الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الصَّلَاةِ
(الْمَكْتُوبَاتُ) أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ مِنْهَا كُلُّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (خَمْسٌ) كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ»
ــ
[حاشية قليوبي]
كِتَابُ الصَّلَاةِ
بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَهِيَ تُطْلَقُ لُغَةً بِمَعْنَى الرَّحْمَةِ وَبِمَعْنَى التَّعَبُّدِ وَبِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّهَا مِنْ اللَّهِ رَحْمَةً إلَخْ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ أَيْضًا، فَهُوَ مِمَّا اتَّفَقَ فِيهِ الشَّرْعُ وَاللُّغَةُ، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ مِنْ صَلَيْت الْعَوْدَ بِالنَّارِ لِيَنْتَهِ لِأَنَّهَا تُلِينُ الْقَلْبَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ اشْتِقَاقًا إذْ يَجُوزُ اشْتِقَاقُ الْوَاوِيِّ مِنْ الْيَائِيِّ وَعَكْسُهُ، كَالْبَيْعِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَاعِ، وَالْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ، أَوْ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الصَّلَوَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ عِنْدَ خَاطِرَةِ الْمُصَلِّي مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَنْحَنِيَانِ بِانْحِنَائِهِ عِنْدَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَشَرْعًا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ غَالِبًا أَوْ وَضْعًا فَلَا تُرَدُّ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ وَالْمَرِيضِ لِعُرُوضِ الْمَانِعِ وَدَخَلَ فِي التَّعْرِيفِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ قِيَامَاتِهَا أَفْعَالٌ وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي نَظَرًا لِلْعُرْفِ، وَخَرَجَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَنَحْوُهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْوَاجِبَةُ فَقَطْ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهَا بَلْ هُوَ تَابِعٌ عَارِضٌ فِيهَا، وَفُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهِيَ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْإِيمَانِ ثُمَّ الصَّوْمُ ثُمَّ الْحَجُّ ثُمَّ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ:(أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ) هُوَ تَفْسِيرٌ بِالْمُرَادِفِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الشَّارِحِ فِي الْأَذَانِ كَمَا يَأْتِي، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَكْتُوبَ أَعَمُّ فَيَشْمَلُ الْمَنْدُوبَ. قَوْلُهُ:(فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) أَيْ وَلَوْ تَقْدِيرًا فِيهِمَا كَأَيَّامِ الدَّجَّالِ وَلَيْلَةِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهَا قَدْرُ ثَلَاثِ لَيَالٍ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ. قَوْلُهُ:(خَمْسٌ) أَمَّا خُصُوصُ كَوْنِهَا خَمْسًا فَتَعَبُّدِيٌّ وَكَذَا خُصُوصُ عَدَدِ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَذَا مَجْمُوعُ عَدَدِ الْخَمْسِ مِنْ كَوْنِهِ سَبْعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ لِهَذَا حِكْمَةً بِأَنَّ سَاعَاتِ الْيَقِظَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ سَاعَةً مِنْهَا النَّهَارُ اثْنَا عَشَرَ وَنَحْوُ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ أَوَّلُ اللَّيْلِ وَسَاعَتَيْنِ آخِرُهُ، فَكُلُّ رَكْعَةٍ تُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَاعَةٍ فَتَأَمَّلْهُ. وَدَخَلَ فِي الْخَمْسِ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهَا خَامِسَةُ يَوْمِهَا وَإِيرَادُ بَعْضِهِمْ لَهَا مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ كُلُّ يَوْمٍ مَعَ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ وَقَعَ قَبْلَ فَرْضِ الْجُمُعَةِ، وَحِينَ فُرِضَتْ لَمْ تَجْتَمِعْ مَعَ الظُّهْرِ فَتَأَمَّلْ، وَجَمْعُ الْخَمْسِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الصُّبْحَ كَانَتْ لِآدَمَ وَالظُّهْرَ لِدَاوُدَ وَالْعَصْرَ لِسُلَيْمَانَ وَالْمَغْرِبَ لِيَعْقُوبَ وَالْعِشَاءَ لِيُونُسَ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَأَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ الْجُمُعَةُ ثُمَّ عَصْرُهَا ثُمَّ عَصْرُ غَيْرِهَا ثُمَّ صُبْحُهَا ثُمَّ صُبْحُ غَيْرِهَا ثُمَّ الْعِشَاءُ ثُمَّ الظُّهْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ، وَفَضْلُ الْجَمَاعَاتِ تَابِعٌ لِفَضْلِ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ، لَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ جَمَاعَةَ عَصْرِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ، وَأَنَّهَا مُؤَخَّرَةٌ عَنْ جَمَاعَةِ الْعِشَاءِ وَسَتَأْتِي.
قَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ) أَيْ كَوْنُهَا خَمْسًا مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَيْ عِلْمُ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ يَشْتَرِكُ فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ بَعْدَ ثُبُوتِ أَصْلِهِ بِمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (خَمْسِينَ صَلَاةً) لَكِنْ غَيْرَ هَذِهِ الْخَمْسِ لَمْ تُعْلَمْ كَيْفِيَّتُهُ وَلَا كَمِّيَّتُهُ، وَفِي كَلَامِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ مَا يُرْشِدُ إلَى أَنَّهَا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَانَتْ الظُّهْرُ مَثَلًا عَشْرَةً وَالْعَصْرُ كَذَلِكَ وَهَكَذَا، وَقَالَ أَيْضًا إنَّ النَّسْخَ لَمْ يَقَعْ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَقَاؤُهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، وَنَازَعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ فَعَلَهَا كَذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَلَا فِي وَقْتٍ مَعَ تَوَفُّرِ
ــ
[حاشية عميرة]
[كِتَابُ الصَّلَاةِ]
قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الْمَفْرُوضَاتُ) أَيْ عَلَى الْعَيْنِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (خَمْسٌ) الصُّبْحُ لِآدَمَ وَالظُّهْرُ لِدَاوُدَ وَالْعَصْرُ لِسُلَيْمَانَ وَالْمَغْرِبُ لِيَعْقُوبَ وَالْعِشَاءُ لِيُونُسَ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحٍ وَأَوْرَدَ فِيهِ خَبَرًا. قَوْلُ الشَّارِحِ:(لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ) هِيَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَقِيلَ بِسِتَّةَ
«وَقَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِيِّ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ» «وَلِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» .
(الظُّهْرُ وَأَوَّلُ وَقْتِهِ زَوَالُ الشَّمْسِ) أَيْ وَقْتِ زَوَالِهَا، وَعِبَارَةُ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالزَّوَالِ، (وَآخِرُهُ مَصِيرُ) أَيْ وَقْتُ مَصِيرِ (ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ سِوَى ظِلِّ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ) أَيْ الظِّلِّ الْمَوْجُودِ عِنْدَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ وَقَعَ لِكُلِّ شَاخِصٍ ظِلٌّ طَوِيلٌ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ يَنْقُصُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ، وَهِيَ حَالَةُ الِاسْتِوَاءِ، وَيَبْقَى حِينَئِذٍ ظِلٌّ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ، ثُمَّ تَمِيلُ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ فَيَتَحَوَّلُ الظِّلُّ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ، وَذَلِكَ الْمَيْلُ هُوَ الزَّوَالُ، وَالْأَصْلُ فِي الْمَوَاقِيتِ حَدِيثُ «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ
ــ
[حاشية قليوبي]
الدَّوَاعِي عَلَى الْحِرْصِ عَلَيْهِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ: مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (جَعَلَهَا خَمْسًا) أَيْ مِنْ الصَّلَوَاتِ بِدَلِيلِ خَبَرِ الْأَعْرَابِيِّ مَفْرُوضَةٌ بِدَلِيلِ خَبَرِ مُعَاذٍ وَوُجُوبُهَا عَيْنًا لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ، وَهُوَ مُوَسَّعٌ فِي جَمِيعِ وَقْتِهَا لَكِنْ يَجِبُ فِي أَوَّلِهِ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ الشُّرُوعُ فِيهِ، وَلَا يُغْنِي عَنْ هَذَا الْعَزْمِ ظُهُورُ حَالِ الشَّخْصِ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَلَا الْعَزْمَ الْعَامَّ عِنْدَ أَوَّلِ التَّكْلِيفِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِكُلِّ وَاجِبٍ فِي وَقْتِهِ وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ لَمْ يَأْثَمْ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ الْمَوْتُ لِأَنَّ تَأْثِيمَهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ مُحَقَّقٌ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْمَوْتُ قَبْلَ الْحَجِّ مِمَّنْ اسْتَطَاعَ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ مِنْ آخِرِ سِنِي الْإِمْكَانِ عِنْدَ شَيْخِنَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ أَوَّلِهَا.
قَوْلُهُ: (الظُّهْرُ) بَدَأَ بِهَا لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ فِي الْوُجُودِ، بَلْ وَأَوَّلُ صَلَاةٍ فُرِضَتْ إمَّا بِإِخْبَارِ اللَّهِ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِتَوَقُّفِ الْوُجُوبِ عَلَى التَّعْلِيمِ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقَوْلِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا مَرَّ، وَلِفِعْلِهَا فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ، وَلِأَنَّ وَقْتَهَا أَظْهَرُ الْأَوْقَاتِ وَصَرِيحُ هَذَا وَمَا يَأْتِي أَنَّهُ صَلَّاهَا بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ، فَمَا قِيلَ إنَّهُ صَلَّاهَا بِغَيْرِ رُكُوعٍ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالزَّوَالِ) أَيْ فَوَقْتُ الزَّوَالِ لَيْسَ مِنْ الْوَقْتِ وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ مَعَ أَنَّ فِيهَا إيهَامَ الْإِخْبَارِ بِالْمَعْنَى عَنْ الزَّمَانِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ وَالزَّوَالُ الْمُرَادُ هُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَيُعْرَفُ بِحُدُوثِ الظِّلِّ بَعْدَ عَدَمِهِ أَوْ بِزِيَادَتِهِ فَهُوَ تَنَاهِي قِصَرِهِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ جِبْرِيلُ إنَّ حَرَكَةَ الْفَلَكِ بِقَدْرِ النُّطْقِ بِالْحَرْفِ الْمُحَرَّكِ قَدْرَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا.
قَوْلُهُ: (ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الظِّلَّ يُوجَدُ فِي جَمِيعِ النَّهَارِ، وَيُقَالُ لَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ الْفَيْءُ أَيْضًا، وَهُوَ لُغَةً السَّتْرُ، وَاصْطِلَاحًا أَمْرٌ وُجُودِيٌّ خَلَقَهُ اللَّهُ لِنَفْعِ الْبَدَنِ وَغَيْرِهِ لَا عَدَمِ الشَّمْسِ، بَلْ هِيَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَالْمِثْلُ الْقَدْرُ، وَيُقَالُ لَهُ الْقَامَةُ، وَهُوَ طُولُ كُلِّ شَاخِصٍ عَلَى بَسْطِ الْأَرْضِ، وَطُولُ كُلِّ إنْسَانٍ بِقَدَمِهِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفُ قَدَمٍ تَقْرِيبًا، وَهَذَا جُمْلَةُ الْوَقْتِ وَيَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَوْقَاتٍ، وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ بِقَدْرِ الِاشْتِغَالِ بِهَا وَبِأَسْبَابِهَا وَسُنَنِهَا وَشُرُوطِهَا وَأَكْلِ لُقَمٍ يُكْسَرُ بِهَا حِدَةُ الْجُوعِ وَتَحْفَظُ مِنْ حَدَثٍ دَائِمٍ، وَنَحْوِ تَعَمُّمٍ وَتَقَمُّصٍ وَكُلُّ ذَلِكَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي إنَّهُ إلَى رُبْعِ الْوَقْتِ ضَعِيفٌ، ثُمَّ وَقْتُ اخْتِيَارٍ.
قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ إلَى نِصْفِ الْوَقْتِ، ثُمَّ وَقْتُ جَوَازٍ إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُ وَاجِبَاتِهَا، وَإِذَا أَحْرَمَ بِهَا فِيهِ فَلَهُ الْإِتْيَانُ بِسُنَنِهَا لِأَنَّ تَأَخُّرَ بَعْضِهَا الْآنَ مِنْ الْمَدِّ الْجَائِزِ، ثُمَّ وَقْتُ حُرْمَةٍ أَيْ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إلَيْهِ لِأَنَّ إيقَاعَهَا فِيهِ وَاجِبٌ، وَيَحْرُمُ الْإِتْيَانُ بِمَنْدُوبَاتِهَا إذَا أَحْرَمَ بِهَا فِيهِ ثُمَّ وَقْتُ ضَرُورَةٍ بِإِدْرَاكِ قَدْرِ تَكْبِيرَةِ آخِرِهِ، ثُمَّ وَقْتُ عُذْرٍ وَهُوَ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ يَجْمَعُ. قَوْلُهُ:(أَمَّنِي جِبْرِيلُ) أَيْ صَلَّى إمَامًا بِي.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْبَيْتِ) فِيمَا بَيْنَ الْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ بِالْمُعْجَمَةِ، كَذَا قَالُوا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا مُسْتَقْبِلِينَ الْكَعْبَةَ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِأَمْرِ اللَّهِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ، لَا يُقَالُ إنَّهُمْ صَلَّوْا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مُسْتَقْبِلِينَ الشَّامَ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَ يَجْعَلُ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي
ــ
[حاشية عميرة]
عَشَرَ شَهْرًا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (الظُّهْرُ) بَدَأَ بِهَا لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
فَإِنْ قِيلَ إيجَابُ الْخَمْسِ كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَلِمَ بَدَأَ جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام بِالظُّهْرِ دُونَ الصُّبْحِ؟ فَالْجَوَابُ مَحْمُولٌ عَلَى حُصُولِ إعْلَامِهِ
بِأَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ، ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَّا عِنْدَ الظُّهْرِ.
(فَائِدَةٌ) : قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الظُّهْرُ بِالضَّمِّ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَمِنْهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ انْتَهَى. وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاةٍ ظَهَرَتْ أَوْ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ) الظِّلُّ فِي اللُّغَةِ السِّتْرُ، ثُمَّ الظِّلُّ يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ، وَالْفَيْءُ مُخْتَصٌّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَذَلِكَ الْمَيْلُ هُوَ الزَّوَالُ) هَذَا الْمَيْلُ
مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَالْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ أَيْ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَالْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَالْفَجْرَ فَأَسْفَرَ وَقَالَ: الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ:«صَلَّى بِي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ» أَيْ فَرَغَ مِنْهَا حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه نَافِيًا بِهِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي وَقْتٍ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ» . وَقَوْلُهُ:" حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " أَيْ حِينَ دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» .
(وَهُوَ) أَيْ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ (أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ) وَعِبَارَةُ الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ: وَبِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ (وَيَبْقَى) وَقْتُهُ (حَتَّى تَغْرُبَ) الشَّمْسُ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ «وَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَغْرُبْ الشَّمْسُ» وَإِسْنَادُهُ فِي مُسْلِمٍ. (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا نُؤَخِّرَ) بِالْفَوْقَانِيَّةِ (عَنْ) وَقْتِ (مَصِيرِ الظِّلِّ
ــ
[حاشية قليوبي]
ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَرَاجِعْهُ مِنْ أَمَاكِنِهِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ، وَاحْتِيَاجُهُ صلى الله عليه وسلم إلَى التَّعْلِيمِ هُنَا تَفْصِيلًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ أَعُطِيَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ إجْمَالًا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ أَلْفَ مُعْجِزَةٍ سِوَى الْقُرْآنِ وَفِيهِ سِتُّونَ أَلْفَ مُعْجِزَةٍ.
قَوْلُهُ: (حِينَ حُرِّمَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ صَوْمٌ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَنْدُوبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ حِينَ امْتَنَعَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَوْ نَفْلًا. قَوْلُهُ: (فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ) هُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ نَظَرًا إلَى حَقِيقَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، فَالصُّبْحُ مِنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ:(مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) أَيْ مَا بَيْنَ مُلَاصِقِ أَوَّلِ الْأُولَى مِمَّا قَبْلَهَا وَمُلَاصِقِ آخِرِ الثَّانِي مِمَّا بَعْدَهُ، وَهَذَا مِنْ التَّقْدِيرِ الَّذِي تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ خُصُوصًا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ فَيَجِبُ تَقْدِيرُهُ، وَالتَّأْوِيلُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ مَعَ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِالْمُرَادِ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه) فِيهِ خِرَازَةٌ بِاتِّحَادِ وَقْتِ الْفَرَاغِ وَالشُّرُوعِ فَالْمُرَادُ عَقِبَهُ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ صَلَّى بِي مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَعَمِّ مِنْ الشُّرُوعِ وَالْفَرَاغِ. قَوْلُهُ:(نَافِيًا بِهِ اشْتِرَاكَهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) رَدًّا لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَوَافَقَهُ الْمُزَنِيّ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَلِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ وَقْتُ الظُّهْرِ إلَّا بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيّ فِي ثَانِي قَوْلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) ضَمِيرُهُ عَائِدٌ إلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ التَّأْوِيلِ فَقُدِّمَ عَلَى عَكْسِهِ الَّذِي قِيلَ إنَّهُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ مِنْ حَمْلِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ مَثَلًا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (دَخَلَ وَقْتُ إفْطَارِهِ) أَيْ وَقَدْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ رَمَضَانَ كَانَ لَمْ يُفْرَضْ بَعْدُ إذًا الْمُرَادُ وَقْتُ الْإِفْطَارِ مِنْ مُطْلَقِ الصَّوْمِ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ (وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَالتَّسَمُّحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَنْهَجُ فِي كَلَامِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنْ شُمُولِ وَقْتِ الْجَوَازِ فِي كَلَامِهِمْ لِوَقْتِ الضَّرُورَةِ وَالْحُرْمَةِ.
قَوْلُهُ: (الْعَصْرِ) وَهُوَ لُغَةً الْعَشِيُّ وَهِيَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى فِي أَرْجَحِ الْأَقْوَالِ. قَوْلُهُ: (وَبِهِ يَدْخُلُ) أَيْ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بَلْ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تَغْرُبَ) أَيْ يَتِمَّ غُرُوبُهَا فَحَتَّى بِمَعْنَى إلَى فَمَا بَعْدَهَا خَارِجٌ وَشَمَلَ الْغُرُوبَ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا مَرَّ، وَلَوْ عَادَتْ بَعْدَ غُرُوبِهَا عَادَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَصَلَاتُهُ الْآنَ أَدَاءٌ كَمَا فِي قِصَّةِ الْإِمَامِ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَتَجِبُ إعَادَةُ الْمَغْرِبِ عَلَى مَنْ صَلَّاهَا وَقَضَاءُ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ وَلَوْ حُبِسَتْ اسْتَمَرَّ الْوَقْتُ. قَوْلُهُ:(وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ إلَخْ) دَفَعَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ
ــ
[حاشية عميرة]
طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ حُدُوثَ الظِّلِّ بَعْدَ فَقْدِهِ حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ أَوْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمَوْجُودِ فِيهَا، وَعِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ ثُمَّ إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ إلَى جَانِبِ الْمَغْرِبِ حَدَثَ ظِلٌّ فِي جَانِبِ الْمَشْرِقِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَقِيَ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ ظِلٌّ وَيَزْدَادُ إنْ كَانَ قَدْ بَقِيَ وَالتَّحَوُّلُ إلَى الْمَشْرِقِ بِحُدُوثِهِ أَوْ زِيَادَتِهِ هُوَ الزَّوَالُ الَّذِي بِهِ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالْعِشَاءُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) أَيْ مُنْتَهَاهُ إلَى الثُّلُثِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَأَسْفَرَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَدَخَلَ عَقِبَ الْفَرَاغِ فِي الْإِسْفَارِ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ كَمَا تَرَى أَنَّهُ أَوْقَعَهَا فِي الْإِسْفَارِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ مَصِيرُ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُدُوثِ زِيَادَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ لِأَنَّ خُرُوجَ وَقْتِ الظُّهْرِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ بِدُونِهَا، وَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَقِيلَ: فَاصِلَةٌ بَيْنَهُمَا.
(فَائِدَةٌ) الْعَصْرُ لُغَةً الْعَشِيُّ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمِنْهُ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ اهـ.
وَالْعَصْرَانِ الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَرَوَى
مِثْلَيْنِ) بَعْدَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَقَوْلِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا:«الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازٍ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، ثُمَّ وَقْتُ كَرَاهَةٍ أَيْ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَيْهِ.
(وَالْمَغْرِبُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْغُرُوبِ وَيَبْقَى حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ فِي الْقَدِيمِ) كَمَا سَيَأْتِي. وَاحْتَرَزَ بِالْأَحْمَرِ عَمَّا بَعْدَهُ مِنْ الْأَصْفَرِ ثُمَّ الْأَبْيَضِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُحَرَّرِ لِانْصِرَافِ الِاسْمِ إلَيْهِ لُغَةً. (وَفِي الْجَدِيدِ يَنْقَضِي بِمُضِيِّ قَدْرِ) زَمَنِ (وُضُوءٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَخَمْسِ رَكَعَاتٍ) لِأَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا.
وَلِلْحَاجَةِ إلَى فِعْلِ مَا ذَكَرَ مَعَهَا اعْتَبَرَ مُضِيَّ قَدْرِ زَمَنِهِ، وَالِاعْتِبَارُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ، وَسَيَأْتِي سَنُّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فِي وَجْهٍ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ اعْتِبَارُ سَبْعِ رَكَعَاتٍ:(وَلَوْ شَرَعَ) فِيهَا (فِي الْوَقْتِ) عَلَى الْجَدِيدِ (وَمَدَّ) بِالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا (حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ) مِنْ الْخِلَافِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ بَعْضِهَا عَنْ وَقْتِهَا مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أَدَاءٌ كَمَا سَيَأْتِي وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ، وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» ، صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ
ــ
[حاشية قليوبي]
مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَيْسَ مِنْ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: (وَالِاخْتِيَارُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ صلى الله عليه وسلم اخْتَارَ الصَّلَاةَ فِيهِ، أَوْ لِاخْتِيَارِ وُقُوعِهَا فِيهِ، أَوْ لِاخْتِيَارِ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. قَوْلُهُ:(بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا) ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ وَفِي الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ اخْتِلَافِ صَلَاةِ جِبْرِيلَ فِيهَا فِي الْيَوْمَيْنِ مَعَ قَوْلِ جِبْرِيلَ: الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ، بِخِلَافِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ. قَوْلُهُ:(وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازٍ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَمَعْنَى الْجَوَازِ فِيهِ جَوَازُ أَنْ تُؤَخَّرَ إلَيْهِ فَرَائِضُهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَدُّ قَطْعًا، بَلْ يَحْرُمُ الْإِتْيَانُ بِالْمَنْدُوبِ فِيهَا كَمَا مَرَّ، أَوْ فِي وَقْتٍ يَسَعُ فَرَائِضَهَا، فَفِي جَوَازِ مَدِّهِ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا جَوَازُهُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ، وَقُلْنَا إنَّهَا قَضَاءٌ، وَالثَّانِي عَدَمُ جَوَازِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ:(ثُمَّ وَقْتُ كَرَاهَةٍ) أَيْ حَتَّى يَبْقَى مَا يَسَعُهَا فَوَقْتُ حُرْمَةٍ ثُمَّ وَقْتُ ضَرُورَةٍ وَلَهَا وَقْتُ عُذْرٍ كَمَا مَرَّ فَلَهَا سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ
قَوْلُهُ: (وَالْمَغْرِبُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ لِفِعْلِهَا وَقْتَ الْغُرُوبِ إذْ الْغُرُوبُ لُغَةً الْبُعْدُ أَوْ وَقْتُهُ أَوْ مَكَانُهُ. قَوْلُهُ: (وُضُوءٍ) الْأَوْلَى طُهْرٌ لِيَشْمَلَ التَّيَمُّمَ وَالْغُسْلَ وَإِزَالَةَ النَّجَسِ عَنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ وَمَكَانٍ وَيُقَدَّرُ مُغَلَّظًا. قَوْلُهُ: (عَوْرَةٍ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (إلَى فِعْلِ إلَخْ) خَرَجَ بِهِ الْقَوْلُ وَسَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ) أَيْ لِغَالِبِ النَّاسِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، أَوْ لِفِعْلِ نَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ طُولُهُ تَارَةً وَقِصَرُهُ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَرَعَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ فِي وَقْتٍ لَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَإِنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فِي الْوَقْتِ قُلْنَا إنَّهَا أَدَاءٌ، وَإِذَا شَرَعَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ فَعَلَى الْجَوَازِ فِي غَيْرِهَا يَجُوزُ فِيهَا قَطْعًا،
ــ
[حاشية عميرة]
ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ) إنَّمَا احْتَاجَ إلَى هَذَا مَعَ حَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ السَّابِقِ لِصَرَاحَةِ هَذَا دُونَ ذَاكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ فَقَدَّرَ أَدْرَكَهَا لِمَعْنَى (وَجَبَتْ) . قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالِاخْتِيَارُ إلَخْ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِالْمُخْتَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ الرُّجْحَانِ أَيْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ بَاقِي الْوَقْتِ.
وَقَالَ فِي الْإِقْلِيدِ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاخْتِيَارِ جِبْرِيلَ إيَّاهُ، ثُمَّ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَصَنِيعُهُ يُفِيدُك أَنَّ جَمِيعَ وَقْتِ الظُّهْرِ اخْتِيَارٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي الْجَدِيدِ إلَخْ) قَالُوا وَذَلِكَ يَسَعُ الْعِشَاءَ لَوْ جَمَعْت مَعَهَا، فَإِنْ لَمْ يَسَعْ بِسَبَبِ الِاشْتِغَالِ بِالْأَسْبَابِ فَلَا جَمْعَ.
وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ: الْمَجْمُوعَتَانِ فِي مَعْنَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَالْمَغْرِبُ يَجُوزُ مَدُّهَا، وَسَلَفَ لَك مَا فِي مَعْنَاهَا وَنَقْضُهُ بِأَنَّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ مَدُّهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَسَتْرِ عَوْرَةٍ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ سَتْرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَأَفَادَ الْإِسْنَوِيُّ رحمه الله أَنَّ الْحُرَّةَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَقَطْ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: السُّورَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْفَرْضِ تَكُونُ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَدَّ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ) عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: وَمَدَّ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَهُوَ يَقْتَضِي الِاتِّسَاعَ فِيمَا بَعْدَ الشَّفَقِ بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ، قُلْت: عِبَارَةُ الْكِتَابِ أَحْسَنُ خِلَافًا لِابْنِ عَقِيبٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (عَلَى الْأَصَحِّ فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ) هَذَا الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ صُورَتُهُ مَا لَوْ أَخَّرَ غَيْرَ الْمَغْرِبِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ حَتَّى خَرَجَ بَعْضُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ كَمَا سَيَأْتِي، وَهَذَا هُوَ الْآتِي وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لِمَا سَتَعْرِفُهُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَأَيْضًا فَكَلَامُ الرَّوْضَةِ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ، قُلْت: فَمَا حُكْمُ تَأْخِيرِ غَيْرِ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ إذَا شَرَعَ فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا؟ قُلْت: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَأْثَمْ قَطْعًا، وَلَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَنَقَلَ مِنْ زَوَائِدِهِ عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي وَجْهًا قَائِلًا بِالْإِثْمِ،
الشَّيْخَيْنِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ
، وَقِرَاءَتُهُ لَهَا تَقْرُبُ مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ لِتَدَبُّرِهِ وَمَدِّهِ فِي الصَّلَاةِ إلَى ذَلِكَ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِهَا إلَيْهِ، وَعَلَى عَدَمِ امْتِدَادِهِ إلَيْهِ. وَبَنَاهُ قَائِلُ الثَّانِي عَلَى الِامْتِدَادِ فَقَطْ (قُلْت: الْقَدِيمُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَرَجَّحَهُ طَائِفَةٌ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: بَلْ هُوَ جَدِيدٌ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ثَبَتَتْ فِيهَا أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ.
(وَالْعِشَاءُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِمَغِيبِ الشَّفَقِ) أَيْ الْأَحْمَرِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ. (وَيَبْقَى إلَى الْفَجْرِ) أَيْ الصَّادِقِ وَسَيَأْتِي لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي امْتِدَادَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الْأُخْرَى مِنْ الْخَمْسِ، أَيْ غَيْرِ الصُّبْحِ لِمَا سَيَأْتِي فِي وَقْتِهَا (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مَحْمُولٌ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَعَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فِيهِ يَجْرِي فِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ كَغَيْرِهَا، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا يَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ، فَقَوْلُهُ وَمَدَّ أَيْ طَوَّلَ حَتَّى اسْتَغْرَقَ وَقْتَ الشَّفَقِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَدَّ الْمَخْصُوصَ لِأَنَّهُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ، وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ قَرُبَ مَغِيبُهُ، فَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ بَعْدُ نَظَرًا لِلْمُرَادِ هُنَا، وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَبَنَاهُ قَائِلُ الثَّانِي إلَخْ أَنَّهُ خَصَّ التَّطْوِيلَ بِالْمَدِّ الْمَخْصُوصِ، أَيْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ هَذَا صَرِيحُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَلَا يَتَّجِهُ فَهْمُ خِلَافِهِ وَمَا فِي غَالِبِ الشُّرُوحِ وَالْحَوَاشِي مِنْ مُخَالَفَتِهِ يَنْبَغِي، عَدَمُ الْمَيْلِ إلَيْهِ وَعَدَمُ التَّعْوِيلِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
قَوْلُهُ: (قُلْت الْقَدِيمُ أَظْهَرُ) وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْخَطَّابِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْعِجْلِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالطَّبَرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ، وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَمَّا اعْتَرَضَ بِهِ الْجَدِيدُ مِنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ بِأَنَّ جِبْرِيلَ إنَّمَا يُبَيِّنُ الْأَوْقَاتَ الْمُخْتَارَةَ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ فِي الْمَغْرِبِ مُسَاوٍ لِوَقْتِ الْفَضِيلَةِ.
نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ الظُّهْرُ لِمَا مَرَّ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ عِنْدَ قَوْمٍ، كَأَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ مَعَ غُرُوبِهِ اُعْتُبِرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ زَمَنٌ يَغِيبُ فِيهِ شَفَقُ أَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِمْ، أَيْ قَدْرُ ذَلِكَ، وَبِمُضِيِّ ذَلِكَ يُصَلُّونَ الْعِشَاءَ، وَيَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَعَ بَقَاءِ شَفَقِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِقَدْرِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ الْجُزْئِيَّةِ إلَى لَيْلِ الْبَلَدِ الْأَقْرَبِ، مِثَالُهُ لَوْ كَانَ الْبَلَدُ الْأَقْرَبُ مَا بَيْنَ غُرُوبِ شَمْسِهِ وَطُلُوعِهَا مِائَةَ دَرَجَةٍ وَشَفَقُهُمْ عِشْرُونَ مِنْهَا فَهُوَ خُمُسُ لَيْلِهِمْ فَخُمُسُ لَيْلِ الْآخَرِينَ هُوَ حِصَّةُ شَفَقِهِمْ، وَهَكَذَا طُلُوعُ فَجْرِهِمْ وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى عِبَارَتِهِ وَغَيْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَتِهِ وَتَحْرِيرِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقَدِيمُ فَلَهَا خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ حَقِيقَةً وَسَبْعَةُ أَوْقَاتٍ اعْتِبَارًا، وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ وَجَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَهُوَ أَوَّلُهُ بِقَدْرِ وَقْتِ الْجَدِيدِ، وَوَقْتُ جَوَازِ بِكَرَاهَةٍ إلَى أَنْ يَبْقَى مَا يَسَعُهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ بَعْدَهُ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَلَهَا وَقْتُ عُذْرٍ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَقْتًا آخَرَ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى وَقْتِ الْفَضِيلَةِ مِنْ وَقْتِ الْجَدِيدِ، وَسَمَّاهُ وَقْتَ جَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا عُلِمَ.
قَوْلُهُ: (ظَاهِرُهُ) أَيْ فَلَيْسَ صَرِيحًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ صَرِيحٌ لِأَنَّ نَفْيَ التَّفْرِيطِ يَلْزَمُهُ كَوْنُهَا فِي وَقْتِهَا وَهُوَ مَا قَبْلَ الْأُخْرَى إلَّا أَنْ يُقَالَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ فِي الْحَدِيثِ صَلَاةٌ مَعْهُودَةٌ فَلَا يَكُونُ فِيهِ لِعُمُومِ الْمُرَادِ مِنْ الدَّلِيلِ قَوْلُهُ (وَالْعِشَاءُ) وَهِيَ لُغَةً أَوَّلُ اللَّيْلِ، وَلَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ خِلَافًا لِمَنْ قَالَهُ. قَوْلُهُ:(الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ) فَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ إمَّا الذِّهْنِيُّ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ، أَوْ الذِّكْرِيُّ هُنَا لِتَقَدُّمِهِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ:(لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ) وَالْمَشَقَّةُ تُنَافِي الْوُجُوبَ لَا النَّدْبَ. قَوْلُهُ: (عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ) أَيْ الْأَوَّلِ، وَلِلْعِشَاءِ سَبْعَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةِ أَوَّلِهِ وَاخْتِيَارٍ إلَى آخِرِ
ــ
[حاشية عميرة]
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ رحمه الله: وَقِيَاسُ هَذَا الْجَزْمِ بِالْجَوَازِ فِي الْمَغْرِبِ؛ انْتَهَى.
قُلْت: لَعَلَّهَا فَارَقَتْ غَيْرَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِي عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِ بَعْضِهَا عَنْ الْوَقْتِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَذَهَبَ إلَيْهِ مُقِرُّ الْأَصَحِّ وَمِنْ ثَمَّ اتَّضَحَ لَك كَوْنُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ هُوَ تَأْخِيرُهُ غَيْرَ الْمَغْرِبِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ أَيْ إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ قُلْنَا فِي الْمَغْرِبِ إذَا خَرَجَ بَعْضُهَا بِالْمَدِّ خِلَافًا لِاخْتِصَاصِهَا عَنْ غَيْرِهَا بِكَوْنِهَا فُعِلَتْ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يُرَدُّ مَا عَسَاهُ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمَدَّ فِي الْمَغْرِبِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ غَيْرِهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ:(وَمَدُّهُ) هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ (وَالْعِشَاءُ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هُوَ اسْمٌ لِأَوَّلِ الظَّلَامِ سُمِّيَتْ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِيهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ) يُغْنِي هَذَا أَنْ يَقُولَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ثُلُثِ اللَّيْلِ) يَجُوزُ فِيهِ ضَمُّ اللَّامِ وَإِسْكَانُهَا وَالنِّصْفُ مُثَلَّثُ النُّونِ
عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. (وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ) لِحَدِيثِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَخَّرْت صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْقَوْلَ، وَكَلَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ.
(وَالصُّبْحُ) يَدْخُلُ وَقْتُهَا (بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ، وَهُوَ الْمُنْتَشِرُ ضَوْءُهُ مُعْتَرِضًا بِالْأُفُقِ) أَيْ نَوَاحِي السَّمَاءِ بِخِلَافِ الْكَاذِبِ، وَهُوَ يَطْلُعُ قَبْلَ الصَّادِقِ مُسْتَطِيلًا، ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ (وَيَبْقَى) الْوَقْتُ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ» وَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» . (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا تُؤَخِّرَ عَنْ الْإِسْفَارِ) لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ وَقَوْلِهِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ.
(قُلْت: يُكْرَهُ) تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً وَالْعِشَاءِ عَتَمَةً لِلنَّهْيِ عَنْ الْأَوَّلِ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ الْمَغْرِبِ» وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ، وَعَنْ الثَّانِي فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا تَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ أَلَا إنَّهَا الْعِشَاءُ» وَهُمْ يَعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِحِلَابِ الْإِبِلِ.
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَهَا الْعَتَمَةَ لِكَوْنِهِمْ يَعْتِمُونَ بِحِلَابِ الْإِبِلِ أَيْ يُؤَخِّرُونَهُ إلَى شِدَّةِ الظَّلَامِ. (وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ
ــ
[حاشية قليوبي]
ثُلُثِهِ، وَجَوَازٍ بِلَا كَرَاهِيَةٍ لِلْفَجْرِ الْأَوَّلِ وَبِكَرَاهَةٍ إلَى الْفَجْرِ الثَّانِي، وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَضَرُورَةٍ وَعُذْرٍ.
قَوْلُهُ: (وَالصُّبْحُ) بِالضَّمِّ وَيَجُوزُ فِيهِ الْكَسْرُ، وَهُوَ لُغَةً أَوَّلُ النَّهَارِ، وَيُقَالُ لَهُ الْفَجْرُ، وَتَسْمِيَتُهُ غَدَاةً خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ:(مُعْتَرِضًا) أَيْ فِي عُرْضِ الْأُفُقِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ فِيمَا بَيْنَ شِمَالِهِ وَجَنُوبِهِ، وَالْمُسْتَطِيلُ الصَّاعِدُ إلَى الْأَعْلَى إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ، وَالْعَرَبُ تُشَبِّهُهُ بِذَنَبِ السِّرْحَانِ بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ الذِّئْبِ، وَكَوْنُهُ تَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ غَالِبٌ. قَوْلُهُ:(حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) وَطُلُوعُهَا بِطُلُوعِ جُزْءٍ مِنْهَا بِخِلَافِ غُرُوبِهَا إلْحَاقًا لِلْخَفِيِّ بِالظَّاهِرِ بِخِلَافِهِ فِي الْكُسُوفِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَدَمُ صَلَاتِهِ غَالِبًا. قَوْلُهُ: (أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ الْإِسْفَارِ) أَيْ إلَيْهِ، فَعَنْ بِمَعْنَى إلَى، فَوَقْتُ الْإِسْفَارِ لَيْسَ مِنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ " فَأَسْفَرَ " أَيْ فَدَخَلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ الْجَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى الِاحْمِرَارِ، ثُمَّ بِكَرَاهَةٍ حَتَّى يَبْقَى مَا يَسَعُهَا، ثُمَّ حُرْمَةٍ، ثُمَّ ضَرُورَةٍ، فَلَهَا سِتَّةُ أَوْقَاتٍ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَمَا وَرَدَ مِنْ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ أَوْ خِطَابٌ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا بِهِ. قَوْلُهُ:(تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً) وَلَوْ مَعَ التَّغْلِيبِ أَوْ مَعَ وَصْفِهَا بِالْأَوْلَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي التَّغْلِيبِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْخَطِيبُ. قَوْلُهُ:(وَالْعِشَاءِ عَتَمَةً) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَقِيلَ خِلَافُ الْأَوْلَى، قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَصْلُ الْعَتَمَةِ الظُّلْمَةُ قَوْلُهُ:(وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ فِعْلِهَا وَبَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا إلَّا لِغَلَبَةِ نَوْمٍ فَلَا يُكْرَهُ وَإِلَّا لَظَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْوَقْتِ بِالنَّوْمِ، فَيَحْرُمُ وَيَجِبُ إيقَاظُهُ عَلَى مَنْ عَلِمَ
ــ
[حاشية عميرة]
وَيُقَالُ فِيهِ نَصِيفٌ عَلَى وَزْنِ رَغِيفٍ، وَقَالُوا أَيْضًا فِي الْخُمْسِ خَمِيسٌ، وَكَذَا فِي الثُّمْنِ وَالتُّسْعِ وَالْعُشْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّبْعِ وَالسُّدْسِ وَالسُّبْعِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ فِي الثُّلْثِ شَيْئًا، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدَّمَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى الْقَوْلِ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ حَدِيثَهُ ثَابِتٌ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: لِأَنَّهُ تَضَافَرَ عَلَيْهِ خَبَرُ جِبْرِيلَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَبَرِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: وَلَهَا وَقْتُ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالصُّبْحُ بِالْفَجْرِ الصَّادِقِ) أَيْ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا هَذَا الْعَارِضُ لِعَمُودِ الصُّبْحِ حَتَّى يَسْتَطِيرَ» وَالصُّبْحُ بِالضَّمِّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَفِيهِ لُغَةٌ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَوَّلُ النَّهَارِ سُمِّيَتْ بِهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(مُسْتَطِيلًا) هَذَا تُشَبِّهُهُ الْعَرَبُ بِذَنَبِ الذِّئْبِ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِطَالَةُ، وَكَوْنُ النُّورِ فِي أَعْلَاهُ. قَوْلُ الشَّارِحِ:(لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ) قَدَّمَ هَذَا عَلَى حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ مِنْهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَنْ الْإِسْفَارِ) أَيْ الْإِضَاءَةِ، يُقَالُ: سَفَرَ الصُّبْحُ وَأَسْفَرَ، وَيَجِبُ حَمْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ عَنْ بِمَعْنَى إلَى لِتَوَافُقِ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، أَوْ يُرَادُ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْإِسْفَارِ فَإِنَّهَا إذَا وَقَعَتْ فِيهِ صَدَقَ أَنَّهَا أُخِّرَتْ عَنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لَكِنَّ هَذَا الْخَبَرَ يَقْتَضِي أَنَّ مُقَارَنَةَ آخِرِهَا لِلْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الِاخْتِيَارِ، فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بَلْ مُتَعَيِّنٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (قُلْت يُكْرَهُ إلَخْ) أَيْ وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَهُوَ خِطَابٌ مَعَ مَنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَتَمَةٌ) هِيَ فِي اللُّغَةِ شِدَّةُ الظُّلْمَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالنَّوْمُ قَبْلَهَا) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: سِيَاقُ كَلَامِهِمْ يُشْعِرُ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا يَعْرِضُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ الْفِعْلِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ أَيْضًا قَبْلَهُ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ يَعْنِي