الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللغة:
الشطر: النصف. والعالة: جمع عائل وهو الفقير يقال: عال الرجل يعيل عيلة وعيولا إذا افتقر. وتكفف: واستكف بسط كفه للسؤال. أو سأل ما يكف عنه الجوع. أو سأل كفافا من طعام.
الشرح:
لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في حجة الوداع ذهب إلى سعد بن أبي وقاص يعوده من مرض اشتد به. حتى أشفى على الموت «1» . وكان سعد يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها.
ففي الحديث إلتفات من التكلم إلى الغيبة كما يدل لذلك رواية مسلم عن سعد قال: يا رسول الله خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة- لأنها كانت حصن المشركين الذين آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله. ويودّ أن يموت بدار الهجرة التي أعزّ الله فيها الإسلام. وسكنها المهاجرون المخلصون. الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل ما استطاعوا حتى ظهر دين الله. وصارت كلمته هي العليا. وكلمة الذين كفروا هي السفلى.
فمن أجل ذلك رغب سعد عن مكة إلى طيبة. عن الأرض الملوثة بالشرك وأرجاس «2» الأعداء. إلى الأرض المطهرة بالتوحيد وأعمال البررة الأتقياء.
ولما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم اسم سعد بن خولة من سعد بن أبي وقاص ترحّم عليه.
وكان صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفا رحيما. فكان يواسيهم ويعطف عليهم في حياتهم. ويدعو لهم بعد وفاتهم. وابن خولة هذا من المهاجرين الأولين الذين شهدوا بدرا. وقد توفي بمكة في حجة الوداع. فخشي سعد أن يكون نصيبه نصيب أخيه- فكلمة عفراء في الحديث وهم من الراوي صوابها خولة كما جاء ذلك في رواية الزهري «3» - ولقد قال سعد للرسول صلى الله عليه وسلم لما عاده: إنه قد بلغ بي الوجع ما ترى. وأنا ذو مال. أفأوصي بمالي كله؟ قال: «لا» ، قال: أفأوصي بالثلثين- جاء ذلك في رواية. قال: «لا» :
قال: أفأوصي بالنصف؟ قال: «لا» : قال: أفأوصي بالثلث؟ قال: «فالثلث توصي به.
(1) أشفى على الموت: أشرف وقارب عليه.
(2)
أرجاس: الرّجس: الكفر والحرام والفعل القبيح.
(3)
رواه مسلم في كتاب: الوصية، باب: الوصية بالثلث (4185) .
والثلث كثير» . إن الأولى النقصان عنه. ولا يزاد عليه، ذلك ما يتبادر إلى الفهم من هذه العبارة.
ويجوز أن يكون معناها: الثلث كثير في الأجر فهو الأكمل. ثم ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الحكمة في ترك الوصية بالكثير إلى الوصية بالقليل وهي أن ترك الورثة أغنياء. بما يرثونه عن الآباء. خير من تركهم فقراء يمدّون أكفهم إلى الناس استجداء «1» . ليضعوا في أيديهم من صدقاتهم ما يدفعون به الجوع. ويزيلون به مضض الحاجة «2» .
ثم بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم له أن كل نفقة ينفقها على زوجه أو ولده. أو أقاربه أو خدمة صدقة وله ثوابها. ما دام يبتغي بها وجه الله ويقصد وقاية هذه النفوس من ذلة المسألة. وكرب الحاجة أو يقصد كف أيديهم عن الحرام. وتوفيرها على العمل في سبيل الله. فكل ما أنفق صدقة. ولو كان قليلا. حتى اللقمة يرفعها إلى فم امرأته- إذا كانت مريضة مثلا. أو كان يداعبها بذلك. أو الغرض من رفعها إعدادها للأكل- وأما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لسعد ليبين له أن إنفاق المال على الأهل والأقرباء طريق إلى تكثير الأجر، فإن استقل أجر الوصية بالثلث أو بما دونه فليستكثره بالإنفاق.
والأقربون أولى بالمعروف. فإن امتدت به الحياة فليسلك هذا الطريق ثم رجا له الرسول ربه أن يرفعه من مرضه. ويطيل عمره. ويعلي من شأنه. حتى ينتفع به أناس.
ويضرّ به آخرون، وقد حقق الله رجاءه لسعد. فبرىء «3» من مرضه وأطال في عمره.
حتى عزّ به الإسلام. وذلّ به خصومه كما ترى بعد، ولم يكن لسعد ساعة مرضه إلا ابنة واحدة وقد وهب الله له من الذرية بعد برئه بضعه عشر ابنا، أربعة ذكور واثنتا عشر بنتا.
والحديث يدل على جواز الوصية بالثلث، وعلى أن الأولى أن ينقص عنه واستدل به على منع الوصية بأزيد من الثلث.
قال في الفتح: وقد استقر الإجماع على ذلك لكن اختلف فيمن ليس له وارث
(1) استجداء، سجد: خضع وتطامن.
(2)
مضض: المضض: التألم. مضض الحاجة: شدة آلامها.
(3)
برىء: شفي وتخلص مما به.
خاص. فذهب الجمهور إلي منعه من الزيادة على الثلث. وجوزه الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية، وهو قول علي وابن مسعود، واحتجوا بأن الوصية في القرآن مطلقة. فقيدتها السنة بمن له وارث. فبقي من لا وارث له على الإطلاق، وفي الحديث زيارة الإمام للمرضى، فلا يستنكف «1» الملوك والوزراء والعظماء من زيارتهم، وإن كانوا من الطبقة الدنيا، وفيه الفسح للمريض في طول الحياة، وجواز تحدثه بشدة مرضه. وزيادة ألمه. إذا لم يقترن ذلك بالاعتراض على القدر وأن ذلك لا ينافي الصبر على البلاء. خصوصا إذا كان في ذلك رجاء دعاء أو طلب دواء، وفيه الحث على صلة الرحم. والإحسان إلى الأقارب؛ وأن ذلك أولى من صلة الأباعد والإنفاق في وجوه البر الآخرى؛ وفيه التزام العدالة في الوصية. ومنع حرمان الورثة، ولو كانوا بنات كما جرت به عادة الجهلاء. يكتبون أموالهم لبنيهم، ويحرمون بناتهم خشية أن تنتقل الثروة لغير الأسرة. وما درى هؤلاء أن المال يرفع من شأن الزوجة لدى زوجها ويعظم مكانتها. ويرغّب الخاطبين في الفتيات. وأن البنات قد ينكبن «2» في أزواجهن الذين يعولونهن. وقد يدّعون لهن ذرية ضعافا. فالمال عدة لهن إذا ترملن. بل عدة لهن إذا قل مال الأزواج أو زال، فالعدالة في العمل على تنفيذ ما أوصانا الله به في أولادنا، بل في سائر ورثتنا، وإنك لا تحسن التوزيع في حال الحياة. فدعه لله بعد الوفاة. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
تتمة: سعد بن أبي وقاص هذا الذي رجا له رسول الله صلى الله عليه وسلم العلو، هو صحابي جليل هاجر إلي المدينة قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شهد بدرا والمشاهد كلها وبشره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة. وأول من رمى في سبيل الله؛ وأحد ستة الشورى الذين عيّنهم عمر للخلافة. وفارس الإسلام. وقائد جيوشه في فتح العراق ومدائن كسرى.
وهو الذي خطط أرض الكوفة لقبائل العرب ومكث واليا عليها مدة عمر؛ وأقرّه عثمان زمنا ثم عزله؛ فعاد إلى المدينة. وفقد بصره؛ وعاش قليلا ثم مات في قصره بالعقيق على مقربة من المدينة سنة 55.
(1) يستنكف: استنكف: امتنع مستكبرا.
(2)
ينكبن: نكب عنه: مال عنه واعتزله.