الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن رأيت في المتسمين بالإسلام من ينطلق لسانه بالشتائم ويخوض في الأعراض وينطق بالهجر فهذا ناقص الإيمان لم تملأ العقيدة قلبه بل لا زال فيه حظ للشيطان فينطق على لسانه بالكلمات البذيئة والعبارات المستهجنة «1» .
والحديث يبين أن الأخلاق لها مكانة عالية في الإيمان وأن من لم يحسن خلقه ويتأدب لسانه ضعيف الإيمان أو ناقصه وإن صام وصلّى وحج وزكى فلا يتم للمرء إيمان إلا إذا قام بكل ما أمر الله من عبادات وأخلاق وحسن معاملة للناس. والله يقول في حق رسوله صلى الله عليه وسلم وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ «2» .
86- باب: الكيّس والعاجز
عن شدّاد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني» . [رواه الترمذي وأحمد والحاكم وابن ماجه «3» ] .
اللغة:
الكيّس: العاقل المتبصر في الأمور الناظر في العواقب وقد كأس يكيس كيسا، والكيس: العقل. ودان نفسه: قهرها وأذلها، والهوى: ميل النفس إلى الشهوة. قيل سمّي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية. والأماني: جمع أمنية وهي: ما يتخيله الإنسان فيقدر وقوعه من لذائذه وشهواته وبعبارة أخرى ما يتمناه الإنسان.
الشرح:
ما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «4» .
(1) المستهجنة: المستقبحة.
(2)
سورة القلم، الآية:4.
(3)
رواه الترمذي في كتاب: صفته القيامة والرقائق والورع، باب: - 25- (الحديث 2459) .. ورواه ابن ماجه في كتاب: الزهد، باب: ذكر الموت والاستعداد له (4260) . ورواه الحاكم (1/ 57) .
(4)
سورة العنكبوت، الآية:64.
فالعاقل حقيقة من قهر نفسه وأخضعها لحكمة عقله وشريعة ربه فهو يحاسبها على كل ما تأتي وما تذر. فإن خيرا ازداد منه وحمد الله وإن كان شرا أناب إليه وعاد على نفسه بالقهر والإذلال حتى تسلك الإمام «1» المبين ولا تحيد عنه يمنة أو يسرة.
وسلوكه بالقيام بالواجب عليه لربه ونفسه وأهله وقومه فذلك ما ينفع لما بعد الموت من بعث وحشر وحساب ونعيم، وعقاب، والحازم من يستعد لهذه الرحلة الطويلة ولذلك اليوم المشهود ولتلك الدار الباقية بنفس يطهرها وخلق طيب يتجمل به وعمل صالح يقدمه يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ. إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ «2» ، ذلك الكيس الحاذق «3» .
أما العاجز المقصّر في الواجب فهو ذلك الذي يأتم بهواه فنفسه أسيرة شهواته كلما أهابت به «4» لاقتراف فاحشة لبّى نداءها وكلما أخذت به عن سنن الحق سار وراءها غير مبال بما هو صائر إليه وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ «5» ، أما عقله ودينه فمقهوران لشهوته، فهي صاحبة الأمر تصرفه كما تريد فبحق ذلك هو الأحمق وإنه ليزيده حمقا تمنيه على الله الأماني الكاذبة فهو يعلل نفسه بعفو الله ومغفرته وسعة رحمته أو باستدراك ما فاته آخر حياته ولم يدر هذا العاجز أن رحمة الله كتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين يؤمنون بايات الله ويتبعون الرسول النبي الأمي. لم يدر هذا العاجز أن الموت غائب لا يدري متى يقدم وأنه قد يباغت «6» الناس في ريعان الشباب حيث البنية سليمة والقوة موفورة، فالعاقل يجعل هواه خاضعا لعقله ومن وراء إذن ربه وفي الحديث «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» .
والعاقل لا يتمنى من المكافات إلا ما يتناسب مع عمله الذي قدمه إن كان له عمل والجنة ثمنها الإيمان والعمل الصالح وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ
(1) الإمام: الطريق المستقيم.
(2)
سورة الشعراء، الآيتان: 88، 89.
(3)
الحاذق: الماهر في عمله.
(4)
أهابت به: دعته.
(5)
سورة القصص، الآية:50.
(6)
يباغت: يفاجىء.