الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كاذبا في دعواه فالعبرة بنية الحالف وإلا فبنية المحلف، وكذا إذا كان المحلف هو القاضي أو نائبه فعلى نية المحلف، أما إذا كان بغير طلب أو بطلب غير القاضي أو في موضع لا تعلق لأحد بحق قبل الحالف فعلى نية الحالف.
والحاصل أن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه فتكون على نية المستحلف.
وهذا مراد الحديث سواء كان اليمين بالله تعالى أم بالطلاق أم بالعتاق إلا إذا حلفه القاضي بالطلاق أو العتاق فتنفعه التوراة ويكون الاعتبار بنية الحالف لأن القاضي ليس له التحليف بهما وإنما يستحلف بالله تعالى.
108- باب: كراهة الحلف في البيع
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«الحلف منفقة للسّلعة ممحقة للبركة» (وفي رواية للرّبح) . [رواه البخاري ومسلم «1» ] .
اللغة:
الحلف: القسم والمراد اليمين الكاذبة كما صرح بذلك في رواية الإمام أحمد. منفقة: مصدر ميمي من النفاق بفتح النون وهو: الرواج «2» ضد الكساد.
السلعة بكسر السين: واحدة السلع بكسر ففتح وهي: المتاع وما أعد للتجارة.
ممحقة: بوزن منفقة من المحق وهو: النقص والإبطال، والهاء فيهما للمبالغة، البركة: الزيادة والنماء.
الشرح:
تساوم تاجرا في شراء شيء وتختلفان في الثمن فيقسم لك الأيمان المغلظة أنه لا يربح فيها شيئا إذا باعها لك بما ذكر من الثمن أو أن غيرك قد عرض
(1) رواه البخاري في كتاب: البيوع، باب: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ
…
(2087) . ورواه مسلم في كتاب: المساقاة، باب: النهي عن الحلف في البيع (4101) .
(2)
الرواج: راجت السلعة: نفقت وكثر طلّابها.
عليه فيها أكثر مما تعرض أنت وأن في بيعها لك بما رغبت غبنا «1» عليه وخسارا كبيرا. أو تختلف معه في نوع السلعة أو جنسها فيلقاك باليمين أنها من الصنف الفلاني أو من نوع كذا، ولا يزال ينمق «2» لك الكلام ويغريك بالأيمان، حتى تغتر وتصدقه، فتشتريها كما قال بما طلب من الثمن، حتى إذا فحصت عنها لم تجدها كما كنت ترغب أو وجدتها لا تساوي ما دفعت فيها، بينما يكون البائع قد ظفر منك بالثمن الذي أراده.
وهكذا يصنع مع غيرك فتنفق بضاعته وتزداد ثروته، وكلما وجد الربح قد نما بين يديه ولمع بريق الذهب والفضة أمام عينيه استمرأ «3» هذا السبيل الذي يرى أنه يدر عليه الربح الوفير، من غير كبير مجهود ولا خسارة مادية، ويظن أنه بذلك قد أمن البوار وسلم من الخسران، حتى إذا ظن أن الدنيا قد واتته «4» ، وأن السعادة أقبلت عليه وسالمته الأيام: نزلت به مصيبة في جسمه أو ماله أو ولده ذهبت بوافر ثرائه.
واجتاحته جائحة أودت «5» بما جمع واقتنى. من مرض ممض، أو فقد ولد، أو سرقة، أو حريق، أو نحو ذلك من البلايا التي يصيب بها الله من لا يرعون لدينه حقا، ولا يخشون لبطشه بأسا ولا عقابا، ومن يتخذون اسمه هزؤا ولعبا، ويشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا، فيصبح صفر اليدين يندب حظه، ويلقي على الدهر تبعة ما أصابه، وما درى أنه هو الذي خاط لنفسه ثوب الفقر وما نزل به وهو الذي حفر لنفسه تلك الهوة «6» السحيقة التي تردّى فيها لا إلى نجاة أو قرار بما خفر من ذمته وكذب في قوله، ونقض من يمين الله واجب الوفاء بها، لازم رعايتها وهكذا يصدق عليه قول الله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ «7» .
فواجب المؤمن في تجارته أن يكون صادقا، أمينا لا خائنا ولا غاشا، وأن يقنع بالربح القليل من حلال طيب عن ربح كثير من حرام خبيث، لأن الأول كثير البركة
(1) غبنا: بخسا.
(2)
ينمق: نمق: الكتاب: كتبه فأحسن.
(3)
استمرأ: وجده مريئا.
(4)
واتته: واتاه على الأمر: طاوعه.
(5)
أودت: أودى: هلك.
(6)
الهوّة: الحفرة البعيدة القعر.
(7)
سورة القلم، الآيتان: 44، 45.