الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع اللعب بعظم وضاح
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف عظم وضاح
.
المطلب الثاني: ما ورد في عظم وضاح
.
المطلب الأول تعريف عظم وضاح
عظم وضَّاح: لعبةٌ كيفيتها أنهم يطرحون عظمًا أبيض بالليل يرمونه؛ فمن أصابه غلب أصحابه، وكانوا إذا غلب واحدٌ من الفريقين؛ ركب أصحابُه الفريقَ الآخرَ؛ من الموضع الذي يجدونه فيه إلى المواضع الذي رموا به
(1)
.
المطلب الثاني ما ورد في عظم وضاح
35 -
قال ابن قتيبة
(2)
: بَيْنا صلى الله عليه وسلم يَلْعب وهو صغير مع الغِلْمان بعَظْم وضّاح مرَّ عليه يهوديٌّ، فدعاه فقال له:«لتقْتُلنَّ صَنادِيدَ هذه القرية» ».
• تخريج الحديث:
لم أقف على إسناده.
(1)
ينظر: غريب الحديث لابن الجوزي 2/ 472، والنهاية 3/ 511 ويسمى في بعض البيئات بـ:(عظيم ساري).
(2)
غريب الحديث 1/ 379.
• فقه المطلب:
1 -
دل الحديث على لعب النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير بعظم وضاح، وقد ورد الحديث خلوًا من الإسناد، وغلبة الظن قائمة على عدم ثبوته؛ فليس له ذكرٌ في كتاب السُّنَّة المشهورة سوى كتب غريب الحديث، وهي مظنة الغرائب، ولو ثبت فليس فيه حجةٌ على جواز هذه اللعبة؛ إذ فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعبها وهو صغير؛ أي: قبل البعثة، وأفعاله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ليست مصدرًا للتشريع
(1)
، ولكن يبقى السؤال هنا ما حكم السباق في اللُّعَب المباحة، التي لم ينص على جوازها النبي صلى الله عليه وسلم ، وليست في معنى ما نص عليه، وذلك مثل لُعبة:«عظم وضاح» ؟
فالجواب أن يقال: إن المسألة لا تخلو من أمرين:
الأول: أن تكون بغير عوض فهذه أجمع العلماء على جوازها، قال ابن قدامة:«الإجماع على جواز المسابقة بغير عوض في غير هذه الثلاثة» ، وقال:«فأما المسابقة بغير عوض فيجوز مطلقًا من غير تقييد بشيءٍ معين»
(2)
.
الثاني: أن تكون بعوض
(3)
، فهذه اختلف أهل العلم فيها على قولين:
(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 18/ 10: «والكتب التي فيها أخباره -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم - منها كتب التفسير، ومنها كتب السيرة والمغازي، ومنها كتب الحديث، وكتب الحديث هي ما كان بعد النبوة أخص، وإن كان فيها أمور جرت قبل النبوة؛ فإن تلك لا تذكر؛ لتؤخذ وتشرع فعله قبل النبوة؛ بل قد أجمع المسلمون على أن الذي فرض على بعاده الإيمان به والعمل هو ما جاء به بعد النبوة» .
(2)
المغني 13/ 404 - 407، وينظر: فتاوى ابن تيمية 32/ 227، الفروسية ص 98 - 309.
(3)
وهنا مسألة: هل يدخل في العوض حمل الفريق المغلوب للفريق الغالب من مكان وجود العظم حتى مكان الرمي؟ قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع 10/ 94: «قد كان من عادة الصبيان أنهم يتسابقون على الأقدام، فإذا سبق أحدهما الآخر قال له: احملني على ظهرك من منتهى المسابقة إلى ابتدائها فهل هذا جائز؟ هذا لا يجوز؛ لأنه بعوض وهو المنفعة؛ لأن حمله إياه من هذا المكان إلى هذا المكان منفعة فلا تجوز، وقد يقال: إنه يرخص في ذلك للصغار الذين لم يبلغوا وإن لم يرخص للكبار، يعني الصغار يرخص لهم من اللعب ما لا يرخص للكبار» . اهـ.
وما ذكره الشيخ رحمه الله في أول كلامه أقرب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 22/ 143:«ما حرم على الرجل فعله حرم عليه أن يمكن منه الصغير» ، وينظر ص 94 من هذه الرسالة.
القول الأول: عدم جواز بذل العوض فيها مطلقًا، وهذا قول الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
، واستدلوا بما يلي:
1 -
حديث أبي هريرة: «لا سبَق إلا في خف، أو حافر، أو نصل»
(5)
.
ووجه الدلالة منه من وجهين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم حصر السبق بعوض في هذه الثلاثة دون غيرها، وألحق بعض أهل العلم بهذه الثلاثة ما في معناها مما فيه عونٌ لنصر الإسلام، وهذه المباحات ليست منصوصًا عليها، ولا في معنى المنصوص عليه
(6)
.
الثاني: قوله: «لا سبق» نكرة في سياق النفي
(7)
، فتفيد عموم المنع عن بذل العوض من كل أحد في غير ما جاءت به السُّنَّة، سواء كان من المتسابقين، أو من غيرهما
(8)
.
2 -
أن تجويز أكل المال فيه ذريعةٌ إلى اشتغال النفوس بها، واتخاذها مكسبًا، لا سيما وهو من اللهو واللعب الخفيف على النفوس، فتشتد رغبتها فيه من الوجهين، فأبيح في نفسه؛ لأنه إعانةٌ وإجمامٌ للنفس، وراحةٌ لها، وحرم أكل المال به؛ لئلَّا يتخذ عادة وصناعة ومتجرًا
(9)
.
3 -
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «بذل المال فيما لا ينفع في الدين ولا في الدنيا منهيٌّ عنه وإن لم يكن قمارًا، وأكل المال بالباطل حرامٌ بنص القرآن، وهذه الملاعب من الباطل لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل؛ إلا رميه بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته امرأته فإنهن من
(1)
بدائع الصنائع 6/ 206.
(2)
القوانين الفقهية ص 105.
(3)
روضة الطالبين 10/ 351.
(4)
المغني 13/ 417.
(5)
تقدمت دراسته.
(6)
تبيين الحقائق 6/ 228، روضة الطالبين 10/ 350، الإنصاف 6/ 91، المغني 13/ 407.
(7)
ينظر في هذه القاعدة: البحر المحيط 2/ 228، التمهيد للأسنوي ص 318.
(8)
الحوافز التجارية التسويقية للدكتور خالد المصلح ص 141.
(9)
الفروسية ص 309.
الحق»
(1)
. قوله: «من الباطل» ؛ أي: مما لا ينفع، فإن الباطل ضد الحق، والحق يراد به الحق الموجود اعتقاده والخبر عنه، ويراد به الحق المقصود الذي ينبغي أن يقصد وهو الأمر النافع، فما ليس من هذا فهو باطل؛ ليس بنافع»
(2)
.
القول الثاني: جواز بذل العوض فيها إذا كان من أجنبي، وقد نُسب هذا القول للحنفية
(3)
، وحكي قولًا عند المالكية
(4)
.
واستدلوا بأن بذل السبَق هو من باب الجعالات، فيجوز في كل عمل مباح
(5)
.
والقول الأول هو الراجح؛ لقوة ما استدلوا به، ويجاب عن دليل القول الثاني بأنه قياسٌ مع الفارق، وقد بين العلامة ابن القيم الفروق بين الجعالة والسبَق من وجوه، فقال:
الوجه الأول: أن المتسابقين إذا أخرج أحدهما سبَقًا للآخر إذا غلبه -ليس مقصوده أن يغلبه الآخر، ويأخذ ماله؛ فإن هذا لا يقصده عاقلٌ، فكيف يقصد العاقل أن يكون مغلوبًا خاسرًا؛ بل مقصوده أن يكون غالبًا كاسبًا كما يقصد المجاهد-، والجعالة قصد الباذل فيها حصول العمل من الآخر ومعاوضته عليه بماله، وهذا عكس باب المسابقة؛ فإن المسابقة هي على صورة الجهاد، وشرعت تموينًا وتدريبًا وتوطينًا للنفس عليه.
الوجه الثاني: أن الجعالة يجوز أن يكون العمل فيها مجهولًا كقوله: من رد عبدي الآبق فله كذا، وكذا بخلاف عقد السباق، فإن العمل فيه لا يكون إلا معلومًا.
الوجه الثالث: أنه يجوز أن يكون العوض في الجعالة مجهولًا كقول
(1)
حديث حسن سيأتي تخريجه إن شاء الله.
(2)
مجموع الفتاوى 32/ 223.
(3)
نسبه للحنفية شيخ الإسلام ابن تيمية كما في المستدرك على مجموع الفتاوى 4/ 62، وابن القيم في الفروسية ص 322.
(4)
مواهب الجليل 3/ 393.
(5)
الفروسية ص 323.
الإمام: من دلني على حصن أو قلعة فله ثلث ما يغنم منه أو ربعه، بخلاف عقد السباق.
الوجه الرابع: «أن المراهن قصده تعجيز خصمه، وأن لا يوفي عمله، بخلاف الجاعل، فإن قصده حصول العمل المجعول له، وتوفيته إياه» . اهـ. بتصرف
(1)
.
2 -
في عصرنا هذا يُقاس على لُعْبة عظم وضاح -من حيث أخذ العوض- اللُّعَب الرياضية المباحة ككرة القدم، والطائرة، والسلة، واليد، والتنس، والجمباز، والقفز، وسباق الدارجات، والقوارب، ونحوها
(2)
.
(1)
الفروسية ص 105 - 323 - 345 - 346.
(2)
الضوابط العامة في مجال السبق للدكتور عبد الله الناصر ص 226 - 227.