الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويؤخذ بيد العاصي فينصب على رؤوس الناس؛ وينادي مناد هذا فلان ابن فلان، فمن كان له حق فليأت، فيأتون.
فيقول الرب: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم؟
فيقول للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته، وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أتدرون من المفلس؟» ، قالوا:«المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع» ، فقال:«إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل ما لهذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» . [رواه الإمام مسلم «1» ] .
121- باب: في بطانة الخير وبطانة الشر
عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بعث الله من نبّي ولا استخلف من خليفة إلّا كانت له بطانتان! بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه؛ وبطانة تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى» . [رواه البخاري «2» ] .
اللغة:
البطانة: خاصة الرجل، الذين يبطنون أمره ويخصهم بمزيد التقريب يسمى به الواحد والجمع. يقال: بطن فلان بفلان يبطن به بطونا وبطانة، إذا كان خاصا به داخلا في أمره تحضه عليه: ترّغبه فيه وتحببه إليه.
الشرح:
من ولي أمور الناس ومهامهم فقد تعرض لخطير العظائم، وحمل جسيمات الأمور، وصار مرهوب البطش مأمول النوال «3» ، ومن شأن ذلك أن يترقب الناس أحواله. ويطرقون أبوابه، كل يبغي عنده الزلفى. ولهم في ذلك مارب شتى وهم في ذلك فريقان: فريق ناصح يبصره بمعايب الأمور ونقائص الأعمال، ويرشده
(1) رواه مسلم في كتاب: البر والصلة الآداب، باب: تحريم الظلم (6522) .
(2)
رواه البخاري في كتاب: الأحكام، باب: بطانة الإمام وأهل مشورته (7198) .
(3)
النّوال: النصيب والعطاء.
إلى مزالق الأقدام ومطارح الهلكة فيجنبه إياها، ويهديه السبيل الأقوم ويأخذ بيده إلى حيث السلامة والنجاة، فيكون الناصح الأمين، والصادق الوفي وإن أصابه في ذلك مكروه احتمله. وفريق يزين له كل ما صدر منه، ويموه أمام عينيه حقائق الأشياء فتبدو على صورة مستعارة، ويجعل كل ما يعمله أو يقوله كأنه إلهام أو وحي متلو لا يتطرق إليه الخطأ من ناحية من نواحيه.
كما يهون له ما يكون من خطل في رأيه، أو فساد إدارة حكمه، ويخفي الضرر الذي تبدو أعلامه في سبيله فلا يلبث حتى يرتطم في سوء عمله، وتشتبه عليه مصادره وموارده، ويرتبك «1» في سيئات ما صنع، فلا هو بمستطيع أن يتقدم فيزداد سوآ. ولا أن يتأخر إذا ضلت به السبل. ضم إلى ذلك تخلي الأوفياء المخلصين عنه، وانقضاضهم من حوله، فيعيا عليه الأمر ويعز «2» الهدى والسداد.
والشواهد على ذلك كثيرة في كل عصر وأمة، وما أخذ المسلمون من جميع نواحيهم إلا بتقريبهم بطانة الشر ورجال السوء وتوليتهم شئونهم غير الأمناء الصادقين، وتشريدهم أولي الرأي والحزم، وإقصائهم»
الصالحين الأكفاء، وتصديقهم ما يوسوس به إليهم شياطين الإنس، من زخرف القول والغرور، حتى ظنوا في السراب، شرابا، وفي الجديب «4» نضرة وريّا، فهلكوا وأهلكوا من تبعهم وتخطفتهم الأمم من كل جانب، وسامهم كل مفلس. وتكلم عنهم من لا يحسن لهم قولا، ولا يرعي لهم مصلحة ولا كرامة، وقديما كانت بطانة السوء وبالا على الأمراء والخلفاء والأمم، ونكالا «5» على الصالحين أولي القدرة على كفاء الأمور وتصريف الشؤون.
أجل: إنه ينبغي للحاكم أن يتخذ له من يكشف أحوال الناس في السر.
ولكن يجب ألايعتمد إلا من كان مأمونا ثقة فطنا «6» عاقلا، وأن يكون هو
(1) يرتبك: ارتبك الأمر: اختلط عليه ووقع فيه ولم يكد يتخلص منه.
(2)
يعزّ: يشتد ويشق.
(3)
إقصائهم: إبعادهم.
(4)
الجديب: جدب المكان جدبا: يبس لاحتباس الماء عنه.
(5)
نكالا: الجزاء والعقاب.
(6)
فطنا: فطن الأمر: تبيّنه وعلمه.