الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة:
يقال: أسلم فلان فلانا إذا ألقاه إلي الهلكة، ولم يحمه من عدوه. وهو عام في كل من أسلمته إلى شيء لكن غلب على الإلقاء في الهلكة. والكربة: الغم الذي يأخذ بالنفس. وتفريجها: كفها وإزالتها.
الشرح:
المراد بإخوّة المسلم للمسلم توثق العلاقة بينهم كتوثقها بين إخوة النسب توثقا يترتب عليه المحبة والمودة، والمواساة والنصر. وجلب كل خير ودفع كل ضر، ومن مقتضى الأخوة أنه لا يظلمه ولا يسلمه، وظلمه انتقاص حقه في نفسه أو ماله أو عرضه؛ طيبا أو فاسقا؛ فالظلم باطلاقه محرم؛ وقد نهى عنه القرآن في مواضع كثيرة، وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«الظلم ظلمات يوم القيامة» - رواه الشيخان «1» - وإسلامه خذلانه وتركه لعدوه ينكل به، أو يقضي عليه؛ وإذا كان الإنسان يحمي أعضاءه مما يضرها فليحم أخاه المسلم الذي اعتبره الشارع كعضو منه فلينصره ظالما أو مظلوما؛ ونصره ظالما منعه من ظلمه.
وقوله: ومن كان في حاجة أخيه إلخ حث على السعي في مصالح الناس سواء كانت مصالح مالية؛ أو علمية، أو أدبية؛ وقد دلت هذه العبارة على أن الوقت الذي ينفقه الإنسان في قضاء مصالح لغيره لا يضيع عليه؛ بل القدير العليم الذي بيده خزائن السموات والأرض يسعى في قضاء حاجاته، فهو إن بذل للإنسان قليلا نال به من الله خيرا كثيرا، فليستعن المرء على قضاء حاجته بقضاء حاجات الناس، وهذا المعنى يدخل في عموم قوله تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ «2» ، وكذلك ما بعده؛ وقوله:«ومن فرج عن مسلم كربة» إلخ، حض على السعي في دفع البلايا التي تحل بالمسلمين في الحياة الدنيا؛ فمن أصابته مسغبة بذلت له من مالك أو حثثت الأغنياء على معونته؛ ومن بلي بالعطلة سعيت له في عمل، ومن حاق به ظلم ظالم رفعت عنه الظلم ما وجدت لذلك سبيلا، ومن انتابه مرض داويته؛ أو أحضرت له طبيبا؛ وعلى
- ورواه البخاري في كتاب: المظالم، باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه (2442) . ورواه أبو داود في كتاب: الأدب، باب: المؤاخاة (4893) . ورواه الترمذي في كتاب: الحدود، باب: ما جاء في الستر على المسلم (1426) .
(1)
رواه البخاري في كتاب: المظالم، باب: الظلم ظلمات يوم القيامة (2447) . ورواه مسلم في كتاب: الأدب، البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم (6520) .
(2)
سورة محمد، الآية:7.
الجملة تسعى لإخوانك في إزالة النوائب أو تخفيفها؛ وقد ضمن الله لفاعل ذلك رفع الكرب عنه يوم القيامة؛ وكرب يوم القيامة شديدة لا تماثل كرب الدنيا؛ فليس لدرئها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا معونة تقدمها في الدنيا لذوي الحاجة؛ وقوله: «من ستر مسلما» ، إلخ حث على ستر زلات أخيه المسلم إذا اطلّع عليها؛ وظاهر هذا الإطلاق يشمل كل زلة صغيرة أو كبيرة مما يوجب الحسد كسرقة وزني وشرب خمر أو لا، فستر الجميع مطلوب، ولكن للعلماء في ذلك تفصيل فقالوا، إذا رأى المجرم أثناء ارتكابه الجريمة تقدم إليه منكرا، ومنعه منها ما استطاع، فإن تركه كان آثما لأنه لم يقم بواجب النهي عن المنكر، ويعتبر كمساعد له على الجريمة، والله يقول: وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ «1» ، وإن عرف الجريمة بعد ارتكابها فإن كان مرتكبها من المعروفين بالإجرام وجب عليه تبليغ أولي الأمر «الإدارة أو النيابة» ما لم يخش من ذلك مفسدة راجحة لأن الستر في هذه الحال يدعوه إلى التمادي في الإجرام، ويجرىء غيره من أهل الفساد على الطغيان، وإن لم يعرف بالإجرام فالستر عليه مستحب، ويجوز له تبليغ أولي الأمر، ولا يكون بذلك آثما ما لم يعرف أنه تاب وأقلع، فإن التبليغ يحرم عليه وقد قالوا: إن جرح الشهود والرواة والأمناء على الأوقاف والصدقات وغير ذلك من باب نصيحة المسلمين الواجبة على كل من اطّلع عليها. ولا يعتبر ذلك من باب الغيبة، ولا من قبيل هتك العورة.
ومدار البحث في هذا الموضوع أن النهي عن المنكر واجب قولا فلا تمكن شخصا من ارتكاب جريمة أو إتمامها إن استطعنا، وأن العورة أو السيئة إذا كان في الإخبار بها مصلحة للمسلمين أو دفع مضرة عنهم وجب التبليغ لمن يملك التأديب، وإن كان في الإخبار مجرد الفضيحة ولا مصلحة من ورائه فينبغي الستر خصوصا على الذين لم يعرفوا بالفساد.
واعلم أن هناك عيوبا خلقية، مستورة عن عيون الناس؛ ويؤلم الشخص أن تعرف عنه، فالواجب على من اطلع عليها ألا يذيع أمرها فإن الإذاعة إيذاء والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
وقد وعد الله سائر العورات بالستر عليه يوم القيامة، فلا يفضحه على رؤوس
(1) سورة المائدة، الآية:2.