الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا ينعقد، لأنه لا يتصور الوفاء به، ولا يوجب شيئا. كما لو حلف على فعله، فإنه لا تلزمه كفارة. فالنذر من باب أولى.
74- باب: الأخذ بالأيسر وترك الانتقام للنفس
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قطّ إلّا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قطّ إلّا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله» . [رواه البخاري ومسلم «1» ] .
اللغة:
الانتقام: المبالغة في العقوبة. مأخوذ من نقم ينقم- كضرب وعلم- إذا بلغت به الكراهة حد السخط. والنقمة العقوبة. والحرمة ما وجب القيام به من حقوق الله وحرّم التفريط فيه، وتقال لما لا يحل فعله. وانتهاكها: تناولها بما لا يحل.
الشرح:
للرسول صلى الله عليه وسلم الأدب الكريم، والخلق العظيم، وفي هذا الحديث تقص علينا عائشة الصديقة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وأكرم نسائه عليه. ومن أعلمهن بادابه خلقين من أخلاقه العالية، هما اختيار الأسهل الأيسر. ما لم يكن محرما، وعدم الانتقام لنفسه ما لم تغش «2» محارم الله. فينتقم لله.
فمثل خيّره ربه بين الإفطار والصيام في السفر أو المرض. فاختار الأيسر، وخيره بين مقابلة السيئة بمثلها والعفو فاختار العفو، وخيّره فيمن تحاكموا إليه غير مخلصين في الحكم بينهم أو الإعراض عنهم، فاختار ما رآه أسهل، وخيّره بين أن يقوم نصف الليل أو ثلثه، أو يزيد على النصف فكان يختار ما يراه أيسر على نفسه، وخيّره بين أن يفتح له كنوز الأرض أو يجعل رزقه الكفاف فاختار الكفاف ليتفرغ
(1) رواه البخاري في كتاب: المناقب، باب: صفة النبي صلى الله عليه وسلم (3560) . ورواه مسلم في كتاب: الفضائل، باب: مباعدته للآثام واختياره من المباح أسهله و
…
(5999) .
(2)
تغش: تنتهك.
لعبادة ربه، والدعوة إلى دينه، وكذلك إذا خيّره أهل بيته بين أمرين اختار أيسرهما، فإذا خيّروه بين طعامين اختار أدناهما كلفة. وإذا استشار أصحابه في أي الطرق يسلك في سفرة أو غزوة، وفي أي الأماكن ينزل، أو في أي البقاع تكون المعركة، فأشاروا بأمرين اختار الأيسر منهما، وهكذا دأبه، ما لم يكن أحد الأمرين معصية، فإنه يكون أبعد الناس منه، وكيف لا تنفر نفسه الطيبة الطاهرة بما يخدش طاعته لربه، وحرصه على شرعه ولن يخيره بين طيب وخبيث. كماء وخمر إلا جاهل بالدّين، أو منافق. أو كافر لا يعلم أحكام الشريعة، ذلك الخلق الأول.
أما الخلق الثاني فكان صلى الله عليه وسلم لا يناله أمر يمضه من جفاة الأعراب أو من ضعفة الإيمان، أو من أعدائه فينتقم لنفسه. فالأعرابي الذي جفا عليه في صوته، والآخر الذي جذبه من ردائه حتى أثر في كتفه، وذلك الذي اتهمه بالظلم في القسمة، وذلك الذي أخذ منه سيفه على غرة وأراد الفتك به، فسقط من يده، وتناوله الرسول صلى الله عليه وسلم.
كل أولئك وأمثالهم صفح عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ما لم يكن الإيذاء له انتهاك لحرمة من حرمات الله، واعتداء على شرعه فإنه ينتقم لله، انتصارا لدينه، وقياما بواجب النهي عن المنكر.
ولذلك أقام حد القذف ثمانين جلدة على من رمى زوجه البتول بالإفك، وآذاه في أهل بيته وأهدر دماء جماعة من المشركين لما فتح مكة ممن كانوا يؤذونه لأنهم كثيرا ما انتهكوا حرمات الله وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ «1» .
والحديث يحثنا على أخذ اليسر، والرغبة عن العسر، ويدعونا إلى الأخذ بالرخص إن كانت على النفس أسهل. والعفو عن المسيئين إلا أن ينتهكوا حرمات هذا الدّين، ويندبنا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا تأخذنا في ذلك هوادة «2» .
(1) سورة النور، الآية:2.
(2)
الهوادة: اللين والرفق.