الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعمل» ، [رواه البخاري والنسائي «1» ]، وفي رواية للشيخين «2» :«لا حسد إلّا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ، ورجل آتاه الله الحكمة، فهو يفضي بها ويعلّمها» .
اللغة:
الحسد: أن يرى المرء نعمة على أخيه فيتمنى زوالها عنه إليه أو إلى غيره. وقد يضيف إلى التمني السعي في زوالها. والغبطة: أن يتمنى مثلها ولا يتمنى زوالها عن أخيه، والتلاوة: القراءة؛ ولا تكاد تستعمل إلا في قراءة كلام الله تعالى.
والأصل لمعنى «ت ل و» اتبع؛ ولذلك قيل لولد الشاة والناقة «تلو» إذا فطم وصار يتبع أمه، وكل ما يتبع غيره في شيء يقال هو تلوه، وسميت قراءة القرآن تلاوة لأنه مثاني كلما قرىء منه شيء يتبع بقراءة غيره أو بإعادته؛ أو لأن شأنه أن يقرأ ليتبع بالاهتداء والعمل به، بل فسرت تلاوة القرآن باتباعه والعمل به، والآناء: الساعات، الواحد أنى مثلت الهمزة والتسليط التمكين من القهر والإخضاع. والهلكة: الإهلاك.
والحكمة: إصابة الحق بالعلم والعمل. وبعبارة أخرى: وضع الأشياء مواضعها.
ولذلك قيل لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم، والمراد بالحكمة هنا القرآن بدليل الرواية الآخرى. والقرآن مبيّن للحق، مؤت للحكمة.
الشرح:
الحسد رذيلة ممقوتة. لأنه كراهية الخير للناس، وتمني زوال النعم عنهم، ولا يتخلق به إلا ذوو النفوس الخبيثة، والقلوب الأثيمة. التي مات فيها داعي الخير، وحي مكانه باعث الشر. فإن انضم إلى ذلك السعي في زوال النعم بوشاية أو عمل تضاعف المقت. وتزايد الفحش.
وقد نهى الله عنه بقوله: وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ «3» ، وأمر بالتعوذ منه في سورة الفلق وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ «4» .
(1) رواه البخاري في كتاب: فضائل القرآن، باب: اغتباط صاحب القرآن (5026) .
(2)
رواه البخاري في كتاب: العلم، باب: الاغتباط في العلم والحكمة (73) . ورواه مسلم في كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه وفضل من تعلم حكمة
…
(1893) .
(3)
سورة النساء، الآية:32.
(4)
سورة الفلق، الآية:5.
وإذا كان الحسد كله شرا كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين من قبيل الاستثناء المنقطع. فلا حسد محمود أو جائز مطلقا، لا في مال أو علم، ولا في منصب أو جاه ولا في غير ذلك من أنواع النعم. سواء رجوت النعمة الزائلة لك أو رجوتها لغيرك. ولكن هناك خصلتان محمودتان ليستا من وادي الحسد.
أو نقول: إن الحسد هنا يراد به الغبطة مجازا. فمعنى العبارة لا غبطة إلا في هاتين الخلتين. فحصر الغبطة فيهما مع أنها تكون في غيرهما بيانا لعلو درجتهما وعظيم منزلتهما. وأنهما وحدهما الجديرتان بالغبطة دون غيرهما من صنوف النعم.
فالخلة «1» [حفظ القرآن وفهمه]
الأولى الجديرة بالتمني، الحقيقة بالجدّ في إدراكها، والسعي في نوالها خلة رجل من الله عليه بالقرآن، فوهبه حفظه، وعلم ما تضمنه. من حلال وحرام وحكم وأحكام، وقصص وأخبار، وآداب وأخلاق. فذاق حلاوته وعرف مكانته، فحرص عليه الحرص كله، وعض عليه بالنواجذ واتخذه سميره وجليسه وخليله وأنيسه، فهو يتلوه آناء الليل. وآناء النهار. فلسانه به رطب، وقلبه حي، وعقله في نمو وعلو، ونفسه مهتدية بهديه، ومقتفية لأثره، يفصل به في المشكلات ويحكم في المنازعات، ويقضي على الشبهات، يفتي به المستفتين، ويفض شجار المتنازعين يدعو الناس إليه. ويحثهم على أن يقرئهم آيه، ويعلمهم أحكامه، يعظهم بعظاته: ويهداهم بكلماته. يبشرهم بما فيه من النعيم ويحذرهم عذاب الجحيم، فهو به عليم، ولأمره سميع، ولآيه قارىء، وبأحكامه فاصل، ولما فيه ناشر. فأورثه ذلك الحكمة التي يزن بها الأمور بميزان الحق. ويقول فيها القول الفصل: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ «2» .
نعم من أوتي القرآن أوتي خيرا كثيرا. أوتي صحة في جسم وطهارة في نفس، وكمالا في عقل، وسعة في مال، وعزة في تواضع. وشدة في رحمة، ورسوخا في علم، وصدقا في قول، وما يذكر بما يسمع إلا ذوو العقول الراجحة، والألباب الناضجة، فأولئك إذا سعد جدهم بجار علّمه الله القرآن، ووفقه لتلاوته ليله ونهاره يتمنون أن يؤتوا مثل ما أوتي من الذكر الحكيم، وأن يوفقوا لتلاوته كما وفق،
(1) الخلة: الخصلة.
(2)
سورة البقرة، الآية:269.