الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهَا، هَذَا إنْ سَمِعَ الْإِمَامَ (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) لِبُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَنَتَ) كَمَا يَقْنُتُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ.
(وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ) أَوْ يُسْتَحَبُّ (فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ) أَيْ بَاقِيهَا (لِلنَّازِلَةِ) كَالْوَبَاءِ وَالْقَحْطِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَالْعَدُوِّ لِأَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ الْقُرَّاءِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ» ، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيُقَاسُ غَيْرُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ (لَا مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ) لِعَدَمِ وُرُودِ ذَلِكَ فِي النَّازِلَةِ وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقُنُوتِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ، وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِهِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ، وَمَحَلُّهُ اعْتِدَالُ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ.
(السَّابِعُ: السُّجُودُ وَأَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ جَبْهَتِهِ مُصَلَّاهُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا حَائِلٌ كَعِصَابَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ لِجِرَاحَةٍ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَمُوَافَقَتُهُ الْإِمَامَ أَوْلَى كَبَقِيَّةِ أَدْعِيَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ بِصَدَقْتَ وَبَرَرْت مَعَ أَنَّهُ خِطَابُ آدَمِيٍّ لِمَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مِنْ الرَّابِطَةِ، وَلَوْ رَوَّدَهُ أَيْضًا، وَبِذَلِكَ فَارَقَ إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ مِنْ الْمُصَلِّي كَمَا مَرَّ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ بِالْبُطْلَانِ فِيهِمَا وَكَالثَّنَاءِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ النَّارِ وَسُؤَالُ الْجَنَّةِ وَنَحْوُهُمَا مِمَّا يُطْلَبُ مِنْ الْمَأْمُومِ فِعْلُهُ فَيُوَافِقُ الْإِمَامَ فِيهِ إنْ جَهَرَ بِهِ وَإِلَّا أَسَرَّهُ.
قَوْلُهُ: (فَيُؤَمِّنُ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤَمِّنْ إنْ أَتَى فِيهَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ نَحْوُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَيُوَافِقُ فِيهَا إنْ أَتَى بِغَيْرِ لَفْظِهِ نَحْوُ: وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَا يَأْتِي بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مَرْدُودٌ، وَإِنْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنَّفَاتِ وَلَوْ أَتَى الْإِمَامُ بِقُنُوتِ الْإِمَامِ عُمَرَ، فَقَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ نَقْلًا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إنَّهُ يُشَارِكُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى: اللَّهُمَّ عَذِّبْ الْكَفَرَةَ فَيُؤَمِّنُ إلَخْ، وَيَتَوَقَّفُ فِي أَوَّلِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ. قَوْلُهُ:(فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) وَكَذَا لَوْ سَمِعَ صَوْتَهُ وَلَمْ يُمَيِّزْ حُرُوفَهُ. قَوْلُهُ: (قَنَتَ) أَيْ سِرًّا كَمَا يَقْنُتُ الْمَأْمُومُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يُسِرُّ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ فِي الصُّبْحِ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْتَى فِي كُلِّ نَازِلَةٍ بِمَا يُنَاسِبُهَا. قَوْلُهُ: (أَيْ بَاقِيهَا) لِأَنَّ الصُّبْحَ فِيهَا الْقُنُوتُ مُطْلَقًا، وَخَرَجَ بِالْمَكْتُوبَاتِ غَيْرُهَا فَيُكْرَهُ فِي الْجِنَازَةِ وَفِي نَفْلٍ لَمْ تُطْلَبْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ. وَيُبَاحُ فِيمَا طُلِبَتْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ مِنْهُ. قَوْلُهُ (لِلنَّازِلَةِ) أَيْ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ بِمَنْ يَقْنُتُ أَوْ بِغَيْرِهِ وَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَعَالِمٍ وَشُجَاعٍ كَمَا قَيَّدَ بِهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ شَيْخُنَا: الزِّيَادِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ. قَوْلُهُ: (كَالْوَبَاءِ وَالْقَحْطِ) وَكَذَا الْجَرَادُ وَالطَّاعُونُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ) أَيْ يُبَاحُ فِي النَّازِلَةِ وَغَيْرِهَا، وَالثَّالِثُ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ:(وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِهِ) أَيْ لَا الْمُنْفَرِدُ وَفِيهِ مَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (السُّجُودُ) وَهُوَ لُغَةً التَّطَامُنُ وَالذِّلَّةُ وَالْخُضُوعُ وَشَرْعًا مَا سَيَأْتِي، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الرُّكُوعِ، وَمِنْهُ {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] كَمَا مَرَّ، وَمِنْهُ {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} [البقرة: 34] وَحِكْمَةُ تَكْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ كَوْنُهُ مَحَلَّ إجَابَةِ الدُّعَاءِ أَوْ لِأَنَّ آدَمَ صلى الله عليه وسلم
سَجَدَ لَمَّا أُخْبِرَ بِأَنَّ اللَّهَ تَابَ عَلَيْهِ، فَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ رَأَى قَبُولَ تَوْبَتِهِ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَسَجَدَ ثَانِيًا، أَوْ لِأَنَّ النَّفْسَ عَاتَبَتْ صَاحِبَهَا بِوَضْعِ أَشْرَفِ أَعْضَائِهِ عَلَى مَحَلِّ مَوَاطِئِ الْأَقْدَامِ وَقَرْعِ النِّعَالِ فَأَعَادَهُ إرْغَامًا لَهَا، أَوْ لِأَنَّ إبْلِيسَ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْهُ حِينَ أُمِرَ بِهِ لِآدَمَ فَكَرَّرَ رَغْمًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ:(جَبْهَتِهِ) وَهِيَ طُولًا مَا بَيْنَ صُدْغَيْهِ وَعَرْضًا مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهَا حَائِلٌ) نَعَمْ لَا يَضُرُّ شَعْرٌ نَبَتَ عَلَيْهَا أَوْ بَعْضُهَا فَيَكْفِيهِ السُّجُودُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْهَا، وَإِنْ سَهُلَ عَلَى الْخَالِي مِنْهُ لِأَنَّهُ مِثْلُ بَشَرَتِهَا وَخُصَّتْ بِالْكَشْفِ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ لِسُهُولَتِهِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ غَايَةِ
ــ
[حاشية عميرة]
أَيْ يَجْهَرُ كَتَأْمِينِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ، وَأَمَّا إذَا قَالَ الثَّنَاءَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُسِرُّهُ. قَوْلُهُ:(وَالثَّانِي يُؤَمِّنُ فِيهِ أَيْضًا) أَيْ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّأْمِينَ وَإِنْ قَارَنَ الثَّنَاءَ يَرْجِعُ إلَى الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الثَّنَاءَ الْمَذْكُورَ لَهُ ارْتِبَاطٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ السَّابِقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ قَنَتَ) لَوْ سَمِعَ صَوْتًا لَمْ يَفْهَمْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَعَدَمِ السَّمَاعِ بِالْكُلِّيَّةِ. قَوْلُهُ: (كَمَا يَقْنُتُ بِنَاءً) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ كَمَا يَقْنُتُ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِلْإِمَامِ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا إنْ سَمِعَ الْإِمَامَ.
[الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ]
قَوْلُهُ: (أَيْ بَاقِيهَا) أَيْ، وَأَمَّا الصُّبْحُ فَقَدْ سَلَفَ.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ كَانَتْ النَّازِلَةُ خَاصَّةً فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ نَزَلَتْ بِهِ وَلِغَيْرِهِ الْقُنُوتُ مَحَلُّ نَظَرٍ. قَوْلُهُ: (قَنَتَ شَهْرًا) .
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: كَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْقُنُوتِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ دَفْعَ تَمَرُّدِ الْقَاتِلِينَ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ النَّازِلَةِ كَمَا شَرَحَهُ كَذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ قُلْت: الْكَلَامُ حِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: أَوَّلًا أَنْ يُشْرَعَ بِمَعْنَى يُسْتَحَبُّ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْفِيَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ لَا عَدَمُ الْجَوَازِ فَلْيُتَأَمَّلْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا مُقَابِلًا لِأَوَّلِ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ إلَخْ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (السُّجُودُ) هُوَ لُغَةً التَّطَامُنُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَقَلُّهُ مُبَاشَرَةُ) سَيَأْتِي دَلِيلُهُ فِي
أَجْزَأَ السُّجُودُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ، ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْمُرَادُ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فِي إزَالَةِ الْعِصَابَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ فَقَالَ: وَشَقَّ إزَالَتُهَا (فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ) كَطَرَفِ عِمَامَتِهِ (جَازَ إنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ) فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، فَإِنْ سَجَدَ عَلَيْهِ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، أَوْ جَاهِلًا أَوْ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ، وَيَجِبُ إعَادَةُ السُّجُودِ، قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(وَلَا يَجِبُ وَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ) فِي السُّجُودِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ وَضْعُهَا لَوَجَبَ الْإِيمَاءُ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ وَضْعِهَا وَالْإِيمَاءِ بِهَا لَا يَجِبُ فَلَا يَجِبُ وَضْعُهَا (قُلْت: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» وَالْأَوَّلُ يَقُولُ الْأَمْرُ فِيهِ أَمْرُ نَدْبٍ فِي غَيْرِ الْجَبْهَةِ، وَيَكْفِي عَلَى الْوُجُوبِ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَالِاعْتِبَارُ فِي الْيَدِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ سَوَاءٌ الْأَصَابِعُ وَالرَّاحَةُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي الرِّجْلِ بِبُطُونِ الْأَصَابِعِ وَلَا يَجِبُ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْهَا وَعَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ يُتَصَوَّرُ رَفْعُ جَمِيعِهَا بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَجَرَيْنِ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ قَصِيرٌ يَنْبَطِحُ عَلَيْهِ عِنْدَ السُّجُودِ وَيَرْفَعُهَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا (وَيَنَالَ مَسْجَدُهُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ بِضَبْطِ الْمُصَنَّفِ أَيْ مَوْضِعُ سُجُودِهِ (ثِقَلَ رَأْسِهِ) فَإِنْ سَجَدَ عَلَى قُطْنٍ أَوْ نَحْوِهِ وَجَبَ أَنْ يَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْكَبِسَ وَيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي يَدٍ لَوْ فُرِضَتْ تَحْتَ
ــ
[حاشية قليوبي]
التَّوَاضُعِ بِمُبَاشَرَةِ الْإِنْسَانِ بِأَشْرَفِ أَعْضَائِهِ مَوَاطِئَ الْأَقْدَامِ وَقَرْعَ النِّعَالِ كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَوْرَةً فِي الصَّلَاةِ لِكُلِّ أَحَدٍ أَصَالَةً.
قَوْلُهُ: (مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ) أَيْ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ وَلَا إعَادَةَ إلَّا إنْ كَانَ تَحْتَهَا نَجَسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى مُتَّصِلٍ بِهِ) أَيْ وَلَيْسَ جُزْءًا مِنْ بَدَنِهِ كَشَرْعٍ وَسِلْعَةٍ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ مَا مَرَّ. قَوْلُهُ:(كَطَرَفِ عِمَامَتِهِ) أَيْ وَهِيَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفِهِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ لَمْ يَضُرَّ كَمِنْدِيلٍ وَعُودٍ فِيهَا وَلَوْ الْتَصَقَ بِجَبْهَتِهِ شَيْءٌ فِي سَجْدَتِهِ، فَإِنْ نَحَّاهُ قَبْلَ سُجُودِهِ ثَانِيًا لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا لَمْ يُحْسَبْ. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ مَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ) أَيْ فِي قِيَامِهِ إنْ صَلَّى قَائِمًا أَوْ فِي قُعُودِهِ إنْ صَلَّى قَاعِدًا، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَشَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ أَنَّ مَا يَتَحَرَّكُ فِي قِيَامِهِ يَضُرُّ وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِدْرَاكُ قَوْلِهِمْ أَوْ قُعُودُهُ فَتَأَمَّلْ وَالْحَرَكَةُ خَاصَّةٌ بِالْجَبْهَةِ. قَوْلُهُ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ إنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ زَوَالِهِ وَسُجُودِهِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا لَمْ تَبْطُلْ، نَعَمْ إنْ قَصَدَ ابْتِدَاءَ الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ شُرُوعِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمُبْطَلَ وَشَرَعَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ وَضْعُ جُزْءٍ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ وُجُوبَ وَضْعِ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَهُوَ يَشْمَلُ بَعْضَ بَاطِنِ أُصْبُعٍ فَيَكْفِي وَإِنْ كُرِهَ الِاقْتِصَارُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ. قَوْلُهُ:(سَوَاءٌ الْأَصَابِعُ وَالرَّاحَةُ) أَيْ غَيْرُ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ كَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ: (بِبُطُونِ الْأَصَابِعِ) أَيْ الْأَصْلِيَّةِ وَلَوْ قُطِعَتْ الْكَفُّ أَوْ الْأَصَابِعُ مِنْ الرِّجْلِ سَقَطَ الْوَاجِبُ كَمَا قَالُوهُ، وَظَاهِرُهُ السُّقُوطُ، وَإِنْ جَعَلَ لَهَا بَدَلًا مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقِيَاسُ نَظَائِرِهَا وُجُوبُ وَضْعِ الْبَدَلِ إنْ سَهُلَ فَرَاجِعْهُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِمَشَقَّةٍ وَضْعُ الْبَاطِنِ هُنَا فِي الْجُمْلَةِ أَوْ يُقَالُ إنْ وَجَبَ غَسْلُهُ وَجَبَ وَضْعُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْأَعْضَاءُ فَإِنْ عُلِمَ الزَّائِدَةُ مِنْهَا لَمْ يَكْفِ وَضْعُهُ أَوْ الْأَصْلِيُّ كَفَى وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُ كَمَا مَرَّ أَوْ اشْتَبَهَ وَجَبَ وَضْعُ جُزْءٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمُشْتَبَهَيْنِ، وَلَا يَكْفِي الْمُشْتَبَهُ مَعَ عَدَمِ وَضْعِ أَصْلِيٍّ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. قَوْلُهُ:(وَلَا يَجِبُ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْهَا) بَلْ يُكْرَهُ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ مُطْلَقًا وَالْقَدَمَيْنِ وَالْيَدَيْنِ مِنْ غَيْرِ الذَّكَرِ بَلْ يَحْرُمُ كَشْفُهَا إنْ لَزِمَ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ) أَيْ حَالَ وَضْعِ جَمِيعِ مَا يَجِبُ وَضْعُهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهُوَ حَالَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ. قَوْلُهُ: (بِفَتْحِ الْجِيمِ) أَيْ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا لَكِنْ فِيهِ إيهَامُ الْمَوْضِعِ الْمُتَّخَذِ مَسْجِدًا لِأَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ. قَوْلُهُ:(وَيَظْهَرُ أَثَرُهُ) أَيْ أَنْ يُحِسَّ بِهِ حَيْثُ أَمْكَنَ عُرْفًا لَا نَحْوُ قِنْطَارِ قُطْنٍ مَثَلًا، وَمِنْ ذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَى التِّبْنِ،
ــ
[حاشية عميرة]
حَدِيثِ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لِلشَّارِحِ مِثْلُ هَذَا بِتَرْكِ الدَّلِيلِ أَوْ لِعُمُومِ دَلِيلٍ يَأْتِي بَعْدَ مُحَافَظَةٍ عَلَى الِاخْتِصَارِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْهَا) فِي الْحَدِيثِ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا» وَهُوَ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ كَشْفِ الْأَكُفِّ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَعَلَّلَ عَدَمَ الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ الْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ قَدْ حَصَلَ بِهِ غَايَةُ التَّوَاضُعِ وَأَيْضًا هِيَ بَارِزَةٌ لَا تَشُقُّ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِهَا بِخِلَافِ الْكَفَّيْنِ، فَقَدْ
ذَلِكَ (وَأَنْ لَا يَهْوِيَ لِغَيْرِهِ) بِأَنْ يَهْوِيَ لَهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ (فَلَوْ سَقَطَ لِوَجْهِهِ) أَيْ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ السُّجُودِ (وَجَبَ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ) لِيَهْوِيَ مِنْهُ لِانْتِفَاءِ الْهَوِيِّ فِي السُّقُوطِ وَلَوْ هَوَى لِيَسْجُدَ فَسَقَطَ عَلَى جَبْهَتِهِ إنْ نَوَى الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا لَمْ يُحْسَبْ عَنْ السُّجُودِ وَإِلَّا حُسِبَ.
(وَأَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ فِي الْأَصَحِّ) بِأَنْ يَرْفَعَ أَسَافِلَهُ فِيمَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الْجَبْهَةِ مُرْتَفِعًا قَلِيلًا.
وَالثَّانِي يَجُوزُ تَسَاوِي الْأَسَافِلِ وَالْأَعَالِي، فَلَا حَاجَةَ إلَى رَفْعِ الْأَسَافِلِ فِيمَا ذُكِرَ، وَمَهْمَا كَانَ الْمَكَانُ مُسْتَوِيًا فَالْأَسَافِلُ أَعْلَى، وَلَوْ كَانَتْ الْأَعَالِي أَعْلَى مِنْ الْأَسَافِلِ لِارْتِفَاعِ مَوْضِعِ الْجَبْهَةِ كَثِيرًا لَمْ يُجْزِئْهُ جَزْمًا لِعَدَمِ اسْمِ السُّجُودِ، كَمَا لَوْ أَكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ إلَّا مَمْدُودَ الرِّجْلَيْنِ أَجْزَأَهُ، ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ.
(وَأَكْمَلُهُ: يُكَبِّرُ لِهَوِيِّهِ بِلَا رَفْعٍ) لِيَدَيْهِ (وَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ) أَيْ كَفَّيْهِ لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي التَّكْبِيرِ الشَّيْخَانِ، وَفِي عَدَمِ الرَّفْعِ
ــ
[حاشية قليوبي]
وَلَا يَجِبُ التَّحَامُلُ فِي غَيْرِ الْجَبْهَةِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ:(بِأَنْ يَهْوَى إلَخْ) دَفَعَ بِذَلِكَ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْ وُجُوبِ قَصْدِ نَفْيِ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ التَّفْرِيغُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَلَوْ سَقَطَ إلَخْ، لَكِنْ فِي كَلَامِهِ إيهَامُ أَنَّ الْهَوِيَّ بِقَصْدِ غَيْرِ السُّجُودِ مَعَهُ مُضِرٌّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا ضَرَّ مَعَ الْإِطْلَاقِ لِسَبْقِ قَصْدِ الصَّارِفِ عَلَيْهِ فَاسْتَصْحَبَ وَلَوْ لَمْ يَسْبِقْ قَصْدُ الصَّارِفِ لَمْ يَضُرَّ الْإِطْلَاقُ. قَوْلُهُ:(إنْ نَوَى الِاعْتِمَادَ عَلَيْهَا) أَيْ فَقَطْ لَمْ تُحْسَبْ عَنْ السُّجُودِ لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي نَوَى الِاعْتِمَادَ فِيهِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ، فَقَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ أَدْنَى رَفْعٍ وَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هُوِيَّهُ قَبْلَ نِيَّةِ الِاعْتِمَادِ مُعْتَدٌّ بِهِ وَبَعْدَهَا لَاغٍ فَرَفَعَهُ إنْ كَانَ لِمَا قَبْلَهَا فَهُوَ زِيَادَةُ فِعْلٍ بِلَا مُوجِبٍ فَيَضُرُّ أَوْ لِمَا بَعْدَهَا فَهُوَ نَقْصٌ عَمَّا عَلَيْهِ فَلَا يَكْفِي وَبِهَذَا عُلِمَ مَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْعَوْدِ إلَى الِاعْتِدَالِ، وَمَا فِي قَوْلِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الطَّنْدَتَائِيِّ مِنْ وُجُوبِ عَوْدِهِ لِمَحَلِّ السُّقُوطِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ الِاعْتِمَادَ عَلَى جَبْهَتِهِ فَقَطْ سَوَاءٌ نَوَى السُّجُودَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الِاعْتِمَادِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا. قَوْلُهُ: (حُسِبَ) أَيْ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ قَبْلَ الصَّارِفِ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يُعَدُّ فِعْلًا، وَلَوْ سَقَطَ لِجَنْبِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِمِثْلِ مَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ غَيْرَ الْهَوِيِّ فَلَهُ السُّجُودُ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ إنْ لَمْ يَنْوِ بِرَفْعِهِ مِنْهُ الِاسْتِقَامَةَ فَقَطْ وَإِلَّا وَجَبَ الْجُلُوسُ لِيَسْجُدَ مِنْهُ وَلَا يَقُومُ، فَإِنْ قَامَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
قَوْلُهُ: (أَسَافِلُهُ) وَهِيَ عَجِيزَتُهُ وَمَا حَوْلَهَا، وَأَعَالِيهِ رَأْسُهُ وَمَنْكِبَاهُ، وَكَذَا يَدَاهُ. قَوْلُهُ:(وَمَهْمَا إلَخْ) أَيْ مَتَى سَجَدَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَطْلُوبَةِ فِي السُّجُودِ، مِنْ رَفْعِ بَطْنِهِ عَنْ فَخِذَيْهِ وَكَانَ الْمَكَانُ مُسْتَوِيًا، لَزِمَ أَنْ تُرْفَعَ الْأَسَافِلُ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَلَا يَجُوزُ فَهْمُ غَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ:(أَجْزَأَهُ) أَيْ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ إلَّا بِوَضْعِ نَحْوِ مِخَدَّةٍ تَحْتَ رِجْلَيْهِ أَوْ رَأْسِهِ، فَيَجِبُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا إنْ حَصَلَ حَقِيقَةُ السُّجُودِ بِتَنْكِيسٍ وَغَيْرِهِ، وَإِلَّا فَيُنْدَبُ. فَلَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ لَوْ يُمْكِنُهُ التَّنْكِيسُ لِمَيْلِهَا، صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ بَعْضُ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ إتْمَامُ بَعْضِ الْأَرْكَانِ، وَلَيْسَ لَهُ صَلَاةُ النَّفْلِ مَعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلَهُ يُكَبِّرُ لِهُوِيِّهِ) أَيْ يَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ مَعَ ابْتِدَاءِ
ــ
[حاشية عميرة]
تَشُقُّ مُبَاشَرَةُ الْأَرْضِ بِهِمَا لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، كَذَا قَالُوهُ، وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي مُسْلِمٍ وَدَلَالَتُهَا بَيِّنَةٌ تَحْتَاجُ إلَى قُوَّةٍ فِي الْجَوَابِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ أَجَابَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ مُلْتَفٌّ بِهِ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَيْهِ يَقِيهِ بَرْدَ الْحَصَى، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
قَوْلُهُ: (بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ) إنَّمَا ضَبَطَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْكَسْرَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا يُوهِمُ هُنَا إرَادَةَ الْمَوْضِعِ الْمُتَّخَذِ مَسْجِدًا قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَجَدَ عَلَى قُطْنٍ إلَخْ) الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا سَجَدْت فَمَكِّنْ جَبْهَتَك مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَنْقُرْ نَقْرًا» وَذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّحَامُلِ، قَالَ: وَيَكْفِي مُجَرَّدُ الْإِمْسَاسِ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يُقِلَّ رَأْسَهُ اهـ.
(فَرْعٌ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَعْضَاءَ السِّتَّةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّحَامُلُ وَقَدْ يُوَجَّهُ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ هَوَى لِيَسْجُدَ إلَخْ) مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَصَدَ الْهَوِيَّ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ السُّقُوطُ قَبْلَ فِعْلِ الْهَوِيِّ، كَذَا رَأَيْته فِي ابْنِ شُهْبَةَ، وَفِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ:(وَإِلَّا حَسَبَ) اسْتِصْحَابًا لِلْقَصْدِ الْأَوَّلِ، أَيْ: وَلَا يَقْدَحُ كَوْنُ السُّقُوطِ لَيْسَ فِعْلًا بِالِاخْتِيَارِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ) الْمُرَادُ بِالْأَسَافِلِ الْعَجِيزَةُ وَبِالْأَعَالِي الرَّأْسُ وَالْمَنْكِبَانِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ «أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنه وَضَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ، وَقَالَ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ» . قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَجُوزُ تَسَاوِي الْأَسَافِلِ وَالْأَعَالِي) عَلَّلَ بِحُصُولِ اسْمِ السُّجُودِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَمَهْمَا كَانَ الْمَكَانُ مُسْتَوِيًا إلَخْ) إذَا نَظَرْت إلَى مَا سَلَفَ مِنْ اعْتِبَارِ وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ اتَّضَحَ لَك مَا قَالَهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ:
الْبُخَارِيُّ، وَفِي الْبَاقِي الْأَرْبَعَةُ، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، (ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ) لِلِاتِّبَاعِ فِي ضَمِّ الْأَنْفِ إلَى الْجَبْهَةِ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ تَثْلِيثٍ مُسْلِمٌ وَبِهِ أَبُو دَاوُد. (وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ) عَلَى ذَلِكَ تَخْفِيفًا عَلَى الْمَأْمُومِينَ (وَيَزِيدُ الْمُنْفَرِدُ اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ جَعَلَ لِطُولِهِ زِيَادَةً لِلْمُنْفَرِدِ وَأَلْحَقَ بِهِ إمَامَ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ.
(وَيَضَعُ يَدَيْهِ) فِي سُجُودِهِ (حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ فِي النَّشْرِ وَالضَّمِّ الْبُخَارِيُّ وَفِي الْبَاقِي الْبَيْهَقِيُّ (وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ وَيَرْفَعُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) لِلِاتِّبَاعِ فِي الثَّلَاثَةِ فِي السُّجُودِ وَفِي الثَّالِثِ فِي الرُّكُوعِ، رَوَاهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ فِي السُّجُودِ أَبُو دَاوُد، وَفِي الثَّالِثِ فِيهِ الشَّيْخَانِ، وَفِي الثَّالِثِ فِي الرُّكُوعِ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيُقَاسُ الْأَوَّلَانِ فِيهِ الْمَزِيدَانِ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ بِالْأَوَّلَيْنِ فِي السُّجُودِ، وَفِي الرَّوْضَةِ يُسْتَحَبُّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ بِشِبْرٍ وَيُقَاسُ بِهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ.
(وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى) بَعْضَهُمَا إلَى بَعْضٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا اقْتَضَاهُ السِّيَاقُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا وَأَحْوَطُ لَهُ، وَضَمُّ الْخُنْثَى الْمَزِيدُ عَلَى الْمُحَرَّرِ مَذْكُورٌ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الرُّكُوعِ وَفِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي السُّجُودِ أَيْضًا، وَفِيهِ هُنَا عَنْ نَصِّ الْأُمِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَضُمُّ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَيْ الْمَرْفِقَيْنِ إلَى الْجَنْبَيْنِ.
(الثَّامِنُ الْجُلُوسُ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ مُطْمَئِنًّا) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «ثُمَّ
ــ
[حاشية قليوبي]
الْهَوِيِّ، وَيُمِدُّ التَّكْبِيرَ إلَى السُّجُودِ. قَوْلُهُ:(وَأَنْفَهُ) أَفَادَ بِالْوَاوِ نَدْبَ وَضْعِهِمَا مَعًا، وَيُنْدَبُ كَشْفُهُ وَبِثُمَّ فِيمَا قَبْلَهُ التَّرْتِيبُ وَمُخَالَفَةُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَكْرُوهَةٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَوْلُهُ:(لِلِاتِّبَاعِ) أَيْ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَفِيهِ بَحْثٌ، لِأَنَّ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ وَضْعِ الْأَنْفِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ لَهُ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلنَّدْبِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْجَبْهَةِ. قَوْلُهُ:(سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى) خَصَّ هَذَا بِالسُّجُودِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْبُعْدِ عَنْ اللَّهِ بِانْخِفَاضِهِ، وَأَقَلُّهُ مَرَّةٌ وَأَدْنَى كَمَالِهِ ثَلَاثٌ كَمَا ذَكَرَهُ، وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ وَالْأَوْلَى زِيَادَةُ (وَبِحَمْدِهِ) وَتَقَدَّمَ فِي الرُّكُوعِ بَيَانُ الْأَفْضَلِ مِنْهُ، وَيَأْتِي الْمَأْمُومُ بِمَا يُمْكِنُهُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ. قَوْلُهُ:(وَصَوَّرَهُ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ إرَادَةِ خَلْقِ الْمَادَّةِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ) أَيْ مَنْفَذَهُمَا قَوْلُهُ: (تَبَارَكَ اللَّهُ) أَيْ تَعَالَى شَأْنُهُ فِي خَلْقِهِ وَحِكْمَتِهِ وَالْخَالِقِينَ الْمُقَدَّرِينَ تَقْدِيرًا.
قَوْلُهُ: (وَيَضَعُ) أَيْ الْمُصَلِّي مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَيُفَرِّقُ) أَيْ الذَّكَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ كَابْنِ حَجَرٍ. قَوْلُهُ: (رُكْبَتَيْهِ) سَوَاءٌ صَلَّى قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا. قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُ مَرْفِقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ) أَيْ الذَّكَرُ، وَيُنْدَبُ رَفْعُ السَّاعِدَيْنِ، عَنْ الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ وَلَوْ امْرَأَةً وَخُنْثَى إلَّا لِنَحْوِ طُولِ السُّجُودِ. قَوْلُهُ:(بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ) أَيْ فِي الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ.
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُسَنُّ تَفْرِيقُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ أَيْ إنْ أَمْكَنَ.
قَوْلُهُ: (فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى، لِيَشْمَلَ ضَمَّ الْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوعِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَضَمَّ الْبَطْنِ إلَى الْفَخِذَيْنِ، وَالْمَرْفِقَيْنِ إلَى الْجَنْبَيْنِ فِي السُّجُودِ، وَالْعَارِي كَالْمَرْأَةِ وَلَوْ فِي خَلْوَةٍ. وَيَجِبُ الضَّمُّ عَلَى سَلَسٍ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهُ بِهِ، وَيُسَنُّ كَشْفُ قَدَمَيْ الذَّكَرِ كَمَا مَرَّ، وَلَا يَكْفِي سَتْرُهُمَا كَالْكَفَّيْنِ. قَوْلُهُ:(أَيْ الْمَرْفِقَيْنِ إلَخْ) لَوْ سَكَتَ عَنْهُ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ.
(فَرْعٌ) يُنْدَبُ فِي السُّجُودِ أَيْضًا سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِعَفْوِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بِك مِنْك، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى
ــ
[حاشية عميرة]
وَأَنْفَهُ) وُجُوبُ وَضْعِ الْأَنْفِ قَوِيٌّ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَلَا يَرُدُّهُ حَدِيثُ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» حَيْثُ أَسْقَطَ الْأَنْفَ لِأَنَّ ذِكْرَهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ، وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي أَبِي دَاوُد.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَهُوَ صَحِيحٌ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يَدُلُّ لَهُ اهـ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَيَضَعُ يَدَيْهِ) لَوْ قَدَّمَهُ عَلَى التَّسْبِيحِ فِي السُّجُودِ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (يُسْتَحَبُّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ بِشِبْرٍ) قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا تَفْرِيقُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ بِهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ) أَيْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى فَخِذَيْهِ)
ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا» (وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ) فَلَوْ رَفَعَ لِلَدْغَةِ عَقْرَبٍ أَوْ دُخُولِ شَوْكَةٍ فِي جَبِينِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِلسُّجُودِ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ (وَأَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ) لِأَنَّهُمَا لِلْفَصْلِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ تَطْوِيلِهِمَا فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ (وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ) مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ.
(وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ فِي الْأَوَّلِ الشَّيْخَانِ، وَفِي الثَّانِي التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَيَأْتِي مَعْنَى الِافْتِرَاشِ. (وَاضِعًا يَدَيْهِ) عَلَى فَخِذَيْهِ (قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَيَنْشُرُ أَصَابِعَهُ) مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ كَمَا فِي السُّجُودِ أَخْذًا مِنْ الرَّوْضَةِ (قَائِلًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي) لِلِاتِّبَاعِ رَوَى بَعْضَهُ أَبُو دَاوُد وَبَاقِيَهُ ابْنُ مَاجَهْ. (ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ.
(وَالْمَشْهُورُ سَنُّ جِلْسَةٍ خَفِيفَةٍ) لِلِاسْتِرَاحَةِ (بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَقُومُ عَنْهَا) بِأَنْ لَا يَعْقُبَهَا تَشَهُّدٌ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وَتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا» ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالثَّانِي لَا تُسَنُّ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حَجَرٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ اسْتَوَى قَائِمًا» ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ:" وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَوْ صَحَّ وَجَبَ حَمْلُهُ لِيُوَافِقَ غَيْرَهُ عَلَى تَبْيِينِ الْجَوَازِ فِي وَقْتٍ أَوْ أَوْقَاتٍ " ثُمَّ السُّنَّةُ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ الِافْتِرَاشُ لِلِاتِّبَاعِ،
ــ
[حاشية قليوبي]
نَفْسِك. وَيُنْدَبُ كَثْرَةُ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ مُطْلَقًا لِوُرُودِ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَحَدِيثِ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ فِي سُجُودِكُمْ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» وَقَمِنٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَوْ فَتْحِهَا بِمَعْنَى حَقِيقٌ.
(فَرْعٌ) لَوْ قَالَ: سَجَدْت لَك فِي طَاعَةِ اللَّهِ، أَوْ تُبْت إلَى اللَّهِ لَمْ يَضُرَّ مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اسْتَعَنَّا بِاَللَّهِ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الدُّعَاءِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ. وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ أَنَّ التَّشْرِيكَ مُضِرٌّ وَفِيهِ نَظَرٌ.
قَوْلُهُ: (لِلَدْغَةِ عَقْرَبٍ) اللَّدْغُ بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ لِذَوَاتِ السُّمُومِ وَبِعَكْسِهَا لِغَيْرِهَا كَنَارٍ، وَلَمْ يَرِدْ فِي اللُّغَةِ إهْمَالُهُمَا وَلَا إعْجَامُهُمَا. قَوْلُهُ:(وَأَنْ لَا يُطَوِّلَهُ إلَخْ) أَيْ مَا لَمْ يُطْلَبُ تَطْوِيلُهُمَا. نَعَمْ لَا يَضُرُّ تَطْوِيلُ اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، لِأَنَّهُ طُلِبَ تَطْوِيلُهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَسَيَأْتِي فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّ تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ الْمُبْطَلِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ فَأَكْثَرَ، زِيَادَةٌ عَلَى مَا يُطْلَبُ لِذَلِكَ الْمُصَلِّي عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ وَشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ، وَعَلَى مَا يُطْلَبُ لِلْمُنْفَرِدِ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَتَطْوِيلُ الْجُلُوسِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ التَّشَهُّدَ الْوَاجِبَ عَلَى مَا ذُكِرَ. قَوْلُهُ:(يُكَبِّرُ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ) وَيُمِدُّهُ إلَى جُلُوسِهِ.
قَوْلُهُ: (وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) وَإِنْ تَسَامَتْ رُءُوسُهُمَا آخِرَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَلَوْ أَرْسَلَهُمَا فِي جَانِبَيْهِ فَلَا بَأْسَ. قَوْلُهُ:(وَاجْبُرْنِي) أَيْ فِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَى جَبْرٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَغْنِنِي فَعَطْفُ اُرْزُقْنِي بَعْدَهُ عَامٌّ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اُرْزُقْنِي فَعَطْفُهُ مُرَادِفٌ فَمَا بَعْدَهُ تَأْكِيدٌ لَهُ، وَطَلَبُ الرِّزْقِ يَنْصَرِفُ لِلْحَلَالِ مِنْهُ، وَكَوْنُ الرِّزْقِ مَا يَنْفَعُ وَلَوْ حَرَامًا مَا هُوَ فِيمَا إذَا اُسْتُعْمِلَ بِالْفِعْلِ فَالطَّلَبُ الْمُطْلَقُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اتِّفَاقًا، فَمَا اعْتَرَضَ بِهِ بَعْضُهُمْ هُنَا نَاشِئٌ عَنْ الْغَفْلَةِ وَعَدَمِ التَّأَمُّلِ. قَوْلُهُ:(وَعَافِنِي) أَيْ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاعْفُ عَنِّي. رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ، رَبِّ هَبْ لِي قَلْبًا تَقِيًّا نَقِيًّا مِنْ الشِّرْكِ بَرِيًّا لَا كَافِرًا وَلَا شَقِيًّا. قَوْلُهُ:(وَالْأَكْمَلُ) وَمِنْهُ التَّكْبِيرُ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ، وَيَمُدُّهُ إلَى الْقِيَامِ، وَلَا يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ. قَوْلُهُ:(كَالْأُولَى) فَهُمَا رُكْنٌ وَاحِدٌ فِي الْعَدْوِ، رُكْنَانِ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (خَفِيفَةٍ) أَيْ بِقَدْرِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَمَا قَالُوهُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَنْدُوبُ وَلَوْ ضُبِطَتْ بِقَدْرِ الْمَطْلُوبِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَانَ أَوْلَى فَرَاجِعْهُ وَلِلْمَأْمُومِ وَلَوْ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ فِعْلُهَا لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَيَجِبُ تَرْكُهُ لِطُولِهِ، وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُهَا عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ وَهِيَ فَاصِلَةٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ:(فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) خَرَجَ بِهَا سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَنَحْوُهُ، فَلَا تُسَنُّ فِيهِ. قَوْلُهُ:(يَقُومُ عَنْهَا) وَلَوْ بِإِرَادَتِهِ فَشَمَلَ مَنْ قَصَدَ تَرْكَ
ــ
[حاشية عميرة]
وَلَوْ أَرْسَلَهُمَا مِنْ جَانِبَيْ فَخِذَيْهِ كَانَ كَإِرْسَالِهِمَا فِي الْقِيَامِ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ انْعَطَفَتْ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِمَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَلَا بَأْسَ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ. قَوْلُ الْمَتْنِ:(ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) إنَّمَا شُرِعَ تَكْرَارُ السُّجُودِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّوَاضُعِ، ثُمَّ إنَّ صَنِيعَ الْمُصَنِّفِ كَمَا تَرَى يَقْتَضِي أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ مَعًا رُكْنٌ وَاحِدٌ، وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَ أَعْنِي الْغَزَالِيَّ أَنَّهُمَا رُكْنَانِ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: فَائِدَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ وَالتَّأَخُّرِ عَنْهُ.