الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ بِالتَّنْوِينِ (شُرُوطُ الصَّلَاةِ) وَهِيَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ مِنْهَا (خَمْسَةٌ) أَوَّلُهَا (مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ) يَقِينًا أَوْ ظَنًّا كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، أَيْ الْعِلْمُ بِدُخُولِهِ أَوْ ظَنُّهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، فَمَنْ صَلَّى بِدُونِ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْوَقْتِ (وَ) ثَانِيهَا (الِاسْتِقْبَالُ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِهِ
(وَ) ثَالِثُهَا (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) صَلَّى فِي الْخَلْوَةِ أَوْ غَيْرِهَا، فَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ) لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ، وَإِذَا
ــ
[حاشية قليوبي]
بَابٌ بِالتَّنْوِينِ لِقَطْعِهِ عَمَّا بَعْدَهُ وَيَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَى نِيَّةِ الْإِضَافَةِ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهُ، وَعَلَى كُلٍّ هُوَ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ أَوْ عَكْسُهُ، وَالْمَذْكُورُ فِيهِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ وَمَوَانِعُهَا وَآخِرُهُ عَمَّا قَبْلَهُ، مَعَ أَنَّ الشُّرُوطَ تَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ أَمَّا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا مُقَارَنَتُهَا لَهُ، أَوْ لِضَمِّهِ الْمَوَانِعَ إلَيْهَا، وَهِيَ لَا يُتَصَوَّرُ تَقْدِيمُهَا. قَوْلُهُ:(شُرُوطُ الصَّلَاةِ) هِيَ جَمْعُ شَرْطٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، وَيُجْمَعُ الْمَفْتُوحُ أَيْضًا عَلَى شَرَائِطَ وَأَشْرَاطٍ، وَيُقَالُ لَهُ شَرِيطَةٌ وَالشَّرْطُ لُغَةً: الْعَلَامَةُ، وَشَرْعًا: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمَ لِذَاتِهِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُرَادَ بِالْعَدَمِ فِي أَوَّلِهِ مَا يَعُمُّ عَدَمَ الصِّحَّةِ، كَالْقَادِرِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَمْدُ الْإِجْزَاءِ، كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَخَرَجَ بِهِ السَّبَبُ، فَإِنَّهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ، وَخَرَجَ بِآخِرِهِ الْمَانِعُ فَإِنَّهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَإِخْرَاجُهُ بِهَذَا أَنْسَبُ مِنْ إخْرَاجِهِ بِأَوَّلِهِ، وَقَيْدٌ لِذَاتِهِ. زَادَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ، لَيَدْخُلَ الشَّرْطُ الْمُقَارِنُ لِلسَّبَبِ أَوْ الْمَانِعُ، فَإِنَّ لُزُومَ الْوُجُودِ لِلْأَوَّلِ وَالْعَدَمَ لِلثَّانِي لِمُقَارَنَةِ مَا ذُكِرَ، لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَذِكْرُهُ إيضَاحٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ كَذَا كَذَا، يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَرَتُّبُهُ عَلَيْهِ، وَصُدُورُهُ عَنْهُ وَخَصَّ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ ذَلِكَ الْقَيْدَ، بِشَطْرِ التَّعْرِيفِ الثَّانِي، وَالْوَجْهُ رُجُوعُهُ لِأَوَّلِهِ أَيْضًا لِيَدْخُلَ، فَقْدُ الشَّرْطِ الْمُقَارِنِ لِمُوجِبٍ، كَصَلَاةِ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ، فَإِنَّ صِحَّتَهُمَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ لَا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا فَتَأَمَّلْ. وَعَدُّ الْمَوَانِعِ مِنْ الشُّرُوطِ مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ، وَهُوَ مَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَوْلَى لِصِدْقِ تَعْرِيفِ الشَّرْطِ السَّابِقِ، عَلَيْهِ، لِأَنَّ عَدَمَ الْعَدَمِ وُجُودٌ وَقَوْلُهُمْ مَفْهُومُ الشَّرْطِ وُجُودِيٌّ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَمَا وُجِّهَ بِهِ الْأَوَّلُ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ الْمَوَانِعِ شُرُوطًا، بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ نَاسِيًا لِأَنَّ الشُّرُوطَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا النِّسْيَانُ، مَرْدُودٌ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا دَخَلَ فِي الشَّرْطِ، كَمَا لَمْ يَدْخُلْ النَّجِسُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ فَتَأَمَّلَ. قَوْلُهُ:(خَمْسَةٌ) أَيْ بِعَدَمِ عَدِّ الْمَوَانِعِ شُرُوطًا وَإِلَّا فَهِيَ تِسْعَةٌ، كَمَا عَدَّهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَذَلِكَ وَلَمْ يَعُدُّوا الْإِسْلَامَ، وَالتَّمْيِيزَ اكْتِفَاءً عَنْهُمَا بِطُهْرِ الْحَدَثِ، وَلَا يَرِدُ بَقَاءُ طَهَارَةِ الْمُرْتَدِّ، لِأَنَّهُ قَطْعٌ فِي الدَّوَامِ وَلَا طَهَارَةُ نَحْوِ الْوَلِيِّ لِغَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَالصَّبِيِّ لِطَوَافِهِ لِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ فِي النِّيَّةِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا نِيَّةُ الْكَافِرِ فِي نَحْوِ الْكَفَّارَةِ، وَنِيَّةُ الْكَافِرَةِ فِي الطُّهْرِ مِنْ نَحْوِ الْحَيْضِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي نِيَّةِ التَّقَرُّبِ، لَا نِيَّةِ التَّمْيِيزِ، وَلَمْ يَعُدُّوا الْعِلْمَ بِالْكَيْفِيَّةِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مُطْلَقًا، فَإِنَّ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَأَقْوَالِهَا فَرْضٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا، أَوْ أَنَّ جَمِيعَهَا نَفْلٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا، أَوْ أَنَّ بَعْضَهَا فَرْضٌ وَبَعْضَهَا نَفْلٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِفَرْضٍ نَفْلًا، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْعَامِّيُّ وَالْمُتَفَقِّهُ، وَخَصَّهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِالْعَامِّيِّ لِيَخْرُجَ الْمُتَفَقِّهُ، وَهُوَ مَنْ عَرَفَ مِنْ الْعِلْمِ طَرَفًا يَهْتَدِي بِهِ إلَى بَاقِيه، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْفَرْضِ مِنْ السُّنَّةِ حَقِيقَةً، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْعِلْمُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْرِفَةِ مَا يَعُمُّ الْعِلْمَ وَالظَّنَّ، وَأَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافًا مَحْذُوفًا هُوَ الْمَقْصُودُ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ) وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مَا لَهُ نِيَّةٌ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى الْجَزْمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، كَالْأَذَانِ وَفِطْرِ رَمَضَانَ.
قَوْلُهُ: (وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ) وَهِيَ لُغَةً النَّقْصُ وَالْمُسْتَقْبَحُ عَنْ الْأَعْيُنِ، وَلَوْ مِنْ الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ)
ــ
[حاشية عميرة]
[بَاب شُرُوطُ الصَّلَاةِ]
ِ إلَخْ قَوْلُ الْمَتْنِ: (شُرُوطُ الصَّلَاةِ) الشَّرْطُ فِي اللُّغَةِ الْإِلْزَامُ كَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لَا الْعَلَامَةُ كَمَا فِي الْإِسْنَوِيِّ وَالشَّرَطُ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْعَلَامَةُ وَجَمْعُهُ أَشْرَاطٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْعِلْمُ بِدُخُولِهِ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ مَا تَصْدُقُ بِهِ الْعِبَارَةُ الْأُولَى مِنْ تَصَوُّرِ حَقِيقَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ) هِيَ فِي اللُّغَةِ النُّقْصَانُ وَالْمُسْتَقْبَحُ وَسُمِّيَ بِهَا الْمِقْدَارُ الْآتِي لِقُبْحِ ظُهُورِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ)
زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا تَنْظُرُ إلَى عَوْرَتِهِ، وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، (وَكَذَا الْأَمَةُ) عَوْرَتُهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (فِي الْأَصَحِّ) إلْحَاقًا لَهَا بِالرَّجُلِ، وَالثَّانِي عَوْرَتُهَا كَالْحُرَّةِ إلَّا رَأْسَهَا، أَيْ عَوْرَتُهَا مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَالرَّأْسَ، وَالثَّالِثُ عَوْرَتُهَا مَا لَا يَبْدُو مِنْهَا فِي حَالِ خِدْمَتِهَا، بِخِلَافِ مَا يَبْدُو كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ وَالسَّاعِدِ وَطَرَفِ السَّاقِ، وَسَوَاءٌ الْقِنَّةُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتِبَةُ وَالْمُسْتَوْلَدَةُ وَكَذَا الْمُبَعَّضَةُ
(وَ) عَوْرَةُ (الْحُرَّةِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) ظَهْرِهِمَا وَبَطْنِهِمَا إلَى الْكُوعَيْنِ قَالَ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ (وَشَرْطُهُ) أَيْ السَّاتِرُ
ــ
[حاشية قليوبي]
بِخِلَافِ الْعَاجِزِ عَنْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُ جَمِيعِ أَرْكَانِ صَلَاتِهِ، كَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَمِنْهُ احْتِيَاجُهُ لِفَرْشِ سُتْرَتِهِ عَلَى نَجَسٍ مَحْبُوسٍ عَلَيْهِ، أَوْ تَنَجُّسُهَا مَعَ عَجْزِهِ عَنْ مَاءٍ يَغْسِلُهَا بِهِ، أَوْ مَنْ يَغْسِلُهَا لَهُ، أَوْ عَنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَيَجِبُ قَطْعُ ثَوْبِهِ إنْ لَمْ يَنْقُصْ بِقَطْعِهِ قَدْرًا زَائِدًا عَنْ أُجْرَةِ ثَوْبٍ يُصَلِّي فِيهِ، وَلَا نَظَرَ لِثَمَنِ مَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَا يُبَاعُ فِيهَا مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ. قَوْلُهُ:(وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ) أَيْ الذَّكَرِ، يَقِينًا وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ يَطُوفُ الْوَلِيُّ بِهِ. قَوْلُهُ:(مَا بَيْنَ. . . إلَخْ) شَمِلَ الْبَشَرَةَ وَالشَّعْرَ وَإِنْ خَرَجَ بِالْمَدِّ عَنْ الْعَوْرَةِ، وَقِيلَ عَوْرَةُ الرَّجُلِ سَوْأَتَاهُ فَقَطْ، وَخَرَجَ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ فَلَيْسَتَا مِنْ الْعَوْرَةِ، لَكِنْ يَجِبُ سَتْرُ الْجُزْءِ الْمُلَاصِقِ مِنْهُمَا لَهَا، لِتَمَامِ سَتْرِهَا الْوَاجِبِ، وَكَذَا عَوْرَتُهُ مَعَ النِّسَاءِ الْمَحَارِمِ أَوْ مَعَ الرِّجَالِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا مَعَ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ فَجَمِيعُ بَدَنِهِ، وَأَمَّا فِي الْخَلْوَةِ فَسَوْأَتَاهُ.
(فَائِدَةٌ) السُّرَّةُ مَحَلُّ الْقَطْعِ وَالسِّرُّ مُثَلَّثُ الْأَوَّلِ هُوَ مَا يُقْطَعُ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (عَوْرَتُهَا) أَيْ الْأَمَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَا مَعَ الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ، أَوْ النِّسَاءِ وَأَمَّا مَعَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ، فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ، وَفِي الْخَلْوَةِ كَالرَّجُلِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: كَالْحُرَّةِ وَسَيَأْتِي وَلَوْ عَتَقَتْ فِي صَلَاتِهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ مَثَلًا، لَمْ تَبْطُلْ إنْ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْ سُتْرَتِهَا أَوْ سَتَرَتْهَا فَوْرًا بِلَا فِعْلٍ كَثِيرٍ، وَبِلَا اسْتِدْبَارِ قِبْلَةٍ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَإِنْ جَهِلَتْ الْعِتْقَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا سَيِّدُهَا إنْ صَلَّيْت صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْت حُرَّةٌ، قَبْلَهَا فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ، صَحَّتْ صَلَاتُهَا مُطْلَقًا، وَعَتَقَتْ إنْ عَجَزَتْ عَنْ السِّتْرِ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُهُ:(وَكَذَا الْمُبَعَّضَةُ) فَصَّلَهَا لِأَنَّ فِيهَا وَجْهًا أَنَّهَا كَالْحُرَّةِ مُطْلَقًا، كَمَا فِي الْإِسْنَوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَقِيلَ لَيْسَ بَاطِنُ قَدَمَيْهَا مِنْ الْعَوْرَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ النِّسَاءِ الْكَافِرَاتِ، فَمَا لَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ وَأَمَّا عِنْدَ النِّسَاءِ الْمُسْلِمَاتِ وَالرِّجَالِ الْمَحَارِمِ فَكَالرَّجُلِ وَأَمَّا عِنْدَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ فَجَمِيعُ الْبَدَنِ، وَأَمَّا فِي الْخَلْوَةِ فَكَالْمَحَارِمِ وَقِيلَ كَالرَّجُلِ.
(تَنْبِيهٌ) عَوْرَةُ الْخُنْثَى الرَّقِيقِ لَا تَخْتَلِفُ، وَالْخُنْثَى الْحُرُّ كَالْأُنْثَى الْحُرَّةِ، ابْتِدَاءً وَكَذَا دَوَامًا، عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَخَالَفَهُ الْخَطِيبُ، وَشَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ، وَاعْتَمَدُوا أَنَّهُ لَوْ انْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْهُ، مِنْ غَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بَعْدَ إحْرَامِهِ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِلشَّكِّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الِانْعِقَادِ، كَمَا فِي الْجُمُعَةِ لَوْ كَانَ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَفَرَّقَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، بِأَنَّ الشَّكَّ هُنَا فِي شَرْطٍ رَاجِعٌ لِذَاتِهِ، وَذَاكَ فِي شَرْطٍ رَاجِعٌ لِغَيْرِهِ، لَا يُجْدِي نَفْعًا لِمَنْ تَأَمَّلَهُ فَرَاجِعْهُ.
(فَرْعٌ) يَجُوزُ التَّكَشُّفُ فِي الْخَلْوَةِ لِأَدْنَى غَرَضٍ كَتَبَرُّدٍ وَكَنْسِ تُرَابٍ وَتَنَظُّفٍ وَخَوْفِ غُبَارٍ سَوَاءً الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ وَلَا يَجِبُ سِتْرُ عَوْرَةِ الشَّخْصِ عَنْ نَفْسِهِ مُطْلَقًا، إلَّا فِي الصَّلَاةِ لِأَجْلِهَا.
(فَائِدَةٌ) قَالَ الْقَفَّالُ: لَمَّا كَانَ لِلتَّمَثُّلِ بَيْنَ يَدَيْ كَبِيرٍ مِنْ الْعِبَادِ، يُتَجَمَّلُ بِطَهَارَةِ الثِّيَابِ وَالْبَدَنِ، فَبَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِبَادِ أَوْلَى
ــ
[حاشية عميرة]
الْمُرَادُ بِهِ مُقَابِلُ الْمَرْأَةِ فَيَدْخُلُ الصَّبِيُّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لَكِنْ فَائِدَةُ ذَلِكَ إذَا أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْهُ فَيَجِبُ السَّتْرُ فِي الطَّوَافِ.
(فَائِدَةٌ) السُّرَّةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْهُ السِّرُّ وَهُوَ الَّذِي تَقْطَعُهُ الْقَابِلَةُ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ سِرٌّ عَلَى وَزْنِ فِعْلٍ وَسِرَرٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَسَرَرٌ بِفَتْحِهَا يُقَالُ عَرَفْتُك قَبْلَ أَنْ يُقْطَعَ سِرُّك وَلَا يُقَالُ سُرَّتُك لِأَنَّهَا لَا تُقْطَعُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. قَوْلُهُ: (إلْحَاقًا لَهَا بِالرَّجُلِ) بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ نَعَمْ يَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ لَنَا وَجْهًا بِأَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ خَاصَّةً وَهَذَا لَا يَجْرِي فِي الْأَمَةِ. قَوْلُهُ: (فِي حَالِ خِدْمَتِهَا) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْحُرَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُفَسَّرٌ إلَى آخِرِهِ) وَلِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مِنْ الْعَوْرَةِ مَا وَجَبَ كَشْفُهُمَا فِي الْإِحْرَامِ.
(فَائِدَةٌ) صَوْتُ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يَحْرُمُ سَمَاعُهُ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ لَوْ جَهَرَتْ وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى رِقًّا
(مَا مَنَعَ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ وَلَوْ) هُوَ (طِينٌ وَمَاءٌ كَدِرٌ) كَأَنْ صَلَّى فِيهِ عَلَى جِنَازَةٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي السِّتْرِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا (وَالْأَصَحُّ) عَلَى الْأَوَّلِ (وُجُوبُ التَّطَيُّنِ عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ) وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالتَّلْوِيثِ، وَلَا يَكْفِي مَا يُدْرَكُ مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ كَالثَّوْبِ الرَّقِيقِ وَالْغَلِيظِ الْمُهَلْهَلِ النَّسْجِ وَالْمَاءِ الصَّافِي لِلْعَوْرَةِ (لَا أَسْفَلَهُ) لَهَا فَسَتْرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ.
(فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (مِنْ جَيْبِهِ) أَيْ طَوْقِ قَمِيصِهِ لَسِعَتِهِ (فِي رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ) السِّتْرُ بِهَا الْقَمِيصَ (فَلْيَزُرَّهُ أَوْ يَشُدَّ وَسَطَهُ) بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْحِ الدَّالِ وَالسِّينِ فِي الْأَحْسَنِ حَتَّى لَا تُرَى عَوْرَتُهُ مِنْهُ وَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ ذَيْلِهِ بِأَنْ كَانَ فِي عُلُوٍّ وَالرَّائِي فِي سُفْلٍ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَمَعْنَى رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ فِي الْقِسْمَيْنِ كَانَتْ بِحَيْثُ تُرَى وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُمِرَ بِهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ هَلْ تَنْعَقِدُ ثُمَّ تَبْطُلُ عِنْدَ الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَأَحْرَى. قَوْلُهُ: (مَا مَنَعَ) أَيْ جُرْمٌ مَنَعَ كَمَا سَيَأْتِي، وَجَعْلُ مَا مَصْدَرِيَّةً، لِأَجْلِ صِحَّةِ الْحَمْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ نَحْوَ الظُّلْمَةِ، وَدَخَلَ فِي الْجُرْمِ الْحَرِيرُ لِلرَّجُلِ، وَإِنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ، بِأَنْ وَجَدَ غَيْرَهُ وَلَوْ طِينًا وَحَشِيشًا، وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ مَا زَادَ عَلَى الْعَوْرَةِ مِنْهُ، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ النَّجِسُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَيُقَدَّمُ غَيْرُ الْحَرِيرِ فِيهَا، وَلَوْ نَحْوُ طِينٍ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ. وَيُقَدَّمُ الْحَرِيرُ عَلَى الْمَغْصُوبِ، وَمِنْ الْجُرْمِ خَيْمَةٌ خَرَقَهَا فِي عُنُقِهِ، وَجَبَ ضِيقُ الرَّأْسِ وَحُفْرَةٌ كَذَلِكَ، وَكَذَا أَرْضٌ لِمُضْطَجِعٍ، أُسْبِلَ فَوْقَهُ ثَوْبٌ، قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَنُوزِعَ فِيهِ لَكِنْ يَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهَا قَطْعًا فِي بَاطِنِ قَدَمَيْ الْمَرْأَةِ الْوَاقِفَةِ، وَيَكْفِي إرْخَاءُ ذَيْلِهَا عَلَى الْأَرْضِ، فَإِنْ تَقَلَّصَ حَالَةَ رُكُوعِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهَا، وَيَجِبُ قَبُولُ عَارِيَّةِ السُّتْرَةِ وَاسْتِئْجَارُهَا، وَسُؤَالُهَا إنْ جَوَّزَ الْإِعْطَاءَ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا، وَلَا يَجِبُ قَبُولُ هِبَتِهَا وَلَا قَرْضِهَا، وَلَوْ مِنْ نَحْوِ طِينٍ فِيهِمَا وَلَا ثَمَنِهَا مُطْلَقًا، وَيَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يَصِحُّ لَوْ وَقَعَ وَلَا صَلَاتِهِ عَارِيًّا، وَيَحْرُمُ غَصْبُهَا مِنْ مَالِكِهَا إلَّا لِنَحْوِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مُضِرٍّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ هُوَ طِينٌ) فَطِينٌ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٍ لِ (كَانَ) فَلَا اعْتِرَاضَ، بِأَنَّ لَوْ تَخْتَصُّ بِالْأَفْعَالِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ نَصْبُ طِينًا خَبَرًا لَكَانَ. قَوْلُهُ:(عَلَى جِنَازَةٍ) أَيْ أَوْ غَيْرِهَا وَأَمْكَنَهُ إتْمَامُ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ فِي الْمَاءِ، بِلَا مَشَقَّةٍ.
قَالَ الْخَطِيبُ وَابْنُ حَجَرٍ، وَلَهُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ عَلَى الْبَرِّ عَارِيًّا بِلَا إعَادَةٍ فَإِنْ كَانَ مَشَقَّةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا بِالْأُولَى، وَيُخَيَّرُ فِي هَذِهِ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بَيْنَ مَا ذُكِرَ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَاءِ بِالْإِيمَاءِ، أَوْ بِالْخُرُوجِ لِيَسْجُدَ عَلَى الْبَرِّ وَيَعُودَ إلَى الْمَاءِ وَلَا إعَادَةَ فِيهِمَا أَيْضًا. قَوْلُهُ:(عَلَى فَاقِدِ الثَّوْبِ) أَيْ فَاقِدِ السُّتْرَةِ وَلَوْ بِغَيْرِ الثَّوْبِ، وَهِيَ الْمُرَادُ بِهِ وَيَظْهَرُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي مَحِلِّ فَقْدِهَا مَا قِيلَ فِي فَقْدِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَلَا يَكْفِي إلَخْ) لَكِنْ يَجِبُ السِّتْرُ بِالثَّوْبِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ، وَلَوْ مِنْ الطِّينِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِدُونِهِ مَعَ وُجُودِهِ، لِأَنَّهُ الْمَيْسُورُ، وَخَرَجَ بِلَوْنِ الْبَشَرَةِ مَا يَحْكِي حَجْمَهَا كَالسَّرَاوِيلِ، فَلَا يَضُرُّ بَلْ يَجِبُ السَّتْرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا وَحْدَهُ فِي الْمَرْأَةِ، وَخِلَافُ الْأُولَى فِي الرَّجُلِ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ الْجِلْدَةِ، وَيُقَالُ لِبَاطِنِهِ أَدَمَةٌ. قَوْلُهُ:(وَالْمَاءُ الصَّافِي وَالزُّجَاجُ) لَا يَكْفِي. وَكَذَا لَوْنُ الْحِبْرِ وَالْحِنَّاءِ وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ: (فَسَتْرُ) مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ، فَالْمَعْنَى يَجِبُ أَنْ يَسْتُرَ أَعْلَى السَّاتِرِ وَجَوَانِبِهِ وَالْعَوْرَةَ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مُضَافًا إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ يَجِبُ أَنْ يَسْتُرَ الْمُصَلِّي أَعْلَاهُ، وَجَوَانِبَهُ أَيْ أَعْلَى عَوْرَتِهِ وَجَوَانِبِهَا، وَهَذَا وَإِنْ احْتَاجَ إلَى مُضَافٍ أَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ، لِمَا لَا يَخْفَى وَيَجِبُ سَتْرُهَا حَتَّى عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَرَهَا هُوَ كَالْأَعْمَى أَوْ لَمْ يَرَهَا غَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ جَيْبِهِ) وَكَذَا مِنْ كُمِّهِ الْوَاسِعِ، فَيَجِبُ إرْخَاؤُهُ وَلَوْ رُئِيَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْإِرْخَاءِ، لَمْ يَضُرَّ كَمَا فِي كُمِّ الْمَرْأَةِ الْوَاصِلِ إلَى ذَيْلِهَا، بِخِلَافِ الْقَصِيرِ لِنَحْوِ الرُّسْغِ. قَوْلُهُ:(فِي الْأَحْسَنِ) أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ أَمَّا الثَّالِثُ فَلِعَدَمِ صَلَاحِيَّةٍ بَيِّنٍ فِيهِ بِعَدَمِ تَعَدُّدٍ، فَالْأَصَحُّ مَعَ صَلَاحِيَّتِهَا السُّكُونُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِخِفَّتِهِ وَمُقَابِلُ الْأَحْسَنِ فِيهِ الضَّمُّ، وَلَا يَجُوزُ الْكَسْرُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمُنَاسَبَةِ الْوَاوِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ إشْبَاعِ ضَمَّةِ الْهَاءِ، وَالْأَصَحُّ فِي هَذَا الْوُجُوبُ، خِلَافًا لِثَعْلَبٍ فِي تَجْوِيزِهِ الْكَسْرَ وَالْفَتْحَ أَيْضًا. نَظَرًا إلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ الْوَاوِ مَا لَا يُنَاسِبُهَا. قَوْلُهُ:(مِنْ ذَيْلِهِ) أَيْ فِي قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، سَوَاءً رَآهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ، لَا لِنَقْصِ ثَوْبِهِ بَلْ لِنَحْوِ جَمْعِ ذَيْلِهِ عَلَى عَقِبَيْهِ. فَلَوْ قَالَ كَانَ إلَخْ. كَانَ أَوْلَى وَلَعَلَّهُ قَصَرَهُ لِكَوْنِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ:(فِي الْقِسْمَيْنِ) هُمَا الْجَيْبُ وَالذَّيْلُ.
ــ
[حاشية عميرة]
وَحُرِّيَّةً. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَا مَنَعَ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَوْنُ الْبَشَرَةِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ جُرْمٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا يَصِفُ الْحَجْمَ دُونَ اللَّوْنِ كَالسَّرَاوِيلِ الضَّيِّقَةِ فَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى لِلرَّجُلِ وَفِيهِ وَجْهٌ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْبَشَرَةُ) هِيَ ظَاهِرُ الْجِلْدِ وَالْبَاطِنُ يُسَمَّى أَدَمَةً. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ طِينٌ) أَيْ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الثَّوْبِ. قَوْلُهُ: (أَيْ السَّاتِرُ) أَيْ وَلَيْسَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الشَّخْصِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ جَيْبِهِ) يُقَالُ: جُبْت الْقَمِيصَ أُجِيبُهُ وَأَجُوبُهُ إذَا قَوَّرْته. قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الرَّاءِ)
أَوْ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَيَكْفِي سَتْرُ مَوْضِعِ الْجَيْبِ قَبْلَهُ (وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِحُصُولِ مَقْصُودِ السَّتْرِ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ السَّوْأَةِ وَالثَّانِي يَقُولُ بَعْضٌ لَا يُعَدُّ سَاتِرًا لَهُ وَيَكْفِي بِيَدِ غَيْرِهِ قَطْعًا وَإِنْ ارْتَكَبَ بِهِ مُحَرَّمًا قَالَهُ فِي الْكِفَايَةِ.
(فَإِنْ وَجَدَ كَافِي سَوْأَتَيْهِ) أَيْ قُبُلِهِ وَدُبُرِهِ (تَعَيَّنَ لَهُمَا) لِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَسُمِّيَا سَوْأَتَيْنِ لِأَنَّ انْكِشَافَهُمَا يَسُوءُ صَاحِبُهُمَا (أَوْ) كَافِي (إحْدَاهُمَا فَقُبُلُهُ) يُسْتَرُ لِأَنَّهُ لِلْقِبْلَةِ (وَقِيلَ) يُسْتَرُ (دُبُرَهُ) لِأَنَّهُ أَفْحَشُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ) بَيْنَهُمَا لِتَعَارُضِ الْمَعْنَيَيْنِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ قُبُلَهُ وَقِيلَ دُبُرَهُ وَقِيلَ أَيَّهمَا شَاءَ وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى يَدُلُّ الْوُجُوبُ فِيهِمَا الِاسْتِحْبَابَ فَعَلَى الْوُجُوبِ لَوْ عَدَلَ فِيهِمَا إلَى غَيْرِ السَّوْأَتَيْنِ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إلَى الدُّبُرِ وَعَلَى الثَّانِي إلَى الْقُبُلِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَصِحُّ.
(وَ) رَابِعُ الشُّرُوطِ (طَهَارَةُ الْحَدَثِ) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا عِنْدَ إحْرَامِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ مُتَطَهِّرًا (فَإِنْ سَبَقَهُ) الْحَدَثُ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ (وَفِي الْقَدِيمِ) لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (بِحَيْثُ تُرَى) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ وَجَّهَ النَّاظِرُ نَظَرَهُ إلَيْهَا لَرَآهَا عَلَى حَالَتِهَا الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، سَوَاءً رُئِيَتْ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا. قَوْلُهُ:(أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ قَصَدَ حَالَ إحْرَامِهِ، أَنَّهُ لَا يَزُرْهُ مَثَلًا فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، لَمْ تَنْعَقِدْ نِيَّتُهُ فَلْيُحَرَّرْ. قَوْلُهُ (وَلَهُ) أَيْ يَكْفِيه أَخْذًا مِنْ مُقَابِلِهِ. فَهُوَ وَاجِبٌ بِيَدِهِ وَيَكْفِيه بِيَدِ غَيْرِهِ، وَإِنْ حَرُمَ وَلَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَا مَعَ الْحُرْمَةِ، وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْبَعْضُ الْمَكْشُوفُ، قَدْرَ يَدِهِ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ جَمِيعَ الْعَوْرَةِ، وَخَصَّ شَيْخُنَا الْوُجُوبَ بِالْأَوَّلِ، وَفِي الْعُبَابِ يَجِبُ عَلَى الْعَارِي، وَضْعُ ظَهْرِ إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى قُبُلِهِ، وَالْأُخْرَى عَلَى دُبُرِهِ، وَلَمْ يَرْتَضِيه شَيْخُنَا وَإِذَا سَتَرَ بِيَدِهِ سَقَطَ عَنْهُ، وُجُوبُ وَضْعِهَا عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ، بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُرَاعَاةً لِلسَّتْرِ، لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَتَبِعَهُ الْخَطِيبُ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِوُجُوبِ الْوَضْعِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ، لِأَنَّهُ الْآنَ عَاجِزٌ عَنْ السَّتْرِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ يُتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا لِتَعَارُضِ الْوَاجِبَيْنِ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَعَارَضَ الْقِيَامُ أَوْ الْفَاتِحَةُ مَعَ السَّتْرِ لِنَحْوِ قِصَرِ السَّاتِرِ، فَعَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْخِلَافِ.
قَالَ شَيْخُنَا وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ بِالْيَدِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، كَهُوَ فِيهَا. قَوْلُهُ:(وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ السَّوْأَةِ) وَهِيَ مَا يَنْقُضُ مَسُّهَا الْوُضُوءَ، وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ فِيمَا بَعْدَهُ، كَذَا قَالُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ مَا يَنْقُضُ فِي الدُّبْرِ مَسْتُورٌ بِذَاتِهِ، وَالْوَجْهُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَسْتَتِرُ بِالْأَلْيَيْنِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لِلْقِبْلَةِ) أَيْ أَوْ بَدَلُهَا كَمَقْصِدِ الْمُسَافِرِ الْمُتَنَفِّلِ، وَمُقْتَضَى هَذَا تَخْصِيصُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِالصَّلَاةِ، إلَّا أَنْ تَجْعَلَ مُسْتَنِدَاتٍ لِلْأَقْوَالِ. قَوْلُهُ:(وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ) وَكَذَا الْخُنْثَى وَالْمُرَادُ بِقُبُلِهِ آلَتَا الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِنْ كَفَى أَحَدُهُمَا قُدِّمَ آلَةُ الرِّجَالِ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ، وَعَكْسُهُ وَإِلَّا تُخُيِّرَ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ التَّخَيُّرِ فِي الْوَاضِحِ فَرَاجِعْهُ، وَلَوْ تَعَارَضَ جَمْعٌ فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْحُرَّةِ ثُمَّ الرَّقِيقَةِ ثُمَّ الْخُنْثَى الْحُرِّ ثُمَّ الرَّقِيقِ، ثُمَّ الْأَمْرَدِ ثُمَّ الرَّجُلِ، وَيُقَدَّمُ مَنْ سَتَرَ جَمِيعَ عَوْرَتِهِ وَلَوْ رَجُلًا عَلَى مَنْ يَسْتُرُ بَعْضَهَا، وَيُقَدَّمُ الْمُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ يُكَفَّنُ بِهِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ.
قَوْلُهُ: (مُتَطَهِّرًا) لَيْسَ قَيْدًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ، وَدَائِمُ الْحَدَثِ فِي غَيْرِ حَدَثِهِ الدَّائِمِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِعِلَّةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ سَبَقَهُ) وَكَذَا لَوْ
ــ
[حاشية عميرة]
لِمَكَانِ الضَّمِيرِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ) أَيْ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِرُؤْيَتِهِ مِنْ أَسْفَلَ. قَوْلُهُ: (فِي الْقِسْمَيْنِ) هُمَا قَوْلُ الْمَتْنِ مِنْ جَيْبِهِ وَقَوْلُهُ فِي الشَّرْحِ مِنْ ذَيْلِهِ. قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ) وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ السَّاتِرَ إمَّا شَعْرُ لِحْيَتِهِ أَوْ رَأْسُهُ أَوْ الْتِصَاقُ صَدْرِهِ بِمَوْضِعِ إزَارِهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسَّتْرُ بِبَعْضِ الْإِنْسَانِ لَا يَصِحُّ عَلَى وَجْهٍ يَأْتِي، وَمَدْرِكُ الْأَوَّلِ صِحَّةُ السَّتْرِ بِبَعْضِهِ كَذَا فِي الْإِسْنَوِيِّ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (تَعَيَّنَ لَهُمَا) وَلَا يَأْتِي الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْغَيْرِ الْكَافِي لِلطَّهَارَةِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ. نَعَمْ لَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلسَّوْأَتَيْنِ لَاشْتَرَاك الْجَمِيعِ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ صَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ، وَسَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَى بَدَلَ الْوُجُوبِ إلَى آخِرِهِ.
(فَائِدَةٌ) لَيْسَ لِلْعَارِي أَخْذُ الثَّوْبِ مِنْ مَالِكِهِ قَهْرًا وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ الْعَارِيَّةِ لَا الْهِبَةِ. نَعَمْ يَتَّجِهُ الْوُجُوبُ فِي الْمَاءِ الْكَدِرِ وَالطِّينِ وَالثَّوْبِ النَّجِسِ كَالْعَدَمِ بِخِلَافِ الْحَرِيرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِبْسُهُ. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجِبُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ فَالْخِلَافُ فِي الْوُجُوبِ بَلْ فِي الصِّحَّةِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) هُمَا وُجُوبُ مَا يَكْفِي السَّوْأَتَيْنِ، وَوُجُوبُ مَا يَكْفِي إحْدَاهُمَا، وَقَوْلُهُ فِيهِمَا الضَّمِيرُ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ فِيهِمَا رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ سَبَقَهُ) هَذَا قَدْ يَخْرُجُ بِهِ تَعَمُّدُ إخْرَاجِ بَاقِيه، لَكِنْ حَكَى الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ
(يَبْنِي) بَعْدَ الطَّهَارَةِ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْهَا لِعُذْرِهِ بِالسَّبْقِ بِخِلَافِ الْمُعْتَمَدِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَسْعَى فِي تَقْرِيبِ الزَّمَانِ وَتَقْلِيلِ الْأَفْعَالِ مَا أَمْكَنَهُ وَمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْمَاءِ وَاسْتِقَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ تَطْهِيرِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَقْرَبِ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَوْ مَأْمُومًا يَقْصِدُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ فَلَهُمَا الْعَوْدُ إلَيْهِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَالْمُرَادُ فِي الْإِمَامِ إذَا انْتَظَرَهُ الْمَأْمُومُونَ وَفِي الْمَأْمُومِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بِأَنْ يَكُونَ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ لِمَا سَيَأْتِي فِي كَرَاهَةِ وُقُوفِ الْمَأْمُومِ فَرْدًا (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ الْقَوْلَانِ (فِي كُلِّ مُنَاقِضٍ) أَيْ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ (عَرَضَ) فِيهَا (بِلَا تَقْصِيرٍ) مِنْ الْمُصَلِّي (وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ فِي الْحَالِ) كَأَنْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ وَاحْتَاجَ إلَى غَسْلِهِ لِعَدَمِ الْعَفْوِ عَمَّا تَنَجَّسَ بِهِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي الْجَدِيدِ وَيَبْنِي فِي الْقَدِيمِ عَلَى مَا فَعَلَهُ مِنْهَا (فَإِنْ أَمْكَنَ) الدَّفْعُ فِي الْحَالِ (بِأَنْ كَشَفَتْهُ رِيحٌ فَسَتَرَ فِي الْحَالِ) أَوْ تَنَجَّسَ رِدَاؤُهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْحَالِ (لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ وَيُغْتَفَرُ هَذَا الْعَارِضُ. (وَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ فَرَغَتْ مُدَّةٌ خَفَّ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فَاحْتَاجَ إلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ الْوُضُوءِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ. (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ قَطْعًا لِتَقْصِيرِهِ حَيْثُ افْتَتَحَهَا، وَبَقِيَّةُ الْمُدَّةِ لَا
ــ
[حاشية قليوبي]
أُكْرِهَ عَلَيْهِ، أَمَّا لَوْ نَسَبَهُ فَتَبْطُلُ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ تَعَمَّدَهُ قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ كَشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَيُثَابُ النَّاسِي وَغَيْرُهُ. عَلَى مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ كَالْأَذْكَارِ وَالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْجُنُبِ، وَعَلَى قَصْدِ الْعِبَادَةِ، وَيُنْدَبُ لِمَنْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَنْفِهِ لِيُوهِمَ النَّاسَ، أَنَّهُ رَعَفَ لِئَلَّا يَأْثَمَ النَّاسُ، بِالْوَقِيعَةِ فِيهِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ ارْتَكَبَ مَا يُوهِمُ الْوَقِيعَةَ فِيهِ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(يَقْصِدُ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَالْجَمَاعَةُ عُذْرٌ مُطْلَقًا وَالْمُنْفَرِدُ وَالْإِمَامُ الْمُسْتَخْلَفُ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَتَعَذَّرَ دَفْعُهُ) أَيْ فِيهِمَا وَإِلْقَاؤُهُ فِي الثَّوْبِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي. وَخَرَجَ بِذَلِكَ نَجَاسَةٌ جَافَّةٌ، أَلْقَاهَا حَالًا أَوْ رَطْبَةٌ، وَأَلْقَى ثَوْبَهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَسٍّ وَلَا حَمْلَ فِيهَا، فَلَا تَبْطُلُ. نَعَمْ إنْ لَزِمَ تَنَجُّسُ مَسْجِدٍ فِي إلْقَاءِ الرَّطْبَةِ، وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ حَرُمَ إلْقَاؤُهَا، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
(فَرْعٌ) يَحْرُمُ تَنْجِيسُ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَيُعْفَى عَنْ ذَرْقِ طَيْرٍ فِي فِرَاشٍ أَوْ أَرْضٍ، إنْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ رُطُوبَتِهِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَعَدَمِ مَكَان خَالٍ مِنْهُ، وَعَدَمِ تَعَمُّدِ وَطْئِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحَفُّظُ فِي مَشْيه، وَلَا جُلُوسِهِ وَلَا سُجُودِهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَاقِفٌ مَثَلًا عَلَيْهَا، وَجَبَ التَّحَوُّلُ حَالَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا خَالِيًا مِنْهَا، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. قَالَهُ شَيْخُنَا فَرَاجِعْهُ.
فَإِنَّ الْوَجْهَ خِلَافُهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْحَالِ) قَالَ شَيْخُنَا وَمِنْهُ الْغُسْلُ كَنُقْطَةِ بَوْلٍ وَهُوَ بِجَانِبِ نَهْرٍ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. قَوْلُهُ: (رِيحٌ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ الْحَيَوَانُ، وَلَوْ آدَمِيًّا كَذَلِكَ وَتَبْطُلُ بِكَشْفِهِ عَوْرَةَ نَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَلَوْ سَهْوًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ بِإِكْرَاهِ غَيْرِهِ لَهُ عَلَى كَشْفِهَا وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الِانْحِرَافِ عَنْ الْقِبْلَةِ، لِنُدْرَةِ الْإِكْرَاهِ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَفَعَهُ فَأَحْرَفَهُ عَنْهَا، أَوْ ضَايَقَهُ كَذَلِكَ إنْ عَادَ حَالًا فِيهِمَا. قَوْلُهُ:(فَأَلْقَاهُ فِي الْحَالِ) أَيْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُ خُرُوجُ الدَّمِ بِنَحْوِ قَصْدٍ حَيْثُ لَمْ يُلَوِّثْ مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِيهِ.
ــ
[حاشية عميرة]
لَا يَضُرُّ، أَيْ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ قَدْ بَطَلَتْ.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: فَعَلَيْهِ لَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ الْبُطْلَانَ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ أَيْضًا، انْتَهَى. قَوْلُهُ:(كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ) أَيْ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ قَطْعًا وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ فَفِي الْبَيَانِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ فِعْلٌ كَأَنْ أُلْقِيَ عَلَى امْرَأَةٍ أَنْ يَكُونَ كَالسَّبْقِ وَإِنْ حَدَثَ مِنْهُ فِعْلٌ نُقِضَ قَطْعًا كَالسَّاهِي. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي الْقَدِيمِ يَبْنِي) أَيْ وَلَوْ كَانَ أَكْبَرَ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ سَبَقَهُ فِي الرُّكُوعِ وَفَرَّعْنَا عَلَى الْقَدِيمِ، قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: يَعُودُ إلَيْهِ، وَفَصَّلَ الْإِمَامُ فَقَالَ: إنْ سَبَقَهُ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ عَادَ إلَيْهِ، أَوْ بَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْعَوْدِ إلَيْهِ لِأَنَّ رُكُوعَهُ قَدْ تَمَّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ حِكَايَةِ ذَلِكَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْرِيَ كَلَامُ الصَّيْدَلَانِيُّ عَلَى إطْلَاقِهِ كَيْ يَنْتَقِلَ مِنْ الرُّكُوعِ إلَى الرُّكْنِ الَّذِي بَعْدَهُ، فَإِنَّ الِانْتِقَالَ وَاجِبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ:(كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى شَيْءٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّحْقِيقِ يُخَالِفُ هَذَا.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الصَّوَابُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ عُذْرٌ مُطْلَقًا فَيَدْخُلُ الْمُنْفَرِدُ وَالْإِمَامُ الْمُسْتَخْلَفُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَمْ تَبْطُلْ) أَيْ بِلَا خِلَافٍ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، انْتَهَى.
وَمُدْرَكُهُ النَّظَرُ إلَى أَنْ تِلْكَ اللَّحْظَةَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ شَارِحُ الْمُهَذَّبِ مُعَلِّلًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بَطَلَتْ)
تَسَعُهَا.
(وَ) خَامِسُ الشُّرُوطِ (طَهَارَةُ النَّجَسِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ) فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ النَّجَسِ الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا. (وَلَوْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ) مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ (اجْتَهَدَ) فِيهِمَا لِلصَّلَاةِ.
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ كَمَا فِي الْأَوَانِي، أَيْ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ وَوُجُوبًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَمِنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى مَاءٍ يَغْسِلُ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ صَلَّى فِيمَا ظَنَّهُ الطَّاهِرَ مِنْ الثَّوْبَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْقِيقِ فَلَوْ اجْتَهَدَ فَتَغَيَّرَ ظَنَّهُ عَمِلَ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي فِي الْأَصَحِّ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فَيُصَلِّي فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ كَمَا لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْأُولَى، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يُصَلِّي عُرْيَانًا وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَيُقَاسُ بِالثَّوْبَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ الْبَيْتَانِ، وَيُقَالُ فِيهِمَا فِي مُقَابِلِ الْأَصَحِّ يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا وَيُعِيدُ، وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الثَّوْبَيْنِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ صَلَّى عُرْيَانَا، وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ (وَلَوْ نَجُسَ بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ وَجَهِلَ) ذَلِكَ الْبَعْضَ فِي
ــ
[حاشية قليوبي]
فَرْعٌ) لَا تَبْطُلُ بِلَدْغِ الْعَقْرَبِ بِخِلَافِ الْحَيَّةِ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ. قَوْلُهُ: (لِتَقْصِيرِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ افْتَتَحَهَا عَالِمًا بِقِصَرِ الْمُدَّةِ.
وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ إذَا عَلِمَ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ فَرَاغِهَا، لَمْ تَنْعَقِدْ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَشَمِلَ مَا ذُكِرَ. مَا لَوْ كَانَ وَاقِفًا فِي مَاءٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِالْحَدَثِ، قَبْلَ الْغُسْلِ وَفَارَقَ دَفْعَ التَّنَجُّسِ حَالًا فِيمَا مَرَّ، بِأَنَّهُ لَمْ تُعْهَدْ صَلَاةٌ مَعَ حَدَثٍ، بِلَا إعَادَةٍ. نَعَمْ لَوْ أَحْرَمَ مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ، بِقَدْرٍ لَا تَسَعُهُ الْمُدَّةُ صَحَّ إحْرَامُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ، لِإِمْكَانِ اقْتِصَارِهِ عَلَى قَدْرِ مَا تَسَعُهُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ (وَالْبَدَنُ) أَيْ لَوْ دَاخِلَ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ فَمِهِ. قَوْلُهُ: (مَعَ النَّجِسِ) أَيْ وَإِنْ جَهِلَهُ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ رَآهُ إعْلَامُهُ بِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ) وَكَذَا مِنْ بَدَنَيْنِ، كَأَنْ تَنَجَّسَ بَدَنٌ وَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَاشْتَبَهَ فَفِي كُلِّ اثْنَيْنِ مَعَ الثَّالِثِ، مَا فِي الْبَيْتَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ:(عَلَى مَاءٍ يَغْسِلُ بِهِ أَحَدَهُمَا) وَإِذَا غَسَلَهُ بِالِاجْتِهَادِ فَلَهُ الصَّلَاةُ فِيهِمَا، وَلَوْ مَجْمُوعَيْنِ وَلَوْ خَفِيَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَكَان، كَبَيْتٍ وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ إنْ ضَاقَ عُرْفًا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَهُ الصَّلَاةُ فِي كُلِّهِ، وَلَوْ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ إلَّا قَدْرَ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ، وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّكَّ فِي النَّجَاسَةِ لَا يَضُرُّ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَمِنْهُ مَا لَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَى مَحِلٍّ مَشْكُوكٍ، فِي نَجَاسَتِهِ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ يَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُ غَسْلُهَا وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، لَمْ تَبْطُلْ بِالْأَوْلَى لِلشَّكِّ بَعْدَ تَحَقُّقِ الِانْعِقَادِ، وَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُطْلَانِ، فِيمَا لَوْ نَقَلَ رِجْلَهُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ إلَى مَحِلٍّ مَشْكُوكٍ فِي نَجَاسَتِهِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الْبُطْلَانِ بِالشَّكِّ، وَتَقَدَّمَ ضَعْفُهُ وَاعْتِمَادُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ لَهُ فِيهِمَا فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ وَافَقَهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ الْبُطْلَانُ لِتَرَدُّدِهِ فِي بُطْلَانِ نِيَّتِهِ أَوْ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ فَهُوَ مُمْكِنٌ مَعَ النَّظَرِ فِيهِ، لِإِلْغَاءِ هَذَا التَّرَدُّدِ كَمَا فِي الشَّكِّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ، وَكَمَا فِي الشَّكِّ فِي حَدَثِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَحَرِّرْهُ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ لِأَنَّ الدَّلِيلَ هُنَا غَيْرُ مُحَقَّقِ التَّغَيُّرِ، وَبِهَذَا فَارَقَ وُجُوبَ تَجْدِيدِهِ فِي الْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي. قَوْلُهُ:(عُمِلَ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي) أَيْ كَمَا فِي الْقِبْلَةِ، وَكَمَا فِي الْأَوَانِي، إذَا غَسَلَ أَعْضَاءً بَيْنَ الِاجْتِهَادَيْنِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِآخَرَ، لِأَنَّهُ بِغَسْلِ أَعْضَائِهِ مِنْ مَاءِ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ فِي الْمِيَاهِ، وَبِنَزْعِ الثَّوْبِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، هُنَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ مُقْتَضَى الِاجْتِهَادَيْنِ، لِانْفِصَالِ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّانِي، وَلَوْ لَمْ يَغْسِلْ أَعْضَاءَهُ بَيْنَ الِاجْتِهَادَيْنِ، أَوْ صَلَّى هُنَا بِالثَّوْبَيْنِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِاجْتِمَاعِ مُقْتَضَى الِاجْتِهَادَيْنِ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَا هُنَا مُسَاوٍ لِمَا فِي الْمِيَاهِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، كَمَا فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ غَيْرُ
ــ
[حاشية عميرة]
حَمَلَهُ السُّبْكِيُّ عَلَى مَا لَوْ دَخَلَ ظَانًّا سَعَةَ الْوَقْتِ، فَإِنْ قَطَعَ بِانْقِضَائِهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ، فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ، انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ، حَيْثُ أَمْكَنَ الْغُسْلُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَطَهَارَةُ النَّجَسِ) .
قَالَ الرَّافِعِيُّ: النَّجَاسَةُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ لَا يَقَعُ فِي مَظِنَّةِ الْعُذْرِ وَالْعَفْوِ، وَقِسْمٌ يَقَعُ فِيهِمَا. أَمَّا الْأَوَّلُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُنَا إلَخْ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالطَّهَارَةِ فِي اللِّبَاسِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَلَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ لَمْ يَعْلَمْهُ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ بِدَلِيلِ تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ، وَقِيلَ: يُعْذَرُ الْجَاهِلُ بِالنَّجَسِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَنَاهِي بِدَلِيلِ «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ» وَنَحْوِهِ، وَالْجَاهِلُ يَعْذُرُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ قُبَيْلَ الْفَصْلِ الْآتِي.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي الثَّوْبِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الْحَيْضِ «وَإِذَا أَدْبَرَتْ اغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي» وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ لِلثَّوْبِ، وَالثَّانِي لِلْبَدَنِ، وَالثَّالِثُ لِلْمَكَانِ. قَوْلُهُ:(مِنْ ثَوْبَيْنِ) زَادَ الْإِسْنَوِيُّ أَوْ بَدَنَيْنِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ رحمه الله. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ
جَمِيعِ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ. (وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ) لِتَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ النَّجَاسَةِ مَا بَقِيَ جُزْءٌ مِنْهُ بِلَا غُسْلٍ، وَلَوْ أَصَابَ شَيْءٌ رَطْبٌ بَعْضَ هَذَا الثَّوْبِ لَمْ نَحْكُمْ بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ نَجَاسَةَ مَوْضِعِ الْإِصَابَةِ، وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مُقَدَّمِ الثَّوْبِ مَثَلًا وَجَهِلَ. وَضْعَهَا وَجَبَ غَسْلُ مُقَدَّمِهِ فَقَطْ.
(فَلَوْ ظَنَّ) بِالِاجْتِهَادِ (طَرَفًا) مِنْهُ النَّجَسُ كَالْكُمِّ وَالْيَدِ (لَمْ يَكْفِ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ، وَمُقَابِلُهُ الْمَزِيدُ فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى الشَّرْحِ يَجْعَلُ الْوَاحِدَ بِاعْتِبَارِ أَجْزَائِهِ كَالْمُتَعَدِّدِ، وَفِي الشَّرْحِ: وَلَوْ اشْتَبَهَ مَكَانٌ مِنْ بَيْتٍ أَوْ بِسَاطٍ لَا يَتَحَرَّى فِي الْأَصَحِّ أَيْ لَمْ يُجْزِئْ التَّحَرِّي كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِأَنَّ النَّجِسَ هَذَا الْكُمُّ مَثَلًا يَقْبَلُ قَوْلَهُ فَيَكْفِي غَسْلُهُ. (وَلَوْ غَسَلَ نِصْفَ نَجِسٍ) كَثَوْبٍ (ثُمَّ بَاقِيه فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ غَسَلَ مَعَ بَاقِيه مُجَاوِرَهُ) مِنْ الْمَغْسُولِ أَوَّلًا (طَهُرَ كُلُّهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ الْمُجَاوِرَ. (فَغَيْرُ الْمُنْتَصَفِ) بِفَتْحِ الصَّادِ يَطْهُرُ وَالْمُنْتَصَفُ وَهُوَ الْمُجَاوِرُ نَجِسٌ لِمُلَاقَاتِهِ وَهُوَ رَطْبٌ لِلنَّجَسِ وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ بِالْمُجَاوِرِ مُجَاوِرَهُ وَهَلُمَّ مِنْ النِّصْفَيْنِ إلَى آخِرِ الثَّوْبِ، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَدُفِعَ بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمُجَاوِرِ لَا تَتَعَدَّى إلَى مَا بَعْدَهُ كَالسَّمْنِ الْجَامِدَ يَنْجُسُ مِنْهُ مَا حَوْلَ النَّجَاسَةِ فَقَطْ.
(وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ بَعْضَ لِبَاسِهِ نَجَاسَةً وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ) كَطَرَفِ عِمَامَتِهِ الْمُتَّصِلِ بِنَجَاسَةٍ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ أَوْ مَعَهَا. (وَلَا قَابِضٍ طَرَفَ شَيْءٍ) كَحَبْلٍ. (عَلَى نَجَسٍ إنْ تَحَرَّكَ) ذَلِكَ
ــ
[حاشية قليوبي]
مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَاحِدَ) أَيْ حَالَةَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَلَوْ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا، لِاحْتِمَالِ انْقِسَامِ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَوْ فَصَلَ كُمَّهُ جَازَ الِاجْتِهَادُ، يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ عَدَمُ انْقِسَامِهَا، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْكُمِّ فَتَأَمَّلْهُ قَوْلُهُ:(بِالِاجْتِهَادِ) وَسَيَأْتِي الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، لَوْ أَخْبَرَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ اشْتَبَهَ مَكَانٌ مِنْ بَيْتٍ أَوْ بِسَاطٍ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ، لَيْسَ قَيْدًا فَيَجِبُ غَسْلُ كُلِّهِ أَيْضًا، لَكِنْ إنْ ضَاقَ عُرْفًا إلَخْ مَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ التَّحَرِّي) أَيْ فَيَحْرُمُ فَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ الْجَوَازِ، لَا بِضَمِّهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْحُرْمَةُ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ، لَا مِنْ حَيْثُ ذَاته فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ غَسَلَ) أَيْ بِالصَّبِّ فِي غَيْرِ إجَابَةٍ أَمَّا بِالصَّبِّ فِيهَا فَلَا يَطْهُرُ، إلَّا بِغَسْلِ كُلِّهِ دَفْعَةً كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، لِأَنَّ مَا لَمْ يُغْسَلْ مِنْهُ، مُلَاقٍ لِلْمَاءِ الْقَلِيلِ فِي الْإِجَابَةِ مَعَ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ غَسْلَ الْإِنَاءِ الْمُتَنَجِّسِ. نَعَمْ إنْ غَسَلَ النِّصْفَ الثَّانِي، مَعَ مُجَاوِرِهِ الَّذِي هُوَ الْمُنْتَصَفُ فِي الْإِجَابَةِ جَارٍ لِفَقْدِ مَا ذُكِرَ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(نِصْفُ نَجِسٍ) أَيْ مُتَنَجِّسٌ كُلُّهُ يَقِينًا أَوْ بَعْضُهُ، وَاشْتُبِهَ لَكِنْ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ إذَا غُسِلَ بَعْضُهُ فِي إجَّانَةِ بِالصَّبِّ، الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمُتَنَجِّسِ بِالشَّكِّ. قَوْلُهُ:(فَغَيْرُ الْمُنْتَصَفِ) أَيْ جَانِبَاهُ وَهُمَا غَيْرُ الْمُجَاوِرِ لَهُمَا. قَوْلُهُ: (لَا تَتَعَدَّى إلَى مَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنْ بَقِيَّةِ الثَّوْبِ الْمَغْسُولِ فَلَوْ وَقَعَ فِي مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ أَوْ مَسَّهُ أَحَدٌ مَعَ رُطُوبَةِ تَنَجُّسِ مَا مَسَّهُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (بَعْضُ لِبَاسِهِ) وَكَذَا مَحْمُولُهُ وَبَدَنُهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ) وَفَارَقَ صِحَّةَ السُّجُودِ عَلَى مَا لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا الِاتِّصَالُ بِالنَّجِسِ، وَهُنَاكَ كَوْنُ السُّجُودِ عَلَى قَرَارٍ. قَوْلُهُ:(وَلَا قَابِضٍ) أَيْ حَامِلٍ، وَلَوْ بِلَا قَبْضٍ كَوَضْعِهِ عَلَى عَاتِقِهِ، وَلَوْ اتَّصَلَ نَحْوَ الْحَبْلِ بِطَاهِرٍ
ــ
[حاشية عميرة]
نَجَسٌ) يَجُوزُ فِيهِ فَتْحُ الْجِيمِ وَكَسْرُهَا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ) بَلْ لَوْ فَصَلَهُ نِصْفَيْنِ امْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ عَلَى مَوْضِعِ الشَّقِّ نَعَمْ إنْ كَانَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إصَابَةَ النَّجَاسَةِ لِمَوْضِعٍ مُتَمَيِّزٍ كَالْكُمِّ ثُمَّ عَرَضَ اشْتِبَاهُهُ بِالْكُمِّ الْآخَرِ فَهُنَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ بَعْدَ فَصْلِ أَحَدِ الْكُمَّيْنِ. قَوْلُهُ: (وَفِي الشَّرْحُ إلَى آخِرِهِ) مَوْقِعُ هَذَا الْكَلَامِ مِمَّا قَبْلَهُ التَّعَرُّضُ لِلْبَيْتِ وَالْبِسَاطِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُلَاقٍ) قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَوْ صَلَّى فِي مَوْضِعِ نَجَسٍ لِحَبْسٍ فِيهِ مَثَلًا وَتَعَارَضَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَتَغْطِيَةُ الْمَحِلِّ قَلَعَ ثَوْبَهُ وَصَلَّى عُرْيَانَا وَلَا إعَادَةَ عَلَى أَظْهَرْ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي يُصَلِّي عَلَى النَّجَاسَةِ وَيُعِيدُ، انْتَهَى. وَعِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ هُنَا لَوْ حُبِسَ فِي مَوْضِعِ نَجَسٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّي وَيَتَحَامَلُ قَدْرَ الْمُمْكِنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ، بَلْ يَنْحَنِي إلَى السُّجُودِ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَوْ زَادَ عَلَيْهِ أَصَابَ النَّجَاسَةَ ثُمَّ يُعِيدُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، انْتَهَى. قَوْلُ الْمَتْنِ:(بَعْضُ لِبَاسِهِ) يُفْهَمُ حُكْمُ الْبَدَنِ بِالْأَوْلَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ مَعْدُودٌ مِنْ لِبَاسِهِ فَصَارَ كَذَيْلِ قَمِيصِهِ الطَّوِيلِ الَّذِي لَا يَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِهِ، فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ تَنَجُّسِ الذَّيْلِ الْمَذْكُورِ، وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيُّ ذَلِكَ بِصِحَّةِ السُّجُودِ عَلَيْهِ، قَالَ: وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا قَابِضٍ طَرَفَ شَيْءٍ إلَى آخِرِهِ) مِثْلُ الْقَبْضِ الشَّدُّ فِي الْوَسَطِ أَوْ الرِّجْلِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَلَوْ كَانَ
الشَّيْءُ الْكَائِنُ عَلَى النَّجَسِ بِحَرَكَتِهِ. (وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ) بِهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِمُتَّصِلٍ بِنَجَاسَةٍ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ فَكَأَنَّهُ حَامِلٌ لَهَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ فِي الرَّابِعَةِ يَقُولُ لَيْسَ حَامِلًا لِلطَّرَفِ الْمُتَّصِلِ بِالنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ طَرَفِ الْعِمَامَةِ الْمُتَّصِلِ بِهَا لِأَنَّهُ مِنْ مَلْبُوسِهِ. (فَلَوْ جَعَلَهُ) أَيْ طَرَفَ الشَّيْءِ الْكَائِنِ عَلَى نَجَسٍ (تَحْتَ رِجْلِهِ صَحَّتْ) صَلَاتُهُ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا لِعَدَمِ الْحَمْلِ لَهُ.
(وَلَا يَضُرُّ نَجَسٌ يُحَاذِي صَدْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِعَدَمِ مُلَاقَاتِهِ لَهُ، وَالثَّانِي يَقُولُ الْمُحَاذِي مِنْ مَكَانِ صَلَاتِهِ فَتُعْتَبَرُ طَهَارَتُهُ. (وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ) لِانْكِسَارِهِ وَاحْتِيَاجِهِ إلَى الْوَصْلِ. (بِنَجَسٍ) مِنْ الْعَظْمِ (لِفَقْدِ الطَّاهِرِ) الصَّالِحِ لِلْوَصْلِ (فَمَعْذُورٌ) فِي ذَلِكَ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ إذَا وَجَدَ الطَّاهِرَ كَمَا فِي
ــ
[حاشية قليوبي]
مُتَّصِلٍ بِنَجِسٍ، كَأَنْ كَانَ عَلَى سَاجُورٍ كَلْبٌ، وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي عُنُقِهِ، أَوْ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ بِهَا نَجَسٌ فِي مَحِلٍّ آخَرَ، أَوْ عَلَى مَحِلٍّ طَاهِرٍ مِنْ سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَسٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْدُودًا بِهِ لَمْ يَضُرَّ مُطْلَقًا، وَإِلَّا بَطَلَتْ. نَعَمْ. إنْ لَمْ تَنْجَرَّ السَّفِينَةُ بِجَرِّهِ أَيْ الْحَبْلِ أَوْ الشَّخْصِ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مَعًا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، قُوَّةٌ تَنْجَرُّ بِهَا عُرْفًا فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، لَمْ تَبْطُلْ، وَلَوْ حُمِلَ طَرَفُ حَبْلٍ مَرْبُوطٍ، بِوَتَدٍ مَرْبُوطٍ بِهِ حَبْلُ سَفِينَةٍ، فِيهَا نَجَسٌ مُتَّصِلٌ بِهِ، فَيُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَ الْحَبْلَيْنِ رَبْطٌ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا فَرَاجِعْهُ.
(فَرْعٌ) لَوْ حُبِسَ عَلَى مَحِلٍّ نَجِسٍ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالْإِيمَاءِ، وَيَنْخَفِضَ فِي سُجُودِهِ إلَى حَيْثُ لَوْ زَادَ لَمَسَ النَّجِسَ، وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ نَعَمْ إنْ كَانَ مَعَهُ مَا يَفْرِشُهُ عَلَى النَّجِسِ وَلَوْ سَاتِرَ عَوْرَتِهِ فَرَشَهُ عَلَيْهِ، وُجُوبًا وَصَلَّى عَارِيًّا وَلَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ غَضُّ بَصَرِهِمْ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ إلَخْ) نَعَمْ يُكْرَه إنْ قَرُبَ مِنْهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُحَاذِيًا لَهُ عُرْفًا، وَمِثْلُ صَدْرِهِ ظَهْرُهُ وَبَقِيَّةُ بَدَنِهِ مِنْ سَائِرِ جِهَاتِهِ، وَلَوْ قَالَ يُحَاذِي شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ، أَوْ مَلْبُوسِهِ لَشَمِلَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ وَصَلَ) أَيْ الْمُكَلَّفُ الْمُخْتَارُ الْعَامِدُ الْعَالِمُ وَلَوْ غَيْرَ مَعْصُومٍ، خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ. قَوْلُهُ:(وَاحْتِيَاجُهُ) بِنَحْوِ خَلَلٍ فِي الْعُضْوِ أَوْ مُبِيحِ تَيَمُّمٍ. قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الطَّاهِرِ) أَيْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ، فِي التَّيَمُّمِ فِي وَقْتِ إرَادَةِ الْوَصْلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِهِ بَعْدَهُ، كَمَا لَا عِبْرَةَ بِوُجُودِ عَظْمِ الْآدَمِيّ وَلَوْ حَرْبِيًّا، لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَصْلِ بِهِ مُطْلَقًا لِاحْتِرَامِهِ. قَوْلُهُ:(الصَّالِحُ لِلْوَصْلِ) أَيْ وَلَيْسَ النَّجِسُ أَصْلُحَ مِنْهُ، وَإِلَّا كَعَظْمِ كَلْبٍ لِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، إنَّهُ أَوْفَقُ الْعِظَامِ، لِعَظْمِ الْآدَمِيِّ. فَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّهُ يُعْذَرُ فِيهِ، وَوَافَقَهُ شَيْخُنَا كَالْخَطِيبِ وَخَالَفَهُمْ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ. قَوْلُهُ:(فَمَعْذُورٌ) أَيْ فَيُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرِ مُطْلَقًا فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ حَامِلِهِ، وَلَا يَتَنَجَّسُ مَائِعٌ بِهِ وَلَا جَامِدٌ بِمَسِّهِ مَعَ رُطُوبَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِ لَحْمًا أَوْ جِلْدًا كَمَا سَيَأْتِي.
وَمِثْلُ هَذَا مَا لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَصَبِيٍّ وَمُكْرَهٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ بَعْدَ كَمَالِهِ. قَوْلُهُ:(وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ إذَا وَجَدَ الطَّاهِرَ) وَهُوَ
ــ
[حاشية عميرة]
طَرَفُ الْحَبْلِ مُلْقًى عَلَى سَاجُورِ كَلْبٍ أَوْ مَشْدُودٍ بِالسَّاجُورِ، وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْكَلْبِ فَوَجْهَانِ مُرَتَّبَانِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ بَيْنَ الْكَلْبِ وَطَرَفِ الْحَبْلِ وَاسِطَةً، وَلَوْ كَانَ طَرَفُ الْحَبْلِ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْ حِمَارٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي السَّاجُورِ وَأَوْلَى بِالصِّحَّةِ لِأَنَّ السَّاجُورَ قَدْ يُعَدُّ مِنْ تَوَابِعِ الْحَبْلِ وَأَجْزَائِهِ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْبُطْلَانَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. قُلْت فَرْضُ الْإِرْشَادِ الْمَسْأَلَةُ بِمَا لَوْ شَدَّ طَرَفَ الْحَبْلِ بِالسَّاجُورِ أَوْ الْحِمَارِ فَافْهَمْ أَنَّ الْإِلْقَاءَ بِخِلَافِهِ.
قَالَ شَارِحُهُ: وَقَوْلُ الْحَاوِي لَا سَاجُورَ كَلْبٍ أَيْ لَا حَبْلَ لَقِيَ سَاجُورَ كَلْبٍ، فَلَا تَبْطُلُ أَيَتَنَاوَلُ صُورَةَ الشَّدِّ وَالرَّاجِحُ فِيهَا الْبُطْلَانُ، وَحَمَلَهُ عَلَى مُلَاقَاتِهِ بِدُونِ شَدٍّ خِلَافَ الظَّاهِرِ، انْتَهَى. وَهُوَ مُخَالِفٌ كَلَامَ الْإِسْنَوِيِّ: وَقَوْلُهُ: الْكَائِنُ عَلَى النَّجَسِ أَيْ فَالْمُضِرُّ تَحَرُّكُ الطَّرَفِ الْمُتَّصِلِ بِالنَّجَاسَةِ. وَقَوْلُ الْمَتْنِ: وَكَذَا إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، أَيْ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ طَرَفِ الْعِمَامَةِ. قَوْلُهُ:(لِعَدَمِ الْحَمْلِ لَهُ) فَأَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ طَرَفُهُ مُتَنَجِّسٌ أَوْ تَحْتَ الْبِسَاطِ نَجَاسَةٌ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (يُحَاذِي صَدْرَهُ) الْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا يُحَاذِي شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ سَوَاءً الرُّكُوعُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ يُوهِمُ جَرَيَانُهُ فِي الْأَعْلَى وَالْجَوَانِبِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
نَعَمْ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْجِدَارِ النَّجِسِ أَوْ الْمُتَنَجِّسِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ إلَخْ) حُكْمُ الْوَشْمِ كَالْوَصْلِ، وَكَذَا لَوْ خَاطَ جُرْحَهُ بِخَيْطٍ نَجِسٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ وَصَلَ جَوْفَهُ مُحَرَّمٌ نَجِسٌ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ مُكْرَهًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَاهُ. قَوْلُهُ:(وَقَضِيَّةُ مَا فِي التَّتِمَّةِ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ إذًا اتِّحَادُ الشِّقَّيْنِ. قُلْت: قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِأَيِّ ضَرَرٍ وَإِنْ لَمْ يَرْتَقِ إلَى مُبِيحِ التَّيَمُّمِ، أَوْ يُقَالُ قَوْلُهُ الْآتِي قِيلَ، وَإِنْ خَافَ لَا يَأْتِي هُنَا فَافْتَرَقَ.
الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَقَضِيَّةُ مَا فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ نَزْعِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ضَرَرًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْقِدْ الطَّاهِرَ أَيْ وَجَدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ (نَزْعُهُ) أَيْ النَّجِسِ (إنْ لَمْ يَخَفْ) مِنْ نَزْعِهِ (ضَرَرًا ظَاهِرًا) وَهُوَ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَتَلَفِ عُضْوٍ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ.
(قِيلَ: وَإِنْ خَافَ) ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ أَيْضًا لِتَعَدِّيهِ بِوَصْلِهِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْوُجُوبِ رِعَايَةً لِخَوْفِ الضَّرَرِ.
(فَإِنْ مَاتَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ النَّزْعُ قَبْلَهُ (لَمْ يُنْزَعْ) مِنْهُ، أَيْ لَمْ يَجِبْ النَّزْعُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِزَوَالِ التَّكْلِيفِ، وَالثَّانِي يَجِبُ النَّزْعُ لِئَلَّا يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى حَامِلًا لِنَجَاسَةٍ تَعَدَّى بِحَمْلِهَا، وَسَوَاءٌ فِي وُجُوبِ النَّزْعِ فِي الْحَيَاةِ أَوْ الْمَوْتِ اكْتَسَى الْعَظْمُ اللَّحْمَ أَمْ لَمْ يَكْتَسِهْ، وَقِيلَ: إنْ اكْتَسَاهُ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ (وَيُعْفَى عَنْ مَحِلِّ اسْتِجْمَارِهِ) فِي صَلَاتِهِ رُخْصَةً (وَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا) فِي الصَّلَاةِ (بَطَلَتْ فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِهِ فِيهَا، وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ لِلْعَفْوِ عَنْ مَحِلِّ
ــ
[حاشية قليوبي]
الْمُعْتَمَدُ بَلْ يَحْرُمُ إنْ خِيفَ مِنْهُ ضَرَرٌ، كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:(أَيْ وَجَدَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ الطَّاهِرُ الصَّالِحُ مَوْجُودًا مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فِيمَا تَقَدَّمَ وَقْتُ الْوَصْلِ بِالنَّجِسِ، وَإِنْ فَقَدَهُ بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَيْهِ) وَلَوْ حَائِضًا وَلَوْ بَعْدَ الْوَصْلِ، أَوْ جُنَّ لَكِنْ بَعْدَ إفَاقَتِهِ، نَزْعُ ذَلِكَ النَّجِسِ وَمِثْلُهُ الْمُحْتَرَمُ سَوَاءً اكْتَسَى لَحْمًا وَجِلْدًا فِيهِمَا أَوْ لَا، لَكِنْ مَعَ أَمْنِ الضَّرَرِ لِأَنَّ حُكْمَ التَّعَدِّي مُسْتَمِرٌّ عَلَيْهِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا فِي التَّتِمَّةِ، لِأَنَّهُ دَوَامٌ وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ نَزْعِهِ بِنَفْسِهِ، نَزَعَهُ الْحَاكِمُ قَهْرًا عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وُجُوبُ النَّزْعِ عَلَى الْكَافِرِ، إذَا أَسْلَمَ دُونَ الْمُكْرَهِ كَالصَّبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ:(وَالْأَصَحُّ) أَيْ عِنْدَ خَوْفِ الضَّرَرِ عَدَمُ الْوُجُوبِ.
قَالَ شَيْخُنَا: بَلْ يَحْرُمُ النَّزْعُ كَمَا فِي الْمَيِّتِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (أَيْ لَمْ يَجِبْ النَّزْعُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ) وَلَوْ قَالَ: لَمْ يَجُزْ النَّزْعُ كَمَا هُوَ مُفَادُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، لَوَافَقَ الْمُعْتَمَدَ، وَكَانَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَغَسْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِ جِلْدًا وَلَا لَحْمًا. قَوْلُهُ:(لِئَلَّا يَلْقَى إلَخْ) هَذِهِ عِلَّةُ الْمَرْجُوحِ وَنَظَرُوا فِيهَا بِأَنَّ الْأَجْزَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، تُرَدُّ إلَى أَصْحَابِهَا، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَقِيَ مَلَائِكَةَ اللَّهِ فِي الْقَبْرِ، أَوْ الْمُرَادُ أَوَّلُ أَحْوَالِ قُدُومِهِ عَلَى اللَّهِ.
(فُرُوعٌ) كُلُّ مَا مَرَّ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصْلِ يَجْرِي فِي الْوَشْمِ، وَخِيَاطَةِ الْجُرْحِ بِخَيْطٍ نَجِسٍ، وَالتَّدَاوِي بِنَحْوِ دُهْنٍ نَجِسٍ، فَيَحْرُمُ فِعْلُهُ عَلَى مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ عَامِدٍ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ، بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَوْ حَائِضًا وَرَقِيقًا، وَتَجِبُ إزَالَتُهُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْخَوْفِ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ، وَيَنْجُسُ مَا لَاقَاهُ، مَا لَمْ يَكْتَسِ جِلْدًا وَلَوْ رَقِيقًا، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ حَرَامًا أَوْ شَرِبَهُ، كَخَمْرٍ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ لِعُذْرٍ كَإِكْرَاهٍ أَنْ يَتَقَايَاهُ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الضَّرَرِ. نَعَمْ صَلَاتُهُ مَعَهُ صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهُ فِي مَعْدِنِ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْوَصْلِ كَمَا مَرَّ، وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْآدَمِيِّ، وَلَوْ مُهْدَرًا كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْخِضَابُ وَصَبْغُ نَحْوِ الشَّعْرِ وَالنَّقْشِ، وَتَطْرِيفُ نَحْوِ الْأَصَابِعِ، وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَتَجْعِيدُ الشَّعْرِ، فَحَرَامٌ بِالنَّجِسِ مُطْلَقًا، وَكَذَا بِالسَّوَادِ إلَّا لِحْيَةَ الرَّجُلِ الْمُحَارِبِ، لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ، وَكَذَا بِغَيْرِ السَّوَادِ إنْ مَنَعَ مِنْهُ حَلِيلٌ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي الْخَلِيَّةِ، وَمَعَ النَّدْبِ بِنَحْوِ الْحِنَّاءِ فِي نَحْوِ يَدِ امْرَأَةٍ، وَلِحْيَةِ رَجُلٍ وَيَحْرُمُ أَخْذُ شُعُورٍ نَحْوِ اللِّحْيَةِ، وَالْحَوَاجِبِ وَوَشْرِ الْأَسْنَانِ أَيْ تَرْقِيقِهَا، بِنَحْوِ الْمِبْرَدِ وَيُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ، وَلَوْ مِنْ لِحْيَةِ رَجُلٍ، وَأَخْذُ شَعْرِ الْخَدِّ وَالرَّقَبَةِ وَقَصِّ اللِّحْيَةِ، وَيَجُوزُ عَجْنُ نَحْوِ سِرْجِينٍ وَلَوْ رَطْبًا لِغَرَضٍ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ وَكُلُّ مَا حَرُمَ فِعْلُهُ تَجِبُ إزَالَتُهُ فَوْرًا.
قَوْلُهُ: (وَيُعْفَى عَنْ مَحِلِّ اسْتِجْمَارِهِ) وَكَذَا عَمَّا يُلَاقِيه مِنْ الْبَدَنِ، وَالثَّوْبِ غَالِبًا عَادَةً، وَلَوْ بِرُكُوبٍ أَوْ جُلُوسٍ، وَلَا يَضُرُّ عَرَقُ الْمَحَلِّ وَسَيَلَانِهِ بِهِ، إلَّا إنْ جَاوَزَ صَفْحَةً أَوْ حَشَفَةً، فَيَجِبُ إزَالَةُ الْجَمِيعِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ التَّنَاقُضُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. قَوْلُهُ:(فِي صَلَاتِهِ) بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَتَنَجُّسِ مَائِعٍ، أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ.
قَالَهُ شَيْخُنَا، وَمُقْتَضَى هَذَا عَدَمُ الْعَفْوِ فِي الطَّوَافِ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمَرًا بَطَلَتْ) وَكَذَا لَوْ حَمَلَ حَامِلَهُ وَكَالْحَمْلِ الْقَابِضُ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ عَكْسِهِ وَكَالْمُسْتَجْمَرِ كُلُّ ذِي نَجَاسَةٍ، وَلَوْ
ــ
[حاشية عميرة]
تَنْبِيهٌ) لَوْ كَانَ الْوَصْلُ بِالنَّجِسِ أَسْرَعُ انْجِبَارًا مِنْ الطَّاهِرِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عُذْرًا. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ) مِنْهُ بُطْءُ الْبُرْءِ. قَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِخَوْفِ الضَّرَرِ) أَيْ وَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ يَسْقُطُ حُكْمُهَا عِنْدَ خَوْفِ الضَّرَرِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، كَذَا قَالُوهُ، وَلَك أَنْ تَقُولَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَنْعُ الْمُضْطَرِّ الْعَاصِي مِنْهَا فَلْتُشْتَرَطْ التَّوْبَةُ.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا التَّعْلِيلُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُهَذَّبُ وَشَرْحُهُ، وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ تَعْلِيلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ فِي النَّزْعِ مُثْلَةً وَهَتْكًا لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ، قَالَ: وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ حُرْمَةُ النَّزْعِ كَمَا أَنَّ قَضِيَّةَ الْأَوَّلِ الْجَوَازُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُسْتَجْمِرًا) مِثْلُهُ لَوْ حَمَلَ شَخْصًا عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا أَوْ طَيْرًا مُتَنَجِّسٌ لِمَنْفَذٍ.
قَالَ فِي شَرْحِ
الِاسْتِجْمَارِ.
(وَطِينُ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتَهُ يُعْفَى عَنْهُ عَمَّا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ غَالِبًا وَيَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَمَوْضِعِهِ مِنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ) فَيُعْفَى فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ عَمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ، وَيُعْفَى فِي الذَّيْلِ وَالرِّجْلِ عَمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الْكُمِّ وَالْيَدِ، وَمَا لَا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَالِبًا لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَمَا تُظَنُّ نَجَاسَتُهُ لِغَلَبَتِهَا فِيهِ قَوْلًا الْأَصْلُ، وَالظَّاهِرُ أَظْهَرُهُمَا طَهَارَتُهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَمَا لَمْ يُظَنُّ نَجَاسَتُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
(وَ) يُعْفَى (عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَمِيمِ الذُّبَابِ) أَيْ رَوْثِهِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ.
(وَالْأَصَحُّ لَا يُعْفَى عَنْ كَثِيرِهِ) لِكَثْرَتِهِ (وَلَا) عَنْهُ (قَلِيلٍ) مِنْهُ (انْتَشَرَ بِعَرَقٍ) لِمُجَاوَزَتِهِ مَحِلَّهُ (وَتُعْرَفُ الْكَثْرَةُ) وَالْقِلَّةُ
ــ
[حاشية قليوبي]
مَعْفُوًّا عَنْهَا، كَحَيَوَانٍ مُتَنَجِّسِ الْمَنْفَذِ وَصَبِيٍّ بِثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ نَجَسٌ، أَوْ غَيْرِ مُسْتَنْجٍ وَبَيْضَةٍ اسْتَحَالَتْ دَمًا وَعُنْقُودٍ اسْتَحَالَ بَاطِنُهُ خَمْرًا، وَمَيِّتٍ وَمَيْتَةٍ وَمُذَكَّاةٍ، وَلَوْ مِنْ نَحْوِ سَمَكٍ، وَمِنْهُ مَنْ وَصَلَ عَظْمَهُ بِنَجِسٍ.
قَالَهُ شَيْخُنَا. وَهُوَ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ اكْتَسَى جِلْدًا، أَوْ لَحْمًا وَفِي عُمُومِهِ وَقْفَةٌ فَرَاجِعْهُ، وَمِنْهُ مَا خُبِزَ بِسِرْجِينٍ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَخَالَفَهُ الْعَلَّامَةُ الْخَطِيبُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ، وَمِنْهُ مَا وَقَعَتْ فِيهِ مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا لَوْ حَمَلَهُ، وَهِيَ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.
(فَرْعٌ) يَحْرُمُ انْغِمَاسُ، مُسْتَجْمِرٍ فِي نَحْوِ مَاءٍ قَلِيلٍ لِتَنَجُّسِهِ بِهِ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ غَمْسَ نَحْوِ الذُّبَابِ، وَتَحْرُمُ الْمُجَامَعَةُ مَعَ اسْتِجْمَارِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلِزَوْجَتِهِ مَنْعُهُ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِنَحْوِ مُسَافِرٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَطِينُ الشَّارِعِ) وَكَذَا مَاؤُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَحَلُّ الْمُرُورِ.
قَوْلُهُ: (الْمُتَيَقَّنُ نَجَاسَتُهُ) وَلَوْ بِخَبَرِ عَدْلٍ، مَا لَمْ تَتَمَيَّزُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَنْهَا وَشَمِلَتْ نَجَاسَةُ الطِّينِ مَا لَوْ كَانَتْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَلَوْ مِنْ دَمِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ:(يُعْفَى عَنْهُ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا. كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي هَذَا وَجَمِيعِ الْمَعْفُوَّاتِ الْآتِيَةِ، وَخَرَجَ بِهِ نَحْوُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَالْمَاءِ الْقَلِيلِ وَالْمَائِعِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَتَلْوِيثِهِ، فَلَا يُعْفَى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ. يَنْبَغِي الْعَفْوُ عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ، كَإِخْرَاجِ مَائِعٍ مِنْ ظَرْفٍ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي، وَسَوَاءً أَصَابَهُ الطِّينُ الْمَذْكُورُ مِنْ شَارِعٍ، أَوْ مِنْ شَخْصٍ أَصَابَهُ أَوْ مِنْ مَحَلٍّ انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ انْتَفَضَ، كَمَا مَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا آخِرًا، وَلَا يُكَلَّف التَّحَرُّزَ فِي مُرُورِهِ عَنْهُ وَلَا الْعُدُولَ إلَى مَكَانٍ خَالٍ مِنْهُ. قَوْلُهُ:(عَمَّا يَتَعَذَّرُ) أَيْ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَهُوَ مَا لَا يُنْسَبُ صَاحِبُهُ إلَى سَقْطَةٍ أَوْ كَبْوَةٍ أَوْ قِلَّةِ تَحَفُّظٍ. قَوْلُهُ:(وَيَخْتَلِفُ) أَيْ الْعَفْوُ فِي الطِّينِ الْمَذْكُورِ، وَيُعْفَى فِي حَقِّ الْأَعْمَى، مَا لَا يُعْفَى فِي حَقِّ الْبَصِيرِ.
(فَرْعٌ) مِيَاهُ الْمَيَازِيبِ وَالسُّقُوفِ وَنَحْوِهَا، مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهَا وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِطَهَارَةِ أَوْرَاقٍ تُبْسَطُ رَطْبَةً عَلَى الْحِيطَانِ الْمَعْمُولَةِ بِالرَّمَادِ النَّجِسِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُعْفَى) أَيْ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ، أَوْ فِيهَا وَغَيْرِهَا مَا مَرَّ عَلَى عَامِرٍ. قَوْلُهُ:(عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ) وَمِثْلُهُ فَضَلَاتُ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ.
قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا عَمِيرَةُ وَمِثْلُهُ بَوْلُ الْخُفَّاشِ، كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا وَرَجَّحَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَفْوَ عَنْ كَثِيرِهِ أَيْضًا. قَالَ وَذَرْقُهُ كَبَوْلِهِ، وَقَالَ تَبَعًا لِابْنِ حَجَرٍ، وَكَذَا سَائِرُ الطُّيُورِ، وَيُعْفَى عَنْ ذَرْقِهَا وَبَوْلِهَا، وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ عَلَى نَحْوِ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا رَطْبًا أَوْ جَافًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا فَرَاجِعْهُ مَعَ مَا ذَكَرُوهُ فِي ذَرْقِ الطُّيُورِ فِي الْمَسَاجِدِ. فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَتِهِ لِمَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ مِنْ عَدَمِ الْعَفْوِ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ، نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالْعَفْوِ مُطْلَقًا فِيهَا فَالْوَجْهُ، حَمْلُ مَا هُنَا فِيهَا عَلَى مَا قَالُوهُ فَتَأَمَّلْ وَحَرِّرْ. قَوْلُهُ:(وَوَنِيمُ الذُّبَابِ) هُوَ رَوْثُهُ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَالْمُرَادُ الْقَلِيلُ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ، وَبَوْلُهُ كَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ بَوْلٌ وَلَعَلَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالْبَوْلِ فِي الطُّيُورِ، إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْمُشَاهَدُ عَدَمُهُ، وَالذُّبَابُ مُفْرَدٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَمْعُهُ ذِبَّانُ وَأَذِبَّةٌ كَغُرَابٍ وَغِرْبَانٍ وَأَغْرِبَةٍ. قَوْلُهُ:(فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ) سَوَاءٌ الْجَافُّ وَالرَّطْبُ بِعَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا
ــ
[حاشية عميرة]
الْإِرْشَادِ: أَوْ مَا فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا تُظَنُّ نَجَاسَتُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَغَلَّطُوا مَنْ ادَّعَى طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِي كُلِّ أَصْلٍ وَظَاهِرٍ، فَقَدْ نَجْزِمُ بِالظَّاهِرِ كَالْبَيِّنَةِ وَالْخَبَرِ وَمَسْأَلَةِ الظَّبْيَةِ، أَوْ بِالْأَصْلِ، كَمَنْ ظَنَّ طَهَارَةً أَوْ حَدَثًا أَوْ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقِيلَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ إلَى آخِرِهِ) وَكَذَا الْقُمَّلُ وَالْبَقُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَبَوْلُ الْخُفَّاشِ لِأَنَّهُ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى.
(فَائِدَةٌ) الْبَرَاغِيثُ مُفْرَدُهُ بُرْغُوثٌ بِالضَّمِّ، وَالْفَتْحُ قَلِيلٌ، وَالذُّبَابُ مُفْرَدٌ يَجْمَعُ عَلَى ذِبَّانِ وَأَذِبَّةٍ كَغُرَابٍ وَأَغْرِبَةٍ وَغِرْبَانٍ، وَلَا يُقَالُ ذُبَانَةٌ.
قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَالْأَزْهَرِيُّ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الذُّبَابُ مَعْرُوفٌ الْوَاحِدَةُ ذُبَابَةٌ، وَلَا يُقَالُ ذُبَانَةٌ بِنُونٍ فِي آخِرِهِ، وَجَمْعُ الْقِلَّةِ أَذِبَّةٌ، وَالْكَثْرَةُ ذِبَّانِ كَغُرَابٍ وَأَغْرِبَةٍ وَغِرْبَانٍ، انْتَهَى. قَوْلُهُ:(لِمُجَاوَزَتِهِ مَحِلِّهِ) هَذَا التَّعْلِيلُ مَوْجُودٌ فِي مَحِلِّ النَّجْوِ إذَا عَرِقَ، وَقَدْ
(بِالْعَادَةِ) وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ فَيَجْتَهِدُ الْمُصَلِّي فِي ذَلِكَ، فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ أَقَلِيلٌ هُوَ أَمْ كَثِيرٌ فَلَهُ حُكْمُ الْقَلِيلِ فِي أَرْجَحِ احْتِمَالِيّ الْإِمَامِ، وَالثَّانِي أَحْوَطُ. (قُلْت: الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ الْعَفْوُ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ، وَقُوَّةُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ تُعْطِي تَصْحِيحَ الْعَفْوِ فِي كَثِيرِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ، كَمَا صَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِاللُّبْسِ لِمَا قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: لَوْ حَمَلَ ثَوْبَ بَرَاغِيثِ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ إنْ كَثُرَ دَمُهُ ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا فِيهِ الْوَنِيمُ ثُمَّ دَمُ الْبَرَاغِيثِ رَشَحَاتٌ تَمُصُّهَا مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، ثُمَّ تَمُجُّهَا، وَلَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. (وَدَمُ الْبَثَرَاتِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ بَثْرَةٍ بِسُكُونِهَا، وَهِيَ خُرَّاجٌ صَغِيرٌ (كَالْبَرَاغِيثِ) أَيْ كَدَمِهَا فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَقَطْ عَلَى تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ سَوَاءٌ أَخَرَجَ بِنَفْسِهِ أَمْ عَصَرَهُ. (وَقِيلَ: إنْ عَصَرَهُ فَلَا) يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْهُ، وَصَحَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْعَفْوَ عَنْ كَثِيرِهِ وَعَنْ الْمَعْصُورِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْقَلِيلِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّافِعِيِّ، وَظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ تَصْحِيحُ الْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ الْمَعْصُورِ وَغَيْرِهِ.
(وَالدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ) أَيْ الْجِرَاحَاتِ (وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ قِيلَ كَالْبَثَرَاتِ) فَيُعْفَى عَنْ دَمِهَا قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى مَا سَبَقَ (وَالْأَصَحُّ) لَيْسَتْ مِثْلَهَا لِأَنَّهَا لَا تَكْثُرُ كَثْرَتَهَا فَيُقَالُ فِي دَمِهَا فِي جُزْئِيَّاتِهِ (إنْ كَانَ مِثْلَهُ يَدُومُ غَالِبًا
ــ
[حاشية قليوبي]
يُخْرِجُهُ عَنْ الْعَفْوِ مُلَاقَاتُهُ لِأَجْنَبِيٍّ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، كَمَاءِ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ أَوْ مَا تَسَاقَطَ، مِنْ نَحْوِ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ بُصَاقٍ، أَوْ مَاءِ حَلْقٍ أَوْ دُهْنِ رِيشَةٍ فَصَادَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(ثُمَّ تَمُجُّهَا) يُفِيدُ أَنَّ دَمَ الْبَرَاغِيثِ مِنْ الْقَيْءِ لَا مِنْ الرَّوْثِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِاللُّبْسِ) أَيْ الْعَفْوُ الْمَذْكُورُ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ، وَوَنِيمِ الذُّبَابِ مُقَيَّدٌ بِاللُّبْسِ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ. وَالْمُرَادُ بِاللُّبْسِ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ وَقُيِّدَ بِالْكَثِيرِ لِلْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ، وَلَوْ لِغَيْرِ اللُّبْسِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ:(الْعَفْوُ مُطْلَقًا) أَيْ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا لَكِنْ فِي اللُّبْسِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَمَحَلُّ الْعَفْوِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ لَا يَشُقُّ فِيهِمَا، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا بِفِعْلِهَا، أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَلَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ بِأَمْرِهِ أَوْ رِضَاهُ قَصْدًا فِيهِمَا، كَقَتْلِهِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ لَا فِي نَحْوِ نَوْمٍ. قَوْلُهُ:(عَنْ الْكَثِيرِ الْمَعْصُورِ) هُوَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْجِرَاحَاتُ) تَفْسِيرٌ لِلْقُرُوحِ، لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ:(وَكَثِيرُهُ) لَعَلَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ.
ــ
[حاشية عميرة]
قَالَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ بِالْعَفْوِ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ عُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي الْإِسْنَوِيِّ وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ حَيْثُ عَلَّلَ الْعَفْوَ وَالْآتِي بِعُمُومِ الْبَلْوَى، وَعَلَّلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي هَذَا عُسْرُ الِاحْتِرَازِ فَأَلْحَقَ غَيْرَ الْغَالِبِ مِنْهُ بِالْغَالِبِ كَالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(بِالْعَادَةِ) أَيْ فَمَا يَقَعُ التَّلَطُّخُ بِهِ غَالِبًا، وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ قَلِيلٌ وَإِنْ زَادَ فَكَثِيرٌ لِأَنَّ أَصْلَ الْعَفْوِ ثَبَتَ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ، فَيُنْظَرُ أَيْضًا فِي الْعُرْفِ إلَيْهِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَوْلُهُ:(فَلَهُ حُكْمُ الْقَلِيلِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَفْوُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْكَثْرَةِ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(مُطْلَقًا) هُوَ شَامِلٌ لِلْكَثِيرِ الْمُنْتَشِرِ بِعَرَقٍ بَلْ وَلِلْكَثِيرِ الْحَاصِلِ بِالْقَتْلِ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ فِي الثَّانِي كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ:(فِي الشَّرْحِ) أَيْ الشَّرْحُ الْكَبِيرُ. قَوْلُهُ: (كَمَا صَحَّحَهُ) أَيْ النَّوَوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِاللُّبْسِ) قُيِّدَ أَيْضًا بِعَدَمِ الْقَتْلِ كَمَا فِي مَتْنِ الْإِرْشَادِ، وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ دَمُ الْبَرَاغِيثِ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا مَذْكُورٌ تَوْطِئَةً لِمَعْنَى التَّشْبِيهِ الْآتِي. قَوْلُهُ: (بِسُكُونِهَا) وَالْفَتْحُ لُغَةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقِيلَ إنَّ عَصْرَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالْبَرَاغِيثِ. قَوْلُهُ: (وَصَحَّحَ) أَيْ النَّوَوِيُّ. قَوْلُهُ: (كَمَا قَيَّدَهُ إلَخْ) وَكَذَا فِي التَّحْقِيقِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْإِرْشَادُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَصْرِ مَحَلُّهُمَا عِنْدَ الْقِلَّةِ، ثُمَّ قَالَ يَعْنِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي دَمِ الْقَمْلَةِ وَنَحْوِهَا إذَا قَتَلَهَا فِي بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَاَلَّذِي قَالَهُ جَمِيعُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْصُورَ الْكَثِيرَ لَا يُعْفَى عَنْهُ جَزْمًا وَأَنَّ الْحُكْمَ فِي دَمِ الْمَقْتُولِ مِنْ نَحْوَ الْقُمَّلِ كَذَلِكَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْعَصْرُ هُنَا نَظِيرَ الْقَتْلِ هُنَاكَ، فَإِذَا خَرَجَ بِلَا عَصْرٍ وَلَا قَتْلٍ وَكَانَ قَلِيلًا عُفِيَ عَنْهُ جَزْمًا، وَكَذَا إنْ كَثُرَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ خَرَجَ بِعَصْرٍ أَوْ قَتْلٍ فَإِنْ كَثُرَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ، وَإِنْ قَلَّ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ: وَعِبَارَةُ الْكِتَابِ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ قَائِلٌ بِالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مَعَ الْعَصْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. قَوْلُهُ:(كَالرَّافِعِيِّ) أَيْ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ. قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَقِيلَ: إنَّ عَصْرَهُ فَلَا.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (قِيلَ كَالْبَثَرَاتِ) أَيْ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَالِبَةً فَلَيْسَتْ بِنَادِرَةٍ فَإِذَا وُجِدَتْ الدَّمَامِيلُ دَامَتْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ مِثْلَهُ إلَخْ) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: تَعْبِيرُ الْمُحَرِّرِ وَالْكِتَابِ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِيمَا يَدُومُ غَالِبًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ حُكْمُهُ كَدَمِ
فَكَالِاسْتِحَاضَةِ) أَيْ كَدَمِهَا فَيُحْتَاطُ لَهُ كَمَا قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِإِزَالَةِ مَا أَصَابَ مِنْهُ وَعَصْبِ مَحَلِّ جُرُوحِهِ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ نَظِيرَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، وَيُعْفَى عَمَّا يُسْتَصْحَبُ مِنْهُ بَعْدَ الِاحْتِيَاطِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ هُنَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ مِثْلَهُ لَا يَدُومُ غَالِبًا (فَكَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى) أَيْ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا لِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. (وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ) لِلتَّسَامُحِ فِيهِ فَيَكُونُ حُكْمُ ذَلِكَ الدَّمِ الَّذِي لَا يَدُومُ مِثْلُهُ غَالِبًا كَذَلِكَ فَفِيهِ عَدَمُ الْعَفْوِ، ثُمَّ فِي الِاحْتِيَاطِ فِي الَّذِي يَدُومُ مِثْلُهُ غَالِبًا عَدَمُ الْعَفْوِ أَيْضًا، وَمَا يُعْفَى بَعْدَهُ ضَرُورِيٌّ لَا خِلَافَ فِيهِ. (قُلْت الْأَصَحُّ أَنَّهَا كَالْبَثَرَاتِ وَالْأَظْهَرُ الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلِ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ) مِنْ إنْسَانٍ وَغَيْرِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ: بِغَيْرِ دَمِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْء مِنْهُ قَطْعًا، وَالْجُمْهُورُ سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ الْخِلَافُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ حَكَاهُ الْجُمْهُورُ قَوْلَيْنِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ مِنْ حِكَايَتِهِ وَجْهَيْنِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٍ.
(وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ كَالدَّمِ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهِ. لِأَنَّهُ أَصْلُهُمَا (وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ
ــ
[حاشية قليوبي]
قَوْلُهُ: (فِي جُزْئِيَّاتِهِ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ دُمَّلٍ عَلَى انْفِرَادِهِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ فِي الِاحْتِيَاطِ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الرَّدِّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ، حَيْثُ قَالَ: لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْعَفْوِ، عَمَّا يَدُومُ مِنْهَا. قَوْلُهُ:(وَالْأَظْهَرُ الْعَفْوُ) أَيْ فِي الصَّلَاةُ فَقَطْ عَلَى مَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (عَنْ قَلِيلَ دَمِ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مُغَلَّظٍ وَلَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ، وَلَمْ يَتَضَمَّخْ بِهِ عَبَثًا، كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِهِ، وَصَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَفْوُ عَنْ التَّضَمُّخِ بِهِ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يَتَضَمَّخَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ التَّضَمُّخِ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَعْفُوَّاتِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ، مَا يَعُمُّ دَمَ غَيْرِهِ، وَدَمَ نَفْسِهِ إذَا جَاوَزَ مَحَلَّ سَيَلَانِهِ غَالِبًا أَوْ انْتَقَلَ عَنْ مَحَلِّهِ، وَلَوْ مِنْ الْعُضْوِ إلَيْهِ أَوْ مِنْ عُضْوِهِ لِعُضْوِهِ الْآخَرِ، وَشَمِلَ الْعَفْوُ مَا كَانَ مُتَفَرِّقًا، وَلَوْ جُمِعَ صَارَ كَثِيرًا عُرْفًا، وَهُوَ كَذَلِكَ لِلتَّوَسُّعِ فِي الدَّمِ، وَفَارَقَ بِذَلِكَ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ.
قَوْلُهُ: (كَالدَّمِ) أَيْ دَمِ الْبَثَرَاتِ فِي نَجَاسَتِهِ. قَوْلُهُ: (فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهِ) أَيْ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ مِنْ عَدَمِ الْعَفْوِ عِنْدَ اخْتِلَاطِهِ بِأَجْنَبِيٍّ وَمِنْهُ رُطُوبَةُ الْمَنَافِذِ عِنْدَ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، كَدَمْعِهِ وَرِيقِهِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ حَجَرٍ، لِأَنَّهُ ضَرُورِيٍّ وَمِنْ عَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ الْكَثِيرِ بِفِعْلِهِ، كَعَصْرِ الدُّمَّلِ أَوْ مَحَلِّ الْفَصْدِ، أَوْ الْحَجْمِ أَوْ حَكِّ الدُّمَّلِ لِنَحْوِ وَضْعِ دَوَاءٍ عَلَيْهِ، وَلَوْ مُكْرَهًا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ رِضَاهُ، وَلَيْسَ مِنْ الْفِعْلِ فَجْرُ الدُّمَّلِ بِنَحْوِ إبْرَةٍ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا.
(فَرْعٌ) الْبَلْغَمُ الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ الْمَعِدَةِ طَاهِرٌ، وَالْخَارِجُ مِنْهَا نَجِسٌ، وَلَا يُعْفَى عَنْهُ إلَّا عَنْ فَمِ مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَيُعْفَى عَنْ الْخَارِجِ مِنْ فَمِ النَّائِمِ إنْ كَانَ مِنْ الْمَعِدَةِ يَقِينًا مُطْلَقًا، وَلَوْ فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ لِلْمَشَقَّةِ بِكَثْرَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَعِدَتِهِ يَقِينًا فَهُوَ طَاهِرٌ.
(تَنْبِيهٌ) مَتَى أُرِيدَ غَسْلُ نَجِسٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ كَطِينِ الشَّارِعِ، وَجَبَ فِيهِ مَا فِي غَيْرِهِ، وَمِنْهُ التَّسْبِيعُ وَالتُّرَابُ فِي نَحْوِ كَلْبٍ. نَعَمْ
ــ
[حاشية عميرة]
الِاسْتِحَاضَةِ بِلَا شَكٍّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ هُنَا وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
قَالَ فِي الْوَجِيزِ: وَلَطَخَاتُ الدَّمَامِيلِ وَالْفَصْدُ إنْ دَامَ غَالِبًا فَكَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِلَّا فَفِي إلْحَاقِهَا بِالْبَثَرَاتِ تَرَدُّدٌ اهـ. قُلْت يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا يَدُومُ مِثْلُهُ غَالِبًا وَلَيْسَ سَيَلَانُهُ دَائِمًا وَاَلَّذِي فِي هَذِهِ الْكُتُبِ عَلَى دَائِمِ السَّيَلَانِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، فَإِنَّ تَصْحِيحَ الْمُصَنِّفِ الْعَفْوُ كَمَا سَيَأْتِي لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا يَدُومُ وَمَا لَا يَدُومُ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(وَالْأَصَحُّ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ قِيلَ كَالْبَثَرَاتِ فَيُعْفَى. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَكَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ) أَيْ لِأَنَّ الْبَثَرَاتِ أَعَمُّ وُجُودًا مِنْهَا، وَأَغْلَبُ لَكِنْ سَلَفَ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَهُ عَلَى الْمُنْتَقِمِ بِقَرِينَةِ التَّشْبِيهِ بِدَمِ الْأَجْنَبِيِّ. قَوْلُهُ:(فَفِيهِ عَدَمُ الْعَفْوِ ثُمَّ فِي الِاحْتِيَاطِ إلَخْ) غَرَضُهُ مِنْ هَذَا أَنْ يُوَضِّحَ وَجْهَ اشْتِمَالِ التَّشْبِيهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَتْنِ عَلَى عَدَمِ الْعَفْوِ كَيْ يَتَّضِحَ بِذَلِكَ وَجْهُ مُقَابِلِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي الِاحْتِيَاطِ إلَخْ) تَوْجِيهٌ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَا يَدُومُ غَالِبًا بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالِاحْتِيَاطِ مَعْنَاهُ عَدَمُ الْعَفْوِ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قُلْت الْأَصَحُّ إلَخْ) هَذَا تَصْحِيحٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ قِيلَ كَالْبَثَرَاتِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْأَظْهَرُ الْعَفْوُ عَنْ قَلِيلٍ إلَخْ) لَوْ تَلَطَّخَ بِهِ عَمْدًا، فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ يَعُدُّ حِكَايَةَ التَّقْيِيدِ عَنْ صَاحِبِ
وَالْمُتَنَفِّطُ الَّذِي لَهُ رِيحٌ) كَالدَّمِ فِي نَجَاسَتِهِ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ. (وَكَذَا بِلَا رِيحٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِتَحَلُّلِهِ بَعْلَةٍ، وَالثَّانِي هُوَ طَاهِرٌ كَالْعَرَقِ. (قُلْت: الْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) أَيْ أَنَّهُ طَاهِرٌ قَطْعًا كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ. (وَلَوْ صَلَّى بِنَجِسٍ) غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ (لَمْ يَعْلَمْهُ) ثُمَّ عَلِمَهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ. (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الْقَضَاءُ فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَالْقَدِيمُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ. (وَإِنْ عَلِمَ) بِالنَّجَسِ (ثُمَّ نَسِيَ) فَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ (وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ وَجَبَ قَطْعًا الْإِعَادَةُ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ التَّطْهِيرِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي وُجُوبُهُ الْقَوْلَانِ لِعُذْرِهِ بِالنِّسْيَانِ وَالْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَجِبُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ مُصَاحَبَةَ النَّجَسِ لَهَا بِخِلَافِ مَا احْتَمَلَ حُدُوثَهُ بَعْدَهَا فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
ــ
[حاشية قليوبي]
قَدْ مَرَّ فِي النَّجَاسَةِ عَنْ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ، لِأَجْلِ تَنْظِيفِهِ مِنْ الْوَسَخِ لَمْ يَضُرَّ بَقَاءُ لَوْنِ الدَّمِ فِيهِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاطُهُ بِمَاءِ الْغُسْلِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ:(وَجَبَ قَطْعًا) حَمَلَ الْمَذْهَبَ عَلَى طَرِيقِ الْقَطْعِ لِقَرِينَةِ الْعُدُولِ عَنْ الْأَظْهَرِ إلَيْهِ، وَلِيُوَافِقَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ تَصْحِيحِهَا وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا أَصْلِهَا تَرْجِيحٌ لِوَاحِدٍ مِنْ الطَّرِيقِينَ. قَوْلُهُ:(لِفَوَاتِ الشَّرْطِ) هُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بِالتَّفْرِيطِ، إذْ لَا تَفْرِيطَ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ أَصَالَةً، وَلِمَا يَلْزَمُ عَلَى التَّفْرِيطِ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَوْرًا بَعْدَ الْوَقْتِ، مَعَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَذَكَرَ الشَّارِحُ التَّفْرِيطَ فِي الثَّانِيَةِ لِأَجْلِ طَرِيقِ الْقَطْعِ فِيهَا وَعَلَيْهِ، فَالْقَضَاءُ فِيهَا عَلَى الْفَوْرِ وَقِيلَ عَلَى التَّرَاخِي. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ مَا احْتَمَلَ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ وَهُوَ يَشْمَلُ مَا بِرَاجِحِيَّةٍ أَوْ مَرْجُوحِيَّةٍ، أَوْ اسْتِوَاءٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ نَظَرًا لِلتَّخْفِيفِ، عَلَى وِزَانِ مَنْ شَكَّ بَعْدَ صَلَاتِهِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ.
نَعَمْ قَدْ مَرَّ فِيمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ أَنَّهُ يَقْضِي مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِعْلُهُ مِنْهَا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هُنَا قَدْ وُجِدَ الْفِعْلُ يَقِينًا، فَلَمْ يُوجِبُوا الْقَضَاءَ مَعَ الشَّكِّ فِي الصِّحَّةِ، قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الشَّكَّ لَيْسَ فِي الْفِعْلِ، وَعَدَمِهِ إذْ لَا جَامِعَ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي أَنَّهُ هَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ قَضَاءٌ، وَمَا هُنَا مِنْ هَذِهِ فَتَأَمَّلْ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي الْأَوَّلِ بُعْدٌ وَلَعَلَّهُ مَحْمَلُ قَوْلِ الْقَاضِي، بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ اهـ.
(فَرْعٌ) لَوْ مَاتَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ، فَفِي وُسْعِ اللَّهِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ لِعُذْرِهِ حَالَةَ الْفِعْلِ، وَلَا يُنَافِيه الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالتَّفْرِيطِ عَلَى مَا مَرَّ، لِأَنَّهُ لِتَرَتُّبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَيَجِبُ إعْلَامُ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ كَمَا مَرَّ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا وَيَجِبُ قَبُولُ خَبَرِ الْعَدْلِ فِيهَا، وَفِي نَحْوِ كَشْفِ عَوْرَةٍ، وَكُلِّ مُبْطِلٍ فَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فِي كَلَامٍ قَلِيلٍ مُبْطِلٍ، وَيَجِبُ تَعْلِيمُ مَنْ رَآهُ يُخِلُّ بِعِبَادَةٍ فِي رَأْي مُقَلِّدِهِ، عَيْنًا إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ، وَلَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ إنْ قُوبِلَ بِهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ عَدَمِ بَذْلِهَا وَيَلْزَمُ الْقَادِرُ عَلَيْهَا بَذْلُهَا، وَمَحَلُّ الْوُجُوبِ مَعَ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ.
ــ
[حاشية عميرة]
الْبَيَانِ، وَلَمْ أَجِدْ تَصْرِيحًا بِمُخَالَفَتِهِ وَلَا مُوَافَقَتِهِ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: قَدْ وَافَقَهُ الشَّيْخُ نَصْرُ فِي فَتَاوِيهِ الْمَقْصُودُ، قَالَ أَعْنِي الْإِسْنَوِيُّ: وَمِمَّا يُعْفَى عَنْهُ الْبَلْغَمُ إذَا كَثُرَ كَمَا سَبَقَ فِي النَّجَاسَاتِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَصْلُهُمَا) عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ لِأَنَّهُمَا دَمَانِ مُسْتَحِيلَانِ إلَى نَتِنٍ وَفَسَادٍ. قَوْلُهُ: (كَالدَّمِ فِي نَجَاسَتِهِ) قِيَاسًا عَلَى الْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَكَذَا بِلَا رِيحٍ) .
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَحَيْثُ نَجَّسْنَاهُ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ دَمِ الْبَثَرَاتِ لَا دَمَ الْقُرُوحِ. قَوْلُهُ: (أَيْ إنَّهُ طَاهِرٌ قَطْعًا) يُرِيدُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَبَّرَ بِهِ عَنْ طَرِيقَةِ الْقَطْعِ، وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَظْهَرِ وَمُقَابِلِهِ عَلَى طَرِيقَةِ الْخِلَافِ. قَوْلُهُ:(لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ) وَلِحَدِيثِ النَّعْلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَجَبَ عَلَى الْمَذْهَبِ) .
(فَرْعٌ) لَوْ رَأَيْنَا فِي ثَوْبِ شَخْصٍ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُهَا وَجَبَ عَلَيْنَا إعْلَامُهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ، بَلْ هُوَ كَزَوَالِ الْمُفْسِدِ، قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَوْلُهُ:(لَكِنْ يُسْتَحَبُّ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي يَشُكُّ فِي أَنَّهَا عَلَيْهِ.