الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرح:
لهذا الحديث سبب.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا» ، فقال رجل أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم» ثم قال: «ذروني ما تركتكم» إلخ الحديث.
يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين الاقتصار في السؤال على ما لا بد لهم منه، وعدم الإلحاح فيما لا فائدة فيه مخافة أن تقع الإجابة بأمر يستثقل فيؤدي لترك الامتثال فتقع المخالفة والمعصية فيكون العذاب؛ وهذا إذا لم يكن المقام مقام استفهام واسترشاد حيث يحمد السؤال ويذم السكوت، وربما تفضي كثرة السؤال إلى مثل ما وقع فيه بنو إسرائيل، إذ أمروا أن يذبحوا بقرة. فلو ذبحوا أي بقرة كانت لامتثلوا، ولكنهم شددوا فشدد عليهم.
ثم أرشدهم إلى أنه يجب عليهم أن يقفوا عند نواهي الرسول صلى الله عليه وسلم ويجتنبوا كل ما حظر عليهم فعله فلا يسوغ لهم الإتيان بشيء منه.
وقد استدل بعض العلماء بعموم النهي في هذا الحديث على أن الإكراه أو الضرورة لا تبيح فعل المنهي عنه كالتداوي بمحرّم أو دفع العطش به.
وأن الشرع لم يكلفهم إلا بما يطيقونه، فلا يكلفهم بما فوق طاقتهم ولا بما يستحيل عليهم فعله، ويدخل في ذلك كثير من الأحكام، كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بما في مقدوره، وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة.
وقد استدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع مشقة الترك، وقيد في المأمورات بقدر الطاقة، وقد يقال إن النهي يقتضي الكف عن الشيء، وهذا مقدور لكل أحد ولا مشقة فيه، فلا يتصور عدم الاستطاعة، بخلاف الأمر فإنه يقتضي الفعل، وقد يعجز عن مباشرته كما هو مشاهد فلذا قيد الأمر بالاستطاعة دون النهي.
- (7288) . ورواه مسلم في كتاب: الفضائل، باب: توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثاره سؤاله عما لا ضرورة إليه أو
…
(6068) .
واستدل به على ذم كثرة السؤال والتعمق في المسائل إذا كان على وجه التعنت والتكلف، أما إذا كان على وجه التعلم والتعليم لما يحتاج إليه من أمر الدّين أو الدنيا فذلك جائز بل مأمور به لقوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «1» .
أضف إلى هذا أن كثرة السؤال عما لا يعني مضيعة للوقت واشتغال بما هو عبث وداعية إلى الاختلاف والمجادلة بالباطل.
ومثل ذلك كثرة التفريع على مسائل لا أصل لها من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع فيصرف فيها زمان كان صرفه في غيرها أولى.
ومن ذلك البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك البحث عن حقيقتها. وعما لم يثبت فيه دليل صحيح كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح، وعن مدة هذه الأمة إلى غير ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل ويوقع التعمق فيه في الشك والحيرة؛ وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يزال الناس يتسائلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله» «2» .
وضابط القول في ذلك.
أن المذموم من البحث والسؤال هو الإكثار فيما لا يأتي بفائدة: وتفريع المسائل وتوليدها لا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر، وبخاصة إذا كان الحامل على ذلك المباهاة والمبالغة. وكذا إغلاق باب البحث والمناقشة حتى يفوت الإنسان كثير من الأحكام التي يحتاج إليها في حياته.
أما إمعان النظر والبحث في كتاب الله تعالى والمحافظة على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الذين شاهدوا التنزيل وعرفوا السنة وما دلت عليه فإن ذلك محمود نافع مطلوب، وهو الذي كان عليه عمل الفقهاء من التابعين، أما من جاء بعدهم، فقد كثر بينهم الجدال والمراء «3» وتولدت الشحناء والبغضاء، وهم أهل دين واحد حتى
(1) سورة الأنبياء، الآية:7.
(2)
رواه البخاري في كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف ما لا يعنيه و
…
(7296) . ورواه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: في الأمر بالإيمان (341) .
(3)
المراء: ما راه مراء: ناظره وجادله.