الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جدب على غير قياس وهي: الأرض الصلبة التي لا ينضب منها الماء، والإخااذات:
جمع إخاذة وهي الأرض التي تمسك الماء. والرعي: تغذية الحيوان من المرعى، والقيعان: واحدها قاع وهي الأرض المستوية الملساء التي لا تنبت، وفقه: فهم، وفقه: صار فقيها.
الشرح:
بعث الله محمدا بالقرآن الذي يرشد الناس إلى طريق الخير، ويهداهم إلى وجوه المصلحة، والذي يعرفهم الحقائق، ويبين لهم الأحكام، ويرفع عن قلوبهم غشاء الجهالة، فهو هدى ورشاد، وهو علم ونور شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ «1» . وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً «2» غير أن الناس لم يكونوا في الانتفاع به بدرجة واحدة بل اختلفوا وتباينوا لاختلاف نفوسهم وتفاوت استعدادهم.
ففريق طيب النفس، صافي الفطرة، لم يدنسها بالآثام، ولم يفسدها بالأوزار، فهذا حينما يسمع الوحي يصغي إليه بأذنيه، ويتفهمه ويتدبره؛ ويفقهه ويحفظه، وتتأثر به نفسه الطيبة، وقلبه السليم، فيوحي إلى الأعضاء بالعمل به، ويأخذ في دعوة الناس إليه، فهو للقرآن سميع، وبأحكامه عليم، ولإرشاده مجيب، وللناس به ناصح أمين.
وهذا قد مثّله الرسول صلى الله عليه وسلم بالأرض الطيبة التربة، النقية الخصبة، إذا نزل بها المطر الغزير نفذ إلى صميمها، فأثر فيها، فاهتزت «3» وربت، وأنبتت بالماء العشب والكلأ، فرعاه الحيوان، وعاد خيره للإنسان، بل أنبتت بالماء من كل زوج بهيج مما هو طعام للإنسان وغذاء أو فاكهة ومتاع، فالأرض لجودتها قد حبست الماء في جوفها لمصلحتها، فأخصبت به بعد إجدابها، وحييت به بعد موتها، ونفعت الإنسان والحيوان بما أخرجت من الكلأ والثمار، كذلك القرآن إذا نزل صيب آية بالنفوس الطيبة حييت به القلوب الهامدة، فأوحت للمرء بالأعمال الصالحة وأخذ يعلم الناس ما علم وينفعهم بما به انتفع، وهذا الفريق هو الذي قال الله فيه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ «4» .
وفريق خبثت نفسه، وفسدت فطرته، ومات استعداده، فهذا إن قرعت أذنه آي
(1) سورة البقرة، الآية:185.
(2)
سورة النساء، الآية:174.
(3)
اهتزت الأرض: أخصبت وأنبتت.
(4)
سورة فصلت، الآية:44.
الوحي ولّى مستكبرا كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه وقرا، لا يرفع به رأسا، ولا يفتح له قلبا، ولا يقبل منه هدى. وهذا مثّله الرسول صلى الله عليه وسلم بالأرض المستوية؛ الرخوة السّبخة «1» ؛ إذا نزل بها الماء أضلته في جوفها؛ وأضاعته في مسامها؛ ولم تخرج به كلأ ولا عشبا؛ ولا نباتا ولا ثمرا، فلا هي انتفعت بالماء ولا هي أمسكته على ظهرها، فانتفع به الحيوان والإنسان أو سقي به أرض أخرى طيبة نقية فكذلك هذا الفريق لم ينتفع بالوحي ولم ينفع به فكان مثله كمثل الأرض الخبيثة، وهذا الفريق الذي قال الله فيه: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «2» .
وفريق ثالث بين الفريقين لم يذكره الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذكر مثله ومن عرف الفريقين عرفه: بل المثل وحده يرشد إليه؛ فهو ذلك الشخص الذي سمع القرآن؛ فعقله وفهمه، ووقف على أحكامه، وحلاله وحرامه، ولكن لم يعمل به في خاصة نفسه، ولكن دعا الناس إليه علمهم ما تعلم، فهو كالذين قال الله فيهم: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ «3» فهذا قد نفع الله به العباد، وجعله معبر خير لهم ولم ينتفع هو بما علم وعلّم، وكان حريا «4» به أن يهذب نفسه بما هذب به غيره، فهذا مثله كالأرض الصلبة التي تمسك الماء لا تشربه، فيشرب منه الناس والحيوان، وتسقي به الأرض الطيبة الخصبة، ويلقي بها الحب والبذور، فينبت بالماء نباتا حسنا، فيأكل الإنسان ويرعى الحيوان، فالأجادب نفعت ولم تنفع، كذلك العالم بالقرآن يعلمه ولا يعمل به، أفترضى أن تكون أرضا مجدبة؟ أليست نفسك أولى ببرّك وعلمك، أتريد أن تكون ممن قال الله فيهم: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ.
كَبُرَ مَقْتاً «5» عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ «6» فاستمع للوحي وتدبره، وهذب به نفسك؛ وكمل به خلقك؛ وادع الناس إليه بقولك، كما تدعوهم بعلمك وَمَنْ
(1) السّبخة: أرض ذات ملح ونز لا تكاد تنبت.
(2)
سورة البقرة، الآيتان: 6، 7.
(3)
سورة البقرة، الآية:44.
(4)
حريا: جديرا.
(5)
المقت: البغض والكره.
(6)
سورة الصف، الآيتان: 2، 3.