الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث حكم اللَّعب في الإسلام
لقد جاء الإسلام (بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها)
(1)
، فأتى شاملًا جميع ما يحتاجه الإنسان في روحه وجسمه، فأشبع حاجات البدن؛ كما أشبع حاجات الروح، فلم يجعل للإنسان الحرية المطلقة في ممارسة اللعب؛ فيفوت عليه بذلك القصد من خلقه -وهو عبادة الله-، ولم يحجِّر عليه في تحريم شيءٍ يصادم غريزته البشرية في حالتها السوية، بل دعاه إلى أن يعطي بدنه حقه من الراحة واللعب، فلقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه ما -يقوم الليل ويصوم النهار- فقال له: «لا تفعل؛ صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقًّا
…
»
(2)
،
فالإسلام دين الحنيفية السمحة، وهو مبنيٌّ على التخفيف والتيسير، لا على الضيق والحرج، وقد رفع الله فيه الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا.
ولأجل ذا أباح الإسلام استعمال بعض اللَّعب الذي يعين المسلم على مكابدة العبادة، ويخفف عليه مشاق الحياة، شريطة أن يكون منضبطًا بحدود الشرع، والأصل في ذلك الحديث الذي يرويه حنظلة رضي الله عنه أنه قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة. قال:
(1)
هذه الجملة من العبارات التي اشتهرت عن شيخ الإسلام ابن تيمية، فهو كثيرًا ما يوردها، ينظر على سبيل المثال: مجموع الفتاوى 1/ 138 و 10/ 512 و 20/ 48 و 136 - 193 - 234 و 31/ 266.
(2)
أخرجه البخاري ح (1975) ومسلم ح (1159) والنسائي ح (2391).
سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا
(1)
الأزواج والأولاد والضيعات
(2)
، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وما ذاك؟» . قلت: يا رسول الله نكون عندك؛ تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً
(3)
». ثلاث مرات
(4)
.
وتقول عائشة رضي الله عنه ا: «والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسترني بردائه؛ لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي، حتى أكون أنا التي أنصرف،
(1)
قال النووي في شرحه على مسلم 17/ 66: «-هو بالفاء والسين المهملة- معناه: حاولنا ذلك، ومارسناه، واشتغلنا له؛ وروى الخطابي هذا الحرف عانسنا -بالنون- قال: ومعناه: لاعبنا، ورواه ابن قتيبة -بالشين المعجمة- قال: ومعناه: عانقنا والأول هو المعروف.
(2)
الضيعات: جمع ضيعة -بالضاد المعجمة-، وهي معاش الرجل من مال أو حرفة أو صناعة. ينظر: المرجع السابق.
(3)
قال علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 3/ 11: «يعني لا يكون الرجل منافقًا بأن يكون في وقت على الحضور، وفي وقت على الفتور، ففي ساعة الحضور تؤدون حق ربكم، وفي ساعة الفتور تقضون حظوظ أنفسكم، ويحتمل أن يكون قوله: «ساعة وساعة» للترخيص، أو للتحفظ؛ لئلا تسأم النفس عن العبادة، وحاصله أن يا حنظلة؛ هذه المداومة على ما ذكر مشقة؛ لا يطيقها كل أحد، فلم يكلَّف بها، وإنما الذي يطيقه الأكثرون أن يكون الإنسان على هذه الحالة ساعة، ولا عليه بأن يصرف نفسه للمعافسة المذكورة وغيرها ساعةً أخرى».
وليس معناه كما يفهمه بعض الجَهَلة القائلين: ساعة لقلبك وساعة لربك، فيجعلون العمر ساعتين؛ ساعة في المشروع وساعة في الممنوع، وذلك ضلالٌ مبين.
(4)
أخرجه مسلم ح (2750)، والترمذي ح (2514)، وابن ماجه ح (4239).
فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، حريصةً على اللعب»
(1)
.
وفي رواية قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ: «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة»
(2)
.
(1)
حديث صحيح، سيأتي تخريجه -إن شاء الله- ضمن أحاديث الدراسة.
(2)
أخرج هذه الزيادة أحمد 41/ 349 ح (24855) والسراج في مسنده 3/ 124 ح (2148) كلاهما من طريق سليمان بن داود، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة به.
وإسنادها ضعيف، ففيه عبد الرحمن بن أبي الزناد مختلفٌ فيه، فقد وثقه بعض الأئمة، كمالك، وكان يأمر بالكتابة عنه، كما وثقه الترمذي، والعجلي، ويعقوب بن شيبة، وزاد يعقوب:«صدوقٌ» ، وفي حديثه ضعف.
وضعفه آخرون، فكان ابن مهدي يخط على حديثه، وقال أحمد:«مضطرب الحديث» ، وقال ابن معين:«ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث، ليس بشيء» ، وقال أبو حاتم:«يكتب حديثه، ولا يحتج به» ، وقال النسائي:«ضعيف» .
وفصل فيه آخرون، فقال ابن المديني:«حديثه بالمدينة مقارب، وما حدث به بالعراق فهو مضطرب» ، وبنحوه قال يعقوب بن شيبة، وعمرو الفلاس، والساجي.
وقال ابن المديني: «قد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمي فرأيتها مقاربة» .
وقال صالح جزرة: «يروي عن أبيه أشياء لم يروها غيره» .
ولخص حاله الحافظ ابن حجر، فقال:«صدوقٌ، تغير حفظه لما قدم بغداد» ، ولعل قول الحافظ هو الأقرب.
ينظر: سنن الترمذي عند ح (1755)، والجرح والتعديل 5/ 252، والضعفاء والمجروحون للنسائي (367)، والثقات للعجلي 2/ 77، وتاريخ بغداد 10/ 228، وتهذيب الكمال 17/ 95، وتهذيب التهذيب 6/ 155، وتقريب التهذيب (3861).
وبناء على هذا فعبد الرحمن صدوق فيما حدث به بالمدينة، ضعيفٌ فيما حدث به ببغداد، وقد روى عنه سليمان بن داود وهو الهاشمي، كما جاء مصرحًا به في رواية السراج، وقد نص ابن المديني على أن روايته عنه مقاربة، لكن يشكل عليه أن عبد الرحمن بن أبي الزناد تفرد بهذه الزيادة؛ مما يقوي القول بشذوذها؛ إذ أصل الحديث في الصحيحين بدونها؛ فقد راوه عبيد بن عمير، كما في صحيح مسلم ح (892)، وسعيد بن المسيب، كما في صحيح مسلم ح (893) كلاهما (عبيد، وسعيد) عن عائشة بدونها. =
= كما رواه الزهري، كما في صحيح البخاري ح (454)، وصحيح مسلم ح (892)، ومحمد بن عبد الرحمن الأسدي، كما في صحيح البخاري ح (950)، وصحيح مسلم ح (892)، وهشام بن عروة، كما في صحيح مسلم ح (892) ثلاثتهم (الزهري، والأسدي، وهشام) عن عروة بدونها.
وهذا ما يؤكد مقولة صالح جزرة: «يروي عن أبيه أشياء لم يروها غيره» .
وللحديث طريقٌ أخرى؛ إذ أخرجه الحميدي 1/ 123 ح (254) عن ابن عيينة، عن يعقوب بن زيد التيمي، عن عائشة بلفظ:«العبوا يا بني أرفدة؛ تعلمْ اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة» .
والذي يظهر أن في السند انقطاعًا؛ فيعقوب بن زيد لم يدرك عائشة، وقد دل على هذا عدة قرائن، وهي:
أن ابن سعد في الطبقات 9/ 243 ذكر في ترجمة يعقوب أنه مات في أول ولاية أبي جعفر المنصور، وقد تولى أبو جعفر الخلافة آخر سنة (136 هـ) كما في البداية والنهاية لابن كثير 10/ 58، وقد ماتت عائشة رضي الله عنه ا سنة (57) أو (58 هـ) كما في تهذيب الكمال 35/ 235، فبين وفاة عائشة ووفاة يعقوب ما يزيد على خمس وثمانين سنة، وقد قال الذهبي في تاريخ الإسلام 9/ 340:«كأنه مات شابًّا» .
أن كل من ترجم له، لم يذكر من شيوخه عائشة، ولو ثبتت روايته عنها لكانت أولى من يذكر، وذلك مثل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 9/ 207، والذهبي في تاريخ الإسلام 9/ 340، والمزي في تهذيب الكمال 32/ 323، وأقدم شيخ ذكروه هو: أسعد بن سهل بن حنيف، وهو معدودٌ في الصحابة، له رؤية، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، مات سنة (100 هـ) كما في التقريب (402).
أن ابن حجر ذكره في التقريب (7816) في الطبقة الخامسة، وهي عنده: الطبقة الصغرى من التابعين، الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة.
وللحديث طريقٌ آخر؛ فقد أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 2/ 10 - 11 - ومن طريقه الحارث بن أسامة بغية الباحث 2/ 826 ح (866) -من طريق أبي معاوية، والديلمي في مسند الفردوس 2/ 110 من طريق عبد الواحد بن زياد، وعلقة أبو حاتم كما في العلل ص 1599 عن مروان بن معاوية الفزاري، ثلاثتهم:(أبو معاوية، وعبد الواحد، ومروان) عن عبد الرحمن بن إسحاق بنحوه؛ إلا أن أبا معاوية رواه عنه، عن الشعبي مرسلًا، ورواه عبد الواحد، ومروان -مرة- عنه، عن الشعبي، عن عائشة، ورواه مروان -مرة- عنه، عن القاسم بن محمد، عن عائشة.
وهذه الأوجه ضعيفة، فقد اضطرب فيه عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ضعيف الحديث كما في التقريب (2799).
ولجزء الحديث الأول شاهدٌ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 5/ 247 ح (6542) من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الهوا والعبوا؛ فإني أكره أن يرى في دينكم غلظة» ، وهذا سندٌ ضعيف؛ فالمطلب بن عبد الله من صغار التابعين كما في التقريب (6710) وقد قال فيه أبو حاتم في المراسيل ص 164:«عامة حديثه مراسيل» ؛ ولذا قال البيهقي عقيب إخراجه: «هذا منقطع» .
ولجزء الحديث الأخير: «إني أرسلت بحنيفية سمحة» عدة شواهد لا يخلو واحدٌ منها من ضعف، ويغني عنها ما أخرجه البخاري في صحيحه، باب الدين يسر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم :«أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» ح (39) وأورد تحته حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا، وأبشروا
…
».
ففي هذه الأحاديث دلالة على مراعاة الإسلام لحق الجسم في الراحة،
وإعطائه حقه في استعمال اللعب، ما دام أنه ضمن الإطار الشرعي.
وإن المتأمل لأنواع اللَّعب في الإسلام يجد أنها أقسام ثلاثة:
القسم الأول: ما كان من اللَّعب مفضيًا إلى ما حرم الله، وهو ما كانت مفسدته خالصة، أو كانت مفسدته راجحة على مصلحته، فهذا قد حرمه الإسلام، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة] وعليه يحمل حديث أنس رضي الله عنه عند من صححه
(1)
، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لست من دَدٍ
(2)
، ولا الدَّدُ مني»
(3)
.
(1)
أثبته الحافظ كما في هدي الساري ص 84.
(2)
قال الزبيدي في تاج العروس 8/ 69: «الدَّدُ مخفّف: اللَّهوُ واللَّعِبُ، وفيه أربع لغات: تقول هذا دَدٌ كَيَدٍ، ودَدَا كقفًا، ودَدَنٌ بالنُّون ثالثةً، ودَدَدٌ بثلاث دالاتٍ» .
اختار الزمخشري في الفائق 1/ 137 أن اللام للعهد، قال:«وليس بحسن أن يكون لتعريف الجنس؛ لأن الكلام يتفكك ويخرج عن التئامه، ونظيره جاءني رجل وكان من فعل الرجل كذا» .
(3)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد 1/ 274 ح (785)، والبزار 12/ 345 - 346 ح (6231)، والطبراني في الأوسط 1/ 132 ح (413)، وابن عدي في الكامل 7/ 243، والدولابي في الكنى 1/ 179، والبيهقي 10/ 217، وابن عساكر 38/ 369 من طرق عن يحي بن محمد بن قيس، سمعت عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، سمعت أنس بن مالك به، وعلقه العقيلي في الضعفاء 4/ 427 عن عمرو به. قال ابن عدي:«وهذا الحديث يُعرف بيحيى بن قيس» .
ويحيى بن محمد بن قيس متكلمٌ فيه، وقد ضعفه ابن معين، قال العقيلي:«لا يتابع على حديثه» ، وقال ابن حبان:«كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل من غير تعمد، لا يُحتَجُّ به» ، وقال أبو حاتم:«يكتب حديثه» ، وقال أبو زرعة:«أحاديثه متقاربة إلا حديثين حدَّث بهما» وساق له ابن عدي أربعة أحاديث، منها هذا الحديث، ثم قال:«وله أحاديث غير ما ذكرت، وعامة أحاديثه مستقيمة إلا هذه الأحاديث التي بيَّنتها» ، لخص حاله الحافظ ابن حجر في قوله:«صدوقٌ يخطئُ كثيرًا» .
يُنظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9/ 184، والضعفاء للعقيلي 4/ 427، والكامل لابن عدي 7/ 243، وكتاب المجروحين لابن حبان 3/ 119، وتهذيب الكمال 31/ 524، والتقريب (7639).
وبناء عليه فالحديث ضعيف، وتفرد به يحيى بن محمد بن قيس، وقد عدَّه من منكرات حديثه ابن عدي فيما سبق، والهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 165.
وقد خالف يحيى بن محمد الدراورديُّ عند الطبراني في الكبير 19/ 343 ح (794)، فرواه محمد بن إسماعيل الجعفري عنه، عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب بن عبد الله، عن معاوية بن أبي سفيان مرفوعًا.
قال أبو حاتم وأبو زرعة في العلل رقم (2295): «حديث معاوية أشبه» .
ترجيح هذين الإمامين لطريق الدراوردي ليس مصيرًا منهما إلى تصحيحها، وإنما هو ترجيحٌ لرواية الدراوردي مقارنة بطريق يحيى بن محمد بن قيس، ويؤيد هذا أن في الطريق إلى الدراوردي محمد بن إسماعيل الجعفري، وقد قال فيه أبو حاتم في الجرح والتعديل 7/ 189:«منكر الحديث يتكلمون فيه» ، كما أن في الإسناد المطلب بن عبد الله، وقد قال فيه أبو حاتم في المراسيل ص 164:«عامة حديثه مراسيل، لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا سهل بن سعد، وأنسًا، وسلمة بن الأكوع، ومن كان قريبًا منهم» .
وقد روي الحديث عن الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو، عن المطلب مرسلًا، وذلك فيما علقه الدارقطني في العلل 12/ 114، وقال عقبه:«والمرسل أشبه» .
وللحديث شاهدٌ عن جابر، أخرجه الإسماعيلي في أسامي شيوخه 1/ 342 قال: حدثنا أبو الفضل السدوسي، من حفظه إملاءً، حدثني أبي، عن أبي عاصم النبيل، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لست من دد، ولا الدد مني» .
وفي الإسناد شيخ الإسماعيلي، وأبو شيخه، لم أقف على حالهما، وفيه ابن جريج مدلسٌ كما في التقريب (4193) وقد عنعن.
والخلاصة أن الحديث لا يصح بوجه من الوجوه.
قال القرطبي: «كل لهو دعا قليله إلى كثيره
(1)
، وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه صد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو كشرب الخمر، وأوجب أن يكون حرامًا مثله»
(2)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا اشتملت
(3)
على محرم، أو استلزمت محرمًا، فإنها تحرُمُ بالاتفاق: مثل اشتمالها على الكذب، واليمين الفاجرة، أو الخيانة التي يسمونها المغاضاة، أو على الظلم، أو الإعانة عليه؛ فإن ذلك حرامٌ باتفاق المسلمين، فلو كان ذلك في المسابقة والمناضلة، فكيف إذا كان بالشطرنج والنرد؛ ونحو ذلك. وكذلك إذا قدر أنها مستلزمة فسادًا غير ذلك: مثل اجتماع على مقدمات الفواحش، أو التعاون على العدوان أو غير ذلك، أو مثل أن يفضي اللعب بها إلى الكثرة والظهور الذي يشتمل معه على ترك واجب، أو فعل محرم، فهذه الصورة وأمثالها مما يتفق المسلمون على تحريمها فيها»
(4)
.
(5)
.
وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ضابطًا للمغالبات التي لا تجوز بعوض، ولا بغير عوض فقال:«كل مغالبة ألهت عن واجب، أو أدخلت في محرم»
(6)
.
(1)
لعله يقصد كثيره المحرم، وإلا فليس كل ما دعا قليله إلى كثيره صار حرامًا.
(2)
تفسير القرطبي 8/ 165.
(3)
يعني الشطرنج، وكلامه مطردٌ في كل لعبة.
(4)
مجموع الفتاوى 32/ 218.
(5)
المستدرك 4/ 57.
(6)
الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص 149.
وينبني على هذا الضابط حرمة ما يلي:
1 -
اللَّعِب المشتمل على مس التوحيد، كالسحر، والانحناء والسجود لغير الله، وتذويب مفهوم الولاء والبراء.
2 -
اللَّعِب المفضي إلى تضييع الصلوات، أو التفريط في حق من يعولهم.
3 -
اللَّعِب المفضي إلى الفواحش أو مقدماتها.
4 -
اللَّعِب المشتمل على التماثيل والصور المحرمة، ويستثنى من ذلك لعب الأطفال بالبنات.
5 -
اللَّعِب المفضي إلى العداوة، والبغضاء، والسباب والقتال.
6 -
اللَّعِب الذي يصاحبه كشف للعورات، أو اختلاط الرجال بالنساء.
7 -
اللَّعِب المؤدي إلى الهلاك، أو الضرر.
8 -
اللَّعِب الذي فيه ترويع للمسلم.
9 -
اللَّعِب المؤدي إلى أذى البهائم.
10 -
اللَّعِب المشتمل على التشبه بالكفار.
11 -
اللَّعِب المشتمل على تشبه الرجال بالنساء، أو النساء بالرجال.
12 -
اللَّعِب المشتمل على الفخر، والرياء، ومناوأة أهل الإسلام.
13 -
اللَّعِب المشتمل على القمار.
14 -
اللَّعِب المشتمل على الإسراف والتبذير.
15 -
اللَّعِب المشتمل على أصوات المعازف والموسيقى.
16 -
اللَّعِب المشتمل على سفر المرأة بلا محرم.
القسم الثاني: ما كان من اللعب معينًا على الحق أو ذريعةً إليه؛ فإنه مندوبٌ فعله؛ ومثابٌ عليه؛ لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ، كما في حديث عقبة بن نافع رضي الله عنه : «كل شيءٍ يلهو به الرجل باطل
(1)
إلا رمي الرجل بقوسه، أو تأديبه
(1)
وقع في بعض كتب الحنفية خطأ فجاء عندهم بدل لفظة: (باطل) لفظة (حرام)، ولم يرد ذلك في شيءٍ من ألفاظ الحديث، ينظر على سبيل المثال: حاشية ابن عابدين 5/ 714، البحر الرائق 8/ 251، بدائع الصنائع 5/ 127.
فرسه، أو ملاعبته لامرأته؛ فإنهن من الحق»
(1)
.
وفي حديث عطاء بن أبي رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله، وجابر بن عمير الأنصاري يرميان، فملَّ أحدهما، فقال الآخر: أكسلت؟ قال: نعم. فقال أحدهما للآخر: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل شيءٍ ليس من ذكر الله فهو لهوٌ، ولعبٌ» ، وفي لفظ: «وهو سهوٌ ولغوٌ؛ إلا أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين
(2)
، وتعلم الرجل السباحة»
(3)
.
وقد تكلم أهل العلم على حديث عقبة، فقال الخطابي: «إنما استثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخلال من جملة ما حرم منها؛ لأن كل واحدةٍ منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعةً إليه، ويدخل في معناها ما كان من المثاقفة
(4)
بالسلاح والشد على الأقدام، ونحوهما مما يرتاض به الإنسان، فيتوقح
(5)
بذلك بدنه، ويتقوى به على مجالدة العدو»
(6)
.
(7)
.
وقال الشاطبي: «يعني بكونه باطلًا: أنه عبثٌ أو كالعبث، ليس له فيه فائدة، ولا ثمرة تجنى، بخلاف اللعب مع الزوجة؛ فإنه مباحٌ يخدم أمرًا
(1)
حديث حسن، سيأتي تخريجه مفصلًا -إن شاء الله- ضمن أحاديث الدراسة.
(2)
الغرضان: الغرض هو الهدف، فيكون لهما غرضان في هدفين متقابلين يرميان من أحدهما الآخر، ثم يرميان من الآخر الأول. ينظر: الكافي لابن قدامة 2/ 343.
(3)
حديث ضعيف، سيأتي تخريجه مفصلًا -إن شاء الله- ضمن أحاديث الدارسة.
(4)
المثاقفة: هي الملاعبة بالسلاح، وهي محاولة إصابة الغرة في المسابقة. ينظر: أساس البلاغة للزمخشري ص 89، والمسابقة: التضارب بالسيوف والتدرب على استعمالها. ينظر: المعجم الوسيط 1/ 468.
(5)
أي: فيصلب بذلك بدنه، ينظر: لسان العرب 2/ 637.
(6)
معالم السنن 3/ 371.
(7)
تفسير القرطبي 10/ 56 - 57.
ضروريًّا وهو النسل، وبخلاف تأديب الفرس، وكذلك اللعب بالسهام، فإنهما يخدمان أصلًا تكميليًّا وهو الجهاد؛ فلذلك استثنى هذه الثلاثة من اللعب الباطل»
(1)
.
وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم أخذ العوض على ما كان معينًا على الحق، فقال:«لا سبَق إلا في نصلٍ، أو خفٍ، أو حافر»
(2)
.
وقد يكون تعلم اللُّعبة واجبًا إذا تعينت طريقًا للأمر الواجب، وذلك مثل ركوب الخيل، والإبل، والرمي، إذا تعينت للجهاد الواجب، ويقاس عليها في عصرنا ما يماثلها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «يجب الاستعداد للجهاد بإعداد القوة، ورباط الخيل في وقت سقوطه للعجز؛ فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»
(3)
.
القسم الثالث: ما كان من اللعب خاليًا من الإعانة على الحق، وليس فيه مفسدة، فهذا قد اختلف فيه بناء على الاختلاف في معنى البطلان في حديث عقبة السابق:
• فذهب بعض أهل العلم إلى أن معناه التحريم، وأن كل لهو سوى ما ذكر حرامٌ.
قال الخطابي: «قوله: «ليس من اللعب إلا ثلاث» يريد ليس المباح من اللهو إلا ثلاث، وقد جاء معنى ذلك مفسرًا
(4)
في هذا الحديث من رواية أخرى
…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل شيء يلهو به الرجل باطلٌ إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته؛ فإنهن من الحق» ، وفي هذا بيان أن جميع أنواع اللعب محظورة، وإنما استثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخلال من
(1)
الموافقات 1/ 205.
(2)
حديث صحيح، سيأتي تخريجه مفصلًا -إن شاء الله- ضمن أحاديث الدراسة.
(3)
السياسة الشرعية ص 60.
(4)
يقصد بالرواية المفسرة: (فإنهن من الحق)، حيث إن اللفظ الوارد عند أبي داود ليس في هذه الجملة.
جملة ما حرم منها؛ لأن كل واحدة منها إذا تأملتها وجدتها معينة على حق أو ذريعة إليه
…
»
(1)
.
وقال الكاساني: «اللعب حرام في الأصل إلا أن اللهو بهذه الأشياء -يعني: السبق في الخف والحافر والنصل- صار مستثنى من التحريم شرعًا لقوله - عليه الصلاة والسلام -: «كل لعب حرام إلا ملاعبة الرجل امرأته وقوسه وفرسه» حرم - عليه الصلاة والسلام كل لعب- واستثنى الملاعبة بهذه الأشياء المخصوصة فبقيت الملاعبة بما وراءها على أصل التحريم»
(2)
.
(3)
.
(4)
.
• وذهب بعض أهل العلم إلى أن معناه؛ أي: ليس فيه نفعٌ، فيباح فعله، وهو ظاهر ترجمة البخاري في صحيحه
(5)
، إذ قال:«باب كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله» .
قال العيني: «أي: هذا باب ترجمته كل لهو باطل، وهي لفظ حديث أخرجه أحمد والأئمة الأربعة من حديث عقبة بن عامر رفعه: «كل ما يلهو به المرء المسلم باطلٌ إلا رميه بقوسه، وتأديب فرسه، وملاعبة أهله» ولما لم يكن هذا الحديث على شرطه جعل منه ترجمة ولم يخرجه في الجامع».
ثم شرع العيني بشرح الترجمة، فقال:«قوله: «إذا شغله» الضمير
(1)
معالم السنن 3/ 371.
(2)
بدائع الصنائع 6/ 206.
(3)
شرح السُّنَّة 10/ 383.
(4)
كف الرعاع ص 145.
(5)
صحيح البخاري كتاب الاستئذان ص 1334.
المرفوع فيه يرجع إلى اللعب، والمنصوب إلى اللاهي، يدل عليه لفظ اللهو، وقيد بقوله:«إذا شغله» ؛ لأنه إذا لم يشغله عن طاعة الله يكون مباحًا»
(1)
.
وقال الغزالي: «قوله: «باطل» لا يدل على التحريم؛ بل يدل على عدم الفائدة»
(2)
.
وقال ابن العربي: «باطل» ليس يريد به حرامًا، وإنما يريد به أنه عارٍ من الثواب، وأنه للدنيا محضًا، لا تعلق به بالآخرة»
(3)
.
قال ابن قدامة: «وسائر اللعب إذا لم يتضمن ضررًا، ولا شغلًا عن فرض فالأصل إباحته»
(4)
.
وقال الشاطبي: «وكذلك اللهو واللعب والفراغ من كل شغل إذا لم يكن في محظور، ولا يلزم عنه محظور فهو مباح»
(5)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والباطل من الأعمال هو ما ليس فيه منفعة
…
إذ مجرد كونه -باطلًا- إنما يقتضي عدم منفعته؛ لا يقتضي تحريمه، إلا أن يتضمن مفسدة»
(6)
.
…
فما أعان على اللذة المقصودة من الجهاد والنكاح فهو حق، وأما ما لم يعن على ذلك فهو باطل لا فائدة فيه، ولكن إذا لم يكن فيه مضرة راجحة لم يحرم ولم ينه عنه»
(7)
.
(1)
عمدة القارئ 22/ 424.
(2)
إحياء علوم الدين 2/ 285.
(3)
عارضة الأحوذي 7/ 136.
(4)
المغني 14/ 157.
(5)
الموافقات 1/ 204 - 205.
(6)
الاستقامة 1/ 277 - 278، وينظر: مجموع الفتاوى 5/ 516، و 32/ 223.
(7)
الاستقامة 2/ 153.
وبنحو هذا الكلام قال العلامة ابن القيم
(1)
، والحافظ ابن حجر
(2)
، والشوكاني
(3)
، والمعلمي
(4)
.
وهذا القول الأخير هو الأظهر؛ في تفسير معنى الباطل؛ لأنه قد ورد في السُّنَّة ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم لأنواع من اللهو ليست من هذه الثلاثة، ولا في معناها، كلُعَب البنات، واللَّعب بالأرجوحة، والمزاح، وضرب النساء بالدف في النكاح، ونحو ذلك.
ومع القول بأن اللعب الذي لا نفع فيه ولا ضرر مباحٌ ممارسته؛ إلا أنه ينبغي التنبه لأمور:
1 -
أنه ينبغي للاعب أن يحسن نيته أثناء اللعب، فينوي به التقوِّي على الطاعة؛ فإنه بذلك يكون مأجورًا -إن شاء الله- فقد قال صلى الله عليه وسلم :«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»
(5)
، وقد سأل معاذ بنُ جبل أبا موسى الأشعري رضي الله عنه ما: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائمًا، وقاعدًا، وعلى راحلتي، وأتفوَّقه تفوُّقًا
(6)
، قال معاذ: أما أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي
(7)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «من استعان بالمباح الجميل على الحق، فهذا من الأعمال الصالحة؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في بُضع أحدكم صدقة» قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟
(1)
روضة المحبين ص 162، والجواب الكافي ص 169.
(2)
فتح الباري 11/ 91.
(3)
نيل الأوطار 8/ 179.
(4)
التنكيل 2/ 48.
(5)
أخرجه البخاري ح (1)، ومسلم ح (1907)، وأبو داود ح (2203)، والترمذي ح (1647)، والنسائي ح (75)، وابن ماجه ح (4227) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
(6)
أي: لا أقرأ وردي منه دفعةً واحدة، ولكن أقرؤه شيئًا بعد شيء؛ في ليلي ونهاري؛ مأخوذٌ من فُواق الناقة؛ ثم تُراح، حتى تدر، ثم تحلب. ينظر: النهاية لابن الأثير 3/ 480.
(7)
أخرجه البخاري ح (4341)، وح (4342)، ومسلم ح (1824)، وأبو داود ح (4354).
قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أما يكون عليه وزر؟» قالوا: بلى. قال: «فلم تحتسبون بالحرام ولا تحتسبون بالحلال»
(1)
…
فالمؤمن إذا كانت له نية أتت على عامة أفعاله، وكانت المباحثات في صالح أعماله لصالح قلبه ونيته، والمنافق -لفساد قلبه ونيته- يعاقب على ما يظهره من العبادات رياءً، فإن في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب»
(2)
.
وكما أن العقوبات شُرعت داعية إلى فعل الواجبات، وترك المحرمات، فقد شُرع أيضًا كلُّ ما يعين على ذلك، فينبغي تيسير طريق الخير والطاعة، والإعانة عليه، والترغيب فيه بكل ممكن؛ مثل أن يبذل لولده وأهله أو رعيته ما يرغبهم في العمل الصالح؛ من مال أو ثناء أو غيره؛ ولهذا شرعت المسابقة بالخيل والإبل، والمناضلة بالسهام، وأخذ الجُعل عليها؛ لما فيه من الترغيب في إعداد القوة، ورباط الخيل للجهاد في سبيل الله، حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يسابق بين الخيل
(3)
هو وخلفاؤه الراشدون، ويخرجون الأسباق
(4)
من بيت المال»
(5)
.
وقال العلامة ابن القيم: «فهذا القسم -يعني: ما لا فائدة منه- رخص فيه الشارع بلا عوض؛ إذ ليس فيه مفسدة راجحة، وللنفوس فيه استراحة وإجمام، وقد يكون مع القصد الحسن عملًا صالحًا كسائر المباحات التي تصير بالنية طاعات»
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم ح (1006)، وأحمد 35/ 291 - 373 من حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وجملة:(فلم تحتسبون بالحرام .. ) تفرد بها أحمد بلفظه: (أفتحتسبون بالشر، ولا تحتسبون بالخير).
(2)
أخرجه البخاري ح (52)، ومسلم ح (1599)، وابن ماجه ح (3984) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه .
(3)
حديث صحيح، سيأتي تخريجه إن شاء الله -مفصلًا- ضمن أحاديث الدراسة.
(4)
جمع سبَق، بفتح الباء، وهو: ما يجعل من المال رهنًا على المسابقة. ينظر: لسان العرب 4/ 151.
(5)
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ص 358 - 387.
(6)
الفروسية ص 172.
ولما تكلم الحافظ ابن حجر على حديث المسابقة -بين الخيل- قال: «في الحديث مشروعية المسابقة، وأنه ليس من العبث؛ بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو، والانتفاع بها عند الحاجة، وهي دائرةٌ بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك»
(1)
.
2 -
ينبغي عدم الإكثار من ممارسة اللعب، ولو كان مباحًا، وإنما يؤخذ منه بقدر مجَمَّة النفس.
أما أن يصبح طابعَ الحياة، تُشغل بها النفس في الغدايا والعشايا
(2)
، ويُعنى به المرء في الخَلوة والجَلوة، ويكون هم مزاولته هدفًا رئيسًا في الحياة، فهذا -بلا شك- خروجٌ باللهو عن بابته، وانحرافٌ به عن مقصود إباحته، واتجاه بالحياة إلى العبث والضياع.
قال الغزالي: «واللعب مباح؛ ولكن المواظبة عليه مذمومة»
(3)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لكن قد يكون فعله -يعني: اللهو الذي لا فائدة منه- مكروهًا؛ لأنه يصد عن اللذة المطلوبة؛ إذ لو اشتغل اللاهي حين لهوه بما ينفعه، ويطلب له -اللذة المقصودة- لكان خيرًا له»
(4)
.
وقال العلامة ابن القيم: «اقتضت حكمة الشرع الترخيص فيه؛ لما يحصل فيه من إجمام النفس وراحتها، واقتضت تحريم العوض فيه؛ إذ لو أباحته بعوض لاتخذته النفوس صناعةً ومكسبًا، فالتهت به عن كثير من مصالح دينها ودنياها.
فأما إذا كان لعبًا محضًا، ولا مكسب فيه؛ فإن النفس لا تؤثره على مصالح دنياها ودينها، ولا تؤثره عليها إلا النفوس التي خلقت للبطالة»
(5)
.
وقال الشاطبي: «وكذلك اللهو واللعب والفراغ من كل شغل إذا لم يكن
(1)
فتح الباري 6/ 72.
(2)
جمع غُدْوة، وعَشِيَّة. ينظر: لسان العرب 15/ 116.
(3)
إحياء علوم الدين 3/ 128.
(4)
الاستقامة 2/ 153.
(5)
الفروسية ص 172.
في محظور، ولا يلزم عنه محظور فهو مباح، ولكنه مذموم، ولم يرضه العلماء؛ بل كانوا يكرهون أن لا يرى الرجل في إصلاح معاش، ولا في إصلاح معاد؛ لأنه قَطْعُ زمانٍ فيما لا يترتب عليه فائدة دنيوية ولا أخروية»
(1)
.
(2)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين: «ممارسة الرياضة جائزة إذا لم تله عن شيءٍ واجب، فإن ألهت عن شيءٍ واجب، فإنها تكون حرامًا، وإن كانت ديدن الإنسان؛ بحيث تكون غالب وقته؛ فإنها مضيعة للوقت، وأقل أحوالها في هذه الحال الكراهة»
(3)
.
3 -
ينبغي رفع الملام عن بعض النفوس في ممارسة اللَّعَب؛ فالله -جل وعز- لم يجعل النفوس على سمتٍ واحدٍ في تحمل الجد؛ بل فارق بينها ولم يساوِ، وبناءً على هذا فما يُفعل من هذا اللهو المباح قد يكون مقبولًا من نفسٍ دون أخرى.
(4)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والنفوس الضعيفة كنفوس الصبيان والنساء قد لا تشتغل إذا تركته -أي: اللهو الذي لا فائدة منه- بما هو خيرٌ
(1)
الموافقات 1/ 204 - 205.
(2)
الموافقات 2/ 298.
(3)
فتاوى ابن عثيمين 2/ 986.
(4)
إحياء علوم الدين 3/ 73.
منه
(1)
لها، بل قد تشتغل بما هو شرٌّ منه، أو بما يكون التقرب إلى الله بتركه، فيكون تمكينها من ذلك من باب الإحسان إليها، والصدقة عليها؛ كإطعامها وإسقائها
…
ومحبة النفوس للباطل نقصٌ لكن ليس كل الخلق مأمورين بالكمال، ولا يمكن ذلك فيهم، فإذا فعلوا ما به يدخلون الجنة -لم يحرم عليهم ما لا يمنعهم من دخولها»
(2)
.
وقال في موضع آخر: «والصبيان يرخص لهم في اللعب ما لا يرخص فيه للبالغ»
(3)
.
وقال العلامة ابن القيم: «ولما كانت النفوس الضعيفة كنفوس النساء والصبيان -لا تنقاد إلى أسباب اللذة العظمى إلا بإعطائها شيئًا من لذة اللهو واللعب؛ بحيث لو فطمت عنه كل الفطام طلبت ما هو شر لها منه- رخص لها من ذلك فيما لم يرخص فيه لغيرها»
(4)
.
4 -
يُرخَّص في ممارسة اللَّعِب في بعض الأوقات ما لا يرخص في غيرها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح
…
ومن هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنه ا لما دخل عليها أبوها رضي الله عنه في أيام العيد، وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث. فقال أبو بكر رضي الله عنه : أبمزمار الشيطان في بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضًا بوجهه عنهما، مقبلًا بوجهه الكريم إلى الحائط، فقال:«دعهما يا أبا بكر؛ فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا أهل الإسلام»
(5)
ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه؛ ولهذا سماه الصديق
(1)
وقع في المطبوع: (منها)، والأقرب:(منه)؛ اتساقًا في عود الضمائر.
(2)
الاستقامة 2/ 153 - 156.
(3)
مجموع الفتاوى 30/ 214 - 216، وشرح العمدة -كتاب الطهارة- 4/ 292.
(4)
روضة المحبين ص 162.
(5)
أخرجه البخاري ح (907) ومسلم ح (829).
مزمار الشيطان، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ الجواري عليه معللًا ذلك بأنه يوم عيد، والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد»
(1)
.
وقال الحافظ ابن حجر -معددًا فوائد حديث عائشة السابق-: «فيه مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس، وترويح البدن من كُلَف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين»
(2)
.
(1)
فتاوى ابن تيمية 11/ 566.
(2)
فتح الباري 2/ 443.