المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت) - حاشيتا قليوبي وعميرة - جـ ١

[القليوبي]

فهرس الكتاب

- ‌أحمد سلامة القليوبي

- ‌أحمد البرلسي عميرة

- ‌[المقدمة]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌[الْمَاء الْمُشْمِس]

- ‌[الْمَاء الْمُسْتَعْمَل فِي الطَّهَارَة]

- ‌[حُكْمُ الْمَاءِ الْجَارِي]

- ‌ اشْتَبَهَ مَاءٌ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ)

- ‌[اشْتَبَهَ مَاءٌ وَبَوْلٌ]

- ‌ اسْتَعْمَلَ مَا ظَنَّهُ) الطَّاهِرَ مِنْ الْمَاءَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ

- ‌بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ

- ‌(فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ)

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ

- ‌[سُنَن الْوُضُوء]

- ‌بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ

- ‌[مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[وَشَرْط الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ]

- ‌بَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَاتُ الْغُسْلِ]

- ‌[وَأَقَلّ الْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ]

- ‌بَابُ النَّجَاسَةِ

- ‌[المولاة فِي الْغُسْل]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌(فَصْلٌ) : (يُتَيَمَّمُ بِكُلِّ تُرَابٍ طَاهِرٍ)

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّمِ]

- ‌(بَابُ الْحَيْضِ)

- ‌(وَأَقَلُّ النِّفَاسِ)

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌(وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ)

- ‌[فَصْلٌ عَلَى مَنْ تَجِبُ الصَّلَاةُ]

- ‌[فَصْلُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَة]

- ‌(فَصْلُ: اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ)

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[سُنَن الصَّلَاة]

- ‌[الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح]

- ‌[الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ]

- ‌[جلسة الِاسْتِرَاحَة]

- ‌[بَاب شُرُوطُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَصْلٌ مُبْطِلَات الصَّلَاةُ]

- ‌ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[بَاب سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌بَابٌ فِي سُجُودَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ

- ‌[بَاب صَلَاةُ النَّفْلِ]

- ‌(تَخْصِيص لَيْلَة الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ)

- ‌كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌[فَصْلٌ اقْتِدَاؤُهُ بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ]

- ‌[قُدْوَةُ أُمِّيٍّ بِمِثْلِهِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌فَصْلٌ (لَا يَتَقَدَّمُ) الْمَأْمُومُ (عَلَى إمَامِهِ

- ‌ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ وَعَكْسُهُ

- ‌(فَصْلٌ شَرْطُ الْقُدْوَةِ)

- ‌ تَعْيِينُ الْإِمَامِ) فِي النِّيَّةِ

- ‌(فَصْلٌ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ

- ‌(تَتِمَّةٌ) إذَا رَكَعَ الْمَأْمُومُ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ

- ‌(فَصْلٌ) إذَا (خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ) بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ

- ‌(فَصْلٌ طَوِيلُ السَّفَرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً)

- ‌[فَصْلٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَلِكَ فِي السَّفَرِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يُسَنُّ الْغُسْلُ لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَ الْجُمُعَةَ]

- ‌[فَصْلٌ أَدْرَكَ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَرَّ مَعَهُ إلَى أَنْ سَلَّمَ]

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ

- ‌(فَصْلٌ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ بِفَرْشٍ وَغَيْرِهِ)

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌(فَصْلٌ: يُنْدَبُ التَّكْبِيرُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ)

- ‌بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ

- ‌بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌[بَابٌ تَرَكَ الْمُكَلَّفُ الصَّلَاةَ الْمَعْهُودَةَ الصَّادِقَةَ بِإِحْدَى الْخَمْسِ جَاحِدًا وُجُوبَهَا]

- ‌كِتَابُ الْجَنَائِزِ

- ‌[تَتِمَّةٌ تَارِكُ الْجُمُعَةِ]

- ‌(فَصْلٌ: يُكَفَّنُ بِمَا لَهُ لُبْسُهُ حَيًّا)

- ‌[فَصْلٌ أَرْكَانٌ صَلَاة الْجِنَازَةُ]

- ‌الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ

- ‌[فَرْعٌ الْوَلِيَّ أَوْلَى بِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ الْوَالِي]

- ‌(فَصْلٌ: أَقَلُّ الْقَبْرِ

- ‌ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ

- ‌ طَلَبُ الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ)

- ‌[الْأَحَقّ بِتَغْسِيلِ الْكَافِر]

- ‌(وَالدَّفْنُ بِالْمَقْبَرَةِ

- ‌ سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ) عِنْدَ الدَّفْنِ

- ‌[الدّفن فِي تَابُوت]

- ‌(الدَّفْنُ لَيْلًا

- ‌ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ وَالْبِنَاءُ) عَلَيْهِ (وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ)

الفصل: ‌(ويسن تعجيل الصلاة لأول الوقت)

الْعِشَاءِ (وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُهُمَا، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ. (إلَّا فِي خَيْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَمُذَاكَرَةِ الْفِقْهِ وَإِينَاسِ الضَّيْفِ، وَلَا يُكْرَهُ الْحَدِيثُ لِحَاجَةٍ.

(وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ)

لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: سَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ الْحَاكِمُ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ لِوَقْتِهَا، فَيَشْتَغِلُ أَوَّلَ الْوَقْتِ بِأَسْبَابِهَا كَالطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ وَنَحْوِهِمَا إلَى أَنْ يَفْعَلَهَا، وَسَوَاءٌ الْعِشَاءُ وَغَيْرُهَا (وَفِي قَوْلٍ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ) أَيْ مَا لَمْ يُجَاوِزْ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ، وَجَوَابُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إنَّ تَقْدِيمَهَا هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.

(وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ

ــ

[حاشية قليوبي]

بِهِ فِي هَذِهِ وَيُنْدَبُ فِي غَيْرِهَا، أَمَّا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَخِلَافُ الْأُولَى وَإِنْ عُلِمَ اسْتِغْرَاقُ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِهِ بِالنَّوْمِ وَالْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَيَجْرِي مَا ذَكَرَ فِي غَيْرِ الْعِشَاءِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ جُمُعَةً، فَلَا يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِنْ لَزِمَ فَوَاتُهَا بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ فِعْلِهَا فِي وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الصُّبْحِ بِالنَّوْمِ بَعْدَ الْحَدِيثِ، وَلَا يُكْرَهُ بَعْدَ فِعْلِهَا مَجْمُوعَةً مَعَ الْمَغْرِبِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مَا يَسَعُهَا مِنْ وَقْتِهَا الْأَصْلِيِّ بِخِلَافِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بَعْدَ فِعْلِ الْعَصْرِ مَجْمُوعَةً مَعَ الظُّهْرِ لِتَعَلُّقِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ بِالْفِعْلِ وَالْكَلَامِ فِي حَدِيثٍ مُبَاحٍ، فَغَيْرُهُ أَشَدُّ كَرَاهَةً أَوْ حُرْمَةً هُنَا. قَوْلُهُ:(وَإِينَاسِ الضَّيْفِ) غَيْرِ نَحْوِ الْفَاسِقِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ بِغَيْرِ عُذْرٍ.

(تَنْبِيهٌ) قَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَ مِنْ كَرَاهَةِ النَّوْمِ وَالْحَدِيثِ يَجْرِي فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ الْعِشَاءُ بِذِكْرِهِمَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ النَّوْمِ أَصَالَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ الْحَدِيثُ قَبْلَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْوَقْتَ بَاعِثٌ عَلَى تَرْكِهِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ فِيهِ.

(فُرُوعٌ) يُنْدَبُ إيقَاظُ مَنْ نَامَ أَمَامَ الْمُصَلِّينَ أَوْ فِي الْمِحْرَابِ أَوْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ فِي بَيْتٍ وَحْدَهُ أَوْ عَلَى سَطْحٍ لَا حَاجِزَ لَهُ أَوْ فِي عَرَفَةَ وَقْتَ الْوُقُوفِ أَوْ وَفِي يَدِهِ رِيحٌ غَمِرَ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ زَفَرٌ كَنَحْوِ لَحْمٍ، أَوْ نَامَ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَإِنْ صَلَّاهَا لِأَنَّ الْأَرْضَ تَعِجُّ أَيْ تَصِيحُ مُشْتَكِيَةً إلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ نَامَ مُسْتَلْقِيًا وَهُوَ أُنْثَى أَوْ مُنْكَبًّا وَهُوَ ذَكَرٌ، لِأَنَّهَا نَوْمَةٌ يَبْغُضُهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلِصَلَاةِ لَيْلٍ، وَنَحْوِ تَسَحُّرٍ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ) بِإِيقَاعِ جَمِيعِهَا فِي وَقْتِ الْفَضِيلَةِ، وَلَا يَكْفِي الْإِحْرَامُ فِيهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ كَمَا مَرَّ، وَقَدْ يُطْلَبُ التَّأْخِيرُ كَمَا يَأْتِي.

(فَرْعٌ) يُنْدَبُ التَّعْجِيلُ فِي النَّفْلِ ذِي الْوَقْتِ أَوْ السَّبَبِ أَيْضًا، وَرُبَّمَا شَمَلَهُمَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ:(وَنَحْوِهِمَا) كَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَكَلَامٍ قَصِيرٍ وَشُغْلٍ كَذَلِكَ وَطَلَبِ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ وَتَفْرِيغِ حَدَثٍ وَفِعْلٍ رَاتِبٍ وَأَكْلِ لُقَمٍ لِسَدِّ رَمَقٍ وَتَحَقُّقِ وَقْتٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ لِغَالِبِ النَّاسِ، وَهَذَا مِقْدَارُ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ احْتَاجَ فِيهِ لِمَا ذُكِرَ أَوْ لَا، لَكِنَّ الْمُبَادَرَةَ فِيهِ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ:(كَانَ يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَهَا إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ إخْبَارِهِ

إنَّمَا هُوَ مِنْ إخْبَارِ الرَّاوِي بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْ تَأْخِيرِهِ صلى الله عليه وسلم لِفِعْلِهَا أَحْيَانًا بَيَانًا لِلْجَوَازِ الَّذِي رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ عِظَمِهَا مَنْعُهُ، وَلِذَلِكَ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ، وَبِهِ يَرُدُّ أَيْضًا دَعْوَى قُوَّةِ دَلِيلِ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَنِدِ إلَى أَنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ تُفِيدُ الدَّوَامَ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يَنْزِلُ مَا فِي الْمَنْهَجِ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ) أَيْ تَأْخِيرُهُ لِوَقْتِ الْبَرْدِ طَلَبًا لِلْخُشُوعِ أَوْ كَمَالِهِ الْفَائِتَ بِشِدَّةِ الْحَرِّ، وَهَذَا فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا طُلِبَ فِيهِ التَّأْخِيرُ نَدْبًا أَوْ وُجُوبًا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَقَدْ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً، وَضَابِطُهَا اشْتِمَالُ التَّأْخِيرِ عَلَى كَمَالٍ خَلَا عَنْهُ التَّقْدِيمُ، كَقُدْرَةٍ عَلَى قِيَامٍ

ــ

[حاشية عميرة]

خَوْفَ اسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ بِالنَّوْمِ، وَقَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إطْلَاقُهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ جَمَعَهَا مَعَ الْمَغْرِبِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ، قَالَ: فَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فَهَلْ تَكُونُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ أَمْ بِمُضِيِّ قَدْرِ زَمَنِ الْفِعْلِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، قَالَ: وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ سَوَاءٌ أَصَلَّى السُّنَّةَ أَمْ لَا.

[وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ]

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ لِأَوَّلِ الْوَقْتِ) قَالَ الْقَاضِي: وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَطَوَّلَ حَتَّى بَلَغَ آخِرَ الْوَقْتِ ثُمَّ سَلَّمَ فِي الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحْسَنًا، وَخَالَفَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، فَقَالَ: إنَّ الْمَدَّ إلَى خُرُوجِ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ خِلَافَ الْأَفْضَلِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُسَنُّ الْإِبْرَادُ إلَخْ) الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْحَرَكَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْمَشَقَّةِ السَّالِبَةِ لِلْخُشُوعِ.

ص: 132

«أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» أَيْ هَيَجَانِهَا.

وَفِي اسْتِحْبَابِ الْإِبْرَادِ بِالْجُمُعَةِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبْرِدُ بِالْجُمُعَةِ، وَأَصَحُّهُمَا لَا لِشِدَّةِ الْخَطَرِ فِي فَوَاتِهَا الْمُؤَدِّي إلَى تَأْخِيرِهَا بِالتَّكَاسُلِ، وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (وَالْأَصَحُّ اخْتِصَاصُهُ بِبَلَدٍ حَارٍّ وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بُعْدٍ) وَلَا ظِلَّ فِي طَرِيقِهِمْ إلَيْهِ، فَلَا يُسَنُّ فِي بَلَدٍ مُعْتَدِلٍ، وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا، وَلَا لِجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ، وَلَا لِمَنْ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ قَرِيبَةً مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا لِمَنْ يَمْشُونَ إلَيْهِ مِنْ بُعْدٍ فِي ظِلٍّ. وَالثَّانِي لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ فَيُسَنُّ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَذِكْرُ الْمَسْجِدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَمِثْلُهُ الرِّبَاطُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ.

(وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ) وَبَعْضُهَا خَارِجَهُ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ) فِي الْوَقْتِ (رَكْعَةٌ) فَأَكْثَرَ (فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ إلَّا) بِأَنْ وَقَعَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَكْعَةٍ (فَقَضَاءٌ) لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» أَيْ مُؤَدَّاةً، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً لَا يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مُؤَدَّاةً. وَالْفَرْقُ أَنَّ الرَّكْعَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ إذْ مُعْظَمُ الْبَاقِي كَالتَّكْرِيرِ لَهَا، فَجَعَلَ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَابِعًا لَهَا بِخِلَافِ مَا دُونَهَا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ أَدَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا فِي الْوَقْتِ.

وَالثَّالِثُ أَنَّهُ قَضَاءٌ مُطْلَقًا تَبَعًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ. وَالرَّابِعُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَهُوَ التَّحْقِيقُ وَعَلَى الْقَضَاءِ

ــ

[حاشية قليوبي]

أَوْ سُتْرَةٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ بُلُوغِ صَبِيٍّ، أَوْ انْقِطَاعِ حَدَثٍ، أَوْ نُزُولِ مُسَافِرٍ، أَوْ إيقَاعِهَا فِي مَسْجِدٍ وَلَوْ فُرَادَى، أَوْ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ، أَوْ رَمْيِ جِمَارٍ، أَوْ إنْقَاذِ غَرِيقٍ، وَخَرَجَ بِالظُّهْرِ أَذَانُهَا فَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِهِ إلَّا لِقَوْمٍ يُعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ سَمَاعِهِ، وَخَرَجَ بِهَا أَيْضًا الْجُمُعَةُ كَمَا مَرَّ، وَسَائِرُ الصَّلَوَاتِ. قَوْلُهُ:(فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) خَرَجَ بِهِ الِاعْتِدَالُ وَشِدَّةُ الْبَرْدِ لِمَا سَيَأْتِي، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ.

قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ يَصِيرَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ إلَخْ) وَغَايَتُهُ إلَى نِصْفِ الْوَقْتِ، وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُطْلَبُ الْإِبْرَادُ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ قَوْلُهُ:(أَصَحُّهُمَا لَا) أَيْ لَا يُطْلَبُ الْإِبْرَادُ فِي الْجُمُعَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ: (بِبَلَدٍ حَارٍّ) مُعْتَدِلٍ كَمِصْرِ وَلَا بَارِدٍ كَالشَّامِ، وَمَحَلُّ اعْتِبَارِ الْبُلْدَانِ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِالْقُطْرِ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ فِي الْمَاءِ الْمُشْمِسِ وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا حَرَارَةُ الزَّمَنِ. قَوْلُهُ:(وَجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ) سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا. قَوْلُهُ: (يَقْصِدُونَهُ) أَيْ يَأْتُونَ إلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ بُعْدٍ) أَيْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُمْ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً لِغَالِبِ النَّاسِ وَقِيلَ لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ، وَالْمَشَقَّةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا مَا تُذْهِبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ. قَوْلُهُ:(وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا) وَكَذَا جَمَاعَةٌ. قَوْلُهُ: (وَلَا لِجَمَاعَةِ مَسْجِدٍ لَا يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ) فَإِنْ كَانَ يَأْتِيهِمْ غَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُسَنُّ لَهُ الْإِبْرَادُ سُنَّ لِهَؤُلَاءِ الْإِبْرَادُ لِأَجْلِهِمْ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يَسَعُ جَمِيعَ فَرَائِضِهَا لَيْسَ حَرَامًا بِلَا خِلَافٍ، وَلَهُ الْمَدُّ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَنْدُوبَاتِهَا كَتَطْوِيلِ قِرَاءَتِهَا وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهَا أَوْ كُلُّهَا عَنْ الْوَقْتِ، وَفَارَقَ تَرْكَ تَثْلِيثِ الْوُضُوءِ مَثَلًا لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ، وَتَأْخِيرَ النَّفْلِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ، ثُمَّ إنْ وَقَعَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ فِي الْوَقْتِ فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ وَإِلَّا فَقَضَاءٌ، وَأَنَّ الْإِحْرَامَ بِهَا فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُ مَا ذُكِرَ لَيْسَ حَرَامًا أَيْضًا إنْ كَانَ تَأْخِيرُهَا لِعُذْرٍ وَيَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَحَرَامٌ قَطْعًا، وَلَيْسَ لَهُ الْإِتْيَانُ بِشَيْءٍ مِنْ مَنْدُوبَاتِهَا، ثُمَّ إنْ وَقَعَ مِنْهَا رَكْعَةٌ فَأَكْثَرُ فِي الْوَقْتِ فَأَدَاءٌ أَيْضًا، وَإِلَّا فَقَضَاءٌ مَعَ الْإِثْمِ فِيهِمَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ تَخْصِيصُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِهَذِهِ مَعَ شُمُولِهَا لِغَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ، وَلَعَلَّهُ لِتَرَتُّبِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْخِلَافِ وَشَمَلَتْ الصَّلَاةُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَدَخَلَ فِيهَا الْجُمُعَةُ، وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ تَسْمِيَتُهَا أَدَاءً وَقَضَاءً وَإِنْ فَاتَ كَوْنُهَا جُمُعَةً، وَإِنْ حَرُمَ لِفَوَاتِ شَرْطِهَا كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:(فَالْجَمِيعُ أَدَاءٌ) أَيْ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَوْ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ.

ــ

[حاشية عميرة]

تَنْبِيهٌ) لَا تَجُوزُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي ذَلِكَ مَعَ ظَنِّ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ، وَلَا نِيَّةُ الْأَدَاءِ مَعَ ظَنِّ عَدَمِ ذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ فِي صَلَاتِهِ تَبَيُّنُ خِلَافِ مَا نَوَاهُ.

قَوْلُهُ: (إنَّ الرَّكْعَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مُعْظَمِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ) أَيْ وَأَقْوَالِهَا، أَوْ أَرَادَ بِالْأَفْعَالِ مَا يَشْمَلُهَا تَغْلِيبًا، أَوْ لِأَنَّهَا فِعْلُ اللِّسَانِ.

قَوْلُهُ: (كَالتَّكْرِيرِ لَهَا) أَشَارَ بِالْكَافِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَكْرَارًا حَقِيقَةً لِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ وَلِزِيَادَتِهِ بِالتَّشَهُّدِ وَمَا مَعَهُ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْقَضَاءِ)

ص: 133

يَأْثَمُ الْمُصَلِّي بِالتَّأْخِيرِ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا عَلَى الْأَدَاءِ نَظَرًا لِلتَّحْقِيقِ، وَقِيلَ لَا نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ لِمُسْتَنِدٍ إلَى الْحَدِيثِ.

(وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ) لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (اجْتَهَدَ بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ) كَخِيَاطَةٍ وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ إلَى الْيَقِينِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ، فَقَوْلُهُ: اجْتَهَدَ، أَيْ جَوَازًا إنْ قَدَرَ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ، وَسَوَاءٌ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى (فَإِنْ تَيَقَّنَ صَلَاتَهُ) بِالِاجْتِهَادِ (قَبْلَ الْوَقْتِ) وَعَلِمَ بَعْدَهُ (قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) وَالثَّانِي لَا اعْتِبَارًا بِظَنِّهِ، فَإِنْ عَلِمَ فِي الْوَقْتِ أَعَادَ أَيْ

ــ

[حاشية قليوبي]

إلَخْ قِيلَ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ. قَوْلُهُ:(نَظَرًا إلَى الظَّاهِرِ الْمُسْتَنِدِ إلَى الْحَدِيثِ) لِأَنَّ لَفْظَ الْإِدْرَاكِ فِيهِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ كَمَنْ أَدْرَكَ جَمِيعَهَا فِي الْوَقْتِ وَهُوَ لَا إثْمَ فِيهِ، وَهَذَا مِثْلُهُ.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ جَهِلَ الْوَقْتَ) أَيْ جَهِلَ دُخُولَهُ لِعَدَمِ ظَنِّهِ، فَخَرَجَ مِنْ أَخْبَرَهُ بِهِ عَدْلُ رِوَايَةٍ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ سَمِعَ أَذَانَهُ فِي الصَّحْرَاءِ، أَوْ أَذَّنَ مَأْذُونُهُ وَلَوْ صَبِيًّا مَأْمُونًا فِي ذَلِكَ، أَوْ رَأَى مِزْوَلَةً وَضَعَهَا عَارِفٌ ثِقَةٌ أَوْ أَقَرَّهَا لِأَنَّهَا كَالْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَمِثْلُهَا مِنْكَابٌ مُجَرَّبٌ، وَأَقْوَى مِنْهُمَا بَيْتُ الْإِبْرَةِ الْمَعْرُوفُ لِعَارِفٍ بِهِ. قَوْلُهُ:(بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ) لَفْظُ نَحْوِهِ قِيلَ مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ مَا دَخَلَ تَحْتَهُ مِنْ الْوَرْدِ وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُشِيرُ إلَى رَدِّهِ لِأَنَّ الْوِرْدَ مَا كَانَ بِنَحْوِ ذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ وَنَحْوُهُ مَا كَانَ بِنَحْوِ صِنَاعَةٍ، وَمِنْهُ سَمَاعُ صَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ، وَسَمَاعُ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ عَدَالَتُهُ أَوْ مَنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَذَانَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ وَسَمَاعِ أَذَانِ ثِقَةٍ عَارِفٍ فِي الْغَيْمِ لَكِنَّ لَهُ فِي هَذِهِ تَقْلِيدَهُ، وَخَرَجَ بِالثِّقَةِ الْمَذْكُورِ الْفَاسِقُ وَمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ وَلَوْ مَسْتُورَهَا، وَالصَّبِيُّ وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا عَارِفًا وَفِي صَحْوٍ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْهَرَوِيِّ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الصَّبِيِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَرُؤْيَةِ النَّجَاسَةِ وَدَلَالَةِ الْأَعْمَى عَلَى الْقِبْلَةِ وَخُلُوِّ الْمَوْضِعِ عَنْ الْمَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهِمَا لَا فِيمَا طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ كَالْإِفْتَاءِ لَمْ يَعْتَمِدْهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.

قَوْلُهُ: (جَوَازًا إلَخْ) هُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْمِيَاهِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الِاجْتِهَادِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ مَعَ الْعَجْزِ، وَمَتَى وَقَعَ كَانَ وَاجِبًا، وَالْقُدْرَةُ تَعُمُّ مَا كَانَ بِالصَّبْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَمَا كَانَ بِغَيْرِهِ كَوُجُودِ مُخْبِرٍ عَنْ عِلْمٍ عِنْدَهُ، أَوْ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ، وَتَمَكَّنَ مِنْ سُؤَالِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ، وَفَارَقَ مَنْعَ الِاجْتِهَادِ وَوُجُوبَ السُّؤَالِ فِي مِثْلِهِ فِي الْقِبْلَةِ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ، وَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي الْمَنْهَجِ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ لَهُ وَلَوْ لِأَعْمَى أَقْوَى إدْرَاكًا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ لِعَجْزِ الْبَصِيرِ حَقِيقَةً، وَالْأَعْمَى فِي الْجُمْلَةِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّقْلِيدَ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَعْمَى الْعَاجِزِ، وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ الْبَصِيرِ الْقَادِرِ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ، وَمُقْتَضَى مَا بَعْدُ عَنْ النَّوَوِيِّ جَوَازُهُ لَهُ كَمَا مَرَّ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا عَاجِزَيْنِ وَجَبَ التَّقْلِيدُ أَوْ قَادِرَيْنِ تَخَيَّرَا بَيْنَ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ وَالِاجْتِهَادِ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ مَنْعِ تَقْلِيدِ الْقَادِرِ عَلَى الِاجْتِهَادِ لِمُجْتَهِدٍ لِلْمَشَقَّةِ هُنَا، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَنْعَ تَقْلِيدِ الْأَعْمَى لِغَيْرِهِ فِي الْأَوَانِي مَا لَمْ يَتَحَيَّرْ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ شَيْخُنَا: مَعْنَى الِاجْتِهَادِ بِالْوِرْدِ أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْوَرْدِ يُصَلِّي مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْوِرْدَ سَبَبٌ لِلِاجْتِهَادِ تَأَمَّلْ، وَلِلْمُنَجِّمِ الْعَمَلُ بِحِسَابِهِ وُجُوبًا كَمَا فِي الصَّوْمِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ مَنْ صَدَّقَهُ مِثْلُهُ، وَقَوْلُ الْمَنْهَجِ إنَّهُ كَالْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ أَيْ بَعْدَ إخْبَارِهِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ تَيَقَّنَ) أَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّ صَلَاتَهُ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ سَوَاءٌ عَلِمَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ: وَعَلِمَ بَعْدَهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ وَلِتَسْمِيَتِهَا قَضَاءً.

(فَرْعٌ) يَجِبُ قَضَاءٌ عَلَى مَنْ جَهِلَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَيْضًا.

ــ

[حاشية عميرة]

تَنْبِيهٌ) مُحَصِّلُ مَا فِي الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ أَذَانَ الظُّهْرِ كَصَلَاتِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالرَّابِعُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا يَنْوِي الْأَدَاءَ فَقَطْ نَظَرًا إلَى الِافْتِتَاحِ، قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَعَلَى الْقَضَاءِ يَأْثَمُ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ: وَعَلَى هَذَا الْقَضَاءُ وَمَرْجِعُ الْإِشَارَةِ التَّحْقِيقُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (اجْتَهَدَ بِوِرْدٍ وَنَحْوِهِ) لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ عَنْ عِيَانٍ كَرُؤْيَةِ الْفَجْرِ طَالِعًا امْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ، وَمِنْهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ فِي الصَّحْوِ إذَا كَانَ ثِقَةً عَارِفًا، وَأَمَّا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ فَقَدْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ اعْتِمَادَهُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الدِّيكِ، انْتَهَى. قُلْت ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ.

(فَرْعٌ) لَوْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ أَعَادَ، وَلَوْ ظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَتَبَيَّنَ وُقُوعَهَا فِيهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(قَضَى فِي الْأَظْهَرِ) اعْلَمْ أَنَّ لَنَا خِلَافًا فِيمَا لَوْ تَبَيَّنَ وُقُوعَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَهِيَ تَقَعُ قَضَاءً أَمْ أَدَاءً؟ . وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَالْأَظْهَرُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَضَاءِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ

ص: 134

بِلَا خِلَافٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِأَنْ تَيَقَّنَهَا فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ (فَلَا) يَقْضِي (وَيُبَادِرُ بِالْفَائِتِ) وُجُوبًا إنْ فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَنَدْبًا إنْ فَاتَ بِعُذْرٍ كَالنَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ مُسَارَعَةً إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ.

(وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ) كَأَنْ يَقْضِيَ الصُّبْحَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالظُّهْرَ قَبْلَ الْعَصْرِ. (وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْحَاضِرَةِ الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا) مُحَاكَاةً لِلْأَدَاءِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا بَدَأَ بِهَا وُجُوبًا لِئَلَّا تَصِيرَ فَائِتَةً.

ــ

[حاشية قليوبي]

قَوْلُهُ: (أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالَ) بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ أَيْ ظَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ. نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ هَلْ صَلَّى، أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ بَعْدَهُ هَلْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ لَا، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّنَاقُضِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ شَكَّ فِي الْفِعْلِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَالثَّانِي شَكَّ فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا، وَعَلَى هَذَا يُنْظَرُ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي أَيِّ الصُّورَتَيْنِ هُمَا فَتَأَمَّلْ، وَلَوْ قَضَى صَلَاةً شَكَّ فِيهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ مَا قَبْلَهُ وَيَجِبُ قَضَاؤُهَا وَفِيهِ بَحْثٌ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ الْحَالُ لَمْ يُعَاقَبْ فِي الْآخِرَةِ، وَإِذَا شَكَّ فِي مِقْدَارِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَضَى مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ فِعْلَهُ قَالَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَأَتْبَاعِهِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَقْضِي مَا تَيَقَّنَ تَرْكَهُ فَقَطْ عَلَى الْأَصَحِّ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُخْتَارَ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ يُصَلِّي تَارَةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى وَلَا يُعِيدُ فَهُوَ كَقَوْلِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ نَادِرًا فَهُوَ كَمُقَابِلِهِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَقْضِي) وَإِنْ وَصَلَ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاتِهِ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا فِي كَمُخَالَفَةِ مَطْلَعِهِ كَمَنْ أَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ مَجْمُوعَةٍ مَقْصُورَةٍ، قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا قَالُوهُ فِي الصَّوْمِ إنَّ لَهُ حُكْمَ الْبَلَدِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَالْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ مَا يَشْمَلُ الْإِعَادَةَ لِيَدْخُلَ مَا لَوْ تَيَقَّنَ فِي الْوَقْتِ أَنَّهَا وَقَعَتْ قَبْلَهُ. قَوْلُهُ:(كَالنَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ) هُمَا مِثَالَانِ لِلْعُذْرِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا لِغَيْرِهِ بِأَنْ حَصَلَا عَنْ نَحْوِ لَهْوٍ كَلَعِبِ شِطْرَنْجٍ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ) أَيْ وَالْبُدَاءَةُ بِأَوَّلِ مَا فَاتَهُ، وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا لَوْ سَبَقَ مَا فَاتَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ أَوْلَى، بَلْ.

قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ إذَا شَرَعَ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ أَفْسَدَ صَلَاةً عَمْدًا لَمْ يَجِبْ فِعْلُهَا فَوْرًا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.

وَقَالَ شَيْخُنَا: يَجِبُ فِعْلُهَا فَوْرًا، وَيَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَوْرِيَّةِ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ التَّنَاقُضُ الْمَذْكُورُ، وَاللَّامُ فِي حَدِيثِ فَلْيُصَلِّهَا لِلْأَمْرِ، وَصَرَفَهُ عَنْ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ حَدِيثُ الْوَادِي، وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ بِأَنَّ التَّأْخِيرَ فِي حَدِيثِ الْوَادِي لِكَوْنِهِ كَانَ بِهِ شَيْطَانٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ، فَتَأْخِيرُهُ لِيُفَارِقَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْفَوْرِيَّةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(لِئَلَّا تَصِيرَ فَائِتَةً) يُفِيدُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْفَائِتَ حَيْثُ كَانَ يُدْرِكُ مِنْ الْحَاضِرَةِ رَكْعَةً فِي وَقْتِهَا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ،

ــ

[حاشية عميرة]

الْقَضَاءَ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ، وَمُقَابِلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَدَاءِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ وَلَا تَضُرُّ نِيَّةُ الْأَدَاءِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إنْ فَاتَ بِعُذْرٍ) حَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْذُورِ لَا يَقْضِي عَمَلًا بِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا» إلَخْ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَحِكْمَتُهُ التَّغْلِيظُ، وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ، وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ فِي الْإِقْلِيدِ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ تَارِكَ الْأَبْعَاضِ عَمْدًا لَا يَسْجُدُ عَلَى وَجْهٍ مَعَ أَنَّهُ أَحْوَجُ إلَى الْجَبْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْمُتَوَلِّيَ وَالرُّويَانِيَّ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ صَارَتْ قَضَاءً وَإِنْ أَوْقَعَهَا فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْهَا لَا يَجُوزُ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَحِينَئِذٍ فَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ أَوْجَبْنَا الْفَوْرَ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ فَفِي جَوَازِ إخْرَاجِهَا عَنْ الْوَقْتِ الْأَصْلِيِّ نَظَرٌ، وَيُتَّجَهُ الْمَنْعُ، انْتَهَى.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيُسَنُّ تَرْتِيبُهُ) أَيْ وَلَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَ الْوَارِدُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ هُوَ التَّرْتِيبُ فِي قَضَائِهِ صلى الله عليه وسلم قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِأَنَّ الْعَمَلَ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عِنْدَنَا عَلَى سِوَى الِاسْتِحْبَابِ، وَلَوْ فَاتَهُ الظُّهْرُ بِعُذْرٍ وَالْعَصْرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَالظَّاهِرُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ أَيْضًا وَيَحْتَمِلُ خِلَافُهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(الَّتِي لَا يَخَافُ فَوْتَهَا) صَادِقٌ بِمَا لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْهَا فِي الْوَقْتِ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَعَبَّرَ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ بِالِاتِّسَاعِ وَالضِّيقِ لَا بِالْفَوَاتِ وَعَدَمِهِ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يُرَاعَى التَّرْتِيبُ، وَلَوْ فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ قَالَ فَيُصَلِّي أَوَّلًا الْفَائِتَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ إنْ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ فِي الْحَاضِرَةِ صَلَّاهَا وَإِلَّا صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا، وَمِثْلُهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَنَقَلَ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْحَاضِرَةِ.

(فَرْعٌ) لَوْ شَرَعَ فِي الْفَائِتَةِ ثُمَّ خَافَ ضِيقَ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ هَلْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَمْ

ص: 135

(وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ.

(وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ وَ) بَعْدَ (الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الرُّمْحِ وَهُوَ تَقْرِيبٌ.

وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ: وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ كَرُمْحٍ، وَعِنْدَ الِاصْفِرَارِ حَتَّى تَغْرُبَ، أَيْ لِلنَّهْيِ عَنْهَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الرُّمْحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ مَعَ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: إنَّ ذِكْرَهُ أَجْوَدُ رِعَايَةً لِلِاخْتِصَارِ، فَإِنَّهُ يَنْدَرِجُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ أَيْ لِمَنْ صَلَّى مِنْ حِينِ صَلَاتِهِ، وَلِمَنْ لَمْ يُصَلِّ مِنْ الطُّلُوعِ وَالِاصْفِرَارِ، وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: رُبَّمَا انْقَسَمَ الْوَقْتُ الْوَاحِدُ إلَى مُتَعَلِّقٍ بِالْفِعْلِ وَإِلَى مُتَعَلِّقٍ بِالزَّمَانِ (إلَّا) صَلَاةً (لِسَبَبٍ كَفَائِتَةٍ) فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ أَوْ صَلَاةِ جِنَازَةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (وَ) صَلَاةِ (كُسُوفٍ وَتَحِيَّةٍ) لِلْمَسْجِدِ (وَسَجْدَةِ شُكْرٍ) أَوْ تِلَاوَةٍ، فَلَا تُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَاتَهُ رَكْعَتَا سُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي بَعْدَهُ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَأَجْمَعُوا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَقِيسَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ عَلَيْهِ فِي الْفِعْلِ وَالْوَقْتِ، وَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا، وَهِيَ النَّافِلَةُ الْمُطْلَقَةُ، وَكَرَاهَتُهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي النَّهْيِ، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا لَمْ تَنْعَقِدْ كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَقِيلَ تَنْعَقِدُ كَالصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ وَأُدْرِجَتْ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ لِشَبَهِهَا بِهَا فِي الشُّرُوطِ وَالْأَحْكَامِ،

ــ

[حاشية قليوبي]

وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ جَمِيعِهَا فِيهِ، وَاعْتَمَدَهُ الطَّبَلَاوِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ، وَخَرَجَ بِفَوْتِهَا فَوْتُ جَمَاعَتِهَا وَلَوْ جُمُعَةً لَمْ يُدْرِكْ غَيْرَهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِذَا رَأَى إمَامًا فِي حَاضِرَةٍ وَعَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَالْأَفْضَلُ فِعْلُ الْفَائِتَةِ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ إنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْحَاضِرَةِ شَيْئًا فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا خَلْفَ الْحَاضِرَةِ أَوْ يُحْرِمَ بِالْحَاضِرَةِ مَعَ الْإِمَامِ، لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ اقْتَدَى فِي مَقْضِيَّةٍ خَلْفَ مُؤَدَّاةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَدَمُ التَّرْتِيبِ، وَفِيهِمَا خِلَافٌ، وَلَوْ شَرَعَ فِي حَاضِرَةٍ فَتَذَكَّرَ فِيهِمَا فَائِتَةً أَتَمَّهَا وُجُوبًا، وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَكَانَتْ الْفَائِتَةُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَوْ شَرَعَ فِي حَاضِرَةٍ مُنْفَرِدًا فَرَأَى جَمَاعَةً فَلَهُ قَلْبُهَا نَفْلًا، وَيَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَاوَزَهُمَا وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ شَرَعَ فِي فَائِتَةٍ مُعْتَقِدًا سَعَةَ الْوَقْتِ فَبَانَ ضِيقُهُ عَنْ جَمِيعِ الْحَاضِرَةِ وَجَبَ قَطْعُهَا، وَلَا يَجُوزُ قَلْبُهَا نَفْلًا وَإِنْ أَتَمَّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ فِي التَّشَهُّدِ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ وَلَوْ بِالسَّلَامِ يُفَوِّتُ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ وَهُوَ حَرَامٌ.

قَالَهُ شَيْخُنَا، وَاعْتَمَدَهُ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ جَوَازُ قَلْبِهَا نَفْلًا، وَلَمْ يَرْتَضِهِ شَيْخُنَا فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ) وَلَوْ تَقْدِيرًا كَمَا فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ، أَيْ لَوْ صَادَفَهُ التَّحَرُّمَ لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ وَقْتٌ ضَيِّقٌ. قَوْلُهُ:(وَبَعْدَ الصُّبْحِ) أَيْ الْمُؤَدَّاةِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ الْقَضَاءِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْعَصْرِ. قَوْلُهُ:(كَرُمْحٍ) وَهُوَ قَدْرُ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ تَقْرِيبًا وَإِلَّا فَالْمَسَافَةُ طَوِيلَةٌ لِأَنَّ الْفَلَكَ الْأَعْظَمَ يَتَحَرَّكُ فِي قَدْرِ النُّطْقِ بِحَرْفٍ مُحَرَّكٍ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا كَمَا مَرَّ قَوْلُهُ: (وَبَعْدَ الْعَصْرِ) وَلَوْ مَجْمُوعَةً تَقْدِيمًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (كَغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ فَهُوَ تَابِعٌ لَهُ، وَهَذَا مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَإِنْ خَالَفَهُ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ. قَوْلُهُ:(إنَّ ذِكْرَهُ أَجْوَدُ) لِأَنَّ مِنْ الطُّلُوعِ إلَى الِارْتِفَاعِ وَمِنْ الِاصْفِرَارِ إلَى الْغُرُوبِ مُتَعَلِّقٌ بِالزَّمَنِ سَوَاءٌ صَلَّى الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ أَوْ لَا. قَوْلُهُ: (فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ) أَيْ وَدَاوَمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا قَالُوا لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ إذَا فَعَلَ شَيْئًا دَاوَمَ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَجْمَعُوا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ حَضَرَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ قَبْلَهُمَا وَلَمْ يَتَحَرَّ فَاعِلُهَا تَأْخِيرَهَا لِأَجْلِ صَلَاتِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَأَمَّا الْوَاقِعُ الْآنَ مِنْ قَصْدِ تَأْخِيرِهَا لِأَجْلِ كَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ فَلَا يَضُرُّ. قَوْلُهُ:(وَقِيسَ غَيْرُ ذَلِكَ إلَخْ) أَيْ وَقِيسَ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمَقْضِيَّةِ الثَّابِتَةِ بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ الثَّابِتَةِ بِالْإِجْمَاعِ غَيْرُهُمَا مِنْ نَحْوِ التَّحِيَّةِ وَمَا مَعَهَا.

قَوْلُهُ: (لَا سَبَبَ لَهَا) أَيْ أَصْلًا كَالنَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَحَرِّيهَا، وَإِنْ نَسِيَ الْوَقْتَ وَأَلْحَقَ بِهَا مَا لَهَا سَبَبٌ مُتَأَخِّرٌ، وَسَيَذْكُرُهُ كَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالِاسْتِخَارَةِ. قَوْلُهُ:(كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا) أَيْ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ التَّنْزِيهِ أَخْذًا مِمَّا

ــ

[حاشية عميرة]

يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا، فَلَوْ قَضَاهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ، أَقُولُ: فَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ حَتَّى مَاتَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ كَالْوُضُوءِ احْتِيَاطًا.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد) فِيهِ أَيْضًا أَنَّ جَهَنَّمَ لَا تُسْجَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (رِعَايَةً لِلِاخْتِصَارِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَإِنَّهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَمْ تَنْعَقِدْ) .

قَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَتَنَاوَلُ جُزْئِيَّاتِهِ الْمَكْرُوهَةَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَالصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَعَلُّقَ الصَّلَاةِ بِالْوَقْتِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْمَكَانِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ دُونَ أَمْكِنَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَأَيْضًا فَالنَّهْيُ فِي الْوَقْتِ رَاجِعٌ

ص: 136

وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا: لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ فَوَجْهَانِ أَقْيَسُهُمَا الْكَرَاهَةُ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْفَائِتَةَ لِيَقْضِيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ. وَلَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَالثَّانِي يَنْظُرُ إلَى أَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ، وَتُكْرَهُ رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ فِيهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ السَّبَبُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ لَا يُوجَدُ. وَالثَّانِي يَقُولُ: السَّبَبُ إرَادَتُهُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَسَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَنَّ وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ ذَوَاتِ السَّبَبِ، أَيْ وَهُوَ فِي حَقِّهَا دُخُولُ وَقْتِهَا، وَمِثْلُهَا صَلَاةُ الضُّحَى عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَنَّ وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَلَا تُكْرَهَانِ قَبْلَ ارْتِفَاعِهَا، وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهُمَا إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَإِلَّا) صَلَاةً (فِي حَرَمِ مَكَّةَ) الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ لَا سَبَبَ لَهَا فَلَا تُكْرَهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِحَدِيثِ «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَالثَّانِي تُكْرَهُ فِيهِ كَغَيْرِهِ. قَالَ: وَالصَّلَاةُ فِي الْحَدِيثِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَلَهَا سَبَبٌ.

ــ

[حاشية قليوبي]

بَعْدَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ، وَالْحُرْمَةُ عَلَى التَّحْرِيمِ ذَاتِيَّةٌ، وَعَلَى الْآخَرِ لِلتَّلَبُّسِ بِالْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَقِيلَ تَنْعَقِدُ) أَيْ عَلَى التَّنْزِيهِ أَخْذًا مِنْ التَّشْبِيهِ بِقَوْلِهِ: كَالصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الصَّلَاةِ بِالْوَقْتِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْمَكَانِ لِعَدَمِ ذَلِكَ، وَبِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْوَقْتِ رَاجِعٌ لِلذَّاتِ، وَبِالْمَكَانِ لِمَعْنًى خَارِجٍ. قَوْلُهُ:(وَفِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا لَهُ سَبَبٌ غَيْرُ مُتَأَخِّرٍ إذَا تَحَرَّاهُ لَا يَنْعَقِدُ أَيْ مَا دَامَ قَاصِدًا لِلتَّحَرِّي وَإِنْ خَافَ الْمَوْتَ فَإِنْ نَسِيَ التَّحَرِّيَ أَوْ تَذَكَّرَهُ لَكِنْ قَصَدَ إيقَاعَهَا لَا لِأَجْلِهِ، أَوْ أَعْرَضَ عَنْهُ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا اعْتَمَدَهُ الطَّبَلَاوِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخُنَا، وَلَوْ قَصَدَ التَّأْخِيرَ جَاهِلًا بِأَنَّهُ تَحَرٍّ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ التَّحَرِّي أَوْ لَا لِجَهْلِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي النِّسْيَانِ الثَّانِي. قَوْلُهُ:(لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ) فَإِنْ قَصَدَهَا فَقَطْ فَلَا تَنْعَقِدُ.

قَالَ شَيْخُنَا: أَوْ مَعَ غَيْرِهَا لَا تَنْعَقِدُ أَيْضًا، وَكَذَا يُقَالُ فِي الثَّانِيَةِ. قَوْلُهُ:(وَسَجْدَةِ شُكْرٍ) خَرَجَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَإِنْ قَرَأَ بِقَصْدِ السُّجُودِ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ حَرُمَتْ الْقِرَاءَةُ وَالسُّجُودُ، وَلَا تَنْعَقِدُ أَوَّلًا بِقَصْدِهِ فَلَا يَسُنُّ وَتَنْعَقِدُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا تُكْرَهُ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ) وَكَذَا صَلَاةُ الْكُسُوفِ، وَإِنْ تَحَرَّى فِعْلَهَا لِأَنَّهَا صَاحِبَةُ الْوَقْتِ كَسُنَّةِ الْعَصْرِ، لَوْ تَحَرَّى تَأْخِيرَهَا عَنْهَا وَسَبَبَهَا، وَهُوَ أَوَّلُ التَّغَيُّرِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى صَلَاتِهَا أَوْ مُقَارِنٌ لَهَا، إنْ عَلِمَ بِهِ وَأَوْقَعَ إحْرَامَهُ مَعَ أَوَّلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا لِوَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحِيَّةُ كَذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ إنْ اُعْتُبِرَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهُوَ إمَّا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا أَوْ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا، أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَقْتِ فَقَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا أَيْضًا. قَوْلُهُ:(بِأَنَّ السَّبَبَ إرَادَتُهُ إلَخْ) وَرَدَّ بِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِحْرَامُ، وَالْإِرَادَةُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ لَا سَبَبُهُ إذْ لَوْ كَانَتْ الْإِرَادَةُ سَبَبًا لَمَا امْتَنَعَ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ مُطْلَقًا لِسَبَبِ إرَادَتِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(فَلَا يُكْرَهَانِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْعِيدِ وَالْمَرْجُوحُ فِي الضُّحَى، لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا مِنْ الِارْتِفَاعِ، وَعَدَمُ الْكَرَاهَةِ هُنَا فِي الْعِيدِ، مِنْ حَيْثُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ لَا يُنَافِي كَرَاهَتَهَا مِنْ حَيْثُ طَلَبُ تَأْخِيرِهَا كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ.

(تَنْبِيهٌ) خَرَجَ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْخَمْسَةِ غَيْرُهَا، كَوَقْتِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَبَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَوَقْتِ صُعُودِ الْخَطِيبِ إلَى الْمِنْبَرِ، فَالصَّلَاةُ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَمُنْعَقِدَةٌ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ حَالَ الْخُطْبَةِ فَحَرَامٌ، وَلَا تَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَلَوْ فَرْضًا إلَّا رَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، امْتَنَعَتْ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا لِعَدَمِ طَلَبِ التَّحِيَّةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي سَبْعِ أَمَاكِنَ: عَلَى الْكَعْبَةِ وَعَلَى صَخْرَةِ الْمَقْدِسِ وَعَلَى طُورِ سَيْنَاءَ وَطُورِ زَيْتَا وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَعَلَى جَبَلِ عَرَفَاتٍ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي تُكْرَهُ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا أَنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهَةٌ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِهِمَا.

قَالَ الْمَحَامِلِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ وَتَعْمِيمُ الشَّارِحِ فِي الْحَرَمِ لِغَيْرِ الْمَسْجِدِ، دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ إرَادَةِ الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ. نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنَّ الصَّلَاةَ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لَا تَنْعَقِدُ فِي الْحَرَمِ كَغَيْرِهِ فَرَاجِعْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[حاشية عميرة]

لِلذَّاتِ، وَفِي الْمَكَانِ لِمَعْنًى خَارِجٍ كَمَا بَيَّنَ فِي الْأُصُولِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَالثَّانِي يَنْظُرُ إلَى أَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ) وَنَظَرَ أَيْضًا إلَى أَنَّ سَبَبَهَا مُتَأَخِّرٌ وَهُوَ الدُّعَاءُ، فَكَانَتْ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلِصَاحِبِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَ الْكَرَاهَةَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَلَا تُكْرَهُ) .

قَالَ الْمَحَامِلِيُّ: لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالثَّانِي تُكْرَهُ فِيهِ كَغَيْرِهِ) .

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلِأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ لَا يُقَدَّمُ خُصُوصُ أَحَدِهِمَا عَلَى عُمُومِ الْآخَرِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ انْتَهَى، وَلَك أَنْ تَقُولَ: الْمُرَجِّحُ أَنْ أَحَادِيثَ النَّهْيِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ بِخِلَافِ هَذَا.

ص: 137