ اكْتِفَاءً بِدَوَامِ مُسَمَّى الْجَمَاعَةِ. وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ صِفَةُ الْكَمَالِ فِي الصَّحِيحِ. وَفِي رَابِعٍ مُخَرَّجٍ لَهُ إتْمَامُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ وَفِي خَامِسٍ مُخَرَّجٍ إنْ كَانَ الِانْفِضَاضُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَطَلَتْ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا وَيُتِمُّ الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ وَحْدَهُ. وَكَذَا مَنْ مَعَهُ إنْ بَقِيَ أَحَدٌ كَمَا فِي الْمَسْبُوقِ الْمُدْرِكِ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ يُتِمُّهَا.
(تَتِمَّةٌ) لَوْ لَحِقَ أَرْبَعُونَ قَبْلَ انْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ تَمَّتْ بِهِمْ الْجُمُعَةُ. وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي اشْتِرَاطُ بَقَاءِ أَرْبَعِينَ سَمِعُوهَا فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهَا اللَّاحِقُونَ لَا تَسْتَمِرُّ الْجُمُعَةُ، وَلَوْ لَحِقَ أَرْبَعُونَ عَلَى الِاتِّصَالِ بِانْفِضَاضِ الْأَوَّلِينَ قَالَ فِي الْوَسِيطِ: تَسْتَمِرُّ الْجُمُعَةُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا سَمِعُوا الْخُطْبَةَ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا
(وَتَصِحُّ) الْجُمُعَةُ (خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ) أَيْ خَلْفَ كُلٍّ مِنْهُمْ (فِي الْأَظْهَرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) لِصِحَّتِهَا مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُمْ.
وَالثَّانِي يَقُولُ الْإِمَامُ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ قَوْلَانِ وَفِي الْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَجْهَانِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَوَّلِهِمَا وَرَجَّحَ الْقَطْعَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَانِ وَلَوْ صَلَّيَا ظُهْرَ يَوْمِهِمَا قَبْلَ
ــ
[حاشية قليوبي]
التَّبَاطُؤِ لِأَنَّ فِيهِ حُضُورَ إحْرَامِ الْإِمَامِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْضُهُمْ) أَيْ الَّذِي يَتَحَقَّقُ الْبُطْلَانُ بِانْفِضَاضِهِ فَلَا يَرِدُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ فِيمَا لَوْ كَانُوا أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ وَفِيهِمْ خُنْثَى، وَبَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِلشَّكِّ فِي بُطْلَانِهَا. قَوْلُهُ:(بَطَلَتْ) أَيْ بَطَلَ كَوْنُهَا جُمُعَةً فَيُتِمُّهَا الْبَاقُونَ ظُهْرًا. كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ سَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ إلَّا إنْ عَادَ الَّذِي انْفَضَّ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَأَدْرَكَ الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ فَتَسْتَمِرُّ جُمُعَةً. قَوْلُهُ: (فَيُتِمُّهَا مَنْ بَقِيَ ظُهْرًا) .
قَالَ شَيْخُنَا: وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَأَمْكَنَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا، وَاحْتُمِلَ عَوْدُ مَنْ انْفَضَّ وَلَا يَلْزَمُهُمْ انْتِظَارُ عَوْدِهِ لِأَنَّ هَذَا دَوَامٌ وَيَلْزَمُ مَنْ انْفَضَّ أَنْ يُقِيمُوا الْجُمُعَةَ إنْ بَلَغُوا أَرْبَعِينَ وَأَمْكَنَتْهُمْ، وَإِلَّا فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ وَلَوْ فَوْرًا وَلَا يَلْزَمُ مَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مِمَّنْ ذُكِرَ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا هُنَا كَلَامٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ.
وَخَرَجَ بِالِانْفِضَاضِ مَا لَوْ تَبَيَّنَ حَدَثُ بَعْضِهِمْ غَيْرِ الْإِمَامِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَتَتِمُّ الْجُمُعَةُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ هُوَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ لِبَقَاءِ الْعَدَدِ صُورَةً إلَى تَمَامِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ لِلْقَوْمِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(خَامِسٌ مُخَرَّجٍ) أَيْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ: (لَوْ لَحِقَ أَرْبَعُونَ) أَوْ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ لِأَنَّ الْإِمَامَ مِنْهُمْ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ إلَّا إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ، وَسَوَاءٌ أَحْرَمُوا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا بِأَنْ لَا يَنْفَضَّ وَاحِدٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ وَاحِدٍ مِنْ اللَّاحِقِينَ، وَسَوَاءٌ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ، وَسَوَاءٌ أَدْرَكُوا الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ لَا وَفَارَقَ التَّبَاطُؤَ بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ. قَوْلُهُ:(وَقَالَ الْإِمَامُ إلَى آخِرِهِ) مَرْجُوحٌ. قَوْلُهُ: (أَرْبَعُونَ) فِيهِ مَا مَرَّ قَبْلَهُ لِبَقَاءِ الْمُوَالَاةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الِاتِّصَالِ) بِأَنْ لَا يَطُولَ فَصْلٌ عُرْفًا بَيْنَ انْفِضَاضِ آخِرِ الْأَوَّلِينَ وَإِحْرَامِ أَوَّلِ اللَّاحِقِينَ. قَوْلُهُ: (قَالَ فِي الْوَسِيطِ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (سَمِعُوا الْخُطْبَةَ) أَيْ حَضَرُوا خُطْبَةَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا بُدَّ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ الْفَاتِحَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَهَا الْأَوَّلُونَ وَفِيهِ نَظَرٌ بِعَدَمِ تَقْصِيرِ هَؤُلَاءِ كَمَا مَرَّ. وَقِيلَ: يَكْفِي سَمَاعُ خُطْبَةٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَوْ مِنْ خُطَبَاءَ مُتَعَدِّدِينَ سَمِعُوا مِنْ كُلٍّ بَعْضَهَا.
قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ خَلْفَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ) أَيْ وَإِنْ نَوَوْا غَيْرَ الْجُمُعَةِ كَالظُّهْرِ وَفِي الِانْتِظَارِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (وَالْخِلَافُ إلَخْ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ فَفِي كَلَامِهِ تَغْلِيبٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَلَّيَا) أَيْ الْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ. وَكَذَا الصَّبِيُّ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَفْلٌ مُطْلَقًا أَصْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُعَادَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ نَوَوْا الْجُمُعَةَ وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ الظُّهْرَ لِأَنَّهَا مُعَادَةٌ، وَشَرَطَهَا الْجَمَاعَةُ لِتَمَامِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ تَصِحُّ نِيَّتُهُمْ الظُّهْرَ لِاحْتِمَالِ انْتِظَارِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ إلَى تَمَامِهَا وَطُرُوقُ بُطْلَانِهَا لَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ جُمُعَةِ الْقَوْمِ رَاجِعْهُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ:
ــ
[حاشية عميرة]
إلَخْ) وَلِأَنَّ الْمُوَالَاةَ لَهَا مَوْقِعٌ فِي اسْتِمَالَةِ النُّفُوسِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بَطَلَتْ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا أَثَّرَ ذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ الَّتِي هِيَ مُقَدَّمَةٌ فَفِي الصَّلَاةِ أَوْلَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ بَقِيَ اثْنَانِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ:(وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا سَمِعُوا إلَخْ) زَادَ الْإِسْنَوِيُّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ حِينَ الْخُطْبَةِ اهـ.
وَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَقْتَ الصَّلَاةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي الْأَظْهَرِ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَنَفِّلًا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَلَا نَقْصَ فِيهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِقَوْلِ الشَّارِحِ كُلٍّ مِنْهُمْ.
الْجُمُعَةِ فَفِي صِحَّتِهَا خَلْفَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي صِحَّتِهَا خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ الَّذِي تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ جَزْمًا
(وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي الْأَظْهَرِ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) كَغَيْرِهَا. وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهِيَ لَا تَحْصُلُ بِالْإِمَامِ الْمُحْدِثِ، وَدُفِعَ هَذَا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ حُصُولِهَا لِمَأْمُومِ الْجَاهِلِ بِحَالِهِ بَلْ تَحْصُلُ لَهُ وَيَنَالُ فَضِيلَتَهَا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. كَمَا قَالَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ نَظَرًا لِاعْتِقَادِهِ حُصُولَهَا. وَحَكَى فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ طَرِيقَةً قَاطِعَةً بِالْأَوَّلِ وَصَحَّحَهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ بِأَنْ تَمَّ بِهِ (فَلَا) تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ جَزْمًا
(وَمَنْ لَحِقَ الْإِمَامَ الْمُحْدِثَ) أَيْ الَّذِي بَانَ حَدَثُهُ (رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مَعَ الْبِنَاءِ عَلَى حُصُولِ الْجَمَاعَةِ بِالْإِمَامِ الْمُحْدِثِ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لِعَدَمِ حُسْبَانِ صَلَاتِهِ لَا يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْقِرَاءَةَ، وَالثَّانِي تُحْسَبُ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ التَّحَمُّلِ.
(الْخَامِسُ) مِنْ الشُّرُوطِ (خُطْبَتَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) لِلِاتِّبَاعِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ خُطْبَتَيْنِ. وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا» (وَأَرْكَانُهُمَا خَمْسَةٌ حَمْدًا لِلَّهِ تَعَالَى) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «كَانَتْ خُطْبَةُ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَفِيمَا ذَكَرُوهُ هُنَا إعَادَةُ الظُّهْرِ جُمُعَةً. وَقَدْ مَنَعُوهُ كَعَكْسِهِ فَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَثْنًى، وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ صَلَاتَهُمْ الْجُمُعَةَ هَذِهِ كَالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ سُنَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَرَضِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَرْبَعَةِ) وَهُمْ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمُتَنَفِّلُ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ مُعِيدُونَ نَاوُونَ الْجُمُعَةَ، وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَخَرَجَ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مُسْتَوْطِنٌ أَعَادَهَا وَمُسَافِرٌ أَقَامَ بِوَطَنِهِ وَمَرِيضٌ حَضَرَ بَعْدَ أَنْ صَلَّيَا ظُهْرَهُمَا فَتَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِهِمْ كَمَا مَرَّ.
قَالَهُ شَيْخُنَا وَتَقْيِيدُ بَعْضِهِمْ لَهُمْ بِكَوْنِهِمْ زَائِدِينَ عَنْ الْأَرْبَعِينَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الِانْعِقَادِ كَمَا مَرَّ، وَلِئَلَّا يَلْزَمَ مُسَاوَاةُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ لِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ مَفْهُومُ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُسَافِرِ فَتَأَمَّلْ. وَيَتَّجِهُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمْ صَبِيٌّ بَلَغَ وَعَبْدٌ عَتَقَ بَعْدَ أَنْ صَلَّيَا ظُهْرَهُمَا فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ) سَوَاءٌ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي الْخُطْبَةِ أَوْ فِيهِمَا مَعًا، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَتِمُّ لِغَيْرِ الْمُحْدِثِ وَلَوْ الْإِمَامَ وَحْدَهُ، وَمِثْلُ الْحَدَثِ النَّجَاسَةُ الْخَفِيَّةُ وَكُلُّ مَا لَا تَلْزَمُ الْإِعَادَةُ مَعَهُ. وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ بَانَ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى أَوْ كَافِرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا تَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ، فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ لِأَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ وَإِنْ كَثُرُوا لِلُّزُومِ الْإِعَادَةِ لَهُمْ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.
قَوْلُهُ: (الْمُحْدِثَ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ.
قَوْلُهُ: (الْخَامِسُ) أَيْ عَلَى مَا سَلَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ السَّادِسُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (خُطْبَتَانِ) .
(فَائِدَةٌ) الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرٌ مِنْهَا سِتٌّ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَفِي الْحَجِّ أَرْبَعٌ وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ وُجُوبًا فِي غَيْرِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَجَوَازًا فِيهِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَعَرَفَةَ وَكُلُّهَا ثِنْتَانِ إلَّا الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ خُطَبِ الْحَجِّ. قَوْلُهُ:(قَبْلَ الصَّلَاةِ) وُجُوبًا لِأَنَّ الشَّرْطَ يَتَقَدَّمُ عَلَى مَشْرُوطِهِ قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَرُدُّ خُطْبَةَ عَرَفَةَ وَنَحْوِهَا فَرَاجِعْهُ. وَلِيُدْرِكَ الصَّلَاةَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ، وَلِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] قَوْلُهُ: (لِلْإِتْبَاعِ) أَيْ الْمُنْعَقِدِ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إذْ لَمْ تَقَعْ فِي زَمَنِهِمْ إلَّا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَمُخَالَفَةُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي اجْتِهَادِهِ بِجَوَازِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ شَاذَّةٌ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّهَا بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فَهِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ. قَوْلُهُ: (حَمْدًا لِلَّهِ) أَيْ مَصْدَرًا لِحَمْدِهِ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ كَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَلَا يَكْفِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَا لَوْ تَرَكَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ الْفَاتِحَةَ أَوْ آيَةً مِنْهَا كَالْبَسْمَلَةِ، وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي جَمْعِ الْأَرْيَافِ مِنْ الْمَأْمُومِينَ الْمَالِكِيَّةِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ قَوْلُهُ:(فَلَا تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ جَزْمًا) أَيْ لِفَقْدِ الْعَدَدِ وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَطَهِّرًا وَالْمَأْمُومُونَ مُحْدِثِينَ تَحْصُلُ الْجُمُعَةُ لِلْإِمَامِ اهـ. ثُمَّ إذَا حَصَلَتْ لِلْإِمَامِ فَهَلْ يَسُوغُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ لِلْقَوْمِ مَحَلُّ نَظَرٍ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُحْدِثَ إلَخْ) هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُك أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ أَدْرَكَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَمْ لَا وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي هَذَا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ رحمه الله، فَأَمَّا غَيْرُ الْمَحْسُوبِ فَلَا يَصْلُحُ لِلتَّحَمُّلِ فِيهِ عَنْ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَدْرَكَ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ فَإِنَّهُ قَدْ فَعَلَهَا بِنَفْسِهِ فَتَصِحُّ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ فَإِنَّ الرُّكُوعَ لَا يُبْتَدَأُ بِهِ اهـ. قَوْلُهُ:(وَالثَّانِي يُحْسَبُ) قَالَ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ» الْحَدِيثَ (وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لِأَنَّ مَا يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ (وَلَفْظُهُمَا) أَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ (مُتَعَيِّنٌ) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فَيَكْفِي الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى) لِلِاتِّبَاعِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى فِي خُطْبَتِهِ» . (وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ غَرَضَهَا الْوَعْظُ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِغَيْرِ لَفْظِهَا فَيَكْفِي أَطِيعُوا اللَّهَ. وَالثَّانِي وَقْفٌ مَعَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ (وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي إحْدَاهُمَا) لَا بِعَيْنِهَا (وَقِيلَ فِي الْأُولَى وَقِيلَ فِيهِمَا) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَقِيلَ لَا تَجِبُ) فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ تُسْتَحَبُّ، وَسَكَتُوا عَنْ مَحَلِّهِ وَيُقَاسُ بِمَحَلِّ الْوُجُوبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، يُسْتَحَبُّ جَعْلُهَا فِي الْأُولَى.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ «يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] » وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْخُطْبَةِ، وَذَلِكَ مُحْتَمِلٌ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَصَادِقٌ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَفِي إحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَعَيَّنَ الثَّانِي الْأُولَى لِتَكُونَ الْقِرَاءَةُ نَسِيَهَا فِي مُقَابَلَةِ الدُّعَاءِ فِي الثَّانِيَةِ وَحَكَى الْوُجُوبَ وَالِاسْتِحْبَابَ قَوْلَيْنِ أَيْضًا وَسَوَاءٌ فِي الْآيَةِ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْحِكَمُ وَالْقِصَّةُ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مُفْهِمَةً فَلَا يَكْفِي ثُمَّ نَظَرَ وَإِنْ عُدَّ آيَةً وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بِشَطْرِ آيَةٍ طَوِيلَةٍ. (وَالْخَامِسُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ دُعَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ (وَقِيلَ: لَا يَجِبُ) بَلْ يُسْتَحَبُّ، وَحَكَى الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِينَ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلْمُؤْمِنَاتِ وَبِهِمَا عَبَّرَ فِي الْوَسِيطِ وَفِي التَّنْزِيلِ
ــ
[حاشية قليوبي]
خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا نَحْوُ " الشُّكْرُ لِلَّهِ " وَلَا غَيْرُ لَفْظِ اللَّهِ كَالرَّحْمَنِ. قَوْلُهُ:(وَالصَّلَاةُ) أَيْ مَصْدَرُهَا وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلَا يَضُرُّ فِيهَا قَصْدُ الْخَبَرِيَّةِ وَلَا صَرْفُهَا إلَى غَيْرِهَا، وَنُوزِعَ فِيهِ، وَخَرَجَ نَحْوُ الرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ وَتُنْدَبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَالصَّحْبِ. قَوْلُهُ:(عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) وَكَذَا بَقِيَّةُ أَسْمَائِهِ كَالْعَاقِبِ وَالْحَاشِرِ وَخَرَجَ بِأَسْمَائِهِ ضَمِيرُهُ كَصَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكْفِي وَإِنْ تَقَدَّمَ لَهُ مَرْجِعٌ.
قَوْلُهُ: (يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ رَسُولِهِ) أَيْ غَالِبًا فَلَا يُرَدُّ الذَّبْحُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فِيهِ بِإِيهَامِ التَّشْرِيكِ. قَوْلُهُ: (وَلَفْظُهُمَا مُتَعَيَّنٌ) أَيْ عَلَى مَا مَرَّ وَخَالَفَا غَيْرَهُمَا لِلتَّعَبُّدِ بِلَفْظِهِمَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. قَوْلُهُ: (وَالْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى) فَلَا يَكْفِي التَّحْذِيرُ مِنْ الدُّنْيَا وَغُرُورِهَا مِنْ غَيْرِ حَثٍّ عَلَى الطَّاعَةِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى) لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ الْوَصِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ عَدَمَ تَعَيُّنِ لَفْظِ التَّقْوَى لَا خِلَافَ فِيهِ. كَذَا فِي الْإِسْنَوِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ خِلَافُهُ.
قَوْلُهُ: (آيَةٍ) أَيْ كَامِلَةٍ، وَكَذَا بَعْضُ آيَةٍ بِقَدْرِ آيَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَيَجْرِي فِيهَا مَا فِي الْفَاتِحَةِ مِنْ اللَّحْنِ وَالْعَجْزِ عَنْهَا. قَوْلُهُ:(وَقِيلَ فِيهِمَا) لِأَنَّهَا رُكْنٌ فَأَشْبَهَتْ مَا قَبْلَهَا. قَوْلُهُ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] أَيْ آيَةَ وَنَادَوْا إلَى آخِرِهَا لَا ذَلِكَ اللَّفْظَ فَقَطْ، وَلَوْ أَتَى بِآيَاتٍ تَتَضَمَّنُ جَمِيعَ الْأَرْكَانِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى خُطْبَةً عُرْفًا أَوْ بِآيَةٍ تَتَضَمَّنُ رُكْنًا مِنْهَا اُعْتُدَّ بِهِ إنْ قَصَدَ بِهَا ذَلِكَ الرُّكْنَ فَقَطْ، فَلَوْ قَصَدَ بِهَا رُكْنَيْنِ لَمْ تَكْفِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ غَيْرَ الْآيَةِ كَالصَّلَاةِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآيَةُ وَقَصَدَهُمَا فَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا كَابْنِ حَجَرٍ أَنَّهَا تَحْسُبُ عَنْ الْقُرْآنِ كَمَا لَوْ قَصَدَهُ وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَالْقِصَّةُ) وَكَذَا الْحِكْمَةُ وَمَنْسُوخُ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ يُسَنُّ قِرَاءَةُ سُورَةٍ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْحَاضِرُونَ لِوُرُودِهِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَعَدُّدٌ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ التَّحَرُّمُ. قَوْلُهُ: (وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهَا مُفْهِمَةً) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ التَّفْهِيمِ مَنْدُوبًا وَلَا يَحْتَاجُ فِي دُخُولِ الْإِنَاثِ فِيهِ إلَى قَصْدِ تَغْلِيبٍ أَوْ مِنْ حَيْثُ
ــ
[حاشية عميرة]
الْإِسْنَوِيُّ وَهَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ.
قَوْلُهُ: (الْحَدِيثَ) مِنْهُ عَقِبَ هَذَا ثُمَّ يَقُولُ وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ إلَخْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) الظَّاهِرُ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُتَعَيَّنٌ) فَلَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَمْ يَكْفِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما. قَوْلُهُ: (لِأَنَّ غَرَضَهُمَا الْوَعْظُ) لَمْ يَقُولُوا فِي الْحَمْدِ إنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الثَّنَاءُ فَمَا الْفَرْقُ؟ . قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي وَقَفَ إلَخْ) عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ وَالثَّانِي قَاسَ عَلَى الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ خُطْبَةٌ، وَلِلِاتِّبَاعِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَقِيلَ: فِيهِمَا) عَلَّلَ بِأَنَّهُمَا بَدَلٌ مِنْ رَكْعَتَيْنِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْخَامِسُ مَا يَقَعُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا أَعْلَمُ عَلَى رُكْنِيَّتِهِ دَلِيلًا وَلَا عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالثَّانِيَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقِيلَ لَا يَجِب) أَيْ لِأَنَّهُ
{وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12] قَالَ الْإِمَامُ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مُتَعَلِّقًا بِأُمُورِ الْآخِرَةِ غَيْرَ مُقْتَصِرٍ عَلَى أَوْطَارَ الدُّنْيَا، وَأَنْ يُخَصَّصَ بِالسَّامِعِينَ كَأَنْ يَقُولَ: وَحَكَمَ اللَّهُ، أَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ بِخُصُوصِهِ فَفِي الْمُهَذَّبِ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ مُحْدَثٌ. وَفِي شَرْحِهِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا كَرْهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ فِي وَصْفِهِ وَنَحْوِهَا وَيُسْتَحَبُّ بِالِاتِّفَاقِ الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِجُيُوشِ الْإِسْلَامِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ بَعْضُ ذَلِكَ
(وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا) كُلِّهَا (عَرَبِيَّةً) كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ. وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُصَلِّينَ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ خَطَبَ أَحَدُهُمْ بِلِسَانِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْخُطْبَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةُ إمْكَانِ التَّعَلُّمِ وَلَمْ يَتَعَلَّمْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَصَوْا كُلُّهُمْ بِذَلِكَ وَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ. هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى الْبَعْضِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا مِنْ أَنْ يَجِبَ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَتَعَلَّمُوا عَصَوْا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ: إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى الْجَمِيعِ، وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ كُلٍّ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الشَّرْحِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهَا ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي لَمْ يَتَعَلَّمُوا وَمَعْنَاهُ انْتَفَى التَّعَلُّمُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَأَجَابَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ سُؤَالِ مَا فَائِدَةُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا الْقَوْمُ بِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِيمَا لَوْ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا أَنَّهَا تَصِحُّ.
(مُرَتَّبَةَ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى) كَمَا ذَكَرْت مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ النَّاسُ، وَسَيَأْتِي تَصْحِيحُ الْمُصَنِّفِ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ
ــ
[حاشية قليوبي]
ذِكْرُهُنَّ بِخُصُوصِهِنَّ، وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي فِي الرُّكْنِيَّةِ دُخُولُ أَرْبَعِينَ فِي دُعَائِهِ مِنْ الْحَاضِرِينَ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَلَوْ بِقَصْدِهِمْ فَقَطْ. وَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَغْفِرَةِ جَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِمَامُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ (غَيْرَ مُقْتَصِرٍ إلَخْ) فَيَجُوزُ كَوْنُهُ عَامًّا لِلدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ. قَوْلُهُ: (لَا بَأْسَ بِهِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ إذْ الْمُرَادُ بِالْأَئِمَّةِ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَظِيمَةٌ كَالسُّلْطَانِ.
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ إلَخْ) قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ نِيَّةُ الْخُطْبَةِ وَلَا نِيَّةُ فَرْضِيَّتِهَا وَفِي مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّتِهَا مَا فِي الصَّلَاةِ فِيمَا مَرَّ. وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخَطِيبِ ذَكَرًا أَوْ كَوْنُهُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِلْقَوْمِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَكَوْنُهُ مُتَطَهِّرًا بِخِلَافِ الْقَوْمِ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ بَانَ مُحْدِثًا فَكَالْإِمَامِ كَمَا مَرَّ وَشَرْطُ الذُّكُورَةِ جَارٍ فِي سَائِرِ الْخُطَبِ كَالْإِسْمَاعِ وَالسَّمَاعِ وَكَوْنِ الْخُطْبَةِ عَرَبِيَّةً. قَوْلُهُ:(كُلُّهَا) أَيْ الْخُطْبَةُ أَيْ كُلُّ أَرْكَانِهَا فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَلَا يَضُرُّ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ فِي غَيْرِ الْأَرْكَانِ وَإِنْ عَرَفَهَا. قَوْلُهُ:(عَرَبِيَّةً) وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ لَا يَعْرِفُونَهَا وَجَوَابُهَا مَا سَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي، وَلَا يَكْفِي غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ وَفِي الْقَوْمِ عَرَبِيٌّ. قَوْلُهُ:(خَطَبَ أَحَدُهُمْ بِلِسَانِهِ) وَلَوْ غَيْرَ لِسَانِ الْقَوْمِ وَإِنْ عَرَفَهُ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْآيَةِ بَلْ يَقِفُ بِقَدْرِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ. قَوْلُهُ (وَلَمْ يَتَعَلَّمْهَا بِلِسَانِهِ) وَلَوْ غَيْرَ لِسَانِ الْقَوْمِ وَإِنْ عَرَفَهُ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْآيَةِ بَلْ يَقِفُ بِقَدْرِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ. قَوْلُهُ:(وَلَمْ يَتَعَلَّمْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَصَوْا) صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي عَنْهُمْ تَعَلُّمُ نَحْوِ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالِاكْتِفَاءِ لِصِحَّةِ خُطْبَتِهِمَا بِهِمْ وَإِمَامَتِهِمَا لَهُمْ.
قَوْلُهُ: (بَلْ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ فِي بَلَد سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ وُجُوبُ التَّعَلُّمِ بِسَمَاعِهِ فَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ. قَوْلُهُ: (مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا قَبْلَهُ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَعُلِمَ بِقَوْلِهِ: وَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ خُطْبَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ كُلٍّ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ إسْقَاطِهَا أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ وَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ وَلَا قَائِلَ بِهِ. وَبِذَلِكَ بَطَلَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ غَلَطٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ بِالْوَعْظِ) أَيْ مَعَ كَوْنِ الْعَرَبِيَّةِ هِيَ الْأَصْلُ فَلَا يَرِدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي
ــ
[حاشية عميرة]
لَا يَجِبُ غَيْرُ الْخُطْبَةِ. فَكَذَا فِيهَا كَالتَّسْبِيحِ. قَوْلُهُ: (وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ) .
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ التَّذْكِيرُ لِلتَّغْلِيبِ وَالْإِشْعَارِ بِأَنَّ طَاعَتَهَا لَمْ تَقْصُرْ عَنْ طَاعَةِ الرِّجَالِ الْكَامِلِينَ حَتَّى عُدَّتْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ أَوْ نِسَائِهِمْ فَتَكُونُ مِنْ ابْتِدَائِيَّةً. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يُخَصِّصَ بِالسَّامِعِينَ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِمْ الْحَاضِرِينَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ) .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالصِّفَاتِ الْكَاذِبَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَعَلَّهُ إذَا عَلِمَ الْقَوْمُ ذَلِكَ اللِّسَانَ. قَوْلُهُ: (وَمَعْنَاهُ انْتَفَى التَّعَلُّمُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ لَا مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُرَتَّبَةَ الْأَرْكَانِ إلَخْ) جُعِلَ التَّرْتِيبُ هُنَا شَرْطًا خِلَافَ نَظِيرِهِ مِنْ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَذَا أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقَضِيَّتُهُ
فَيَأْتِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ الدُّعَاءِ حَكَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَ) كَوْنُهَا بَعْدَ (الزَّوَالِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: «كَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما» . قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ.
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ (وَالْقِيَامُ فِيهِمَا إنْ قَدَرَ وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، وَكَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا» فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَنِيبَ، وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا جَازَ كَالصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ سَوَاءٌ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ أَمْ سَكَتَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا قَعَدَ لِعَجْزِهِ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِالِاضْطِجَاعِ بَلْ بِسَكْتَةٍ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْأَصَحِّ (وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ) عَدَدُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِمَامِ بِأَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ لِيَحْصُلَ وَعْظُهُمْ الْمَقْصُودُ بِالْخُطْبَةِ، فَلَوْ لَمْ يَسْمَعُوهَا لِبُعْدِهِمْ أَوْ إسْرَارِهِ لَمْ تَصِحَّ وَلَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ وَالْمُشْتَرَطُ إسْمَاعُ أَرْكَانِهَا فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِانْفِضَاضِ
ــ
[حاشية قليوبي]
غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ ذِكْرَ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى لَيْسَ قَيْدًا، وَالْكَلَامُ فِي أَرْكَانِ كُلِّ خُطْبَةٍ مَعَ بَعْضِهَا لَا فِي أَرْكَانِ خُطْبَةٍ مَعَ أَرْكَانِ الْأُخْرَى. قَوْلُهُ:(بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِهَا يَقِينًا أَوْ ظَنًّا وَلَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَالْقِيَامُ إلَخْ) وَعَدَّ الْقِيَامَ هُنَا شَرْطًا لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّةِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا الْوَعْظُ بِخِلَافِهِ فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ خَطَبَ قَاعِدًا) فَصَلَ بِسَكْتَةٍ وُجُوبًا. وَكَذَا مُضْطَجِعًا وَمُسْتَلْقِيًا كَالْعَجْزِ فِي الصَّلَاةِ. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ) وَالْحَالُ أَنَّهُ صَلَّى قَائِمًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ، وَلَا يَجِبُ سُؤَالُهُ عَنْ قُعُودِهِ. فِي الْخُطْبَةِ وَلَا عَنْ كَوْنِهِ مُخَالِفًا فِي الْمَذْهَبِ أَوْ لَا. قَوْلُهُ:(فَإِنْ بَانَ) أَيْ قَبْلَ الصَّلَاةِ. وَكَذَا بَعْدَ صَلَاتِهِ قَائِمًا إذْ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَادِرٌ لَزِمَتْ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ لِلْكُلِّ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّ الْقِيَامَ شَأْنُهُ الظُّهُورُ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ امْرَأَةً مَثَلًا كَمَا مَرَّ. وَإِنَّمَا جُعِلَ فِي الْخُطْبَةِ كَالْحَدَثِ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ كَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا) فَلَا تَلْزَمُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِمْ.
كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَقَيَّدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ بِالثَّانِي. قَوْلُهُ: (فِي الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَفْصِلْ إلَخْ) أَيْ لَمْ يَكْفِ الِاضْطِجَاعُ أَيْ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ وَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِالِاضْطِجَاعِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ السُّكُوتِ الَّذِي يَكْفِي فِي الْمُضْطَجِعِ أَوْ الْمُسْتَلْقِي. قَوْلُهُ: (وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ) وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا مَعَانِيَ أَلْفَاظِ الْخُطْبَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ طُهْرُهُمْ وَلَا سَتْرُهُمْ وَلَا كَوْنُهُمْ بِمَحَلِّ الصَّلَاةِ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا كَوْنُهُمْ دَاخِلَ السُّورِ أَوْ الْعُمْرَانِ بِخِلَافِ الْخَطِيبِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ صَلَاتِهَا فِي ذَلِكَ وَلَوْ تَبَعًا.
(تَنْبِيهٌ) يُعْتَبَرُ فِي الْجُمُعَةِ فِي الْخَوْفِ إسْمَاعُ ثَمَانِينَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ أَرْبَعُونَ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَرْفَعَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْإِسْمَاعِ، فَلَا يَصِحُّ فِيهِ قَوْلُهُمْ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي السَّمَاعِ حَتَّى لَا يَضُرَّ اللَّغَطُ مَثَلًا.
قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يَضُرُّ النَّوْمُ خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ كَالصَّمَمِ وَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَوْ بَعْضُهُمْ) أَيْ غَيْرُ الْخَطِيبِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا
ــ
[حاشية عميرة]
جَوَازُ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ الْأُولَى وَالدُّعَاءِ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ اهـ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ) مَرْجِعُ الْإِشَارَةِ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا، وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ هَذَا تَعَيُّنُ الْقِرَاءَةِ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا فُعِلَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الْأُولَى تَكُونُ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالْوَصِيَّةِ. وَكَذَا الدُّعَاءُ فِي الثَّانِيَةِ يَكُونُ بَعْدَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالْوَصِيَّةِ فِيهَا فَإِنْ فُرِضَ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ إلَى الثَّانِيَةِ كَانَتْ مَعَ الْوَصِيَّةِ مُؤَخَّرَتَيْنِ عَنْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ رَأَيْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَا بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَهِيَ مُرَادُ الشَّارِحِ رحمه الله وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ:(قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَخْ) غَرَضُ الشَّارِحِ مِنْ هَذَا تَتْمِيمُ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى بُعْدِ الزَّوَالِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْقِيَامُ فِيهِمَا) عَدَّهُ شَرْطًا هُنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَعْظٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ. قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ إلَخْ) بَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ اخْتِصَاصَ هَذَا بِالْفَقِيهِ الْمُوَافِقِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ صِحَّةُ صَلَاةِ الْقَوْمِ وَسَمَاعِهِمْ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِحَالِ نَفْسِهِ اقْتَضَى عَدَمَ اعْتِبَارِ سَمَاعِهِ وَصَلَاتِهِ لِعِلْمِهِ بِفَقْدِ شَرْطِهِمَا.
(فَرْعٌ) لَوْ عَلِمُوا بِحَالِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَالظَّاهِرُ. أَنَّ الْخُطْبَةَ صَحِيحَةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِسْمَاعُ أَرْبَعِينَ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هُوَ مُفِيدٌ
(وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ) فِيهَا (وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ) لَهَا وَالْقَدِيمُ يَحْرُمُ الْكَلَامُ، وَيَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] ذُكِرَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ، وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَاسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ بِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَوْمَأَ النَّاسُ إلَيْهِ بِالسُّكُوتِ فَلَمْ يَقْبَلْ. وَأَعَادَ الْكَلَامَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّالِثَةِ: مَاذَا أَعْدَدْت لَهَا؟ قَالَ: حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: إنَّك مَعَ مَنْ أَحْبَبْت» : وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْكَلَامَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ وُجُوبَ السُّكُوتِ. وَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْخَطِيبِ قَطْعًا. وَقِيلَ بِطَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بِمَثَابَةِ رَكْعَتَيْنِ أَوَّلًا. وَالْخِلَافُ فِي كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ فَأَمَّا إذَا رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا تَدُبُّ إلَى إنْسَانٍ فَأَنْذَرَهُ أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا شَيْئًا مِنْ الْخَيْرِ أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ قَطْعًا. وَيَجُوزُ لِلدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَا لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ مَكَانًا وَالْقَوْلَانِ بَعْدَ قُعُودِهِ وَعَلَى الْقَدِيمِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَلِّمَ فَإِنْ سَلَّمَ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ، وَيَحْرُمُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا وَعَلَى الْجَدِيدِ يَجُوزَانِ قَطْعًا. وَيُسْتَحَبُّ التَّشْمِيتُ عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وُجُوبَ رَدِّ السَّلَامِ وَوَافَقَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَصَرَّحَ فِيهِ بِكَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَحَيْثُ حَرُمَ الْكَلَامُ لَا تَبْطُلُ بِهِ جُمُعَةُ الْمُتَكَلِّمِ قَطْعًا هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ وَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ.
أَمَّا مَنْ لَا يَسْمَعُهَا لِبُعْدِهِ عَنْ الْإِمَامِ، وَزَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ السَّامِعِينَ فَفِيهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ، وَأَصَحُّهُمَا يَحْرُمُ لِئَلَّا يُشَوِّشَ عَلَى السَّامِعِينَ. فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ السُّكُوتِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْأَرْبَعِينَ السَّامِعِينَ لِلْخُطْبَةِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِمْ
ــ
[حاشية قليوبي]
يَقُولُ وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي سَمَاعِ النِّدَاءِ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا سَمَاعُ الْحَاضِرِينَ بِالْفِعْلِ وَهُنَاكَ سَمَاعُ شَخْصٍ مَا وَلَوْ بِالْفَرْضِ. قَوْلُهُ: (وَالْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ) وَحِينَئِذٍ يُنْدَبُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِالْإِشَارَةِ مَا أَمْكَنَ.
قَوْلُهُ: (الْإِنْصَاتُ) هُوَ السُّكُوتُ مَعَ الْإِصْغَاءِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ وُجُوبِ السَّمَاعِ أَيْ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِسْنَوِيِّ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ السَّمَاعِ بِالْفِعْلِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ يَحْرُمُ) وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ فِي وَقْتِ ذِكْرِ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ فَلَا يَحْرُمُ اتِّفَاقًا قَبْلَهَا وَلَا بَيْنَهَا وَلَا بَعْدَهَا، بَلْ وَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا وَلَوْ بَعْدَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ قَالَهُ شَيْخُنَا وَاعْتَمَدَهُ. قَوْلُهُ:(إنَّ رَجُلًا) هُوَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَهَذِهِ وَاقِعَةٌ قَوْلِيَّةٌ وَالِاحْتِمَالُ يَعُمُّهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: (فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ) بَلْ يَجِبُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَيُنْدَبُ فِي الْأَخِيرَيْنِ. وَكَذَا يُنْدَبُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ وَلَوْ بِرَفْعِ صَوْتٍ بِلَا مُبَالَغَةٍ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ وَاللَّغْوُ فِي الْحَدِيثِ سِيقَ لِلتَّنْفِيرِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ نَحْوِ هَذَا فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وُجُوبَ رَدِّ السَّلَامِ) عَلَى مَنْ سَلَّمَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(فَرْعٌ) تَحْرُمُ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا فَرْضًا وَنَفْلًا. وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ بَعْدَ جُلُوسِ الْخَطِيبِ. وَلَا تَنْعَقِدُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ مَا دَامَ يَخْطُبُ وَلَوْ حَالَ الدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ نَعَمْ تَصِحُّ التَّحِيَّةُ لِلدَّاخِلِ قَبْلَ جُلُوسِهِ وَلَوْ فِي ضِمْنِ غَيْرِهَا كَسُنَّةِ الْجُمُعَةِ، وَيَجِبُ تَخْفِيفُهَا كَصَلَاةِ الْخَطِيبِ فِي أَثْنَائِهَا بِأَنْ لَا يَسْتَوْفِيَ الْأَكْمَلَ وَلَا يَزِيدَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِيهَا ابْتِدَاءً. وَكَذَا دَوَامًا فَلَوْ لَمْ يُخَفِّفْهَا بَطَلَتْ وَلَوْ أَحْرَمَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ جَلَسَ الْخَطِيبُ فِيهَا، وَلَوْ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ وَجَبَ قَطْعُهُمَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَهُ إتْمَامُهُمَا وَلَا يُصَلِّي، فِي غَيْرِ
ــ
[حاشية عميرة]
لِاشْتِرَاطِ السَّمَاعِ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِمَاعَ لَا يَتَحَقَّقُ، إلَّا بِحُصُولِ السَّمَاعِ اهـ. مُنَقَّحًا وَأَقُولُ فِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا سَلَكَهُ الشَّارِحُ رحمه الله فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَى الْإِقْبَاضِ حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِ الْمِنْهَاجِ، وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْإِقْبَاضُ الْمُتَضَمِّنُ لِلْقَبْضِ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِالِاتِّفَاقِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ لَنَا وَجْهًا بِاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْإِمَامِ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ كَمَا سَلَفَ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُسَنُّ الْإِنْصَاتُ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هُوَ السُّكُوتُ مَعَ الْإِصْغَاءِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ فَلَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ وُجُوبِ السَّمَاعِ. قَوْلُهُ: (وَاسْتَدَلَّ لَهُ) زَادَ الْإِسْنَوِيُّ وَلِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ مَشْهُورٍ انْتَهَى. أَيْ وَكَأَنَّهُمْ مُؤْتَمُّونَ حَالَ الْخُطْبَةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ) رُبَّمَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ لَغْوًا فِي حَدِيثٍ إذَا قُلْت لِصَاحِبِك إلَخْ ثُمَّ رَأَيْت فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا تُسْتَحَبُّ الْإِشَارَةُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ مَا أَمْكَنَ وَبِهِ يَحْصُلُ جَوَابُ الْإِشْكَالِ وَأَيْضًا. فَاللَّغْوُ يَصْدُقُ بِغَيْرِ الْحَرَامِ. قَوْلُهُ (وَأَصَحُّهُمَا يَحْرُمُ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَفِي وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَقَالُوا: الْبَعِيدُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْإِنْصَاتِ وَبَيْنَ الذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ وَغَيْرُهُ أَعْنِي عَلَى الْقَدِيمِ. قَوْلُهُ:(فَيَتَخَيَّرُ) هُوَ يُشْكِلُ عَلَى التَّعْلِيلِ الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَأَصَحُّهُمَا يَحْرُمُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ زَادُوا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ رحمه الله اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ الْقَوْلَيْنِ،
غَيْرُهُمْ مِنْ الْكَامِلِينَ سَمِعُوهَا أَوْ لَا. وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْقَوْمِ (قُلْت: الْأَصَحُّ أَنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِدُونِهِ (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ وَطَهَارَةِ الْحَدَثِ) الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ (وَالْخَبَثِ) فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ (وَالسَّتْرِ) لِلْعَوْرَةِ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فِي الْجُمُعَةِ. وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ وَاحِدٌ مِمَّا ذُكِرَ فِيهَا. أَمَّا الْمُوَالَاةُ فَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْوَعْظِ بِدُونِهَا، وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِشَبَهِ الْخُطْبَةِ بِالْأَذَانِ فَإِنَّهَا ذِكْرٌ يَتَقَدَّمُ الصَّلَاةَ وَعَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهَا لَوْ سَبَقَهُ حَدَثٌ لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا يَأْتِي بِهِ مِنْهَا حَالَ الْحَدَثِ فَلَوْ تَطَهَّرَ وَعَادَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فِي الْأَصَحِّ. وَمَسْأَلَةُ السَّتْرِ مَزِيدَةٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ مَذْكُورَةٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا
(وَتُسَنُّ) الْخُطْبَةُ (عَلَى مِنْبَرٍ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ
ــ
[حاشية قليوبي]
مَسْجِدٍ لِعَدَمِ التَّحِيَّةِ. قَوْلُهُ: (وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالْقَوْمِ) أَيْ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ، وَفِي التَّعْمِيمِ بِقَوْلِهِ سَمِعُوهَا أَوْ لَا إشَارَةٌ إلَى جَعْلِ الْقَدِيمِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَلَوْ طَرْقًا مُقَابِلًا لِلْجَدِيدِ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ:(إنَّ تَرْتِيبَ الْأَرْكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ) أَيْ بَيْنَ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا. وَكَذَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَهِيَ وَإِنْ عُلِمَتْ مِمَّا مَرَّ فِي الِانْفِضَاضِ لَمْ تُذْكَرْ هُنَاكَ بِعِنْوَانِ الشَّرْطِيَّةِ، وَضَبَطَهَا الرَّافِعِيُّ بِمَا بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجُمَعِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَلَا يَضُرُّ الْوَعْظُ بَيْنَ الْأَرْكَانِ وَإِنْ طَالَ عُرْفًا إلَّا إنْ طَالَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ كَالسُّكُوتِ الطَّوِيلِ.
(فَائِدَةٌ) لَوْ سَرَدَ الْأَرْكَانَ أَوَّلًا ثُمَّ أَتَى بِهَا مُتَخَلِّلَةً فَإِنْ لَمْ يَطُلْ فَصْلٌ بِالْمُتَخَلِّلَةِ حَسِبْت الْأُولَى وَإِلَّا حَسِبْت الْمُتَخَلِّلَةَ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْتَدَّ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِمَا فَعَلَهُ فِي حَالِ الْحَدَثِ قَطْعًا وَلَا بِمَا قَبْلَهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ كَذَلِكَ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ لَا يَبْنِي بِنَفْسِهِ وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمُعْتَمَدِ نَعَمْ إنْ اسْتَخْلَفَ عَنْ قُرْبٍ وَاحِدًا مِمَّنْ حَضَرَ مَا مَضَى بَنَى عَلَى مَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ إلَّا فِي الْإِغْمَاءِ فَلَا يَبْنِي خَلِيفَتُهُ مُطْلَقًا، وَجَوَّزَ الْخَطِيبُ الْبِنَاءَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. وَفِي شَرْحِهِ لِلْكِتَابِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي آخِرِ الْكِتَابِ مُوَافَقَةُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْإِغْمَاءِ هُنَا مُطْلَقًا.
(تَنْبِيهٌ) سَكَتُوا عَنْ الْعَجْزِ عَنْ السُّتْرَةِ وَالطُّهْرِ عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْهَا لَا يَخْطُبُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ كَمَا مَرَّ. كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْوَجْهُ صِحَّةُ خُطْبَةِ الْعَاجِزِ عَنْ السُّتْرَةِ كَالصَّلَاةِ بِالْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (مِنْبَرٍ) مِنْ النَّبْرِ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ وَسَوَاءٌ فِي مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَمَرَ بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ وَاَلَّذِي نَجَرَهُ بَاقُومُ الرُّومِيُّ، وَكَانَ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ غَيْرَ الْمُسْتَرَاحِ وَمِنْ خَشَبِ الْأَثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ. وَلَمَّا خَطَبَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ نَزَلَ دَرَجَةً ثُمَّ عُمَرُ دَرَجَةً ثُمَّ عَلِيٌّ دَرَجَةً، فَلَمَّا تَوَلَّى مُعَاوِيَةُ لَمْ يُجَدِّدْ دَرَجَةً يَنْزِلُ إلَيْهَا فَزَادَ فِيهِ سِتَّ دَرَجَاتٍ مِنْ أَسْفَلِهِ تِسْعًا فَلَمَّا
ــ
[حاشية عميرة]
فَقِيلَ أَرْبَعُونَ حَتَّى إذَا لَمْ يَسْمَعُوا أَثِمَ الْجَمِيعُ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ. وَقِيلَ: السَّامِعُونَ خَاصَّةً وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ لَا إثْمَ عَلَيْهِ جَزْمًا وَهُوَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَقِيلَ فِي الْمَأْمُومِينَ مُطْلَقًا لِئَلَّا يَكْثُرَ اللَّغَطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، قَالَ وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ مُحْتَمِلٌ لِلثَّلَاثَةِ وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَحْمَلَ الْقَوْلَيْنِ بَعْدَ جُلُوسِ الشَّخْصِ فَلَا يَحْرُمُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ مَوْضِعًا. وَكَذَلِكَ فِي حَالِ الدُّعَاءِ لِلْمُلُوكِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُرْشِدِ اهـ.
وَمَا نَسَبَهُ لِلْغَزَالِيِّ رَأَيْت فِي قِطْعَةِ السُّبْكِيّ مَا قَدْ يُخَالِفُهُ فِي التَّصْوِيرِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الْغَزَالِيُّ إنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ عَدَا الْأَرْبَعِينَ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَرْبَعِينَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْكَلَامُ جَزْمًا اهـ.
وَفِي نُكَتِ الْعِرَاقِيِّ طَرِيقَةُ الْغَزَالِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ إنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ عَدَا الْأَرْبَعِينَ، وَأَمَّا الْأَرْبَعُونَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ جَزْمًا ثُمَّ رَاجَعْت الرَّافِعِيَّ رحمه الله فَرَأَيْت الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَ السُّبْكِيُّ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: وَقِيلَ: فِي الْمَأْمُومِينَ مُطْلَقًا الَّذِي فِي الرَّافِعِيِّ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي السَّامِعِينَ، وَفِي غَيْرِهِمْ وَجْهَانِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ الْمَحَلِّيُّ رحمه الله.
قَوْلُهُ: (كَمَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ) اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُصَلِّي عَقِبَ الْخُطْبَةِ» فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مُسْتَتِرًا، وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ شَمِلَ ذَلِكَ الْحَدَثَ الْأَكْبَرَ وَهُوَ كَذَلِكَ. قِيلَ: الْقَوْلَانِ فِي الطَّهَارَةِ وَمَا بَعْدَهَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ بَدَلٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ أَمْ لَا.
قَالَ الْإِمَامُ لَا أَرْضَاهُ مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِقْبَالِ، وَالْوَجْهُ بِنَاؤُهُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَتَخْتَلَّ الْمُوَالَاةُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى مِنْبَرٍ)«كَانَ صلى الله عليه وسلم أَوَّلًا يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى سُمِعَ مِنْهُ مِثْلُ صَوْتِ الْعِشَارِ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَالْتَزَمَهُ فَسَكَنَ» وَالْعِشَارُ الْإِبِل الَّتِي تَحِنُّ إلَى أَوْلَادِهَا.
عَلَيْهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. (أَوْ) مَوْضِعٍ (مُرْتَفِعٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ فِي بُلُوغِ صَوْتِ الْخَطِيبِ عَلَيْهِ النَّاسَ. وَيُسَنُّ كَوْنُ الْمِنْبَرِ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ لِأَنَّ مِنْبَرَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَذَلِكَ أَيْ عَلَى يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْمِحْرَابِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ (وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) إذَا انْتَهَى إلَيْهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ. (وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ) الْمِنْبَرَ (وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ وَيَجْلِسَ) بَعْدَ السَّلَامِ (ثُمَّ يُؤَذَّنَ) بِفَتْحِ الذَّالِ فِي حَالِ جُلُوسِهِ لِلِاتِّبَاعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ رَوَى الْأَخِيرَ أَيْ التَّأْذِينَ حَالَ الْجُلُوسِ الْبُخَارِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا قَبْلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَيَجْلِسُ وَيَشْتَغِلُ الْمُؤَذِّنُ بِالْأَذَانِ كَمَا جَلَسَ، وَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ وَالْمُرَادُ بِصُعُودِ الْمِنْبَرِ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنْ يَبْلُغَ فِي صُعُودِهِ الدَّرَجَةَ الَّتِي تَلِي مَوْضِعَ الْجُلُوسِ الْمُسَمَّى بِالْمُسْتَرَاحِ. وَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَقِفُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ» .
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ فِيهِ: وَيَلْزَمُ السَّامِعِينَ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الْمَرَّتَيْنِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ تَكُونَ) الْخُطْبَةُ (بَلِيغَةً) لَا مُبْتَذَلَةً رَكِيكَةً فَإِنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ (مَفْهُومَةً) أَيْ قَرِيبَةً مِنْ الْأَفْهَامِ لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً فَإِنَّهَا لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ. (قَصِيرَةً) لِأَنَّ الطَّوِيلَةَ تُمِلُّ. وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ: «أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ» . بِضَمِّ الصَّادِ وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ كَالْوَجِيزِ مَائِلَةٌ إلَى الْقِصَرِ أَيْ مُتَوَسِّطَةٌ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» . أَيْ مُتَوَسِّطَةً (وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَ) لَا (شِمَالًا فِي شَيْءٍ مِنْهَا) بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا
ــ
[حاشية قليوبي]
احْتَرَقَ أَبْدَلَهُ الْمُظَفَّرُ صَاحِبُ الْيَمَنِ بِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَبْدَلَهُ الظَّاهِرُ بِغَيْرِهِ ثُمَّ أَبْدَلَهُ الْمُؤَيَّدُ شَيْخٌ بِغَيْرِهِ، ثُمَّ أَبْدَلَهُ الظَّاهِرُ خَوْش قَدِمَ بِغَيْرِهِ فَلَمَّا احْتَرَقَ أَبْدَلَهُ السُّلْطَانُ الْأَشْرَفُ قَايِتْبَايْ طَابَ ثَرَاهُ بِالْمِنْبَرِ الرُّخَامِ الْمَوْجُودِ الْآنَ عَلَى صِفَةِ مِنْبَرِ مُعَاوِيَةَ تَقْرِيبًا. قَوْلُهُ:(أَوْ مُرْتَفَعٍ إلَخْ) أَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَفَعٌ أَسْنَدَ الْخَطِيبُ ظَهْرَهُ إلَى خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَنِدُ إلَى الْجِذْعِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ سِوَارِي مَسْجِدِهِ. وَيُقَالُ لَهُ الْعَذْقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلنَّخْلَةِ وَبِكَسْرِهَا اسْمٌ لِلْغُصْنِ، وَذَلِكَ قَبْلَ عَمَلِهِ الْمِنْبَرَ الْمَذْكُورَ فَلَمَّا فَارَقَهُ الْمِنْبَرَ حَنَّ كَحَنِينِ الْعِشَارِ فَنَزَلَ صلى الله عليه وسلم وَالْتَزَمَهُ وَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَغْرِسَهُ فَيَعُودَ أَخْضَرَ أَوْ يَكُونَ فِي الْجَنَّةِ مَعَهُ، فَاخْتَارَ الْجَنَّةَ فَوَعَدَهُ بِهَا فَسَكَنَ، ثُمَّ دُفِنَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ الشَّرِيفِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فَاسْتَمَرَّ عِنْدَهُ حَتَّى أَكَلَتْهُ الْأَرْضُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ لِلْمِحْرَابِ) بَعِيدًا عَنْهُ بِنَحْوِ ذِرَاعَيْنِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ: (وَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ) وَكَذَا كُلُّ صَفٍّ مَرَّ عَلَيْهِ قُبَالَتَهُ، وَلَا تُطْلَبُ لَهُ التَّحِيَّةُ إنْ حَضَرَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ. قَوْلُهُ:(وَأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ إذَا صَعِدَ) مُسْتَدْبِرًا لِلْقِبْلَةِ وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ فِي مَقَاصِدِ التَّحْدِيثِ، وَلِذَلِكَ طُلِبَ كَوْنُ الْمِنْبَرِ فِي صَدْرِ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اسْتِدْبَارُ خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَيُنْدَبُ لَهُ اسْتِقْبَالُهُمْ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَاعْتَمَدَهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(بِفَتْحِ الذَّالِ) دَفْعًا لِتَوَهُّمِ عَوْدِ ضَمِيرِهِ لِلْخَطِيبِ عِنْدَ كَسْرِهَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا. وَيَعُودُ الضَّمِيرُ لِلْمُؤَذِّنِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ. وَيُنْدَبُ كَوْنُ الْمُؤَذِّنِ وَاحِدًا كَالْمُقِيمِ، وَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ:(وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) هِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لِإِفَادَتِهَا مُقَارَنَةَ الْأَذَانِ لِلْجُلُوسِ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ.
(فَرْعٌ) اتِّخَاذُ الْمَرْقَى الْمَعْرُوفِ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْحَثِّ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِقِرَاءَةِ الْآيَةِ الْمُكَرَّمَةِ وَطَلَبِ الْإِنْصَاتِ بِقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْرَؤُهُ فِي خُطَبِهِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّهُ وَلَا الْخُلَفَاءَ بَعْدَهُ اتَّخَذُوا مَرْقِيًّا. وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ أَنَّهُ لَهُ أَصْلًا فِي السُّنَّةِ وَهُوَ «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَطَبَ فِي عَرَفَةَ لِشَخْصٍ مِنْ الصَّحَابَةِ اسْتَنْصِتْ النَّاسَ» .
قَوْلُهُ: (بَلِيغَةً) أَيْ فَصَيْحَةً جَزْلَةً.
قَوْلُهُ: (أَيْ مُتَوَسِّطَةً) فَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْقِصَرِ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ لِمَا وَرَدَ «أَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصَرُوا الْخُطْبَةَ» . وَحِكْمَتُهُ لُحُوقِ الْمُتَأَخِّرِ. قَوْلُهُ: (بَلْ يَسْتَمِرُّ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ طَلَبِ اسْتِدْبَارِهِ لَهُمْ أَوْ عَكْسَهُ، وَيُكْرَهُ مُخَالَفَةُ مَا ذُكِرَ كَالِاحْتِبَاءِ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ.
ــ
[حاشية عميرة]
(فَائِدَةٌ) كَانَ مِنْبَرُهُ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ دَرَجٍ مِنْهَا دَرَجَةُ الْمُسْتَرَاحِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَوْ مُرْتَفَعٌ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرْتَفَعٌ اسْتَنَدَ إلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا لِحَدِيثِ الْجِذْعِ. قَوْلُهُ: (إذَا انْتَهَى إلَيْهِ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لِأَنَّهُ يُرِيدُ فِرَاقَهُمْ. قَوْلُهُ: (كَمَا جَلَسَ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ أَيْ عِنْدَ جُلُوسِهِ.
وَفِي نُكَتِ الْعِرَاقِيِّ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: إنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ عَرَبِيَّةً وَإِنَّ الْعَجَمَ تُطْلِقُهَا بِمَعْنَى عِنْدَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا شِمَالًا) زَادَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ لَا لِدَفْعِ مَا قِيلَ لَوْ الْتَفَتَ يَمِينًا فَقَطْ أَوْ شِمَالًا فَقَطْ صَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ يَمِينًا وَشِمَالًا فَيَرُدُّ عَلَى الْعِبَارَةِ.
تَقَدَّمَ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَيُسَنُّ لَهُمْ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَيْهِ مُسْتَمِعِينَ لَهُ (وَيَعْتَمِدُ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا وَنَحْوِهِ) رَوَى أَبُو دَاوُد: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَامَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا أَوْ قَوْسٍ» . وَرُوِيَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى سَيْفٍ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْقَوْسِ. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الضَّرْبَ بِالسَّيْفِ وَالرَّمْيَ بِالْقَوْسِ، وَيَشْغَلُ يَدَهُ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ جَعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ أَرْسَلَهُمَا وَلَا يَعْبَثُ بِهِمَا (وَيَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ. (نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) أَيْ يُسَنُّ ذَلِكَ. وَقِيلَ يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْهُ (وَإِذَا فَرَغَ) مِنْ الْخُطْبَةِ (شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَبَادَرَ الْإِمَامُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْإِقَامَةِ فَيَشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْقِيقِ الْمُوَالَاةِ الَّتِي تَقَدَّمَ وُجُوبُهَا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّزُولِ مِنْ الْمِنْبَرِ عَقِبَ فَرَاغِهَا وَيَأْخُذَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي الْإِقَامَةِ، وَيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِ الْإِقَامَةِ انْتَهَى. فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِاسْتِحْبَابِ مَا ذُكِرَ هُنَا
(وَيَقْرَأَ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ. (فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ جَهْرًا) لِلِاتِّبَاعِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: «كَانَ يَقْرَأُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَهْرِ» . وَرَوَى هُوَ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1]، وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ فَهُمَا سُنَّتَانِ وَفِيهَا كَأَصْلِهَا لَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى) مَنْ ابْتِدَاءِ طُلُوعِهِ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْ الْمَرْقَى بِالْيَمِينِ كَمَا يَدْفَعُهُ لَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ بِهَا، وَيُكْرَهُ وُقُوفُهُ عَلَى كُلِّ دَرَجَةٍ فِي طُلُوعِهِ وَدَقُّهُ الدَّرَجَ بِرِجْلِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَالْإِسْرَاعُ فِي صُعُودِهِ أَوْ هُبُوطِهِ أَوْ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْإِشَارَةُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِلَا عَطَشٍ كَذَلِكَ.
(فَرْعٌ) يُكْرَهُ كَرَاهَةً قَوِيَّةً كِتَابَةُ الْحَفَائِظِ فِي رَمَضَانَ وَتَفْرِقَتُهَا عَلَى الْمُصَلِّينَ وَقَبُولُهُمْ لَهَا وَالْمَشْيُ بَيْنَ الصُّفُوفِ لِلسُّؤَالِ أَوْ غَيْرِهِ وَالتَّصَدُّقُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (نَحْوَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) وَيُنْدَبُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا كَمَا فِي الْعُبَابِ وَابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ) أَيْ إنْ لَمْ يَمَسَّ نَجَاسَةً كَوُقُوفِهِ عَلَيْهَا، وَلَا يَقْبِضُ حَرْفَهُ إنْ كَانَ يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ وَعَلَيْهِ أَوْ فِيهِ نَجَاسَةٌ. قَوْلُهُ:(شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ) أَيْ نَدْبًا كَمُبَادَرَةِ الْإِمَامِ وَلَوْ غَيْرَ الْخَطِيبِ.
قَوْلُهُ: (وَيَقْرَأَ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمَأْمُومُونَ بِهِمَا، وَقِرَاءَةُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ غَيْرِهِمَا. قَوْلُهُ:(جَهْرًا) وَلَوْ مَسْبُوقًا فِي ثَانِيَتِهِ وَيَقْرَأُ فِيهَا الْمُنَافِقِينَ مُطْلَقًا.
وَقَالَ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ يَقْرَأُ الْجُمُعَةَ فِيهَا إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ تَحَمُّلِهَا عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَلَى هَذَا فَيَجْمَعُ مَعَهَا الْمُنَافِقُونَ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَهَلْ أَتَاك) وَإِنْ كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ سَبِّحْ لِوُرُودِهِ مَعَ حِكْمَةِ لُحُوقِ الْمُتَأَخِّرِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ) أَيْ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَوْ عَلَى بَعْضِهَا.
(فَرْعٌ) قَالُوا حِكْمَةُ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ كَوْنُ الْأُولَى فِيهَا اسْمُ الْجُمُعَةِ الْمُوَافِقُ لِاسْمِ يَوْمِهَا وَالْمُنَافِقِينَ تَلِيهَا فِي الْمُصْحَف الشَّرِيف وَالتَّوَالِي مَطْلُوب وَاَللَّه أَعْلَم.
ــ
[حاشية عميرة]
قَوْلُهُ: (مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَخْ) فَلَوْ اسْتَدْبَرَهُمْ أَوْ اسْتَدْبَرُوهُ كُرِهَ.
(فَرْعٌ) يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَحْتَبِيَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ. قَوْلُهُ: (فِي يَدِهِ الْيُسْرَى) ظَاهِرُهُ حَتَّى مِنْ أَوَّلِ الصُّعُودِ، وَانْظُرْ إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ وَأَخَذَ فِي التَّحَوُّلِ لِلْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ هَلْ يَكُونُ مَبْدَأُ التَّحَوُّلِ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَمْ يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ؟ .
قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْمُنَافِقِينَ) اُنْظُرْ مَا حِكْمَتُهَا. قَوْلُهُ: (مَعَ الْمُنَافِقِينَ) لَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ وَسِعَهُمَا فَالظَّاهِرُ الْبُدَاءَةُ بِالْجُمُعَةِ.