الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال صاحب المختار: المليء الثقة ويقال: الملي بلا همز تسهيلا. والإضافة في مطل الغني من إضافة المصدر لفاعله. وقيل من إضافته لمفعوله وهو بعيد.
الشرح:
مما يحقق الثقة بالمرء أداؤه لحقوق الناس ولو لم يكن من كبار المثرين. ومما يزلزل الثقة أو يزيلها تلكؤه في أداء الحقوق ولو كان في مقدمة الأغنياء الموسرين.
والثقة رأس مال كبير تسهّل للمرء طرق أبواب التجارة وإن كان ماله قلا «1» .
وتقرّب إليه جيوب الناس وخزائنهم وإن لم يكن مليا. فلا جرم حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم مما ينزع الثقة بالمرء من نفوس الناس وهو المماطلة. ولقد عرّف علماء الأخلاق العدل بأنه إعطاء كل ذي حق حقه. ولما كانت مماطلة الغني القادر على الدفع وتأخره في أداء الحقوق منعا للحق عن صاحبه عدها الرسول صلى الله عليه وسلم ظلما فالمماطل ظلم غيره بتأخير حقه بدون عذر. بل ظلم نفسه إذ حرمها الثقة، وعرضها للطعن والثلب في الحياة الدنيا، ولعقوبة الله في الحياة الآخرى. فمن كان مدينا في تجارة، أو في متاع اشتراه، أو كان قبله حقوق لرعيته أو لمن تحت يده إن كان ملكا أو أميرا أو رئيسا أو وزيرا أو كان عليه نفقة لزوجه، أو والده أو ولده، أو قريبه أو عبده، أو كان عليه زكاة أو ضريبة مشروعة، وحل موعد الدفع وتلكأ «2» والمال في جيبه أو تحت يده- كان ظالما- بل قال بعض الفقهاء: لو أمكنه الاكتساب لسداد الدّين فتركه كان ظالما فاسقا. فالواجب على المستطيع بأي طريق كان أداء الحق متى حل أجله. ولو لم يطالبه به أهله. بل لو أمكنه الدفع قبل الموعد بادر إليه تبرئة لذمته. ورحمة لنفسه من ذل الدّين وهمه. وربما عسر عليه غدا ما تيسر له الساعة. والمال غاد ورائح. أما إن كان عاجزا عن الأداء فليس بظالم. بل لا يعد مماطلا. والواجب على الدائن في هذه الحال- إن كان له دين- وفي قلبه رحمه.
أحد أمرين: إما مهلة وإما صدقة وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «3» .
(1) قلا: قليلا.
(2)
تلكأ: أبطأ.
(3)
سورة البقرة، الآية:280.
وإذا قلنا: إن الإضافة في مطل الغني على معنى مطلك الغني فمعنى العبارة أنه يجب وفاء الدّين ولو كان مستحقة غنيا. فلا نتخذ من غناه ذريعة لمماطلته، وإذا كان تأخير ديون الأغنياء ظلما فالفقراء من باب أولى.
ولقد أمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم الدائن إذا أحاله المدين على غني مليء موسر قادر- أن يقبل هذه الإحالة، وأن يتبع الذي أحيل عليه بالمطالبة حتى يستوفي حقه، وإنما أمره بالإتباع إذا أتبع تنجية للمدين من الظلم أو الإشراف عليه بالمماطلة، وتعجيلا لإستيفاء حقه بلا مساوفة «1» ، ولقد قال أكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وأهل الظاهر. إنه يجب على الدائن قبول الإحالة على الملىء عملا بهذا الأمر.
قال الجمهور: إن الأمر هنا للاستحباب وأي مانع يمنعك أيها المسلم الرحيم من أن تلزم نفسك القبول، وفي ذلك خيرك وخير أخيك؟ إنه لا مانع إلا المعاكسة والمشاكسة «2» وليست من أخلاق المؤمن.
وقد استدل بهذا الحديث على اعتبار رض المحيل والمحال دون المحال عليه لعدم التعرض لذكره، وبذلك قال جمهور الفقهاء، وعن الحنفية والاصطخري من الشافعية اشتراط رضاه أيضا.
وكذلك استدل به على أن المعسر لا يحبس، ولا يطالب حتى يوسر لأنه لو جازت مؤاخذته لكان ذلك لظلمه والفرض أنه غير ظالم لعجزه، وقيل: يحبس وقيل:
يطالب وقد قدمنا لك حكم القرآن في ذلك، أما المماطل فنسلك معه كل سبيل حتى يصل ذو الحق لحقه، ولو كان بالإيذاء له أو الحبس.
فأد الأمانات لأهلها، ولا تكن ظلوما، واعمل على تحقيق الثقة بك، وارحم المدين العاجز وأمهله أو تصدّق عليه، ولا ترفض ما ينفع غيرك وينفعك، أو ينفعه ولا يضرك ودع النزاع والخصام وأحل محلهما الألفة والوئام إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ «3» .
(1) المساوفة: التسويف والمطل.
(2)
المشاكشة: الاختلاف وصعوبة الخلق.
(3)
سورة التوبة، الآية:120.