الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نكلفهم من الأعمال ما يشق عليهم، ويهد من قوتهم، أو يستفرغ جهدهم «1» ، بل التكليف بالسهل المستطاع الذي لا يسأمه الخادم، فإن كلفناهم بالشاق وجب علينا أن نعينهم بنفوسنا أو بخدم إلى خدمنا والحديث نصر للعمال، وأخذ بيد الخادم والغلمان؛ ورفع لمستواهم وتنبيه لهم إلى حقوقهم قبل ساداتهم؛ وإرشاد لأرباب البيوت أن يقفوا منهم موقف العدالة. ولا يتناسوا رابطة الأخوة. ولا تبادل المنافع؛ وفيه النهي عن سباب للخدم وعدم التعرض لآبائهم وأمهاتهم بما يسوؤهم. أو يحط من قدرهم.
وبعد: فهذه اشتراكية الإسلام وهذا موقفه نحو الأرقاء. وهذا حرصه على مصلحة العمال. فهل بعد هذا رقي في دين؟
31- باب: أكبر الكبائر
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر- ثلاثا» - قالوا: بلى يا رسول الله قال: «الإشراك بالله. وعقوق الوالدين» ، وجلس، وكان متّكئا فقال:«ألا وقول الزّور» ، قال: فما زال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت. [رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي «2» ] .
اللغة:
نبأه وأنبأه: أخبره بمهم. وبلى: حرف تصديق مثل نعم؛ وأكثر ما تستعمل بعد الاستفهام، والعقوق: الإيذاء والعصيان، أصله من العق: وهو الشق والقطع والزور الباطل. وأصله تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل لمن سمعه أنه بخلاف ما هو به.
الشرح:
الذنوب درجات؛ فما فحش ضرره فكبيرة؛ وما زاد فحشه فأكبر
(1) يستفرغ جهدهم: يستنفذ جهدهم وقوتهم.
(2)
رواه البخاري في كتاب: الأدب، باب: عقوق الوالدين من الكبائر (5976) . ورواه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها (255) . ورواه الترمذي في كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في عقوق الوالدين (1901) . ورواه النسائي في كتاب: التحريم باب: ذكر الكبائر (4021) .
الكبائر، وما قل ضرره فهو الصغيرة، وكل حرّم الله، ومنع مقارفته، والرسول صلى الله عليه وسلم وسلم يعرض على حاضريه تحديثهم بأكبر الكبائر؛ وفي هذا العرض لفتهم إلى ما يحدّث به؛ وصرف آذانهم لسماعه؛ وقلوبهم لوعيه وقد كرر كلمة العرض ثلاث مرات حتى يزدادوا تنبهيا، ويتوجهوا إليه توجها، فقالوا: نعم يا رسول الله حدثنا بأكبرها؛ فحدثهم الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاث.
أولها: الشرك بالله: واتخاذ الأنداد والوسطاء، والأولياء والشفعاء، ودعاؤهم في الملمات كما يدعي وعبادتهم كما يعبد. والتقرب إليهم بالقرابين والنذور وضروب التقديس. وتلك أكبر جريمة أن تجعل لمن خلقك ندا. أن تشرك به ما لا يملك ضرا ولا نفعا. ولا حياة ولا موتا. أن تشرك به أمواتا غير أحياء عجزة غير أقوياء. أن تشكر من لا نعمة له عليك ولا يد له واصلة إليك؛ أن تعبد وهما وخيالا.
وتدعو أسماء أن تنادي من لا يسمع ولا يبصر. وربك أقرب إليك من حبل الوريد.
قد فتح أبوابه للسائلين. ووعد بالإجابة للداعين؛ فادع الله وحده مخلصا له الدين.
وصدق بعملك. قولك لربك إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ «1» ، واذكر قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ. وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «2» . وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً «3» ، وقوله: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ «4» .
وثانيها- عقوق الوالدين: وإيذاؤهما بالقول أو العمل. فسبهما وشتمهما بل قول أف لهما عقوق وقطيعة. وكذلك عصيان أمرهما. والتلكؤ في قضاء شؤونهما.
ومد اليد بالسوء إليهما. كل ذلك عقوق. ونكران للجميل. نعم إن دعواك إلى الإشراك، أو عصيان الخلاق فلا تطعمهما. وإن وجب عليك البر بهما. وحسن المصاحبة لهما وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ «5» ، واعلم أن الله تعالى قرن
(1) سورة الفاتحة، الآية:5.
(2)
سورة النساء، الآية:48.
(3)
سورة النساء، الآية:48.
(4)
سورة الحج، الآية:31.
(5)
سورة لقمان، الآية:15.
الإحسان إليهما بالقضاء له بتوحيده في العبادة إذ يقول: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً «1» ، وأمرك بالقول الكريم، والصنع الجميل. والدعاء لهما بالرحمة. فلا تضع الإساءة موضع الإحسان. ولا الكفران مكان الشكران؛ واعلم أن الله لا ينظر يوم القيامة إلى ثلاثة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر؛ والمنان- روى ذلك النسائي والحاكم وصححه ابن حبان «2» .
وقد قرر العلماء وجوب طاعتهما في المباحات فعلا وتركا واستحبابها في المندوبت وفروض الكفاية كذلك؛ ولقد استأذن امرؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فأبى الإذن له إلا بعد استرضاء والديه؛ فإياك أن تهمل في حق من ربياك صغيرا.
وثالثهما- قول الزور والباطل: وقد أكبر الرسول صلى الله عليه وسلم خطره؛ وأعظم جرمه؛ إذ جلس له بعد اتكائه؛ اهتماما بشأنه، وصدّر قوله بأداة التنبيه؛ وكرّر كلمته حتى شق على نفسه؛ وبدأ الغضب في وجهه؛ وتمنى أصحابه لو سكت؛ شفقة عليه ورحمة به؛ كما كان بهم رؤوفا رحيما، وقول الزور قرنه القرآن بالشرك في قوله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «3» ، وجاء في ضمن أوصاف عباده المخبتين «4» ، قوله: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ «5» .
وقول الزور يشمل شهادة الباطل؛ والحكم الجائر؛ ورمي الأبرياء بما هم منه براء؛ والقول على الله بغير علم؛ فكل ذلك داخل في قول الزور؛ هذا وإن شاهد الزور يسيء إلى نفسه؛ إذ يبيع آخرته بدنيا غيره. ويسيء إلى من شهد له بإعانته على ظلمه؛ وإلى من شهد عليه بإضاعة حقه؛ وإلى القاضي بإضلاله عن المحجّة «6» ، وإلى الأمة بزلزلة الحقوق فيها؛ وعدم الإطمئنان عليها. ومن الخزي الفاضح أن يكثر بيننا من يشهدون زور لمجرد صداقة أو رجاء. أو نظير مبلغ يسير يتقاضونه. أولئك الذين
(1) سورة الإسراء، الآية:23.
(2)
رواه النسائي في كتاب الزكاة باب: المنان بما أعطى (2561) . ورواه الحاكم (4/ 146) .
(3)
سورة الحج، الآية:30.
(4)
المخبتين: الطائعين الخاشعين.
(5)
سورة الفرقان، الآية:72.
(6)
المحجّة: الطريق المستقيم.