الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمجاهرة بمعنى واحد. والمجانة: الإستهتار وعدم المبالاة بما يقول أو يقال له.
وبما يفعل. يقال: مجن يمجن مجونا ومجانة ومجنا. وفي رواية، المجاهرة بدل المجانة. وفي ثانية: الإجهار. وفي ثالثة: الجهار وفي رابعة: الإهجار. يقال: أهجر في منطقه يهجر إهجار إذا أفحش أو أكثر الكلام فيما لا ينبغي. والإسم الهجر، والبارحة: أقرب ليلة مضت من وقت القول. وهي من برح بمعنى زال. والستر:
الستارة أي ما يستر به.
الشرح:
المعاصي حمى الله، محرم علينا غشيانها «1» ، بل أن نرتع «2» حولها.
لتسلم أجسام لنا وعقول، وأعراض ونفوس. والغشيان محظور ليلا ونهارا، سرا وجهارا وإن كان الأثر مختلفا، والعقاب متفاوتا. ذلك أن المستترين في عصيانهم؛ المختفين في فسقهم، عندهم بقية من الحياء، إن لم يكن من الله فإنه من الناس. فلا زال لديهم ضمير يؤنبهم، وواعظ نفسي ينصحهم، وإن كان مغلوبا على أمره، ومقهورا للشيطان، ولذلك استحوا من الإعلان، واختفوا عن الأنظار، وإن كان الله بما يعملون محيطا. هذا إلى أنهم بأسرارهم، لم يلفتوا غيرهم إلى جرمهم، ولم يحرضوا النفوس الغافلة بعملهم على الاقتداء بهم في فسقهم. وإلى ذلك أن العفو عنهم من مأمول إذا تابوا وأنابوا، وأصلحوا ما أفسدوا وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى «3» ، لأن الضرر لم ينتشر، والأثر لم يكثر، والذنب عنهم لم يعرف. أما المعلنون لفسقهم، المجاهرون بعصيانهم، المستهترون بدينهم؛ الذين يشربون الخمر على قارعة الطريق، ويرتادون الفاحشة جهارا ويتعاملون بالربا علنا، ويلعبون الميسر في النوادي. ويتجاهرون بترك الصلاة ومنع الزكاة. ويغشون «4» المطاعم والمقاهي في رمضان على مرأى من الناس ومنظر؛ ويأخذون الرشا أمام العيون- أما أولئك فليسوا بمعافين، وليسوا من الأذى بسالمين، ولا من الشر آمنين، ولا من العفو نائلين. وكيف؛ وإعلانهم يدل على تمكن الشر من نفوسهم، وامتزاجه بلحومهم ودمائهم، وأنهم فقدوا خلق الحياء، ومات عندهم الوازع «5» . فأولئك
(1) غشيانها: إتيانها.
(2)
نرتع: المراد لا نرتكبها ولا نحوم حولها.
(3)
سورة طه، الآية:82.
(4)
يغشون: يدخلون.
(5)
الوازع: الضمير الزاجر والناهي والمعاتب.
يزيدهم الله ضلالا إلى ضلالهم، وفسقا إلى فسقهم؛ عقابا لهم على مجاهرتهم فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً «1» . فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ «2» ، فالتوبة منهم غير مأمولة، والنصيحة لهم غير مقبولة، فكيف يرجى لهم من الله عفو، ويؤمل عنهم صفح. وسنته ونظامه أن عفوه للتائبين، وصفحه عن النّبيّين «3» ، وأن التأثر بالنصائح لمن لم يمت فيهم الاستعداد بالاستهتار في العصيان. أما من فقدوا الاستعداد فقرع الآيات يزيدهم غيا إلى غيهم وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ «4» ، فكيف يكون هؤلاء من المعافين، وإلى ذلك أن مجاهرتهم بالمعصية دعوة عملية للإقتداء بهم في إجرامهم، وسلوك سبيلهم، فيجيبهم ضعفاء الإيمان، واهنوا «5» الإرادة، فيحملون من وزرهم، ويكتب لهم من فسقهم «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» «6» ، فإن أمكنهم التخلص من آثامهم بالتوبة النصوح- إن كان لها في نفوسهم موضع- فكيف يتخلصون من أوزار من أضلوهم بغير علم؟
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن من المجاهرة والإعلان، أو من الفحش والإهجار، أو من المجون والاستهتار، وعدم المبالاة بالدّين، وبرقابة الخبير العليم؛ وبشعور المسلمين- أن يقترف المرء جرما بالليل، ويغشى فاحشة تحت سترة البهيم. حيث النفوس عنه غافلة، والأبصار إليه ناظرة؛ وإن كانت عين الله راعية، وأقلام الكتبة الكرام مقيدة. ثم يصبح؛ ولم يقف على جرمه إلا علام الغيوب، وستار الذنوب فيهتك الستر، ويبوح بالسر، ويعلن عن نفسه بالإجرام، وعن سيرته بالسوء. ويلطخ عرضه بدنس الآثام، ورجس الشيطان فيقول للناس إذا ما أصبح وجمعته المجالس
(1) سورة البقرة، الآية:10.
(2)
سورة الصف، الآية:5.
(3)
النّبيين: ناب إلى الله: تاب ولزم طاعته.
(4)
سورة التوبة، الآية:125.
(5)
واهنوا: ضعيفوا.
(6)
ورواه مسلم في كتاب: العلم، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة (6745) . ورواه الترمذي في كتاب: العلم، باب: ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتبع أو إلى ضلالة وقال: حسن صحيح (2674) . رواه ابن ماجه في المقدمة، باب: من سن سنة حسنة أو سيئة (206) .