الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
أن خطاب الشرع للواحد يعم من كان على صفته من المكلفين لإجماع العلماء على أن هذا الحكم عام وليس مختصا بسعد.
4-
إباحة جمع المال من طرقه المشروعة والحث على صلة الأقارب.
94- باب: القصد في العبادة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلمّا أخبروا كأنهم تقالوّها، فقالوا وأين نحن من النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فقال أحدهم:
أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتّزل النّساء فلا أتزوّج أبدا فبلغ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك فحمد الله وأثنى عليه. وقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» . [رواه البخاري «1» وغيره] .
اللغة:
الرهط: الجماعة من ثلاثة إلى عشرة، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، والنفر: من ثلاثة إلى تسعة.
والثلاثة الذين في الحديث هم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو، وعثمان بن مظعون رضي الله عنهم تقالوها: رأى كل منهم أنها قليلة- أخشاكم لله وأتقاكم: أكثرهم خشية لله وتقوى منه، ما بال أقوام: ما شأنهم وما حالهم، الرغبة عن الشيء: كراهيته والإعراض عنه. والرغبة فيه: حبه والميل إليه، السنة: الطريقة.
الشرح:
كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يتحرون «2» عبادة النبي عليه الصلاة والسلام ومقاديرها رجاء أن يكون لهم حظ مقاربته في الدرجة والمنزلة عند الله
(1) رواه البخاري في كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح (5063) .
(2)
يتحرون: يقصدونها ويجتهدون في طلبها.
تعالى فجاء ثلاثة منهم إلى أزواجه يسألون عن كيفية عبادته في السر ومقاديرها، فلما علموا أنها لا تزيد على عبادتهم وجدوها قليلة بالنسبة إليهم. لا تفي بما يبغون الحصول عليه من الزلفى ورأوا من وعد الله غفران ذنوب الرسول صلى الله عليه وسلم ما تقدم منها وما تأخر ما يغنيه عن كثرة العبادة، وأنهم دونه في ذلك بمراحل كبيرة، وفي حاجة إلى مداومة الطاعة والإكثار منها.
فأخذ كل على نفسه أن يلازم نوعا من العبادة لا ينقطع عنه، فرأى أحدهم أن يجافي جنبه عن المضاجع ليلا ويصرف جميع لياليه أبدا في العبادة فلا يعطي نفسه حظها من النوم والراحة، لأن السهر في ذكر الله يصفي الفكر، ويرفق الذهن، والنوم يدعو إلى الكسل والتراخي ويبلد النفس. ورأى آخر أن يصوم الدهر ولا يفطر، لأن الصيام يكبح «1» جماح «2» شهواته ويكسر شره نفسه وينفي ما خبث من طباعه ويغسل ما دنس من أخلاقه، ويجعله يستشعر الرحمة والرأفة بالضعفاء والفقراء والمساكين.
ورأى آخر أن يعتزل النساء فلا يتزوج، لأن ذلك يبعده عن الاشتغال بالدنيا وملاذها وينسيه عبادة الله حيث يشغله أمر معاشه والسعي على أولاده وتربيتهم والنظر في أمورهم من التفرغ للطاعة.
فلما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم خطب المسلمين منبها إلى خطأ ما عزم عليه هذا النفر؛ وإلى أن التقرب إلى الله لا يكون بتحميل النفس فوق طاقتها وإجهادها بالشاق من الطاعات بل إن خير الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وأنهم يوشكون أن يوقعوا أنفسهم في عجز وضعف لا يقوون معهما على أدنى أنواع العبادات فضلا عن أعلاها فيكونون كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. وخير لهم أن يترفقوا بأنفسهم ليستديموا الطاعة ويتمتعوا بما أحله الله لهم من الطيبات، إذ لا رهبانية «3» في الإسلام.
ولقد كان من آدابه صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا يكرهه وخطب في شأنه ألا يعين فاعله ولا يواجهه بما يكره ولا يسميه باسمه على رؤوس الملأ. بل يقول: ما بال رجال أو ما بال أقوام لأن المقصود وهو الزجر عما اعتزموا عليه يحصل لهم ولغيرهم ممن سمع
(1) يكبح: يمنع ويرد.
(2)
جماح: جمح الرجل: ركب هواه فلا يمكن رده.
(3)
رهبانية: هي التخلي عن أشغال الدنيا، وترك ملاذها، والزهد فيها والعزلة عن أهلها.